دراسات قانونية

تقييد وتشطيب الحقوق العينية بين النص والواقع (بحث قانوني)

تقييد وتشطيب الحقوق العينية بين النص التشريعي والواقع العملي

عبد الحليم بالحاج
هشام مزيغ
سمير بشريف
حنان العلالي
إلهام بغدادي.

ماستر المتخصص في قانون العقار والتعمير

تم إعادة النشر بواسطة محاماة نت

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

مقدمة

يشكل قانون التحفيظ العقاري إحدى الركائز الأساسية لتثبيت الملكية العقارية، وتعتبر عملية التحفيظ وسيلة هامة لحفظ و صيانة الثروة العقارية باعتبار أن الرسم العقاري يعطي للملكية قوة و مناعة و يحميها من كل تسلط أو عبث[1].
و يهدف المشرع المغربي إلى إدخال اكبر عدد ممكن من العقارات في نظام التحفيظ العقاري من خلال تنصيصه على عدم إمكانية إخراج العقار المحفظ من هذا النظام بعد تحفيظه كما ينص على ذلك الفصل الأول من القانون رقم 07-14[2].
إن نظام التحفيظ العقاري يحتل مكانة متميزة على رأس الأنظمة القانونية الأكثر تطورا بمختلف تيارات التقدم، إذ يعد الوسيلة الفعالة لبناء المشروعات العملاقة، من خلال إدماجه للملكية العقارية في الحياة الاقتصادية و مساهمه في استقرار المعاملات و تسهيله للحصول على القروض الشيء الذي ينعكس إيجابا على مالية الأفراد و الاقتصاد الوطني[3].
و يستمد نظام التحفيظ العقاري هذه الأهمية من خلال نوعية الإجراءات و المسطرة التي يتم إتباعها لتحفيظ العقار، إذ تمر عملية التحفيظ بمراحل دقيقة و متسلسلة توفر ضمانة سواء بالنسبة لطالب التحفيظ أو الاغيار من خلال عمليتا الإشهار و التحديد و تمكين الأغيار من تقديم التعرضات، و تحميل المحافظ العقاري مسؤولية في حفظ السندات و الوثائق …

و هذا كله من أجل ضمان حماية حقوق الأفراد و عدم التطاول على حقوق الغير، و بعد سلوك مسطرة التحفيظ المنصوص عليها في القانون رقم 07-14 يتم التوصل إلى تأسيس الرسم العقاري الذي يعد بمثابة عنوان للحقيقة إذ يطهر العقار من جميع الحقوق السالفة على تكوينه والغير المقيدة فيه، وهنا نستشف انه يمكن أن تقيد في الرسم العقاري مجموعة من الحقوق و تكون ثابتة و ذات حجية مطلقة كمبدأ، فمثلما أتاح المشرع للأفراد الحق في إيداع ما لهم من حقوق على العقار في طور التحفيظ حسب صريح المادة 84 من القانون رقم 07-14 ، فقد خول لكل ذي حق إمكانية تقييد حقه على الرسم العقاري أيضا بعد تأسيسه و صيرورته قائما و منتجا لآثاره، و في المقابل فقد أتاح المشرع إمكانية التشطيب على أي حق من الرسم العقاري بعد تقييده.
و على هذا الأساس يمكن تعريف التقييد بأنه تسجيل لحقوق ناشئة للأفراد على عقار تم تحفيظه و يتوفر على رسم عقاري بحيث يتم الاعتراف بالحقوق المقيدة فيه دون سواها من الحقوق غير المقيدة، أما التشطيب فهو إلغاء المحافظ ما ضمن بالسجل العقاري و ذلك بإبطاله بناء على طلب جديد يقدم إليه[4].

و جدير بالذكر أن المشرع قد خول للمحافظ سلطة اتخاذ مجموعة من القرارات سواء بشان التقييدات أو التشطيبات و ترك إمكانية الطعن فيها، كما ألقى على عاتقه مسؤولية بشان هذه التقييدات و التشطيبات.
و يكتسي موضوع التقييد و التشطيب على الحقوق العينية من الرسم العقاري أهمية قصوى نظرا لفائدته في إشهار كل ما يتحمله العقار المحفظ، و يعطي صورة واضحة لكل من له علاقة بالعقار عن وضعيته، كما أن مسالة التقييد تساهم في اكتساب الحقوق، إذ لا يعتبر الحق العيني موجودا إلا ابتدءا من تقييده في الرسم العقاري كما انه بمجرد التشطيب عليه يعد كان لم يكن و لا يغترف به قانونا، فأهمية هذا الموضوع تستشف من الغاية التي يروم إليها المشرع من خلال إقراره لعمليتي التقييد و التشطيب و التي تكمن في إشهار جميع الوقائع و التصرفات و الاتفاقات التي ترد على العقار المحفظ.
و الإشكال الذي يطرح نفسه في هذا الموضوع يتعلق بمسطرة التقييد و التشطيب على الرسم العقاري و آثارها من جهة أولى، و كذا نوعية القرارات التي يتخذها المحافظ بشان التقييدات و التشطيبات و كذا حول مسؤوليته في هذا الإطار من جهة ثانية ؟
و على هذا الأساس فقد ارتأينا تقسيم موضوعنا إلى مبحثين على الشكل التالي:
المبحث الأول: مسطرة التقييد و التشطيب على الحقوق العينية العقارية
المبحث الثاني: قرارات و مسؤولية المحافظ بشان التقييدات و التشطيبات.

المبحث الأول: مسطرة التقييد و التشطيب على الحقوق العينية العقارية

بالرجوع إلى الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله و تتميمه بالقانون رقم07-14 نجده ينص على وجوب إشهار الوقائع و التصرفات التي تقع على العقار المحفظ سواء كانت بعوض كالبيع أو بدون عوض كالهبة أو الصدقة، و يكون هذا الإشهار بالتقييد أو التشطيب، ذلك انه بعد إنشاء الرسم العقاري قد تقع على العقار المحفظ مجموعة من التغييرات و تترتب عنه حقوق عينية متنوعة، و عليه سنبحث مسطرة تقييد الحقوق العينية و آثارها (المطلب الأول)، على أن نتناول مسطرة التشطيب على الحقوق العينية المقيدة بالسحل العقاري( المطلب الثاني).

المطلب الأول: مسطرة تقييد الحقوق العينية و آثارها

تمر عملية التقييد على الرسم العقاري بمجموعة من المراحل و الإجراءات كما أن تقييد الحقوق العينية على الرسم العقاري يترتب عنه آثار مهمة، و هو الأمر الذي يدفعنا لتناول مسطرة تقييد الحقوق العينية في الرسم العقاري ( الفقرة الأولى )، و كذا الآثار الناتجة على تقييد الحقوق العينية ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مسطرة تقييد الحقوق العينية

إن نظام التحفيظ العقاري هو نظام خاص يعتمد على قواعد متينة لضبط الحقوق الواقعة على الملكية العقارية ضبطا محكما، ذلك أن الحقوق التي يتم تقييدها بالسجلات العقارية تكون محفوظة لدى محافظة الأملاك العقارية لاعتبارها عنوانا للحقيقة و مرجعا لكل من يريد الاطلاع على حالة العقار من الوجهتين سواء المادية او القانونية[5].
فبعد تأسيس الرسم العقاري فان أي تصرف يتعلق بالعقار المؤسس له الرسم العقاري يجب أن يقيد في السجل العقاري و فق مسطرة خاصة نظمها المشرع المغربي تنظيما دقيقا، يترتب على عدم مراعاتها رفض طلب التقييد[6].
فالغاية من إنشاء السجل العقاري تتمثل في إشهار كل ما يتعلق بالعقارات، و ما يبرم من اتفاقات أو معاملات و ما ينشا عليها من تقييدات احتياطية ليكون الغير على علم بها، فتقييد الحقوق العينية في السجل العقاري أمر مرغوب فيه نظرا لما يترتب عليه من فوائد سواء بالنسبة للراشد أو القاصر أو المحجور عليه، فعملية التقييد هي إجراء يطلع بدور في غاية الأهمية متمثلا في صون الحقوق و إثباتها و تخويلها رتبة الأفضلية على الحقوق المقيدة في تاريخ لاحق على تقييدها[7]، فما هي شكليات طلب التقييد؟ و ما هي خصوصيات التقييد الاحتياطي؟

أولا: شكليات طلب التقييد

”يتعين على كل شخص يريد تقييد حق من الحقوق القابلة للتقييد في الرسم العقاري أن يقدم إلى المحافظة العقارية طلبا يتضمن بيانات محددة”[8]، إذ يجب أن يكون الطلب في شكل كتابي و أن يقدم مباشرة إلى المحافظة العقارية صاحبة الاختصاص أي تلك التي يقع العقار بدائرة نفوذها[9]، و يكون هذا الشخص الذي يتقدم بالطلب أما صاحب الحق أو من ينوب عنه بوكالة صحيحة تخوله القيام بهذا الإجراء[10]، أما إذا كان الحق المراد تقييده في ملكية القاصرين أو المحجورين فان الطلب يتم تقديمه من طرف نوابهم الشرعيين أو الأوصياء عليهم و إلا فبطلب من القاضي المكلف بشؤون القاصرين أو وكيل الملك[11].
و بالنسبة للأشخاص الذين لهم الحق في طلب التقييد في السجل العقاري نجد أن القانون سمح لكل صاحب حق من الحقوق الخاضعة لنظام التقييد مطالبة المحافظ العقاري بتقييد حقه في السجل العقاري[12]، و لابد أن يكون طالب التقييد أهلا للقيام بهذا العمل، أي انه يجب أن يكون كامل الأهلية حسب قواعد مدونة الأسرة[13].

و بالرجوع إلى الفصلين 69 و 78 من القانون رقم 07-14 نجد أن المشرع اشترط في طلب التقييد ان يكون متضمنا لمجموعة من البيانات[14] تتمثل في ما يلي:
1-تعيين العقار الذي يجب أن يقع عليه التقييد ببيان رقم الرسم العقاري بما له و ما عليه من أعباء و حقوق.
2-بيان نوع الحق الذي يطلب تقييده، هل هو انتقال الملك أو حق الانتفاع أو الرهن أو الوقف أو غير ذلك من الحقوق العينية التي تثقل العقار[15].
و عموما فان أهم البيانات التي يجب أن يتأكد منها المحافظ أثناء طلب تسجيل حق من الحقوق العينية نذكر:
أ-الاسم العائلي و الشخصي لصاحب الحق .
ب-الصفة التي تقدم بها صاحب الطلب، بمعنى هل أصالة عن نفسه أو نيابة عن غيره و الإدلاء بالوكالة عند الاقتضاء .
ج-بيان الحالة المدنية لطالب التسجيل للتأكد من توافر الأهلية القانونية.
د-جنسية طالب التقييد لمعرفة ما إذا كان مغربيا أو أجنبيا و في حالة تفويت عقار باسم أجنبي يجب بيان سبب الملكية.
ه-يتعين ذكر تاريخ العقد لمعرفة ما إذا كان سابق على التحفيظ أم لا إذ لا يمكن تسجيل إلا الحقوق المكتسبة بعد التحفيظ، فالرسم العقاري لا يعترف بالحقوق السابقة على نشوءه و غير المقيدة فيه.
و-إذا كان التصرف يتعلق بعقار على الشياع ينبغي تقديم نفس البيانات المذكورة بالنسبة لكل شريك مع بيان نصيب كل واحد منهم
ز-اسم العدلين الذين تلقيا الإشهاد ومحكمة التوثيق التابعين لها أو اسم الموثق الذي تلقى ذلك الإشهاد و عنوانه،و إذا كانت الوثيقة عرفية يتعين أن تكون موقعة من الأطراف و أن يكون توقيع كل واحد منهم مشهودا بصحته من طرف السلطات المختصة.
ن-يتعين على الورثة إذا رغبوا في تسجيل حقوقهم الارثية باسم كل واحد منهم أن يبرزوا صك وفاة مورثهم و شهادة بحالتهم المدنية و حقوقهم الارثية[16]، أما الموصى لهم فعليهم إبراز صك الوصية أو نسخة منه، و إذا ألزم الأمر يجب أن يضيف إلى ذلك ما يثبت عدم وجود من ينازعهم في ذلك مثلا قرار السلطة القضائية المختصة[17]، و إذا كان من بين حقوق المورث احد الحقوق العينية غير المقيدة باسم المورث في حياته، فانه يمكن قبل تصفية التركة او قسمتها تقييد ذلك الحق في السجل العقاري باسم التركة بإظهار شهادة وفاة الحائز و إراثته[18].

ح-يتعين الإدلاء بنسخة من الحكم في حالة كون الحق المطلوب تقييده قد نشا بمقتضى حكم قضاءي.
ك-يجب أن تكون الوثائق التي أدلي بها عند طلب التقييد صحيحة من حيث الشكل و المضمون[19].
ي-إضافة إلى كل ما سبق يجب أن يكون الحق المطلوب تقييده لا يتعارض مع ما هو مسجل بالرسم العقاري و غير مخالف لما نص عليه القانون رقم 07-14.[20]
هكذا و يعتبر المحافظ على الأملاك العقارية الجهة المؤهلة قانونا للقيام بطلبات التقييد النهائي أو المؤقت في الرسم العقاري[21].
و بالرجوع إلى الفصل 76 من القانون رقم 07-14 نجده نص على كيفية التقييد حيث جاء فيه: ” يجب على المحافظ على الأملاك العقارية أن يتخذ سجلا للإيداع يثبت فيه حالا الإجراءات المطلوبة و الوثائق المسلمة إليه بأرقام ترتيبية و حسب ورودها عليه دون ترك أي بياض و لا إحداث أي إقحام بين السطور.
و إذا قدمت في آن واحد عدة طلبات متعلقة بتنفس العقار فانه ينص على ذلك بسجل الإيداع و تقيد الحقوق بنفس الرتبة، فان تنافى بعضها مع البعض رفض المحافظ على الأملاك العقارية التقييد”.

و تسلم لطالب التقييد شهادة على الإيداع إذا رغب في ذلك، و في حالة تعدد المطالب و اختلافها يتم الإشارة إلى ذلك في سجل الإيداع و تقيد هذه الحقوق في وقت واحد و بنفس الرتبة، لكن إذا كانت المطالب تتعارض كعقد شراء لفائدة شخص و عقد هبة لفائدة شخص آخر واقعين على نفس العقار فان المحافظ يرفض تقييدها و هو ما يستنتج من الفقرة الثانية من الفصل 76 المذكور أعلاه.
و جدير بالذكر أن قرار المحافظ برفض التقييد يجب أن يكون معللا، كما يجب أن يبلغ بدون تأخير لطالب التقييد بهدف تمكين هذا الأخير من الطعن فيه خلال شهر من تاريخ التبليغ بمقتضى مقال يودع لدى كتابة ضبط المحكمة الابتدائية[22].

و يجب أن يتلقى المحافظ طلب التقييد ممن يكون العقار أو الحق مقيدا على اسمه و ذلك حفاظا على تتابع التقييدات أو ما يعرف بمبدأ استمرار التقييد فلو باع ‘’هشام’’ عقاره ل’’عبد الحليم’’ ثم باع عبد الحليم عقاره ل’’سمير’’ فان ‘’سمير’’ لا يستطيع تقييد العقار على اسمه ما لم يكن ‘’عبد الحليم’’ قد سبق و قيد البيع الواقع لمصلحته[23].
و بالنسبة لآجال التقييد نجد أن من اكتسب حقا عينيا خاضعا للتقييد لا يلزم بتقييده في تاريخ معين ذلك أن المشرع المغربي لم يحدد أي اجل قانوني يفرض على أصحاب الحقوق القيام بهذا التقييد خلاله طبقا للفصل 65 من القانون رقم 07-14. إلا أن الفصل 65 مكرر يحدد آجال التقييد في ثلاثة أشهر و نص على غرامة تصاعدية عن التأخير في الأداء داخل الأجل المحدد، إلا أنها غرامة يمكن الإعفاء منها من طرف مدير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية في حالة القوة القاهرة، إلا أن فوات الأجل المذكور لا يسقط الحق في التقييد بل تفرض الغرامة المقررة في هذا الشأن[24].ذلك أن ” القانون العقاري لم يضع أي اجل في مواجهة مكتسبي الحقوق العينية العقارية من اجل تسجيل حقوقهم، و ليس باستطاعة المحافظ رفض طلب تسجيل عقد قدم إليه بصفة قانونية مهما كان تاريخ هذا العقد”[25].

و على هذا الأساس فان المحافظ ليس بإمكانه رفض طلب تقييد حق من الحقوق قدم خارج الأجل ما دام الطلب يتوفر على كل الشروط التي يتطلبها القانون[26]، و عليه فان الحق في تقييد الحقوق العينية حق لا يتقادم بمرور اجله، و الشرط الأساسي أن يكون هذا الحق مبنيا على أساس قانوني و يقدم بالطريقة و الشكلية التي نص علها القانون.
و تجدر الإشارة إلى أن الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية لا يمكن تقييدها بالرسم العقاري إلا بعد موافقة صريحة من صاحب حق الملكية، و نظرا لتخوف المتعاملين في المجال العقاري فانه نادرا ما يحصل صاحب حق السطحية أو حق العلو… على موافقة صاحب حق الملكية بتقييد حقه في الرسم العقاري، مما يفضي إلى القول أن الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية يكاد ينعدم تسجيلها في الرسم العقاري منفصلا عن حق الملكية[27] خصوصا في محافظي الحسيمة و الناظور.

ثانيا: خصوصيات التقييد الاحتياطي

التقييد الاحتياطي هو تقييد مؤقت قد يصل إلي تقييد نهائيا في الرسم العقاري،كما قد يصل إلى التشطيب عليه حسب الحالات[28]، ذلك انه قد توجد بعض الحقوق العينية في وضعية يتعذر معها تقييدها بصفة نهائية لوجود مانع مؤقت كان يكون العقد ناقصا من بعض الشكليات المتعلقة به أو لوجود خطا من الأخطاء المادية أو بسبب انتظار صدور حكم قضائي يعترف بذلك الحق لذلك اوجد المشرع مؤسسة التقييد الاحتياطي كتقييد مؤقت في الرسم العقاري وظيفته الأساسية تتمثل في إعلام الأغيار عن وضعية العقار[29]، و تمكين صاحب الحق العيني من تعييده بصفة نهائية عند زوال المانع[30]. ويكتسي التقييد الاحتياطي أهمية بالغة داخل منظومة التشريع العقاري المغربي،فهو المؤسسة الأكثر ديناميكية و فعالية من بين مؤسسات نظام السجل العقاري المغربي[31].

إذن فالغاية من مؤسسة التقييد الاحتياطي تكمن في إمكانية الإشارة إلى الحق المدعى و الذي استحال تسجيلها بداية،إذ تعمل هذه المؤسسة على منح صاحب الحق إمكانية تقييد حقه بعد تلاشي المانع، فالتقييد الاحتياطي فهو بمثابة ضمانة للحقوق غير القابلة مؤقتا للتقييد النهائي كما أسلفنا[32].
و جدير بالذكر أن التقييدات المؤقتة الضامنة للحق العيني يتم تصنيفها تبعا لمعيار طبيعة الحق المراد حمايته في الرسم العقاري، ذلك أن أحقية المتقاضي في ممارسة التقييدات المؤقتة بالرسم العقاري ليست مطلقة، بل هي مقيدة بحسب طبيعة الحق المراد حمايته و المحافظة عليه مؤقتا، و نشير إلى أن الحقوق ليست على درجة واحدة إذ لا يمكن القول أن جميع الحقوق تقبل تقييدها أيا كانت طبيعتها القانونية، باعتبار أن الحقوق القابلة للتسجيل حصرها المشرع وفق نصوص القانون العقاري[33].
و نجد أن الحقوق العينية تدخل ضمن الحقوق القابلة للتقييد الاحتياطي، ذلك أن الحقوق القابلة لان تكون محلا للتقييدات المؤقتة هي الحقوق القابلة للتسجيل بالرسم العقاري.
و عموما فان التقييد الاحتياطي قد يكون بناء على سند إذ خول القانون لحامل السند أن يلجا إلى المحافظ مباشرة و تقديم طلب لإجراء تقييد احتياطي يبين فيه الحق الذي يدعيه على العقار موضوع التقييد[34]، و قد حدد المشرع مدة صلاحية هذا النوع من التقييد الاحتياطي في عشرة أيام، و بعدها يمكن للمحافظ التشطيب عليه تلقائيا بمجرد انتهاء هذه المدة[35]، مع العلم أن المحافظ لا يقبل طلب إجراء تقييد احتياطي بناء على سند إذا كانت مقتضيات القانون تمنع تقييده النهائي[36].
و إلى جانب هذا النوع من التقييد قد يبنى طلب التقييد الاحتياطي على أمر من رئيس المحكمة الابتدائية إذ يمكن لصاحب الحق تقديم مقال إلى رئيس المحكمة الابتدائية بواسطة محام يبين فيه الأسباب التي منعته من تقييد حقه نهائيا[37]، ليقوم الرئيس بالنظر في الطلب، و حين تأكده من توفر الطلب على الشروط المتطلبة قانونا يصدر أمره بإجراء تقييد احتياطي[38].
جاء في قرار صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بوجدة[39] ما يلي: ” في إطار المادة 148 من قانون المسطرة المدنية و الفصلين 85 و 86 من قانون التحفيظ العقاري حيث أن الطلب وجيه و مبرر لأجله نوافق على الطلب، و نأذن للطالبين بإجراء تقييد احتياطي بالرسم العقاري …للحفاظ على حقوقهم عن أعمال عقود الوعد بالبيع…”
و نجد أن مفعول هذا النوع من التقييد الاحتياطي يستمر ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ صدور الأمر و ليس من تاريخ تقييده بالمحافظة العقارية، و تكون هذه المدة قابلة للتمديد بأمر من رئيس المحكمة الابتدائية شريطة تقديم دعوى في الموضوع، و يستمر مفعول هذا التقييد إلى حين صدور حكم نهائي[40].
كما أن هناك حالة أخرى للتقييد الاحتياطي و تكون بناء على نسخة من مقال الدعوى إذ يستطيع أي أحد يدعي حقا أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بهذا الحق، و أن يقوم بإجراء تقييد احتياطي للاحتفاظ المؤقت به، و هنا تبرز الصورة الواضحة لهذا النوع من التقييد الاحتياطي، إذ يتم هذا الأخير بناء على طلب موجه إلى المحافظ على الأملاك العقارية مرفقا بالنسخة من مقال الدعوى الذي سبق للمعني بالأمر وضعه بكتابة ضبط المحكمة و أشرت عليه.
و قد حدد المشرع في القانون العقاري الجديد آجال هذا النوع من التقييد الاحتياطي في شهر، يمكن أن يمدد بأمر صادر من رئيس المحكمة الابتدائية[41].
من هنا نستشف أن التقييدات تعتبر من أهم التصرفات التي قد ترد على الرسم العقاري بعد إنشاءه، و أن الحقوق العينية تعتبر من أهم الحقوق التي يتم تقييدها في الرسم العقاري نظرا لأهميتها و للسلطة التي تخولها لصاحبها على العقار موضوع التقييد، و بما أن طلب تحفيظ العقار لا يمكن أن يقدم إلا من طرف صاحب حق الملكية عمليا كما أسلفنا، فان أصحاب الحقوق الأخرى كحق السطحية و حق الزينة و حق الهواء و التعليةزو حقوق الارتفاق… لا يبقى أمامهم سوى تقييد حقوقهم في الرسم العقاري بإتباع الإجراءات المنصوص عليها قانونا و بهدف الحفاظ على حقوقهم هذه و حمايتها من الضياع.

الفقرة الثانية: الآثار الناتجة على تقييد الحقوق العينية

إن الاعتراف بالوجود القانوني للحقوق العينية المترتبة على العقارات المحفظة عن طريق تقييدها بالرسوم العقارية تترتب عليها مجموعة من الآثار التأسيسية و القانونية سواء بالنسبة للأطراف أو تجاه الغير، ذلك أن التقييد في الرسم العقاري له اثر منشئ (أولا)، كما أن التقييد في الرسم العقاري له حجية قاطعة فيما بين الأطراف و تجاه الغير أيضا( ثانيا).

أولا: الأثر المنشئ للتقييد

قرر المشرع قاعدة في غاية الأهمية تفيد بأن التسجيل أو التقييد في الرسم العقاري له أثر منشئ للحق، و يعني أن تصرفات الأفراد المتعلقة بالحقوق العينية العقارية المتربة على العقارات المحفظة لا تنشأ إلا بمقتضى واقعة التقييد في الرسم العقاري و دون إعتبار أية وسيلة أخرى[42]، ذلك أن التصرف الذي يتم تقييده يصبح الحق بمقتضاه موجودا و ثابتا، في حين أن صاحب الحق الذي لم يتم تقييده لا يتوفر على آية فائدة قانونية مهما كانت المستندات التي يعتمد عليها لإثبات حقه[43].
بل أكثر من ذلك فان صاحب أي حق عيني عقاري متعلق بعقار محفظ يظل مالكا لحق شخصي فقط لا في مواجهة الغير فقط بل حتى إزاء المتعاقد معه، و لا يكون له سوى حق في طلب التقييد، و ابتداء من تاريخ التقييد يصبح حقه حقا عينيا عقاريا حسب مفهوم ظهير التحفيظ العقاري[44].
و يختلف هذا المبدأ عن المبدأ المعمول به في تونس مثلا، حيث لا يهم التقييد إلا الغير أما في ما بين الأطراف فان الحق ينشا بمقتضى تراضيهم و اتفاقهم و لا يخضع الاعتراف بوجوده لشكلية التقييد[45].
و يترتب على الأثر القانوني أو التأسيسي للتقييدات نتيجتان:
النتيجة الأولى ايجابية: تتمثل في الاعتراف القانوني بالحقوق المقيدة في ما بين الأطراف و في مواجهة الاغيار، فلكي يقيد الحق يجب أن يكون مأخوذا عن صاحب التقييد السابق، مما يعني انه في حالة ما إذا كان الحق العيني العقاري أو التحمل العقاري موضوع عدة انتقالات أو اتفاقات متتالية فانه لا يمكن تقييد آخر انتقال أو اتفاق إلا بعد تقييد كل الانتقالات أو الاتفاقات السابقة، و بالتالي فانه يستحيل الاعتراف بالوجود القانوني لأي حق عقاري و إضفاء صبغة الحق العيني عليه إلا بتقييده بالرسم العقاري المعني بالأمر[46].
النتيجة الثانية سلبية: حيث ينتج عن عدم التقييد عدم الاعتراف بالوجود القانوني للحقوق[47] و هذا في نظرنا قد يؤدي إلى إهدار حقوق العديد من الأفراد ذوي النية الحسنة، خصوصا الأشخاص الذين يعذرون على جهلهم بالمقتضيات القانونية.
و عند الحديث عن آثار التقييد في الرسم العقاري لابد من الإشارة إلى آثار التقييد الاحتياطي حيث يؤدي هذا الأخير إلى تجميد العقار و حرمان مالكه من التصرف فيه بالبيع أو الرهن، أما الآثار القانونية المترتبة على التقييد الاحتياطي فيمكن تحديدها في أن التقييد يصون الحق المنازع فيه، و يعين رتبة التسجيل في ما بعد ابتداء من تاريخ إجراءه في حالة طلب التقييد بناء على نسخة من مقال الدعوى[48].
إلا انه من جهة أخرى نجد أن هناك بعض الاستثناءات على مبدأ الأثر التأسيسي للتقييد، إذ نجد بعض الحقوق العينية التي يثبت لها الوجود رغم عدم تقييدها و تأتي في مقدمة هذه الحقوق، حقوق الارتفاق الطبيعية كحق مسيل المياه الطبيعية منم الأراضي العالية على الأراضي المنخفضة، إذ تعتبر معفاة من التقييد في السجل العقاري، و نفس الشيء بالنسبة للارتفاقات القانونية كحق المرور. كما اعفي المشرع الامتيازات العقارية المتمثلة في المصاريف القضائية المنفقة لبيع العقار و توزيع الثمن و في حقوق الخزينة من الإشهار و التقييد في السجلات العقارية[49].
كما أن هناك حقوق عينية تكون قائمة بغض النظر عن عدم تقييدها في الرسم العقاري و يتعلق الأمر بالرهن المؤجل و الحقوق العينية الناشئة عن الإرث إذ يعتبر الأول- الرهن المؤجل- قائما و موجودا خلال الفترة التي اتفق عليها المتعاقدان و أقصاها تسعون يوما إذ يمكن الاحتجاج به تجاه الغير رغم عدم تقييد الرهن في السجل العقاري، أما بالنسبة للحقوق العينية الناشئة عن الإرث فهي تعتبر قائمة بالنسبة للوريث، إلا أن هذا الأخير يكون مقيدا في تصرفه في حقه، ذلك انه حتى في حالة تصرفه في ملكه فان هذا التصرف لا ينفذ بالنسبة للغير ما لم تقيد الحقوق الموروثة في السجل العقاري[50].

ثانيا: حجية التقييد في الرسم العقاري

إن من اكتسب حقا بالاستناد إلى ما هو مضمن بالرسم العقاري و بحسن نية يتمتع بحماية قانونية لحقه، و بصورة عامة يمكن القول أن التقييدات المضمنة بالرسم العقاري لها قوة في الإثبات و هي تشكل حجة و دليلا قويا في ما بين الأطراف و في مواجهة الغير، على أن هذه الحجية ليست مطلقة بل إن قوتها في الإثبات مرتبطة بمدى صحة التصرف و حسن نية الأطراف، و هنا تختلف آثار التقييد عن آثار التحفيظ، فالقيمة الاثباتية للحقوق الناتجة عن التقييدات تكتسب حجية إلا أنها حجية نسبية في حين تبقى القيمة الاثباتية للتحفيظ ذات حجية مطلقة إزاء الكافة[51] استنادا إلى قاعدة التطهير المنصوص عليها في الفصل الأول من القانون رقم 07-14.

1-حجية التقييدات في مواجهة المتعاقدين:

إن صاحب الحق المقيد في السجل العقاري بمنأى من أن ينازعه احد في حقه لان التقييد يضمن له ثبات و استقرار حقه، غير انه إذا استند التسجيل آو التقييد إلى سند معيب قانونا فان صاحب الحق المقيد لا يكون في مأمن من الطعن فيه ممن يهمهم أمره، فلا بد لإرساء حجية التقييد بالنسبة للطرفين من أن يكون العمل آو التصرف المبني عليه الحق المقيد في السجل العقاري عملا آو تصرفا سليما قانونيا و خاليا من كل عيب يؤدي إلى إلغاءه[52].
و على هذا الأساس فإذا تهدم التصرف المرتب للحق استتبع ذلك إلغاءه و التشطيب عليه من السجل العقاري بناء على طلب ممن يهمه الأمر[53].

2-حجية التقييدات في مواجهة الغير: إن عملية إشهار الحقوق العينية في السجل العقاري تسمح لكل شخص يهمه العقار الاطلاع على وضعيته، فالمشتري لعقار مرهون رهنا رسميا يأخذ بعين الاعتبار قيمة الدين المضمون من خلال الاطلاع على السجل العقاري[54]، ذلك أن الحقوق المقيدة في السجل العقاري تكون متمتعة بحجة تجاه الغير بقوة ثبوتية يستطيع من خلالها إجراء التعاقد و اكتساب الحقوق على العقار دون خوف على مصير حقوقه[55].

إن التقييد في السجل العقاري يكتسب قوة ثبوتية مطلقة فقط بالنسبة للغير حسن النية الذي يجهل العيوب التي تعيب أو تشوب سند أو رسم من سجل هذا الحق في اسمه في السجل العقاري، حيث انه لا يمكن إبطال هذا التقييد في أي حال من الأحوال[56].
أما الغير سيء النية فيعامل بنقيض قصده، إذ يحرم من كل حق اكتسبه و لا يمكنه الاحتجاج بحجة التقييد[57].
و لا يبقى سوى الإشارة إلى معنى الغير في هذا المجال، فالغير في مجال الحقوق الخاضعة للتقييد يعني كل شخص من غير المتعاقدين و ورثتهما تكون بينهم و بين احد المتعاقدين علاقة قانونية تجعل له مصلحة في التمسك بالعقد المقيد[58].

هكذا نستشف أن القانون حتى و إن وضع قاعدة تتمثل في حجية التقييد في السجل العقاري إلا انه وضع في المقابل استثناءات متمثلة في حالة وجود سند معيب، أو في حالة سوء نية الغير ففي هذه الحالات تفقد قاعدة الحجية اطلاقيتها و تعتبر بالتالي قاعدة نسبية عامة لا يمكن التمسك بها في جميع الحالات.

المطلب الثاني: مسطرة التشطيب على الحقوق العينية

التشطيب عملية قانونية تحضي بأهمية خاصة داخل منظومة التشريع العقاري المغربي، إلا أن تنظيمها لم يكن كافيا بالشكل الذي يجعلنا نتجنب مجموعة من الصعوبات والإشكالات القانونية والعملية التي يطرحها الموضوع وعلى هذا الأساس سنقسم المطلب إلى فقرتين نتناول في (الفقرة الأولى) مسطرة التشطيب (الفقرة الثانية) أنواع التشطيب.

الفقرة الأولى: مسطرة التشطيب على الحقوق العينية

إذا كان التشطيب يعتبر من إحدى طرق انقضاء التقييدات نهائية كانت أم مؤقة، فإن القيام به يتم وفق إجراءات إدارية مسطرية.
إذ لا يمكن للمحافظ أن يقوم بالتشطيب على أي حق إلا ذا كان يستند على وثائق تسمح له بإجراء هذا التشطيب فلقد ألزمه المشرع من خلال الفصل 94 من ظهير التحفيظ العقاري بأن يتحقق من الوثائق المدعمة لمطلب التشطيب.
بحيث لا يمكن له التشطيب على أي حق مضمن في الرسم العقاري إلا بعد إتباع مسطرة معينة([59])، حيث يجب على كل ما يرغب في التشطيب على حق معين أن يقدم طلبا بذلك إلى المحافظ على الأملاك العقارية، وذلك استنادا للفصل 93 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون رقم 14.07 والذي ينص على أنه:”يجب على الطرف الذي يرغب في التشطيب أن يقدم إلى المحافظ على الأملاك العقارية طلبا مؤرخا وموقعا من طرفه أو من طرف المحافظ في حالة جهله أو عجزه عن التوقيع يتضمن تعيين أو بيان مايلي:
-العقار الذي يعنيه التشطيب وذلك ببيان رقم رسمه العقاري.
-التقييد أو البيان أو التقييد الاحتياطي المطلوب التشطيب عليه.
-سبب التشطيب ونوع وتاريخ السند المثبت لذلك السبب.”
ويلاحظ من خلال بيانات مطلب التشطيب الواردة في الفصل أعلاه، أنه لم يشترط أن ترد فيه البيانات المتعلقة بالحالة المدنية أو بهوية مقدم الطلب، هذا عكس طلبات التقييد التي يجب أن ترد فيها البيانات المتعلقة بهوية المستفيد([60]).

أما بخصوص الأشخاص الذين يحق لهم تقديم مطلب التشطيب، يمكن أن يقدم من طرف المالك الذي صدر لصالحه بالتشطيب على التقييد الاحتياطي حيث يحق له الإدلاء بنسخة الحكم النهائي والمطالبة بالتشطيب عليه، وكذلك يمكن أن يقدم من طرف المدين الراهن بعد انقضاء الزمن الرسمي الرضائي حيث يكون بإمكانه تقديم طلب التشطيب بموجب شهادة رفع اليد([61])، كما يمكن لكل من مالك العقار المترتب عليه حق الكراء الأكثر من ثلاث سنوات وكذلك المالك الذي يقرر رفع الحجز التحفظي أو التنفيذي لمصلحته أن يقدمو طلبات التشطيب([62]).

وبمجرد توصل المحافظ على الأملاك العقارية بمطلب التشطيب يتأكد من أن كل الشروط متوفرة فيه، حيث يقوم بمراقبة العقود والأحكام القاضية بالتشطيب، وكذلك يقوم بالتأكد من أنه لا يوجد في الملف الذي قدم له ما يخالف القانون([63])، فضلا عن هذا فالمحافظ يتأكد من أن عملية التشطيب لا تتعارض مع ما هو منصوص عليه في السجل العقاري، حيث يقوم من أن الحق المراد التشطيب عليه مقيد في السجل العقاري([64]).

وفي حالة ما إذا تأكد المحافظ من أن مطلب التشطيب مستوفي لجميع شروطه فإنه يقوم بعملية التشطيب باعتباره المالك للسجل العقاري، ومسؤول عن كل ما يقيد فيه أو يشطب عنه، مسؤولية شخصية استنادا للفصل 97 من قانون 14.07، كما أنه يمكن للمحافظ العقاري أن يرفض التشطيب، لكن شريطة أن يكون قرارا معللا ويتم إبلاغه للمعني بالأمر، والقرار بالرفض يكون قابلا للطعن فيه أمام المحكمة الابتدائية التي تبث فيه، مع الحق في الاستئناف، وتكون القرارات الاستئنافية قابلة للطعن بالنقض استنادا للفصل 96 من قانون رقم 14.07.

الفقرة الثانية: أنواع التشطيب

نص الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري الذي عدل وتمم بمقتضى القانون رقم 14.07 صراحة على أن كل ما ضمن بالسجل العقاري من تقييد يمكن أن يشطب عليه بموجب كل عقد أو حكم اكتسب قوة الأمر المقضي به، ويضاف إلى ذلك حالة أخرى لم يتم التنصيص عليها في الفصل أعلاه، ويتعلق الأمر بالتشطيب التلقائي والذي نص عليه المشرع في الفصل 86 من القانون رقم 14.07 وعلى هذا الأساس سوف نتناول التشطيب الإرادي (أولا) التشطيب القضائي (ثانيا).

أولا: التشطيب الإرادي

يقصد بالتشطيب الإراديإلغاء المحافظ ما ضمن في السجل العقاري بإبطاله بناء على طلب جديد يقدم إليهإجراء تقييد نهائي عليه بموجب يقتضيه القانون[65].مما يتعين على ذوي الشأنأن يتقدموا إلى المحافظ العقاري كما يوجب القانون في بعض الحالات على المحافظ العقاري أن يقوم بتلقاء نفسه بالتشطيب على بعض التقييدات.

1.التشطيب بطلب من الأطراف.

سمح المشرع للأفراد بطلب التشطيب على بعض الحقوق المسجلة بناء على اتفاق يحصل برضاهم، حيث يتعين على كل شخص يرغب في إجراء تشطيب على تقييد بالسجل العقاري أن يقدم مطلبا محتويا على كافة البيانات ومرفقا بجميع الوثاق اللازمة المنصوص عليها في الفصل 93 من القانون 14.07.
ومن الحقوق التي خول المشرع للأفراد إمكانية الاتفاق على طلب تشطيبها هي الحقوق العينية المترتبة على حق الملكية([66]) كحق الانتفاع حيث يمكن للأطراف تقديم طلب للتشطيب عليه وذلك في حالة انتهاء أجل الانتفاع، أو تنازل المنتفع أو ضم حق الانتفاع وحق الملكية في يد واحد نتيجة بيع أو استحقاق أو عن طريق التخارج بين الورثة، مما يعني أن أسباب التشطيب على حق الانتفاع مرتبطة بأسباب انقضاء هذا الحق نفسه([67])وكذلك يتم طلب التشطيب على حق السكنى بناء على سند يجدده بكراء إذ يتفق المالك وصاحب حق السكنى المقيد على تغيير العلاقة القانونية بينهما وجعلها علاقة كرائية([68])، فينتج عن هذه العملية انقضاء العقد الأول والتشطيب تبعا لذلك على تقييده.

كما يجوز التشطيب على الارتفاقات الإرادية أو المقررة بفعل الإنسان، فمثل هذه الارتفاقات تنقضي عندما تصير الأشياء في حالة لا يمكن معها استعمالها، حيث يجوز طلب التشطيب على الارتفاق المتولد عن تصرف قانوني إذا ما حدد بوقت معين، أو علق على شرط فاسخ حينها ينقضي الارتفاق بحلول الأجل أو بتحقق الشرط الفاسخ، كما يمكن التشطيب بمقتضى تنازل مالك العقار المخدوم أو باتحاد العقار الخادم والعقار المخدوم في يد واحدة، إما نتيجة إرث أو قسمة أو بيع([69])، كما يتم التشطيب على حق السطحية المضمن في الرسم العقاري إذا اتحد هذا الحق مع حق الملكية في يد شخص واحد أو بفعل الهلاك الذي تعرضت له العناصر المكونة لحق السطحية حيث يتم اتفاق على التشطيب على حق السطحية من الرسم العقاري([70]).

وكذلك يتم التشطيب على بعض عقود الكراء المقيدة كحالة عقود الكراء التي تتجاوز مدتها ثلاثة سنوات، وكذا عقود الكراء الطويل الأمد، يمكن طلب التشطيب على تقييدها عند انتهاء المدة المحددة أو قبلها([71])، ولعل أهم الصور الممكن ذكرها في هذا الصدد، تخص التشطيب على الرهن العقاري، فقد جاء في الفصل 161 من ظهير العقارات المحفظة على أنه “كل رهن رسمي مقيد بكيفية منتظمة في الرسوم العقارية يحتفظ برتبته وصلاحيته بدون إجراء جديد إلى أن يفيد عقد الإبراء على الرسوم نفسها بكيفية منتظمة”.
ويستفاد من هذه المادة أن الرهن الرسمي الرضائي المقيد بكيفية منتظمة يمكن المطالبة بتشطيبه بناء على الإبراء من الدين، أو شهادة فك الرهن المسلمة من الدائن المرتهن، وتجدر الإشارة إلى أن فك الرهن يقع بنفس الطريقة الشكلية التي يتم بها إجراءه فإذا تم بناء على عقد رسمي فيمكن فكه أو التشطيب عليه بنفس الطريقة.

2-التشطيب التلقائي:

رغم أن المشرع المغربي نص في الفصل 91 من القانون رقم 17.04 على أنه لا يمكن التشطيب على بعض الحقوق المقيدة إلا بموجب عقد أو حكم قضائي، إلا أن هناك حالات أخرى يمكن استنتاجها من فصول أخرى، كما هو مبين مثلا في الفقرة الثانية من المادة 220 من مدونه الحقوق العينية المتعلقة بتقيد محضر إرساء المزايدة بالرسم العقاري، فهذا الأخير يعتبر بمثابة سند للملكية لصالح من رسا عليه المزاد([72]).
نعتقد أن إجراء تقييد محضر إرساء المزاد تختلف عن إجراء التشطيب التلقائي التي تتم نتيجة له، أي أنه إذا كان الأول يستوجب أداء الرسوم لإنجازه، فإن الثاني يستلزم بالتبعية أداء الرسوم المقررة قانونا لقيام المحافظ بإجراء التشطيب على جميع الامتيازات والرهون التي تثقله، الأمر الذي من شأنه تعطيل إعمال أثر التطهير التلقائي من الناحية العلمية([73]).

بالإضافة إلى هذا، نجد التقييد الاحتياطي المتخذ بمقتضى الفصل 86 من القانون 14.07 ففي هذه الحالة يتم التشطيب عليه تلقائيا بانتهاء مدة عشرة أيام، ما لم يقع تمديد هذا الأجل بواسطة أمر قضائي أو بواسطة مقال مرفوع لدى المحكمة، كذلك فيما يتعلق بالتقييد الاحتياطي المتخذ بمقتضى أمر من رئيس المحكمة الابتدائية، ففي هذه الحالة أيضا يتم التشطيب عليه تلقائيا إذا لم ينجز التقييد النهائي خلال ثلاثة أشهر أو لم تقيد الدعوى بالمحكمة ولم يقع التنصيص عليها بالرسم العقاري وفقا ما هو منصوص عليه في الفصل 86 المذكور أعلاه، أو إذا لم يمدد مفعول هذا التقييد الاحتياطي داخل شهر الأول من تاريخه بموجب مقال دعوى مرفوعة أمام القضاء، فإنه يتعين على المحافظ على الأملاك العقارية، في هذه الحالة أيضا أن يقوم تلقائيا بالتشطيب على التقييد الاحتياطي.

والتقييد الاحتياطي يعتبر إجراء مؤقت يقوم به كل من يريد الحفاظ على حق عيني أو حق شخصي قابل لأن يتحول إلى حق عيني، في انتظار استكمال الشروط القانونية للتسجيل النهائي بالسجل العقاري أو انتظار صدور حكم قضائي يفصل في النزاع المعروض على المحكمة([74]).
إلا أنه إذا كان التقييد الاحتياطي مجرد إجراء مؤقت فإنه في أحيان كثيرة يعرقل تداول العقار المثقل به، لأن المتعاملين العقاريين لا يرغبون التعامل في عقار موضوعه نزاع، لذلك لا يمكن أن يبقى هذا التقييد مسجلا بصفة أبدية بل لابد من تسجيل الحق نهائيا أو التشطيب عليه إذا وجدت مبررات ذلك([75]).

وما بين أهم المستجدات التي جاءت بها الفقرة الأخيرة من الفصل 86 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله وتتميمه بقانون رقم 14.07، التشطيب على التقييد الاحتياطي بناءً على أمر قضائي وذلك وفقا لما نص عليه الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تغيره وتتميمه على أنه:”… يمكن أن يشطب على كل ما ضمن بالرسم العقاري ما تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي بمقتضى كل عقد أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يثبت انعدام أو انقضاء الحق موضوع التضمين في مواجهة الأشخاص الذين يعينهم هذا الحق”
إن هذا الفصل أكد بصورة صريحة ضرورة صدور حكم في الموضوع من أجل التشطيب على التقييد الاحتياطي ومن هنا يظهر أن قاضي المستعجلات غير مختص بالتشطيب على تقييد احتياطي اتخذ بناء على مقال الدعوى([76])،على أن التقييد الاحتياطي بناءا على مقال يتم التشطيب عليه بعد صدور أحكام قضائية نهائية، سواء تم الحكم بعدم صحة الحقوق التي تكون موضوع التقييد الاحتياطي أو بصحتها([77]).
إن تخويل قاضي المستعجلات صلاحية إصدار أوامر بالتشطيب على التقييد الاحتياطي المتخذ بناء على مقال الدعوى من شأنه أن يعطي حلا لبعض التقييدات الاحتياطية الذي تظل قائمة لمدة طويلة مما يعوق التداول العادي والطبيعي للعقار، ويؤدي إلى تفادي صور تقييدات احتياطية بشكل تعسفي([78]).
كما يتم التشطيب التلقائي في حالة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة حيث ورد في الفقرة الأولى من الفصل 37 من قانون 07.81([79]) على ما يلي:”فيما يخص العقارات المحفظة يترتب عليه بحكم القانون نقل الملكية إلى اسم السلطة النازعة للملكية ويشطب تلقائيا على جميع التقييدات الموضوعة لفائدة الغير كيفما كان نوعها وتحول حقوق المستفيد ين إلى حقوق في التعويضات…”.
فمن خلال هذه الفقرة تبين أن المحافظ يسعى إلى التشطيب على جميع الحقوق المقيدة بالرسم العقاري تلقائيا استنادا إلى قرار نزع الملكية.

ثانيا:التشطيب القضائي

يقصد بالتشطيب القضائي، التشطيب الذي يصدر بواسطة المقررات القضائية، قد يطال التقييد النهائي والتقيد المؤقت([80])، والنص المرجعي لهذا النوع من التشطيب هو الفصل 91 السابق الذكر حين تناول الفصل التشطيب كنظام قانوني وليس من منظور تقني مادي أي أنها تضفي عليه معنى قانوني([81]) ويحصر في حالتين انقضاء الحق أو انعدام الحق غير أن الفصل المذكور أعلاه قصر تدخل القضاء في عملية التشطيب كعملية قانونية على قضاء الموضوع من خلال إشارته إلى الحكم الحائز إلى قوة الأمر المقضي به، دون أن يشير إلى الأوامر القضائية الصادرة على القضاء الاستعجالي كمرتكز للتشطيب([82]).
ويجوز التشطيب على الرهن الرسمي الرضائي المقيد ولو بدون رضاء الدائن، وذلك إذا أودع المدين مبلغ الدين بكتابة ضبط المحكمة المختصة بعد عرضه عرضا حقيقيا على الدائن، ورفض هذا الأخير قبوله، وفقا للمقتضيات المقررة في الفصول 174 وما بعدها من قانون المسطرة المدنية فإذا تم الإيداع على هذا الشكل أصبحت ذمة المدين بريئة ويمكن استصدار أمر من المحكمة بتشطيب الرهن([83]).
نجد الفقرة الأخيرة من الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله وتتميمه بمقتضى القانون 07-14على أنه “يشطب على الحجز والإنذار بحجز المنصوص عليهما في الفقرة السابقة بناء على عقد أو أمر من قاضي المستعجلات يكون نهائيا ونافذا فور صدوره”.
إن هذه الفقرة حسمت الإشكال الذي كان قائما في ظل ظهير التحفيظ العقاري قبل التعديل، حيث كان الخلاف حول مدى ضرورة استلزام شهادة عدم التعرض والاستئناف مع الأمر القاضي بالتشطيب على الحجز([84])، وأساس هذا الخلاف كان يمكن في التعارض بين مقتضيات الفصل 437 من ق م م ومقتضيات الفصل 153 من نفس القانون في فقرته الأولى، والذي تمخض عنه رأيان([85]) أحدهم يعتبر الفصل 437 نصا خاصا فهو أولي بالتطبيق من الفصل 153 بينما هناك ما يرى أن الأوامر الاستعجالية الصادرة برفع الحجز تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، وبالتالي لا يمكن الاحتجاج بمقتضيات الفصل 437.
وعلى هذا الأساس أن التشطيب على الإنذار والحجزالعقاري يمكن أن يصدر بناء على أوامر قضائية في حين أن التشطيب على الرهن ينبغي أن يكون حائزا لقوة الأمر المقضي به طبقا للفصل 91 من قانون رقم 14.07.
فقد نص المشرع المغربي في المادة 218 من مدونة ح.ع على أنه :”إذا وقع التراضي في مواصلة الإجراءات التي تتلو الحجز، أمكن للمحجوز عليه أن يتقدم بمقال إلى رئيس المحكمة المختصة بوصفه قاضيا للمستعجلات للمطالبة برفع اليد عن الحجز تبلغ نسخة من هذا المقال إلى الحاجز وفق القواعد المنصوص عليها في ق.م.م.
ويكون الأمر الصادر برفع اليد عن الحجز نهائيا ونافذا على الفور”.
ويبدو أن الغاية من منح الاختصاص لقاضي المستعجلات في هذه الحالة هو تحرير العقار من الحجز الذي يعد قيدا قانونيا على حرية المحجوز عليه في التصرف، فليس من العدالة في شيء بقاء العقار مثقل بحجز عقاري لمدة غير محدودة متروكة لتقدير تحكم الحاجز، كما أن التوقف عن متابعة الإجراءات اللاحقة للحجز العقاري وبقاء عقار المدين مثقل به ينطوي من جهة أخرى على إضرار واضح بالمدين لتحميله مصاريف التقييد وبقائه مهددا ببيع عقاري في كل وقت([86]).
وإجمالا فإنه يحق لكل شخص تضرر من حقوقه بسبب تقييد أو تشطيب حدث بدون سبب مشروع أن يحصل على إلغائه بواسطة حكم قضائي يكتسب قوة الشيء المقضي به، شريطة أن لا يلحق هذا الحكم ضررا بالغير حسن النية([87]) حسب ما هو وارد في الفقرة الأخيرة من المادة 2 من مدونة الحقوق العينية والتي جاء ت فيها بأن ما يقع من إبطال أو تغيير لاحق، لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المسجل عن حسن نية كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر.

المبحث الثاني: قرارات المحافظ العقاري ومسؤوليته

مكن المشرع المحافظ من إتخاذ قرارات بشأن التقييدات والتشطيبات ( المطلب الأول) وفي المقابل رتب عليه مسؤولية (المطلب الثاني )

المطلب الأول: قرارات المحافظ بشأن التقييدات والتشطيبات

للمحافظ العقاري إتخاذ قرارات بشأن التقييدات والتشطيبات (الفقرة الأولى )، وفي المقابل منح للمتظرر منها الحق في الطعف فيها ( الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى: قرارات المحافظ بشأن التقييدات والتشطيبات.

نظرا للمسؤولية الجسيمة التي يتحملها المحافظ العقاري، فإنه يتحتم عليه التأكد والتحقق من الوثائق والمستندات المقدمة إليه قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار لا بشأن التقييد أولا بشأن التشطيب ثانيا.

أولا: قرار المحافظ العقاري بشأن التقييد.

إن العقار الذي يؤسس له رسما عقاريا خاصا به يصبح خاضعا لمجموعة من الإجراءات الجديدة منها إشهار للحقوق العينية الواردة عليه، إذ أن جميع التصرفات المتعلقة بالعقار المحفظ واجبة الإشهار إذ لا تعتبر موجودة إلا من تاريخ تقييدها بالرسم العقاري[88] وقد حدد الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم لمقتضى قانون 07-14 . التصرفات والأعمال التي يجب تقييدها متى تعلق الأمر بتأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو إقراره أو تغيير أو إسقاطه، وعمل المشرع كذلك أيضا على تحديد آجال للقيام بهذه التقييدات تحت طائلة ذرائع مالية وذلك بمقتضى ما جاء به الفصل 65 مكرر من نفس الظهير المعدل والمتمم[89].
وقد ألزم المشرع المحافظ العقاري قبل إجراءهذا التقييد فحص مستندات التقييد ومراقبتها شكلا وجوهرا وذلك تحت مسؤوليته[90] كما منحه أيضا الحق في التحقق من أهمية المفوتوالمفوت إليه ويحق للمحافظ أن يرفض التقييد إذا تبين له أن الوثائق المدلى بها غير مطابقة مع ما هو مقيد بالرسم العقاري[91].
ووفقا لما تمت الإشارة إليه فإن كان السيد المحافظ العقاري ملزم بالتأكد من كل طلب للتقييد قدم إليه فإن كان مستوفيا كل الشروط فإنه يباشر التقييد وإن لم يكن كذلك فإنه يرفض التقييد مع تعليل قراره في حالة الرفض[92].
ولذلك فإن قرارات المحافظ العقاري لا تكاد تخرج عن أمرين إما مباشرة التقييد وإما رفضه في حالة مخالفته للنصوص القانونية فالمحافظ العقاري يحق له إصدار أمر برفض التقييد[93] ومن بين هذه الحالات نجد ما يلي:
– رفض المحافظ على الأملاك العقارية التقييد في الرسم العقاري لعدمقانونية الوكالة لإجراء التفويت الصريح للحق العيني إذ جاء في قرار صادر عن محكمة النقض أنه: حيث صح ما عابه الطاعنون على القرار ذلك أنه اقتصر في تعليل رده لدفعهم بشأن الوكالة على أنه ” بالرجوع إلى الوكالة موضوع النزاع عدد2795 بتاريخ 31 غشت 1995 يلاحظ أنه قد حدد فيها نوع التصرفات التي يحق للوكيل القيام بها ومنها البيع والقبض والثمن “. في حين أن مقتضيات الفصل 894 صريحة في أنه ” لا يجوز للوكيل أيا كان مدى صلاحياته بغير إذن صريح من الموكل تفويت عقار أو حق عقاري ” وأن هذا المقتضى القانوني يوجب التنصيص في الوكالة على إذن الموكل للوكيل بيع عقاره أو حق عيني عقاري له، الأمر الذي يعتبر معه القرار غير مرتكز على أساس قانوني مما عرضه بالتالي للنقض والإبطال”[94].
-رفض المحافظ على الأملاك العقارية تقييد عقد القسمة الرضائية لأنه لا يحتوي موافقة جميع المالكين المقيدين في الرسم العقاري[95].
جاء في قرار لمحكمة النقض على أنه[96] :” لكن ردا على السبب أعلاه، فإن الطاعنين لم يبينوا فيه وجه سوء فهم المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه ووقائع القضية، وأنه يتجلى من مستندات الملف وخاصة رسم شهادة المحافظة العقارية المؤرخة في 22/09/1983 في الملف والقسمة المطلوب تقييدها بالرسم العقاري، أن القسمة المذكورة غير شاملة لكافة الأشخاص المسجلين بالرسم العقاري ولذلك فإن القرار حين علل أن رسم القسمة المطلوب تقييده غير شامل لكافة المالكين على الشياع في الرسم العقاري عدد 38090 والمبينة أسماءهم بشهادة المحافظة العقارية المومأ إليها أعلاه، ومن ثم فإن تقييدها بالرسم العقاري يقضي الإدلاء بموافقة كافة المالكين على الشياع غير المشمولين بالعقد المذكور أو إصدار حكم في مواجهتهم يلزمهم بذلك ” فإنه نتيجة لما ذكر كله يكون القرار معللا ومرتكزا على أساس قانوني وباقي التعليلات تبقى ذائدة يستقيم القضاء بدونها والسبب بالتالي غير جدير بالإعتبار”.
-رفض التقييد لكون رسم التنزيل يتعارض مع رسم الحسب، في هذا الإطار صدر حكم عن ابتدائية فاس[97] والتي جاء فيه حيثياتها: “حيث التمس المدعون الحكم بإلغاء قرار المحافظ عدد216 بتاريخ 30/01/2004 مع أمر بتسجيل رسم التنزيل المؤرخ يوم 24 ربيع الأول من سنة 1322ه.
وحيث أجاب السيد المحافظ العقاري أن الرسم العقاري عدد 30949/08 في اسم مالكها احباس … وأن عقد التنزيل يتعارض مع الوضعية القانونية للحبس وأن طلب التسجيل غير موافق للفصل 84 من ظ. ت. ع هذا فضلا وأن وضعية الرسم له صفة نهائية ولا يقبل الطعن والتمس رفض الطلب.
وحيث أن ما يلاحظ من مضمون رسم التنزيل عدد 480/ص273 الشركات 34 أن أولاد الأحفاد للمحق التصرف بجميع أنواع التصرفات والحال أن العقار موضوع الرسم العقاري عدد 30949/07 يشير كون عند انقراض المعقب يرجع العقار إلى زاوية مولاي عبدالله الشريف أي لا يمكن تفويته وهو ما يؤكد تعارض هدف التنزيل مع هدف الحبس وبالتالي فإنه طبقا للفصل 84 من ظ 12/8/1913 لا يسعف في تسجيل التنازل من طرف المحافظ على الرسم العقاري أعلاه وعليه يكون طعن المدعين في قرار التحفيظ عدد 216 لعدم صحة الطلب غير مؤسس ويتعين معه رفض الطلب” .
-رفض التقييد لوقوع حجز تحفظي على العقار أو صدور قرار نزع الملكية من أجل المنفعة العامة (ف87 من ق0714) في هذا الإطار جاء في حكم للمحكمة الإبتدائيةبوجدة[98] ما يلي: ” فالحق العيني على العقار المحفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتسجيله وابتداء من يوم التسجيل في الرسم العقاري والأكثر من هذا فإن الرسم العقاري المذكور موضوع البيع مثقل بعدة حجوزات عارية تحول دون إجراء التقييد.”
-رفض التقييد لوجود تناقض في هوية المفوت، وعدم صحة الوثائق المدلى بها يبرر الرفض وفقا لمقتضيات الفصل 72 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14 الذي يلزم المحافظ بضرورة التحقق من الوثائق المدلى بها أمامه، فقد جاء وفق هذا المنوال حكم صادر عن إبتدائية وجدة الذي جاء فيه على أنه: ” وحيث إن التحقق من الهوية وصحة الوثائق يدخل في إطار سلطة المحافظ وتحت مسؤوليته، وذلك وفقا لمقتضيات الفصل72 من ظ.ت.ع وحيث إنه بالرجوع إلى الوثائق المدلى بها من طرف الجهة المدعية يتبين تناقض بيانات الحالة المدنية إذ أن الرسم العقاري يشير إلى (…) كما هو مفصل أعلاه بينما إراثته تتضمن (…) في حين أن النسخة الكاملة من رسم الولادة المشار إلى مراجعها أعلاه والمؤرخ في 30/06/2005 تشير إلى الإسم العائلي هو (…) وحيث أنه وتبعا لذلك يكون التناقض واضحا ويتعلق بالبيانات الأساسية للحالة المدنية من اسم عائلي وشخصي ونسب المعني بالأمر وهو يجعل من التناقض في البيانات المذكورة أمر جوهري يتطلب معها استصدار حكم في الموضوع.”

ثانيا: قرار المحافظ برفض التشطيب.

ويقصد بالتشطيب إلغاء المحافظ ما ضمن بالسجل العقاري بإبطاله بناء على طلب جديد يقدم إليه لإجراء تقييد نهائي عليه لموجب اقتضاه القانون، وهو إشهار الحق للعموم وتسجيله نهائيا بالرسم العقاري، ويقصد به كذلك نوع من التقييد السلبي الغرض منه انقضاء وإبطال حق مقيد أو معقول أي تقييد آخر على الرسم العقاري[99]
وذلك ما نص عليه الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14 الذي جاء فيه: ” مع مراعاة أحكام الفصل 86 أعلاه يمكن أن يشطب على كل ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي بمقتضى كل عقد أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يثبت انعدام أو انقضاء الحق موضوع التضمين في مواجهة الأشخاص الذين يعنيهم هذا الحق.”
ويتبين من خلال النص على أن التشطيب يجعل الحق المقيد منقضيا في مواجهة كل من يعنيهم أمر هذا التقيد، وأن الجهة التي تقوم بالتقييد هي نفسها التي تقوم بعملية التشطيب[100].
وعلى الشخص الذي يرغب في التشطيب أن يتقدم إلى المحافظ العقاري بطلب مبينا فيه ما يلي:
-تعيين للعقار موضوع التشطيب، بتحديد المعلومات المتعلقة به وكذا السبب الذي يستند إليه[101] وهو ما ذهب إليه ابتدائية وجدة في قرارها والذي جاء فيه على أنه[102]: ” وحيث أن طلب المدعي يرمي إلى التشطيب على الرهن الرسمي المضمن … وحيث أن الثابت من الشهادة للرسم العقاري أن العقار المذكور مثقل برهن ضمانا لأداء سلف قدره أربعة آلاف فرنك لفائدة مدعى عليه ثاني .. وحيث أنه للعلل أعلاه يتعين الحكم بالتشطيب على الرهن المضمن … في سجل الإيداع .. في الرسم العقاري”.
ويخضع مطلب التشطيب لنفس الشروط الشكلية والضوابط المطبقة على مطلب التقييد من هوية طالب التشطيب وأهليته وأن يتحقق من أن الوثائق المدلى بها تسمح بالتشطيب ولا يتعارض محتوياتها مع ما هو منصوص عليه بالرسم العقاري أو مقتضيات التحفيظ العقاري[103].
وغني عن البيان على أن المحافظ العقاري إما أن يصدر قراره الإيجابي بإجراء التشطيب المطلوب، وإما أن يعمد إلى إصدار قرار سلبي يتجلى في رفض التشطيب على التقييد بالرسم العقاري[104].
وقرار المحافظ هذا يكون محل طعن حيث أن المحكمة تنظر في مدى مشروعية القرار الصادر عن المحافظ على الأملاك العقارية ليكون بذلك للمحكمة إما تأكيد قرار المحافظ وإما إلغاءه. وهو الإتجاه الذي ذهبت إليه ابتدائية طنجة[105] في حكم لها جاء فيه: ” نأمر بالتشطيب على الرهن الرسمي المقيد بتاريخ 7/08/1958 المضمن بالرسم العقاري.”
-كما أن للمحافظ العقاري رفض التشطيب في حالة عدم توافر الشروط القانونية التي حددها الفصل 93 من ظ.ت.ع في طلب التشطيب كالحالة التي لا يتضمن فيها الطلب تعيين التقييد المراد التشطيب عليه.[106]
-التشطيب على كل ما ضمن بالسجل العقاري من تقييد أو تقييد احتياطي وذلك بموجب عقد أو حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به، متى ثبت انعدام الحق الذي يتعلق بما ذكر من تضمين[107] وذلك وفقا لمقتضيات الفصل 91 من ظ.ت.ع وقد جاء في حكم لاستئنافية وجدة أنه[108]: ” .. إن المدعي يقدم بدعوى بتاريخ … يعرف فيها انه بتاريخ… تقدم إلى السيد المحافظ بطلب قصد التشطيب على الإراثة المضمنة تحت عدد … بتاريخ … والحكم تبعا لذلك بتسجيل البيوعات الواقعة … إلا أن المحافظ أصدر قراراً بأنه يتعذر عليه الإستجابة لطلب التشطيب على الإراثة بعلة أن التشطيب لايمكن أن يتم إلا بناء على عقد أو حكم اكتسب حجية الشيء المقضي به، وأنه لا يمكن تقييد الحقوق المتحايلة إلا بعد موافقة الورثة.

الفقرة الثانية: الطعن في قرارات المحافظ العقاري بخصوص التقييدات والتشطيبات.

إن للرقابة القضائية دور مهم في مراقبة مدى مشروعية القرارات التي يصدرها المحافظ وكذا السلطات التي منحها له المشرع بخصوص قبول أو رفض تقييد حق أو التشطيب عليه إذ منح المشرع لكل شخص تضررت مصالحه إمكانية اللجوء إلى القضاء من أجل المطالبة بحقه.
وقبل اللجوء إلى القضاء فإن للمتضرر من قرار الرفض إمكانية اللجوء إلى التظلم الإداري وذلك بناء على طلب يقدم من طرف صاحب المصلحة مباشرة إلى المحافظ الذي عليه أن يقرر إما بالتراجع عن قراره وبالتالي قبول طلب المعني بالأمر أو العكس[109].
كما أن حق اللجوء أيضا إلى تقديم تظلم إداري إلى المحافظ العام في حالة رفض طلب من التظلم الأول والذي له الإختصاص في مراقبة مدى تطبيق المحافظين المكلفين بالتحفيظ لنظام التحفيظ العقاري[110]، إلا أن لجوء طالب التقييد أو التشطيب لهذه الوسيلة لا يمكن أن تحقق المراد منها، وذلك نظرا لعدم حياد الجهات المقدم إليه الطلب وكذلك لكون أيضا أنه لا يمكن لرئيس أن يعترف بخطأ أحد تابعيه، لذلك فما على طالب التقييد أو التشطيب سوى اللجوء إلى الجهة المؤهلة قانونا والتي لها السلطة الكاملة لردع تسلط الموظفين الإداريين على حساب المواطنين.
وعليه فإنه يحق للمتضرر من قرار رفض حقه القاضي بتقييد حق أو التشطيب عليه الطعن فيه أمام المحكمة المختصة[111] إذ جاء في في الفصل 96 على أنه: ” يجب على المحافظ على الأملاك العقارية في جميع الحالات التي يرفض فيه تقييد حق عيني أو التشطيب عليه أن يعلل قراره ويبلغه للمعني بالأمر.
ويكون هذا القرار قابلا للطعن أمام المحكمة الإبتدائية التي تبث فيه مع الحق في الاستئناف وتكون القرارات الاستئنافية قابلة للطعن بالنقض”.
والملاحظ من خلال النص أعلاه أن المشرع قد جعل المحكمة الإبتدائية الكائن بدائرتها العقار موضوع التقييد أو التشطيب هي صاحبة الإختصاص مع حفظ حق الإستئناف والنقض،ووجب أن يكون أن يكون الطعن موجها مباشرة ضد المحافظ دون غيره ودون إدخال طرف آخر وإلا فسيكون الطعن مرفوضا لأن الطعن يجب أن يكون موجها ضد قرار المحافظ لا ضد تصرفات أشخاص آخرين[112].
وهذا الحق الممنوح للمتضرر مشروط بإعماله داخل أجل شهر يبتدئ من تاريخ تبليغه. وهو ما أكدته المحكمة الإبتدائيةبوجدة في أحد أحكامها على أنه: ” ولأنه كان من حق المدعين الطعن في قرار المحافظ فإن الحق مقيد بأجل وهو شهر واحد من تاريخ التبليغ وفقا للفصل 96 من ظ.ت.ع غشت 1913 المعدل بقانون 07/14 والفصل 10 من القرار الوزيري المؤرخ في 3/6/1915[113]
وبصدورالحكم في القرارالمطعون فإنالمشرع قد أوجب على المحافظ العقاري تقييد ما جاء به القرار القضائي داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ حيازة الحكم لقوة الشيء المقضي به[114].
إلا أنه قد يمتنع المحافظ على الأملاك العقارية عن تنفيذ تلك الأحكام بالتحفيظ أو التسجيل دون عذر مقبول مما يشكل شططا في استعمال السلطة الذي يجعل القضاء الإداري مختصا بمراقبة مدى شرعية تلك القرارات، وهو الإتجاه الذي ذهبت فيه محكمة النقض في إصدار قراراتها[115] كما أصدرت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حكما في هذا الإتجاه معتبرة أن القرار الإداري الضمني المتخذ من طرف المحافظ على الأملاك العقارية بعدم تنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به يتسم بالشطط في استعمال السلطة ويتعين إلغاءه[116].

المطلب الثاني: مسؤولية المحافظ العقاري.

المحافظ العقاري باعتباره موظف عمومي يصدر قرارات ذات طبيعة إدارية عند قيامه بمهامه وإذا تترتب عن تلك القرارات ضررا بالغير بسبب مخالفتها للمقتضيات التشريعية كان ذلك سببا لإثارة المسؤولية الشخصية للمحافظ هذه المسؤولية تجد سندها القانوني في مجموعة من الفصول من ظهير التحفيظ العقاري خاصة الفصلان 72و97 من ظهير التحفيظ العقاري (الفقرة الأولى) وكذلك من خلال بعض المقتضيات الواردة في قانون الإلتزامات والعقود (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مسؤولية المحافظ وفقا لمقتضيات التحفيظ العقاري.

لقد ألزم المشرع المغربي من خلال مقتضيات الفصل 72[117] من القانون رقم 14.07 المحافظ من التحقق من هوية وأهلية المفوت وذلك حرصا على استقرار المعاملات العقارية وتلافيا لأي غش وتزوير وتقييد حق بدون سند قانوني صحيح، فيقوم المحافظ على الأملاك العقارية بمراقبة دقيقة للبيانات الواردة في طلب التقييد الجديد، وملاحظة ما إذا كانت هذه البيانات تنطبق على نفس الشخص المفوت أم لا من خلال التأكد من صحة الإسم الشخصي والإسم العائلي وتاريخ الإزدياد ورقم بطاقة التعريف الوطنية وصحة التوقيع…[118]
وإذا كان المشرع ألزم المحافظ بضرورة التحقق من هوية المفوت فذلك يعني عدم مراقبة أهلية المفوت إليه بل يتأكد من أهليتهما معا على حد سواء لأن المفوت إليه قد يصبح متصرفا في الحق المفوت إليه مباشرة بعد تقييد حقه بالرسم العقاري[119] ولا يمكن تصور قبول المحافظ على الأملاك العقارية تقييد تصرفات إليه ذو أهلية ناقصة أو عديمة[120].
لذلك فالمحافظ لا يبادر إلى إجراء التقييد إلا إذا تأكد من هوية الأطراف ومن صحة الوثائق المدلى بها تأييدا لطلب التقييد شكلا وجوهرا، ومسألة التأكد من صحة التصرف قبل الإقدام على تقييده تعتبر من إحدى خصائص نظام الشهر العيني، لأن التصرفات التي تسجل بالرسم العقاري تصبح لها حجية بالنسبة للكافة ولهذا لا يجوز تقييد أي تصرف كيفما كان إلا إذا كن صحيحا[121] ويقوم المحافظ العقاري بمراقبة مدى صحة الوثائق الرسمية، حيث تنصب على مراقبة الجهة المختصة بتحريها ومدى اختصاصها النوعي والترابي ومطابقة البيانات المتعلقة بالعقار من حيث مساحته ومراجعه، فمراقبة المحافظ للوثائق الرسمية تتم أيضا من حيث الشكل والجوهر، إذ لا تعفيه رسميتها من مسؤوليته الشخصية من الأخطاء التي قد تطالها[122].
وفي حالة طلب تقييد بناء على حكم قضائي فإن المحافظ ملزم بالتأكد من أن الحكم المقدم إليه بقصد التقييد أصبح نهائيا وذلك إما بفوات أجل الطعن أوعدم ممارسته بالمرة أو طعن فيه يتم رفضه من طرف المحكمة المختصة، كما يقوم بمطالبة الطرف المعني بأن يرفق طلب التقييد بنسخة من الحكم مصحوبة بشهادة عدم التعرض أو عدم الاستئناف[123] وإذا كان الفصل 72 من ظهير التحفيظ العقاري قد ألزم المحافظ العقاري من التحقق من هوية المفوت وأهليته وكذلك مدى صحة الوثائق المدلى بها فإن الفصل 97 من ظهير التحفيظ العقاري قام بتعداد الأخطاء التي يسأل عليها المحافظ شخصيا عن الضرر الناتج:
1.إغفال التضمين بسجلاته لكل تقييد أو بيان تقييد احتياطي أو تشطيب طلب منه بصفة قانونية.
2.إغفال التضمين بالشهادات أو نظائر الرسوم العقارية المسلمة والموقعة من طرفه لكل تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي أو تشطيب مضمن بالرسم العقاري.
3.فساد أو بطلان ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي أو تشطيب.
إن المشرع في تعداده لهذه الأخطاء هو ضمنيا يعمل على تحديدها، حيث يصعب من الناحية العملية تحديدها فهي في نظره تعتبر جسيمة وتثير مسؤولية المحافظ الشخصية، وهو بهذا يكون قد سهل الطريق أمام المتضرر من إثارة مسؤولية المحافظ دون اللجوء إلى الفصل 80 من ق.ت.ع حيث صعوبة إثبات الخطأ الجسيم والتدليس.[124]
لذلك فالمحافظ العقاري إذا لم يراعي المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 97 المذكور، وتسبب في ضرر فيمكن أن تثار مسؤوليته، ولا يكفي لقيام مسؤولية المحافظ العقاري وجود عنصر الخطأ، بل لا بد أن يكون هذا الأخير هو الذي تسبب في الضرر مباشرة، والخطأ الذي قد يتسبب في إثارة مسؤوليته الشخصية هو الخطأ الشخصي إذ ينسب مباشرة لشخص المحافظ على الأملاك العقارية[125].
ونظرا لتشعب أعمال المحافظ العقاري وتعدد العمليات التي يقوم بها فقد اختلف الفقه فيما إذا كانت المسؤولية الشخصية التي ينص عليها الفصل 97 من ظ.ت.ع تشمل جميع هذه العمليات ؟ بما فيها التحفيظ و التقييد والتقييدات الموازية للتحفيظ والتقييد الاحتياطي والتشطيب ؟ أم أنها تقتصر على العمليات اللاحقة للتحفيظ [126]؟
لقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط أنه ” في مجال تحفيظ العقارات يمكن إثارة مسؤولية محافظ الأملاك العقارية طبقا لمقتضيات الفصل 97 من ظهير 12 غشت 1913″[127].
يلاحظ من خلال هذا القرار أنه تم توسيع نطاق الفصل 97 ليشمل حتى عملية التحفيظ، غير أن هناك اتجاهات فقهية ترى عكس ذلك.
غير أنه بالنظر لعبارات الفصل 97 المذكور فإنها تقصد العقار المحفظ، فهي تتحدث عن إغفال المحافظ العقاري التضمين بالسجلات العقارية لكل تسجيل أو تقييد احتياطي أو تشطيب[128] ومع ذلك فهناك من يرى أن الفصل 97 يشمل الرسوم العقارية وكذا مطالب التحفيظ عند قيام المحافظ على الأملاك العقارية بإيداع الوثائق والمستندات طبقا للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري بالمطالب لأجل إشهار الحقوق المضمنة في الإيداع لكي يتسنى للعموم الإطلاع عليها فهذه الإيداعات الأخيرة تخضع لنفس المراقبة التي تخضع لها التقييدات الواردة على الرسوم العقارية وهو مسؤول في كلتا الحالتين عن أي إغفال أو خطأ نتج عنه ضرر[129].
إذا كانت المسؤولية الشخصية للمحافظ العقاري تجد سندها في الفصلين 72و97 من ظهير التحفيظ العقاري، فإن هذه المسؤولية تجد أساسها أيضا في قانون الالتزامات والعقود.

الفقرة الثانية: مسؤولية المحافظ في إطار قانون الالتزامات والعقود.

المبدأ أن المحافظ بصفته موظفا إداريا وقراراته تأخذ نفس الوصف حيث تعتبر قرارات إدارية فإن مسؤوليته تسير في نفس السياق وتنعت بكونها مسؤولية إدارية، وقد أكد الفصل 5 من القرار الوزيري الصادر في 4 يونيو 1915 هذا الاتجاه حيث ورد فيه ما يلي:
تخضع مسؤولية المحافظين لمقتضيات الفصلين 79و80من قانون الالتزامات والعقود باستثناء الحالات المحددة في الفصل 97 من ظهير التحفيظ العقاري وباستقرائنا لمقتضيات الفصل 97 يتبين أن المشرع أراد إبعاد مسؤولية الدولة عن بعض أعمال وقرارات المحافظين لحثهم على تحمل مسؤولية القرارات التي يتخذونها في ممارسة مهامهم[130].
إن الفصلان 79و80 من قانون الالتزامات والعقود مقتضيات عامة تسري على كافة الموظفين عند ارتكابهم لأخطاء جسيمة أو تدليس، فالفصل 79 من (ق.ل.ع) يقضي بمسؤولية الدولة والبلديات الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها.
كما أن الفصل 80 من ق.ر.ع أشار إلى المسؤولية الشخصية لموظفي الدولة والبلديات عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم.
والمحافظ على الأملاك العقارية يلتقي مع باقي الموظفين ويشترك معهم في كونه مسؤولا مسؤولية شخصية إذا ارتكب خطأ من شأنه الإضرار بالآخرين، وكان هذا الضرر نتيجة تدليسه، وعليه في ضوء قانون الالتزامات والعقود ولاسيما الفصل 80 منه يكون المعيار المعتمد في تقييم الخطأ الشخصي هو معيار التدليس إلى جانب معيار الخطأ الجسيم وعبارة التدليس الواردة في هذه المادة جاءت شاملة وعامة حيث أنها تشتمل مجموعة من التصرفات الصادرة بسوء نية عن الموظف والذي يقصد بالعمل الذي يمارسه النكاية والانتقام لأسباب شخصية[131].
لهذا فالتدليس هنا يكون في حالة ارتكاب المحافظ لخطأ عن سوء نية أو بقصد الإضرار بالغير أو الحصول على منفعة شخصية، ولعل أشق مسألة في هذا السياق هي مسألة إثبات حصول التدليس حيث يمكن إثباته بجميع الوسائل، والتدليس في هذا المجال يجب أن يؤخذ بمفهومه الواسع بحيث يمكن إثباته بكل تصرف أو عمل يؤدي إلى الإضرار بالغير كأن يتغاضى المحافظ عن ذكر حق حين تأسيس الرسم العقاري رغم أن إيداعه وعلمه بجوده بمطلب التحفيظ[132].
وإذا رجعنا إلى الفصل 80 من (ق.ل.ع) نجده اعتمد أيضا على معيار الخطأ الجسيم لأجل إثارة مسؤولية المحافظ على الأملاك العقارية الشخصية، فإن بلغ الخطأ درجة من الجسامة فإنه يعرض المحافظ على الأملاك العقارية للمتابعة الشخصية في إطار المسؤولية التقصيرية، والأضرار الجسيمة الواقعة منه أثناء قيامه بمهامه لا تتحملها الدولة إلا في حالة إعساره[133].
غير أنه من الصعب تحديد الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها المحافظ العقاري وتثير مسؤوليته الشخصية، كما أن القضاء من جهته غالبا ما ينفي على المحافظ العقاري ارتكابه لأي خطأ جسيم كما أنه من الصعب التمييز بين الأخطاء الشخصية والمصلحية رغم وجود عدة معايير لهذه التفرقة كما أن الخطأ المصلحي قد يفقد طبيعته ويتحول إلى خطأ شخصي يثير مسؤولية المحافظ خاصة وأن المهام التي يقوم بها متشعبة وكثيرة وهكذا يبقى القضاء هو المختص الوحيد في تقدير هذه الأخطاء وذلك حسب ظروف كل قضية[134].
إذا كان قرار المحافظ بتأسيس الرسم العقاري يرتب جزاء يتمثل في تحمل المحافظ على الأملاك العقارية المسؤولية الشخصية عن أخطائه فإن ذلك يؤدي حتما إلى الحكم بالتعويض نتيجة الأضرار التي لحقت بأصحاب الحقوق الحقيقيين التي يضيع أي أمل في المطالبة بها، ولا يبقى للمتضررين إلا الحق في الحصول على تعويض مادي في حالة إثبات ارتكاب التدليس[135] ويتم ذلك عن طريق إقامة دعوى شخصية استنادا للفصل 64 من ظهير التحفيظ العقاري الذي ينص على أنه لا يمكن إقامة أي دعوى في العقار بسبب حق وقع الإضرار به من جراء تحفيظ أو يمكن للمتضررين في حالة التدليس فقط أن يقيموا على مرتكب التدليس دعوى شخصية بأداء تعويضات وفي حالة إعسار المدلس تؤدى التعويضات من صندوق التأمينات المحدث بموجب المادة 100 من ظهير التحفيظ العقاري.

خاتمة:

ختاما نخلص إلى أن العقار المحفظ يمكن أن يترتب عليه مجموعة من التصرفات والاتفاقات التي تخضع لتقييدها لإجراءات جديدة من خلالإشهار الحقوق العينية الواردة عليه ويكون هذا الإشهار بالتقييد أو التشطيب.
فتقييد الحق في الرسم العقاري يطلع بدور مهم، الغاية منه حماية الحقوق وإثباتها وتخويلها رتبة الأفضلية على الحقوق المقيدة في تاريخ لاحق على تقييدها، تجعل صاحب الحق المقيد بمنأى من أن ينازعه أحد في حقه لأن التقييد يضمن له ثبات واستقرار حقه.
والحقوق المقيدة بالرسم قابلة للإنقضاء والإبطال عن طريق مسطرة التشطيب التي نظمها المشرع وحدد حالات وشروط التشطيب عليها.
وعند قيام المحافظ العقاري بأي تقييد أو تشطيب من الرسم يتعين عليه التقيد بالإجراءات والمساطر القانونية المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري، وإذا ترتب عن قرار التقييد أو التشطيب ضررًا بالغير بسبب مخالفتها لتلك المقتضيات كان ذلك سببًا لإثارة مسؤوليته الشخصية.

 

(محاماه نت)

إغلاق