دراسات قانونية
التعسف في استعمال التعرض (بحث قانوني)
التعرض والتعسف في استعماله بقلم رشيد شحور
رشيد شحور
طالب باحث بماستر القانون المدني و الأعمال
جامعة عبد المالك السعدي
يكون محل الحقوق العينية العقارية إما عقارا محفظا أو عقارا غير محفظ، وكان كل نوع من هذه العقارات يخضع لنظام قانوني خاص به، فالعقارات المحفظة تطبق عليها أحكام ظهير 9 رمضان 1331 الموافق ل 2 يونيو 1915 المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة، وكانت العقارات غير المحفظة تطبق عليها الأحكام الواردة في قانون الالتزامات و العقود أو إلى بعض القوانين الخاصة التي تتناول أحكامها العقارات محفظة كانت أم غير محفظة، كما يرجع فيها إلى أحكام الشريعة الإسلامية وخاصة منها المستمدة من المذهب المالكي[1].
وبصدور مدونة الحقوق العينية بتاريخ 22 نونبر 2011، أصبحت تسري أحكامها على الملكية العقارية و الحقوق العينية المترتبة على العقار المحفظ و غير المحفظ و الذي في طور التحفيظ. وفي حالة عدم وجود النص، يرجع إلى قانون الالتزامات و العقود، فإن لم يوجد به نص يرجع إلى الراجح و المشهور و ما جرى به العمل من الفقه المالكي[2].
موضوع هام للقراءة : رقم هيئة الابتزاز
ويقصد بالتحفيظ العقاري جعل العقار المحفظ خاضعا لقانون التحفيظ العقاري دون أن يكون بالإمكان إخراجه منه فيما بعد، طبقا للفصل 1 من القانون 14-07 المتعلق بالتحفيظ العقاري.
وبمفهوم آخر يقصد بالتحفيظ، تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري يقيد بسجل خاص يضبطه بكل دقة، و يحدد مساحته و حدوده من كل جهة و يبين طبيعته، والحقوق العينية الواقعة عليه ومن هم أصحابها، ثم تقيد في هذا السجل أولا بأول جميع المعاملات التي تقع على ذلك العقار بعد تحفيظه.
وعليه فإن التحفيظ عبارة عن مجموعة من المساطر أو الإجراءات القانونية التي ترمي كلها إلى جعل العقار خاضعا لمقتضيات التحفيظ العقاري الذي يوفر له الحماية اللازمة و يطهره من كل الشوائب و النزاعات بعد تأسيس رسم عقاري خاص به ميزه المشرع المغربي بالحجية المطلقة.
وتمر مسطرة التحفيظ العقاري بمجموعة من المراحل يجب إتباعها سواء من طرف المحافظ على الأملاك العقارية أو من طرف طالب التحفيظ، حيث تكون البداية بتقديم مطلب التحفيظ والذي يخضع لعملية الإشهار ثم تأتي عملية التحديد التي يقوم بها المهندس الطبوغرافي، بعين المكان من أجل ضبط حدود العقار و معالمه و مشتملا ته ومساحته، لكي يتم نشر الإعلان عند انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية مع الإشارة في نفش الإعلان إلى أنه يمكن لكل شخص أن يتدخل عن طريق التعرض خلال أجل شهرين وإذا لم يظهر أي متعرض طيلة مسطرة التحفيظ يتخذ المحافظ قرارا بشأن التحفيظ إما بالقبول أو الرفض، لكن مسطرة التحفيظ قد تتخللها تعرضات أحيانا عن حق، وأحيانا أخرى بدون حق وهي الفرضية الأكثر وقوعا[3].
ويعتبر التعرض على مطلب التحفيظ دعوى استحقاقية[4] بامتياز يطالب من خلالها المتعرض بحق من الحقوق العينية القابلة للتقييد في الرسم العقاري سواء كانت حقوقا أصلية أو متفرعة عن حق الملكية أو تكاليف عقارية، ويمكن أن يقدم التعرض بصفة شخصية أو بواسطة الوكيل[5].
يتبين لنا من خلال سرد بعض المعطيات حول التحفيظ العقاري بصفة عامة الذي ارتبط ظهوره بنظام تورانس الأسترالي[6] أن مؤسسة التعرض تلعب فيه دورا مهما في حماية الملكية العقارية و ترسيخ مبادئ الأمن العقاري.
فما هي ماهية التعرض ( المبحث الأول ) وكيف واجه المشرع المغربي التعسف في استعمال هذا الحق ( المبحث الثاني ).
المبحث الأول: ماهية التعرض
إن الشروع في إجراءات التحفيظ سواء بناء على مطلب التحفيظ و القيام بتحديده من طرف المحافظ أو بناء على التحديد الإداري في الحالات الخاصة التي تتطلب ذلك. تفتح إمكانية التعرض بالنسبة لكل من ينازع في حق ملكية العقار الذي سيجري تحفيظه، أو في مدى هذا الحق، أو في حدود العقار، و كذا لكل من يدعي حقا عينيا على العقار المزمع تحفيظه.
والتعرض ليس حتمية تقع على كل مطلب تحفيظ بل هو فرضية في وجه كل طالب تحفيظ. فإذا كان مطلب التحفيظ يعتبر قرينة على ملكية طالب التحفيظ فهي قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس والقرينة لا تثبت إلا بواسطة التعرض[7].
فما معنى التعرض ( المطلب الأول ) وما هي آجاله ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول: مفهوم التعرض
التعرض هو ادعاء يتقدم به أحد من الغير ضد طالب التحفيظ بمقتضاه ينازع المتعرض في أصل حق ملكية طالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو في حدود العقار المطلوب تحفيظه، أو يطالب بحق عيني مترتب على هذا العقار، وينكره عليه طالب التحفيظ الذي لم يشر إليه في مطلب التحفيظ[8].
من جانبنا نرى بأن التعرض هو مؤسسة قانونية نظمها المشرع في قانون التحفيظ ، بموجبها يتم وقف إجراءات التحفيظ إلى أن يتم الفصل في التعرض المعروض على المحافظ إما بالتصالح بين الطرفين دون اللجوء إلى المحافظ، أو قيام هذا الأخير بمحاولة إيجاد صيغة توافقية بين طالب التحفيظ و المتعرض، و إما بإرسال ملف التحفيظ إلى المحكمة التي تبت في التعرضات و تبين مدى صحتها و جديتها، وهي الحالة الأكثر شيوعا، أي غالبا ما يتم الفصل في التعرضات من طرف المحكمة المختصة.
ويقدم التعرض حسب مقتضيات الفصل 25 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل بموجب القانون رقم 14-07 بواسطة تصريح كتابي أو شفوي أمام المحافظ على الأملاك العقارية أو المهندس المساح الطبوغرافي المنتدب أثناء عملية التحديد، لكن العمل اليومي لدى مصالح المحافظات العقارية يؤكد على أنه يحرر محضرا لهذا التعرض يضمن فيه جميع المعلومات الضرورية و التي تساعد المحكمة عند إحالة الملف عليها في البت في هذا التعرض[9].
المطلب الثاني: أجل تقديم التعرض.
يمارس التعرض مند تقديم مطلب التحفيظ إلى انقضاء أجل الشهرين المواليين لنشر إعلان بانتهاء التحديد المؤقت في الجريدة الرسمية ( الفقرة الأولى ) وبصفة استثنائية، يمكن للمحافظ على الأملاك العقارية قبول التعرض و لو جاء خارج الأجل بشروط ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى: أجل التعرض العادي.
يقدم التعرض العادي على مطلب التحفيظ وجوبا إلى المحافظ العقاري منذ تقديم مطلب التحفيظ و إلى غاية انصرام أجل شهرين ابتداء من نشر الإعلان بانتهاء التحديد المؤقت في الجريدة الرسمية ما لم يكن قد سبق تقديمه إلى المهندس المساح الطبوغرافي المنتدب أثناء عملية التحفيظ، وقرار المحافظ القاضي بقبول التعرض الواقع داخل أجل التعرض العادي، سواء كان تعرضا جزئيا أو كليا لا يقبل الطعن القضائي على اعتبار أنه قرار إداري متصل بمسطرة التحفيظ، إذ يشكل التعرض على مطلب التحفيظ، الوسيلة المقرر قانونا لمن يدعي حقا عينيا على العقار موضوع مطلب التحفيظ أن ينازع الطالب في أحقية المدعى فيه[10].
ولقد جاء في قرار لمحكمة النقض ‘‘ حيث إنه من الثابت من أوراق الملف أن الطعن ينصب على قرار المحافظ على الملكية العقارية بقبول تعرض كلي على مطلب التحفيظ عدد
11-6450 الذي تقدمت به المدعية المستأنفة لتحفيظ عقار تدعي مملوك لها.
ما إذ أن المحكمة العادية التي تتولى البت في مسطرة التحفيظ العقاري هي التي تبت في صحة أو عدم صحة التعرضات المقدمة ضد مطالب التحفيظ.
وحيث إن مؤدى ذلك أن القرار الصادر عن المحافظ بقبول التعرض و إن كان قرارا صادرا عن سلطة إدارية إلا أنه قرار نهائي غير قابل لأي طعن سواء أمام جهة القضاء الإداري أو جهة القضاء العادي مما يكون معه الحكم المستأنف واجب التأييد بناء على هذه العلل و الأسباب التي تعوض العلل المنتقدة في الحكم المستأنف‘‘[11].
الفقرة الثانية: أجل التعرض الاستثنائي.
كل شخص تعذر عليه تسجيل تعرضه بسبب معقول داخل الآجال العادية المنصوص عليها في الفصل 24[12]،يرخص له في تسجيل تعرضه، خارج الأجل بصفة استثنائية طبقا للفصل 29[13].
ويمنح المحافظ هذا الترخيص ما دام الملف في المحافظة. ويتمتع المحافظ بصلاحيات واسعة في هذا المجال و دون حاجة إلى تبرير قراره بقبول التعرض خارج الأجل. وبمقتضى التعديل الجديد بواسطة القانون 14-07 فإن إمكانية تقديم التعرض أمام السيد وكيل الملك حينما يحال الملف على المحكمة أصبحت غير ممكنة فقد أصبح مجال تقديم التعرض محصورا في المحافظ العقاري وحده دون غيره، وغن قبول التعرض خارج الأجل من طرف المحافظ لا يثير إشكالا لأن المحافظ غالبا ما يرجع إلى ملف طلب التحفيظ قبل الإقدام على قبول التعرض حيث يمكنه رفض التعرض إذا تم إرسال الملف إلى المحكمة كما يمكنه رفض التعرض إذا تم الشروع في تأسيس الرسم العقاري، وعلى المتعرض أن يتحمل مسؤولية تأخيره، لأن نظام التحفيظ العقاري يعتمد على واقعة انصرام الأجل المقرر لتأكيد حق ملكية طالب التحفيظ في حالة عدم وجود تعرضات[14].
ولقد كانت الغرفة المدنية لمحكمة النقض ترفض أن تراقب قرار المحافظ بقبول التعرض خارج الأجل العادي، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي: ‘‘ لكن ردا على الوسيلتين معا لتداخلهما، فإن حالات الطعن في قرارات المحافظ استنادا إلى الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري و الذي قدمت دعوى النازلة في إطاره محددة على سبيل الحصر وليس من بينها الطعن ضد قرارات المحافظ الصادرة بعدم قبوله التعرض بصفة الصادرة بعدم قبوله التعرض بصفة استثنائية طبقا للفصل 29 من نفس القانون. و أن المحكمة غير ملزمة بتتبع الخصوم في جميع مناحي أقوالهم التي لا تأثير لها على قضائها. وأن القرار المطعون فيه بالنقض حين أيد الحكم المستأنف يكون قد تبنى تعليلاته التي منها ( لا يمكن في الحالة المشار إليها أعلاه الطعن في قرار المحافظ أمام هذه المحكمة باعتباره لا يدخل ضمن الحالات المنصوص عليها في الفصل 96 من الظهير)، فإنه بهذا التعليل يكون القرار معللا بما يكفي وغير خارق للمقتضيات القانونية المحتج بها وباقي تعليلاته المنتقدة تبقى تعليلات زائدة يستقيم القضاء بدونها و الوسيلتان معا بالتالي غير جديرتين بالاعتبار‘‘[15]
وفي نظري المتواضع أرى أن تشديد المشرع العقاري المغربي في الإجراءات الخاصة بانتهاء أجل التعرض العادي يتنافى وسياسة حماية الملكية العقارية التي بني عليها إصلاح هذا الظهير، كما أن إعطاء المحافظ وحده الحق في قبول التعرض خارج الأجل الاستثنائي من شأنه أن يدفع هذا الأخير إلى التعسف في استعماله و أن يتعمد عدم إرسال الملف إلى المحكمة رغبة منه في ظهور متعرضين قد يكونون فعليا أصحاب حقوق حقيقية و لهم مستندات تثبت ذلك فيقوم بالمتاجرة في منحهم الحق في التعرض، وهذا ما يتنافى مطلقا مع مبادئ العدالة و الإنصاف التي يقوم عليها القانون بكلياته و مبادئ حقوق الإنسان المنصوص و المتعارف عليها عالميا، وما يزيد الطين بلة هو عدم خضوع قراره هذا القاضي بقبول التعرضات خارج الأجل العادي لأي رقابة من طرف المحكمة مما يطرح التساؤل حول جدوى ما جاء به دستور فاتح يوليوز 2011 على أن كافة القرارات الإدارية تقبل الطعن؟؟
المبحث الثاني: التعرض وسيلة للتعسف في استعمال الحق.
إذا كان الهدف من التعرض هو تمكين كل من يدعي ملكية عقار، أو حقا عينيا عقاريا موضوع مسطرة تحفيظ أن يتدخل خلال هذه المسطرة عن طريق تقديم تعرضه، فغنه وللأسف نجد في الكثير من الحالات نماذج لتعرضات كيدية صادرة عن أشخاص يحترفون عملية التعرض بغية ابتزاز أصحابها، وعرقلة إجراءات التحفيظ حيث يعتمدون في ذلك على طرق غير مشروعة كالإدلاء بعناوين خاطئة، وعدم أداء الرسوم القضائية وحقوق المرافعة، وكذلك عدم الإدلاء بالمستندات والوثائق المؤيدة لتعرضاتهم، ومن المعروف أن الشريعة الإسلامية أقرت مبدأ منع المالك من التعسف في استعمال حقه، وهذا المبدأ يقتضي أنه لا يجوز لمالك العقار أن يستعمل ملكه استعمالا يضر بغيره، ولو لم تتجه نيته إلى إحداث ذلك الضرر[16].
فما هي الصور العملية للتعسف في استعمال حق التعرض ( المطلب الأول ) وما القواعد الحمائية للحد من الدعاوى التعسفية ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول: الصور العملية للتعسف في استعمال حق التعرض.
من المعلوم أنه يجوز لصاحب الحق عندما يتعرض حقه أو مركزه القانوني لاعتداء معين اقتضاء حقه عن طريق اللجوء إلى القضاء وطلب الحماية لأن حق التقاضي مقرر لجميع الناس بموجب الدستور[17].
وإذا كان التعرض إمكانية منحها المشرع لكل من يدعي حقا عينيا على العقار المراد تحفيظه، فإن هذا الحق لا يمكن أن يكون وسيلة للإضرار بالغير استنادا إلى مبدأ عدم التعسف[18] في استعمال الحق.
كما أن حق التعرض كسائر الحقوق ليس حقا مطلقا يمكن ممارسته دون قيد أو شرط بل هو حق نسبي، ولا يمكن أن يصبح وسيلة للإضرار بالغير.
وتفاديا لحالات التعسف في تقديم التعرض أفرد المشرع المغربي الفصل 48… إحالة… لتحديد الجزاءات المقررة في حالة ثبوت التعرضات الكيدية.
وبالقراءة المتأنية لهذا النص يتبين لنا أن المشرع لم يورد أي حالة أو نموذج لهذه التعرضات، تاركا بذلك للمحكمة المختصة السلطة التقديرية لتطبيق مقتضيات هذا الفصل وتحديد هذه الحالات من خلال باقي النصوص التي اعتمد عليها القضاء لاعتبار بعض التعرضات كيدية، كما نلاحظ أن المشرع استعمل ثلاث مصطلحات متباينة وهي التعسف أو الكيد أو سوء النية والتي تعد من الأمور النفسية التي يصعب إثباتها وذلك أيضا متروك للسلطة التقديرية للمحكمة.
يتضح أن قانون 14-07 الذي عدل بمقتضاه الفصل 48 من ظهير التحفيظ العقاري جاء بوسيلة فعالة للتصدي للتعرضات الكيدية تتمثل في سياسة ردع كل طالب تحفيظ أو متعرض ثبت سوء نيته أو كيده أو تعسفه عن طريق الحكم عليه تلقائيا بغرامة مالية لفائدة صندوق الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري و الخرائطية لا تقل عن عشرة في المائة من قيمة الحق و العقار المتنازع عليه إضافة إلى إمكانية تعويض المتضرر.
لذلك فالتعرض حق منح للجميع، لكن يجب ألا يتعسف في استعماله، وقد اعتبر المشرع المغربي المتعرض مدعيا وعليه يقع عبء الإثبات.
وهكذا جاء في قرار لإستئنافية الرباط أن ‘‘ المتعرض في قضايا التحفيظ يعتبر مدعيا يقع عليه عبء الإثبات، وحتى في حالة عدم إنكار طالب التحفيظ ادعاءات المتعرض يتحتم على هذا الأخير أن يدلي تلقائيا بما لديه من حجج و مستندات ليتأتى لمحكمة التحفيظ العقاري ممارسة سلطتها التقديرية وحق مراقبتها‘‘[19].
جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا ما يلي :‘‘لكن ردا على الوسائل مجتمعة لتداخلها، فإن المتعرض في قضايا التحفيظ يعتبر مدعيا يقع عليه عبء الإثبات ويحتم عليه الإدلاء تلقائيا بما لديه من حجج ليمكن قضاة الموضوع من ممارسة مراقبتهم على هذه الحجج وبالتالي فلا مجال لتوجيه اليمين و إعمال قاعدة النكول‘‘[20].
ومن المقتضيات الجديدة في القانون 07-14 المتعلقة بتقديم التعرض، إلزام المتعرضين بضرورة إيداع المستندات والوثائق التي تثبت هويتهم، وتدعم تعرضهم، وأدائهم للرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو الإدلاء بما يفيد حصولهم على المساعدة القضائية[21]. وذلك قبل انصرام الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض تحت طائلة اعتبار التعرض لاغيا و كأن لم يكن.
وهذا المقتضى يهدف إلى محاربة التعرضات الكيدية التي تنطوي على ابتزاز طالبي التحفيظ عن طريق إثارة منازعات صورية بهدف عرقلة عملية التحفيظ، ووعيا من المشرع بأهمية المجال العقاري خاصة خلال مرحلة التحفيظ، فإنه لم يكتف بالنصوص العامة وإنما جعل من الفصل 48 الأساس القانوني للتعرضات الكيدية، ويتضح من خلال هذا الفصل أن كل تعرض ثبت صدوره عن تعسف أو كيد أو سوء نية إلا و اعتبر تعرضا تعسفيا يستوجب الحكم بغرامة و بتعويض لفائدة المتضرر.
المطلب الثاني: القواعد الحمائية للحد من الدعاوى التعسفية
لما كانت التعرضات تهدد حياة العقار، وتخلف وضعية غير مريحة للملاكين الحاليين أو المرتقبين وكذلك المنعشين العقاريين والمستثمرين، مما يدعو إلى التصدي لهذه التعرضات وإعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية، فقد رسم المشرع دوائر للاختصاص خص بها كل من المحافظ العقاري في مرحلة معينة، وهي المرحلة التي يكون فيها مطلب التحفيظ بين يديه سواء قبل إحالته على القضاء أو بعد رجوعه منه، ثم قاضي التحفيظ العقاري في المرحلة التي تلي مباشرة إحالة ملف مطلب التحفيظ على القضاء.
ومن خلال استقراء الجانب القضائي في مسطرة التحفيظ العقاري منذ 1913 إلى الآن يتضح بأن المشرع توجه نحو توسيع اختصاصات المحافظ على الملكية العقارية، وعلى العكس من ذلك حرص على الحد من سلطات قاضي التحفيظ العقاري.
فما دور المحافظ في الحد من التعرضات التعسفية ( الفقرة الأولى ) وما دور القاضي في الحد من التعرضات الكيدية ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى: دور المحافظ في الحد من التعرضات التعسفية.
يملك المحافظ على الأملاك العقارية سلطات واسعة في مجال مسطرة التحفيظ، سواء تعلق الأمر بمطلب التحفيظ أو التعرضات، ذلك أن للمحافظ الحق في إلغاء التعرض المقدم إليه، كلما توفرت الشروط القانونية لذلك.
ويجد اختصاص المحافظ في إلغاء التعرض سنده القانوني في الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري، ويتبين من مقتضيات هذا الفصل أن المشرع نص على نوعين من الإلغاء في ميدان التعرض:
* قرار إلغاء التعرض لعدم الإدلاء بالمستندات: لقد أوجب المشرع ضرورة إرفاق كل تعرض بالحجج والوثائق المؤيدة له، إلا أنه يمكن قبول التعرض رغم عدم الإدلاء بأي مستندات شريطة أن يلتزم المتعرض بتقديم كل وثيقة تثبت الحق المدعى به في تاريخ لاحق أقصاه قبل انصرام الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض، وهذا ما جاء في الفقرة الثالثة من الفصل 25 من ظهير التحفيظ العقاري التي تنص على ما يلي ‘‘ يجب على المتعرضين….‘‘.
ولا يخفى أن التعرضات الكيدية أصبحت في تزايد مستمر خصوصا بعد القفزة النوعية التي عرفتها أثمنة العقار في السنوات الأخيرة سواء في الحواضر أو البوادي، لذلك أصبح العقار في طور التحفيظ مصدر اهتمام العديد من الأشخاص الذين يمتهنون مهنة التعرضات التعسفية.
* قرار إلغاء التعرض لعدم أداء الرسوم القضائية و حقوق المرافعة: لقد اعتبر المشرع المغربي التعرض لاغيا في حالة تخلف المتعرض عن أداء الرسوم القضائية وحقوق المرافعة داخل الأجل القانوني و المحدد بمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل 25 من ظهير التحفيظ العقاري، وأعطى الحق للمحافظ على الأملاك العقارية لإلغاء التعرض.
وكان حري بالمشرع أن يلطف من حدة هذا المقتضى، لأن قرار المحافظ بإلغاء التعرض لعدم أداء الرسوم القضائية و حقوق المرافعة، أو في حالة عدم الإدلاء بما يفيد الحصول على المساعدة القضائية، يمثل إجحافا كبيرا في حق المتعرض الذي لا يستطيع أداء هذه الرسوم، أو يجهل طريقة الحصول عليها، كما أن أغلبية المتعرضين لا يعلمون بوجود المساعدة القضائية و إجراءاتها، خاصة و أن المتعرض قد يملك من الحجج ما يجعله قادرا على إقناع المحكمة بصحة تعرضه.
ومن جانبنا نؤيد ما جاء به الفقهاء من كون قرار المشرع هذا بإلغاء التعرض لعدم أداء الرسوم القضائية و حقوق المرافعة أنه إجحاف و ظلم في حق المتعرض، خصوصا إذا كانت الحالة المادية والعائلية وحتى الصحية في بعض الأحيان لهذا الأخير في حالة يرثى لها، الشيء الذي أقعده أو وقف حاجزا أمام أداء تلك الرسوم أو القيام بتلك الإجراءات بصفة عامة، وعليه فإننا نرى أن المشرع ربما تسرع في إقراره هذا المقتضى في الفصل 25 من الظهير السالف الذكر، وكان حري به إن كان هدفه الأسمى من خلال التعديل الأخير لظهير التحفيظ العقاري بموجب القانون 07/14 حماية و تأمين الملكية العقارية، أن يلطف و يلتمس الأعذار لبعض الحالات الاستثنائية في المجتمع التي تمتلك أدلة قوية و دامغة على ملكية للعقارات موضوع النزاع، لكن ظروفها المختلفة هي التي خانتها من القيام بالإجراءات المتطلبة قانونا وبالتالي الدفاع عن ملكيتها.
الفقرة الثانية: دور القاضي في الحد من التعرضات الكيدية
إذا كانت مسطرة التحفيظ مسطرة قضائية في بعض البلدان العربية كسوريا و لبنان وتونس، فإنها في المغربي مسطرة إدارية من حيث المبدأ يقوم بها موظف هو المحافظ العقاري، لكن قد تتخللها مسطرة مسطرة قضائية في حالة تقديم تعرض على مطلب تحفيظ، حيث يخرج البت في هذه التعرضات عن اختصاص المحافظ العقاري ليدخل في اختصاص القضاء[22].
ولقد كرس المشرع الفصل الصارم بين الاختصاصات الإدارية للمحافظ والاختصاصات القضائية للقضاء في موضوع التعرضات، عن طريق تحديد مجال تدخل كل منهما.
في هذا الصدد جاء في حكم المحكمة الإدارية بمراكش ما يلي:( إن اختصاص المحكمة وهي تبث في التعرضات المثارة بشأن مسطرة التحفيظ إنما تقتصر على النظر في صحة التعرض أو عدم صحته دون أن تمتد لمراقبة ما إذا كان التعرض مقبولا من الناحية الشكلية أم لا لأن ذلك يدخل ضمن اختصاص المحافظ العقاري وحده)[23].
و لقد منح المشرع المغربي بمقتضى التعديل الأخير للمحكمة سلطة الحكم تلقائيا لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية عن كل طلب للتحفيظ أو تعرض عليه ثبت صدوره عن تعسف أو كيد أو سوء نية، بغرامة لا يقل مبلغها عن 10 في المأة، من قيمة العقار أو الحق المدعى به، طبعا مع احتفاظ الأطراف المتضررة بإمكانية المطالبة أيضا بالتعويض.
وهذا الإجراء جاء نتيجة انتشار ظاهرة التعرضات الكيدية و التعسفية، إلى الحد الذي أصبح معه بعض الملاك أو أصحاب الحقوق العينية يعزفون عن طلب تحفيظ حقوقهم خوفا من إثارة مثل هذه التعرضات.
وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من الفصل 37 الذي نسخ وعوض بالقانون 14.07 نجدها تنص[24]، من خلال هذه الفقرة يتضح أن اختصاص قاضي التحفيظ العقاري ينحصر فقط في البت في الإدعاءات المثارة من طرف المتعرض في مواجهة طالب التحفيظ التي تطال وجود حق الملكية المدعى به وطبيعته ومشتملاته ونطاقه. بمعنى أن محكمة التحفيظ غير مؤهلة للبت إلا في وجود ومدى الحق الذي يدعي به المتعرض دون ما يدعي به طالب التحفيظ الذي يبقى للمحافظ حق النظر فيه[25].
وفي هذا الصدد جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى سابقا: ( حيث إنه بمقتضى الفصل 37 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ، فإن محكمة التحفيظ إنما تفصل في النزاع الذي يثيره المتعرضون ضد طالب التحفيظ ولا تختص بالنظر في النزاع الذي يثيره المتعرضون فيما بينهم)[26].
يتضح مما سبق أن قاضي التحفيظ العقاري لا ينظر إلا في المنازعات المتعلقة بالتحفيظ التي يحيلها عليه محافظ الأملاك العقارية، ولا يتعداها للبت في حجج طالب التحفيظ أو في الفصل بين المتعرضين.
خاتمة
يتضح مما سبق أن التعرض آلية مهمة وضعها مشرع التحفيظ العقاري بين يدي كل من تبث أن حقه معرض للخطر و ذلك عن طريق رفع معارضته إلى المحافظ على الأملاك العقارية أو المهندس المساح الطبوغرافي حسب الأحوال، مبلغا إياهم على أن الحق المراد تحفيظه هو صاحبه الأصلي إما كليا أو جزئيا.
هذا التعرض هو حقيقة يساعد على ترسيخ الأمن العقاري شعار تعديل القانون رقم 07-14 لكن في نفس الوقت هو وسيلة من الوسائل التي أصبحت تؤرق بال أصحاب الحقوق المراد تحفيظها بل و أصبحت شوكة أمام النمو الاقتصادي و العمراني خاصة في ظل هذا العصر الذي يتسم بالسرعة و التطور و النمو الديموغرافي الكبير.
لذلك كان لزاما إيجاد آليات حمائية لمواجهة أصحاب النيات السيئة ممن يمتهنون مهنة التعرضات الكيدية بتحريف مسطرة التحفيظ عن الغاية التي وضعت من أجلها وهي حماية الملكية العقارية و المساهمة في استقرار المعاملات و تحقيق التنمية والاقتصادية و الاجتماعية.
(محاماه نت)