دراسات قانونية

مناط دعوى الإلغاء وأبرز القرارات الإدارية غير القابلة للطعن (بحث قانوني)

مناط دعوى الإلغاء، وأصناف القرارات الإدارية غير القابلة للطعن امام القضاء الإداري بقلم الأستاذ الحسن اولياس

الأستاذ: الحسن اولياس
باحث في القانون الخاص
مهتم بالمنازعات القضائية

تقديم:

تملك الإدارة امتيازات السلطة العامة، ومن أبرز واهم مظاهر هذه الامتيازات، اقدامها على استعمال وتوظيف سلطتها في فرض قرارات ترتب اثارا في مواجهة الغير.

فاذا كان الأصل او القاعدة العامة، ان الإرادة المنفردة لا ترتب اثارا الا في حق من أصدرها، طبقا لمبدأ الأثر النسبي، فانه في مجال القانون العام تعكس الآية، ذلكم ان المظهر الجلي والبارز من مظاهر امتيازات السلطة العامة هو منح الإدارة اصدار قرارات بإرادتها المنفردة لها قوة ملزمة قانونا في حق من صدرت في مواجهته، لدرجة ان مجلس الدولة الفرنسي اعتبرها القاعدة الرئيسية للقانون العام.

ومن ثمة، فان دراسة القرار الإداري له أهمية مميزة وبالغة، من زاويتين، فمن جهة نجد ان القرارات الإدارية تشكل أحد اركان ومرتكزات القانون الإداري، وتعد من أنجع الوسائل في ممارسة الإدارة لنشاطها، ومن جانب اخر تشكل القرارات الإدارية المجال الرحب لتمكين القضاء من مراقبة عمل الإدارة، بل ان هذه القرارات تشكل النواة لمعظم النزاعات والملفات التي تعرض القضاء الإداري والتي يكون موضوعها هو الإيقاف او الإلغاء حسب الحالات.

غير ان المشرع، ولئن كفل للإدارة امتيازات عديدة ومتشعبة، في مقابل تحقيقها للمصلحة العامة، فان هذا لا يعني بالمرة التضحية بالفرد وحقوقه وامتيازاته، بل ان الإدارة تخضع في كافة تصرفاتها لمبدأ المشروعية واحترام القانون، وللأفراد مقاضاتها في حالة مخالفتها لذلك، وهذا المقتضى لازم لحسن سير العمل الإداري بشكل يضمن المشرع به للأفراد او المعنيون بالأمر بصورة عامة، أكبر قدر من الحرية ويوفر لهم في ذات الان الحماية القانونية لتصرفات الإدارة في مواجهتهم.

وبالتالي فان سلطة الإدارة سواء كانت مقيدة ام تقديرية،ليست في نهاية المطاف، سوى وسيلة لتطبيق القانون ليس الا.

ولعل المنازعات المتعلقة بإلغاء او إيقاف القرارات الإدارية المتسمة بالتجاوز او ما يعبر عنه بالشطط في استعمال السلطة، قد افرزت صدور عدة احكام في الموضوع سواء من قبل محاكم الموضوع الإدارية او على صعيد الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، كما ان الطعن في تلكم القرارات تعد مصدرا ثريا وغنيا لاجتهادات القضاء الإداري على مستوى القانون المقارن.

غير ان السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، ما هو القرار الإداري الذي يقبل الطعن بالإلغاء وما هي خصائصه وشكلياته…? وهل جميع القرارات الصادرة عن الإدارة تقبل الطعن بالإلغاء امام القضاء الإداري،ام ان ثمة نوع من القرارات لا يقبل هذا الطعن ? وإذا كانت الإجابة بنعم، ما هي نوعية هذه القرارات. وماهو موقف الاجتهاد القضائي المغربي في نوازل المنازعات المثارة بشأنها?

انطلاقا مما سبق سياقه، فان منهجية البحث، تقتضي تقسيم الموضوع الى محورين: الأول سيتم تخصيصه للتعريف بالقرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء وشروطه وموجبات الطعن ضده مع الآجال القانونية المخولة لممارسة الطعن، على ان يتم التطرق في محور ثان لكافة أنواع القرارات الإدارية المستثناة من الطعن، بتدعيم الموضوع بآراء فقهية واجتهادات قضائية-حتى لا يظل هذا الأخير منحصرا في جانبه النظري فقط-وفي الأخير سيتم انهاء البحث بتقديم خلاصة للموضوع.

المحور الأول: التعريف بالقرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء وخصائصه العامة (الشروط-عيوب الطعن ضده-اجال الإلغاء….):

الفرع الأول:التعريف بالقرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء وشروطه:

باذئ ذي بدء، ينبغي التذكير ان تحديد مفهوم القرار الإداري يعد من الأمور الصعبة في القانون ، وقد نال موضوعه عناية الكثير من الفقهاء، كما اسهم القضاء الإداري في الكشف عن الكثير من ملامحه، ففي اطار التعريف الفقهي، هناك من الفقهاء من اكتفى بالتعريف الاجتهادي للقرار الإداري، ومنهم من وضع له تعريفا يشمل كل أنواع القرارات، وفي هذا الاطار يقول Eisenman ان تعبير القرار الإداري، ليس موضوعا يتوافق جميع الفقهاء حوله، كما انه ليس له معنى او مفهوم واحد بالنسبة لكل القانونيين، اذ نجد في الادبيات القانونية اكثر من دلالة للقرار الإداري.
غير ان الدراسات المتخصصة التي قام بها بعض الفقهاء، ازالت كل التباس او غموض يلف محيط التعريف بالقرار الإداري، ومن بين هؤلاء الفقهاء، نجد الفقيه M.hauriou الذي عرفه بانه:” اعلان الإدارة بقصد احداث اثر قانوني إزاء الافراد يصدر عن سلطة إدارية في صورة تنفيذية، أي في صورة تؤدي الى التنفيذ المباشر”، اما العلامة L..dugit فقد عرفه بانه ، كل عمل اداري بقصد تعديل الأوضاع القانونية كما هي قائمة وقت صدورها او ما ستكون في لحظة مستقبلية.

ويربط الفقيه De laubadaire القرار الإداري، بامتياز الأولوية والتنفيذ التلقائي، فيقول بان القرار الإداري والعمل الصادر عن سلطة إدارية بخلاف العقد الذي يصدر عن الافراد.
وعلى صعيد الفقه العربي، عرف الدكتور سليمان الطماوي القرار الإداري،بانه كل عمل صادر من فرد او هيئة تابعة للإدارة اثناء أداء وظيفتها، وعرفته الدكتورة مليكة الصروخ ، بانه افصاح الإدارة عن ارادتها المنفردة والملزمة بقصد انشاء او تعديل او الغاء أحد المراكز القانونية ……
ومهما تباينتالتعريفات، فان حاصلها هو كون القرار الإداري، هو ذلكم القرار الذي تصدره اية جهة إدارية بوصفها سلطة عامة بقصد احداث أثر قانوني معين، يتعلق بحق او واجب أي شخص او اشخاص ويشمل رفض تلك الجهة او امتناعها عن اتخاد قرار كانت ملزمة قانونا باتخاذه.
ومن ثمة يتضح، ان للقرار الإداري شروط، وهي:

ان يكون صادرا عن جهة إدارية، اذ يستثنى من الطعن اعمال السلطتين التشريعية والقضائية والاعمال الملكية واعمال السيادة.
ان يكون قرارا نهائيا، وهذا معناه ان هناك قرارات إدارية ليست نهائية ولا يمكن الطعن ضدها بالالغاء وهي موضوع ما سنبرزه من خلال المحور الثاني للعرض.
ان يكون القرار مؤثرا في المركز القانوني للمعني بالامر، بمعنى ان يحدث اثارا قانونية، كان يضر بمصلحة من مصالح من صدر في حقه، وفق ما أكده الاجتهاد القضائي المغربي من خلال عدة احكام وقرارات منها القرار عدد76 بتاريخ01/09/1967.

الفرع الثاني:الأوجه المعتمدة في دعوى الإلغاء (موجبات الطعن ضد القرار الإداري):

الى جانب الشروط الشكلية المتعلقة بقبول دعوى الإلغاء والمتعلقة بالقرار المطعون فيه، والتي تم الإشارة اليها في الفرع الأول، واضافة أيضا للشروط الواجب توفرها في الطاعن ضد القرار( الصفة والأهلية والمصلحة)، وعدم وجود دعوى موازية يمكن للطاعن سلوكها للحد من اثر القرار المطعون فيه( المادة20 من القانون رقم90/41 المتعلق بالمحاكم الإدارية)، فان هناك موجبات يشترط ان تكون في القرار موضوع الطعن حتى يوصف بكونه غير مشروع، او اتسم صدوره بتجاوز للسلطة، ويكفي- حسب المشرع- توفر احد تلكم الموجبات في القرار، للقول بإمكانية الطعن ضده بالإلغاء ، وهي:

عيب عدم الاختصاص: ومعناه ، صدور قرار عن سلطة إدارية لا تملك الاهلية القانونية لإصداره او غير مختصة أصلا لإصداره مكانا او زمانا ، وهذا العيب هو من النظام العام، يمكن للقاضي اثارته تلقائيا وفي اية مرحلة من مراحل الدعوى، دون انتظار الدفع به من قبل المدعي، وقد يكون عيب عدم الاختصاص إيجابيا كان يصدر عن جهة غير مختصة في إصداره، كما يمكن ان يكون سلبيا كان ترفض جهة مختصة اصدار قرار هو من صميم اختصاصها، وقد طبق الاجتهاد القضائي هذا العيب من خلال عدة احكام وقرارات منها، حكم المحكمة الإدارية بمراكش الصادر بتاريخ15/12/1999، الذي اعتبر ان مجلس الوصاية البات في شان استغلال أراضي الجيش متسم بعيب الاختصاص الموجب للإلغاء، باعتبار ان الفصل16 من الظهير المؤرخ في27/04/1999، يحصر اختصاصات مجلس الوصاية في تنظيم وصايته على الجماعات وتدبير شؤون املاكها وتفويتها مستثنيا أراضي الجيش، اما فيما يخص عدم الاختصاص السلبي فيمكن الرجوع بشأنه أيضا الى حكم صادر عن نفس المحكمة بتاريخ19 ماي1999، الذي قرر انه لا يحق للسلطة المحلية رفض تسليم وصل الإيداع المتعلق بتأسيس الجمعيات وان القضاء هو المؤهل لمراقبة المشروعية ومدى احترام الجمعيات للقانون والتزامها به.

وبخصوص عدم الاختصاص المكاني والزماني، فيندرج في نطاق الصنف الأول صدور قرار عن جهة إدارية غير مختصة ترابيا بإصداره، او صدوره في فترة زمنية لا يكون فيها الاختصاص منعقدا للجهة المصدرة له.

عيب الشكل : يقصد بالشكل في القرار، ان يتم هذا الأخير وفقا للإجراءات التي يجب احترامها قبل صدوره وعلى الشكل الخارجي الذي نص عليه القانون، ومن امثلته عزل موظف عن العمل دون تمكينه من فرصة الدفاع عن نفسه امام المجلس التأديبي، او صدور قرار في غياب الشكليات المتعين ان يصدر وفقها ومن امثلة ذلك صدور قرار مكتوب دون التوقيع عليه من قبل الجهة مصدرته.

عيب مخالفة القانون: وهذا العيب من اهم وأكثر العيوب التي على أساسها يتم رفع دعاوى الإلغاء، ومعناه صدور قرار اداري في غير مخالفة او حياد عن احكام القانون، وقد قضت المحكمة الإدارية بالرباط في مثل هذا النوع من العيوب، بإلغاء قرار وزير التربية الوطنية بعزل موظف اثبت تغيبه عن العمل واثبت توصل ادارته بشهادات طبية تفيد ذلك، قبل الاقدام على اتخاد القرار بالعزل حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ11دجنبر2003، العلة عدم احترام الفصل75 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية).

عيب الانحراف في استعمال السلطة:فاذا كان المغزى من اتخاد القرار هو الحياد عن تحقيق المصلحة العامة او البعد عن الغايات التي حددها القانون، فانه يكون مشوبا بعيب الانحراف في استعمال السلطة، وقد قضت إدارية البيضاء بان قرار نقل موظف وان كان يتجلى من ظاهره تحقيق المصلحة العامة، الا انه في باطنه تضمن طيات قرار تأديبي مقنع، باعتبار ان الإدارة اتجهت نيتها لتوقيع العقاب وليس النقل للمصلحة العامة.

عيب السبب: وهو كل حالة قانونية وواقعية، تدفع الى اتخاد القرار، فتقديم طلب للحصول على جواز للسفر واستيفاء الطلب لشكلياته، هي أسباب موجبة لصدور قرار بمنج جواز السفر والعكس صحيح.

الفرع الثالث: اجال ممارسة الطعن بالإلغاء

للطعن بالإلغاء اجال معينة، يترتب عن عدم ممارستها سقوط الحق في المطالبة بإلغاء المقرر المراد الغاؤه، اذ انه بمقتضى المادة 23 من القانون رقم90/41 المحدثة بموجبه محاكم إدارية، فانه ينبغي تقديم طلبات الغاء القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة داخل اجل 60 يوما ، يبتدئ من تاريخ نشر او تبليغ المقرر المطلوب الغاؤه الى المعني بالأمر، ويجوز للمعنيين بالأمر ان يقدموا قبل انصرام الاجل المذكور تظلما من القرار الى مصدره، والى رئيسه، وفي هذه الصورة يمكن رفع طلب الإلغاء الى المحكمة الإدارية داخل اجل الستين يوما تبتدئ من تبليغ القرار الصادر برفض التظلم الإداري كليا او جزئيا، واذا التزمت السلطة الإدارية المرفوع اليها التظلم الصمت في شان التظلم طوال مدة60 يوما، اعتبر سكوتها بمثابة رفض له، وحينئذ يمكن للمتضرر ان يطعن بالإلغاء داخل اجل ستين يوما تبتدئ من انقضاء مدة الشهرين الأولى.
من ثمة يتضح ان اجال الطعن بالإلغاء، كالاتي:
-اجل 60 يوما من تاريخ التبليغ للمعني بالأمر او نشر المقرر مثلا بالجريدة الرسمية.
– اجل 60 يوما الموالية لأجل شهرين عن سكوت الإدارة وعدم جوابها عن طلب قدم اليها.

غير انه إضافة لهذه الحالات، هناك وسيلة ابتدعها الاجتهاد القضائي المغربي وطبقها في عدة نوازل، تتعلق بواقعة العلم اليقيني بالقرار، الذي يقوم مقام التبليغ إذا شمل جميع عناصر القرار المطلوب الغاؤه، بما فيها تاريخه وتعيين صاحبه وما قضى به من الأسباب، وهذا العلم يستشف من اية واقعة تفيد علم المتضرر بالقرار وفق ما تم ذكره، ويقع على عاتق الإدارة المدعى عليها اثباته امام القضاء.

ومن تطبيقات ذلك، على صعيد العمل القضائي:

حكم المحكمة الإدارية بالبيضاء بتاريخ 21/10/2010 في الملف عدد:18/04/2010: الذي جاء فيه:” العلم اليقيني بفحوى القرار والجهة التي أصدرته، يقوم مقام التبليغ، في احتساب ميعاد الطعن بالإلغاء……نعم”
قرار محكمة النقض عدد 322 بتاريخ 01/03/2001، في الملف عدد 421/4/1/99، الذي جاء فيه:» وحيث مؤدى ذلك ان الطاعنة كانت على عليم يقيني تام بالقرار المطعون فيه، وفحواه والجهة التي أصدرته منذ تاريخ تقديم المقال الإصلاحي المشار اليه، في حين انها لم تتقدم بمقالها الحالي الا بتاريخ 27 ابريل1999، وما دام العلم اليقيني يقوم مقام التبليغ، حسبما استقر عليه الاجتهاد القضائي، فان الطعن الحالي يكون واردا خارج الاجل القانوني
قرار محكمة النقض عدد384 بتاريخ 14/5/2008، في الملف عدد 600/4/1/2006، المؤكد لنفس القاعدة.

الا انه في هذا الإطار، يجدر التنبيه أيضا الى ان من القرارات الإدارية ما يبقى فيه اجل الطعن مفتوحا
ضدها او مرتبطا بواقعة معينة، وهو ما يسمى في الفقه الإداري: القرارات الإدارية المستمرة.
فالقرارات الإدارية المستمرة، هي القرارات المستثناة من ميعاد الطعن، بمعنى ان الطعن ضدها بالإلغاء لا يتقيد بميعاد معين، على اعتبار كونها غير منتجة لأية اثار بصفة نهائية وانما بصورة متجددة، وعلى ذلك فطالما وجد القرار المستمر، فانه يجوز الطعن فيه دون التقيد بميعاد محدد لرفع الدعوى، ومن القرارات المستمرة حسب التشريع المقارن (التشريع الأردني): قرار الاعتقال، قرار المنع من السفر، قرار امتناع الإدارة عن منح ترخيص لافتتاح محل لممارسة نشاط تجاري….

كما انه حري بالتذكير، ان العمل القضائي بالمغرب، ومن ذلكم محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، طبقت هذه القاعدة من خلال قرارها عدد101 بتاريخ21/01/2009، في الملف الإداري عدد382/07/5، الذي جاء فيه:

” بما ان الجريدة الرسمية، لا يتعدى نطاق نشرها ارض الوطن، فانه لا يمكن اعتماد تاريخ النشر كبداية لاحتساب اجل الطعن، بالنسبة لمواطن مغربي مقيم خارج ارض الوطن، الذي لم يكن متواجدا به، اثناء سريان الاجل المذكور والذي يبقى مفتوحا، في تقديم الطعن طالما لم يثبت دخوله للمغرب”.

المحور الثاني: أصناف القرارات الإدارية الغير القابلة للإلغاء،

إذا كان القرار الإداري المؤثر في المركز القانوني للطاعن، هو مناط دعوى الإلغاء امام القضاء الإداري، فان ثمة قرارات إدارية غير قابلة للطعن، سيتم التطرق اليها فيما يلي:

الفرع الأول: الاعمال الإدارية التمهيدية والاستشارية السابقة لصدور القرار الإداري

في بعض الحالات، يستلزم استصدار القرار الإداري، اتخاد مجموعة من القرارات التمهيدية التي على أساسها سيتخذ القرار الإداري النهائي، ومثل هذه الاعمال او المقررات لا يمكن ان تكون محل اية منازعة قضائية، بل حتى ولو تمت المنازعة ضدها، فان الطعون بالإلغاء في مواجهتها، يكون مصيرها هو عدم القبول لكونها لم تضر بأية مصلحة من مصالح المعني او المعنيين بالأمر.

ومن تطبيقات العمل والاجتهاد القضائي في هذا الباب، نذكر:

قرار محكمة النقض عدد1110 بتاريخ 11/10/2001، في الملف الاداري عدد 99/1/4/956، الذي جاء فيه:
” قرار اللجنة الإدارية المكلفة بتصفية النزاعات الناشئة عن تطبيق ظهير2 مارس1973، هو مجرد راي استشاري غير ملزم للإدارة ، لان اللجنة المذكورة لا يمكنها ان تحل محل الدولة التي أصبحت مالكة للحقوق المذكورة، وانه في امكان المعنيين بالامر ان يطعنوا في القرار الوزاري المشترك الذي اخضع الحقوق العقارية لمقتضيات الاسترجاع المنصوص عليها في ظهير2 مارس1973…”
حكم المحكمة الإدارية باكادير عدد22/2001، بتاريخ 08/03/2001، الذي جاء فيه:
” وحيث تبت للمحكمة من دراسة الملف، ان القرار الصادر في مواجهة الطاعنة والذي صدر في اطار الفصل73 من ظهير1958 بمثابة القانون الأساسي للوظيفة العمومية، هو بالتالي قرار مؤقت ذي طابع تمهيدي في انتظار تحريك المسطرة التاديبية في مواجهة الطاعنة، وان القرار الذي سيصدر في اطار المسطرة التاديبية هو الذي سيؤثر في مركزها الإداري وهو القابل بالتالي للطعن بالالغاء، مما يجعل الطعن سابق لاوانه ولم ينصب على قرار اداري، ويتعين اعتبارا لذلك، التصريح بعدم قبوله.”

حكم نفس المحكمة عدد 32/2001، بتاريخ 05/04/2001، الذي ورد فيه:
“..وحيث ان الطاعن كيف دعواه على انها دعوى الطعن بالإلغاء ضد قرار اداري، في حين ان جدول اعمال دورات المجالس الجماعية، هي مجرد إجراءات وليست قرارات إدارية بحيث ليست لها الصفة التقريرية.
وحيث من شروط قبول دعوى الإلغاء، ان ينصب الطعن على قرار اداري، تام الأركان.

وحيث يتعين لذلك، التصريح بعدم قبول الطعن شكلا”
حكم المحكمة الإدارية بالرباط، عدد2698 بتاريخ 31/12/2007، في الملف عدد 299/1/5، الذي أكد على انه: ” قرار اللجنة لا يعدو ان يكون مجرد راي استشاري تمهيدي للقرار الذي تنفرد السلطة المختصة والتي تملك الصلاحية اما بتبني الراي المقترح او اتخاد قرار مخالف”
حكم المحكمة الإدارية بالبيضاء عدد 1018 بتاريخ 16/06/2010، في الملف عدد 7541/2009، الذي رسخ كذلك قاعدة كون اراء اللجنة المتحدث عنها، مجرد اراء استشارية لا تلزم مديرية أملاك الدولة في أي شيء.

الفرع الثاني : الاعمال او القرارات الإدارية التنفيذية

هذه الاعمال او القرارات هي التي تأتي او تصدر تنفيذا لقرار اداري سابق، مس بالمركز القانوني للطاعن، وقد طبق الاجتهاد القضائي هذه القاعدة في العديد من القرارات والاحكام، منها:
حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد67/2003، بتاريخ 20/05/2003، في الملف عدد 88/2002، الذي جاء فيه:
“وحيث كان على الطاعن ان يطعن في القرار الوزاري المشترك على اعتبار انه هو المؤثر في مركزه القانوني اذ اخرج المسكن الذي يشغله من المساكن القابلة للتفويت، وليس في قرار السيد مدير الأملاك المخزنية القاضي برفض الاستجابة لطلبه الذي هو مجرد قرار تنفيذي غير قابل للطعن عن طريق دعوى الإلغاء حسب ما استقر عليه الفقه والقضاء

وحيث انه امام هذه المعطيات، يتعين الحكم بعدم قبول الطلب”.
قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش عدد82 بتاريخ03 فبراير2011، في الملف عدد 240-5-2010-1، الذي ورد ضمن تعليلاته:
” وحيث ان ما قامت به المفوضية من حجز الحافلتين، تم تنفيذا لقرار المجلس البلدي المضمن برسالته الموجهة بتاريخ 11/04/2008 تحت عدد532 الى العميد رئيس مفوضية الشرطة ب….، طالبا منه القيام بتوقيف حافلات النقل التي يستعملها المعني بالأمر، وذلك تنفيذا لمحضر الاجتماع المنعقد يوم الخميس 3 ابريل2008، الخاص بالشروع باستغلال محوري النقل الحضري من طرف شركة…. وذلك حتى تتمكن المصالح البلدية من تسيير هذا المرفق العمومي طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل بهذا الشأن.
وحيث على هذا الأساس، يعتبر ما قامت به مفوضية الشرطة من إيقاف وحجز الحافلتين، مجرد اجراء تنفيذي للقرار الصادر عن رئيس المجلس البلدي المضمن برسالته المبينة أعلاه، والتي تعتبر غير متوفرة على مقومات القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء، ويتعين بالتالي التصريح بعد التصدي بعدم قبول الطعن”

الفرع الثالت : الاعمال او القرارات الإدارية التاكيدية

وهي القرارات التي تؤكد فحوى قرار او قرارات سابقة ماسة بالمركز القانوني للطاعن، والطعن ضد مثل هذه القرارات انما يسعى من ورائها المعنيون بالأمر، فتح اجالا جديدة للطعن، بعدما انصرم عليهم اجل الطعن ضد القرار الاول.

ومن تطبيقات ذلك، على مستوى الاجتهاد القضائي، نذكر:

حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 1188 بتاريخ 11/11/2004، في الملف عدد380/03غ، الذي ورد فيه:
” حيث يهدف طلب الطاعن الى الحكم بإلغاء ما اسماه قرارا ضمنيا صادرا عن السيد وزير الصيد البحري، قضى برفض طلبه الرامي الى تجديد ثلاث رخص لبناء ثلاث مراكب للصيد البحري.
وحيث ادلى الطاعن رفقة مقاله بطلب كان قد وجهه الى السيد الوزير المعني بتاريخ 4/7/2003، معتبرا ان عدم جواب هذا الأخير داخل اجل ستين يوما، يعتبر رفضا ضمنيا وفق ما اقرته المادة23 من قانون المحاكم الإدارية.
لكن حيث، انه بعد اطلاع المحكمة على الطلب المذكور، تبين لها انه تضمن الإشارة الى سبق تقديم المدعي عدة طلبات مماثلة بقيت دون جواب، مما يستشف منه ان قرار الرفض المطعون فيه في نازلة الحال، هو مجرد قرار تأكيدي غير مؤثر في حد ذاته في المراكز القانونية للأطراف، وبالتالي فهو لا يقبل الطعن عن طريق دعوى الإلغاء حسبما استقر عليه الفقه والعمل القضائي، ويتعين بذلك الحكم بعدم قبول الطلب.”

خاتمة:

انطلاقا مما سبق، يتضح ان القرارات والإجراءات التي تتخذها الإدارة في مواجهة المعنيين بالأمر، ليست كلها لتصنف ضمن فئة القرارات الإدارية الماسة بالمراكز القانونية للأطراف، وبالتالي تكون مالا للطعن ضدها امام القضاء الإداري، بل ان هناك جانب من هذه القرارات لا يعدو ان يكون مجرد راي استشاري او قرارات تأكيدية او تنفيذية لقرارات إدارية سابقة هي الأولى بالإلغاء، ولعل مساهمة الاجتهاد القضائي المغربي من خلال النوازل المعروضة عليه في هذا الشأن والمتطرق الى بعضها أعلاه، لفيه توضيح كافي لهذا الجانب الذي طالما يتجاهله المتقاضون.
وبالتالي فان اعمال الإدارة وكما سلف الذكر، متعددة ومتشعبة وفي غالب الحالات قد يستوجب اصدار قرار اداري بات وقابل للطعن، اتخاد الإدارة لمجموعة من الإجراءات التمهيدية والتحضيرية السابقة له، تفرضها المساطر الإدارية والقوانين المنظمة للعمل الإداري بصورة عامة، وعليه فان أي قرار اداري تتخذه الإدارة لا يأتي اعتباطا بل ان أساس اتخاده منبثق من إجراءات أخرى لا تتضح في غالب الصور، الا اثناء عرض النزاع على المحكمة المختصة للبت فيه.

 

(محاماه نت)

إغلاق