دراسات قانونية

تحقيق المساواة باعتماد مقاربة النوع الاجتماعي (بحث قانوني)

مواقف في موضوع مقاربة النوع الإجتماعي: الجزء الأول – تحقيق المساواة باعتماد مقاربة النوع الاجتماعي

​سناء المتدين
باحثة في سلك الدكتوراه تخصص القانون الخاص
جامعة عبد المالك السعدي-
طنجة.

تقتضي المساواة بين الجنسين التعامل مع الرجال و النساء بصفة متساوية، باعتبار ذلك هدفا لخلق التكافؤ بين الجنسين، و تمتعهم بكافة الحقوق و الامتيازات في جميع مجالات الحياة، وذلك أجل مشاركة فاعلة في التنمية و بناء المجتمع بشكل متوازن ،و إنهاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، النابعة من الاعتقاد أن الاختلاف البيولوجي بين الجنسين هو من يصف الأدوار المفروضة اجتماعيا.

هذا الاعتقاد الذي ساد منذ زمن، يعتبر أن التمايزات الاجتماعية والأدوار المختلفة للنساء والرجال هي اختلافات طبيعية لا تتغير، وأنها محددة بالاختلافات البيولوجية، و من ثم التمييز على أساس الجنس (ذكر/أنثى)، تمييزا جاء نتاجا لعوائد اجتماعية، و موروثات ثقافية صيغت و مورست باقتناع وفق فكر نمطي حتى أصبحت من المسلمات الغير مسموح بمراجعتها. مما أفضى إلى الانتقاص من حقوق المرأة الأساسية بما فيها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. و حتى إن خولها القانون ذلك، يبقى تمتعها بحقوقها رهين بما تمليه عليها قوانين المجتمع، هذا الأخير الذي يعاني أزمة في الخطاب الاجتماعي.

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

وهذا ما دعا الأبحاث والدراسات إلى إقامة الفصل المميز بين الجنس البيولوجي و النوع الاجتماعي الذي يقابله بالإنجليزية gender و بالفرنسية genre، كمفهوم جديد يشير إلى الخاصية الثقافية والاجتماعية ،التي تتميز بها الفروق القائمة على الجنس. و يتبنى مقاربة جديدة لقضايا التنمية، و القضاء على التمييز السلبي تجاه كل فئات المجتمع لا سيما المرأة.

و يعتبر إشكال الجنس و النوع الاجتماعي من أهم ما أثير الجدل حوله، على أساس أن تحديد أدوار الجنسين يفرز مشكلة اجتماعية، وأن الاختلافات في الأوضاع لا تعود إلى الاختلاف البيولوجي، بل إلى الاختلاف في الرؤى والمفاهيم والمعتقدات و في الثقافة أيضا.

و عليه يمكن القول أن مفهوم النوع يختلف عن مفهوم الجنس. فهذا الأخير، يشير إلى الاختلافات البيولوجية البحتة بين الذكر والأنثى، في حين يشير مفهوم النوع إلى التكوين الثقافي والاجتماعي الذي يجعل من الذكور رجالاً والإناث نساء، ولكل منهما أدوار ووظائف محددة.

و هكذا الواقع، فالأدوار التي يقوم بها كل من الجنسين هي أدوار تنتجها الظروف الاجتماعية، وليس الاختلاف البيولوجي، في شكل أحكام سلبية و معتقدات تقلل من شأن المرأة. و هي بمثابة أفكار وصور نمطية نمت على يد التنشئة الأسرية و كرستها المدرسة و الإعلام و المجتمع ككل ، فأطرت العلاقات بين الجنسين و حصرت المرأة في أدوار تقليدية و مفاهيم تحيل على أن العلاقة بينهما تدخل ضمن ثنائيات القوة و الضعف، القوامة و الطاعة…و هذا يقلل من وضع المرأة و قدراتها، و يصنفها في مرتبة أدنى ضمن إطار التقييم في مجالات العمل و مراكز اتخاذ القرار.. .

بالمقابل فإنه بإمكاننا الجزم على أنه إذا كانت تربية الأطفال، وأعباء العمل المنزلي مرتبطة تقليدياً بالمرأة، فإن هذه الأدوار يمكن أن يقوم بها الرجل أيضاً. وعليه، فإن أدوار النوع الاجتماعي تختلف عن أدوار الجنس البيولوجي، فالأولى من الممكن أن تكون متبادلة بين الجنسين، في حين أن الثانية تتسم بالثبات. و هذه الأدوار هي تلك التي يحددها المجتمع والثقافة لكل من النساء والرجال، على أساس قيم وضوابط وتصورات المجتمع لطبيعة كل من الرجل والمرأة.

من خلال ما تقدم يمكننا تثبيت ثلاث نقاط مهمة:

أن التخلق الجنسي يتم على مستوى الصبغيات والخلايا الجنسية، وكذلك والأفراد، وبالتالي فإن الجنس يعني تواجد مجموع المميزات الجنسية الأولية والثانوية و الوظائف.
أما النوع، فلا نعني به الأنثى، ولكننا نعني به المرأة مقابل الرجل و بالتحديد العلاقة بينهما.
ثم إن النوع لا يولد به إنسان بل يتكون اجتماعياً وبالتالي فهو قابل للتغيير، أما الجنس فيولد به الإنسان بيولوجياً و بالتالي فإنه غير قابل للتغيير.
لذلك و باعتماد مقاربة النوع، تستطيع المرأة أن تشارك في التنمية ، و أن تثبت دورها الايجابي إلى جانب الرجل في صياغة مستقبل بلدها، و ألا تبقى كما وصفها الكاتب التونسي الطاهر الحداد سنة 1930 ” بكنز عائلي يكسوه الغبار”.
و لعل ابن رشد أيضا قد مدنا بأسباب ضرورة تأصيل النوع الاجتماعي في مجتمعنا الحالي، فهو عندما قرأ زمانه ( القرن 18م) فكأنه قرأ أيضا زماننا و لامسه، حينما دعا إلى عدم حصر النساء في أدوار تقليدية، حيث يقمن بإعادة الإنتاج من خلال الإنجاب و الرضاعة و العناية بالأطفال و خدمة البيت..مما يجعلهن عالة على الرجال و يجعل المدن فقيرة. و عليه فإن إمكانية تغيير الأوضاع بالنسبة لابن رشد تكمن في الارتقاء بالمرأة من مستوى الطبيعة إلى مستوى الثقافة، و ذلك بامتطاء قطار التعليم، الذي يوصلها لا محالة إلى مستوى محاكاة الرجل في جميع الميادين. إذن ففكر ابن رشد لامس إلى حد كبير مقاربة النوع بما أنه يتناول أدوار المرأة كجنس و أدوارها القابلة للتغيير كنوع.

بيد أنه و بالمقابل، وعند تبني سياسة النوع الاجتماعي، فذلك لا يعني تنكر الفروق البيولوجية الفطرية، و السعي للتماثل الكامل بين الذكر و الأنثى. لأن النوع الاجتماعي هو مفهوم يهدف لتحقيق العدالة النوعية، و تغيير واقع التمييز السلبي و اللامساواة المبنية على أساس الهوية الجنسية (ذكر/أنثى)، و مطلب أساسي لإعادة تصحيح العلاقات الاجتماعية.

 

(محاماه نت)

إغلاق