دراسات قانونية
التدخل الدولي الإنساني (بحث قانوني)
عنوان المقال :التدخل الدولي الانساني
من إعداد: الدكتورة علي شريف الزهرة ،استاذة بالمركز الجامعي غليزان ،تخصص قانون العلاقات الاقتصادية الدولية ،الجزائر.
مقدمة :
لا يعد موضوع التدخل الدولي الانساني بشكل عام بالظاهرة الجديدة في ميدان العلاقات الدولية ،ففي ظل الاهتمام العالمي و زيادة عدد الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان ،ظهر التدخل الدولي الانساني كوسيلة لحماية هذه الحقوق و الدفاع عنها من الانتهاكات التي تتعرض لها ،حتى أصبحت هذه الوسيلة سمة غالبة في الآونة الأخيرة.
موضوع هام للقراءة : رقم هيئة الابتزاز
و عليه فالتدخل الانساني ظاهرة قديمة و في نفس الوقت متكررة في تاريخ العلاقات الدولية و قد مر بمراحل كثيرة ساعدت على بلورته ، و تكوينه وصولا الى ما هو عليه اليوم .
و على الرغم من قدم استخدام هذا المفهوم و شيوعه إلا أن الغموض و عدم الدقة في تحليل هذا المفهوم مازال يحيطان به ،و لعل تصادم مفهوم التدخل الانساني مع المصالح الدولية و العوامل السياسية أدى الى ازدياد هذا الغموض ، حيث يعتبر مفهوم غير محدد المعالم لعدم وجود اتفاقية دولية تعالجه ، باستثناء بعض النصوص المتفرقة في الاتفاقيات الدولية التي تشير اليه بصورة غير مباشرة ترافقها الكثير من الممارسات الدولية.
فلقد ترتب على كل هذا عدم وجود نظرية مؤسسة للتدخل الانساني ليتحول الى مفهوم مثير للجدل ، في القانون الدولي العام نتجت عنه خلافات فقهية واسعة.
و انطلاقا من هذه المعطيات تطرح عدة تساؤلات حول مفهوم التدخل الانساني و كذا الاطار القانوني لحق التدخل ؟
و للإجابة عن هذه التساؤلات قد تم العمل بخطة تتضمن مبحثين و كل مبحث به مطالب فتناولنا في المبحث الأول أساسيات التدخل الإنساني الذي قسمناه الى مفهوم ،خصائص،صور و أساليب هذا الاخير .
أما في المبحث الثاني فتطرقنا الى الطبيعة القانونية لهذه الظاهرة على مستوى ميثاق الامم المتحدة ،القانون الدولي لحقوق الانسان و كذا القانون الدولي الانساني.
المبحث الأول : أساسيات التدخل الانساني
اختلف الفقهاء و الكتاب في تحديد مفهوم التدخل كاختلافهم في كثير من المفاهيم و المبادئ القانونية و الغير قانونية الاخرى ، ذلك لأن تحديد هذه المفاهيم ليس بالأمر الهين و لم يقتصر هذا الاختلاف على تحديد مفهوم التدخل و تعريفه ، و انما كان تحديد صور و أساليب و الشروط أيضا مثار الجدل و الخلاف بينهم و عليه وجدنا تقسيم هذا المبحث على التوالي : تعريف التدخل الانساني و اشكالياته ، صور و أساليب هذا الأخير ، و كذا خصائص و شروط هذه الظاهرة .
المطلب الأول : تعريف التدخل الانساني و اشكالياته
الفرع الأول : تعريف التدخل الانساني
يعد مفهوم التدخل الانساني من أكثر المفاهيم تعقيدا ، فلا يمكننا أن نجد تعريفا محددا لهذا المصطلح ، و يمكن تعريف التدخل لغة : بأنه تدخل يعني دخلا قليلا ، هذا الأمر دخل أي مكر و خدع .[1]
و لقد أدت الصعوبات ذات الصلة بتعريف مفهوم التدخل الانساني الى أن تتعدد التعريفات ، و من أمثلة هذه التعريفات :
تعريف معهد دانتش للشؤون الدولية “بأنه العمل القسري بواسطة الدول متضمنا استخدام القوة المسلحة في دول أخرى بدون موافقة حكومتها سواء كان ذلك بتفويض أو بدون تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ،
و ذلك بغرض منع أو وضع حد للانتهاكات الجسيمة و الشاملة لحقوق الانسان أو للقانون الدولي الانساني .”
تعريف سان ميرني للتدخل الانساني :”التهديد باستخدام أو الاستخدام الفعلي للقوة بواسطة دولة أو مجموعة من الدول أو منظمة دولية ، بصفة أساسية بغرض حماية مواطني الدولة المستهدفة من الحرمان الواسع لحقوق الانسان المعرفة دوليا “.[2]
و كما يعرفه أبو هيف “بأنه تعرض دولة للشؤون الداخلية و الخارجية لدولة أخرى دون لأن يكون لهذا التعرض سند قانوني من القانون و الغرض من التدخل الزام الدولة المتدخلة في أمرها بإتباع ما تمليه عليها في شأن من شؤونها الخاصة “.[3]
تعريف ادم روبرنس للمفهوم :”التدخل العسكري في دولة ما دون موافقة سلطاتها و ذلك بغرض منع وقوع معاناة أو ضحايا على نطاق واسع بين السكان “.
و في اطار القانون الدولي العام عريف التدخل على النحو التالي “السلوك أو العمل الصادر عن دولة تبحث عن التسلل داخل النطاق المقصور على دولة أخرى ، بهدف مساعدتها على تنظيم شؤونها الخاصة بها أو الحلول محلها حسب رغبتها.”[4]
و هكذا يتضح من هذه التعاريف أن مفهوم التدخل الانساني يشتمل على ثلاث عناصر أساسية :
1-وجود ضغط أو تهديد باستخدام أو بالاستخدام القسري للقوة .
2-وجود انتهاكات جسيمة و منهجية لحقوق الانسان .
3-يتعلق بإرادة الدولة المستهدفة بالتدخل.
و بهذا التحديد لمفهوم التدخل الانساني يمكن تمييزه عن غيره من المفاهيم المرتبطة به و تتمثل أبزها في :
–بعثات حفظ السلم :
آلية دولية محايدة تتم بموافقة أطراف النزاع و تتشكل من أفراد دوليين عسكريين أو مدنيين تحت قيادة الأمم المتحدة ، بهدف مساعدة هذه الأطراف المتنازعة على العيش في سلام .
يتضح أن مفهوم التدخل الانساني يختلف عن هذه البعثات لحفظ السلم من حيث كونه يتم ضد الدولة المستهدفة بالتدخل ، كما أنه و لكي يكون مشروعا فلابد و أن يكون قرار التفويض به صادرا من مجلس الأمن فقط ، وفقا للفصل السابع من الميثاق.
–عمليات الاغاثة الانسانية :
و يمكن تعريفها بوجه عام وفقا للأستاذ موريس توريلي بأنها “الخدمات الصحية أو المواد الغذائية أو المساعدات المقدمة من الخارج لضحايا أي نزاع دولي أو داخلي “.[5]
و يمكن القول أن التدخل الانساني الذي يتم ضد ارادة الدولة المستهدفة يظل متميزا عن أعمال الإغاثة الانسانية.
–بعثات الانقاذ لحماية رعايا الدولة بالخارج :
و يقصد بها الاستخدام العسكري للقوة بواسطة دولة معينة ، لإنقاذ رعاياها في دولة أخرى من خطر فعلي أو وشيك يتهدد حياتهم ،حيث يتشابه هذا الأخير مع التدخل الانساني ،أن الدافع الأساسي في التدخل في كلا النوعين هو دافع انساني ،و في كلتا الحالتين التدخل يتم ضد ارادة الدولة المستهدفة ، و كذا تتشابه في الظروف السياسية التي تستدعي كلا النوعين من التدخل.[6]
الفرع الثاني :الاشكاليات ذات الصلة بمفهوم التدخل الانساني
و تتمثل أبرزها في الأتي :
1-طبيعة و انتهاكات حقوق الانسان الدافعة للتدخل :
المقصود بها تلك ترتكب كوسيلة لانجاز سياسات حكومية ،سواء من حيث الحجم أو السلوك من أجل خلق وضع أو موقف تكون فيه هذه الحقوق للسكان ككل أو لقطاع منهم أو أكثر،مهددة باستمرار .[7]
فهذه الانتهاكات ينبغي أن تحدث من ناحية على نطاق واسع و شامل ،و من ناحية أخرى ينبغي أن تكون ذات طبيعة منهجية ، أو معتمدة وفقا لخطة أو هدف سياسي يقف وراءها.
2-طبيعة التهديد :
باستخدام القوة أو الاستخدام القسري لها أو المشروعية القانونية للتدخلات الانسانية الأحادية ، حيث أن أي استخدام للقوة حتى و لو كانت لأغراض انسانية يعتبر عملا غير مشروعا ،و مخالفا لميثاق للأمم المتحدة الحاكمة لاستخدام القوة في العلاقات الدولية.
باستثناء حالتي الدفاع الشرعي و تدابير القمع التي يأذن بها مجلس الأمن في اطار الفصل السابع من الميثاق.[8]
المطلب الثاني : صور و أساليب التدخل الانساني
في اطار التطرق للتدخل الانساني لابد من مناقشة صوره و أساليبه و ذلك خلال فرعين :
الفرع الأول : صور التدخل الانساني
بعد التمعن في مختلف الدراسات و حالات التدخل يمكننا القول أن للتدخل صورا مختلفة ، في الغالب يمكن تقسيمها الى التدخل العسكري ،الاقتصادي ،و التدخل الاعلامي و التدخل السياسي ، و التدخل الدبلوماسي ، و سنحاول فيما يلي المرور على كل هذه الصور من التدخل.
1-التدخل العسكري :
يعتبر من أخطر أنواع التدخل على استقلال الدول و سيادتها ،و على الأمن و السلم الدوليين في ذات الوقت ،
و يتم هذا الأخير بلجوء دولة أو جهة متدخلة الى استخدام حقيقي أو تهديد بالاستخدام للقوات المسلحة ، بقصد التأثير في ارادة الجهة المتدخل في شؤونها ،إما بقصد اجراء تغيير أو الابقاء و الحفاظ على حالة ما كانت عليه ، و يعتبر هذا الشكل من التدخل من أكثر الأشكال استخداما في العلاقات الدولية لقدرته الكبيرة على الحسم
و تحقيق النتائج المرجوة منه بسرعة .[9]
2-التدخل الاقتصادي :
هذا الأسلوب عبارة عن اجراءات أو تدابير اقتصاديه، تمثل ضغوطا تمارسها الجهة المتدخلة ضد الجهة المتدخل في شؤونها بشكل مباشر أو غير مباشر ، لجملها على تعديل موقفها أو مسايرة توجهات الجهة المتدخلة و رغبتها.
و تمثل المقاطعة الاقتصادية نوعا من الضغوط المباشرة ،و تتم حينما تقوم جهة من أشخاص القانون العام ،بوقف تعاملاتها التجارية ،و علاقاتها الاقتصادية مع جهة أخرى من تلك الأشخاص ،بقصد الضغط عليها من أجل القيام بعمل معين ،أو اتخاذ موقف ما ،أو الامتناع عن أداء موقف معين أو اتخاذ موقف معين .[10]
3-التدخل الدبلوماسي:
يعتبر عدم الاعتراف و قطع العلاقات الدبلوماسية ، وسيلتين رئيسيتين لما يسمى بالأسلوب أو التدخل الدبلوماسي، و تشكل هاتان الوسيلتان نوعا من الضغط الذي تمارسه الجهة المتدخلة ،لتحقيق هذا النوع من التدخل ، من خلال التأثير على القنوات الدبلوماسية .
و من الجدير بالذكر أن قطع العلاقات الدبلوماسية ، أصبح أحد التدابير الجماعية الذي أجازه ميثاق الأمم المتحدة في المادة 41 منه ، لمجلس الأمن اقراره و فرضه على الجهة المنتهكة لمبادئ و مقاصد الأمم المتحدة ، و أحكام ميثاقها في حالة تهديد الأمن و السلم الدوليين ، أو الاخلال بهما أو وقوع عمل من عمل العدوان .[11]
4-التدخل السياسي :
يتم هذا النوع من التدخل عن طريق تقديم طلبات تحريرية ،أو بشكل ملاحظات أو انتقادات تحريرية ،أو شفوية من الجهة المتدخلة ، و يمكن أن يكون بشكل رسمي و علني أو بطريقة غير رسمية و غير علنية أو يتم عن طريق دعوة لعقد مؤتمر يتقرر فيه مطالب الجهة المتدخلة .[12]
5-التدخل التقني :
يكون التدخل بموجب هذه الطريقة كوسيلة ضغط ذات تأثير معنوي ،قد ينتج عنها تأثير أكبر مما تفعله الوسائل المادية ـ، و حتى العسكرية في بعض الأحيان ،و هي على العموم أقل كلفة من الوسائل المادية ،و تأتي وسائل الاعلام المختلفة في مقدمة هذه الوسائل ،و خاصة القنوات التلفزيونية المختلفة والمحطات و الاذاعات و شبكات الانترنيت ،ثم الصحف و المجالات و النشرات ووسائل الدعاية المختلفة و الأقمار الصناعية المخصصة لمختلف أنواع حالات التجسس ،و تستخدم هذه الوسائل كقوة دعائية للتأثير في عقول و إرادات الأشخاص و الجماعات
و رعايا الدول ،و محاولة توجيهها للوجهة التي ترغب الجهة المتدخلة ، أو الحصول على المعلومات المختلفة عن بلد ما .
حيث تعتبر هذه الوسيلة من أهم الوسائل و الأدوات للتدخل خصوصا في عصرنا الحاضر.[13]
الفرع الثاني : أساليب التدخل الانساني
و يقصد بأساليب التدخل ، الطرق التي تتبع أو نوع الضغط الذي يمارس من قبل الجهة المتدخلة على الجهة المتدخل في شؤونها ، للوصول الى الأهداف التي ينبغي المتدخل تحقيقها.
و من خلال تصفحنا في الكتب تبين لنا أن أغلب الكتاب و الباحثين قد أخلطوا بين طرق التدخل و أساليبه و صوره ، و إن دل هذا على شيئ فإنما يدل على مدى تدخل هذه المسألة و دقتها و تعقيدها .
و ما مرت بها من تغييرات و تطورات و أحيانا ازدواجية في المعايير و التطبيق ، مما صعب عمل الباحثين و الكتاب في هذا المضمار القانوني الدولي الحيوي ،فهذه الأساليب تختلف بحسب اختلاف نوع الخطر المحدق بحقوق الانسان.
المطلب الثالث : خصائص و شروط التدخل الإنساني
لقد أخذ التدخل الإنساني منعرجا أساسيا في القانون الدولي ، بما حققه من مساعي انسانية للحفاظ على السلامة البشرية من جميع أنواع الانتهاكات ، و لهذا لابد لنا أن نبحث في خصائصه و شروطه .
الفرع الأول : خصائص التدخل الإنساني
لابد من البحث في الخصائص التي تميزه كسياسة دولية جديدة ، ينتهجها المجتمع كضرورة و حتمية من أجل الحد من التجاوزات التي تقع على البشرية في العالم ، و على هذا الأساس فإن لمبدأ التدخل الإنساني جملة من الخصائص أهمها.
أولا : الخصائص العامة
–إن انتقال فكرة التدخل الإنساني من المرحلة التقليدية ، حيث كانت الدولة الشخص الوحيد في القانون الدولي ، إذ أصبح بفضل التطور الحديث و الذي عرفه القانون الدولي أشخاصا أخرى تكون المجتمع الدولي مثل المنظمات الدولية و غير الحكومية ، و التي لها الحق في ممارسة سياسة التدخل الإنساني من أجل حماية حقوق الإنسان و القضاء على الحكم المستبد ، حيث تعمل هذه الأخيرة في هذا المجال على أساس الأخلاقيات الانسانية التي تفرضها الحالات الاستعجالية التي يتم رصدها.[14]
-تكمن الخاصية الثانية لمبدأ التدخل الإنساني في الواقعة القانونية و الانسانية المراد حمايتها و خصوصا بالدرجة الأولى ، الأشخاص في حالة الخرق لحقوق الانسان ، حيث بتطور القانون الدولي و كذا المجتمع الدولي المعاصر لم يصبح التدخل مقصورا على طائفة من الأشخاص الذين تربطهم بالدولة المتدخلة خصائص مشتركة أو علاقات قرابة ، و دونما اعتبار بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو الجنسية.[15]
ثانيا الخصائص الاتفاقية :
إن مبدأ التدخل الانساني أقرت خصائصه مبادئ نبيلة ، كرست أسس و بنود اتفاقيات جنيف الثلاثة التي وضعت قيود على التدخل حيث أن اتفاقية جنيف لسنة 1969في مادته 14 أقرت بضرورة التكفل بحماية كل الأشخاص دون تمييز حتى و لو كان هذا الشخص هو أسير حرب أو حتى الجريح الذي يقع في أيدي أعدائه فلا يمكن تمييزه بوضعه كمعتدي.
لكن يجب أن يعامل كشخص محتاج للمساعدة و يجب ان ينال الرعاية حتى حتى يتم شفاءه ، بالإضافة الى ختصار الفقه على جملة من الحقوق البالغة الأهمية بالنسبة للكائن الحي ، كاحق في الحياة ، الحق في الحرية ، الحق في المساواة .
كذلك الى ضرورة اشاعة احترام حقوق الانسان جميعا ، و السعي من أجل تعزيزها كما تم اضافة الحقوق السياسية و الاقتصادية و الثقافية.[16]
الفرع الثاني : شروط التدخل الانساني
إنه من الضروري لضبط نظام قانوني و حسن تسييره و ممارسته لابد من تنفيذه بشروط تحد من سوء تنفيذه ، حيث أن الفقه قد حدد جملة من الشروط يمكن اجمالها فيما يلي :
-ضرورة الحصول على موافقة الدول التي تتم فيها العمليات الانسانية ، غير أنه يتم تجاوز هذه العمليات عند تعنت هذه الدول و اصرارها على مواصلة انتهاك حقوق الأفراد و حرمانهم .
-يجب أن لا تتجاوز العمليات العسكرية ،الهدف الانساني و إلا تحولت الى عدوان غير مبرر من الناحية القانونية. هذا يعني أنه من الواجب على الدول أو الهيئات المتدخلة باسم الإنسانية أن لا تتجاوز هذا الهدف المتمثل في حماية حقوق الانسان ، و ايقاف الانتهاكات المتكررة لها .[17]
-يجب أن تكون هناك ضرورة ملحة تستدعي حقا للتدخل لإنقاذ حياة الأفراد أو لحماية المصالح الانسانية المهددة بالخطر.
و يعني أن ظرف الاستعجال ضروري لإقرار حالة الخرق و كذلك لتحديد الخطر المحدق بالإنسانية و بالتالي لابد أن تكون هناك ضرورة انسانية ،تهدد البشرية و التي يجب على أساسها ضرورة التدخل لايقاف هذا الخطر و الحد من العنف الممارس على الجنس البشر.
-وجوب أن يكون الاعتداء على حقوق الانسان من قبل احدى الدول اعتداء جسيما متكررا ، و يكون جسيما بمخالفة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع لدولي كمبدأ السيادة الاقليمية للدول ، و على هذا الأساس لابد من التحري من مدى جسامة الاعتداء من جهة ومدى تكراره من جهة أخرى.[18]
المبحث الثاني : الطبيعية القانونية للتدخل الانساني
إن التطرق للمبادئ الأساسية الدولية لحماية حقوق الانسان ، يجعل من مبدأ التدخل الدولي الانساني ، مبدأ معارض لمبدأ سيادة الدول.
لهذا لابد من معرفة الأساس القانوني لهذه الظاهرة من خلال المواثيق الدولية و القواعد العامة و الخاصة لميثاق الأمم المتحدة ، و هذا ما سنتطرق له في المطالب التالية.
المطلب الاول : الاطار القانوني للتدخل الانساني في ظل ميثاق الأمم المتحدة
إن ميثاق الأمم المتحدة يبين ضرورة حماية حقوق الإنسان ، و بالتالي أشار في ديباجته الى التدخل الانساني.
و ذلك قصد توجيه الشعوب و الأجيال المتلاحقة الى أهمية الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين ، حيث أن الأمم المتحدة تسعى جاهدة لتحقيق التسامح و العيش في سلام و حسن الجوار.
و كذا تبيان الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة و احترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات الدولية و القانون الدولي.
فنجد المادة 55 من الميثاق تجعل من أسباب و دواعي تهيئة الاستقرار و الرفاهية ضرورة لإقامة علاقة سليمة بين الشعوب و دول الأمم المتحدة و احترام حقوق الانسان و الحريات الأساسية للجميع دون تمييز.
و كذا المادة 2/7 من الميثاق و الذي يقدم لنا النص مبررا مناسبا للدفاع عن حق التدخل الدولي الإنساني .[19]
كما نجد للتدخل الإنساني أساسا أخر في المادة 2/4 من الميثاق و التي إن كانت تشكل تعريفا مطلقا لاستخدام القوة في العلاقات الدولية إلا أنه جاء بتفسير لها بمفهوم المخالفة ، بمعنى عدم تحريم القوة في العلاقات الدولية أو التهديد لها كلما كان ذلك لا يمس بالسلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي .
كما جعل ميثاق الأمم المتحدة من حقوق الإنسان مصدر استلهام أخلاقي و مبدأ للعمل الجماعي الذي تقوم به أجهزة الأمم المتحدة المختلفة.[20]
المطلب الثاني : التدخل الانساني في اطار القانون الدولي لحقوق الانسان
لقد جاء القانون الدولي لحقوق الإنسان محددا في اتفاقياته و مناهج للتدخل الانساني في اطار قواعد و مبادئ أصلية تعزز من حماية حقوق الإنسان.
إن كل اتفاقيات حقوق الإنسان تنصب في قالب واحد هو واجب التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان ، و خلق قواعد ملزمة تضمن التجسيد الفعال لهذه الحقوق و تشكل سندا قانونيا يبيح للدول التدخل لحماية الفئات التي تم انتهاكها في ظل الاتفاقيات .
فهذه الاتفاقيات تستمد إلزاميتها في حقيقة الأمر من واجب الوفاء بالتعهدات الدولية.
كما يمكن القول أن التدخل الإنساني من أجل ضمان حقوق الانسان ، النظام القانوني الدولي أسفر عن وجود دستور مادي يتكون من مجموعة من المبادئ للقواعد العامة للقانون الدولي ، تضمن استجابته.
و ضمن هذا النظام يمكن اعتبار بعض المبادئ كقواعد أمرة ظهرت عند ابرام ميثاق الأمم المتحدة.[21]
المطلب الثالث : التدخل الدولي في ظل القانون الدولي الانساني
إن القانون الدولي الانساني اشتمل على العديد من القواعد و القوانين و المبادئ و التي يكون السلم فيها ، الشرط الأساسي لإحترام كامل الحقوق الانسانية ،فإنه من المسلم به أن لا يتوقف تطبيق حقوق الانسان في النزاعات المسلحة و قد وضع القانون الدولي الإنساني بغرض تطبيقه في النزاعات المسلحة.
فالصكوك الأساسية للقانون الدولي الانساني تتمثل أساسا في اتفاقية جنيف الأربعة لسنة 1949،و بروتوكولاتها الاضافية لسنة 1977.
و يمكن القول أ كل تدخل لتقرير الحماية لا يعتبر في جميع الأحوال مشروعا ، فقد تقوم الدولة بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بدعوى حملها على احترام قواعد القانون الدولي الإنساني حيث أن الدافع الحقيقي وراء ذلك قد يكون شيئا أخر غير الهدف المعلن عنه .
و على هذا الأساس لابد من تحديد ضوابط مشروعة للتدخل الدولي الإنساني و ذلك من أجل الحد من التدخلات العشوائية التي قد تمس بجميع مبادئ القانون الانساني سلبا ،عوض أن تكون وسيلة لحماية هذه المبادئ.[22]
الخاتمة
من خلال دراستنا نخلص الى أن التدخل الانساني يستمد تأسيسه القانوني من تفسير القواعد الاتفاقية الواردة في ميثاق الأمم المتحدة ، و التي تثير أي جدل حول ما تستمتع به من قوة إلزام ، و إن التدخل لمصلحة انسانية تستند الى القيمة القانونية التي يتعين الاعتراف بها لحقوق الانسان ، و هو من هذه الوجهة يسهم في تحقيق أهداف القانون الدولي ، و لكن يجب الاعتراف بأن هذا التدخل بحاجة الى نظام.
كما ان واقع العلاقات الدولية المعاصرة ، يؤكد صحة المفهوم الواسع للتدخل الانساني ، بالنظر الى تشابك العلاقات الدولية و اتباط مصالح الدول بعضها بالبعض الأخر ، مما يستدعي استقرار العلاقات الدولية و حسن سيرها.
و من شأن ذلك أن يعمق الأثر أن تضع حدا لمثل هذه الممارسات القمعية.
(محاماه نت)