دراسات قانونية
الجانب القانوني للأدوار المسندة إلى مجلس المنافسة في مجال المنافسة (بحث قانوني)
واقع تدخل مجلس المنافسة في مجال المنافسة
قهار كميلة روضة
دكتورة في الحقوق-القانون الخاص
مقدمة:
موضوع هام للقراءة : رقم هيئة الابتزاز
إن انسحاب الدولة من التدخل المباشر في الاقتصاد وإرادة تسهيل قواعد اللعبة الاقتصادية وإيجاد شفافية في معاملات الأعوان الاقتصاديين، كان وراء إنشاء مجموعة من الهيئات التي تتمتع بنظام قانوني خاص وتنوب عن الدولة في ممارسة وظائفها الضبطية، يتعلق الأمر بالسلطات الإدارية المستقلة، من بينها مجلس المنافسة [1] الذي يسهر على حماية المنافسة من كل قيد أو عرقلة، ويتحمل دور رئيسي في ضبط السوق، وذلك كآلية تختص على تنفيذ الأحكام والقواعد الخاصة بالمنافسة.
وفي هذا الصدد يجب القول أن التدخل الحقيقي لمجلس المنافسة في مجال المنافسة يظهر من خلال الأدوار الهامة المسندة إليه في هذا الشأن، ومدى تفعيل هذه الأدوار في الواقع العملي. فمراقبة السوق بفعالية يتطلب تزويد المجلس بسلطات واختصاصات واسعة، حيث لا يمكنه تحقيق المهام المنوطة به كآلية ضبط إلا عن طريق ممارسة الوظائف المخولة له بموجب قانون المنافسة.
وباستقراء نصوص الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة [2] المعدل والمتمم [3]، نجد أن المشرع الجزائري قد أوكل لمجلس المنافسة صلاحيات مختلفة كجهاز محوري وجب دعم ما يقوم به في مجال المنافسة.
وإذا كان المشرع قد أوكل للمجلس أدورا مختلفة، فإنه من الواجب التساؤل عن ماهية الأدوار المسندة إلى مجلس المنافسة في مجال المنافسة؟ ومدى تأطيرها من الناحية القانونية؟ وكذا مدى نجاعتها في تحقيق الأهداف التي يصبو إليها قانون المنافسة؟
وللإجابة على هذه التساؤلات، تم تقسيم خطة الدراسة إلى مبحثين، المبحث الأول يتناول الوظيفة الاستشارية لمجلس المنافسة، أما المبحث الثاني فيتطرق إلى الوظيفة الرقابية والتنازعية للمجلس. مع استعمال المنهج الوصفي في عرض المعطيات المتعلقة بالموضوع والمنهج المقارن للاستشهاد ببعض التجارب المقارنة.
المبحث الأول: الوظيفة الاستشارية لمجلس المنافسة
لقد أقرت المادة 34 من قانون المنافسة [4]، المعدل والمتمم، لمجلس المنافسة سلطة إبداء الرأي التلقائي أو بناء على طلب، بهدف تشجيع وضمان الضبط الفعال للسوق.
في الواقع فإن الدور الاستشاري لمجلس المنافسة يجعل منه مساعدا ومستشارا للسلطات العامة، حيث تم تخويل سلطات الضبط الاقتصادي الدور الاستشاري في إطار مرحلة التحول الاقتصادي، مما أعطى للاستشارة طبيعة وقائية وقيمة كبيرة.
غير أنه وفي كل الحالات، لا تكون للآراء التي يبديها مجلس المنافسة أية قوة ملزمة. وفي هذا الصدد تكون استشارة المجلس إما اختيارية (المطلب الأول) أو إلزامية (المطلب الثاني) وذلك حسب ما نص عليه قانون المنافسة.
المطلب الأول: الاستشارة الاختيارية
يمكن أن يخطر مجلس المنافسىة من أجل رأي استشاري على سبيل الاختيار من قبل مجموعة من الهيئات، والتي سوف يتم التطرق إليها ضمن مجموعة من العناصر التالية.
أولا: الحكومة
وفقا للفقرة الأولى من المادة 35 من قانون المنافسة، المعدل والمتمم، فإن مجلس المنافسة “يبدي رأيه في كل مسألة ترتبط بالمنافسة إذا طلبت الحكومة منه ذلك، ويبدي كل اقتراح في مجال المنافسة”.
ومن ثمة فإنه يمكن للحكومة أن تطلب مسبقا من مجلس المنافسة إبداء رأيه حول كل مسألة تخص المنافسة، مما يجعل من هذه الصلاحية وسيلة فعالة في يد الحكومة تدخل في إطار التأكيد على احترام مبادئ المنافسة على جميع المستويات [5] غير أنه ورغم أهمية الاستشارة التي يبديها المجلس كونه يعد يمثابة خبير في مجال المنافسة كما يكون محايدا في الاستشارة التي يبديها، غير أن طلب الاستشارة هنا يبقى اختياريا وأن الحكومة غير ملزمة ومقيدة بما يمكن أن يتضمنه رأي مجلس المنافسة في حالة طلبه [6].
وفي نفس السياق تجدر الإشارة إلى أن الاستشارة وإن كانت تهم كل الوزارات المعنية، غير أن طلبات الاستشارة التي قدمت إلى مجلس المنافسة فيما سبق كانت من الوزير المكلف بالتجارة، وأن لجوءه إلى هذه الوسيلة ضئيل، فما بين سنتي 2013 و2014 لم يرد إلى مجلس المنافسة إلا طلب إبداء رأي واحد من الوزير المكلف بالتجارة المتعلق بقرينة استغلال الموقف المهيمن على مستوى سوق الاسمنت، تطبيقا لنص المادة 35 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة المعدل والمتمم [7]، كما أن أغلب الاستشارات التي التمستها الحكومة من المجلس اقتصر دورها في مجال الأسعار.
ثانيا: الجماعات المحلية، الهيئات الاقتصادية والمالية، المؤسسات والجماعات المهنية والنقابية وجمعيات المستهلكين
حسب الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون المنافسة، المعدل والمتمم، يمكن أن تستشير كل من الجماعات المحلية، الهيئات الاقتصادية والمالية، المؤسسات والجماعات المهنية والنقابية وكذا جمعيات المستهلكين مجلس المنافسة في المواضيع المتعلقة بالمنافسة في إطار تقديم استفسارات وتوضيحات حول هذه المسائل.
ويكون لهذه الاستشارات طابع إعلامي فقط، فهي غير ملزمة. ومن الناحية العملية وبالعودة إلى كل جهة على حدى فبالنسبة للجماعات المحلية، فإنه يتضح انعدام لجوء هذه الأخيرة إلى طلب الاستشارة من مجلس المنافسة في الجزائر رغم الدور الهام الذي تلعبه هذه الجماعات في مجال التجارة والأسعار والتنمية الاقتصادية المحلية بل حتى في فرنسا، فقد تأسفت سلطة المنافسة في العديد من المناسبات عن صمت الجماعات المحلية المستمر عن استعمال مثل هذه الوسيلة [8].
أما بالنسبة للمؤسسات والهيئات الاقتصادية والمالية فقد تلقى مجلس المنافسة طلبات استشارة من قبل مؤسسات مختلفة حول مسائل متعددة، كطلب الاستشارة الذي تقدمت به مؤسسة سفيطال حول مدى تطابقها والأحكام القانونية الخاصة بالتجميعات ومدى وجود هذه المؤسسة في وضعية هيمنة [9] وطلب رأي مجلس المنافسة المقدم من قبل سلطة ضبط المحروقات بخصوص المسافة بين محطات الخدمات، بيع الوقود [10] وكذا الطلب المقدم من طرف شركة التأمين “آليانس للتأمين” والذي من خلاله تطلب رأي مجلس المنافسة حول ممارسات مقيدة للمنافسة، قد تكون مرتكبة ضدها من شركة “كوسيدار” ورأي مجلس المنافسة هنا حيث صرح بمطابقة الشركة الأخيرة للأحكام القانونية موضوع الطلب [11].
وفيما يخص الجمعيات المهنية والنقابية وجمعيات المستهلكين نذكر لجوء جمعية ممثلي شركات السيارات ووكلائهم المعتمدين في الجزائر إلى طلب استشارة مجلس المنافسة للتأكد من مدى تطابق قانونها الخاص والقانون الداخلي وميثاق أخلاقياته مع أحكام الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة، المعدل والمتمم، وكان رأي المجلس بعدم وجود أية أحكام من شأنها التشجيع على الممارسات المقيدة للمنافسة، كما أشار إلى وجوب احترام قواعد المنافسة وإدراجها ضمن ميثاق المنظمات المهنية من خلال إدراج مجموعة من التوصيات [12].
وفي نفس السياق وبالرجوع إلى القانون الفرنسي، نجد أن مجلس المنافسة الفرنسي أكثر نشاطا في هذا الميدان، حيث سبق وأن تمت استشارته حول عدة مسائل ترتبط بالمنافسة، نذكر منها الرأي الاستشاري الصادر بتاريخ 11 ماي 1993 بطلب من الاتحاد الوطني لنقابات الأخصائيين في النظارات الطبية الفرنسية بخصوص تحديد الأسعار وربط نسب التخفيض العليا مع النسب الاقتصادية، حيث اعتبر مجلس المنافسة أن الاتفاقية الموقعة بين الغرف النقابية والتعاونيات لا تتضمن أي من البنود المقيدة للمنافسة.
وفي قضية من هذا النوع من الواضح أن هناك نوع من التعاون بين المنظمة المهنية ومجلس المنافسة من أجل الوصول إلى حلول مطابقة لمتطلبات المنافسة [13].
ثالثا: الجهات القضائية
وفقا للمادة 38 من قانون المنافسة المعدل والمتمم، فإنه “يمكن أن تطلب الجهات القضائية رأي مجلس المنافسة فيما يخص معالجة القضايا المتصلة بالممارسات المقيدة للمنافسة. ولا يبدي رأيه إلا بعد إجراء الاستماع الحضوري، إلا إذا كان المجلس قد درس القضية المعنية.
تبلغ الجهات القضائية مجلس المنافسة، بناء على طلبه المحاضر أو تقارير التحقيق ذات الصلة بالوقائع المرفوعة إليه”.
يظهر من مفهوم المادة أن مجلس المنافسة يلعب دور الخبير عندما تطلب الجهات القضائية رأيه [14]، إذ يستشار من الهيئات القضائية بمناسبة القضايا أو الممارسات التي أخطرت بها [15]، مما يبين الدور الأساسي الذي منحه المشرع للقضاء في رقابة وحماية المنافسة. وهو الأمر الذي لم يكن معمول به في إطار القانون السابق للمنافسة لسنة 1995 والذي لم ينص على إمكانية لجوء الجهات القضائية إلى طلب الاستشارة من قبل مجلس المنافسة [16].
على أن المادة لم تحدد لنا الجهات القضائية المقصودة، وباستقرائها يتضح أنها حصرت الطلب في القضايا المرتبطة بالممارسات المقيدة للمنافسة، مما يعني استبعاد القضاء الإداري، على اعتبار أن تدخل مجلس الدولة مرتبط بالتجميعات الاقتصادية [17].
كما أن المادة قد اشترطت أن يكون إجراء الوجاهية متبعا، حيث لا يبدي مجلس المنافسة رأيه إلا بعد الاستماع للأطراف، غير أنه يمكن أن يستغني عن ذلك حسب نفس المادة إذا كان قد درس القضية المعنية جيدا، ويمكنه لتكوين رأيه أن يطلب من الجهة القضائية المعنية المحاضر أو تقارير التحقيق ذات الصلة بالوقائع المرفوعة إليه.
المطلب الثاني: الاستشارة الإلزامية
يساهم مجلس المنافسة في إعداد سياسة المنافسة وتطبيق النصوص، عندما يستشار وجوبيا من الحكومة أو اللجان البرلمانية. وتكون الاستشارة إلزامية في الحالات المحددة بموجب قانون المنافسة، وإلا كان العمل المتخذ دون الاستشارة في الحالات التي يستوجبها القانون محلا لطعن.
أولا: مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بالمنافسة
تطبيقا لنص المادة 36 من قانون المنافسة، المعدل والمتمم فإن مجلس المنافسة يستشار في كل مشروع نص تشريعي وتنظيمي له صلة بالمنافسة أو يدرج تدابير من شأنها لاسيما إما إخضاع ممارسة مهنة ما أو نشاط ما، أو دخول سوق ما إلى قيود من ناحية الكم، وضع رسوم حصرية في بعض المناطق أو النشاطات، فرض شروط لممارسات نشاطات الإنتاج أو التوزيع أو الخدمات وأخيرا تحديد ممارسات موحدة في ميدان شروط البيع.
في الواقع فقد قد كان القانون السابق للمنافسة لسنة 1995 والملغى ينص في مادته 19 على إمكانية استشارة مجلس المنافسة من قبل الهيئة التشريعية حول اقتراح القوانين ومشاريع القوانين وحول كل مسألة ترتبط بالمنافسة وذلك في إطار الاستشارة الاختيارية، أما مشاريع النصوص التنظيمية التي لها علاقة بالمنافسة أو المتضمنة إجراءات من شأنها إثارة العناصر الوارد ذكرها في نص المادة 36 أعلاه، فإنها كانت تخضع للاستشارة الوجوبية بموجب المادة 20 التي استعملت عبارة “وجوبا” وقد كانت المادة 36 قبل التعديل تنص على نفس الأمر بالنسبة لمشاريع النصوص التنظيمية، غير أن تعديلها بالمادة 19 من القانون رقم 08-12 أضاف مشاريع النصوص التشريعية التي تتطلب استشارة مجلس المنافسة وجوبا، على أن الحالات المدرجة ضمنها (المادة 36) قد جاءت على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما يظهر من خلال استعمال المشرع لعبارة “يدرج تدابير من شأنها لاسيما”.
وإذا كانت الاستشارة الوجوبية تنم عن الدور الاستشاري الهام المسند إلى مجلس المنافسة عند إعداد النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة بالمنافسة وذلك كإجراء مسبق، غير أن رأي المجلس في هذه الحالات لا يحوز القوة الإلزامية فللحكومة والبرلمان مطلق الحرية في الأخذ به من عدمه.
ثانيا: مشاريع النصوص الواردة في المادة 5 من قانون المنافسة
لقد كانت المادة 5 من أمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة، قبل تعديلها، تشترط أخذ رأي مجلس المنافسة فيما يخص المراسيم الصادرة بشأن تقنين أسعار السلع والخدمات التي تعتبرها الدولة ذات طابع استراتيجي.
مع الإشارة إلى أنه ليس هناك معيار دقيق يميز السلع التي تعد ذات طابع استراتيجي عن غيرها. فالدولة تتمتع بالسلطة التقديرية في اعتبار سلعة ما ذات طابع استراتيجي [18]. وقد صدرت العديد من الآراء عن مجلس المنافسة تتعلق بهذه المسألة كالرأي رقم 1-2001 المؤرخ في 13 فبراير 2001 حول مشروع المرسوم التنفيذي المتضمن تحديد أسعار الحليب المبستر الموظب في الأكياس عند الإنتاج وفي مختلف مراحل التوزيع، وبالنسبة للمراسيم المتخذة في هذا المجال نذكر المرسوم رقم 96-31 المؤرخ في 15 يناير 1996 المتضمن تحديد أسعار السلع والخدمات الاستراتيجية [19].
كما يستشار وفقا لنفس المادة بخصوص المراسيم التي تتعلق بتدابير استثنائية للحد من ارتفاع الأسعار أو تحديدها لاسيما في حالة ارتفاعها المفرط بسبب اضطرابات السوق أو كارثة أو صعوبات مزمنة في التموين داخل قطاع نشاط معين أو في منطقة جغرافية معينة أو في حالات الاحتكارات الطبيعية، والتي يقصد بها حالات السوق أو قطاع نشاط معين، كاحتكار مؤسسة لسلعة ما، وتتخذ هذه التدابير الاستثنائية عن طريق التنظيم لمدة أقصاها 6 أشهر قابلة للتجديد بعد أخذ رأي مجلس المنافسة، وهو نفس الأمر المعمول به في تونس في حالات مشابهة، حيث يتم التدخل الوزاري لمقاومة الارتفاع المشط للأسعار على ارتفاع الأسعار وطلب التنصيص على الانخفاض الذي ينزل بالأسعار دون سعر الكلفة كموجب لتدخل الوزارة على أن يؤخذ في الحالتين برأي مجلس المنافسة [20].
غير أنه تم تعديل المادة 5 بموجب المادة 4 من القانون رقم 10-05 فتم إلغاء الاستشارة الوجوبية لمجلس المنافسة وكذا مصطلح الطابع الاستراتيجي للسلع والخدمات في مفهوم الدولة، وأصبحت تدابير تحديد هوامش الربح وأسعار السلع والخدمات أو تسقيفها أو التصديق عليها حسب المادة يتم على أساس اقتراحات القطاعات المعنية نظرا لمجموعة من الأسباب الوارد ذكرها في المادة [21]، كما نصت نفس المادة على أنه يمكن اتخاذ تدابير مؤقتة لتحديد هوامش الربح وأسعار السلع والخدمات أو تسقيفها، حسب الأشكال نفسها، في حالة ارتفاعها المفرط وغير المبرر، لاسيما بسبب اضطراب خطير للسوق أو كارثة أو صعوبات مزمنة في التموين داخل قطاع نشاط معين أو في منطقة جغرافية معينة أو في حالات الاحتكار الطبيعية دون أن تتطلب هذه المادة أخذ رأي مجلس المنافسة في ذلك، وهو ما يدل حسب البعض على تقليص دور مجلس المنافسة واحتفاظ السلطة التنفيذية بسلطة القرار [22].
المبحث الثاني: الوظيفة الرقابية والتنازعية لمجلس المنافسة
في الحقيقة فإن مجلس المنافسة يضطلع بالعديد من المهام بهدف تطبيق قواعد المنافسة التي تسعى إلى تكريس المنافسة الحرة والنزيهة، وإلى ضبط وتنظيم التوازن في السوق، والوقاية وكذا محاربة كل التجاوزات التي تخل بالمنافسة أو تمس بها.
وإضافة إلى الوظيفة الاستشارية المكرسة له بموجب قانون المنافسة، فقد منحه هذا الأخير صلاحيات أخرى. يتعلق الأمر بمهام رقابية (المطلب الأول) وأخرى تنازعية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الصلاحيات الرقابية المسندة إلى مجلس المنافسة
إن وظيفة الضبط التي يقوم بها مجلس المنافسة هي أساسا وقائية، فهي تهدف إلى الرقابة المسبقة للسوق “régulation ex ante”، وهي عبارة مستعملة في النظريات الاقتصادية، تفيد ضبط وضعية قبل أن تقع أو تتكون [23] وذلك بفضل تدابير وقائية مختلفة.
فمجلس المنافسة كجهاز رقابي يهدف إلى مراقبة الدخول إلى السوق والنشاطات القابلة لتقييد حرية المنافسة، وهو بهذه الصفة يمارس وظيفته الرقابية من خلال:
– رفع تقرير سنوي عن نشاطه إلى الهيئة التشريعية وإلى رئيس الحكومة والوزير المكلف بالتجارة. ينشر تقرير النشاط
في النشرة الرسمية للمنافسة [24]، كما يمكن نشره كليا أو مستخرجات منه في أي وسيلة إعلامية أخرى ملائمة، وذلك وفقا لنص المادة 27 من قانون المنافسة، المعدل والمتمم.
-يبرز دوره الرقابي من خلال الصلاحيات الاستشارية التي يتمتع بها، والتي تم التطرق إليها في السابق. وهو بهذا يتمتع بسلطة اتخاذ القرار والاقتراح وإبداء الرأي بميادرة منه، او بطلب من الوزير المكلف بالتجارة أو كل طرف آخر معني بهدف تشجيع وضمان الضبط الفعال للسوق، بأية وسيلة ملائمة أو اتخاذ القرار في كل عمل أو تدبير من شأنه ضمان السير الحسن للمنافسة وترقيتها في المناطق الجغرافية أو قطاعات النشاط التي تنعدم فيها المنافسة أو تكون غير متطورة بما فيه الكفاية. وفي هذا الإطار، يمكن لمجلس المنافسة اتخاذ كل تدبير في شكل نظام أو تعليمة أو منشور ينشر في النشرة الرسمية للمنافسة.
كما يمكنه أن يستعين بأي خبير أو يستمع إلى أي شخص بإمكانه تقديم معلومات له. إلى جانب ذلك يمكنه أن يطلب من المصالح المكلفة بالتحقيقات الاقتصادية، لاسيما تلك التابعة للوزارة المكلفة بالتجارة، إجراء كل تحقيق أو خبرة حول المسائل المتعلقة بالقضايا التي تندرج ضمن اختصاصه [25]. ويمكن للمجلس أن يأمر بالقيام بالأبحاث والدراسات المرتبطة بالمنافسة ويحولها على شكل تقارير إلى الوزير المكلف بالتجارة [26].
-يمكن لمجلس المنافسة القيام بكل الأعمال المفيدة التي تندرج ضمن اختصاصه لاسيما كل تحقيق أو دراسة أو خبرة. ويقوم في حالة ما إذا ثبت أنه يترتب عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بالمنافسة قيود على المنافسة باتخاذ كل إجراء مناسب لوضع حد لهذه القيود، وذلك حسب نص المادة 37 المعدلة من قانون المنافسة.
-يبرز الدور الرقابي لمجلس المنافسة كذلك من خلال الالتزامات التي قد يفرضها على المتعاملين في السوق وكذا الرخص والاعتمادات التي يمنحها والتي تسمح للمتعاملين بالدخول إلى السوق بناء على معايير انتقائية تنافسية، بالإضافة إلى ترخيصات التجمعات الاقتصادية حسب قانون المنافسة والقوانين المعمول بها في هذا الجانب.
-يتمتع مجلس المنافسة بسلطة رقابية تشمل كل القطاعات، حيث يشكل الهيئة الساهرة على حسن تطبيق قانون المنافسة والذي يشمل كل قطاعات الإنتاج والتوزيع والخدمات والصناعة التقليدية والصيد البحري وتلك التي يقوم بها أشخاص معنوية عمومية وجمعيات ومنظمات مهنية وأيضا ما يتعلق بالصفقات العمومية، وفقا لما ذهبت إليه أحكام نص المادة 2 من قانون المنافسة، المعدل والمتمم.
ومن ثمة فإن المجلس يتمتع باختصاص رقابي شامل يمتد إلى كل القطاعات، بما فيها التي شهدت إنشاء سلطات ضبط [27]، حيث إذا تبين للمجلس أن هناك ممارسة تتعلق بقطاع نشاط يكون تحت مراقبة سلطة ضبط، فإنه يرسل فورا نسخة من الملف إلى السلطة المعنية لإبداء الرأي في الأجل المحدد. كما يقوم وفي إطار مهامه، بتوطيد علاقات التعاون والتشاور وتبادل المعلومات مع سلطات الضبط، حسب المادة 39 من قانون المنافسة، المعدل والمتمم.
المطلب الثاني: الوظيفة التنازعية المسندة لمجلس المنافسة
يمارس مجلس المنافسة وظيفة تنازعية تظهر من خلال الدور الردعي الذي يلعبه في ميدان قمع جرائم المنافسة، أو ما يعبر عنه بالضبط اللاحق “régulation ex post”، إذ يتمتع بصلاحيات تنازعية فيتدخل في كل المنازعات المتعلقة بالمنافسة، وقد زوده المشرع من أجل ذلك بسلطات واسعة تهدف أساسا إلى ضبط النشاط الاقتصادي وقمع الممارسات المقيدة للمنافسة، على أن هذه الصلاحيات محددة قانونا.
أولا: مجال الوظيفة التنازعية
بداية يجب القول أن الصلاحيات التنازعية الممنوحة لمجلس المنافسة قد غذت الكثير من النقاشات والجدالات حول تبني فكرة السلطة القمعية للمجلس، العائدة في الأصل للقاضي الجزائي، باعتباره –مجلس المنافسة- سلطة إدارية مستقلة بمفهوم المادة 23 من قانون المنافسة المعدلة [28]. غير أن هذا النقل مرجعه العديد من الأسباب والعوامل العائدة إلى التطور الاقتصادي في الدولة وسياسات تدخلها في النشاط الاقتصادي وكذا ما يتعلق بالسياسة الجنائية المتبعة في هذا المجال.
في الواقع فإن إسناد الدور العقابي لمجلس المنافسة جاء بمناسبة نقل اختصاصات القاضي الجزائي للمجلس في ميدان الممارسات التي كان يعتبرها القانون بمثابة جرائم اقتصادية [29] نتيجة لمبدأ نزع التجريم “dépénalisation” الذي اعتمده المشرع ونشوء ما يعرف بسلطات الضبط الاقتصادي والتي يسمح لها بالتدخل في مجالات مهمة لا يمكن ضبطها بالقنوات التقليدية وبعد أن أظهرت السلطة القضائية تأخرها ومحدوديتها في هذا المجال.
على أن الصلاحيات التنازعية لمجلس المنافسة لا تخرج من اختصاص القضاء بصفة مطلقة [30] والذي منحه المشرع سلطة الرقابة على قرارات المجلس من خلال الإقرار بإمكانية الطعن في هذه الأخيرة [31].
وبالنسبة لاختصاص مجلس المنافسة التنازعي، فتشترط المادة 44 في فقرتها 2 أن ينظر مجلس المنافسة في النزاع إذا كانت الممارسات والأعمال المرفوعة إليه تدخل ضمن إطار تطبيق المواد 6، 7، 10، 11 و12 أو تستند على المادة 9 من أمر 2003.
فبالنسبة للمادة 6 فهي تتعلق بالاتفاقيات المحظورة المخلة بالمنافسة، أما المادة 7 فهي تتضمن الممارسة المتعلقة بالتعسف الناتج عن وضعية الهيمنة على السوق، المادة 10 تخص الاستئثار في ممارسة النشاط، المادة 11 تتناول ممارسة التعسف في استغلال وضعية التبعية الاقتصادية، أما المادة 12 فترتبط بممارسة عرض الأسعار أو ممارسة أسعار بيع منخفضة بشكل تعسفي والمادة 9 تتعلق بالاتفاقات والممارسات المرخص بها من المجلس.
ويبدأ مجلس المنافسة في ممارسة صلاحياته التنازعية بعد إخطاره بالمخالفات المرتكبة [32]، ومن هنا يتبع مجموعة من الإجراءات بداية من التحقيق الذي يتضمن البحث والتحري عن مدى توافر الأدلة الكافية [33]، لإثبات وقوع الممارسات المحظورة ثم أخيرا عقد جلسة من أجل إصدار قراره في القضية المطروحة أمامه [34].
فعندما يتضح لمجلس المنافسة بأن العرائض والملفات المعروضة أمامه من اختصاصه لوضع حد للممارسات المقيدة للمنافسة، فإنه يتخذ العديد من المقررات أو القرارات من بينها تصنيف الممارسات والوقائع حسب ما تنص عليه أحكام وقواعد قانون المنافسة.
وتبرز سلطات مجلس المنافسة الردعية ضد الأطراف مرتكبة المخالفات في هذا المجال في مجموعة الوسائل الممنوحة له من المشرع والتي تتمثل أساسا في إصدار الأوامر التي تهدف إلى وضع حد للممارسات المعاينة المقيدة للمنافسة والتي تختلف باختلاف هذه الممارسات وتخضع لتقدير المجلس كما أنها تستهدف الممارسة المخالفة أو السلوك المجرم فقط (المادة 45 من قانون المنافسة)، التدابير المؤقتة التي تتخذ كذلك للحد من الممارسات المقيدة للمنافسة موضوع التحقيق، إذا اقتضت ذلك الظروف المستعجلة لتفادي وقوع ضرر محدق غير ممكن إصلاحه لفائدة المؤسسات التي تأثرت مصالحها من جراء هذه الممارسات أو عند الإضرار بالمصلحة الاقتصادية العامة (المادة 46)، ويتدخل مجلس المنافسة لفرض احترام الأوامر والتدابير المؤقتة، حيث يقرر غرامات تهديدية عند عدم مراعاة المؤسسات المخالفة لهذه الأوامر والتدابير (المادة 58).
زيادة على ذلك يتمتع مجلس المنافسة بسلطة فرض جزاءات مالية سواء تعلق الأمر بممارسات مقيدة للمنافسة أو بتجميعات اقتصادية مخالفة سواء في حالة قيامها دون ترخيص من المجلس، أو عند مخالفتها للشروط والتعهدات الواقعة على عاتقها بموجب ذلك الترخيص.
وفي هذا الصدد فإن قانون المنافسة المعدل والمتمم قد خصص للعقوبات المطبقة على الممارسات المقيدة للمنافسة والتجميعات الفصل الرابع في المواد من 56 وما يليها، يخضع تقدير هذه العقوبات إلى مجموعة من المعايير المحددة قانونا (المادة 62 مكرر 1) كما أنه يراعى في تطبيقها المبادئ المقررة عند تطبيق العقوبة الجنائية بصفة عامة [35].
ثانيا: حدودها
يلاحظ أن الصلاحيات التنازعية لمجلس المنافسة كما حددها المشرع لا تتناول بعض المسائل، إذ ترد على صلاحياته الكاملة في هذا المجال مجموعة من الاستثناءات، بالرغم من كونها ترتبط بالممارسات المقيدة للمنافسة. ويتعلق الأمر بـ:
1-الحالة التي تضمنتها المادة 13 من قانون المنافسة المعدل والمتمم والتي تخص إبطال الالتزامات أو الاتفاقيات أو الشروط التعاقدية المتعلقة بإحدى الممارسات المحظورة بموجب المواد 6، 7، 10، 11 و12 من قانون المنافسة، المعدل والمتمم، حيث أن دور مجلس المنافسة هنا هو تبيان الطابع المناهض للمنافسة في التصرف أو الشرط [36]، فهو يهتم بحماية المنافسة في السوق بالدرجة الأولى أو بالنظام العام الاقتصادي بواسطة إصدار قرارات أو أوامر ملزمة بوقف الممارسات المحظورة. وعند اللزوم، الحكم بالغرامات المالية على المتعاملين الاقتصاديين مرتكبي المخالفة والذين ثبت في حقهم الإخلال بقواعد السوق والمنافسة الحرة دون أن يكون له الحق في إصدار أحكام أو قرارات تقضي بإبطال الممارسات المقيدة للمنافسة [37]، أو إبطال الاتفاقيات والعقود المتعلقة بإحدى هذه الممارسات والتي ينص موضوعها على آثار مقيدة للمنافسة إذ يعود الاختصاص فيها إلى القضاء، وذلك مع مراعاة الأحكام الواردة في المادتين 08 و09 حسب ما بينته المادة 13، فهذه الحالات المرخص بها تكون مستثناة من مجال تطبيق البطلان.
2-الحكم بالتعويض عن الأضرار التي سببتها الممارسات المقيدة للمنافسة، حيث أنه يمكن حسب المادة 48 من قانون المنافسة، المعدل والمتمم، “لكل شخص طبيعي أو معنوي يعتبر نفسه متضررا من ممارسة مقيدة للمنافسة أن يرفع دعوى أمام الجهة القضائية المختصة طبقا للتشريع المعمول به”. فيقع ضمن الجزاءات المدنية إلزام المخالف بالتعويض عن الضرر الذي لحق بالشخص نتيجة التصرف المرتكب المتضمن مخالفة أحكام التشريع المنظم للمنافسة، ويكون للمتضرر من جراء ممارسة مقيدة للمنافسة رفع دعوى تعويض مطابقة للشروط المنصوص عليها قانونا [38].
3-المسؤولية الجزائية للأشخاص الطبيعيين؛ في إطار الأمر رقم 95-06 المتعلق بالمنافسة (الملغى) إذا ثبتت المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي، فإنه على مجلس المنافسة أن يخطر وكيل الجمهورية المختص إقليميا قصد المتابعات القضائية تطبيقا لأحكام المادة 15 منه.
غير أنه مع صدور الأمر الجديد للمنافسة والقانون المعدل والمتمم له، فإنه قد تم التخفيف من السياسة القمعية التي انتهجها الأمر رقم 95-06 عن طريق حذف عقوبة الحبس وذلك عملا بمبدأ إزالة التجريم والتركيز أكثر على العمل الوقائي كما سبقت الإشارة إليه، على عكس القانون المغربي المتعلق بحرية المنافسة والأسعار [39] مثلا الذي احتفظ بموجب المادة 75 منه بعقوبة الحبس أو بغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص ذاتي شارك على سبيل التدليس أو عن علم مشاركة شخصية وحاسمة في تخطيط الممارسات المنافية للمنافسة في نظر القانون أو تنظيمها أو تنفيذها أو مراقبتها.
الخاتمة:
إن الصلاحيات التي خولها المشرع لمجلس المنافسة في مجال المنافسة لا يقصد منها وضع قيود أمام الأعوان الاقتصاديين للدخول للسوق، بل ترمي لتحقيق الأهداف المسطرة لقانون المنافسة وتجسيدها عمليا. فهو يشارك السلطات العمومية في إقامة سياسة المنافسة، بواسطة وظيفته الاستشارية من جهة، كما أنه يساهم في الوقاية من الممارسات المقيدة للمنافسة عن طريق دوره الرقابي، ويلعب في الميدان القمعي دور الفصل المباشر في المنازعات التنافسية، بعيدا عن تدخل أية جهة أخرى.
غير أن المتتبع لنشاط مجلس المنافسة يلحظ قلة الاستشارات والدعاوى المقدمة له من جهة وكذا قلة الآراء والأحكام التي يصدرها في هذا الشأن من جهة أخرى، ولعل السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى تجميد نشاطه منذ سنة 2003، وذلك رغم التعديلات المهمة التي جاء بها أمر 2003 وكذا تعديل 2008 الذي دعم صلاحيات واختصاصات المجلس غير أن هذه النصوص بقيت مجمدة.
وبالنسبة للإحصائيات الأخيرة، يتبين أن حصيلة مجلس المنافسة غير كافية، فقد أصدر 4 مهام استشارة سنة 2016 نظرا للعديد من العوامل منها نقص عدد الموظفين والغياب شبه الكلي لثقافة المؤسسة في مجال المنافسة. وفيما يتعلق بالشكاوى الموجهة إليه، فقد تم تقديم 12 شكوى سنة 2015 وأن المجلس قد فصل في ثلاث شكاوى حول الممارسات غير التنافسية، وتم التنبيه إلى العراقيل التي يواجهها في هذا الجانب.
إن بقاء مجلس المنافسة معطلا من 2003 إلى 2013 أثر سلبا على وضعه القانوني ودوره ومهامه في مجال المنافسة، الأمر الذي دعا إلى ضرورة تعديل قانون المنافسة مرة أخرى، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وبخصوص برنامج ومحاور عمل سنتي 2017-2018 فإنها تعلقت أساسا بتعديل الأمر المتعلق بالمنافسة ومواصلة تنفيذ برنامج المطابقة مع قواعد المنافسة وتدعيم قدرات المؤسسة، كل ذلك في إطار مواكبة التطورات الدولية والداخلية وبما يتناسب وتطبيق أحكام المادة 43 من دستور 2016 التي كرست منع الاحتكار والمنافسة غير النزيهة والتمييز بين المؤسسات عندما يتعلق الأمر بمساعدات الدولة وحماية المستهلك.
(محاماه نت)