دراسات قانونية

صناعة النقض المدني (بحث قانوني)

صناعة النقض المدني (وسيلة النقض صياغتها وتعامل محكمة النقض مع العريضة)

ذ منير فوناني
المحامي بهيئة المحامين بالرباط

هذا المقال سبق نشره بمجلة القضاء والقانون – العدد 161 – سنة 2012- ص: 64.

من المعلوم ان محكمة النقض لا تشكل درجة ثالثة من درجات التقاضي، بل ينحصر دورها فقط في مراقبة مدى ملائمة الأحكام و القرارات، المطعون فيها، للقانون، و ذلك في حدود ما هو مرسوم لها قانونا.

و قد أوجب المشرع أن تكون العرائض موقعة من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض،.وذلك بالنظر لما للنقض من طبيعة خاصة، اذ ننتقل فيه من الوقائع إلى القانون، و هو ما يتطلب التوفر على تقنية خاصة لتحرير العرائض، و المذكرات الجوابية عليها.

و لكي يكون، المحامي مقبولا للترافع أمام محكمة النقض، نصت المادة 33 من القانون رقم 28-08 الممنظم لمهنة المحاماة[1] على انه: ” لا يقبل لمؤازرة الأطراف و تمثيلهم أمام المجلس الأعلى(محكمة النقض)، مع مراعاة الحقوق المكتسبة، إلا:

المحامون المسجلون بالجدول منذ خمس عشرة سنة كاملة على الأقل
المحامون الذين كانوا مستشارين أو محامين عامين، بصفة نظامية، بالمجلس الأعلى(محكمة النقض).

قدماء القضاة، و قدماء أساتذة التعليم العالي، المعفون من شهادة الأهلية، و من التمرين، بعد خمس سنوات من تاريخ تسجيلهم بالجدول.”
و لخطورة النقض الذي يعتبر طريقة من طرق الطعن غير العادية[2]، و لكونه يشكل الملاذ الأخير للمتقاضي للدفاع عن حقوقه، من خلال مناقشة

القانون، فإن له طرق و وسائل خاصة به، تختلف عن تلك المتعلقة بالمقالات و المذكرات المقدمة أمام قضاء الموضوع، و هو ما يتوجب معه، إلى جانب احترام الشروط الشكلية، إثارة وسائل للنقض في المستوى، و بشكل يُمكِن محكمة النقض من بسط رقابتها على قرارات محاكم الموضوع.

فكيف إذن يتعين صياغة وسيلة النقض من طرف المحامين؟
و كيف تتعامل محكمة النقض مع عريضة الطعن بالنقض و الوسائل المضمنة فيها؟
و هل معيار الزمن الذي اعتمده القانون الجديد لمهنة المحاماة وحده كاف للقول بان المحامي الذي قضى فترة من الزمن في المهنة كفيل بمنحه الصفة للترافع أمام محكمة النقض؟ هل نحصر مسألة الكفاءة فقط في مجال الزمن دون غيره؟ فماذا عن المؤهلات العلمية؟ و ماذا عن اختلاف المدارك بين بني البشر؟ و ماذا عن ميزة التفوق التي تكون لذا البعض دون البعض الأخر؟

كل هاته الأسئلة سنحاول الجواب عليها إتباعا وفق ما يلي:

كـيـفية صـياغـة وسيـلة النـقض؟

لقد نص الفصل355 من قانون المسطرة المدنية، على أنه من بين الأمور التي يجب توفرها في عريضة النقض تحت طائلة عدم القبول، وسائل النقض.

و يقصد بوسائل النقض، تلك المطاعن التي يحدد فيها طالب النقض نوعية الخروقات و الإخلالات التي شابت القرار المطعون فيه بالنقض، و أن العريضة التي لا تتوفر على وسائل النقض هي معرضة لعدم القبول، كما أن الوسائل المعتمد عليها في النقض يجب أن تكون مبنية على أحد الأسباب المبينة في الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية[3].

هذا و أن عريضة النقض التي لا تبنى على أحد تلك الأسباب الخمسة تكون غير مقبولة، و هو ما أكدته محكمة النقض في قرارها الصادر بتاريخ 1/2/1972 قرار رقم 34.[4]
كما سار في نفس الاتجاه القرار عدد 966 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 8/3/2011 في الملف المدني عدد 1077/1/6/2009 الذي جاء فيه:
” لكن حيث إنه فضلا على أن الطاعن لم يحدد ما يعيبه على القرار المطعون فيه و اكتفى بمناقشة الواقع الصرف، فإنه لم يبن طلب النقض على أحد الأسباب المحددة في الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية مما كانت معه الوسائل غير مقبولة”[5]

و تكمن أهمية وسيلة النقض، في أن جودة القرارات الصادرة عن محكمة النقض مرتبطة بالأساس بجودة طرح الخلل الذي اعترى القرار المطعون فيه، فالوسائل المثارة في عريضة النقض تقوم بدور تحفيزي للمستشارين في الجواب عليها، و ليس الغرض من ذلك تبني قرار محكمة النقض ما جاء في العريضة أم لا، و إنما الغرض الأساسي هو ما تثيره الوسيلة من مناقشة و حوار ثنائي راقي بينها و بين جواب محكمة النقض عليها.

فإن كنا نتوخى جودة في القرارات الصادرة عن محكمة النقض، فإننا مطالبون بالرقي بطريقة صياغة وسائل النقض، لكون جودة القرار مرتبطة بجودة الوسيلة[6]، هذا مع التأكيد على ضرورة مواكبة محكمة النقض لتلك المناقشة المثارة في الوسيلة، و بالتالي فالمسؤولية يتحملها كل من المحامي و المستشار المقرر في الملف، فإن كان المحامي مطالب بالجودة عند صياغة وسيلة النقض، فالمستشار المقرر، و باقي أعضاء الهيئة في الغرفة التي تنظر في الملف، مطالبون بالجرأة في الخوض في مناقشة قانونية ذات مستوى رفيع[7].

و بذلك تتجلى لنا الأهمية البالغة التي تحظى بها وسيلة النقض عند تحرير العريضة، فحتى إن تم احترام الشروط الشكلية لها، و تم بذلك استبعاد القول بعدم قبول النقض فإن وسيلة النقض لا تسلم من عدم القبول، فحتى و إن كان النقض مقبولا فالوسيلة قد تكون غير مقبولة إذا ما جاءت بشكل مبهم و غير مفهوم، أوكانت مجملة.
من أجل ذلك تظهر لنا ضرورة صياغة وسائل النقض بطريقة واضحة و بسيطة، دون إبهام، و عدم الاقتصار على وسائل تتضمن فقط قاعدة قانونية و واقع دون توضيح مكمن النعي على القرار، كي لا نواجه بعدم قبول الوسيلة.

إذ جاء في القرار عدد 3378 الصادر عن محكمة النقض بغرفتين بتاريخ 24 نونبر 2004 في الملف المدني عدد 4208/1/7/97 ما يلي: “تكون الوسيلة غير مقبولة إذا كانت مجملة و مبهمة، و الطاعن الذي لم يوضح بتدقيق ما هي الدفوع المثارة و لا وجه المقتضيات القانونية التي تم خرقها لم يمكن المجلس الأعلى من بسط رقابته حول ما جاء في هذه الوسيلة”[8].

و في قرار أخر صادر عن محكمة النقض بغرفتين رقمه 310 بتاريخ 24 يناير 2007 في الملف المدني عدد 1467/1/2/2003 جاء فيه:” تكون الوسيلة غير مقبولة إذا لم يبين فيها الطاعن ما هي أنواع الدفوع التي أثارها بمقتضى مقاله الاستينافي أو مذكراته و لم يجب عليها القرار”[9].

و في نفس الاتجاه جاء في القرار الصادر عن محكمة النقض عدد 2014 بتاريخ 23/12/2009 في الملف التجاري رقم 886/3/1/2006 أنه: “لكن حيث تضمن الفرع مجرد واقع و قانون دون توضيح مكمن النعي على القرار فهو غير مقبول”[10]
و في قرار أخر عدد 3881 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 4/11/2009 في الملف المدني عدد 423/1/4/2007 جاء فيه ما يلي: “لكن حيث إن الطالب عنون هذه الوسيلة بما يلي ‘خرق قاعدة جوهرية في إجراءات المسطرة أضر بطالب النقض’، إلا أنه لم يبين في الوسيلة ما هو الضرر الذي لحقه مما أورده فيها، الأمر الذي تكون معه الوسيلة غامضة و بالتالي غير مقبولة”[11]
جاء أيضا في القرار عدد 830 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 9/6/2011 في الملف التجاري عدد 437/3/1/2011 ما يلي: ” لكن حيث إن ما ورد في الوسيلة يتعلق بمناقشة الوقائع التي يمنع على المجلس الأعلى مناقشتها، كما لم تبين المقتضيات القانونية التي تم خرقها و مكمن نعيها على القرار فهي غير مقبولة”[12].

و في القرار عدد 801 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 22/02/2011 في الملف المدني عدد 4107/1/7/2009 انه: “لكن حيث ان الوسيلة جاءت عامة دون بيان القواعد التي تم خرقها في المرسوم المذكور مما يجعلها غامضة و مبهمة”[13].

و عليه فإن القرارات المشار إليها أعلاه تعطينا إشارات بخصوص صياغة الوسيلة، من خلال تكريس الوضوح، و صياغة وسائل النقض في قالب و بألفاظ يمكن معها معرفة العيوب الموجهة ضد القرار المطعون فيه، مع تبيان النصوص القانونية التي تم خرقها كي يتسنى لمحكمة النقض معرفة المآخذ و مدى تأثيرها على سلامة الحكم[14].

إذ أنه من المفروض في الوسيلة أن تكون واضحة و غير مبهمة، و لن يكون ذلك إلا من خلال تبيان الخرق الذي وقع فيع القرار المطعون فيه، و القانون الذي تم خرقه مع بيان رقم الفصل أو المادة القانونية المعنية، حتى يتسنى لمحكمة النقض أن تبسط رقابتها على القرار المطعون فيه. أما دون ذلك، تبقى الوسيلة المبهمة غير مقبولة شكلا[15].

و هو ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 17 بتاريخ 17/11/1970 الذي جاء فيه: “تكون غير مقبولة الوسيلة المستدل بها و التي لم يبين فيها طالبوا النقض ما هو القانون الذي خالفه الحكم المطلوب نقضه أو أخطأ في تأويله، و لا أي سبب من الأسباب التي ينص عليها الفصل 13 من ظهير تأسيس المجلس الأعلى(الفصل 356 ق م م) بيانا تاما يتأتى معه للمجلس الأعلى ممارسة مراقبته بل ساقوا الكلام في قالب الغموض و الإبهام”[16].
و حبذا لو تم صياغة وسيلة النقض كما لو أن الأمر يتعلق بمعادلة رياضية، من خلال التركيز أولا على الفصل أو المبدأ القانوني الذي تم خرقه، مع الإشارة إلى مصدر ذلك النص القانوني أو المبدأ أو القاعدة، و ذلك كعنوان بارز للوسيلة.

ثانيا يتعين بيان الحل القانوني الذي توصل إليه القرار المطعون فيه، و إذا ما كان هذا الحل مستهدفا بالنقض كليا أو جزئيا، مع بيان الأساس الذي اعتمده القرار للوصول إلى تلك النتيجة، و كل ذلك قصد بيان مواطن الخلل فيما خلص إليه القرار.

و يتم إبراز مكامن الخلل عن طريق شرح ما كان من المفترض أن يتبناه القرار من تفسير القانون وإنزاله على وقائع النازلة موضوع الملف، و ذلك من أجل إبراز العيوب القانونية التي اعترت القرار على ضوء الفصل القانوني الذي شكل عنوانا للوسيلة[17].

مع تطعيم ذلك بتوجه كل من الفقه و القضاء بخصوص تلك النقطة، و الكل في تركيز و اختصار لا يؤثر، بطبيعة الحال، على وصول الفكرة للمتلقي، و حينما نقول التركيز فإننا لا نعني بذلك الاختزال الذي يضر بالمعنى المراد إيصاله، لأن محكمة النقض ليس من المفروض فيها استنتاج الأسباب من الوقائع المدلى بها.

و بذلك يتعين البعد كل البعد عن صياغة وسائل النقض بشكل عام دون بيان ماهية الفصل أو المبدأ القانوني الذي خالف القرار المطعون فيه.

فمثلا لا يكفي عند صياغة وسيلة النقض القول بأن الحق المطالب به قد طاله التقادم دون بيان أي نوع من أنواع التقادم يتحدث عنه، إنما يتعين لقبول الوسيلة بيان الفصل القانوني المعتمد عليه للقول بالتقادم[18]، و هو الأمر الذي سارت عليه محكمة النقض في قرارها عدد 61 الصادر بغرفتين بتاريخ 30/1/2008 في الملف الإداري عدد: 1115 و 1235/4/1/2006 و الذي جاء فيه: “يكون الدفع بالتقادم غير مقبول إذا جاء عاما دون بيان نوعه و مدته حتى يتسنى للمجلس الأعلى بحث صحة تطبيقه وإعماله على الوقائع موضوع الدعوى”[19].

كما أنه لا يكفي طالب النقض أن يبين في وسيلته الفصل القانوني دون توضيح وجه المخالفة أو الخطأ الذي وقع فيها القرار المطعون فيه عند تطبيق ذلك الفصل، بل يتعين عليه بيان موضع الخطأ القانوني في ذلك القرار.
و هو ما أكده القرار عدد 273 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 18/2/2009 في الملف التجاري عدد 312/3/1/2008 جاء فيه: “لكن حيث اكتفت الوسيلة بإيراد وقائع و نصوص قانونية و التطبيق السليم للاستشارة الفردية من طرف السنديك، دون أن تتضمن أي نعي على القرار بخصوص ما ذكر فهي غير مقبولة”[20].

فضلا عن ذلك، فإنه لسلامة القرار الاستينافي أو الحكم الابتدائي، لا يكفيه، أن يشير إلى دفع ما في صلب قراره و عدم الجواب عليه حين التعليل، فإن الوقوع في هذا الأمر يجعل منه فاسد التعليل الموازي لانعدامه و معرضا للنقض.
و بالرغم من ذلك فالمحكمة غير ملزمة للرد على كل الطلبات و الدفوع، فلا يمكن لها مسايرة الأطراف في جميع مناحي دفوعهم، لكنها ملزمة بالرد على الدفوع التي من شأنها التأثير على مسار الدعوى، وقبل ذلك يتعين أن يكون الدفع قد أثير وفق الشكل المتطلب قانونا، كما يتعين صياغة الدفع بشكل واضح دون غموض.[21]

و بذلك نخلص إلى أنه لا يضر القرار عدم الجواب على الدفوع غير المنتجة في الدعوى، و إنما ما يضره حقيقة و يعرضه للنقض هو عدم الجواب على كل دفع مهم في الدعوى من شأنه تحديد النتيجة التي قد يخلص لها القرار.
و في هذا الاتجاه جاء القرار عدد 1895 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 23/12/2010 في الملف عدد 189/3/1/2010 و الذي جاء فيه: “لكن حيث إن القرار المطعون فيه لم يرتب أي اثر على ما أورده من (أن القرض العقاري و السياحي كان عليه داخل اجل معقول المطالبة بدينه و ألا ينتظر أكثر من عشر سنوات ليطالب به)، كما أن الوسيلة لم تبين مكمن نعيها عليه بخصوص تأثيره على مآل القرار المطعون فيه، الذي لم يخرق أي مقتضى و أتى معللا بشكل سليم و مرتكزا على أساس و الوسيلة على غير أساس”[22].
و قد كان جواب محكمة النقض المشار إليه في القرار أعلاه على الوسيلة التي أثارها طالب النقض حينما اعتبر أن القرار الاستينافي المطعون فيه فاسد التعليل، بدعوى أنه اعتبر “أن القرض العقاري و السياحي تأخر عن المطالبة بدينه” في حين أن الطالب هو الدائن، و بالتالي لا مجال للحديث عن التأخر في المطالبة بالدين وهو ما يجعل القرار، حسب طالب النقض، معرضا للنقض، و هكذا فالوسيلة ركزت على إثارة ما هو غير مؤثر على التوجه الذي تبناه القرار المطعون فيه، و هو ما يتعين معه التركيز على تلك الدفوع أو الوسائل المنتجة، و يقصد بالوسائل أو الدفوع المنتجة، تلك التي يكون لها أثر في تكوين قناعة القاضي ليحكم لفائدة مثيرها أو العكس[23].

و هو ما أكده قرار لمحكمة النقض عدد 989 المؤرخ في 17/6/2009 في الملف التجاري 925/3/1/2008 أنه: “رغم أن المحكمة أثبتت الدفع في صلب قرارها أحجمت عن الرد عليه في تعليلاته بالرغم مما يكون لذلك من تأثير على مآل قرارها الذي اتسم بانعدام التعليل بهذا الخصوص مما يعرضه للنقض”[24]

و في قرار أخر صادر أيضا عن محكمة النقض رقمه 460 بتاريخ 27/04/2005 في الملف التجاري عدد 937 و 941 و 945/3/1/2002 جاء فيه ما يلي: “المحكمة غير ملزمة بالجواب على دفوع لا تستند إلى أساس أو غير مدعمة.
إن المحكمة ملزمة بالجواب على جميع الدفوع المثارة بشكل نظامي و مؤثرة في نتيجة الدعوى، و إن عدم القيام بذلك يترتب عليه نقض القرار بسبب انعدام التعليل”[25].
و نفس التوجه سار عليه القرار عدد 227 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 8/4/2009 في الملف عدد 419/4/2/2008 الذي جاء فيه: “أن المحكمة غير ملزمة بتتبع الأطراف في مناحي أقوالهم إذا لم يكن لها أثر على وجه الحكم، و بذلك كان قرارها معللا بما يكفي لرده و مرتكزا على أساس”[26]
و بذلك يتضح لنا أن وسيلة النقض هي عماد الدفاع عن الحقوق أثناء مناقشة الأحكام أو القرارات أمام محكمة النقض[27]، و هو ما سار عليه العمل القضائي و من بينه القرار الصادر عن محكمة النقض بغرفتين رقمه 866/1 بتاريخ 22 يونيو 2005 في الملف الجنائي عدد 5414/2003[28].

كيف تتعامل محكمة النقض مع العريضة و وسيلة النقض ؟

عند إتمام عريضة النقض التي يتعين فيها احترام المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 355 من قانون المسطرة المدنية تحت طائلة عدم القبول، تودع العريضة بكتابة ضبط المحكمة التي أصدرت القرار المطعون فيه طبقا لما ينص عليه الفصل 356 من نفس القانون، مع ضرورة أداء وجيبة النقض في نفس الوقت الذي تقدم فيه العريضة تحت طائلة عدم القبول ( ف 357 ق م م).
بعدها يوجه الملف إلى كتابة ضبط محكمة النقض، و بمجرد الوصول إليها يقوم الرئيس الأول بتسليم الملف إلى رئيس الغرفة المختصة الذي يعين مستشارا مقررا يكلف بإجراءات المسطرة طبقا للفصل 362 من قانون المسطرة المدنية.

و غالبا ما تطول المسطرة أمام محكمة النقض، و يبقى الملف في طور الإجراءات لفترة طويلة، والسبب في ذلك يعود بالأساس إلى عملية التبليغ.
إذ أن أول ما يقوم به المستشار المقرر عند توصله بالملف أمر كتابة الضبط بتوجيه نسخة من العريضة للمطلوب في النقض، قصد الجواب عليها[29]، إلا أن التبليغ لا ينجز في الوهلة الأولى مما يضطر معه المستشار المقرر إلى إعادة الملف لكتابة الضبط قصد إعادة نفس الإجراء، لكن يصطدم بعدم وجود النسخ الكافية من العريضة[30]، التي تنفذ مع تكرار عملية التبليغ، و بذلك يتم إشعار طالب النقض بضرورة الإدلاء بالنسخ الكافية، و هو ما يستغرق بدوره وقتا ليس باليسير.

غير أن مسألة تبليغ العريضة إلى المطلوب في النقض، لها ارتباط بمسألة الحضورية، التي تعتبر أمام محكمة النقض غير واجبة ما دام أن الطعن يحتكم فيه أساسا إلى حكم القانون، و محكمة النقض باعتبارها محكمة قانون فدورها يقتصر في الجواب على وسائل النقض لمراقبة ما إذا تم تطبيق القانون على الوجه الصحيح أم لا.

و بذلك فإن محكمة النقض عندما تقدم إليها عريضة النقض ينحصر جوابها على الوسائل المثارة في العريضة، دون ما جاء في المذكرة الجوابية المودعة من طرف المطلوب في النقض، التي لا يتم تبليغها للطالب إلا إذا رأى المستشار المقرر ذلك ضروريا[31].

و في هذا الاتجاه صدر القرار عدد 1396 بتاريخ 16 يوليوز 1987 في الملف رقم 2916/84 جاء فيه: “المستشار المقرر لا يبلغ في نطاق الفصل 364 من القانون المذكور عريضة النقض نفسها إلا عند الاقتضاء، فبالأحرى مذكرة الجواب التي لا يوجد من بين فصول المسطرة ما يلزمه تبليغها نظرا لكون قرارات المجلس الأعلى تنصب أساسا على الوسائل المثارة في المقال و الذي عليه الجواب عنها لا على ما جاء في جواب المطلوب في النقض و بالتالي فإنه يتعين أيضا رفض الطلب الرامي إلى إعادة القضية إلى المستشار المقرر”.[32]

و في قرار أخر عدد: 648 الصادر بغرفتين بتاريخ 14 فبراير 2001 في الملف المدني عدد: 324/1/99 جاء فيه:”يناقش المجلس الأعلى و يجيب على وسائل النقض و لا يناقش ما يثيره المطلوب ما لم يتعلق الأمر بدفع يتعلق بالنظام العام”[33].

و غالبا ما تكون الغاية من تبليغ عريضة النقض هو تأكد المستشار المقرر من كون القرار المطعون فيه بالنقض لم يبلغ للطالب، و بالتالي مراقبة ما إذا كان الطعن بالنقض قد تم داخل الأجل أم لا[34].

و تجدر الإشارة هنا إلى أن محكمة النقض أصدرت القرار عدد 5424 بتاريخ 28/12/2010 في الملف المدني عدد 584/2/1/2009 الذي اعتبرت من خلاله أن:
“إرفاق مقال الطعن بالنقض بنسخة تبليغية من القرار المطعون فيه و الادعاء بأن الطعن وقع داخل الأجل القانوني أو أنه لم يبلغ للطالب دون الإدلاء بغلاف التبليغ او شهادة كتابة الضبط التي تفيد ان القرار لم يخضع لإجراءات التبليغ يجعل طعن الطالب غير مقبول”[35]
و بذلك نستنتج أن محكمة النقض غير ملزمة بتبليغ عريضة النقض، و يحق للمستشار المقرر إذا ما رأى أن القضية جاهزة بعد دراستها أن يبت فيها دونما تبليغ العريضة للمطلوب في النقض، كما أنه غير ملزم بتبليغ المذكرة الجوابية على عريضة النقض لطالب النقض، و لا يترتب عن ذلك أي خرق للقانون.

غير أن محكمة النقض تكون ملزمة بالجواب على ما جاء في مذكرة المطلوب في النقض في الشق المتعلق بعدم قبول الطلب شكلا، و هذا ما أكدته في قرارها عدد 1717 الصادر بغرفتين بتاريخ 15 ماي 2002 في الملف المدني 832/1/7/2000 و الذي جاء فيه:”المجلس الأعلى لا يجيب على ما أثاره الطرف المطلوب في جوابه على مقال الطعن بالنقض ما لم يكن الدفع متعلقا بعدم قبول الطلب شكلا”[36].

كما أن محكمة النقض يمكنها إثارة عدم القبول بصفة تلقائية دونما حاجة لأن يتم الدفع به من طرف الخصم، و هو ما جاء في القرار صادر عن محكمة النقض عدد 1189 بتاريخ 29/09/2011 ملف اجتماعي عدد: 1620/5/1/2009 جاء فيه:” في شأن الوسيلة المثارة تلقائيا من طرف المجلس الأعلى لتعلقها بالنظام العام:
حيث تنص مقتضيات الفصل 345 من ق م م وخاصة الفقرة الرابعة منه على انه: تكون القرارات (الصادرة عن محاكم الاستيناف) معللة، و في نازلة الحال فإن القرار المطلوب نقضه، ورد خاليا تماما من أي تعليل الأمر الذي حال دون بسط المجلس الاعلى رقابته على مدى سلامة و قانونية القرار المذكور من حيث تعليله، و أن خلوه من التعليل يجعله مخلا بمقتضيات الفصل 345 من ق م م المشار إليها أعلاه و تبعا لذلك يكون باطلا و يتعين نقضه. و حيث تمت مراسلة كتابة الضبط بمحكمة الاستيناف بالرباط على التوالي بتاريخ 9/2/2011 بتاريخ 8/8/2011 و ذلك من أجل موافاة المجلس الاعلى بنسخة كاملة من القرار موضوع الطعن تتضمن التعليل المعتمد في إصداره، و في كل مرة يرفق جواب كتابة الضبط بنسخة منه مطابقة للنسخة التي أرفق بها مقال الطعن بالنقض، مما يؤكد أن القرار صدر دون تعليل و خلوه منه يجعله باطلا و يتعرض للنقض”[37].

و في مثال أخر فإنه، و كما هو معلوم، لا يمكن الطعن في نفس القرار مرتين، حتى ولو تم تقديم كل طعن من طرف محام مغاير عن الذي قدم الطعن الأول، ذلك أن الطعن بالنقض هو مخول للأطراف و ليس للدفاع. فقد جاء في قرار لمحكمة النقض[38] عدد 221 الصادر بتاريخ 10/02/2011 في الملف التجاري عدد 995/3/1/2010 أنه: “في شأن عدم القبول المثار تلقائيا من طرف المجلس الأعلى:

حيث تبين للمجلس الأعلى أنه سبق للطالب …. أن تقدم بتاريخ 27/05/2010 بطلب من أجل الطعن بالنقض في مواجهة القرار عدد 879 و 880 الصادر عن محكمة الاستيناف التجارية بالدارالبيضاء بتاريخ 23/02/2010 في الملفين عدد 1651/2009/14 و 3435/2009/14، فتح له ملف النقض عدد 884/3/1/2010 الذي صدر فيه يومه 10/02/2011 قرار برفض الطلب، وعملا بقاعدة (لا يجوز ممارسة الحق في الطعن أكثر من مرة واحدة)، فإنه يتعين التصريح بعدم قبول الطعن الحالي مع إبقاء الصائر على رافعه”.[39]
فضلا عن ذلك ففي بعض الأحيان تكون عريضة النقض تشتمل على وسائل عدة لكنها تصب في سياق واحد، وهنا تجنبا للتكرار في الجواب على كل وسيلة على حدة يتم الجواب على الوسائل مجتمعة.
و تبعا لما سبق يتضح كيفية تعامل محكمة النقض مع عرائض النقض، و المذكرات الجوابية المدلى بها من المطلوبين في النقض، إذ أن هناك ميكانزمات خاصة للنقض، تتطلب توفر حِرَفِيَة خاصة في الجواب على تلك الوسائل.

محامي النقض و معيار الزمن:

كما راينا أعلاه فللنقض وسائله، و لوسائل النقض رجالاتها، الذين حصرهم المشرع المغربي في من مارس المحاماة لمدة خمسة عشر سنة.
لكن من أجل الرقي بالعمل القضائي فنحن بحاجة إلى محامين أكفاء يتقنون صناعة النقض، و لن يكون ذلك بالاكتفاء على معيار الزمن للقول أن محام ما مقبول للترافع أمام محكمة النقض من عدمه.
لكون السنوات وحدها ليست كفيلة بصقل موهبة المحامي في وضع وسائل نقض مقبولة، بل إنه المجهود المبذول من طرف الشخص في التحصيل و البحث و التنقيب عن خفايا و روح و فلسفة القانون، ومعرفة مكامن الخلل و الخطأ في القرار المطعون فيه و إثارة مناقشة قانونية ذات مستوى رفيع أمام محكمة القانون.
و حيث إن ذلك ما يدعو إلى إعادة النظر في قبول المحامين للترافع أمام محكمة النقض، و ذلك باعتماد معايير أخرى تكون أكثر فعالية من أجل الوصول إلى عرائض نقض في المستوى، لكون تجويد العمل القضائي لن يتم بدون دفاع في المستوى العلمي المطلوب.
و للرقي بالمستوى العلمي للمحاماة، لا بد من تفعيل معاهد التكوين، و التكوين المستمر، لكون التحصيل لا ينتهي.
دون ذلك ستظل عدالتنا على ما هي عليه، لأن الجودة لا يمكن الوصول إليها دون تكوين جيد.
لذا أقترح بعد قضاء المحامي لمدة ثمان سنوات من الممارسة الفعلية للمهنة، تقديم طلب التسجيل في جدول المحامين المقبولين للترافع امام محكمة النقض إلى هيئة المحامين التي ينتمي إليها، و يرفق طلبه بصور المذكرات و الابحاث و الاستشارات القانونية التي قدمها، ليتم تقييمه علميا وو ليس زمنيا.

 

(محاماه نت)

إغلاق