دراسات قانونية

العمل عن بعد (بحث قانوني)

تقرير حول رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص تحت عنوان العمل عن بعد -دراسة مقارنة

للباحث مصطفى المنصوري

تحث اشراف الاستاذ الدكتور مصطفى مالك

تخصص القانون الاجتماعي و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية

كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية

جامعة القاضي عياض -مراكش-

السنة الجامعية 2010-2011

تقرير حول رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص تحت عنوان العمل عن بعد -دراسة مقارنة
شهد القرن العشرين تحولات كبرى لم تعد تقتصر فقط على التوازنات السياسية ومسألة توازن القوى، بل تعدت ذلك إلى المجالات الاقتصادية والمعرفية التي تشكل الأساس المتين لقياس التقدم الاقتصادي و الاجتماعي لأي بلد.

وفي ظل الرخاء الاقتصادي الذي عرفته الاقتصاديات الغربية ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى منتصف القرن العشرين، ظهرت مفاهيم جديدة هدف من خلالها أصحابها إلى مقاربة هذه المرحلة، فظهرت مفاهيم “المجتمع ما بعد الصناعي” و”المجتمع الاستهلاكي”، لكن هذه المفاهيم سرعان ما استنفذت دلالتها مع ظهور أنماط جديدة و طرق متجددة للإنتاج وإعادة الإنتاج وتوزيع القيمة، وبالتالي استهلاكها، والتي تولدت بالأساس من التطورات الكبرى التي عرفها العالم في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال، لتظهر مفاهيم أخرى كاقتصاد الإعلام والمجتمع الإعلامي
وغيرها .

وقد عكست هذه المفاهيم ظاهرة تفجر المعلومات، و يقصد به اتساع المجال الذي تعمل فيه المعلومات ليشمل كل جوانب الحياة البشرية، ويرى كثير من المراقبين أن مجتمع المعلومات هو البديل
الجديد للمجتمع الصناعي الذي عرفه العالم معظم القرن العشرين .

وأصبحنا نعيش في ظل ثورة معلوماتية بديلة للثورة الصناعية، و التي يسرت السبيل نحو ظهور الخدمات الجديدة، والمتجسدة في التقدم المنقطع النظير لعناصر الإنتاج اللامادية، و التراجع المستمر لمكونات الإنتاج المادية.

ويبقى عالم الشغل أحد المجالات الأساسية التي امتدت إليها إرهاصات الثورة المعلوماتية، ذلك أن ظهور تكنولوجيا الإعلام والاتصال، والولوج إلى الانترنت فائقة السرعة، تزامنا مع ازدياد ضغوط التشغيل والمنافسة في ظل عولمة الاقتصاد، عجل بحدوث تغيرات عميقة على مستوى أنماط الإنتاج و التسويق والخدمات و كذا التشغيل.

ولا شك أن العمل عن بعد كأسلوب جديد للعمل يشكل مظهرا بارزا للتأثير العميق للتكنولوجيا الحديثة للاتصال والإعلام على قطاع التشغيل . ويعد أحد المفاهيم الحديثة التي برزت نتيجة لإفرازات الثورة المعلوماتية و تأثيرها المباشر على عالم الشغل، كما يعكس التغيير الذي طرأ على مضمون العمل و شكله و طرائق تنفيذه على ضوء الطفرة التكنولوجية الكبرى التي ميزت قطاع الإعلام والاتصال.

ويتميز العمل عن بعد حسب الأستاذ
Théry BRETON
، بثلاثة خصائص أساسية:
أ‌- البعد الذي يفرق بين مكان تواجد المقاولة المشغلة و مكان تنفيذ العمل؛
ب‌- استحالة المراقبة المادية المباشرة لنشاط الأجير من قبل المشغل؛
ت‌- استعمال و سائل الاتصال الحديثة في انجاز العمل.

ويتطلب اللجوء إلى العمل عن بعد التوفر على عنصر بشري مؤهل له كفاءات تمكنه من تدليل الصعوبات التي قد تعترضه في أداء للعمل، إلى جانب ذلك يتعين توظيف وسائل حديثة للاتصال والإعلام ذات جودة عالية، تتميز بالسرعة في الاتصال ونقل المعلومات والبيانات.

وقد أزداد الإقبال على العمل عن بعد في ظل التطور الكبير و المذهل في عالم الاتصالات والمعلومات، و زيادة استخدام الانترنت، التي يسرت بشكل كبير سبل التواصل بين الأفراد والشركات في شتى أنحاء العالم، مما أتاح لهم العديد من فرص الشغل لم تكن تتوفر لهم بالوسائل التقليدية، وتحولت بهم الشبكة العنكبوتية من مكاتب العمل التقليدية المحدودة إلى مكاتب افتراضية لا محدودة . « Bureau virtuel »

كما أن تظافر عدة عوامل ساهم في ازدياد الميل نحو العمل عن بعد، وتتمثل في ازدياد ضغوط المقاولات التي تسعى إلى ترشيد النفقات والتقليل من تكاليف الإنتاج، وضغوط الأجراء الذين يسعون إلى تحقيق مزيد من المرونة والاستقلالية في العمل، أضف إلى ذلك تعاظم قوة المدافعين عن البيئة، الذين يضغطون في اتجاه سن تشريعات بيئية تؤدي إلى التقليص من التلوث الناتج عن عملية التصنيع والازدحام المروري.

أولا-أهمية الموضوع:

إن أهمية موضوع العمل عن بعد تبرز من ناحيتين : نظرية و عملية.

-الأهمية النظرية:
نظرا للمكانة التي أضحى يحتلها العمل عن بعد في علاقات الشغل، والجاذبية التي يكتسبها، ارتأينا تناوله وسبر أغواره، وذلك للتعريف بماهيته ومميزاته وخصوصياته مقارنة مع العمل التقليدي، في أفق الكشف عن طبيعة الإشكاليات التي يطرحها.

كما أن البحث في موضوع العمل عن بعد يفتح المجال أمام دارسات واجتهادات أخرى تعالج علاقة التكنولوجيا الحديثة بالقانون عامة وقانون الشغل خاصة، وهذا من شأنه أن يؤسس لقانون معلوماتي قائم بذاته في بلادنا.

وأخيرا فإن تناول موضوع العمل عن بعد لم يحظ بالمكانة التي يستحقها في البحث الأكاديمي ببلادنا، بالرغم من الاهتمام المتزايد من قبل الباحثين الأجانب في شتى الأصول المعرفية من الناحية النظرية وكدا العملية( القانون، علم الاقتصاد، علم الاجتماع، علم النفس…)، وهذا يفرض تكثيف الجهود لأجل تحقيق التقدم في مجال الأبحاث والدراسات العلمية التي تتطرق إلى العمل عن بعد، خاصة في الجانب القانوني، أملا في أن يحدو المشرع المغربي حدوها، ويتدخل لسن قوانين تشكل مرجعا لأطراف علاقة العمل عن بعد، حيث يعرف كل منهم ما له من حقوق و ما عليه من التزامات.

-الأهمية العملية

إن التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات و المعلومات و فر إمكانات كبيرة، كانت تشكل تحديا لأغلب المقاولات و الأجراء، فأصحاب المقاولات عادة ما يرغبون في منتج يتميز بالجودة والتكلفة المنخفضة، له القدرة على الصمود في وجه المنافسة التي يفرضها اقتصاد السوق، وعلى يد عاملة مرنة تتوفر على مؤهلات عالية. بينما الأجراء من جهتهم يرغبون في عمل يحقق لهم هامش من الحرية و الاستقلالية في أداء العمل بعيدا عن رتابة العمل اليومي داخل المقاولات، وما يترتب عن ذلك من إرهاق جسدي ونفسي.

وهذه الرغبات لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار العمل عن بعد، لما يتوفر عليه من مزايا اقتصادية واجتماعية، والتي يمكن إجمالها في مبدأي المرونة والفعالية بالنسبة للمقاولة، والاستجابة لمتطلبات الموازنة بين الحياة الخاصة والحياة المهنية بالنسبة للأجير، إلى جانب مزايا أخرى عديدة سنتطرق إليها بإسهاب في ثنايا هذا البحث.

ثانيا: دوافع اختيار الموضوع

أ‌- الدوافع الذاتية:

أذكت التأثيرات التي أحدثتها الثورة المعلوماتية على مستوى علاقات الشغل، في نفسي شعور الحاجة إلى التعرف على حجم هذه التأثيرات لارتباط ذلك باستقرار الشغل بصفة خاصة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة.

كما أن ميولي نحو البحث في القانون الاجتماعي، دفعني إلى اقتفاء اثر المستجدات التي يعرفها، خصوصا أن ظهور تكنولوجيا الإعلام والاتصال ساهم في اتخاذ العلاقات الشغلية منعطفا جديدا، أدى إلى ظهور أنماط جديدة للتشغيل أهمها العمل عن بعد، كما تبلورت لدى الفقه المقارن مفاهيم ومصطلحات حديثة ومغايرة عن تلك المتعارف عليها في القانون الاجتماعي.

ب‌- الدوافع الموضوعية:

*إن أول عامل ساهم في اختياري لموضوع العمل عن بعد هو ازدياد أهمية تكنولوجيا الإعلام والاتصال في علاقات الشغل، ونظرا لقلة الدراسات التي تناولت الموضوع على المستوى المقارن ونذرتها ببلادنا، فقد وجدت أن البحث في رحاب هذا الموضوع من الأهمية بمكان.

*أما العامل الثاني فيتمثل في غياب اهتمام المشرع المغربي بموضوع العمل عن بعد، رغم أن تنامي أهميته من الناحية العملية، مما يزيد من حجم الفجوة بين مستوى تطور الترسانة القانونية و الواقع العملي ببلادنا.

*العامل الثالث فيتجسد في أنه بالرغم من أن استعمال المعلوميات لفائدة التطور الاقتصادي بما يعطي الانطباع بأن تكنولوجيا الإعلام والاتصال تشكل مصدرا لثراء الإنسان ، فعدم إيلاء الاهتمام للجانب الإنساني من شأنه أن يجعل من أسلوب العمل عن بعد مصدرا لشقاء وبؤس الإنسان، وغايتي من هذه الدراسة هو الكشف عن الجوانب التي يمكن فيها الاستفادة من مزايا العمل عن بعد مع تفادي تأثيراته السلبية التي قد تحوله إلى مصدر شقاء للأجير.

ثالثا: صعوبات البحث

إن البحث في موضوع العمل عن بعد ليس بالأمر اليسير لاعتبارات عدة نجملها فيما يلي:

*لأنه موضوع حديث، إذ لم يتجاوز عمره أكثر من أربعة عقود، وبالتالي فالبحث في رحابه لم ينضج بعد، لقلة الدراسات الموجودة من جهة، و لعجزها عن الوصول إلى حلول شاملة ومقبولة لمختلف الإشكالات التي يطرحها على المستوى القانوني وكذا الاجتماعي من جهة ثانية.

*لأنه موضوع تقني، حيث يفرض الغوص في كنهه امتلاك معرفة بالمفاهيم المعتمدة في حقل المعلوميات، ونتيجة لذلك، فالباحث في هذا الموضوع يواجه تحديين، الأول يكمن في فك شفرة المفاهيم السائدة في مجال المعلوميات، والثاني يتطلب الإلمام بالجانب القانوني المتصل بالوسائل الحديثة للإعلام والاتصال، و كلنا ندرك الصعوبات التي تعترض الباحث في هذا الصدد.

إضافة إلى ما ذكر فإن من الصعوبات التي تفرض نفسها في هذا الإطار، نجد انه رغم وجود كم لا بأس به من المراجع القانونية المقارنة التي تناولت موضوع العمل عن بعد، فإن هناك صعوبة جمة في الوصول إليها، خاصة مع افتقار المكتبات المغربية لها، بينما الحصول عليها من المكتبات الأجنبية غير متيسر لضيق وقت إنجاز البحث وضغوط العمل، ولعل ما يزيد من صعوبات الأمر هو ندرة الدراسات التي تناولت موضوع العمل عن بعد ببلادنا على حد ما وصل إلى علمنا.

ومع ذلك استطعت بعون الله أن أصل إلى مجموعة لا بأس بها من المراجع، مكنتني من الإحاطة بمختلف النقاط المحورية للبحث، دون أن أدعي أنها كافية للإجابة على جميع الإشكاليات التي يطرحها موضوع العمل عن بعد.

رابعا:الإشكالية و خطة البحث

أ الإشكالية

بالرغم من الانتشار الواسع للعمل عن بعد، و ازدياد الإقبال عليه، فإن هناك العديد من الهواجس والتساؤلات التي تنتاب الراغبين في ممارسة هذا النوع من العمل، والتي لم توجد لها إجابات شافية من الناحية القانونية لحداثة هذا الأسلوب من العمل ولتطوره السريع. والبحث قيد الدراسة يهدف إلى الإجابة على مختلف هذه التساؤلات، وسنقوم بحصرها في إشكالية رئيسية:

*خصوصية العمل عن بعد كمفهوم وكظاهرة، ومدى إمكانية توافقها مع القواعد القانونية التقليدية لقانون الشغل، وتبريرها بخضوعه لنظام قانوني متميز.

ب خطة البحث

في سبيل الإجابة عن الإشكاليتين سالفتي الذكر، سنعمل على اعتماد منهج يجمع بين الدراسة الوصفية و التحليلية و المقارنة.

المنهج الوصفي: سنقوم بوصف مفهوم العمل عن بعد كظاهرة، باعتماد عدة مقاربات اقتصادية واجتماعية وقانونية، فالمقاربة الاقتصادية والاجتماعية نروم من خلالها الوقوف على ما للعمل عن بعد من فوائد اقتصادية ومزايا اجتماعية، أما المقاربة القانونية فتفيدنا في الوقوف على طبيعة العمل عن بعد كمفهوم قانوني والمميزات التي ينفرد بها التي تفرض إيجاد إطار قانوني ملائم.

المنهج التحليلي: ونهدف من خلال اعتماده إلى تحليل النصوص القانونية التي تنظم العمل عن بعد لبيان نواقصها، بالاستعانة بآراء الفقه والاجتهادات القضائية، دون إغفال مناقشة هذه الآراء.

المنهج المقارن: وهو الغالب في بحثنا نظرا لطبيعة الموضوع الذي يتميز بالحداثة، و بالتالي ندرة الدراسات التي تناولته على الصعيد الوطني مقارنة مع الدراسات الأجنبية، ونبتغي من ذلك الاستفادة من تجارب الدول الرائدة في هذا المجال، وبالتالي إغناء البحث الأكاديمي ببلادنا، أملا في أن يتطلع المشرع المغربي بدوره، ويعمل على سن قانون ينظم العمل عن بعد.
بناءا على ما تقدم، فدراستنا لموضوع العمل عن بعد سوف تكون من خلال إتباع تقسيم ثنائي وفق الخطة التالية:

الفصل الأول: سنخصصه لدراسة ما يتعلق بمفهوم العمل عن بعد ومظاهر تأثيره على مضمون الشغل، وسنقسم هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين، المبحث الأول سنبين من خلاله مفهوم العمل عن بعد، من حيث تعريفه و تطوره التاريخي، وأنماطه ومجالات تطبيقه، إلى جانب تأثيراته الإيجابية والسلبية. أما المبحث الثاني فسنخصصه لبيان مظاهر تأثير العمل عن بعد على مضمون الشغل، وبالتحديد ظروف العمل، وعنصر التبعية كمعيار يميز العمل التابع عن العمل المستقل.

الفصل الثاني: سنتناول فيه الجوانب القانونية المرتبطة بحماية الأجير عن بعد، وسنقسمه إلى مبحثين أساسين، حيث سنركز في المبحث الأول على حماية الحقوق الفردية للأجير عن بعد، بينما نخصص المبحث الثاني لحماية حقوقه الجماعية.

وقد مكنتني هذه الدراسة من الخروج بجملة من النتائج أوجزها في النقط التالية:

*إن اعتماد العمل عن بعد على التقنيات الحديثة للإعلام والاتصال، يجعله رهين التطورات التي تلحق هذه الأخيرة، وهذا ما يجعل من محاولات ضبطه قانونا أمرا في غاية الصعوبة، وقد نتج عن ذلك افتقار أغلب التشريعات إلى قوانين تنظمه؛
*العمل عن بعد يعكس التغيير الذي طرأ في مضمون الشغل وطرائق تنفيذه، وبالتالي التغيير في المفاهيم التقليدية المتعارف عليها في قوانين العمل، من قبيل ركن التبعية الذي يشكل ركيزة العمل التابع، والذي أصبح يطرح أكثر من علامة استفهام، إضافة إلى ذلك فالعمل عن بعد ساهم في خلق تعدد أزمنة وأمكنة العمل، ونتيجة لذلك فرض تعدد القواعد التي يجب اعتمادها في التعامل مع كل أجير على حده؛

*إدا كانت وسائل الاتصال الحديثة قد سهلت عملية مراقبة عمل الأجير بما يحقق المصلحة الاقتصادية للمشغل، فإنها مقابل ذلك طرحت تحديات على مستوى حماية الأجير في حياته الخاصة، إذ أضحت هذه الوسائل تزعج وتضايق الأجراء لما تقوم به من مراقبة دقيقة و مستمرة لتصرفاتهم و تحركاتهم؛

*العمل عن بعد ساهم في بلورة العديد من المفاهيم التقنية التي لم تكن معروفة في قانون الشغل، ذات الصلة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال، وفي نفس الوقت وقع الخلط بينهما، كمفهوم الحياة الخاصة والحياة المهنية، وما يتفرع عنهما من مفاهيم نذكر منها على سبيل المثال( المعطيات ذات الطابع الشخصي والمعطيات ذات الطابع المهني، البريد الإلكتروني الشخصي والبريد الإلكتروني المهني، الأوقات المهنية والأوقات الشخصية…)، الأمر الذي من شأنه أن تكون له أثار قانونية وانعكاسات اجتماعية على الأجراء عن بعد؛

ونسجل في الأخير عدم اهتمام المشرع المغربي عند سنه لمدونة الشغل بالانعكاسات المحتملة للتكنولوجيا الحديثة على علاقات الشغل، فرغم أن هذه المدونة صدرت في فترة اتضحت فيه معالم الثورة المعلوماتية، إلا أنه ليس هناك ما يوحي بأن المشرع المغرب يأخذ بعين الاعتبار المستجدات التكنولوجية عند سنه للمدونة.

بناءا على ما تقدم نختم بجملة من الاقتراحات، نروم من خلالها إبراز أهمية العمل عن بعد وفوائده الاقتصادية والاجتماعية، كأسلوب حديث لعصرنة الاقتصاد الوطني والنهوض بالمقاولات المغربية، لاسيما الصغرى والمتوسطة باعتبارها مصدر مهم لمناصب الشغل.

ونورد هذه الاقتراحات كما يلي:

أ-ضرورة السعي لإعادة النظر في تشريعنا الوطني وتحيينه بغية جعله مواكبا للمستجدات التكنولوجية؛
ب-تكثيف الدراسات والأبحاث في موضوع العمل عن بعد للتحسيس بأهميته في الاقتصاد الوطني؛
ت-إيلاء الأهمية اللازمة للعمل عن بعد في بعض القطاعات الوزارية، خاصة تلك المعنية بوضعية النساء والمعاقين، لما يوفره هذا الأسلوب من إمكانات هائلة في مجال إدماج هذه الفئات في سوق الشغل؛

د-يجب إدماج العمل عن بعد ضمن الإستراتجية الوطنية للمغرب الإلكتروني، كأسلوب من شأنه المساهمة في تفعيل برنامج الحكومة الإلكترونية الذي يشكل أحد الأهداف الرئيسية لهذه الإستراتجية؛

ج-إنشاء لجنة دائمة تعنى بالعمل عن بعد أسوة بتجارب بعض الدول الرائدة في هذا المجال، بهدف النهوض بالعمل عن بعد ببلادنا، تقوم بتنظيم ندوات وأوراش تعرف بالعمل عن بعدو تحسس بأهميته، وتكون أداة للتواصل وتبادل الخبرات مع الدول التي يعرف فيها العمل عن بعد تطورا كبيرا؛

ح-العمل على زيادة الأمن المعلوماتي بهدف زيادة الثقة في المعاملات الإلكترونية والعمل من خلال الشبكة المعلوماتية، وهذا لن يتأتى إلا بتوفير البنيات التحتية الضرورية لذلك، وسن قوانين توفر الحماية للمتعاملين والراغبين في مزاولة العمل عن بعد؛

ه-التسريع في وتيرة اعتماد تكنولوجيا الإعلام والاتصال في المنظومة التعليمية من اجل إعداد كفاءات قادرة على ممارسة العمل عن بعد؛

هذه إذن بعض من الاقتراحات التي نراها ضرورية للنهوض بالعمل عن بعد في بلادنا، ولا تفوتني الفرصة إلا وأن أكد على أنه يتعين أن يجسد قانون الشغل ببلادنا الصبغة العملية لعلاقات الشغل بكل مستويتها وتفرعاتها، وينظم حدود وأبعاد حقوق وواجبات الأجراء والمشغلين على حد سواء، وهذا يفرض إعادة النظر ومراجعة ما هو قائم من هذا القانون واستحداث ما هو مطلوب، حتى يستطيع مواكبة التحولات التي يعرفها عالم الشغل في ظل الثورة المعلوماتية.

 

(محاماه نت)

إغلاق