دراسات قانونية
حماية الأجراء من الفصل التعسفي (بحث قانوني)
حماية الأجراء من الفصل التعسفي دراسة على ضوء مدونة الشغل والعمل القضائي – المغرب
جامعة ابن زهر
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
أكـاديـر
رسالة لنيل دبلوم نهاية الماستر المتخصص
المقاولة والقانون
تحث عنوان
حماية الأجراء من الفصل التعسفي دراسة على ضوء
مدونة الشغل والعمل القضائي
من إعداد الطالبة:
فاطمة شاوف
تحت إشراف الدكتور:
– عبد الرزاق أيوب
– الدكتور إدريس الحياني: أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير……….رئيسا
– الدكتور عبد الرزاق أيوب: أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير…….مشرفا
– الدكتور المهدي الفحصي: أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير……..عضوا
السنة الجامعية: 2011-2012
حماية الأجراء من الفصل التعسفي دراسة على ضوء مدونة الشغل والعمل القضائي
بيان الرموز
باللغة العربية
• ف: الفصل
• م: المادة
• ج: الجزء
• ص: الصفحة
• ع: العدد
• ق.ل.ع: قانون الإلتزامات والعقود
• ق.م.م: قانون المسطرة المدنية
• م.ج.ع: ملف إجتماعي عدد
• م.س: مرجع سابق
• م.ش: مدونة الشغل
باللغة الفرنسية
Art : Article
Cass.soc : Arrét de la chambre sociale de la cour de cassation française.
c.tr : Code de travail
p : page
مقدمة:
تعتبر الطبقة العاملة المحور الرئيسي للنهوض بالحياة الإقتصادية داخل المقاولات، والمساهمة في تنميتها وتطورها وتحقيق رهان إستمرارها على المستوى الداخلي والخارجي، ولا يمكن تحقيق هذا المبتغى إلا بإحترام مجموعة من الضوابط القانونية للسعي وراء تحقيق التوازن الإقتصادي بين رئيس المقاولة وبين الحقوق الإجتماعية للأجراء وذلك سعيا لتحقيق السلم والاستقرار الإجتماعي وعدالة متوازنة تراعي مصلحة المقاولة .
واستجابة للعديد من النداءات والإنتظارات قصد الدفع بنمو الاقتصاد الوطني وتوفير مناصب الشغل، ونظرا لما عرفه العالم اليوم من تحديات العولمة والإنفتاح على السوق الأجنبية، وبعد مخاض عسير وطويل دام سنوات عديدة صدرت مدونة الشغل لتلبي هذه المتطلبات والتي عملت على جمع شتات النصوص القانونية المنظمة للشغل وإقامة علاقة جديدة بين المشغل والأجير تضمن لهم مختلف الحقوق القانونية وذلك في إطار مبني على العدالة والمساواة من أجل ديمومة الشغل وإستقراره
ويعد الشغل آلية مهمة تضمن اندماج الفرد داخل المجتمع والتواصل مع أفراده، بحكم ضمانه للكرامة وإشباعه لمتطلبات الشخص الهادفة إلى سد الحاجة فضلا عن إثبات الوجود
ولما كان الشغل من أهم حقوق الإنسان بل ويأتي من حيث الأهمية مباشرة بعد الحق في الحياة، فقد قال مونتسكيو:” ليس الإنسان فقيرا لأنه لا يملك شيئا، ولكن لأنه لا يشتغل” ، فإنه ونظرا لأهميته وكثرة الطلب عليه تتحكم فيه عوامل تجعله متوفرا أحيانا وغير مستقر أحيانا أخرى سواء في البلدان المتقدمة أو النامية، ذلك أن هاجس البطالة يقلق دول العالم غنيها وفقيرها، مما دفع بالمغرب إلى التفكير في جمع شتات المقتضيات المنظمة للشغل، لعوامل عدة سواء على المستوى الدولي(تحفيز الإستثمار الأجنبي وضغط منظمة العمل الدولية) أو على المستوى الوطني(تنامي حركية تشريعية وطنية لتحديث ومغربة الترسانة القانونية بالمغرب وتنامي الإهتمام بالمجالات المتعددة لحقوق الإنسان وضغط المنظمات المهنية) .
من خلال هذه العوامل وغيرها بات واضحا للمسؤولين الإقتصاديين والإجتماعيين على السواء، بأن التنمية الشاملة للبلاد إذا كان من عواملها الأساسية إنعاش الاقتصاد ودعم المقاولة فإن من مستلزمات إرتقائها إلى مستوى التنمية المستدامة ضرورة ضمان الحقوق الأساسية للطبقة الشغيلة كما هي مكرسة في الدول المتقدمة، وكما قررتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومنها على الخصوص إتفاقية العمل الدولية، وتحديدا إعلان الحقوق الأساسية للعمل الصادر سنة 1988 .
وأمام هذا التطور النوعي داخل المعنيين بالحوار الاجتماعي والإقتصادي من نقابات عمالية ومنظمات المشغلين وكذا ممثلين عن الحكومة، في لقاءات بينهم لتحريك الوضع المحجوز الذي طال أمده قبل صدور مدونة الشغل، حيث مرت أرضية هذا الحوار في مخاض عسير أدى إلى إصدارها عبر أربعة مشاريع قانونية، وضع أولها سنة 1994، وثانيها سنة 1995، وثالثها سنة 1998، ورابعها سنة 1999 قصد الوصول إلى توافق بين كل هذه الفرقاء والإتفاق على المشروع النهائي لمدونة الشغل رقم 65.99 والذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان بمجلسيه .
وتبعا لذلك فإن قانون 65.99 جاء إستجابة لرهانات التنمية ورفع تحديات العولمة والتنافسية ولفسح المجال أمام الاسثتمار الوطني والأجنبي في القطاع الخاص، لأهمية الدور المنوط به لبناء إقتصاد عصري. وقد أتى هذا القانون بفلسفة جديدة تروم الرقي بالمقاولة كوحدة اقتصادية واجتماعية تحفظ كرامة الأجير وتنهض بمستواه المعيشي.
وقد أعطت مدونة الشغل نفسا جديدا لأحكام العلاقات بين الأطراف المكونة لعقد الشغل وما يترتب عنها من آثار سواء على مستوى إبرام العقد أو تنفيذه أو إنهائه بشكل يكتسي طابع المرونة ومحاولة تحقيق التوازن بين أطراف يصعب التوفيق بينها، غايتها هي العمل على إستمرار المقاولة والرفع من إنتاجها وفي الوقت ذاته القضاء على البطالة وتحقيق فرص للشغل .
ومن المعروف أن عقد الشغل ينقسم إلى عقد الشغل محدد المدة وعقد الشغل غير محدد المدة، ولعل ما يثير الإشكال في هذين العقدين هي مسألة الإنهاء -خاصة بالنسبة للعقد الأخير-، فالأول ينتهي بحلول الأجل المحدد له أو بإنتهاء الشغل الذي كان محلا له، وقد نص على ذلك البند الأول من الفصل 745 من ق.ل.ع و الفقرة الأولى من المادة 33 من م.ش ، أما الثاني فينتهي بمجرد الإتفاق بين الطرفين-المشغل والأجير- وقد نص على ذلك الفصل 754 من ق.ل.ع والمادة 34 من م.ش .
ونظرا لما يثيره الإنهاء من مخاوف خاصة لدى العمال في وقت يجدون فيه أنفسهم معرضين للفصل والحرمان من عملهم في خضم مناخ عالمي ميال للركود خاصة أمام محدودية فرص الشغل، فإن الفصل من العمل سيكون ذا وقع كبير على الأجير، ويأخذ الفصل الذي يتعرض له هذا الأخير صورتين؛ الصورة الأولى، تتعلق بالفصل التأديبي الذي يتخذه المشغل في حق الأجير المرتكب لخطأ جسيم، وتتعلق الصورة الثانية بالفصل التعسفي الذي يعمل فيه المشغل بفصل الأجير دون إرتكاب أي خطأ. ويشكل هذا الفصل الأخير موضوع بحثنا نظرا لآثاره السلبية على الجانب المادي والمعنوي للأجير.
ونظرا لخطورة عقوبة الفصل على حياة الأجير وأمام الوضعية اللامتكافئة التي تطبع عقد الشغل بين مشغل يملك النفوذ المادي والإجتماعي وبين أجراء مستعدين لتقديم كل ما يملكون من أجل ضمان العيش، فقد تدخل المشرع المغربي بمجموعة من الضمانات ورسم طريقا إجرائيا تجب فيه الموازنة بين حق الإنهاء ومصلحة الطرف الأخر .
وتبعا لذلك ذهب المشرع المغربي إلى إيجاد وسائل لحماية الوضعية الهشة للأجير الذي يجد ضالته في نظرية التعسف في استعمال الحق المنظمة في قانون الإلتزامات والعقود والتي حاول المشرع تكييفها مع طبيعة علاقة الشغل فيما يطلق عليه بالفصل غير المبرر أو التعسفي.
ويعتبر التعسف الوصف الذي يطلق على الفصل الذي يتعرض له الأجير من قبل المشغل، إذ كلما تجاوز هذا الفصل شروطه إلا وأعطي له وصف التعسف، ومنه فإن هذا الأخير هو غلو أو شطط أو انحراف أو خروج عن الإطار المحدد له في إستعمال هذا الحق .
أما التعسف في الإصطلاح القانوني فهو استعمال الحق على نحو يتنافى مع الهدف الإجتماعي الذي نشأ من أجله .
ويربط أحد الباحثين ظهور نظرية التعسف في استعمال الحق باضمحلال مفهوم المذهب الفردي لفكرة الحق، حيث كانت الأفكار التقليدية خاصة في أعقاب الثورة الفرنسية ترى أن صاحب الحق له مطلق الحرية في إستعمال حقه، وطالما يستعمله فإنه لا يكون مسؤولا عما يلحق بالغير من ضرر، وذلك لأنه لا ينسب إلى الشخص الذي يمارس السلطات التي يخولها القانون أي خطأ.
ونظرية التعسف في إستعمال الحق نظرية قديمة عرفها القانون الروماني، وبعده انتقلت إلى الدول الأوربية خاصة منها فرنسا بعد الإحتجاجات المتكررة للطبقة العاملة في مختلف الأوراش الفرنسية لحماية الوضعية الهشة للأجير، وقد قنن المشرع الفرنسي هذه النظرية في مجال علاقات العمل عن طريق قانون 27 دجنبر 1890 الذي عدل مقتضيات الفصل 1780 من القانون المدني الفرنسي، وبالتالي تحولت نظرية التعسف في إستعمال الحق من الإطار المدني إلى الإطار الإجتماعي من خلال عدم التعسف في إنهاء عقد الشغل.
وفي سنة 1973، أصدر المشرع الفرنسي قانونا جديدا في نظرية التعسف في استعمال حق إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة عندما قرر أن الإنهاء يجب أن يؤسس على سبب حقيقي وجدي، ثم صدر قانون سنة 1975 فرض إتباع بعض الإجراءات الإدارية بمناسبة إنهاء عقد الشغل لأسباب اقتصادية .
أما بالنسبة للمغرب فقد نظم المشرع المغربي عقد الشغل في الفصل 723 من قانون الإلتزامات والعقود ، ثم تلته عدة ظهائر منها ظهير 26 شتنبر 1938 المتتم للفصل 723 من ق.ل.ع، ثم جاء قرار 23 أكتوبر 1948 بشأن النظام النموذجي- الذي كان معمولا به في مجال الشغل قبل أن تصدر مدونة الشغل- ثم ظهير 29 أكتوبر 1962 المتعلق بالإعفاء الكلي أو الجزئي للعمال لأسباب اقتصادية، ليتم بعد ذلك تنظيم كل هذا في إطار موحد وهو مدونة الشغل.
وقد أخذت المدونة بنظرية التعسف في إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بالنسبة للمشغل والأجير على السواء، واعتبرت عدم التعسف من النظام العام حسب المادة 41 منها .
ونظرا للمشاكل الجمة التي تلحق إنهاء عقد الشغل بالنسبة لطرفيه خاصة الأجير-الحلقة الضعيفة في هذه العلاقة- ارتأينا أن نخوض غمار موضوع لطالما بحث فيه مجموعة من الفقهاء والباحثين كل بحسب نظرته وتحليله للفصل التعسفي، وقد إرتاينا تناوله بأسلوب خاص بنا من خلال جانبه الموضوعي والإجرائي الحمائي، وذلك من خلال حماية الأجراء من الفصل التعسفي دراسة على ضوء مدونة الشغل والعمل القضائي وهو موضوع هذا البحث.
• دواعي إختيار الموضوع وأهميته
ما من شك أن إتخاذ القرار بشأن أمر معين، ماهو إلا ترجمة لحالة صاحب القرار أثناء إتخاذه لقراره، والتي يجب أن تكون ترجمة صادقة لما إستفاد منه في تجربته العلمية والعملية.
ولا شك كذلك أن تبني أي مفهوم قانوني لن يكون خيارا اعتباطيا، فالقانون شكل من أشكال الفكر الإنساني، وليس من المتوقع أن يتوحد الإنسان على مستوى رؤاه التي تحددها وتتحكم فيها مجموعة من العوامل ذات المرجعية الإقتصادية أو السياسية أو الإيديولوجية، لذا وجد القانون كوسيلة لأنسنة وتخليق وضبط العلاقات بين البشر.
فالقانون لم يستبعد ما يتهدد بالشخص القانوني، طبيعيا كان أو معنويا، مع استحضار كون النشاط الإقتصادي عموما وميدان الأعمال المتصل به على وجه الخصوص ملئ بالمخاطر التي من شأن وقوعها أو حتى إستشرافها أن يؤدي إلى إنهيار النظام الإقتصادي، وهو ما يتأكد عند الوضعية التي يؤول إليها الأجير عند فصله من عمله وحرمانه من رزقه وكسب عيشه، لأن حماية هذه الطبقة من صميم النظام العام.
والحافز الذي دفعنا لإختيار هذا الموضوع يرجع إلى عوامل ذاتية وأخرى موضوعية والتي نسوق أهمها كالآتي؛
– ارتباط الموضوع بوحدة البحث والتكوين –المقاولة والقانون-، وتبرز الأهمية أكثر في أن إنتعاش النشاط الإقتصادي يرتبط بإنتعاش وإزدهار المقاولة، والتي تتطلب يد عاملة قوية ومؤهلة.
– الأزمة الإقتصادية التي يعرفها سوق الشغل وما يتولد عنها من قلة العرض وكثرة الطلب، مما شكل نوعا من التوتر والتخوف في أواسط هذه الطبقة الكبيرة من المجتمع.
– العمل على قراءة متأنية لترسانة من النصوص التشريعية، أو البحث عن أخرى وإستجلاء موطن الخلل بالمقارنة مع تشريعات أخرى لمسايرة متطلبات الحياة العملية والنشاط الإقتصادي وذلك لإيجاد حل لمعادلة ثلاثية صعبة تتمثل في المشغل والأجير والإقتصاد.
وتبعا لذلك فإن موضوع حماية الأجراء من الفصل التعسفي يكتسي أهمية كبيرة من خلال البحث عن مناخ يكفل الحماية القانونية للأجراء خاصة أمام وضع يتسم بانتشار سلوكات تمس بحقوقهم، لتظهر الحاجة ماسة للتدخل للحفاظ على توازن وإستقرار الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية لهم.
كما تتجلى الأهمية الكبرى لهذا الموضوع بالنظر إلى الفصل التعسفي وتأثيره في حياة أي عامل، لذا فتناول الجانب الحمائي لهذا الموضوع لا يقل أهمية عن أي موضوع يتعلق بمجال الشغل –إذ أن أغلب المنازعت المتعلقة بهذا المجال مرتبطة أساسا بالفصل-، وملامسة مدى نجاعة القوانين خاصة بعد صدور مدونة الشغل في خلق ذلك التوازن المنشود بين الحماية القانونية للأجير من أن يكون عرضة للفصل التعسفي وبين المحافظة على المقاولة كنواة للاقتصاد الوطني.
ولن تتضح هذه الأهمية أكثر إلا من خلال دراسة الجانب التطبيقي لهذه الحماية -لما له من أهمية- وذلك بإستقراء الأحكام والقرارت القضائية الصادرة في هذا الموضوع ومدى مساهمتها في تحقيق التوازن بين ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي.
وما زاد هذا الموضوع أهمية خاصة من خلال الفترة التدريبية التي قضيناها في المندوبية الجهوية للشغل وكثرة الشكايات التي تستقبلها هذه الأخيرة والتي يكون طرفيها كل من الأجير والمشغل يلعب من خلالها مفتش الشغل دورا حبيا قصد الوصول إلى هدنة وصلح بينهما، خاصة وأن الواقع العملي لمفتشي الشغل أثبت لنا أن اللجوء إليهم عند وقوع أي نزاع بينهم وبين مشغليهم (خاصة المتعل بالفصل،…) معتبيرين ذلك ضروريا قبل اللجوء إلى المحكمة، مما جعل دور مفتش الشغل في إجراء الصلح دورا متميزا وناجحا.
• المنهج المعتمد في البحث:
إن البحث القانوني بحث علمي ممنهج، فكان من اللازم أن يستفيد قدر المستطاع من مناهج البحث العلمي المتداولة، وقد حاولنا الإستعانة بمجموعة من المناهج من خلال إعطاء هذا البحث مقاربة قانونية بالأساس، واتبعنا في هذا الموضوع منهجا وصفيا تحليليا في نفس الوقت ومقارنا من خلال المقارنة بين مختلف النصوص القانونية والإجتهادات القضائية، مع الاستعانة بكل من القياس والترجيح، منطلقين من قاعدة مفادها أن البحث القانوني لا يهدف إلى وضع حل أو مجموعة حلول للمشاكل المثارة فقط، وإنما هو موضوع للمعرفة العلمية الممنهجة المبنية على قواعد تعكس مقاربة النص القانوني والإجتهاد القضائي والآراء الفقهية لتشكل بناء قانونيا متكامل العناصر.
• إشكالية الموضوع:
بما أن موضوعنا ينصب على بحث ودراسة حماية الأجراء من الفصل التعسفي دراسة على ضوء مدونة الشغل والعمل القضائي فإننا سنعمد إلى رصد لأهم الآثار التي تلحق الأجراء جراء الفصل التعسفي وإبراز الوسائل الكفيلة للحماية من هذا الأخير.
ويدور هذا البحث حول إشكال مركزي مفاده؛ ماهي الضمانات التي جاءت بها مدونة الشغل لحماية الأجراء من الفصل التعسفي؟ وكيف تدخل القضاء لتطبيق مقتضيات هذه الحماية؟
وعلاوة على ما يطرحه النص القانوني من تأويلات وتضارب يجعل قيمته تتأثر عملا بالقاعدة القائلة أن قيمة النص القانوني يكمن في تفعيله وتطبيقه على أرض الواقع. ومنه، هل يكفي توفر الوسائل القانونية لتحقيق الحماية للطبقة العاملة من التشرد للبحث عن عمل جديد في وقت قل فيه العرض وكثر الطلب على الشغل؟ وهل ما جاءت به مدونة الشغل يعتبر كافيا لتحقيق هذه الحماية أم تكرس فقط وضعا قائما؟ وهل فعلا تحققت هذه الحماية من خلال توجهات القضاء؟
كما أن الحماية المخولة للأجراء من التعسف في الفصل تختلف حسب صنف الأجراء، إذ أن هناك فئات خاصة من الأجراء خولت لهم حماية خاصة من خلال تدخل مفتش الشغل؛ فماهي الحماية المخولة لهذه الفئات، وهل يلعب مفتش الشغل دورا كبيرا في تحقيق هذه الحماية؟
كل هذه الإشكالات وغيرها التي سنتناولها بالدراسة والتحليل، بالمقابل سوف نحاول قدر المستطاع حتى تكون دراستنا متكاملة أن نقوم بتقوية بحثنا بأحكام وقرارات قضائية عدة، حيث إن الإجتهاد القضائي وتوجهاته من شأنه أن يدعم موضوع هذه الدراسة، ويحد من الثغرات التي تواكب النص القانوني خاصة في محاولة منه لخلق التوازن بين المصالح المتضاربة لطرفي عقد الشغل- الأجير والمشغل- بالإضافة إلى الاقتصادي الوطني بإعتبار أن انعكاسات هذا القرار توثر فيهم بصفة عامة وخاصة منه الأجير بإعتباره الطرف الضعيف في هذه الحلقة.
• خطة البحث
من خلال الإشكالات أعلاه وغيرها التي سوف نتناولها، وذلك بالإستناد لما جاءت به مدونة الشغل مع إستحضار المواقف القضائية السابقة في ظل النظام النمودجي لسنة 1948 الملغى بالنسبة للإجراءات التي لم يحصل فيها أي تغيير، وكذا اللاحقة لصدور مدونة الشغل، بالإضافة إلى إيراد بعض المواقف القضائية الأجنبية خاصة منها الفرنسية والمصرية بإعتبار التقارب في المواقف والقوانين بينها وبين التشريع المغربي.
ومن ذلك إرتأينا مناقشة هذا الموضوع، والبحث عن مختلف الإشكالات التي يطرحها بتقسيمه إلى فصلين رئيسيين:
الفصل الأول: مظاهر حماية الأجراء من الفصل التعسفي
الفصل الثاني: آثار الفصل التعسفي من خلال التشريع والإجتهاد القضائي
الفصل الأول:
مظاهر حماية الأجراء من الفصل التعسفي
يشهد العالم مجموعة من التطورات على المستوى الإقتصادي و الإجتماعي وكذا السياسي، مما دفع إلى خلق مقاولات عدة للتشجيع على مواكبة هذه التغيرات خاصة منها الإقتصادية وما صادفها من تطور تكنولوجي، وبذلك كان لزاما لتأسيس هذه المقاولات توفر عناصر أساسية تتمثل في كل من الوسائل البشرية والمادية بالإضافة إلى رأسمال.
وبإعتبار المقاولة شخص معنوي كان لابد من مسير يستخدم معه يد عاملة تسمى بالأجراء، لتحقيق توازن إقتصادي في إطار علاقة الشغل.
“فأصبحت علاقات الشغل في ظل هذا التحول، تقوم على أساس تعاقدي بحت خاضع لإرادة الأطراف بعيدا عن تدخل الدولة، واعتبر العمل المبرم بين الأجير والمشغل هو التنظيم النموذجي العادل للعمل، إلا أن هذه المساواة والتي كانت أساس المذهب الفردي، كانت نظرية فقط، وانعكست سلبا على الأجير الذي كان ملزما بقبول شروط العمل المجحفة التي يفرضها المشغل لكون الأجير الطرف الضعيف اقتصاديا في علاقة تعاقدية غير متكافئة، مما يعرضه لأسوأ أنواع الإستغلال وأبشعها…” .
ووعيا من المشرع المغربي بهذه الممارسات، عمل على سن وتكريس تشريع اجتماعي في إطار مدونة الشغل، هذه الأخيرة التي جاءت بمستجدات حمائية لأطراف العلاقة الشغلية خاصة الأجير.
ولما كانت الغاية الأساسية من إصدار مدونة الشغل هي صيانة حقوق الأجراء داخل المقاولة، يحق لنا أن نتساءل، إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال نصوص هذه المدونة أن يكرس حماية فعالة لهم؟ وأين تتجلى هذه الحماية؟ وهل كان للقضاء دور في ترسيخ هذه الحماية والخروج بما هو مسطر إلى ما هو واقعي ومطبق من خلال الأحكام الصادرة عنه؟
لإستجلاء هذه الإشكالات ارتأينا معالجة هذا الفصل من خلال مبحثين رئيسيين، نتناول في المبحث الأول كل من الوسائل التشريعية في حماية الأجراء من التعسف في الفصل، على أن نخصص المبحث الثاني للحديث عن دور الرقابة الإدارية والقضائية في حماية الأجراء من الفصل التعسفي.
المبحث الأول: الضوابط التشريعية في حماية الأجراء من الفصل التعسفي
لقد كانت رغبة المشرع المغربي أكيدة في حماية وصيانة حقوق الأجراء وخاصة الحق في استقرار الشغل، لذلك نجده قد وضع ضوابط تشريعية تقنن هذه الحماية التي رسمها القانون لحماية وردع كل تعسف من شأنه الإخلال بهذا الإستقرار.
وقد عملت مدونة الشغل على تكريس قواعد حمائية والتدخل لإعادة التوازن في العلاقات الشغلية وتقرير الحماية الواجبة للأجير، وذلك بوضع مجموعة من الضوابط التشريعية منعا لكل تعسف من طرف المشغل أثناء ممارسة سلطته التأديبية (المطلب الأول)، كما تتمثل هذه الضوابط في فرض إجراءات شكلية على المشغل يلزم بإحترامها قبل أن يتخذ قرارا بفصل الأجير (المطلب الثاني).
المطلب الأول: حدود تأثير السلطة التأديبية للمشغل في مواجهة حقوق الأجراء
يقاس نجاح أو إخفاق المقاولة بمدى تنفيذ التعليمات والأوامر الصادرة عن المشغل على أساس أنه: « لا وجود لمؤسسة قابلة للحياة والتواصل دون أوامر وتوجيهات حتى تستطيع تحقيق أهدافها» .
ولكي يتم تنفيذ تعليمات وأوامر المشغل بالشكل المطلوب، كان لا بد من الإعتراف له بالسلطة التأديبية داخل المؤسسة.
وهكذا فلضمان نجاعة سلطة المشغل في إدارة مشروعه داخل المقاولة وسعيا منه لتحقيق الأهداف المرجوة من المشروع، فقد عمل المشرع بتمتيع المشغل بسلطة تأديبية تمكنه من توقيع الجزاء على كل من أخل بإلتزاماته المهنية أو خالف التعليمات الموجهة له من طرف أطر الإدارة والتسيير .
ويرجع الأساس القانوني للسلطة التأديبية للمشغل لعدة نظريات، فهناك من يرجعها لتفويض الدولة لحقها في العقاب ، وبين من يسندها لحق الملكية ، في حين يذهب البعض الآخر إلى إسنادها للأعراف المهنية، فيما يرجعها آخرون إلى نظرية المشروع .
وعليه يمكن تعريف السلطة التأديبية للمشغل بأنها: “سلطة قانونية موضوعها فرض قاعدة سلوكية على الأجراء الذين يشتغلون في المشروع الإقتصادي عن طريق عقوبات محددة توقع على المخل بهذه القاعدة التي تظهر في شكل أوامر وتعليمات للمشغل” .
من خلال هذا التعريف فإن السلطة التأديبية التي يتمتع بها المشغل والتي تخوله حق توقيع الجزاء على الأجراء الذين يخلون بالتزاماتهم المهنية أو مخالفة لقواعد النظام الداخلي وكذا عدم الإنصياع لتوجيهات وتعليمات مشغلهم، لا تمارس بكيفية مطلقة وإنما تبقى في حدود وذلك بوضع مجموعة من القيود على هذه السلطة من أجل حماية الأجراء من الممارسات التعسفية التي قد تصدر عن المشغل.
ولما كان الهدف من إصدار مدونة الشغل هو الحفاظ على حقوق الأجراء داخل المقاولة، فيحق لنا أن نتساءل عن الضمانات التي خولتها هذه المدونة لفائدة الأجراء من خلال تحديد الأخطاء التأديبية (الفقرة الأولى) والعقوبات التأديبية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: صلاحية المشغل في تحديد الأخطاء التأديبية
يعتبر الخطأ أهم ركن من أركان المسؤولية عموما سواء كانت جنائية أو مدنية، أو تأديبية وإن اختلفت طبيعة ذلك الخطأ من مجال لآخر .
فمثلا الخطأ في مجال المسؤولية التقصيرية يتخذ أشكالا متعددة، فقد يكون عمديا وقد يكون غير عمدي، ويجمع بينهما ما يعرف بالإخلال بواجب قانوني وما يفرق بينهما هو قصد الإضرار بالغير الذي يتوفر في الأول ولا يتوفر في الثاني .
وبالرجوع إلى مدونة الشغل نجد أن المشرع لم يعرف الخطأ التأديبي شأنه في ذلك شأن باقي التشريعات الأخرى كالمشرع الفرنسي والتونسي وكذا المصري.
وقد عرف بعض الفقهاء الخطأ التأديبي بأنه: ” الإخلال بالقيام بالواجبات التي يقتضيها حسن النظام واستمرار العمل بالمنشأة التي ينتمي إليها الملتزم، أو عرقلة الأهداف التي خصص لأجلها” .
إلا أن المشرع المغربي في مدونة الشغل الجديدة اكتفى بتوظيف الخطأ الجسيم والخطأ غير الجسيم .
أولا: التمييز بين الخطأ الجسيم والخطأ غير الجسيم
لم يعمل المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل على تعريف لا الخطأ الجسيم ولا الخطأ غير الجسيم، وإنما فقط اكتفى بتحديد الحالات التي يعتبر فيها الخطأ جسيما وهي الواردة في المادة 39 من م.ش . أما الخطأ غير الجسيم فلم يحدد حالاته وإنما اكتفى فقط بتحديد العقوبات التأديبية المتخذة في حق الأجير غير المرتكب للخطأ الجسيم والتي حصرها في المادة 37 من م.ش .
وينتج عن عدم حصر المشرع المغربي للائحة الأخطاء الجسيمة في مدونة الشغل إشكالية الخلط بين الخطأ الجسيم والخطأ غير الجسيم، مما يرتب آثار سلبية قد تؤثر في ضمانات الأجراء خاصة أن المشرع قد يعمد إلى تكييف الخطأ بكونه جسيما رغم أنه لا يرقى إلى درجة الجسامة، مما يؤدي إلى فصل الأجير من المؤسسة دون تخويله مهلة الإخطار ولا الحق في التعويض عن الفصل ولا التعويض عن الضرر.
فبخلاف التشريع المغربي الذي لم يعرف الخطأ الجسيم ولا الخطأ غير الجسيم، فإننا نجد بعض التشريعات المقارنة قد عملت على تجاوز هذا الإشكال ومن ذلك التشريع المصري من خلال قانون رقم 33 بتاريخ 7/2/1982 المتعلق بلائحة نموذجية لتنظيم العمل، حيث تنقسم هذه اللائحة إلى نوعين من المخالفات، فالنوع الأول يتضمن المخالفات المتعلقة بمواعيد العمل والنوع الثاني يتعلق بنظام العمل .
ورغم أن المشرع المغربي لم يعرف الخطأ الجسيم والخطأ غير الجسيم من خلال مدونة الشغل إلا أنه ميز بينهما ومنع فصل الأجير دون مبرر مقبول . حيث خصصت المادة 37 منها للأجير المرتكب لخطأ غير جسيم والذي يتخذ في حقه إحدى العقوبات الأربع المنصوص عليها في نفس المادة، في حين حددت المادة 39 الأخطاء الجسيمة التي تؤدي إلى فصل الأجير في حالة إتيانه لإحدى الحالات المنصوص عليها في هذه المادة.
ويمكن تفادي إمكانية الخلط بين الخطأ الجسيم والخطأ غير الجسيم عن طريق القضاء إذ هو الذي سيحدد هل الأمر يتعلق بخطأ جسيم أم لا في إطار ما يملكه من سلطة تقديرية عن طريق إجراء بحث ويجد ذلك أساسه من خلال الفقرة الأخيرة من المادة 42 من م ش حيث تنص على أنه:
« يخضع لمراقبة السلطة القضائية القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية».
كما يمكن تفادي هذا الخلط من خلال التنصيص على بعض الأخطاء الجسيمة غير المنصوص عليها في المادة 39 في النظام الداخلي للمقاولة.
بالإضافة إلى أن عدم تحديد نوع الأخطاء في المدونة من شأنه أن يؤثر في ضمانات الأجير وذلك من خلال سهولة إيقاع العقوبة تأديبية على الأجير بمجرد إثباته فعلا لم يتم التنصيص عليه .
وفي ظل غياب التعريف التشريعي للخطأ الجسيم سواء في ظل التشريع الملغى أو في ظل مدونة الشغل، نشير إلى قرار صادر عن المجلس الأعلى جاء فيه:
“وحيث إن ارتكاب الخطأ الجسيم من طرف الأجير يبرر فسخ من جانب المشغلة ويسمح لها بطرده فورا دون سابق إعلام ولا يبقى له الحق في أي تعويض” .
ومن خلال هذا القرار يمكن إعتبار الخطأ الجسيم ذلك الفعل الذي يجعل من غير الممكن الحفاظ على العلاقة التعاقدية ولو أثناء مهلة الإخطار ولا يبقى للأجير الحق في التعويض.
واعتبره أحد الفقه أن الخطأ الجسيم هو الذي يرتكبه الأجير أثناء عمله أو خارجه، ويكون له تأثير بالغ الأهمية أو الجسامة على علاقة الشغل أو يسر العمل بالمقاولة، أو هو الذي تستحيل معه إستمرار علاقة الشغل.
وبصفة عامة فإن التمييز الجوهري بين الخطأ الجسيم والخطأ غير الجسيم يتمثل في العقوبة المتخذة من طرف المشغل، فالأجير الذي يرتكب خطأ جسيما فإنه لا محالة يعاقب بالفصل من العمل مباشرة دون إستفادته من أي حق، أما الأجير المرتكب لخطأ يسير -كما تنص عليه بعض الكتابات الفقهية- فتتخذ في حقه إحدى العقوبات التأديبية المنصوص عليها في المادة 37 من م.ش.
ثانيا: تدخل المشغل بتحديد بعض الأخطاء في النظام الداخلي
يتمتع المشغل بسلطة واسعة من أجل ضمان السير الحسن للعمل داخل المقاولة، إذ يخضع تنظيم العمل داخل هذه الأخيرة في جزء منه لمقتضيات الإتفاقية الجماعية وشروط عقد العمل الفردي والعرف والمواثيق الدولية، وحرصا من المشرع على ضمان وحماية العلاقة الشغلية وإستقرارها، فقد أوجب على المشغل وضع النظام الداخلي في كل مقاولة تشغل أكثر من عشرة أجراء .
وهناك من اعتبر النظام الداخلي بأنه بمثابة دستور للمقاولة، ونظرا لأهميته حدد المشرع إجراءات قانونية وإدارية لإعداده ونفاذه في حق الأجراء.
فالأجير ملزم بأحكام اللائحة الموجودة في النظام الداخلي، فهي تستمد قوتها من الحق المقرر لصاحب العمل في إدارة منشآته وتنظيم العمل بها والإشراف على عماله، طالما كانت ممارسته لهذا الحق مجردة من التعسف وقصد الإساءة لهم، ويلزم الأجراء بإطاعتها ما دامت في حدود القانون والعقد والآداب ولم يكن في إطاعتها ما يعرضهم للخطر .
ويمكن القول بأن النظام الداخلي عبارة عن وثيقة مكتوبة يعمل من خلالها المشغل بتحديد الإجراءات الضرورية الخاصة بالأجراء فيما يخص صحتهم وسلامتهم والتدابير التأديبية.
وقد أوجبت المادة 138 من م.ش وضع النظام الداخلي خلال سنتين من فتح المقاولة، وذلك بعد أن يطلع عليه مندوبو الأجراء والممثلون النقابيون إن وجدوا، على أن يوجه بعد ذلك إلى وزارة التشغيل للموافقة عليه. كل هذا لتحقيق غاية مفادها حماية الأجراء من تعسف أرباب العمل، وكذا فإن المشاركة الفعلية في وضع النظام الداخلي من طرف ممثلي العمال يجعل تسيير المقاولة أكثر ديمقراطية ويعطي نفسا لإستمرار نشاط المقاولة.
وقد أكد المجتمعون في المؤتمر الدولي الخامس لقانون الشغل والضمان الإجتماعي الذي انعقد بليون سنة 1963 بأن العمال يميلون أكثر إلى الإعتراف بوجوب إقامة النظام الداخلي والإلتزام بمراعاته خاصة إذا علموا أنه أبرم بمشاركة واتفاق مع ممثليهم الذين ساهموا في محتواه .
والملاحظ من خلال المادة 139 أن النظام الداخلي يحتوي على عدة أحكام متعلقة بحسن سير عمل المقاولة، وما يهمنا في هذا الإطار هو الجانب المتعلق بالتأديب. ومنه يمكن لنا طرح التساؤل الآتي؛ ما هي سلطة المشغل في تحديد بعض الأخطاء التأديبية -غير المنصوص عليها في مدونة الشغل- في النظام الداخلي؟
كإجابة على هذا التساؤل، يمكننا الرجوع إلى المادتين 139 و140 حيث إن المشرع عمل على وضع الإجراءات المتبعة في وضع التدابير التأديبية في النظام الداخلي. لذلك فقد خول المشرع لرئيس المقاولة -قصد حسن تسيير العمل داخل المقاولة وتحقيق أهدافها- الحق في وضع نظام داخلي للمقاولة التي يسيرها، وبعيدا عن التعسف في حق الأجراء واحترام الضوابط المتعلقة بالتأديب كان لزاما على المشغل وضع لائحة بالأخطاء التأديبية والعقوبات التأديبية في هذا النظام وإلصاقه داخل المؤسسة ليصل إلى علم الأجراء.
وتفاديا لتعسف أرباب العمل في وضع النظام الداخلي فقد تدخل المشرع بضرورة استشارة مندوب الأجراء وكذا السلطة الحكومية المكلفة بالشغل ونشر وإشهار الأخطاء التأديبية ضمن هذا النظام .
من هنا يثار التساؤل عن مدى إلزامية استشارة هذه الهيئات في وضع النظام الداخلي؟ للإجابة عن هذا التساؤل يمكن القول بأن المشرع استعمل في المادة 138 من م.ش عبارة ” يجب ” التي تفيد الإلزام.
فاستشارة هذه الهيئات بمناسبة وضع الأخطاء التأديبية في إطار النظام الداخلي يعد بمثابة ضمانة للأجراء من أجل تفادي تعسف المشغل وكذا إتاحة الفرصة لهؤلاء من أجل معرفة مدى إحترام المشغل للشرعية القانونية عند تهيئه للنظام الداخلي، كما يكمن لهذه الهيئات عدم الموافقة على النظام الداخلي وإدخال بعض التعديلات عليه وذلك في حالة تكييف الأخطاء غير الجسيمة بمثابة أخطاء جسيمة خاصة غير المحددة في المادة 39 من م.ش.
وبعد إستشارة هذه الهيئات حول النظام الداخلي والموافقة عليه يتم إعلام الأجراء بمحتواه وتعليقه في مكان إعتاد الأجراء دخوله وتسليم نسخة منه للأجير حسب ما تؤكده المادة 140 من م.ش .
ويعتبر إعلام الأجراء بالنظام الداخلي من بين الوسائل الحمائية للأجراء من التعسف خاصة أنه يحتوي على لائحة من الأخطاء التأديبية التي تمكن الأجير من الإطلاع عليها ومعرفة عقوبة كل خطأ على حدا كما يبين الفرق بين ما يعد خطأ جسيما وخطأ غير جسيم.
إلا أنه رغم الضمانة التي يحملها النظام الداخلي للأجراء فإن هذه الحماية تبقى نسبية وهشة، خاصة وأن المشرع لم يلزم المشغل أثناء وضعه للنظام الداخلي بإستشارة لجنة المقاولة في حالة وجودها خاصة أنها تمثل الأجراء داخل المقاولة، كما لم يلزم بتسليم نسخة منه إلى مفتش الشغل خاصة أن مهمة هذا الأخير تتمثل في مراقبة مدى تطبيق المقاولات الخاضعة لمدونة الشغل للمقتضيات التشريعية والتنظيمية والذي كان من الأولى استشارته في وضع لائحة الأخطاء التأديبية في النظام الداخلي.
كذا من بين النواقص التي تعاب على وضع النظام الداخلي هو غياب أي جزاء جنائي في حالة مخالفة الإجراءات المتبعة لوضع هذا النظام وهوما تؤكده مقتضيات المادة 142 من م.ش إذ جأت بغرامة تتراوح ما بين 0200 إلى 5000 درهم في حالة عدم وضع النظام الداخلي داخل الأجل القانوني، فإن عدم إطلاع الأجراء عليه وعدم تحديد المشغل ليوم إستقبال كل أجير من أجرائه، فإنه بذلك لم يحدد أي جزاء في حالة عدم إطلاع مندوب الأجراء وكذا السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.
الفقرة الثانية: أحقية المشغل في إيقاع العقوبات التأديبية
كلما كانت هناك جماعة من الأفراد إلا وكونوا لنا نظاما اجتماعيا، ترأسه سلطة معينة لفرض قواعد سلوك لإحترام هذا النظام، والمقاولة جزء من هذا النظام، وحتى تحقق أهدافها لا بد أن تتوفر على سلطة تتمثل في المشغل قصد فرض تعليمات على الأجراء لحسن سير المقاولة، وحتى يكون لهذه التعليمات صدى فاعل لدى الأجراء كان لابد من فرض عقوبات على كل إخلال من شأنه أن يغير سير المقاولة.
ورغم السلطة المخولة للمشغل في إطار توقيع العقوبات التأديبية في حق الأجير المرتكب للخطأ التأديبي، إلا أنه حماية له من تعسف المشغل ألزم المشرع من خلال مدونة الشغل بإحترام التدرج في العقوبات لمنع تعسفه في ممارسة السلطة الممنوحة له.
وهكذا فقد جاء في المادة 38 من م.ش أنه:
« يتبع المشغل بشأن العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في العقوبة…».
ومن خلال هذه المادة فإن التدرج في العقوبة يتخذ الشكل التالي، أي أنه في حالة إرتكاب الأجير لخطأ غير جسيم فإن المشغل يتخذ عقوبة الإنذار كتنبيه الأجير عن خطئه، وإذا تمادى في هذا الخطأ فيحق للمشغل إتخاذ عقوبة التوبيخ، وإذا ما كرر إرتكاب خطأ تأديبي آخر يمكن للمشغل أن يتخذ في حقه عقوبة التوبيخ الثاني أو التوقيف لمدة ثمانية أيام، وفي حالة ما إذا عاد الأجير إلى إرتكاب خطأ رابع طبق في حقه التوبيخ الثالث أو النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى وإذ ما استنفد المشغل العقوبات السابقة داخل أجل سنة يمكنه آنذاك توقيع عقوبة الفصل، إلا أن المشرع ملزم من خلال هذه العقوبات طبقا للمادة 38 من م.ش بالتدرج في توقيعها حسب الترتيب الموجود في المادة 37 أعلاه.
ومنه فإن استنفاد العقوبات الأربع يحق للمشغل عند إرتكاب الأجير خطأ آخر اتخاذ عقوبة الفصل. والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد؛ هل المشغل يتخذ عقوبة الفصل بمجرد إرتكاب الخطأ الرابع أم لابد من وقوع خطأ خامس وبالتالي يكون الفصل مبررا؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، هل يعاقب الأجير بعقوبة الفصل عند إرتكابه للخطأ خارج أجل السنة وكانت الأخطاء السابقة كلها داخل هذه السنة؟
بالنسبة للتساؤل الأول، فبقراءة متأنية للمادة 38 من م.ش التي تنص على أنه:
« يتبع المشغل بشأن العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في العقوبة ويمكن له بعد استنفاد هذه العقوبات داخل السنة أن يقوم بفصل الأجير، ويعتبر الفصل في هذه الحالة فصلا مبررا».
فالفصل يأتي بعد استنفاد العقوبات التأديبية يعني أن الأجير قد إرتكب أربعة أخطاء وعوقب عليها برمتها، والخطأ الخامس هو الذي بإمكانه أن يؤدي إلى الفصل .
أما عن التساؤل الثاني، فإنه يجب أن ترتكب تلك الأخطاء الخمسة داخل نفس السنة التي تبتدئ من أول خطأ، وكلما ارتكبت برمتها داخل السنة إلا حق للمشغل إتخاذ عقوبة الفصل ويكون هذا الأخير مبررا.
ويرى أحد الفقهاء أن إتخاذ العقوبات التأديبية بالتدرج وداخل السنة من شأنه أن يؤثر سلبا في نفسية الأجير وكذا كفاءته وعمله، ويرى بأن السكوت عن الإجراءات المتخذة في حقه يخلق لديه اضطرابات تؤدي به إلى الفصل.
فمبدأ التدرج في العقوبة يعتبر من الضمانات المخولة للأجراء من تعسف المشغل إذ لا يمكن إرتكاب الأجير لخطأ غير جسيم مرة واحدة أن تتخذ في حقه عقوبة التوبيخ الثالث أو النقل إلى مصلحة أخرى إلا قبل استنفاذ العقوبة الأولى في كل خطأ على حدا، وهذا يعني أنه لا يجوز إتخاذ عقوبتين أو أكثر عن خطأ تأديبي واحد . وهذا ما تؤكده المادة 37 حينما نصت على أنه:
« يمكن للمشغل إتخاذ العقوبات التأديبية التالية في حق الأجير لارتكابه خطأ غير جسيم».
فمثلا لا يمكن للمشغل إتخاذ عقوبة الإنذار والتوبيخ في آن واحد بالنسبة لخطأ واحد، كما لا يمكن أن يوقع عقوبتي التوبيخ الثاني أو التوقيف عن العمل لمدة لا تتعدى ثمانية أيام عن خطأ واحد لأن المشرع استعمل عبارة “أو” بمعنى اختيار إحدى العقوبتين.
وتجدر الإشارة إلى أن المشغل له كامل السلطة في إتخاذ العقوبة التأديبية في حق الأجير غير مرتكب لخطأ جسيم، إلا أن هذه السلطة غير مطلقة وتكون منعدمة في بعض المجالات، وهذا ما تنص عليه المادة 36 من م.ش التي جاءت بعدة حالات يقوم بها الأجير ولا تعد من المبررات المقبولة لإتخاذ العقوبة التأديبية أو الفصل من طرف المشغل ومنها؛ الإنتماء النقابي أو ممارسة مهمة الممثل النقابي وكذا المساهمة في أنشطة نقابية خارج أوقات الشغل أو أثناء تلك الأوقات برضا المشغل أو عملا بمقتضيات اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي… .
فكل هذه الحالات لا تعد مبررا لتأديب الأجير، ونجد أن المشرع قد ركز على الإنتماء النقابي بالدرجة الأولى الذي يعتبر من أهم الحريات الأساسية الممنوحة للأجراء في مدونة الشغل .
وتعتبر التمثيلة النقابية ضمانة قوية للأجراء من تسلط المشغل فهي مكرسة في الفصول 8 و 9 من الدستور .
وإذا كان الحق النقابي من الحقوق الأساسية للأجراء فإن التعسف في ممارسة هذا الحق لا يمنع المشغل من اتخاذ العقوبات التأديبية في حالة تعسف الأجير في ممارسة هذا الحق .
انطلاقا مما سبق فإن السلطة الممنوحة للمشغل لإتخاذ العقوبات التأديبية في حالة ارتكاب الأجير لخطأ غير جسيم والذي يكون ملزما بإتخاذ التدرج في العقوبة، يطرح إشكال مفاده؛ ما مدى ملائمة تلك العقوبة التأديبية للخطأ المرتكب من الأجير؟ وسنجيب عن هذا الإشكال من خلال النقطة الموالية.
المطلب الثاني: الحماية القانونية الممنوحة للأجير من خلال مسطرة الإستماع
عمل المشرع المغربي على تنظيم الجزاءات التأديبية في حق الأجير قبل صدور مدونة الشغل بمقتضى الفصل 6 من النظام النموذجي الصادر بتاريخ 23 أكتوبر 1948 الذي ينص على أن :
« المستأجر الذي طرد أحد مستخدميه لسبب خطأ خطير يجب عليه أن يخبره بذلك في ظرف 48 ساعة من إثباته وذلك بواسطة رسالة مضمونة الوصول…».
إلا أنه بصدور مدونة الشغل وتماشيا مع السياسة التشريعية الحديثة للمشرع المغربي وإنفتاحه على قوانين الشغل المقارنة والإتفاقيات الدولية المبرمة بهذا الخصوص، وإستجابة لمطالب الهيئات النقابية المؤطرة والمدافعة عن مصالح العمال وكذا آراء الفقهاء الذين ينادون بضرورة توفير ضمانات قانونية تسعى للحد من تعسف المشغلين في ممارسة سلطتهم التأديبية، ارتأى المشرع تحيين مسطرة الفصل التأديبي للأجير وفق مقتضيات الإتفاقية الدولية رقم 158 لسنة 1982 المتعلقة بإنهاء عقد الشغل بالإرادة المنفردة للمشغل، والتي جاءت في مادتها الثالثة على أنه :
« يتعين على المشغل أن يتيح للأجير فرصة الدفاع عن نفسه في مواجهة الإدعاءات الموجهة إليه قبل اتخاذ المقرر التأديبي» .
وتظهر هذه الحماية القانونية التي خولها المشرع للأجير في إطار الفصل التعسفي لرب العمل من خلال المادة 62 من م.ش والتي جاء فيها :
« يجب، قبل فصل الأجير، أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالإستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه …».
وتماشيا مع هذه المسطرة، يمكن لنا أن نطرح بعض الإشكالات من قبيل؛ ما هي الحماية التي تقررها مسطرة الإستماع إلى الأجير؟ وما هي تجليات هذه الحماية؟ وما مدى إلزامية حضور الممثل النقابي أو مندوب الأجراء أثناء الإستماع للأجير؟ وأين تكمن تجليات هذه مسطرة؟ وما هي الآثار الناجمة عنها؟
الفقرة الأولى: تجليات مسطرة الإستماع إلى الأجير
قيد المشرع المغربي إنهاء عقد الشغل بضرورة سلوك إجراءات شكلية قبل أن يتم فصل الأجير بصفة نهائية وهذه الإجراءات تتمثل في إتاحة الفرصة للإستماع إليه، مما يشكل ضمانة له والذي يعتبر الشغل مورد رزقه الوحيد .
فهذه المسطرة المدرجة لأول مرة في التشريع المغربي تعتبر من المستجدات التي جاءت لضمان حماية للأجراء في شتى القطاعات التي يطبق فيها قانون الشغل.
ويرى بعض الفقه أن هذه الضمانة المسطرية تبقى لصالح الأجير والمشغل أيضا؛ فبالنسبة للمشغل قد يكون في حالة غضب أو عدم العلم بحقيقة الأمر مما يدفعه إلى فصل الأجير، ولصالح الأجير كذلك إذ تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه قبل أن يتم فصله من العمل.
وما يجعل هذه المسطرة تضمن حماية قوية خاصة لطرف الأجير، هو أنها لا تطبق فقط عند إتخاذ قرار الفصل وإنما كذلك عندما يتخذ المشغل الإجراءات التأديبية المنصوص عليها في الفقرتين 3 و 4 من المادة 37 واللتان تتعلقان بالتوبيخ الثاني أو التوقيف عن العمل لمدة لا تتعدى ثمانية أيام، أو التوبيخ الثالث أو النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند الإقتضاء مع مراعاة مكان سكنى الأجير، مما يبرز وجود عدة مراحل ينبغي سلوكها قبل إتخاذ قرار الفصل.
أولا: الإجراءات القبلية لمسطرة الإستماع إلى الأجير
يجب قبل فصل الأجير عن العمل سواء نتيجة إرتكاب الأجير لخطأ جسيم، أو نتيجة توقيع إحدى العقوبتين التأديبية المنصوص عليهما في الفقرتين 3 و4 من المادة 37 داخل السنة إحترام عدة إجراءات قبل توقيع هذه العقوبات.
وهكذا فأول إجراء يتعين على المشغل التقيد به هو إبلاغ الأجير بالمخالفة المرتكبة حتى يتمكن من إعداد دفاعه قبل الإستماع إليه لدى فقد جاءت المادة 62 بصيغة الإلزام حماية للأجير، وبالتالي يجب قبل فصله أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بحضور المشغل أو من ينوب عنه، وبحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه في أجل لا يتعدى 8 أيام، ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه.
ويتم تحرير محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة، يوقعه الطرفان، وتسلم نسخة منه إلى الأجير.
وإذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة يتم اللجوء إلى مفتش الشغل.
وتبعا لذلك، فإن مسطرة الإستماع إلى الأجير تعد ضمانة ممنوحة لحماية هذا الأخير من تحكم وتعسف المشغل أثناء توقيعه العقوبة التأديبية، حيث تمكنه من نفي ما نسب إليه أو أن الخطأ الذي ارتكبه بسيط ولا يرقى لدرجة الجسامة وأن هذا السلوك أو الخطأ غير منصوص عليه لا في المادة 39 من م.ش ولا في النظام الداخلي ولا في اتفاقية الشغل الجماعية.
لكن بإستقرائنا للمادة 62 من م.ش نجدها تطرح عدة إشكالات ولعل من أبرزها؛ ما هي الجهة التي يتعين عليها المبادرة بفتح هذه المسطرة؟ وكيف يتم تحديد الإستدعاء؛ هل برسالة كتابية أم بطريقة شفوية؟ أم أن المشغل له الحرية في إستدعاء الأجير بأية وسيلة؟
ومن ذلك يمكن القول بأن الجهة التي يتعين عليها فتح مسطرة الإستماع ملقاة على كاهل المشغل؛ إذ تنص المادة 62 على وجوب إتاحة الفرصة للأجير للدفاع عن نفسه من طرف المشغل أو من ينوب عنه داخل أجل لا يتعدى 8 أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه، ومنه فالمشغل هو الملزم بإستدعاء الأجير قصد الإستماع إليه قبل الإقدام على الفصل.
وإذا كان المشغل ملزما بإستدعاء الأجير للإستماع إليه، إلا أن المشرع لم يحدد كيفية استدعاءه، هل برسالة كتابية أم شفوية، أم أن المشغل يبقى حرا في طريقة تبليغه؟
أما بخصوص التبليغ في قانون المسطرة المدنية فأهميته مرتبطة بحقوق الدفاع تكمن في إحاطة الخصم علما بالإجراء المراد اتخاذه في مواجهته، فإنه في مسطرة الفصل التعسفي يجب أن تحاط كذلك بنفس الضمانات، إلا أن المشرع المغربي سكت عن الموضوع ولم يحدد كيفية استدعاء الأجير، خلافا للمشرع الفرنسي الذي نص على أن الإستدعاء يتم كتابة عن طريق رسالة مضمونة أو رسالة تسلم إلى المعني بالأمر شخصيا مقابل وصل استلام .
وأمام سكوت المشرع عن تحديد كيفية استدعاء الأجير، فإن بعض الفقه المغربي ، ذهب في نفس نهج المشرع الفرنسي بالقول :« إن أول إجراء على المشغل احترامه هو إبلاغ الأجير المتهم بالإخلال بالتزامه كتابة بما هو منسوب إليه، وذلك حتى يتمكن من إعداد دفاعه قبل الإستماع إليه».
ونرى في هذا الصدد، أنه كان على المشرع المغربي أن يرفع كل لبس حول هذا الموضوع وذلك بأن ينص صراحة عن كيفية استدعاء الأجير شخصيا يدا بيد أو برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، كما أن طريقة الإستدعاء عن طريق الكتابة تعتبر الأفضل وذلك لتمكين الأجير من إعداد دفاعه.
وللمراهنة على استقرار علاقات الشغل فإن مدونة الشغل اشترطت في المادة 62 أن يتم الإستماع إلى الأجير بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه. ويبقى التساؤل مطروحا بخصوص بعض المقاولات التي لا تتوفر على مندوب الأجراء أو الممثل النقابي .
فعلى خلاف المشرع المغربي الذي سكت عن إشكالية استعانة الأجير الذي يتعلق بمقاولة تشغل اعتياديا أقل من عشرة أجراء، نجد المشرع الفرنسي قد ميز بين الحالة التي يكون فيها ممثل العمال إلزاميا فيختار الأجير أحد الأجراء التابعين للمؤسسة والحالة التي تنعدم فيها التمثيلية العمالية، فيستعين بأي شخص حتى ولو كان من الغير بشرط أن يكون إسمه ضمن اللائحة المعدة من طرف ممثل الدولة .
فإن المشرع الفرنسي بذلك أعطى الحق للأجير أن يختار مستشارا من بين الأجراء بمقتضى قانون المؤرخ في 18 يناير 1991 ، وهذا المستشار يقوم بمساعدة الأجير في المقاولات التي لا تضم ممثلين للعمال.
ومن خلال الإستماع إلى الأجير يمكن للمشغل بعد حصوله على كل التفاصيل تغيير قراره المتعلق بفصل الأجير .
بالإضافة إلى أن إشكالية أخرى تطرح في ظل الإجراءات السابقة لمسطرة الإستماع إلى الأجير، هي غياب تاريخ محدد للإستماع، فإذا كانت المادة 62 من م.ش قد حددت أجل الإستماع إلى الأجير في ثمانية أيام من التاريخ الذي تبين فيه الفعل المنسوب إليه، يمكن لنا أن نتساءل هل المقصود بتاريخ اكتشاف الخطأ أو التاريخ الذي ثبت فيه للمشغل هذا الخطأ؟
وقد سبق للمجلس الأعلى أن أجاب عن هذا الإشكال في أحد قراراته التي جاء فيها:
«… حيث تبين صحة ما عابته الطالبة على قرار المطعون فيه، وذلك أنه لما كان الإئتمان والمصداقية من العناصر الأساسية التي تحكم علاقة الأجير بمؤسسة البنك الذي يعمل فيه…، وأن محكمة الاستئناف عندما خلصت أن الأجير كان موضوع طرد تعسفي من طرف مشغليه ورتب على ذلك الأثر القانوني بعلة أنه رغم علمها بكون الأجير مساهم في شركة “سنبلا” لم تقم بفصله إلا بعد مضي سنة ونصف…وعملا بمقتضيات الفصل 6 من النظام النموذجي الصادر بتاريخ 23/10/1948 فإن أجل 8 أيام الذي حدده المشرع لكي يوجه رسالة الطرد إلى أجيره لا يبدأ من تاريخ إبلاغ المشغل ارتكاب الأجير لواقعة معينة وإنما يسري ذلك الأجل من الوقت الذي يتأكد فيه المشغل أن أجيره ارتكب خطأ اعتبره جسيما يبرر طرده…» .
ومنه فإن تاريخ انطلاق أجل ثمانية أيام ينطلق من اليوم الذي ثبت فيه للمشغل الخطأ المرتكب من الأجير.
ثانيا: الإجراءات البعدية لمسطرة الإستماع إلى الأجير
بعد الإستماع إلى الأجير والدفاع عن نفسه، يحرر محضر كتابي – مقرر الفصل – في الموضوع من قبل إدارة المقاولة التي يشتغل فيها الأجير. تبت في محضر العقوبة التأديبية المتخذة في حقه ويوقع من الطرفان (الأجير والمشغل) وتسلم نسخة منه للأجير.
ومعلوم أن مضمون المحضر يتعلق بطبيعة الفعل المنسوب إلى الأجير وتاريخ ارتكاب ذلك الفعل وكذلك بوسائل إثبات ذلك الفعل -مثل الشهود -، كما يتضمن هذا المحضر الوسائل الواردة في دفاع الأجير والنقط المثارة من طرف مندوب الأجراء أو الممثل النقابي والموقف النهائي للمشغل .
أ-إبلاغ الأجير بمقرر الفصل
تنص المادة 63 من م.ش على أنه:
«يسلم مقرر الفصل إلى الأجير المعني بالأمر يدا بيد مقابل وصل أو بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل داخل أجل ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور».
من خلال المادة أعلاه يتبين أن المشرع قد خير المشغل في طريقة تبليغ المقرر للأجير، إما بتسليمه إليه يدا بيد أو بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل.
ويرى بعض الفقه أنه عندما يتخذ المشغل القرار بفصل الأجير عن العمل فلا يمكن أن يبلغ إليه مقرر الفصل بصفة شفاهية أو بواسطة أحد عماله، كأن يكلف الحارس بإخبار الأجير بأنه مفصول عن العمل، فهذا غير جائز حسب مدونة الشغل.
إلا أن التبليغ بواسطة البريد المضمون يثير بعض الصعوبات من قبيل؛ أن الرسالة قد توجه إلى عنوان لا يقطنه الأجير أو قد يتعذر استلامها وعلى هذا الأساس للمشغل استعمال وسائل أخرى تفي بنفس الغرض كالتبليغ عن طريق المفوض القضائي .
وحتى يستطيع المشغل التواصل مع الأجير يجب على هذا الأخير أن يدلي له بعنوانه الصحيح، وهذا ما أكدته الفقرة الأخيرة من المادة 22 من م.ش . واعتبر إتجاه فقهي آخر أن المقصود بتبليغ رسالة الطرد هو وصول ما يفيد الطرد إلى علم الأجير، وأن التعبير عنه يمكن أن يتم ولو بصفة شفاهية أثناء مناقشة حادة بين الأجير والمشغل .
وفي نظرنا فإن تسليم مقرر الفصل إلى الأجير يدا بيد مقابل وصل بحضور أطراف المشاركة في جلسة الإستماع هي الطريقة المثلى لتبليغه كما تعتبر كذلك وسيلة إثبات في حالة إنكار الأجير تسلم المقرر.
وفي الواقع فإنه يجب التمييز بين عدم تبليغ رسالة الفصل الناتج عن سوء نية الأجير وبين عدم التبليغ نتيجة تقصير المشغل، فالتبليغ يكون قانونيا إذا أرجع الإشعار بالتوصل بملاحظة “مرفوض” أو “انتقل إلى عنوان آخر” أو ” لا يسكن بهذا العنوان”، ويتحمل الأجير في هذه الحالة المسؤولية نتيجة إغفاله، أما إذا أرجع الإشعار بملاحظة ” غير مطلوب” أو ” المكان مغلق” فلا يعتبر التبليغ تبليغا قانونيا ويمكن للمشغل توجيه إنذار استنادا على أوامر رئيس المحكمة .
ويبقى من أهم الإشكالات المثارة في هذا الصدد، هل تبليغ مقرر الفصل هو شرط جوهري لإضفاء المشروعية على الفصل؟ أم أن التبليغ هو فقط شرط لإثبات الفصل؟
فهنا انقسم الفقهاء إلى اتجاهين، هناك من اعتبر رسالة الفصل شرط صحة والفصل تعسفيا في حالة توجه الأجير إلى مفتش الشغل لإتمام جلسة الإستماع ورفض المشغل إجراءها أو إتمامها، أما إذا لم يقم الأجير باللجوء إلى مفتش الشغل ليطلب إجراء أو إتمام هذه مسطرة ففي هذه الحالة يعتبر متنازلا عن حقه، وهنا لا يمكن الأخذ برسالة الفصل منفصلة عن مسطرة الإستماع وبالتالي فإن هذه الرسالة ينبغي اعتبارها وسيلة إثبات فقط ويمكن الإستماع إلى ادعاءات الأطراف لأول مرة .
في حين يرى اتجاه آخر أن تبليغ مقرر الفصل للأجير شرط صحة بالنسبة لمسطرة الفصل، ويرى بأن هذه الأخيرة تعتبر قاعدة جوهرية وذلك كون تطبيقها ورد بصيغة الوجوب، مما يظهر أنها قاعدة آمرة حتى ولو لم يتم ترتيب أي جزاء على مخالفتها.
ولم يسلم الاجتهاد القضائي من هذا الجدل، فقد تبنى في بداية الأمر بأن تبليغ مقرر الفصل للأجير هو مجرد وسيلة إثبات ، إلا أنه تراجع عن هذا النهج سنة 1974 واعتبر أن تسليم مقرر الفصل هو شرط صحة ويتصل بجوهر النظام العام وبدونه يعتبر الفصل تعسفيا .
ب-إخبار مفتش الشغل بمقرر الفصل
أحاط المشرع فصل الأجير بجملة من الإجراءات التأديبية التي يجب على المشغل احترامها وإلا كان الفصل تعسفيا، وتتحدد هذه الإجراءات في ضرورة إبلاغ الأجير بمقرر الفصل، بالإضافة كذلك إلى إبلاغ مفتش الشغل به.
فقد نصت المادة 64 من م.ش صراحة على توجيه نسخة من مقرر عقوبة الفصل إلى العون المكلف بتفتيش الشغل لما لهذا الأخير من دور في حل نزاعات الشغل الفردية، حيث أن المشرع قد أوكل لمفتش الشغل مهمة إجراء محاولة التصالح في هذه النزاعات .
وتفاديا للجوء إلى القضاء يقوم مفتش الشغل بالتدخل حبيا بين المشغل والأجير لحل نزاعاتهم بإحدى الطريقتين:
إما أن يعمل عن طريق الإتفاق بإرجاع الأجير إلى عمله، و في حالة تعذر هذا الحل يقترح على الأطراف تعويضا إذا كان الفصل مبرر .
ويرى أحد الفقه بأن الغاية من توجيه نسخة من هذا المقرر إلى العون المكلف بتفتيش الشغل هي فقط للإخبار والإستعداد في حالة ما إذا طلب الأجير الشروع في مسطرة الصلح قبل رفع الدعوى أمام المحكمة.
والملاحظ أن المادة 64 من م.ش لم تلزم المشغل بعد توجيه مقرر الفصل إلى العون المكلف بتفتيش الشغل بأي قيد زمني، عكس ما جاء في المقتضيات الواردة في الفصل السادس من قرار 23 أكتوبر 1948 الملغى، التي كانت تحتم إخبار عون التفتيش في ظرف ثمانية أيام ابتداء من يوم إثبات الخطأ التأديبي.
وبالتالي فإن تبليغ العون المكلف بتفتيش الشغل يعتبر شرطا جوهريا -وجب على المشغل احترامه- في مسطرة الفصل التأديبي وهذا ما قضى به المجلس الأعلى في أحد قراراته حيث جاء فيه:
« لكن حيث إن المشغل الذي يفصل أجيرا لإرتكابه خطأ عليه كما يفرض ذلك الفصل 6 من قرار 23 أكتوبر 1948 أن يوجه له إنذارا داخل 48 ساعة يخبره بفصله وبأسباب الفصل وأن يوجه نسخة من الإنذار إلى مفتش الشغل» .
هذا وتكمن الأهمية من تبليغ مقرر الفصل لكل من الأجير وكذا العون المكلف بتفتيش الشغل نقطة انطلاق أو بدأ احتساب أجل وضع الأجير لدعوى الطعن في قرار الفصل أمام القضاء.
ج-الطعن في مقرر الفصل
إن شعور الأجير بعدم شرعية الفصل الذي اتخذه المشغل في حقه يخوله رفع دعوى للطعن في مشروعية هذا الفصل أمام القضاء.
1- الوضع قبل صدور مدونة الشغل
من خلال الفصل السادس من النظام لنموذجي لـ 23 أكتوبر 1948 الملغي ، وكذا الفصل 11 من ظهير 24 أبريل 1973 بشأن المأجورين الفلاحين نجدها قد حددا أجل رفع هذه الدعوى في شهر يبتدئ من تاريخ تبليغ مقرر الفصل إلى الأجير.
إلا أن هذين الفصلين أثير حولهما جدلا حول المقصود بأجل شهر، هل هو أجل سقوط الدعوى؟ أم مجرد أجل لا تأثير له على مجريات الدعوى؟
وقد ثار خلاف فقهي في هذا الصدد وانقسموا إلى اتجاهين، حيث يرى جانب من الفقه أنه يتعين احترام مدة شهر لإقامة دعوى الفصل أمام القضاء، وبمرور هذه المدة لا يمكن للأجير أن يطعن في قرار الطرد وهو أجل السقوط. ويرى أن هذا التفسير يتفق مع تفسير الفقرة الأولى من الفصل 745 مكرر مرتين من ق.ل.ع الذي ينص على أن:
” التوصيل الذي يعطيه العامل لرب العمل عند فسخ أو انقضاء عقده بتصفية كل حساباته تجاهه يجوز نقضه خلال الثلاثين يوما التالية لتوقيعه…”.
في حين يرى اتجاه فقهي آخر أنه يمكن للأجير أن يقيم دعواه بعد صدور أجل الشهر المنصوص عليه في الفصل 6 من النظام النموذجي دون أن يرتب عليه المشرع أي جزاء ويمكن للأجير إقامة دعوى الفصل بعد انصرام أجل الشهر.
ونرى في هذا الصدد بأن أجل الشهر لا يعتبر أجلا لسقوط الدعوى لإعتبارات وهي؛ أن الفصل استعمل عبارة الخيار “يجوز” أي أن الأجير له أن يرفع دعوى الفصل أمام القضاء داخل أو خارج الشهر، كذلك أن تجاوز أجل الشهر اعتداد لمصلحة الأجير الذي يكون له الحق في الرجوع إلى عمله أو الحصول على تعويض.
وقد سار القضاء المغربي في هذا الإتجاه حيث صدر قرار عن المجلس الأعلى يقضي بأنه:
»لكن حيث أن القرار المطعون فيه كان على صواب عند الرد على الفرع الأول من الوسيلة بأن عدم تسجيل الأجير دعواه في أجل شهر من توصله برسالة الطرد، لا يسقط حقه لعدم تنصيص الفصل 6 من قرار 23-10-1948 على ذلك سيما وأن الفصل المذكور لا يرتب جزاء على عدم تسجيل الدعوى داخل أجل الشهر الذي ينص عليه مما تكون معه الوسيلة بفرعيها غير جديرة بالإعتبار» .
2- الوضع بعد صدور مدونة الشغل
تنص المادة 65 من م.ش على ما يلي:
« يجب تحت طائلة سقوط الحق، رفع دعوى الفصل أمام المحكمة المختصة في أجل تسعين يوما من تاريخ توصل الأجير بمقرر الفصل.
يجب النص على الأجل المذكور أعلاه، في مقرر الفصل الوارد في المادة 63 أعلاه».
يبدو أن المشرع المغربي حدد هذه المدة واعتبرها من النظام العام، بحيث لا يجوز مخالفتها إذ جاءت بصيغة الإلزام “يجب”.
ومنه فإن مدونة الشغل قد حسمت في الجدل المطروح وحددت الأجل في تسعين يوما من تاريخ توصل الأجير بمقرر الفصل، تحت طائلة سقوط الحق.
ويجب أن يتم التنصيص عن هذا الأجل في مقرر الفصل وقبل ذلك إثبات المشغل احترام سلوك مسطرة الفصل .
وقد صدر حكم في هذا الإطار يقضي بأنه :
« وحيث إنه وطبق للمادة 65 من م.ش فإن أجل رفع الدعوى (أجل 90 يوما) مقرون بتاريخ التوصل بمقرر الفصل وما دام لا يوجد بالملف ما يفيد أن
المدعي قد توصل بمقرر الفصل فيبقى الدفع هو الآخر غير مبرر ويتعين رده» .
والملاحظ من خلال هذا التوجه القضائي وكذا المادة 65 من م.ش أنهما جاء بطابع حماية مزدوجة للأجير، فإذا كان حق هذا الأخير يسقط في رفع الدعوى بإنصرام أجل 90 يوما فإن سقوط هذا الحق رهين بإحترام المشغل للمقتضيات المنصوص عليها في المواد 62-63 -64 من مدونة الشغل.
فتبليغ مقرر الفصل داخل الأجل القانوني يقتضي كذلك الطعن داخل هذا الأجل في حين أن عدم توجيه مقرر الفصل من طرف المشغل بعد مسطرة الإستماع يجعل الفصل تعسفيا .
الفقرة الثانية: عدم احترام مسطرة الإستماع إلى الأجير
تعتبر مسطرة الإستماع إلى الأجير من الإجراءات المسطرية الملزمة التي جاءت بها المادة 62 من م.ش، وتتعلق هذه المسطرة بحقوق الدفاع المخولة للأجير، ولا يمكن للمشغل أن يقوم بإتخاذ أي إجراء يتعلق بفصله إلا بعد سلوك هذه المسطرة وإلا اعتبر الفصل غير مبرر يتسم بالتعسف رغم ارتكاب الأجير للخطأ الجسيم.
وتترتب عن مسطرة الإستماع إلى الأجير آثار في حالة احترام سلوك المسطرة وكذا عند عدم احترام سلوكها. ففي الحالة الأولى، عند ثبوت الفصل بصفة مشروعة يتم مناقشة موضوع الخطأ وثبوته والبحث في مشروعية سبب الفصل، خاصة وأن هذه الإجراءات جاءت بصيغة الوجوب.
أما في الحالة الثانية، وهي أن عدم سلوك مسطرة الإستماع إلى الأجير يجعل الفصل تعسفيا. ومن هنا يمكن لنا أن نتساءل عن الآثار المترتبة عن عدم احترام مقتضيات هذه المسطرة؟
أولا: حالة عدم احترام مسطرة الإستماع من طرف المشغل
تعتبر الإجراءات المسطرية التي نص عليها المشرع في المادة 62 من م.ش والتي لا تمكن المشغل من ممارسة حقه في التأديب إلا بالخضوع إليها إذا ما ارتكب الأجير خطأ جسيما من القواعد الآمرة التي يتعين على المشغل احترامها قبل الشروع في فصل الأجير حتى يكون فصله لهذا الأخير مبررا، كما أن عدم احترام إجراءات مسطرة الإستماع يعفي المحكمة من مناقشة موضوع الخطأ وثبوته ومشروعية سبب الفصل طالما أن مقتضياتها جاءت بصيغة الوجوب وهذا ما يتضح من خلال المادة 62 من م.ش إذا استهلها المشرع بعبارة تفيد الإلزام.
وعلى مستوى العمل القضائي، فقد ورد في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء:
«…وحيث إنه وبغض النظر عن ثبوت الخطأ من عدمه، فإن الأجير قد احترم المسطرة المنصوص عليها في المادة 62 من م.ش وتوجه إلى مفتش الشغل، إلا أن المشغلة لم تحترم المقتضيات القانونية الواجبة التطبيق بعد أن تمسك بها الأجير.
وحيث إنه لا يمكن تطبيق المادة 61 بمعزل عن مقتضيات المواد 62-63-64 من نفس المدونة، مما يجعل الفصل الذي تعرض له الأجير في نازلة الحال فصلا تعسفيا يستحق معه التعويضات الناتجة عن الفصل التعسفي…» .
وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط جاء فيه ما يلي:
« حيث بدراسة الملف تبين أن المشغلة لم تسلك مسطرة الإستماع الواردة في المادة 62 من المدونة والتي تمسك المستأنف عليه بعدم احترام طلبه خلال المرحلة الابتدائية وهي في هذه المرحلة…وحيث إن المحكمة لا يمكنها تجاوز هذا الخرق المسطري لإجراء البحث في الأخطاء المنسوبة ما دامت المادة 62 جاءت بصيغة “الوجوب”» .
وعدم احترام المشغل لإجراءات مسطرة الإستماع إلى الأجير يكون إما بصفة مطلقة أو بصفة جزئية.
أ-عدم احترام المشغل بصفة مطلقة لمسطرة الإستماع
وإن كانت المادة 61 من م.ش قد أعفت المشغل من مراعاة أجل الإخطار في حالة ارتكاب الأجير للخطأ الجسيم، إلا أن المادة 62 من نفس التقنين ألزمت المشغل قبل فصل الأجير أن يتيح له فرصة الإستماع إليه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي للمقاولة داخل أجل 8 أيام.
وهذا ما سار عليه وأكده القضاء سواء محاكم الموضوع وكذا محكمة النقض، فقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء:
«وحيث إن الثابت من معطيات ملف النازلة أن الأجير فصل من عمله بدعوى ارتكابه أخطاء جسيمة تبرر هذا الطرد، لكن المشغلة لم تحترم الإجراءات الشكلية المنصوص عليها في المادة 62 من م.ش بإتاحة الفرصة للأجير للدفاع عن نفسه قبل الإقدام على فصله بالإستماع إليه من طرف المشغلة أو من ينوب عنها وبحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي الذي يختاره الأجير، وذلك داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام ابتداء من التاريخ الذي تبث فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه، ويحرر المحضر بذلك ويوقعانه الطرفان وتسلم نسخة منه إلى الأجير يدا بيد أو برسالة “مضمونة” مع الإشعار بالتوصل، وبعدم احترام المشغلة لهذه المقتضيات التي هي قواعد آمرة جاءت بصيغة الوجوب، يكون الفصل الذي تعرض إليه الأجير فصلا غير مبرر ولا مجال لمناقشة الأخطاء المنسوبة للأجير» .
وفي قرار صادر عن المحكمة الاستئناف بالدار البيضاء جاء فيه:
« حيث ثبت ما يدعيه الطاعن، ذلك أن مقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل تنص أنه يجب قبل فصل الأجير أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه، بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة، والذي يختاره الأجير بنفسه، وذلك داخل أجل لا يتعدى 8 أيام من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه، وهي مسطرة واجبة الإتباع، إذ لا مناص للمشغل من نهجها لما فيها من حماية لحقوق الأجراء في الدفاع عن نفسه.
وحيث إنه بالرجوع إلى أوراق الملف فإنه لا يوجد ما يفيد أن المشغلة استمعت إلى الأجير طبقا لما تفرضه المادة 62، كما أن رسالة الفصل لم تشر إلى تاريخ الإستماع إليه مع إرفاقها بمحضر الإستماع طبقا لما تفرضه المادة 64 من مدونة الشغل، وأن ادعاءها أنها دعته لتعيين ممثل نقابي فرض يعوزه الدليل المتبت له، وبذلك تكون المشغلة خرقت مسطرة الفصل، بعدم تطبيقا للمادة 62 أعلاه، وهو ما يجعل الفصل برمته غير مشروع ومتسم بالتعسف، ودون البحث في أسبابه» .
من خلال هذه القرارات يتضح لنا أن مسطرة الإستماع إلى الأجير شرط صحة وعدم احترامها يجعل الفصل تعسفيا ولو ثبت الخطأ الجسيم في حق الأجير.
وإذا كانت المادة 62 من م.ش قد جاءت بصيغة الإلزام في احترام إجراءاتها، فإننا نتساءل عن الحالة التي يرتكب فيها الأجير خطأ جسيما من بين الأخطاء الواردة في المادة 39 من م.ش كتوجيه الأجير إلى المشغل سبا فادحا أو أن يتعدى عليه بالضرب أمام الملأ، هل يلزم المشغل في هذه الحالة بضرورة احترام مسطرة الإستماع؟
في هذه الحالة يجب عليه الركون إلى إجراءات مسطرة الإستماع تطبيقا للمادة 62 ليكون فصله للأجير فصلا مبررا، وإلا كان عليه تأدية التعويض على اعتبار أن عدم سلوك هذه المسطرة يضفي على الفصل صبغة التعسف.
وهناك من يرى بأن هذا يتعارض مع تقاليد وعادات المغرب الذي يتصل بكرامة المشغل ويعتبر ذلك حيف بالنسبة له وحماية كبيرة للأجير، وعلى القضاء أن يتدخل ويعامل الطرفين على قدم المساواة، أي إذا اعتبر أن رفض المشغل إتباع مسطرة الإستماع عن طريق مفتش الشغل بمثابة فصل غير مبرر، أن يكون رفض الأجير كذلك لإتباع المسطرة عن طريق مفتش الشغل بمثابة فصل مبرر.
والملاحظ أن مقتضيات المادة 62 من م.ش جاءت بدون أن تأتي بأي جزاء على مخالفتها، ويبقى ترتيب الجزاء للسلطة التقديرية للقضاء.
ب-عدم احترام المشغل بصفة جزئية لمسطرة الإستماع
من خلال المادتين 62 و 63 من م.ش يتضح لنا أن المشرع ألزم بضرورة إتاحة الفرصة للأجير للإستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي في أجل لا يتعدى 8 أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه…
ووعيا من المشرع بخطورة قرار الفصل على مستقبل الأجير عمل على إلزام المشغل بإتباع هذه الخطوات أعلاه. فما هو الحل في حالة إخلال الأجير بأحد هذه الخطوات، كأن يستمع للأجير مثلا دون حضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي؟ و ما هو الحكم في حالة فوات أجل 8 أيام من اليوم الذي تبين فيه للمشغل الخطأ ورغب المشغل في الإستماع للأجير؟ وهل المشغل معفى من اللجوء إلى مفتش الشغل، في حالة رفض الأجير الرضوخ لهذه مسطرة ؟
بالنسبة للتساؤل الأول، فإن استماع المشغل إلى الأجير دون حضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي يعتبر خرقا لجزئيات هذه المسطرة وهذا ما أكدته المادة 62 من خلال ضرورة حضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي الذي يختاره الأجير بنفسه.
كما تلزم المادة 62 أعلاه بأن يكون مندوب الأجراء أو الممثل النقابي ينتميان إلى المقاولة، إذ لا يمكن للأجير الاستعانة بأي شخص آخر خارج المقاولة.
ويعتبر أحد الفقهاء أن الإستماع إلى الأجير بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي من خارج المقاولة قد يؤجج الصراع بين الأجراء والمشغلين، إلا أنه قد يعاب على ذلك كون أن مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة لا يتوفران على الشجاعة لمواجهة المشغل- والتي تتوفر في غيرهم من الأجانب- مما يجعلهما يرضخان لإرادته.
أما بالنسبة للتساؤل الثاني المتعلق بفوات أجل 8 أيام، نجد أن المادة 62 قد أوجبت على المشغل إتاحة الفرصة للأجير للدفاع عن نفسه من خلال الإستماع إليه داخل أجل لا يتعدى 8 أيام، ومن خلاله فإن عدم احترام المشغل لهذا القيد الزمني يفقد المشغل الحق في متابعة الأجير بغض النظر عن الخطأ المقترف من الأجير سواء كان جسيما أم لا، وذلك حتى لا يفاجأ الأجير بتوجيه تهم بعد مدة طويلة، يستعصي فيها الأجير عن إثبات براءته.
ويبتدئ أجل 8 أيام ابتداء من التاريخ الذي يتبين فيه للمشغل الخطأ المنسوب للأجير، وبالتالي فتاريخ العلم بالخطأ هو الذي يعتد به كبداية لإحتساب أجل 8 أيام.
إلا أن المشرع المغربي لم ينص على أي جزاء في حالة مخالفة المشغل لهذا الأجل إلا أن عدم احترامه يرتب آثار في حق المشغل.
فقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط أن:
« عدم الإستماع إلى الأجير داخل أجل 8 أيام من تاريخ ارتكاب الخطأ الجسيم يشكل خرقا لمقتضيات المادة 62 من م.ش، ذلك أنه متى ثبتت استطالة الفترة الزمنية من تاريخ ارتكاب الخطأ الجسيم وتاريخ الإستماع إليه لمدة تفوق 8 أيام، فإن ذلك يعتبر دليلا بعدم اقتناع المشغل بعدم ارتكاب الأجير لأي فعل يستحق عليه المساءلة التأديبية، ويعتبر في هذه الحالة قد تنازل عن حقه في الفسخ وأن عدم تحريك إجراءات التأديب داخل 8 أيام الواردة في المادة 62 يسقط المتابعة في حقه، وذلك بغض النظر عن نطاق ومدى الفعل أو الأفعال المنسوبة إليه ما دامت أن هذه المادة قد جاءت بصيغة الوجوب» .
أما بالنسبة للتساؤل الثالث الذي يتعلق بعدم احترام لجزء من إجراءات مسطرة الإستماع وهي اللجوء إلى مفتش الشغل، ذلك أن المادة 62 وضعت الإطار القانوني الواجب إتباعه في حالة تعذر إجرائها، إذ ألزمت الأجير والمشغل معا باللجوء إلى مفتش الشغل عندما يرفض أحدهما إجراء أو إتمام هذه المسطرة.
وعليه فإن استدعاء المشغل للأجير لجلسة الإستماع وتخلف هذا الأخير عن الحضور، لا يجعل المشغل في حل من عدم اللجوء إلى مفتش الشغل.
وهذا ما أكده العمل القضائي في أحكام وقرارات صادرة عنه، ففي قرار صادر عن المجلس الأعلى جاء فيه:
« وحيث إنه حتى وإن تخلف الأجير عن جلسة الإستماع إليه، فإن ذلك لا يجعل المشغل في حل من إتمام مسطرة الفصل برمتها، بدليل أن الفقرة الأخيرة من المادة 62 المذكورة تجعل اللجوء إلى مفتش الشغل أمرا لا محيد عنه، إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة» .
ثانيا: حالة عدم احترام المسطرة الإستماع من طرف الأجير
إن الملاحظ على المادة 62 أنها لم توضح الطرف الذي يتوجب عليه اتخاذ المبادرة في مسطرة الإستماع، ولم تنص بأن المشغل هو الذي يجب عليه أخذ هذه المبادرة.
وجاءت المادة 62 بعبارة ” يجب قبل فصل الأجير، أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه”، لدى فيمكن أن يكون المشغل هو من قام بإستدعاء الأجير قبل فصله، كما يمكن أن يكون الأجير هو الذي بادر إلى طلب المشغل بالإستماع إليه، وهذا ما أرادت الفقرة الأخيرة من المادة أعلاه أن تبينه حينما نصت على أنه:
« إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة، يتم اللجوء إلى مفتش الشغل».
فهذه الفقرة وردت لصالح الطرفين معا لمن له المصلحة في أن يثيرها.
وفي جميع الأحوال فالأجير الذي يعتزم إنهاء العلاقة الشغلية مطالب بإحترام إجراءات مسطرة الإستماع وإلا وصف قرار مغادرته بالتخلي عن العمل (أ) كما أن عدم تقييده بالقيد الزمني يعتبر خرقا لمقتضيات المادة 62 (ب).
أ-التخلي عن العمل
التخلي عن العمل هي مغادرة تلقائية تصدر عن الأجير بصفة انفرادية ونهائية للمؤسسة، وبعبارة أخرى هو ترك العامل من تلقاء نفسه لمركز عمله دون أن يحصل على إذن ولا موافقة مشغله، مما يعتبر معه هذا الفعل خرقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 62 أعلاه.
ويأخذ التخلي عن العمل في بدايته شكل التغيب بصفة مؤقتة دون أن يحصل على ترخيص مسبق من طرف مشغله أو من ينوب عنه، ثم يتكرر هذا التغيب إلى أن يصبح تغيبا دائما ليأخذ بعد ذلك التخلي عن العمل أو المغادرة منه، وبالتالي إنهاء العلاقة الشغلية والعقدية التي تجمعه بمشغله بصفة تعسفية.
ويقع عبء إثبات التخلي عن العمل من خلال لائحة الشهود أو من خلال إنذار يكون قد وجهه المشغل إلى الأجير من أجل الرجوع إلى العمل، إلا أنه ينبغي أن يكون هذا الإنذار قد توصل به بصفة قانونية وأن يكون قد وجه بعد مغادرة الأجير لعمله، وفي ظرف ملائم، أي قبل تقديم مقال الدعوى .
وصدر حكم في هذا الصدد عن المحكمة الابتدائية بالرباط جاء فيه:
« حيث لا يوجد أي نص يلزم المشغل بإحترام أي إجراءات مسطرية في حالة مغادرة الأجير وتخليه عن عمله تلقائيا، لكن أوقع على عاتقه بمقتضى الفقرة الأخيرة من م 63 من م.ش عبء إثبات واقعة مغادرته للعمل الأمر الذي حققته المدعى عليها في نازلة الحال بواسطة شهودها أعلاه.
وحيث تبعا لذلك وبثبوت واقعة تخلي المدعي عن عمله فإن طلباته المتعلقة بالطرد التعسفي وتوابعه عن إخطار وفصل تبقى غير مرتكزة على أساس ويتعين التصريح برفضها» .
وأمام ترك الأجير لعمله يكون على المشغل الركون إلى إجراءات مسطرة الإستماع إلى الأجير، وعند عدم حضور هذا الأخير إلى هذه الجلسة يعتبر أنه تخلى عن عمله، وبالتالي مخلا بمقتضيات المسطرة.
وبناء على ذلك فإن إحالة الأجير لجلسة الإستماع من طرف المشغل يمنح قرار الفصل الصفة القانونية ويعتبر الفصل مبررا خاصة وأن التغيب عن العمل لمدة تتجاوز 4 أيام أو ثمانية أنصاف اليوم، يعد خطأ جسيم يبرر الفصل.
على أنه في الحالة التي يتخلى فيها الأجير عن العمل بصفة انفرادية ويتهاون المشغل عن سلوك المسطرة ولا يلجأ إلى مفتش الشغل، ولم يلجأ إليها كذلك الأجير، فإن هذا الأخير لا يمكنه أن يتمسك أمام المحكمة بعدم احترام المشغل لإجراءات المادة 62 من م.ش ما دام هو الآخر لم يحترمها.
ب-عدم احترام الأجير لأجل 8 أيام للإستماع
بالرجوع إلى المادة 62 من م.ش نجدها حددت في فقرتها الأولى أجلا لإتاحة الفرصة للأجير للدفاع عن نفسه، بشرط ألا يتعدى 8 أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه للمشغل الفعل المنسوب إليه.
والإشكال الذي يثار بهذا الصدد يتعلق بهذا الأجل، فقد لا يعلم الأجير بحقيقة ما يدور في ذهن المشغل بشأن الفعل المنسوب إليه، لكنه يتوفر على مؤشرات غير طبيعية في العلاقات الشغلية مثل عدم توصله بأجرته في الدورية المحددة أو إقفال مكتبه أو منعه من الدخول إلى المقاولة، أو وجود أجير آخر مكان مركز عمله خاصة وأن رسالة الدعوى إلى الإستماع من طرف المشغل يمكنها أن تقتصر على موضوع الإستدعاء دون تحديد ماهية المؤاخذات ضد الأجير ولو أن مصلحة الأجير تقتضي العلم بتلك الأسباب حتى يهيئ نفسه ودفاعه.
ومنه فإن قيام المشغل بإستدعاء الأجير داخل الأجل القانوني المحدد في 8 أيام، وعدم احترام الأجير لهذا القيد الزمني الذي يبتدئ من اليوم الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب وتركه لهذا الأجل يمر دون أن يستفيد منه بإعتباره ضمانة أساسية خولها له المشرع.
وأخيرا يسقط حق الأجير في هذه الحالة في المطالبة بالرجوع إلى عمله وكذا حصوله على التعويض عن الفصل التعسفي، في المقابل يبقى للمشغل الحق في الحصول على التعويض عن الضرر من جراء الإنهاء المفاجيء من قبل الأجير .
المبحث الثاني: دور الرقابة الإدارية والقضائية في حماية الأجراء من الفصل التعسفي
يعتبر الإستقرار السياسي من الغايات التي تسعى إليها الدول مهما كانت نظمها السياسية وقوتها الإقتصادية والعسكرية، لكن ذلك رهين بتوفر الإستقرار الإجتماعي ، الأمر الذي يفسر تدخل الدول من خلال القانون وبدرجات متفاوتة في الحياة الإقتصادية والإجتماعية من أجل تهيىء الظروف الكفيلة بتوفير مناخ اجتماعي تسوده الطمأنينة والعدالة الإجتماعية.
وإذا كان القانون عموما، لن يحقق الأهداف المتوخاة من وراء سنه ما لم يعرف طريقه إلى التطبيق، مما استوجب إحداث جهاز قضائي يسهر على تطبيق القوانين توخيا لإحقاق العدالة بين أفراد المجتمع.
ولما كان القانون الإجتماعي محاولة جيدة لقطع حبل التحكم في الروابط الإجتماعية داخل الدول والحفاظ على السلم الإجتماعي والحيلولة دون نزوع الإنسان للسلطة والطغيان، إذ التعسف في إستعمال حق ما يمكن توقعه بعد تقرير الحق وإبرازه ، ويتحقق التعسف فى مجال الشغل فيما يقرر للمشغل من حق إستعمال سلطته وتماديه فى إستعمال هذه الأخيرة مع ادعائه أنه لم يستعمل إلا السلطة المخولة له.
وتقديرا لما للمشغل من حق التصرف فى السلطة المخولة له وخوفا من استعمالها فى غير ما أعدت له وانحرافه عن هذا الحق والتعسف فيه فإن المشرع المغربي قد وضع مراقبة على هذه السلطة وذلك بإستحداث جهازين للمراقبة، أولهما يتمثل فى الجهاز الإداري (المطلب الأول) تتجلى مهمته فى العمل على مراقبة احترام مدى تطبيق القانون الإجتماعي داخل المؤسسات الخاضعة له، ويلعب هذا الجهاز دورا وقائيا، إذ يتدخل منذ افتتاح المقاولة مراقبا وناصحا من جهة ومصالحا ومسجلا للخروقات المتبوعة بالجزاء من جهة أخرى. أما ثان هذه الأجهزة فتتمثل في الجهاز القضائي (المطلب الثاني) الذي لا يتدخل إلا بعد وقوع النزاع وتعرضت الحقوق للإنتهاك، لدى فهو يتدخل كدور علاجي بعد الفصل.
ونظرا للعلاقة الكبيرة التي تجمع بين الجهاز الإداري والجهاز القضائي، وهي دائرة تحقيق السلم الإجتماعي والحفاظ على الإستقرار داخل المجتمع، فقد عمدنا إلى تخصيص محور هذه الدراسة لهذين الجهازين مستقلين ودورهما في ضمان الحماية للأجراء المفصولين تعسفيا وذلك وفق الدراسة التالية:
المطلب الأول: دور الهيئة الإدارية في حماية الأجراء من الفصل
إن الحفاظ على السلم الإجتماعي وضمان استقرار العلاقة الشغلية والسهر على حسن تطبيق تشريع الشغل داخل المؤسسات الخاضعة للمراقبة أدى إلى تدخل المشرع بإحداث هيئة خاصة تتولى السهر على التوفيق بين مصالح الأجراء والمشغلين، أطلق عليها مفتشية الشغل .
فالعلاقات داخل المقاولة عادة ما تجري بين المشغل وأجرائه بطريقة سليمة كما قد تنجم عنها نزاعات تستوجب تدخل أطراف محايدة بهدف إعادة الأمور إلى نصابها، ولما كان هدف مدونة الشغل هو الحفاظ على علاقات متوازنة بين المشغلين وأجرائهم والحفاظ على مناصب الشغل، لذا خول هذا الإختصاص لعدة أجهزة توجد على رأسها مفتشية الشغل التي تضطلع بدور رائد في هذا المجال .
بالرجوع إلى المادة 532 من م.ش فقد حددت مهام الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل فيما يلي:
1- السهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل؛
2- إعطاء المشغلين والأجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجع الوسائل لمراعاة الأحكام القانونية؛
3- إحاطة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل علما بكل نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها؛
4- إجراء محاولة التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية”.
من خلال هذه المادة يتضح أن مفتش الشغل يقوم بمهام عدة، وتبقى المهمة الأسمى التي يقوم بها هي إجراء محاولة الصلح في مجال نزاعات الشغل الفردية وهي من المستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل بعدما أملتها ظروف الواقع العملي.
وهذا الدور التصالحي الذي يقوم به مفتش الشغل خاصة فيما يطلق عليه بالصلح التمهيدي للتدخل به بين الطرفين المتنازعين –الأجير والمشغل- هو الذي سنعمل على تناوله في الفقرة الأولى، على أن نتناول في الفقرة الثانية دور مفتشية الشغل في حماية فئة خاصة من الأجراء.
الفقرة الأولى: تدخل مفتش الشغل بمسطرة الصلح التمهيدي في حالة الفصل
تعتبر مسطرة الصلح التمهيدي من المستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل، حيث تناول المشرع هذه المسطرة في المادة 532 وسماها بالصلح التمهيدي في المادة 41 من م.ش، وتدخل هذه المسطرة في باب المطالبة الودية أو الحبية يلجأ إليها الأجير من أجل المطالبة بحقوقه بشكل ودي عندما يتعرض للفصل لسبب يعتبره تعسفي، وتجري أمام مفتش الشغل في إطار الإختصاص التصالحي المخول له.
ومما تجدر الإشارة إليه أن تسمية هذه المسطرة بالصلح التمهيدي من طرف المشرع المغربي تعرضت للنقد من طرف بعض الفقه وذلك بإعتبار أن هذا النوع من الصلح ليس تمهيدا في جوهره ولكنه نهائي في آثره، وكان من الأجدر على المشرع أن يطلق عليه الصلح الودي ، ونسير في هذا الإتجاه لسبب أساسي هو أن تسمية الصلح بالتمهيدي قد توحي بأن هذه المسطرة هي إجراء ممهد لعرض النزاع أمام المحاكم وهو أمر لا يحتمل الصواب، لأن الهدف من الصلح هو فض نزاع وإنهاؤه وليس التمهيد له.
ومسطرة الصلح مسطرة إختيارية من خلال صيغة “يمكن” الواردة في الفقرة الثالثة من المادة 41 من م.ش، ويكون اتخاذ المبادرة فيها من قبل الأجير الذي فصل عن الشغل لسبب غير مشروع.
وتبعا لذلك فإن مهمة التصالح ذات قيمة عالية وسامية، لأنه في الحقيقة على مفتش الشغل أن يراقب تطبيق القانون في كل ما يتعلق بمجال الشغل، وإذا وقع نزاع بين أطراف العلاقة فعليه أن يتدخل لإصلاح ذات البين وبكل ما يملك من علاقات طيبة بين الأطراف.
أولا: التباين الحاصل بشأن الصلح من خلال المادة 41 والمادة 532 من مدونة الشغل
لقد رغب المشرع المغربي في أن يخفف عن القضاء حجم المنازعات المعروضة عليه في المادة الشغلية وذلك بأن أسند لمفتش الشغل صلاحية الإشراف على إجراء الصلح بين الأجير والمشغل، وهو اختصاص تنص عليه المادة 532 من م.ش في فقرتها الرابعة، علما بأن هذا الإختصاص أثار قبل صدور مدونة الشغل
اختلافا بين مؤيد ومعارض لذلك.
غير أن مدونة الشغل أسندت عملية الصلح لمفتش الشغل صراحة وجعلت المحضر المبرم أمامه إبراء جزئي وذلك ما تنص عليه الفقرة الخامسة من المادة 532 من م.ش .
بحيث أن النزاع بين الأجير والمؤاجر يعتبر منتهيا في حدود ما هو متصالح عليه أمام مفتش الشغل، وما دون ذلك فيكون قابلا للنزاع فيه أمام القضاء.
غير أنه بالرجوع إلى المادة 41 من م.ش في فقرتها الثالثة نجدها تنص على أنه يمكن للأجير الذي فصل من الشغل لسبب يعتبره تعسفيا اللجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدي المنصوص عليه في الفقرة 4 من المادة 532 من أجل الرجوع إلى شغله أو الحصول على تعويض.
وتنص هذه المادة في فقرتها الخامسة على أنه:
“يعتبر الإتفاق الذي تم التوصل إليه في إطار الصلح التمهيدي نهائيا وغير قابل للطعن”.
هذا ما جعل قراءة وتحليل المادتان 41 و 532 من م.ش تعرض لإختلاف وتضارب كبير في الساحة الفقهية والقضائية، ويظل السؤال المطروح في هذا الصدد هو هل الصلح التمهيدي الواقع تحت إشراف مفتشي الشغل قابل للطعن أم لا؟
أ- موقف الفقه من الصلح التمهيدي
ذهب أحد الفقهاء إلى أن مدونة الشغل تبنت خيارين بخصوص الصلح التمهيدي، خيار أول أساسه المادة 41 ومنه عدم جواز الطعن في اتفاق الصلح التمهيدي، وخيار ثان أساسه المادة 532 وبالتالي جواز الطعن في محضر الصلح.
وذهب رأي آخر إلى ربط الصلح الوارد في المادتين 41 و 532 بمقتضيات المادة 62 (مسطرة الإستماع إلى الأجير) وتم التمييز بين حالتين:
الحالة الأولى؛ يتم الصلح مع عدم سلوك المشغل لمقتضيات المادة 62 من م.ش، فهنا يعتبر الصلح غير نهائي ويبقى قابل للطعن ويأخذ في هذه الحالة طابع صافي في الحساب وذلك بإعتبار أن الأجير لازال تابعا للمشغل وليس له الحرية في التفاوض ويصبح الصلح في هذه الحالة قابل للطعن.
أما الحالة الثانية؛ فهي التي يسلك فيها المشغل المسطرة المنصوص عليها في المادة 62 من م.ش، فهنا تكون علاقة التبعية قد انحلت بموجب ذلك يكون الأجير في وضع تفاوضي أحسن، وبذلك يكون الصلح غير قابل للطعن.
وفي هذه الحالة نورد حكما صادر عن المحكمة الابتدائية بالمحمدية جاء فيه: “وحيث بالرجوع لملف النازلة يتبين أن المدعي أبرم صلحا إتفاقيا وفق مقتضيات المادة 41 من م.ش، وأن هذا الصلح أصبح نهائيا وغير قابل لأي طعن خاصة وأنه استوفى الشروط المتطلبة قانونا، وحيث يتعين اعتبار طلبات المدعي غير مبررة قانونا” .
وبالمقابل هناك من يرى أنه رغم أن المادة 41 من م.ش نصت على حق الأجير المفصول تعسفيا في اللجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدي، ولكن لا يعني أن هذه المسطرة مخصصة فقط للفصل التعسفي بدليل أن المادة نفسها في فقرتها الثانية تنص على أنه:
“لايمكن للطرفين أن يتنازلا مقدما عن حقهما المحتمل في المطالبة بالتعويضات الناتجة عن إنهاء العقد سواء كان الإنهاء تعسفيا أم لا”.
ويمكن إجراء الصلح في كل المسائل الناتجة عن إنهاء عقد الشغل أو تعلق الأمر بالتعويضات المستحقة للتعامل إثر إنهاء عقد الشغل من طرف المشغل، إذ تنص المادة 59 من م.ش على أنه:
“يستفيد الأجير عند فصله تعسفيا من التعويض عن الضرر والتعويض من أجل الإخطار المنصوص عليها على التوالي في المادتين 41 و 51 أعلاه”.
وبالرجوع إلى المادة 41 من م.ش نجدها استعملت عبارة التوصيل وهو ما يستنتج منه أنه يمكن تحريره من قبل الطرفين أو من أحدهما، وأن مفتش الشغل يوقعه بالعطف فقط، في حين أن المادة 532 استعملت عبارة محضر وتحريره يتم من طرف مفتش الشغل بإعتباره الشخص المؤهل قانونا لتحرير المحضر ويوقع عليه بالعطف كما يوقع عليه الطرفين.
ونتساءل هنا؛ هل نحن أمام مسطرتين أم مسطرة واحدة للصلح التمهيدي؟
الملاحظ هنا أنه كان على المشرع أن يقلب الآية بتقديم محتوى المادة 532 على المادة 41 لأن مسطرة المادة 532 هي مسطرة إجرائية لمحاولة التصالح وليس بالإتفاق ويكون ما توصل إليه من محاولات مسطرة في محضر له قوة إبراء في حدود المبالغ المبينة فيه، خلافا للصلح حسب المادة 41 فهو صلح محرر في توصيل مصادق عليه من طرف الجهة المختصة وغير قابل لأي طعن أمام المحاكم .
وما يدل على أن المادة 532 هي الأصل في الصلح التمهيدي هو ما نصت عليه المادة 41 :
“يمكن للأجير الذي فصل عن الشغل لسبب يعتبره تعسفيا اللجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدي المنصوص عليه في الفقرة 4 من المادة 532”.
فالمشرع نص على هذه المسطرة في المادة 532 وسماها بالصلح التمهيدي في المادة 41 ونرى أن منطق الأمور أن تسبق المادة 532 المادة 41 أو التنصيص على الصلح التمهيدي في المادة 532 مباشرة.
ويترتب عن هذه النتيجة المتوصل إليها أنه دائما عندما يتعلق الأمر بالصلح التمهيدي يتم تحرير محضر بهذا الأمر من طرف مفتشي الشغل، وكإستثناء في حالة وجود تعويض عن الفصل التعسفي يتم تحرير توصيل التوقيع عليه من طرف الأجير والمشغل، ويكون هذا التوصيل مرفقا لمحضر الصلح، فإذا كان الأول يضم فقط مبلغ التعويض فإن الثاني يضم باقي الحيثيات المتعلقة بإتفاق الصلح، وهذا التوصيل هو الذي لا يقبل الطعن أمام المحاكم لأنه خاص وأن التعويض عن الفصل التعسفي أصبح محددا بموجب القانون.
وأن هذا التحديد يعتبر الحد الأدنى الذي لا يمكن النزول عنه، فإن الطعن في هذا التوصيل سيكون تحصيل حاصل فقط ولن يؤدي إلى أي نتيجة لأن المبلغ المنصوص عليه في التوصيل هو نفسه الذي ستحكم به المحكمة إن قبلت الطعن، بل إن مبلغ التعويض الذي يكون في التوصيل قد يزيد عن ما ستحكم به المحكمة، أما إذا نزل مبلغ التعويض عن الحد الأدنى المنصوص عليه في مدونة الشغل فإن اتفاق الصلح التمهيدي سيكون هنا باطلا لأنه سيكون قد خالف شرطا من شروط صحته وهو الذي تنص عليه المادة 41 :
“لا يمكن للطرفين أن يتنازلا مقدما عن حقهما المحتمل في المطالبة بالتعويضات الناتجة عن إنهاء العقد”.
أما بخصوص محضر الصلح الذي يحرره مفتش الشغل فتكون له قوة الإبراء في حدود المبالغ المبينة فيه فقط، فهو يقبل الطعن أمام المحكمة دائما، أي إذا كان الأجير يستحق أداءات أخرى بفعل تنفيذ العقد أو إنهائه وغير مضمنة في عقد الصلح الذي وقع الاتفاق بمقتضاه، فإنه يجوز له اللجوء إلى القضاء للمطالبة بها.
وقد تبنى بعض الباحثين نفس التوجه بقولهم :”لا يوجد تناقض بين مقتضيات المادتين المذكورتين: فالمادة 41 وردت في الفرع الثاني المتعلق بكيفية إنهاء عقد الشغل وهو مقتضى جاء على وجه التخصيص، في حين أن مقتضيات المادة 532 وردت بمناسبة سرد الاختصاصات العامة الموكولة لمفتش الشغل، بالإضافة إلى أن المادة 41 تنص على توقيع مفتش الشغل على توصيل استلام مبلغ التعويض في حين أن المادة 532 تتحدث عن محضر يمضيه طرفا النزاع ويوقعه مفتش الشغل، فإشارة المشرع إلى سلوك مسطرة الصلح التمهيدي في صلب المادة 41 اقتصر على الأخذ بالمسطرة فقط بمفهومها الإجرائي دون ترتيب الأثر القانوني الوارد في المادة 532 والذي جعل من محاضر الصلح الموقع من قبل مفتشي الشغل تكتسي فقط قوة الإبراء في حدود المبالغ المبينة فيها،
ولا أدل على ذلك هو ذكر لفظ “الاتفاق” والذي يعني توحيد إرادتي طرفي العقد على تنظيم الآثار المالية الناتجة عن إنهاء عقد الشغل، ومنحها بالتالي الطابع النهائي وعدم القابلية للطعن أمام المحاكم. وأخيرا فإن الأخذ بالجانب الإجرائي للمادة 532 فقط بمناسبة تطبيق الصلح التمهيدي المنصوص عليه في م 41 يتجلى عند إجراء مقارنة بين مقتضيات المادة 74 متعلقة بوصل تصفية كل حساب والمادة 532، فالمشرع لم يستلزم توقيع مفتش الشغل على التوصيل تصفية كل حساب إلا في الحالة التي يكون فيها الأجير أميا”.
ب- موقف القضاء الإجتماعي في التعامل مع الصلح التمهيدي
من خلال بعض الأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن بعض المحاكم المغربية، يتضح أن الاتجاه القضائي الغالب يسير في اتجاه تغليب مقتضيات المادة 41 من م.ش على المادة 532 منها، وبالتالي الحكم برفض طعن الأجير متى تم إنجاز محضر صلح تمهيدي.
فقد ذهبت المحكمة الابتدائية بالرباط في حكم لها إلى الإعتداد بالصلح التمهيدي الواقع تحت إشراف مفتش الشغل، وقد عللت حكمها هذا :
“وحيث دفع المدعى عليه كون المدعي تغيب عن العمل بدون مبرر فضلا على أنه تم الاتفاق أمام السيد مفتش الشغل قصد التحاقه بالعمل ولم يحترم الاتفاق واستمر في الغياب…
وحيث إنه فضلا عن ذلك فالثابت من محضر التصالح المدلى به بالملف أنه تم الاتفاق أمام مفتش الشغل على رجوع المدعي للعمل إلا أن هذا الأخير لم يدلي للمحكمة بما ثبت أنه فعلا إلتحق بالعمل ومنع استئنافه…” .
وتسير محكمة الاستئناف بالرباط في نفس التوجه حيث جاء في حيثيات أحد قراراتها :
“حيث انصب الاستئناف على الدفع بأن الحكم أساء التعليل الموازي لإنعدامه، وخرق المادة 41 من م.ش، إذ رغم الصلح التمهيدي النهائي لجأ المدعي إلى الطعن أمام المحكمة، واعتبر الصلح تم تحت الضغط والحال أن وقائع الضغط والإكراه منتهية والأمر يتعلق بتوقيف نشاط المعارضة بمقتضى قرار إداري…
وحيث بالاطلاع على الوثائق المدلى بها، وخاصة محضر الصلح التمهيدي المبرم بين المستأنف عليه والمشغلة بتاريخ 25/12/2006 يتضح أنه تم وفق المادة 41 من م.ش وهو الصلح التمهيدي النهائي، ولاحق للمستأنف عليه في الطعن فيه أمام المحكمة، ولا يمكن اعتبار محضر الصلح وصل صافي في الحساب أو صلح بسيط بما تضمنه لأن الصلح تم أمام مفتش الشغل وفق ما يهدف إليه المشرع في المادة 41 من م.ش، وهو نهائي لم يتضمن أي تحفظ ولا يمكن أن يتم الصلح نهائيا ويخضع للمادة 75 من م.ش.
وحيث إن الصلح المبرم بين الطرفين أمام مفتشية الشغل يهدف إلى تقوية دور هذه المؤسسة في فض النزاع قبل اللجوء إلى القضاء، ويعتبر التعويض الذي توصل به المستأنف عليه، وقبل به وصادق على توقيعه دون تحفظ هو المستحق والمنهي للنزاع في إطار الصلح التمهيدي النهائي المتفق عليه… ” .
يتبين من خلال هذه الأحكام والقرارات أن القضاء يسير في اتجاه عدم قبول الطعن في الصلح التمهيدي، لكن في المقابل يتم قبول الطعن في هذا الصلح بعلة عدم احترام الشروط والإجراءات المنصوص عليها في المادة 41، وهذا ما جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط والذي جاء فيه:
“…وحيث إن المدعى عليها أكدت على أن المدعي اختار المغادرة ولم يتعرض لأي طرد تعسفي، لكن حيث إنه بعد إجراء البحث، ومن خلال تصريحات المشغل صاحب المحل نفسه يتبين أنه تم الاتفاق على تعويض المدعي على شركة العمل.
وحيث إن هذا الاتفاق لم يتم إدراجه ضمن الصلح القانوني ووفقا للشكل المحدد من طرف المشرع طبقا لمقتضيات المادة 41 من م.ش، وبالتالي فإنه ليس هناك ما يؤكد الصلح والاتفاق المزعوم، وأن رغبة المشغل كانت واضحة في التخلص من المدعي من أجل تجديد نشاط المحل” .
فإذا كان هذا هو حال الصلح التمهيدي الذي يقوم به مفتش الشغل، فماذا عن الصلح في حالة الفصل التعسفي؟
ثانيا:الصلح في حالة الفصل التعسفي
نظم المشرع المغربي الصلح في حالة الفصل التعسفي من خلال المادة 41 من م.ش التي خولت للأجير الذي فصل من عمله لسبب يعتبره تعسفيا اللجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدي المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من م 532 من م.ش، ويتم هذا الصلح لدى مفتش الشغل الذي يتوسط بين الأجير والمشغل بمحاولة للتصالح بينهما وذلك من أجل إرجاع الأجير إلى شغله أو حصوله على التعويض.
وجاءت المادة 41 من م.ش لتضيف شروطا متى وجدت انتج الصلح المبرم بين الطرفين بحضور مفتش الشغل في حالة الفصل التعسفي آثاره.
وتتمثل هذه الشروط في أنه في حالة حصول الأجير على تعويض فإنه يوقع توصيل إستلام مبلغ التعويض من طرف الأجير والمشغل أو من ينوب عنه، ويتعين أن يكون مصادقا لصحة إمضاءه من طرف الجهة المختصة، ويوقعه بالعطف العون المكلف بتفتيش الشغل .
وكلما تحققت هذه الشروط أنتج الصلح آثاره وأصبح نهائيا في وضع حد للنزاع ولا يمكن الطعن فيه أمام المحاكم، وذهب بعض الفقه إلى القول بضرورة تشجيع الصلح الوارد في المادة 41 من م.ش وتمديده ليشمل الاتفاق الودي. ويرجع تقرير الآثار النهائي للصلح المبرم في المادة 41 في رغبة المشرع من تخفيف العبء على القضاء الإجتماعي وذلك بعد إحاطته بكل الضمانات والشروط التي يستلزمها .
ونطرح بعض التساؤلات في هذا المقام؛ هل الصلح الذي يجريه مفتش الشغل يجب أن ينصب فقط على التعويض عن الفصل التعسفي فقط، أم أنه يشمل كل التعويضات الناتجة عن هذا الفصل؟
بالرجوع إلى المادة 59 من م.ش نجدها تنص على أنه:
” يستفيد الأجير عند فصله تعسفيا من التعويض عن الضرر والتعويض عن أجل الإخطار المنصوص عليهما على التوالي في المادتين 41 و51 أعلاه”.
من خلال هذه المادة وكإجابة عن التساؤل أعلاه يتبين لنا أن الصلح ينصب على كل المسائل المتعلقة بإنهاء عقد الشغل أي كل التعويضات المستحقة للأجير نتيجة الفصل وكل المسائل المتعلقة بعقد الشغل من مثال شهادة العمل…
كما تنص المادة 41 من م.ش أنه :
” لا يمكن للطرفين أن يتنازلا مقدما عن حقهما المحتمل في المطالبة بالتعويضات الناتجة عن إنهاء العقد سواء كان الإنهاء تعسفيا أم لا”.
وارتباطا بالتساؤل أعلاه يحق لنا أن نتساءل، ما هو الحكم في حالة توقيع الأجير على توصيل استلام التعويض أن يطالب بتعويض آخر لم يتوصل به؟
بخصوص هذا الإشكال يمكن القول بأنه رغم انتهاء مسطرة الصلح التمهيدي يبقى من حق الأجير المطالبة بالتعويضات التي لم يتوصل بها وغير المضمنة في التوصيل، كما أن المحضر المحرر من طرف مفتش الشغل تكون لها قوة الإبراء في حدود المبالغ المبينة فيه .
ونفس التوجه تبناه القضاء في حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 20 يناير 1994 جاء فيه ما يلي:
“…لكن حيث إن التعويض عن مهلة الإخطار وعن الإعفاء هو تعويض تنظمه نصوص قانونية من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على ما يخالف أحكامها.
وحيث إنه لو اعتبرنا بأن التعويض المحصل عليه في نطاق عقد الصلح يغطي بكيفية أو بأخرى الضرر الناتج للمدعي عن الإنهاء التعسفي لعقد العمل بمبادرة من المدعى عليها ولا يد للعامل فيه كما تعترف بذلك المشغلة في طلب عقد الصلح، فإنه لم يحصل منها على أي تعويض عن مهلة الإشهار ولا الإعفاء وبالتالي يبقى من حق العامل المطالبة بهذا التعويض طبقا للقانون سيما وأنه أبرم عقد الصلح يوم فصله من العمل ومن تم لم تكن له المدة الكافية لكي يناقش عقد الصلح مع الم
من النظام العام…” .
الفقرة الثانية: تدخل مفتش الشغل في حماية فئة خاصة من الأجراء
تحقيقا لإستقرار العلاقات الشغلية والحد من المنازعات التي تهدد طرفيها -الأجير والمشغل- فإن المشرع ووعيا منه بإنشاء -كما أسلفنا الذكر- جهاز تفتيش الشغل للسهر على حسن تطبيق قانون الشغل والحفاظ على العلاقة الطيبة بين الأجراء ومشغليهم وتحقيق السلم الإجتماعي بينهم حيث أصبح هذا الدور منصوص عليه قانونا بعد أن تم المصادقة عليه في مدونة الشغل.
“ولأجل ذلك فإن مفتش الشغل بإعتباره المسؤول عن تحقيق الحماية التي ينشدها قانون الشغل يقوم بعمله سواء أثناء تنفيذ عقد الشغل أو عند إنتهاءه وبالتالي فإنه يقف على شروط عمل الأجير سواء كان أجيرا عاديا أو مندوبا للعمال أو عاملا حدثا أو امرأة عاملة والتي ميزها المشرع إلى جانب الطفل العامل بحماية خاصة نظرا للإستغلال الذي كان يتعرضان له من طرف المؤاجرين، والذي لا زال الطفل يعانيه في معامل الصناعة التقليدية وإلى جانب هؤلاء نجد العامل المعاق الذي لابد من تهيئ الجو المناسب لعمله حتى لا يكون على هامش الإهتمامات التي يحضى بها غيره من الأجراء، وبالتالي فإن مفتش الشغل وعند قيامه بالمراقبة يقوم بذلك لصالح هذه الفئات كلها من أجل حمايتها من التعسف وتوفير ظروف أفضل للعمل، وضمان الحقوق التي يتمتع بها والتي تضمنها أساسا صفتها كطبقة عاملة” .
فإذا كان المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل قد أضفى حماية خاصة على طبقات من العمال إما على أساس سنها أو جنسها أو إعاقتها… فإنه رخص لمفتش الشغل التدخل لحماية كل من مندوب الأجراء والممثل النقابي وكذا طبيب الشغل.
أولا: الحماية القانونية الخاصة بمندوب الأجراء والممثل النقابي
“إن مفهوم المؤسسة في قانون الشغل يعني وجود عدد من الأجراء يقومون بنشاط مشترك تحت طائلة سلطة هيئة تقوم بمهام الإدارة والتسيير والمؤسسة الشغلية بعد التطور الإقتصادي الذي شهدته الدول الأوربية والذي نجم عنه تحول نوعي في العلاقات المهنية والإجتماعية، لم تعد كما كانت ملكية مطلقة لصاحبها، وإنما قد تحولت إلى أداة تضمن نوعا من التوازن بين المصالح الإقتصادية والإجتماعية ووسيلة لتحقيق المصلحة العامة. بل إن إعطاء المؤسسة صورة ديمقراطية اقتضى مشاركة الأجراء في تسييرها والتي اتخذت عدة أشكال، بحيث قد تكون المشاركة اقتصادية بمعنى أن يشارك الأجراء بواسطة ممثلين منتخبين في الإدارة الإقتصادية للمؤسسة، كما يمكن أن تقتصر مشاركتهم في الإدارة على الجانب الإجتماعي أي في المسائل التي تتعلق بالأجراء أنفسهم كما هو الحال بالمغرب” .
وتبعا لذلك يمكن لنا تناول هذه الحماية المخولة لكل من مندوب الأجراء والممثل النقابي في نقطتين أساسيتين، ومن خلالهما سنبين دور مفتش الشغل في هذه الحماية، وهل فعلا دوره قوي في حماية هذه الفئات، وهل يعتبر هذا الدور إلزاميا أم مجرد إستشاري؟
أ-حماية مندوب الأجراء
موازة مع الإختصاصات التي أسندت لمندوب الأجراء، جاءت مدونة الشغل كباقي التشريعات الأخرى لتوفر لهم حماية خاصة وذلك نظرا لإمكانية تعرضهم لمضايقات والتي من شأنها أن تخل بمستوى تمثيلهم للعمال.
رغم أن اكتساب صفة مندوب الأجراء لا تخلع عنه صفته كأجير إلا أن صفته كمندوب عن الأجراء تجعل وظيفته الأساسية تتمثل في ربط الإتصال بين الأجراء من جهة والمشغلين من جهة ثانية بصدد النزاعات الفردية أو الجماعية المطروحة داخل المؤسسة. وغالبا ما تكون هذه التصرفات مزعجة للمشغل بسبب المواقف التي يتخذها، ولهذه الغاية بالذات اتخذ المشرع بعض التدابير القانونية الحمائية لحمايتهم من أن يكون في عرضة للفصل التعسفي في أي وقت.
وما تجدر الإشارة إليه أن المشرع المغربي قد سن من خلال مدونة الشغل عدة آليات لعمل مندوب الأجراء، لإيجاد وضع ملائم داخل المقاولة ويتجلى ذلك من خلال المادتين 455 و 456 من م.ش.
ونظرا لطبيعة المهام المنوطة بمندوب الأجراء، فقد حرص المشرع على توفير قدر من الحماية له من خلال مقتضيات عدة، حيث جاء في المادة 36 من م.ش على أنه:
” لا تعد الأمور التالية من المبررات المقبولة لإتخاذ العقوبات التأديبية أو الفصل من الشغل…
3-طلب الترشيح لممارسة مهمة مندوب الأجراء أو ممارسة هذه المهمة، أو ممارستها سابقا…”.
كما عززت هذه الحماية المادة 457 من م.ش حيث أكدت أن كل إجراء يعتزم المشغل إتخاذه في حق مندوب الأجراء أصليا كان أو نائبا، يجب أن يكون موضوع مقرر يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل، إذا كان هذا الإجراء يرمي إلى نقل المندوب أو نائبه من مصلحة إلى أخرى أو من شغل إلى آخر أو إلى توقيفه من شغله أو فصله عنه. وهي نفس المقتضيات التي سبق للفصل 12 من ظهير 29 أكتوبر 1962 الملغى والذي عوض بالمادة 457 أعلاه.
ويقابل هذه المادة الإتفاقية الدولية رقم 135 المتعلقة بحماية مندوب الأجراء والتي صادق عليها المغرب في 30-6-1973 .
ونؤكد أن أخذ موافقة العون المكلف بتفتيش الشغل بشأن اتخاذ أحد العقوبات التأديبية أعلاه -خاصة الفصل- ليس إختياريا وإنما يعتبر إلزاميا، وذلك من خلال صيغة الإلزام “يجب” التي جاءت به المادة أعلاه.
ومنه جاءت عدة قرارات لتؤكد هذا الطرح، حيث جاء في أحد القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى :
“أن اتخاذ أي إجراء تأديبي في حق مندوب العمال دون أخذ رأي مفتش الشغل كما يتجلى من مقتضيات الفصل 12 أعلاه يعد باطلا لأنه إجراء من النظام العام لا يمكن مخالفته ونتيجة لذلك يعتبر طرد مندوب العمال بدون أخذ رأي مفتش الشغل طردا تعسفيا بقطع النظر عن الأخطاء المنسوبة إليه إذ المشرع خول للمشغل في حالة ارتكاب خطأ جسيم توقيف المندوب توقيفا مؤقتا ريثما يصدر مفتش الشغل رأيه في ظرف ثمانية أيام، وبعد ذلك يحق لمن يهمه الأمر اللجوء إلى القضاء، ومن تم فإن محكمة الإستئناف عندما اعتبرت طرد المطلوب في النقض طردا تعسفيا لعدم تطبيق الفصل 12 من ظهير 29/10/62 المذكور قد بنت قرارها على أساس قانوني صحيح، وطبقت الفصل المذكور تطبيقا سليما” .
وأكد المجلس الأعلى في نفس التوجه على أن: “المشغل ملزم بإتباع رأي مفتش الشغل بخصوص العقوبة التي يستحقها مندوب الأجراء أو نائبه تطبيقا للمادة 457 من م.ش، ومخالفة رأيه يجعل الإجراء المتخذ متسما بالتعسف وموجبا للنقض” .
وهكذا يجب على العون المكلف بتفتيش الشغل أن يتخذ قراره بالموافقة أو الرفض –طبقا للفقرة الأخيرة من م 459 من م.ش- خلال ثمانية أيام الموالية لإشعاره من طرف المشغل بالقرار الذي ينوي اتخاذه في حق مندوب الأجراء، كما اشترط أن يكون قراره معللا، ذلك أن قرار العون المكلف بتفتيش الشغل يعتبر إداريا صادر عن سلطة إدارية والتالي خاضعا لقانون 01-03 بشأن إلزام الإدارات العمومية بتعليل قرارتها الإدارية .
ونطرح تساؤلا في هذا الصدد؛ ما الحل في حالة إذا أشعر المشغل مفتش الشغل بشأن الإجراء الذي يعتزم اتخاذه وتقاعس هذا الأخير عن اتخاذ أي قرار خلال الأجل المحدد، أو اتخذه خارج هذا الأجل؟
المشرع هنا لم يقدم أي حل لهذه المسألة ولم يرتب أي جزاء عن ذلك ونرى بأن دور القضاء سيكون بارزا في هذه الحالة، وذهب أحد الفقهاء بأن المشغل وإن احترم المسطرة فلا يمكنه إتخاذ أي قرار ما دام أي إجراء تأديبي يستوجب موافقة مفتش الشغل وأن عدم جوابه لا يعد قبولا للعقوبة وبالتالي يرى أن المشغل وإن احترم المسطرة فلا يمكنه اتخاذ أي قرار، وأن عدم جوابه لا يعد قبولا للعقوبة وبالتالي يرى أن قيامه بفصل الأجير في هذه الحالة سيجعل عمله مشوبا بطابع التعسف شكلا
ب- حماية الممثل النقابي
بعدما كان مندوب الأجراء يتمتع لوحده- دون الممثل النقابي بالمقاولة- بكثير من الضمانات الحمائية والتسهيلات لممارسة مهامه كممثل للأجراء المنتخبين له، مددت تلك الحماية للممثل النقابي بعد صدور مدونة الشغل.
واعتبارا لذلك فقد عمل المشرع المغربي على منحه نفس الحماية التي يستفيد منها مندوب الأجراء من حقوق وضمانات، وهذا ما جاء في المادة 472 من م.ش:
” يستفيد الممثلون النقابيون من نفس التسهيلات الحمائية التي يستفيد منها مندوبو الأجراء بمقتضى هذا القانون…”.
ويتبين من خلال هذه المادة أن المشرع المغربي استطاع سد الفراغ التشريعي الذي كانت تعاني منه مؤسسة الممثل النقابي مستفيدا في ذلك مما هو منصوص عليه في بعض التشريعات المقارنة كالتشريع الفرنسي الذي لا يمكن في ظله القيام بفصل الممثل النقابي إلا بعد صدور موافقة العون المكلف بتفتيش الشغل، وإلا اعتبر المشغل مرتكبا لجريمة عرقلة حرية الحق النقابي، لكونه يعتبر من الأجراء المحميين ومن شأن هذه الحماية أن تساهم في الحد من الفصل التعسفي الذي كان يتعرضون له .
وتبعا لذلك، فإن المشغل الذي ينوي فصل الممثل النقابي بسبب ارتكاب هذا الأخير لخطأ جسيم يجب عليه الحصول على موافقة العون المكلف بتفتيش الشغل، وقد أكد القضاء المغربي هذه الحماية من خلال حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية بالدارالبيضاء الذي جاء فيه:
“وحيث إن الثابت من خلال رسالة الكنفدرالية للشغل المؤرخة في 3/5/2005 والمؤشر عليها من طرف هذه الأخيرة أن المدعي أختر ككاتب عام للمكتب النقابي لمستخدمي شركة “x” حيث إن دفع المدعى عليها بعدم علمها بصفة المدعي كممثل نقابي يتخذ أصل الإشعار بالتوصل بالفاكس برسالة الكنفدرالية، والذي يحمل نفس رقم فاكس المدعى عليها الثابت للمحكمة من خلال الوثائق المدلى بها من طرف هذه الأخيرة نفسها، إضافة إلى أنه من المفترض على كل مشغل أنه على علم بإنتماء عماله النقابي،…
وحيث إن الممثل النقابي يستفيد طبقا للمادة 472 من م.ش من نفس الحماية التي يستفيد منها مندوب الأجراء.
وحيث إنه طبقا للمادة 457 من م.ش يجب أن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل إتخاذه في حق مندوب الأجراء موضوع مقرر يوافق عليه العون المكلف التفيش الشغل، إذا كان الإجراء بنقل المندوب أو نائبه من مصلحة إلى أخرى أو من شغل لأخر أو إلى توقيفه عن شغله أو فصله عنه.
حيث إنه بتفحص وثائق الملف يتضح أن المدعى عليها لم تسلك المسطرة المنصوص عليها في المادة 457 من م.ش وبذلك تكون عقوبة التوقيف والفصل المتخذة في حق المدعي إجراءات تعسفية وتكون المحكمة في غنى، وغير ملزمة بالنظر في طبيعة الأخطاء المرتكبة من طرف الأجير والتي أدت إلى صدور تلك العقوبات في حقه” .
ثانيا:الحماية المقررة لطبيب الشغل
نظم المشرع المغربي المصالح الطبية للشغل في المواد من 304 إلى 331 من م.ش وفي هذا الصدد قرر المشرع أنه يجب على كل المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والإستغلالات الفلاحية والغابوية والتي تشغل أقل من 50 أجيرا أن تحدث إما مصالح طبية للشغل مستقلة أو إما مصالح طبية مشتركة وفق الشروط التي تحددها السلطة الحكومية المكلفة بالشغل والتشغيل .
ولما كان مبدأ الدفاع عن حقوق الأجراء قد يؤدي إلى تعارض المصالح، وما دامت سلطة المشغل في الموقع الأقوى، لذا كان من الضروري وضع مسطرة خاصة هدفها المراقبة السابقة لأي جزاء سواء كان الخطأ يسيرا أو جسيما، ومن حسنات المشرع أنه تدارك هذه الهفوة وقرر بمقتضى المادة 313 من م.ش أن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل أو رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات إتخاذه في حق طبيب الشغل موضوع قرار يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل بعد أخذ رأي هذا الطبيب، ويعتبر هذا المقتضى من سياق المستجدات الواردة في مدونة الشغل.
ويتضح من خلال المادة 313 أعلاه وعلى خلاف مندوب الأجراء والممثل النقابي فإن المشرع سوى بين جميع حالات الإجراءات التأديبية التي يمكن أن تتخذ في حق طبيب الشغل واشترط فيها وجوب حصول العون المكلف بتفتيش الشغل بالإضافة إلى استشارة طبيب الشغل لما له من دراية في مجاله الطبي المهني.
وما يلاحظ على المادة 313 أعلاه أنها لم تنص على جزاء خرق مقتضياتها، وحسب بعض الفقه فإنه سيجعل لا محال الإجراء المتخذ غير مبرر ويمكن إلغاءه أو اعتبار الفصل تعسفيا في حالة حدوثه.
وفي قرار لمحكمة النقض الفرنسية لا يمكن فصل طبيب الشغل بسبب الممارسة العادية لمهنته .
المطلب الثاني: دور الرقابة القضائية في حماية الأجراء من الفصل
لا يكفى لتوفير حماية فعالة وحقيقية للأجراء من الإعفاء أن يضع المشرع ترسانة قانونية من الإجراءات، بل يجب تقوية وتعزيز هذه الأخيرة برقابة قضائية تضمن حسن تطبيق هذه الترسانة على أرض الواقع، وهذا ما أكدته الفقرة الأخيرة من م 42 من م.ش .
فإذا كان المشرع المغربي قد خول للمشغل سلطة ممارسة السلطة التأديبية، وذلك بإتخاذه إحدى العقوبات المنصوص عليها في المادة 37 من م.ش بمناسبة إرتكاب الأجير لخطأ غير جسيم، أو قد يتخذ فى حقه عقوبة الفصل في حالة إستنفاذه للعقوبات المنصوص عليها فى المادة السابقة داخل أجل السنة أو في الحالة التي يرتكب فيها الأجير لخطأ جسيم، فإن هذه السلطة المخولة للمشغل ليست مطلقة وإنما تبقى تحت إشراف ورقابة القضاء.
ولما كان المشغل يمارس الصلاحيات المخولة له بشكل تعسفي، فإن القضاء يتمتع بسلطة هامة فى مراقبة مشروعية العقوبة التأديبية ـ خاصة الفصل ـ طالما أن ذلك لا يؤدي إلى عرقلة سير المقاولة المشغلة، وبشكل لا يؤدي إلى حرمان المشغل من حقه فى ممارسة سلطته التنظيمية .
وبناءا عليه، فإن الرقابة القضائية تمتد لتشمل مراقبة مدى إحترام المشغل للقواعد الشكلية المتعلقة بالتأديب والمنظمة فى مدونة الشغل بقواعد آمرة، والتأكد من وجود الخطأ التأديبي من عدمه و مدى جسامته (الفقرة الأولى) بالإضافة إلى مدى تناسب العقوبة التأديبية المتخذة من طرف المشغل والخطأ المرتكب من طرف الأجير (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الرقابة القضائية في إثبات وجود الخطأ وتقدير جسامته
متع المشرع المغربي صاحب المؤسسة بسلطة تأديبية نابعة من سلطته الإدارية يفرض بمقتضاها على جميع الأجراء احترام قواعد القانون الداخلي في حالة وجوده والإمتثال لتعليمات أعضاء الإدارة والتسيير تحت طائلة توقيع العقوبة التأديبية على كل من خالف التعليمات حفاظا على المقاولة بإعتبارها مجموعة أموال مستثمرة وجهد مستخدمين وعمال.
وتبعا لذلك، فإن القضاء يتدخل لتقييد هذه السلطة من تعسف المشغل، بإعتبار القضاء ضمانة أساسية يهدف إلى حماية الأجير بالدرجة الأولى في نزاعات الشغل، على أساس أن القاضي يجد نفسه أمام نزاع يخص المشغل من جهة للحفاظ على مصالحه المادية، كما يخص من جهة أخرى، الأجير للحفاظ على وسيلة عيشه .
أولا: مظاهر رقابة القضاء حول وجود الخطأ وإثباته
غالبا ما يكون سبب الفصل وإنهاء العلاقة الشغلية هو إدعاء المشغل لإرتكاب الأجير لخطأ جسيم ولتقدير وجود الخطأ أو عدمه، نجد الفقرة الخامسة من الفصل 754 من ق ل ع نصت على أنه :
” يسوغ للمحكمة في سبيل تقدير ما إذا كان هناك فسخ، أن تجري تحقيقا في ظروف إنهاء العقد، ويلزم في جميع الأحوال أن يتضمن الحكم صراحة ذكر المبرر الذي يدعيه الطرف الذي أنهى العقد”.
ومنه فإن القضاء ينطلق بعد النظر إلى مدى احترام المشغل للإجراءات الشكلية -التي سبق أن تناولنها في المطلب الثاني أعلاه- وبعد التأكد من احترامها ينطلق لدراسة صلب النزاع لمعرفة ما إذا كان مبرر الطرد مشروع أم لا.
والملاحظ أن سلطة القاضي الإجتماعي في تكييف الخطأ الجسيم تختلف بحسب ما إذا كان الفعل المنسوب للأجير موجود ضمن لائحة الأخطاء الجسيمة المنصوص عليها في المادة 39 من م.ش أم غير موجودة ضمن هذه اللائحة على اعتبار أنها جاءت على سبيل المثال لا الحصر.
ففي الحالة الأولى، فإن المحكمة تكون لها سلطة ضيقة إذ تقتصر على التأكد من وجود الخطأ فقط دون ما النظر إلى جسامته، وتكون بذلك المحكمة خاضعة لرقابة محكمة النقض على اعتبار أن الأمر يتعلق بالقانون وليس الواقع ما دام المشرع قد أضفى على هذا الخطأ وصف الجسامة .
أما في الحالة الثانية، التي لا يكون فيها الخطأ مضمن ضمن لائحة الأخطاء الجسيمة المنصوص عليها في المادة السابقة، ولا في النظام الداخلي للمقاولة ولا في الإتفاقية الجماعية، فإن المحكمة تتدخل لما لديها من سلطة في تقدير جسامة الخطأ من عدمه دون رقابة محكمة النقض عليها كون المسألة تتعلق بالواقع لا بالقانون.
أ-الرقابة على وجود الخطأ
الملاحظ في الغالب أن الخطأ الذي يتسبب للأجير في الطرد يكون قياما بعمل أو امتناعا عن عمل، ويمثل إخلالا من الأجير بالإلتزامات الملقاة على عاتقه في إطار عقد الشغل، وهذه الإلتزامات متعددة بعض منها منظم وفق القواعد العامة للقانون والبعض الآخر من طبيعة خاصة يتم التنصيص عليه في عقد الشغل الرابط بين الأجير والمشغل.
وتلخص هذه الإلتزامات كما جاء في قانون الإلتزامات والعقود في قيام الأجير بالعمل المكلف به، وفي عدم منافسة المشغل، وفي المحافظة على سر المهنة .
ونتيجة لما سبق فإن إخلال الأجير بأحد هذه الواجبات المهنية أو تأديتها بشكل يخالف ويتعارض مع قواعد حسن النية في الشغل أو النظام الداخلي للمقاولة، فإن للمشغل أن يوقع عليه عقوبة تأديبية .
ولما برهن الواقع العملي أن المشغل يستخدم هذه السلطة المخولة له بإفراط وإلحاق الضرر بالأجراء من خلال اتخاذ مقرر الفصل في حقهم، كان من الضروري أن تخضع هذه السلطة المخولة له لرقابة القضاء حيث يجب على هذا الأخير التحقق من وجود الخطأ وأن الفعل المدعى به فعلا يعتبر خطأ جسيما، أم أن ذلك الخطأ يسير ولا يرقى إلى الدرجة الموجبة للفصل.
وتتدخل محاكم الموضوع من خلال السلطة التقديرية المخولة لها من أجل البحث في وجود الخطأ من عدمه، وهذا ما اعتبره المجلس الأعلى في أحد قراراته والتي جاء فيها :
“لكن حيث إن المحكمة عندما اعتبرت في نطاق السلطة التقديرية المخولة لها بأن الخطأ المنسوب إلى المدعي لا يعتبر خطأ جسيما يدخل ضمن الأخطاء المنصوص عليها في الفصل 6 من النظام النموذجي الصادر بتاريخ 23 -10- 1948 وأن فصله عن العمل يعتبر نتيجة لذلك فصلا تعسفيا لم تخرق الفصل المشار إليه في الوسيلة وكان حكمها مطابقا للقانون ومعللا تعليلا كافيا فالوسيلة إذن غير مرتكزة على أساس” .
ب- إثبات وجود الخطأ
ولما كان المشغل هو الذي يتخذ مبادرة الفصل، فإن إثبات وجود الخطأ المرتكب من طرف الأجير والذي خلف مشكل الإثبات ، من قبيل؛ هل المشغل هو الذي عليه إثبات ما ادعاه عن الأجير؟ أم أن هذا الأخير هو الذي عليه إثبات بأن فصله من العمل كان تعسفا؟
القاعدة العامة في مجال الإثبات أن من ادعى شيئا عليه إثباته ، ولما كان الأجير هو الذي يدعي بأن الفصل كان تعسفا فعليه نفيه وإثبات عدم وجود خطأ جسيم مبرر للفصل، ولما كان عبء الإثبات لمدة طويلة على عاتق الأجير في معظم المحاكم، حيث يكتفي المشغل في ذكر سبب اتخاذ قرار الفصل دون أن يبذل مجهودا في إثباته، وحيث يقع هذا الأخير على الأجير ويعمل على جمع الحجج لإثبات وجود التعسف.
وفي فرنسا، ومنذ صدور قانون نابوليون 1804 فقد كان في المادة 1890 يحمل الأجير عبء الإثبات إلى غاية صدور قانون 13 يونيو 1973 الذي جعل كلا من المشغل والأجير على قدم المساواة فيما يتعلق بالإثبات، على الأجير إثبات التعسف وعلى المشغل إثبات العكس، ثم يتولى القاضي البحث عن السبب الحقيقي، الأمر الذي خلق إشكالا قانونيا يتعلق بمعرفة ما إذا كان عبء الإثبات يقع على الأجير، أم على المشغل أم على القاضي؟
وعبر وزير العدل آنذاك عن هذه الحالة بقوله :”إذا كان لزاما علي أن أرد على السؤال المتعلق بمن يتحمل عبء الإثبات.هل الأجير أم المشغل؟ فإنني أجيب بكل تهكم بأن الإثبات يقع على القاضي” .
وبقي الوضع على حاله إلى أن صدر قانون 04-08-1982 الذي نص على أن المشغل ملزم بأن يقدم لقضاء الشغل العناصر التي اعتبرها عند اتخاذ العقوبة.
أما القضاء المغربي فقد تشبت في البداية على إلقاء عبء إثبات الطرد التعسفي على الأجير، وجاء في أحد قراراته:
“حيث إن الطرف الذي يطالب بالتعويض يجب عليه إثبات فسخ العقد وقع من الجانب الأخر وكان بصفة تعسفية” .
إلا أنه سرعان ما قلب عبء الإثبات على عاتق المشغل منذ 08-11-1971. نظرا للصعوبات التي تعترض الأجير ورغبة في تكريس الطابع الحمائي
لقانون الشغل وهذا ما يشكل في حد ذاته ضمانة أساسية لحماية الأجير .
وفي ذلك جاءت مدونة الشغل الجديدة لقلب عبء الإثبات وذلك بجعله على عاتق المشغل، فإذا ادعى هذا الأخير أن العلاقة الشغلية انتهت فعليه اثبات ذلك.
وقد أكد المشرع المغربي هذا الطرح أعلاه في الفقرة الثانية من م 63 من م.ش حيث نصت على أنه :
“يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل كما يقع عليه عبء الإثبات عندما يدعي مغادرة الأجير لشغله”.
وبالتالي إذا ادعى المشغل ارتكاب الأجير لخطأ جسيم أو دفع بالمغادرة التلقائية فعليه إثبات ذلك.
نستنتج من خلال هذه المادة أنها وسيلة حمائية منحت للأجير قبل فصله لوجود مبرر مقبول للفصل وهذه العبارة الأخيرة سبق أن عمل بها المشرع الفرنسي .
و بناء عليه، فإن القضاء هو الوجه التطبيقي لما هو مسطر في القانون، إذ يعتبر حماية هامة للأجراء بصفة خاصة أثناء الفصل التعسفي إذ أنه لا يسارع في إصدار حكم على نازلة في هذا الصدد إلا بعد التأكد من وجود خطأ موجب للفصل و أن المشغل قد أتبت ذلك الخطأ، وهذا ما جاءت به عدة محاكم بإختلاف درجتها ونذكر منها؛
جاء في إحدى القرارات الصادرة عن إستئنافية الدار البيضاء :
“وحيث إنه خلافا لما تدعيه الطاعنة في استئنافها فقد تبت أنها أسست طرد الأجير على الغياب غير مبرر لأكثر من أربعة أيام حسب رسالة الفصل المؤرخة في 2-1-2005 وهو ما لم تثبته أيضا رغم منحها فرصة ذلك من خلال البحث المأمور به وهو ما يجعل استئنافها غير مؤسس” .
وفي قرار صادر عن المجلس الأعلى جاء فيه:
“…لكن حيث عن البضائع التي وقع فيها الخطأ ولم تصدر إلى الخارج، وأمام التناقض في تاريخ الواقعة وغموضها من حيث عدد السراويل انتهت المحكمة لما لها من سلطة تقديرية التي لا رقابة عليها لا من حيث التعليل إلى أن الخطأ المنسوب إلى المطلوبة لم تستطع المشغلة إثباته فجاء القرار بذلك معللا ومرتكزا على أساس ولم يخرق الفصول أعلاه والوسيلتان غير جديرتان بالاعتبار…” .
إلا ان إعمال قاعدة عبء الإثبات يكون على عائق المشغل لا يعني إعفاء الأجير من الرد على دفوعات المشغل وذلك لإثبات عدم صحة ما نسب إليه .
وتجدر الإشارة إلى أن الخطأ المسبب للفصل الذي يجب على المشغل إثباته هو الخطأ المضمن في مقرر الفصل دون سواه من الأخطاء، كما أنه من الضروري أن تكون هناك علاقة سببية بين الخطأ المنسوب للأجير وبين واقعة الطرد أي أن يكون الخطأ الذي قام به الأجير قد تم في وقت سابق على توقيع عقوبة الفصل لا لاحقا عليه.
ثانيا: تقدير جسامة الخطأ من طرف القضاء
بعدما يثبت المشغل الخطأ دون أن يستطيع الأجير نفيه، تطرح مسألة تكييف ذلك الخطأ، هل هو خطأ جسيم موجب للفصل أم لا يرقى إلى درجة الجسامة؟
من المعلوم أنه إذا طرح نزاع ما أمام قاضي الموضوع، فإنه غالبا ما يكون موصوفا من طرف الخصوم أو من محاميهم بأوصاف معينة، مثل هذه الأوصاف لا تلزم قاضي الموضوع ولا ترتب أي أثر بالنسبة له، فالمفروض أن القاضي يعلم القانون بالإضافة إلى أنه لا يوجد أي التزام على الخصوم بإضفاء وصف قانوني ما على ادعاءتهم، مثل هذا الوصف يدخل إذا ضمن وظيفة قاضي الموضوع .
إلا أن الإشكال المطروح هو؛ هل القاضي بإمكانه أن يعمل على تكييف الخطأ ويعطيه وصفا غير الوصف الذي استند إليه المشغل لتوقيع العقوبة التأديبية؟
لقد ظلت لمدة طويلة سلطة القضاء في تقدير جسامة الخطأ حكرا على المشغل، لإعتقاد هذا الأخير أن كل تدخل من طرف القضاء في تقديره هذا يعتبر مسا بسلطان إرادته وتدخلا في شؤون تسيير المؤسسة .
غير أن تراجع سلطان الإرادة وتزايد الصفة التدخلية في علاقات العمل خول القاضي الإجتماعي سلطة فعالة فيما يخص تقدير جسامة الخطأ الذي قد يرتكبه الأجير .
وتبعا لذلك، فإن عملية التكييف ماهي إلا إلحاق واقعة استخلصها قاضي الموضوع من نزاع معروض على أنظاره بالنص القانوني الذي يؤطرها، ويبقى أمامه بعد دراسة الوقائع أن يتأكد من أن الخطأ إما بسيط يترتب عليه أحد العقوبات المنصوص عليها في المادة 37 من م.ش أم أنه خطأ جسيم يترتب عليه طرد الأجير من العمل بدون أي تعويض.
ونظرا للأهمية البالغة التي يكتسيها تكييف الخطأ خاصة وأن وصف هذا الأخير بأنه جسيم يرتب حرمان الأجير من التعويضات المستحقة له كما يحرمه من مهلة الإخطار للبحث عن عمل جديد.
وقد عمل المشرع المغربي حسنا عند ترك لائحة الأخطاء الجسيمة المنصوص عليها في المادة 39 من م.ش مفتوحا ولم يقم بحصرها نظرا لصعوبات ذلك، وترك للقضاء السلطة للتوسع فيها.
ومن شأننا أن نتساءل في هذا الصدد؛ هل بإمكان القضاء أن يكيف خطأ جسيما منصوص عليه بكونه غير جسيم ؟
أ- سلطة القاضي في تقدير جسامة الأخطاء الواردة في المادة 39
تبقى لمحاكم الموضوع سلطة ضيقة في إطار مراقبتها للأخطاء المنصوص عليها والمرتكبة من طرف الأجير وتتمثل هذه السلطة في التأكد من وجود الخطأ دون النظر في مدى جسامته، وهذا ما جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى :
” وحيث ثبت صدق ما عابته الوسيلة، وذلك أن الفصل السادس من القرار المذكور (تقابله المادة 39 من م.ش)، إنما يعفي ضمنيا المحكمة من إستعمال سلطتها في تقدير جسامة الخطأ متى ثبت لديها أن السب الذي يصدر عن الأجير موجه إلى موظفي الإدارة والتسيير مادام أن القانون قد نص صراحة على أن مثل هذا السب يشكل خطأ جسيما، ولم يترك للمحكمة خيار تقديره بغير ذلك، أما غيرها من الأخطاء التي لم ترد في الفصل المذكور فتقدير مدى جسامتها موكول للمحكمة، حتى ولو لم يكن السب موجه إلى موظفي الإدارة والتسيير ما دام أن الأخطأ الجسيمة غير محددة في القانون الذي لا يمنع أن يكون السب الموجه إلى غير موظفي الإدارة والتسيير خطأ جسيما” .
من خلال هذا القرار، يمكن القول بأن المحكمة لا يمكنها ممارسة ما لها من السلطة التقديرية بشأن تكييف الخطأ الجسيم الوارد في المادة 39 من م.ش، إلا أن أحد الفقهاء إعتبر أن مدونة الشغل أصبحت تتطلب عنصر الضرر كمعيار لتحديد الأخطاء الجسيمة، ويبقى على المشغل بالإضافة إلى إثباته لوجود الخطأ الجسيم أن يثبت الضرر الذي ترتب عن ذلك الخطأ، ومن شأن القضاء أن يتدخل في هذه الحالة للنظر في وجود الضرر من عدمه .
فهناك بعض الأخطاء الواردة في المادة 39 من م.ش تتطلب بالضرورة حدوث خسارة مادية للمشغل كما هو الأمر بالنسبة لعدم مراعاة التعليمات اللازمة اتباعها لحفظ السلامة في الشغل، حيث يكون على المحكمة في هذه الحالة أن تكيف مدى جسامة الخطأ من عدمه إذا كان الخطأ لم يحدث خسارة مادية للمؤسسة ولو أن هذا الخطأ منصوص عليه ضمن لائحة الأخطاء الجسيمة –المادة 39 من م.ش- .
وتبعا لذلك، قد يرتكب أخطاء تعد بمثابة أخطاء جسيمة بمقتضى نص القانون، إلا أن اقترانها ببعض الملابسات التي ارتكب فيها قد تؤدي بالمحكمة إلى عدم اعتبار الفعل خطأ جسيما، ولكي يعتبر الخطأ الصادر من الأجير خطأ جسيما يجب كذلك ألا يكون المشغل ساهم أو شارك في صدور ذلك الخطأ من الأجير، كأن يقدم المشغل الخمور بنادي تابع للمؤسسة في حفل أقيم به، فصدرت عن الأجير ألفاظ نابية أو شتم أو تهديد تحت تأثير السكر .
لدى فلا يمكن القول بجسامة الخطأ بمجرد صدوره من الأجير، وإنما ينبغي مراعاة مقدار تأثيره على أداء الشغل والضرر الذي يحدثه داخل المقاولة.
وفي هذا الصدد نجد قرارا صادر عن المجلس الأعلى تبنى هذا الموقف، جاء فيه:
“إذ اعتبر أن الخطأ لا يكون جسيما إلا بمقدار تأثيره على أداء الشغل وكذا بمدى الخطورة التي تترتب عن إهمال الآلات التي كلف الأجير بتشغيلها أو بمراقبتها سواء كان ذلك ليلا أو نهارا أو مدة طويلة أو وجيزة، وسواء ترتب عنه ضرر أم لم يترتب، لأن حصول الضرر ليس شرط لثبوت الخطورة التي لا يمكن تخفيفها بالظروف الإنسانية الخاصة بالأجير مما يجعل القرار المطعون فيه بدون أساس ومعرضا للنقض” .
كما أن السب والشتم الذي يعتبر من الأخطاء الجسيمة ومبررا للفصل هو ذلك السب الواقع ضد أي شخص سواء المشغل أو الأجير شريطة أن يكون فادحا وأن يصدر داخل المؤسسة وأثناء العمل . لدى فيقتضي على المحكمة حسب الظروف الواقعة أن تبين في تعليلها نوع السب، فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى:
“…حيث تبين صدق ما نعتته الوسيلة على القرار المطعون فيه، ذلك أنه بالإطلاع على رسالة الطرد المؤرخة في 29/7/81 نجدها قد اشتملت على اتهامات هامة وغامضة، وهي التحريض على إفساد العمال وسب المؤسسة، دون تحديد الألفاظ المستعملة في السب، ولا تاريخ وقوعها…وبذلك تكون محكمة الإستئناف قد خرقت مقتضيات الفصل المذكور الذي يوجب على المشغل الذي يريد طرد أحد عماله بسبب خطأ تعتبره فادحا، أن يخبر به أجيره بذلك في ظرف 48 ساعة من وقت إثباته، بواسطة رسالة مضمونة الوصول الأمر الذي يعرض قرارها للنقض” .
وللتوسع أكثر في ما للمحكمة من سلطة في تكييف جسامة الخطأ من عدمه، نورد بعض الأخطاء التي تعتبر جسيمة بصريح المادة 39 من م.ش وتحيل على موقف القضاء بالنظر لجسامتها.
فالسرقة تعتبر من الأخطاء الجسيمة الواردة في المادة 39 من م.ش، ولو أنها جاءت بصياغة عامة أي سواء ارتكبت في حق المشغل أو في حق أحد زملائه، وحتى ولو كان محل السرقة مملوكا لأحد الزبناء، وهذا التوجه هو الذي سار عليه المجلس الأعلى جاء في أحد قراراته أنه :
” لكن حيث إن المحكمة لم ترى فائدة في إعادة الإستماع إلى شهود الطاعن ما دامت شهاداتهم في المرحلة الإبتدائية مدونة في محضر الجلسات والمحكمة قد ثبت لديها من الشهود المستمع إليهم أن الطاعن ارتكب خطأ بأخذه مواد البناء لمشغلته بدون موافقتها وبنى للغير مما كان معه القرار معللا تعليلا سليما…” .
والظاهر أن القضاء الفرنسي يسير في نفس الإتجاه فقد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية :
“إن السرقة التي يقترفها الأجير وتلحق خسارة بأحد زملائه أو الزبناء تعتبر خطأ جسيما لأنها تضر بالسير الحسن للمقاولة وبنظامها، وتفقد الثقة بين المشغل وأجيره” .
ويثار التساؤل عما إذا كانت سرقة الأجير لأشياء زهيدة القيمة خطأ جسيما أم لا، وكيف تعامل القضاء مع هذا الطرح بما له من سلطة تقديرية؟
إن الصياغة العامة التي جاء بها فعل السرقة لا تسعف في الإجابة عن هذا السؤال، إلا أن القضاء المغربي سنحت له الفرصة وأجاب عن ذلك من خلال قرار صادر عن محكمة الإستئناف بالدار البيضاء جاء فيه:
” حيث تدفع المشغلة بالخطأ الجسيم للأجير، والمتمثل في سرقة جوارب واحدة، والتي ارتادها وهي في ملك الشركة ومن منتوجاتها، وأن تلك الجوارب غير الصالحة والمتمزقة اعتاد العمال أن يلبسوها وهي من النوع الثاني.
…حيث إنه وعلى فرض أن ما قام به الأجير من ارتداء جوارب المشغلة التي تصرح بواسطة ممثلها أثناء جلسة البحث أن لا علم لها إذا كانت صالحة أم غير صالحة وأن الشاهد شاهد الأجير وهو خارج المسجد يرتدي الجوارب فإنها لا ترقى إلى درجة الخطأ الجسيم” .
نشير كذلك إلى أن الإعتداء بالضرب الذي يندرج ضمن الأخطاء الجسيمة الواردة في المادة 39 من م.ش، وتتجلى الحكمة من إعطاء المشغل حق الفصل في هذه الحالة إلى كون العلاقة التي تربط الأجير بمشغله وبين زملائه يجب أن تكون مبنية على التعاون والإحترام ومثل هذا السلوك يخل بهذه المبادئ.
وتم تأكيده من خلال حكم صادر عن ابتدائية الدار البيضاء حيث جاء فيه:
“أن المدعية تضاربت مع زميلة لها داخل العمل، يكون خطأ جسيما يبرر فصل المدعية عن العمل طبقا للفصل 6 من ظهير1948” .
وأكد هذا التوجه كذلك حكما عن المحكمة الاستئنافية بالدار البيضاء جاء فيه:
“إن الشجارات المتوالية التي كان يتسبب فيها هي التي كانت السبب في طرده من العمل وأنه سبق أن أنذره وتوقيفه من العمل …تبين للمحكمة أن طرد المستأنف لم يكن تعسفيا وإنما طرد لإرتكابه الخطأ الجسيم” .
وما تجدر الإشارة إليه أن عنصر الإعتداء بالضرب ورد بصيغة عامة وفضفاضة، إذ يمكن أن يمارس الأجير هذا الفعل نتيجة استفزاز المشغل له، أو كان هذا الأخير المعتدي الأول ولا يبقى للأجير إلا أن يدافع عن نفسه.
نتساءل في هذه الحالة هل يعتبر الإعتداء بالضرب الصادر من الأجير هنا خطأ جسيما؟ وكيف تعامل القضاء في تكييف هذا الفعل؟
كإجابة عن هذا التساؤل نورد قرار صادر عن محكمة الإستئناف بالدار البيضاء جاء فيه مايلي:
“وحيث إنه بالرجوع لوثائق الملف ومستنداته، وخاصة البحث المجرى ابتدائيا يتبين أن الخطأ المنسوب للأجير والذي اعتمدته المستأنفة في قرار الطرد غير مناسب في واقعة النازلة، ذلك أن الأجيرة كانت مستفزة حيث قام رئيسها المباشر بدفعها محاولا إخراجها من مقر العمل، حيث أسقطها أرضا، وقامت هي بدورها بخدشه في وجهه، وكان ذلك على مرى من الشاهد المستمع إليه ابتدائيا، بعد أدائه لليمين القانونية، ولم تكن تصريحاته محل أي طعن من الطرفين، إذ الخطأ ابتدأ بفعل المسؤول بالشركة بإستعماله للعنف ضد الأجيرة الشيء الذي بقي معه الخطأ الجسيم المزعوم منعدما” .
ويتبين مما سبق أن سلطة القضاء ليست مقيدة بشكل مطلق في شأن إعادة تكييف الأخطاء المنصوص عليها في المادة 39 من م.ش، خاصة وأن القضاء يتدخل في تقديره أخذا بعين الاعتبار طبيعة الخطأ هل هو عمدي أم غير عمدي ثم درجة الخطأ والأخذ بسوء نية وحسن نية الأجير وكذا حالته الصحية والعقلية وآثار سلوكه على نشاط المؤسسة . فكيف تعامل القاضي مع بعض الأخطاء غير المنصوص عليها بموجب المادة 39 من م.ش؟
ب-سلطة القاضي في تقدير جسامة بعض الأخطأ غير المنصوص عليها
إذا كان المشرع المغربي حدد لائحة الأخطاء الجسيمة الواردة في المادة 39 من م.ش على سبيل المثال، فإن ذلك لا يمنع المشغل في توقيع عقوبة الفصل على الأجير في حالة إرتكابه خطأ جسيما غير منصوص عليه قانونا.
وفي غياب تعريف للخطأ الجسيم فإن الميدان القضائي ولكثرة القضايا المتعلقة بالفصل وبحكم ما له من سلطة تقديرية اعتبر عدم تنفيذ بعض الإلتزامات المرتبطة بالعقد تمثل جسامة كافية لتبرير الإنهاء .
وفي هذا الصدد نورد بعض النماذج من الأخطاء غير المنصوص عليها والتي عمل القضاء بما له من سلطة بتكييفها بكونها أخطاء جسيمة؛
*تحديد كمية مخزون الحاسوب:
في إطار اكتساح ثورة المعلوميات مجال الشغل واعتماد المؤسسات على هذه التقنيات الجديدة بشكل كبير لتحقيق السرعة في العمل وربح الوقت في أعمالها، صدر قرار عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء اعتبر أن تحديد مخزون الحاسب الآلي من قبل الأجير يعد خطأ جسيما يستحق الفصل وجاء في حيثيات هذا القرار أنه:
“وحيث ثبت من أوراق الملف وخاصة محضر البحث أن الشاهد …أكد بعد أدائه اليمين القانونية أن الأجير بتحديد كمية تخزين الحاسب الذي يعمل عليه قبل خروجه في عطلة، مما أدى إلى توقف البرمجة وقد توصل إلى هذه المعلومات بعد مراقبته الشخصية للحاسوب المذكورة، وهو ما لم يلحظه الأجير وبذلك يكون الخطأ المنسوب إليه ثابتا في حقه وهو خطأ جسيم يحرمه من كل تعويض عن الإخطار والفصل والضرر” .
*- الإضرب التضامني:
الإضراب التضاامني هو إضراب يحدده العمال مساندة للمضربين لتحقيق مطالب لفائدتهم الخاصة لا كوسيلة لتحقيق مطالب مهنية تخصهم وإنما كوسيلة للتعبير عن مساندتهم لملف مطلبي يخص غيرهم من الأجراء سواء كانوا يعملون معهم في نفس المؤسسة أو خارج مؤسسات أخرى، أو يتضامنون لتوقيف عامل من العمال أو طرده .
وما دام الإضراب يعتبر حقا شرعيا مخول دستوريا ، يلجأ إليه العمال كضمانة أساسية لهم لتحقيق غايات معينة لتحسين أوضاعهم المهنية، لكن الإضراب كلما انحرف عن مساره ومن شأنه أن يلحق ضررا بالمؤسسة فهو يعتبر إضرابا تعسفيا، وما يثير الإشكال هنا هو؛ مدى مشروعية هذا النوع من الإضراب؟
في هذه الحالة اعتبر القضاء المغربي أن الإضراب التضامني يعتبر خطأ جسيما يبرر طرد الأجير، وقد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى:
“لكن حيث إن محكمة الاستئناف بتقييدها للحكم الابتدائي تكون قد تبنت علله وأسبابه هذا الأخير الذي علل حكمه بأن الإضراب الذي شنه العمال يتضمن شقين الأول يتعلق بالمطالبة بالساعات الإضافية والتعويض عن البذلة وأداء الأجر عن أيام التوقف وهو حق مشروع و الشق الثاني يتعلق بالتضامن مع أحد العمال الذي تم طرده من طرف الشركة لإرتكابه خطأ جسيما يتمثل في إهانة وسب الرئيس المباشر و المطالبة بإرجاعه للعمل والمحكمة حيث ثبت لديها من خلال محضر مفتشية الشغل المؤرخ في 12/1/95 أن الإضراب وتوقف العمال عن العمل كان أصلا وفي بدايته تضامنا مع أحد العمال المطرودين ثم تلته مطالب أخرى، مما يؤكد أن المطالب الموالية لم تكن السبب الرئيسي في شن الإضراب بل كان مركزا على ضرورة إرجاع العامل المطرود على عمله إضافة إلى مطالب أخرى لم تثبت لديها كذلك أنه لم يسبق أن وضع أي ملف مطلبي قبل شن الإضراب لدى المؤسسة، تكون قد تبين وعن صواب لما انتهت إليه من أن الإضراب الذي شنه الطاعن هو إضراب تضامني في الأصل وتلته مطالب أخرى ويعتبر إضرابا غير مشروع بسبب عرقلة السير العادي للمؤسسة، وبالتالي فهو خطأ جسيم لا يستحق معه أي تعويض، فجاء قرارها معللا تعليلا سليما” .
*ضرب المدرسة للتلاميذ وعدم الكفاءة في التدريس:
صدر في هذا الصدد قرار عن محكمة الاستئناف بفاس أثناء ممارستها لرقابتها، وكان ذلك نتيجة تصريحات الشهود المستمع إليهم في المرحلة الابتدائية، وكذا الشكايات المضافة في الملف والتي يشتكي فيها أولياء التلاميذ من تصرفات المستأنفة وهي مدرسة تعليم خصوصي، تعرض أبناؤهم للضرب، وجاء في القرار:
“وحيث إن استعمال العنف ضد التلاميذ يعتبر خطأ جسيما موجبا للطرد بدون أي تعويض، وحيث يستتبع ذلك القول بضرورة تأييد الحكم المستأنف لمصادفته الصواب” .
ومن خلال هذا القرار فإن المحكمة بما لها من سلطة اعتبرت هذا الضرب خطأ جسيما لأنه يلحق ضررا بسمعة المؤسسة وكذا بسلامة التلاميذ، وتبعا لذلك فإن تقدير جسامة الأخطاء غير المنصوص عليها قانونا مسألة واقع، إذ يرجع تكييف هذه الأخطاء لسلطة محكمة الموضوع، دون أن تكون عليها رقابة من طرف محكمة النقض إلا فيما يخص التعليل.
وفي قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 113 المتعلق بعدم كفاءة الأجيرة في التدريس، فمحكمة الاستئناف المطعون في قرارها قد قدرت الخطأ المنسوب للأجيرة واعتبرته لما لها من سلطة تقديرية خطأ جسيما يستوجب الطرد دون تعويض، فعابت الأجيرة على قرار محكمة الاستئناف بالخرق الجوهري للقانون والفصل السادس من قرار 23/10/1948 ذلك أن الطاعنة فوجئت برسالة الطرد في 10/3/2001 محررة باللغة الفرنسية، استندت المشغلة فيها على عدم الكفاءة المرتبطة بالعلاقة البشرية مع مؤسسة للتعليم العالي منعا يجعل السبب الذي اعتمدته المشغلة سببا للفصل، ولم يحضر أي طالب من الطلبة الذين نسبوا لها السلوك العنيف والمحكمة مصدرة القرار اعتمدت على الرسالتين الصادرتين عن الطلبة من أكادير والرباط يتظلمون فيها من صنع المطلوبة في النقض علما أن الطاعنة لم تتعرض لأي تفتيش من طرف وزارة التعليم لتقييم عملها مع الطلبة، وكذلك لم تذكره المشغلة برسالة الطرد المؤرخة في 10/3/2003 إلا أنها احتجت بذلك في مذكرتها الجوابية والمؤرخ في 8/6/2001 والمحكمة بعدم قبولها طلبها الرامي إلى التعويضات الناجمة عن طردها من العمل تكون قد خرقت القانون فقضت محكمة النقض برفض طلب الطاعنة (الأجيرة).
فإذا كان القضاء يعتبر عدم الكفاءة المهنية خطأ جسيما من خلال هذا القرار، يبرر فصل الأجير دون تعويض ولا إخطار، فهناك جانب من الفقه لا يرغب استعمال عبارة الخطأ الجسيم عندما لا يتعلق الأمر فعلا بإرتكاب خطأ جسيم، وهو ما قام به مشرع مدونة الشغل عندما تطرق إلى الكفاءة المهنية في مادة مستقلة عن المادة المتضمنة للأخطاء الجسيمة لأن الكفاءة المهنية أمر يخرج عن إرادة الأجير، الذي لم يستطع مواكبة تطور الركب بالمقاولة التي غيرت طريقة عملها، وهو بذلك لا يسعى للإضرار بالمقاولة.
*المنافسة غير المشروعة:
تعتبر منافسة الأجير غير المشروعة لمشغله من بين الالتزامات التي يمنع على الأجير القيام بها أثناء قيام عقد الشغل أو بعده بمدة معينة، وقد يتم التنصيص عليه في أحد بنود العقد، على أن يتقيد بها الأجير بعد فسخ العقد، حيث تدخل في عدم ممارسة الأجير لنفس النشاط الذي يمارسه مشغله في مدة معينة أو داخل رقعة جغرافية لا يمكن له تجاوزها .
ويقصد بشرط عدم المنافسة في المادة الإجتماعية، الاتفاق الذي يلتزم الأجير بمقتضاه بعدم منافسة مشغله إما بإنشاء مشروع منافس أو العمل عند مشغل منافس، سواء أثناء سريان العقد أو بعد الانتهاء أو بعد الفصل .
وهكذا فإذا كانت مدونة الشغل تعترف بمبدأ حرية الشغل لفائدة الأجراء فإنه نظرا للخطورة التي يخلفها شرط عدم المنافسة على مبدأ الحرية التعاقدية عمل المشرع على تنظيمه من خلال الفصل 40 من ق.ل.ع. في فقرته الثانية .
وحفاظا على مبدأ الحرية التعاقدية وضع المشرع شرطين لا تجب مخالفتهما:
*أن يقيد المنع من المنافسة زمنيا، يحدد من خلاله المدة التي سيحرم فيها الأجير ممارسة نشاطه.
*تحديد المكان الذي يمنع فيه على الأجير ممارسة نشاطه.
وحرصا على مصالح الأجراء، يشترط لصحة الاتفاق على عدم المنافسة أن يكون الاتفاق نسبيا من حيث الزمان والمكان لأن الشرط المطلق يعد باطلا، فإذا كان المنع مطلقا من حيث الزمان كان ذلك تهديدا لمستقبل الأجير .
هذا واعتبرت بعض القرارات قيام الأجير بهذا الفعل خطأ جسيما حيث جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى أنه:
“لما كان عقد العمل الرابط بين الطرفين يلزم العامل بأن لا يمارس بصورة مباشرة أو غير مباشرة أي نشاط مشابه لما هو منصوص عليه في العقد والمتعلق بإعطاء الدروس عن طريق المراسلة خلال مدة سريان العقد وخلال مدة خمس سنوات بعد انقضاءه.
ولما كان الطاعن قدم في جواب له إلى رب العمل بفتح وكالة خاصة به لممارسة نفس النشاط المحظور عليه فإن المحكمة تكون على صواب عندما استخلصت من ذلك إخلال الطاعن بشروط العقد وقضت بالتالي بفسخه” .
كما تبنت محكمة الاستئناف نفس توجه المجلس الأعلى بخصوص اعتبار المنافسة غير المشروعة خطأ جسيما يترتب عنه طرد الأجير، إذ نجد في أحد القرارات الصادرة عنها:
“وحيث إن قيام الأجير بإصلاح وبيع آلات خياطة قديمة وكذا بيع قطع غيار قديمة لحسابه الخاص وتأسيسه شركة من أجل مزاولة هذا النشاط، وهو لازال تابعا لمشغلته المستأنفة في إطار علاقة الشغل التي تربطها ينطوي على مساس بمصالح هذه الأخيرة، وبالنشاط الذي تمارسه وتزاوله، وخصوصا ما يتعلق بإصلاح آلات الخياطة والتي تباشره الشركة ليس فقط في إطار البيع، خلال مدة الضمان بالنسبة لزبنائها، بل إنها تقوم بهذا الإصلاح حتى خارج مدة الضمان بالنسبة للزبناء وغيرهم من المتعاملين، وهو ما أكده الشاهد… أثناء البحث، وبذلك يتسع مجال تعامل الشركة ليشمل جميع أنواع آلات الخياطة التي تصاب بعطب وحتى ولو كانت قديمة وعليه فإن النشاط الذي يمارسه الأجير يمس بمصالح الشركة ويضر بها، ويتجلى الضرر في استمالة بعض زبنائها وجلبهم للتعامل معه، وهو ما حدث مع السيد… الذي استمعت إليه المحكمة الابتدائية كشاهد، والذي أكد تعامله مع الأجير عن طريق بيع هذا الأجير له آلات ومعدات مستعملة، كما يتجلى الضرر أيضا في جلب زبناء جدد مما يؤدي إلى تراجع عدد الزبناء وثنيهم عن التعامل معها بسبب ذلك، وبالتالي تقليص نطاق تعاملها في مجال البيع والإصلاح على السواء.
وحيث إن المحكمة إذ تعتبر أن ما يقوم به المستأنف عليه ينطوي على إخلال بالالتزام الذي يقع عليه بمقتضى عقد الشغل، كما سبقت الإشارة إلى ذلك بتفصيل أعلاه، ترى أنه يشكل خطأ جسيما يبرر فصله من عمله من غير أن يستحق أي تعويض عن ذلك” .
وإذا كان خطأ المنافسة غير المشروعة قد اعتبر خطأ جسيما من طرف القضاء المغربي دون التنصيص عليه من طرف المشرع ولو بعد إقرار مدونة الشغل، فإن المشرع المصري عمد إلى اعتبار فعل المنافسة غير المشروعة خطأ جسيما بمقتضى المادة 69 من قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003 والذي جاء فيه:”إذا قام العامل بمنافسة صاحب العمل في ذات نشاطه” .
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يكفي مجرد علم المشغل بمنافسة من طرف أجيره كاف لفصله، وإنما يتعين على المشغل إثبات مبرر الفصل.
كما أن الأجير يكون ملزما بعدم منافسة مشغله في حالة الإستقالة الإختيارية، أما في الحالة التي يقدم فيها المشغل بفسخ عقد الشغل فينبغي التمييز بين الفسخ المبرر حيث لا يجوز للأجير أن يعمل على الإخلال بشرط عدم المنافسة في هذه الحالة وبين الفسخ إذ لا يجوز حرمان الأجير من الشغل ومن ممارسة نفس الشغل .
الفقرة الثانية: دور القضاء في ملاءمة العقوبة التأديبية للخطأ
إذا كان للقضاء المغربي كامل السلطة التقديرية في مراقبة تواجد الخطأ المقترف من طرف الأجير وكذا تقدير جسامة هذا الخطأ، فإنه كثيرا ما يجد القضاء نفسه أمام نوازل توقع فيها عقوبات تأديبية على الأجراء بشكل لا يتناسب مع بعض الأخطاء المقترفة من طرفهم.
وتعد الرقابة القضائية المتعلقة بمدى تناسب العقوبة التأديبية للخطأ المرتكب من طرف الأجير من بين الإشكاليات القانونية التي لقيت اهتماما من طرف الفقه والقضاء. وهنا يطرح إشكال بخصوص؛ هل بإمكان القاضي الإجتماعي وهو يبث في نازلة ما إستبدال عقوبة الفصل بأخرى أقل منها درجة خاصة إذا كان الخطأ المرتكب لا يرقى إلى إتخاذ هذه العقوبة؟ أم الحق في إلغاءها فقط؟
أولا: مراقبة قضاء الموضوع لملاءمة العقوبة التأديبية للخطأ
بالرجوع إلى الفقرة الأخيرة من المادة 42 من م.ش نجدها تقضي بأنه يخضع لمراقبة السلطة القضائية القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية، على أساس أن مراقبة ملاءمة العقوبة التأديبية للخطأ تدخل في إطار الرقابة القضائية للقرارات الصادرة عن المشغل.
بالرجوع إلى الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع في هذا الصدد نجد أنها تجعل السلطة التقديرية للمحكمة لا تقتصر فقط في النظر في وجود الخطأ الجسيم بل تعدت ذلك إلى تقدير العقوبة المطبقة ومدى تناسبها مع الخطأ المرتكب، والتي لم تقف عن هذا الحد بل تجاوزت ذلك إلى درجة إلغاء العقوبة، فقد صدر حكم عن المحكمة الابتدائية بالرباط:
“مادامت المدعية قد حصلت على الإذن بالتغيب لزيارة الطبيب.. فإن ثقبها لبطاقة العمل أثناء خروجها وعودتها من تلك الزيارة، لا يعد في نظر المحكمة خطأ مرتكبا من طرفها… الأمر الذي يتعين معه التصريح بأن الإجراء التأديبي الصادر في حق المدعية هو عقوبة التوقيف عن العمل لمدة ثلاثة أيام، مع الحرمان من الأجر عن نفس المدة، والتحذير بإتخاذ قرار آخر، لا يرتكز على أي أساس، ويتعين التصريح بإلغائه…” .
كما تدخل القضاء كذلك لمراقبة هذه الملاءمة في حالة لم يرع فيها المشغل التسلسل العقابي، وجاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بأكادير وقضت بعدم شرعية العقوبة :
“وحيث عن العمل الجديد الذي كلف به المدعي يختلف اختلافا جوهريا عن عمله الأصلي إذ نقل من التخصص في السياقة إلى عمل غير متخصص كعامل عادي وللقضاء رقابته على مثل هذه القرارات.
وحيث عن التوقيعات الناتجة عن عدم الامتثال للقرار المذكور غير شرعية مادام القرار الأصلي ليس كذلك بدوره” .
وفي نفس توجه هذه القرارات صدر قرار عن محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء قضى بإلغاء العقوبة التأديبية جاء فيه:
“وحيث جاء في الاستئناف أن الأجيرة تغيبت بدون مبرر بدعوى أنها اشتغلت في مدينة مراكش في إطار عمل مبرمج… أن الطاعنة لم تفلح في إثبات التوقيف لمدة 3 أيام رغم منحها فرصة.. الأمر الذي يجعل هذه القرارات غير مبررة وغير مشروعة ويتعين الحكم بإلغائها..” .
وأكدت نفس هذه المحكمة هذا التوجه في قرار لها جاء فيه:
“الخطأ في إصلاح الأحذية أمر يمكن مراقبته من الفترة الأولى وهو ما لم يتبين معه قيام المشغل بأي إنذار عند ظهورالعيب في هذه الأحذية… إن ظهور العيب في هذه الأحذية لا يمكن أن يرقى إلى مصاف الأخطاء المرتكبة الفادحة… الشيء الذي كان معه أن يقتصر على إنزال إحدى العقوبات الحقيقية فقط وذلك احتراما لمبدأ ملاءمة العقوبة مع الخطأ” .
ويتضح من خلال هذه القرارات أن القاضي يتمتع بكامل السلطة في إلغاء العقوبة التي يتخذها المشغل في حق الأجير المرتكب للخطأ، كما له الحق في استبدال تلك العقوبة بعقوبة أخف درجة وملاءمة له، وصدر في هذا الخصوص حكم عن المحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء جاء فيه:
“سحب عدد من الصور الشمسية بواسطة آلة التصوير لا يشكل خطأ جسيما بل هو خطأ يسير من الممكن المعاينة عليه بإنذارات كتابية أو بنقل الأجير من مصلحة لأخرى، بل وحتى توقيفه لمدة لا تفوق ثمانية أيام” .
وما تجدر الإشارة إليه أن قضاء الموضوع لم يحد عن هذا التوجه بل لازال يعترف لنفسه بسلطة النظر في تناسب العقوبة التأديبية للخطأ، حيث جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط:
“وحيث أن الدفع بكون المستأنف عليها ارتكبت أخطاء جسيمة (السب العلني داخل مقر العمل وعدم الانضباط داخل العمل عن طريق سلوكات مخلة بنظام المؤسسة وعصيان الأوامر ورفض الخضوع للتعليمات) هو دفع غير مؤسس ذلك لأنه حتى على فرض أنها ارتكبت هذه الأخطاء فإنه كان على المشغلة أن لا تقوم بطردها وأن تتبع معها التسلسل في العقوبة مما يجعل دفع المستأنفة هذا غير جدي” .
ونجد نفس التوجه الذي تبناه القضاء المغربي حول إمكانية القضاء في مراقبة العقوبة للخطأ، تبنته التشريعات المقارنة الأخرى.
ففي القضاء المصري مثلا، نجد المحكمة الابتدائية بالقاهرة ذهبت في أحد أحكامها:
“سلطة رب العمل التأديبية هي رخصة له يستعملها تحت إشراف القضاء، وهذا الإشراف ينعطف على تقدير الجزاء التأديبي، بحيث يكون متناسبا مع درجة الخطأ، وإن كان الفصل جائزا لرب العمل كعقوبة تأديبية، فإنه يجب أن يطبق بالنسبة له مبدأ تناسب العقوبة مع الفصل ولا يجازى العامل بأقصى مراتب الجزاء لخطأ بسيط…” .
أما موقف القضاء الفرنسي بخصوص ملاءمة العقوبة للخطأ فقد عرف ثلاث مراحل بهذا الشأن؛ ففي المرحلة الأولى طبع القضاء الفرنسي تردد حول أحقية القضاء في ملاءمة العقوبة والخطأ من عدمه. أما المرحلة الثانية فقد عرف القضاء الفرنسي موقفا موحدا يتمثل في إمكانية القضاء في النظر إلى تناسب العقوبة التأديبية مع الخطأ المرتكب من طرف الأجير . أما في المرحلة الثالثة فقد أصبحت المحاكم الفرنسية تراقب تناسب العقوبة للخطأ عن طريق إلغاءها دون أن يكون لها استبدال العقوبة بأخرى، وذلك في ظل التشريع الفرنسي الجديد الصادر في 4 غشت 1982.
وقد نصت المادة L 122-42-2 من قانون الشغل الفرنسي ، على أنه:
“يمكن لمجلس الخبراء إبطال عقوبة غير شرعية من حيث الشكل أو غير
مبررة أو غير مناسبة للخطأ المرتكب” .
ويتضح من خلال هذه الأحكام والقرارات الصادرة عن قضاء الموضوع المغربي وكذا المقارن أن القضاء لا يكيف أي فعل بالخطورة إذا كان تافها من حيث أهميته وأثره على المؤسسة وذلك بهدف حماية الأجير، فإذا لم تصل درجة الفعل إلى إحداث نوع من الضرر يعرقل سير المقاولة، فإنه يتعين على المشغل إنزال عقوبة تلائم الخطأ المرتكب.
ثانيا: رقابة محكمة النقض لملاءمة العقوبة التأديبية للخطأ
إذا كان قضاء الموضوع يذهب إلى القيام بإلغاء العقوبة التأديبية أو باستبدالها في حالة عدم ملاءمتها للخطأ المرتكب من طرف الأجير، فإن محكمة النقض وفي إطار ما تمتلكه من بسط الرقابة على محاكم الموضوع ذهبت إلى منع هذه الأخيرة في إلغاء العقوبة التأديبية على اعتبار أن ذلك يتجاوز سلطتها وأن أقصى ما يمكن لها النظر إليه في مقرر الفصل هل هو مبرر أم تعسفي.
ومما جاء في قرارات المجلس الأعلى:
“وحيث إنه ليس من اختصاص محكمة الشغل إلغاء عقوبة تأديبية اتخذها رب العمل ضد مستخدميه إذ لا تملك في هذا الشأن إلا أن تحكم لصالح العامل بتعويض إن طلب منها ذلك وإذا ثبت لديها تعسف من طرف رب العمل في استعمال سلطته التأديبية…
وحيث إن المحكمة التي اعتبرت مقرر رب العمل القاضي بنقل العامل كعقوبة تأديبية مستترة قضت بإلغائه متجاوزة بذلك حدود سلطتها مما يجعل حكمها معرضا للنقض” .
إلا أن محكمة النقض سرعان ما تراجعت عن هذا التوجه، وأقرت للمحكمة مراقبة التدابير المتخذة في حق الأجير، من خلال عدة قرارات صادرة عنها وجاء في إحداها ما يلي:
“لكن حيث إن القرار المطعون فيه اعتمد أساسا على استعمال الهاتف لأغراض شخصية لا يكون خطأ جسيما يتوجب الطرد، وهو في ذلك إنما قدر درجة الخطأ التي تخضع لتكييف قضاة الموضوع إذ بإمكان الطاعنة المحافظة على حقوقها بوسائل غير الطرد، وبالتالي تكون مناقشة الشهود غير مؤثرة في القرار فكانت الوسائل غير مجدية” .
وصدر عن نفس المحكمة قرار آخر جاء فيه:
“إن المحكمة بتعليلها وفي إطار سلطتها التقديرية أن مسح المعلومات من ذاكرة الحاسوب هو خطأ يمكن تداركه باسترداد المعلومات دون أن يترتب عن ذلك نتائج خطيرة يلحق ضررا بالمؤسسة وتجعل علاقة المشغلة مع الأجيرة غير ممكنة لا سيما وأنه يمكن معاقبة الأجيرة بإنذارات كتابية أو توقيفها مدة معينة مما يجعل طردها عقوبة مبالغ فيها ولا تصل إلى درجة الجسامة فكان ما قضت به المحكمة مصدرة القرار مرتكزا على أساس” .
وفي قرار آخر جاء فيه:
“حيث إن تقييم الخطأ الجسيم للأجير هو أمر موكول لقضاة الموضوع لما لهم من سلطة تقديرية ولا رقابة عليهم في الأمر إلا من حيث التعليل والمحكمة عللت قرارها بأنه تبين لها من خلال جلسة البحث أن الشهود لم يؤكدوا واقعة السب والشتم في حق المسؤولين واكتفوا بالتصريح بكون الأجير ضرب رجله مع باب الإدارة بسبب نزاع والده مع أحد الأجراء بنفس الشركة والمحكمة لما عللت كذلك قرارها بأن ما قام به الأجير لا يرقى إلى درجة الخطأ الجسيم الذي يتوجب الفصل عن العمل خصوصا وأن ممثل الشركة أفاد خلال البحث أن الأجير لم يسبق له أن تنازع مع الإدارة وبالتالي كان على المشغلة أن توجه له جزاءا تأديبيا آخر قبل اتخاذ قرار الفصل، وبذلك تكون المحكمة قد حددت بما لها من سلطة تقديرية الخطأ المنسوب للأجير وكان ما قضت به مرتكزا على أساس” .
أما القضاء الفرنسي فنجده أصبح يراقب مبدأ التناسب بين العقوبة والخطأ، خاصة وأن محكمة النقض الفرنسية أضفت على مبدأ التناسب صبغة النظام العام، والذي لا يمكن تعطيله بقرار انفرادي للمشغل.
وجاء في قرار عن محكمة النقض الفرنسية أنه:
“وهكذا فقد قضت في الموضوع بقرارها قضاة الموضوع لا يمكنهم أن يراقبوا سوى الخطأ المنسوب للأجير والمسير للجزاء التأديبي بدون أن يكون بإمكانهم تقليصه وإلغاؤه” .
أما على مستوى القضاء المصري فكان توجهه مخالفا لتوجه محكمة النقض الفرنسية حيث ذهبت محكمة النقض المصرية في أحد قراراتها إلى أن :
“إن تقدير قيام المبرر لفصل العامل-وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- مما يستقل به قاضي الموضوع وإذا كانت قد انتهت في حدود سلطتها التقديرية لما ساقه من تدليل سائغ إلى عدم تناسب جزاء الفصل الموقع على المطعون ضده مع ما بدر منه من العمال مما يجعل فصله مشوبا بالتعسف فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه في هذا الشأن يكون على غير أساس” .
وعليه فكلما أثبت للقاضي وجود الفصل التعسفي للأجير في النازلة فإنه يتدخل لما له من سلطة تقديرية في جبر الضرر اللاحق بالأجير وترتيب آثار قانونية ناتجة عن هذا الفصل. فما هي الآثار الناجمة عن الفصل التعسفي للأجراء؟
من الظاهر من خلال الدراسة التي قمنا بها في الفصل الأول أن مدونة الشغل جاءت بمستجدات عدة حماية للأجير خاصة في المواد 61 و 62 ثم 63 عند فصله من العمل.
ويعتبر الأجير القطب الرئيسي داخل المقاولة إلى جانب المشغل وبمشاركتهما الفعالة يصبوان إلى تحقيق نجاح اقتصادي للمقاولة.
والأجير يسعى إلى عمل لائق لتأمين عيشه ويعيل به من هم في كنفه في جو من الطمأنينة والمساواة والعدل والكرامة الإنسانية.
وكان من اللازم أن تبنى العلاقة التي تجمع بين الأجير والمشغل على إحترام متبادل، إذ كل منهما يعمل في منظومة واحدة تسعى إلى تحقيق التقدم الإقتصادي.
ولما كان الأجير يعمل لصالح المشغل وتحت إشرافه ورقابته مما يعود على هذا الأخير بمنفعة خاصة، فإن المشغل كذلك يوفر للأجير مجموعة من الإمتيازات والضمانات التي تمكنه من عيش كريم.
وإذا كانت تجمع بين الأجير والمشغل علاقة تعاقدية التي تجد أساسها القانوني في مبدأ سلطان الإرادة في بداية عقد الشغل وفي نهايته. ويمكن أن نرجع إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة إلى مبدأ عام أقره قانون الالتزامات والعقود، والذي بمقتضاه لا يجوز للشخص أن يؤاجر خدماته لأجل غير محدد .
إذا كان المشرع المغربي قد خول لطرفي عقد الشغل -الأجير والمشغل- الحرية التامة في إنهاء عقد الشغل بإرادة منفردة، فإن هذه الأخيرة تبقى مقيدة بعدم إلحاق الضرر بالطرف الآخر وإلا كان متعسفا في استعمال حقه.
وفي هذا السياق عندما يكون هناك فصل تعسفي للأجير، وعند فشل المحاولات الحبية بينه وبين المشغل من خلال مسطرة الإستماع إلى الأجير وكذا تدخل مفتش الشغل بالصلح التمهيدي. فإنه لا يبقى للأجير إلا اللجوء إلى القضاء بدعوى الفصل التعسفي على مشغله وإذا اقتنعت المحكمة هنا بأن الفصل كان تعسفيا، فإنها تحكم للأجير إما بإرجاعه إلى عمله أو تحكم له بتعويض مالي.
وترتيبا على ذلك سنتناول كل ما يتعلق بالآثار المترتبة عن الفصل التعسفي للأجير. وسنقسم هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين، الأول يتعلق بدعوى الخيار بين الإرجاع إلى العمل أو التعويض. والثاني حول التعويضات المستحقة للأجير المفصول تعسفيا والتنفيذ المعجل عليها.
المبحث الأول: دعوى الخيار بين الرجوع إلى العمل أو التعويض
يعتبر إرجاع الأجير إلى العمل حين يصرح القاضي بأن الفصل كان تعسفيا من المشاكل المثارة في الساحة الفقهية واختلفت حولها التشريعات.
ويجد هذا المقتضى أساسه في المادة 41 من م.ش، والتي من خلالها أعطى المشرع المغربي الخيار للمحكمة المختصة عند ثبوت الفصل التعسفي بين الحكم بإرجاع الأجير إلى العمل أو حصوله على تعويض عن الضرر مع عدم إمكانية الجمع بينهما .
وهذا الخيار الممنوح للمحكمة في الحكم بالإرجاع إلى العمل أو التعويض يمكن تصوره في الحالة التي يتقدم فيها الأجير بمقاله إلى المحكمة ويطالب فيه بالإرجاع إلى العمل أو التعويض.
تبقى التساؤلات المطروحة في هذا الصدد عن الحالة التي يتقدم فيها الأجير بطلب الرجوع إلى العمل فقط؛ هل يحق للمحكمة أن تحكم له بالتعويض دون أن يطلبه؟ والعكس عندما يطلب الأجير التعويض فقط؛ هل يحق لها أن تحكم له بالإرجاع إلى العمل دون أن يطلبه؟
وما هي الصعوبات التي تقيد حكم الإرجاع إلى العمل؟ وما هو مآل الحكم في حالة امتناع المشغل عن التنفيذ؟ فما هو الحل القانوني في كل هذه الحالات؟
كل هذه الإشكالات وغيرها هي ما سوف نعمل على تناولها من خلال إشكالية الإرجاع إلى العمل بين المؤيدين والمعارضين(المطلب الأول)، ثم موقف القضاء المغربي والمقارن من الحكم بالإرجاع(المطلب الثاني).
المطلب الأول: إشكالية الإرجاع إلى العمل بين المؤيدين والمعارضين
يعتبر الحكم بالإرجاع إلى العمل من النقط التي ما زالت محط مناقشة قانونية للفقهاء والباحثين حيث انقسموا إلى أنصار الحكم بالإرجاع وخصوم لهذا الحكم.
والملاحظ من الناحية العملية أن أغلبية العمال المطرودين يقتصرون على المطالبة بالتعويض عن الطرد التعسفي بدل طلب العودة إلى العمل لأسباب سوف نتناولها في كل نقطة على حدة.
ومنه سوف نتناول في هذا المطلب كل الإشكالات المتعلقة بإرجاع الأجير إلى العمل بين التأييد (الفقرة الأولى) والرفض (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:الاتجاه المؤيد للحكم القاضي بإرجاع الأجير إلى شغله
يستند مؤيدو الحكم بالإرجاع إلى للعمل بمبررات عدة أهمها:
1- أنه من الناحية القانونية فتجاوز الحكم بالإرجاع هو تجاوز لما جاء به المشرع المغربي في المادة 41 من م.ش، وكذا الفصل السادس من النظام النموذجي (الملغى) أي الحكم بالإرجاع قبل التعويض، وفي حالة تجاوز ذلك سيكون تشجيع للمشغلين على فصل الأجراء والتعسف عليهم مقابل تعويضات نقدية لا تؤثر على الوضع الإقتصادي للأجير، بالإضافة إلى ذلك فإن التعويض النقدي رغم مقداره فإنه لا يرقى إلى جبر الضرر الذي ألحق بالأجير جراء فقده لعمله خاصة وأنه يصعب عليه العثور على عمل جديد أمام الزخم الذي يعرفه سوق الشغل والمطالبة الكبيرة للعمل.
2- يعتبرالرجوع إلى العمل الوسيلة الوحيدة التي تشفي غليل الأجير بعد أن تعرض للإهانة بفصله عن العمل دون مبرر قانوني .
3-إن الإنهاء بدون مبرر يعتبر باطلا، ومن المعروف أن جزاء البطلان هو إعادة المتعاقدين إلى حالتهما السابقة، ولا يتحقق ذلك إلا بإرجاع الأجير إلى عمله عندما يفقده بسبب إنهاء المشغل للعقد بدون مبرر .
4-إن الحكم بالإرجاع تختلف نتائجه بإختلاف المؤسسات، فالمؤسسات الكبرى التي تضم العديد من الأجراء لا يكون المسؤول عنها أي علاقة مباشرة معهم، وبالتالي لا يترتب عن عودة الأجراء المفصولين إليها أي تأثير على معنوياته أو المساس بسلطانه.
5-منح رؤساء المؤسسات الأولوية في ممارسة سلطتهم والتخوف من اهتزازها في حالة الحكم بالإرجاع مما لا يتوافق مع مقتضيات العدالة، ولا يساير ركب المستجدات الواقعية التي تفيد شبه استحالة لإيجاد فرصة شغل جديدة بالنسبة للمسرحين .
الفقرة الثانية: الاتجاه المعارض للحكم بالإرجاع إلى العمل
استند خصوم هذا الرأي على عدة تبريرات نذكر منها:
1- إن الحكم بالإرجاع الأجير إلى العمل يمس بهيبة المشغل، خاصة في المؤسسات الصغيرة التي تسود بها العلاقة الشخصية المتضاربة ما بين المشغل وأجرائه. كما يرى خصوم هذا التدبير أن الحكم بالإرجاع إلى العمل يضر بمصلحة المؤسسة لأنه يعرض سلطة المؤاجر الذي هو رئيسها، إلى الضعف والإحتقار أمام الأجراء الشيء الذي يؤدي إلى فقد الإنضباط وتسرب روح التمرد والفوضى وعدم الإمتثال لأوامر المشغل .
2- إن الحكم بإرجاع الأجير إلى العمل تعترضه صعوبة جمة خاصة إذا طالت إجراءات الدعوى وما يترتب عنها من نشوء الحقد بين الأطراف -المشغل والأجير- وانعدام الثقة بينهما التي تلزم لإستمرار وإستقرار علاقة الشغل.
كما أن إصدار المحكمة للحكم القاضي بالإرجاع دون التأكد من تحقيق تنفيذه سيمنح فرصة للمؤاجرين لتحقير المقررات القضائية وإفقادها لقدسيتها وهيبتها .
3- طول إجراءات البت في الدعوى التي يعرفها الواقع القضائي التي تستغرق سنوات عدة، يكون خلالها المشغل قد عوض الأجير المفصول بأجير آخر، كما يمكن أن تتغير وضعية المقاولة من حيث التجهيز والإدارة فيكون المنصب الذي يشتغله الأجير المفصول قد حذف من الهيكل الإداري الجديد.
4- إن الحكم بالإرجاع غالبا ما يكون غير ذي فائدة ومجرد من أية فعالية، طالما يصعب تنفيذه دون إرادة المشغل ، علما أن الفصل 261 من ق.ل.ع ينص على أن الإلتزام بالعمل يتحول عند عدم الوفاء به إلى التزام بالتعويض .
5- يرى كذلك جانب من الفقه : « بأن تنفيذ الحكم القاضي بالرجوع إلى العمل إن كان سهلا من الناحية النظرية فإنه صعب من حيث التنفيذ العملي إن لم يكن مستحيلا في بعض الأحيان، ذلك أن قانون الشغل يطبق على الأشخاص المعنوية والطبيعية والتي كان من الممكن الحكم بالرجوع إلى مؤسسة تضم المئات من الأجراء وذلك بإبدال الأجير من قسم إلى آخر أو من جناح إلى آخر فإنه قد يستحيل تنفيذ هذا الحكم بالنسبة للمؤسسات الصغرى والتي يكون للمشغل فيها اتصال مباشر ودائم مع الأجراء لأن تنفيذه سيجعل الأجير المطرود بجانب المشغل رغم أنف هذا الأخير، وهذا ما سيعرض الأجير العائد إلى كل أنواع المضايقة والإساءة والتحقير قد تصل إلى محاولة الإنتقام منه بتلفيق تهم له للزج به في السجن والتخلص منه نهائيا».
المطلب الثاني: موقف القضاء المغربي والمقارن من الحكم بالإرجاع إلى العمل
إذا كان الحكم بالإرجاع إلى العمل من الآثار المترتبة عن الفصل التعسفي، وكما أسلفنا أعلاه تضاربت حوله الآراء الفقهية، فإنه كذلك لا يخلو من اجتهادات قضائية متضاربة سواء على المستوى الابتدائي وكذا الاستئنافي وحتى مواقف محكمة النقض.
والقضاء لا يضع يده على النزاع إلا اعتمادا على المقال الذي يتقدم به الأجير، إذ المحكمة لا يمكن لها إلا البت فيما طلب منها .
يلاحظ في الواقع العملي أن أغلب الطلبات التي يتقدم بها الأجراء
إلى المحاكم ترمي أولا إلى الحكم بالإرجاع إلى العمل مع الحكم ابتداءا من تاريخ الفصل إلى تاريخ الرجوع الفعلي إلى العمل ثم يكون الطلب الإحتياطي هو الحكم له بالتعويض ويكون للمحكمة الإختيار .
إلا أنه لا يمكن الجمع بين التعويضين معا في نفس الوقت أي التعويض المالي عن الفصل التعسفي والرجوع إلى العمل .
إلا أن رجوع الأجير إلى العمل يخلق إشكالات قضائية عدة وهي:
هل يحق للمحكمة أن تحكم للأجير بالتعويض عن الفصل مع العلم أنه تقدم بطلب الإرجاع فقط؟ كذلك هل يحق لها إرجاع الأجير إلى العمل مع أنه تقدم بطلب التعويض لوحده؟ وما مدى تقيد المحكمة بالحكم بالتعويض أو الإرجاع إلى العمل إذا كان الأجير قد ضمن أحد هذه الطلبات في المقال؟
في حالة صدور الحكم من المحكمة بالرجوع إلى العمل ورفض المشغل الانصياع للحكم، هل يحق للمحكمة أن تجبر المشغل بإرجاع الأجير إلى العمل؟ أم تحكم له بالتعويض؟
ذلك ما سنجيب عليه من خلال هذا المطلب والذي سوف نقسمه إلى فقرتين أولهما؛ سلطة المحكمة في إرجاع الأجير إلى العمل وثانيهما؛ صعوبات تنفيذ الحكم بالإرجاع إلى العمل.
الفقرة الأولى : سلطة المحكمة في إرجاع الأجير إلى العمل
إن الخيار الممنوح للمحكمة بإرجاع الأجير إلى العمل والحكم له بالتعويض مقرر في العديد من القوانين المقارنة .
بالرجوع إلى المادة 41 من م.ش، تشير أنه بإمكان القضاء الحكم بإرجاع الأجير لعمله رغم أن المدونة لم تحدد الشروط الواجب توفرها لإرجاع الأجير بل تركت الأمر للعمل القضائي .
أولا: حالة تضمين الأجير في المقال لطلب الإرجاع للعمل وحده
لإعتبارات معينة يمكن للأجير أن يقتصر في طلبه بطلب الإرجاع إلى العمل فقط، ومنه يمكن لنا أن نتساءل في هذه النقطة عن مصير الدعوى أو الحكم في الحالة التي يقتصر فيها الأجير بهذا الطلب فقط. هل المحكمة ملزمة بالبت في ما طلب منها فقط؟ والتقيد بمقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية الذي يلزم المحكمة بالبت في حدود طلبات الأطراف ولا يحق لها تغييرها؟ أم أن المحكمة يمكن لها الحكم بالتعويض المالي للأجير الذي تقدم بطلب الرجوع إلى العمل وحده؟
بالرجوع في هذا الصدد إلى المادة 41 من م.ش نجدها صريحة بإعطاء المحكمة حق الخيار بين الحكم بالإرجاع إلى العمل أو الحكم بالتعويض، وكما هو معلوم فإن مدونة الشغل تعتبر قانون خاص وتطبيقها في هذه الحالة مقدم على تطبيق الفصل 3 من ق.م.م بإعتباره نص عام.
لذلك فعندما يتقدم الأجير بطلب الإرجاع إلى العمل وحده إلى المحكمة فهذه الأخيرة ليست ملزمة بالإستجابة لطلبه خاصة عندما يثبت القاضي من ظروف النزاع وحيثياته بأن الحكم بالإرجاع لن يتم تنفيذه من طرف المؤاجر بعد صدوره، بل يتعين عليها تعديل موضوع الطلب والحكم له بتعويض عن الضرر .
ولا يعتبر هذا المقتضى الذي أكدته المادة 41 خرقا لمقتضيات للفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية لأنه في حالة التعارض بين نص خاص ونص عام فإن يتم تطبيق النص الخاص على النص العام ومعلوم كذلك أن الخاص يقيد العام في حالة التعارض.
وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في قرار له جاء من حيثياته:
« كما أن إجراء بحث لا تقوم به محكمة الاستئناف إلا إذا طلبه الأطراف أو كان ضروريا بإعتبار أن مقتضيات الفصل 6 من النظام النموذجي حينما خولت للمحكمة إمكانية الحكم برجوع الأجير إلى عمله أو الحكم بتعويض لم تعط الأولوية للحكم بالرجوع وإنما منحتها حق اختيار أحد الإجراءين، كما أن ذلك يكون مشروطا بطلب الأجير للحكم بالإرجاع وكذا الحكم بالتعويض كإختبار ثان، والحال أن المطلوبة قد اقتصرت في مقالها على الحكم بالتعويض فإن المحكمة الابتدائية بحكمها بإرجاع المطلوب إلى عمله تكون قد خرقت مقتضيات الفصل 3 من ق.م.م وأن ما ذهبت إليه الطاعنة من أن الفصل يفرض أيضا تطبيق القانون الواجب التطبيق وأما استنتجت من ذلك أن المحكمة يمكن لها الحكم بالرجوع رغم عدم المطالبة به يشكل تحريف للفصل المذكور وأن محكمة الاستئناف حينما قضت بإلغاء الحكم المستأنف القاضي بالحكم بالإرجاع وبعد تصدي الحكم بالتعويضات تكون قد طبقت الفصل 3 تطبيقا سليما» .
كما أن القضاء ليس في حاجة إلى تعليل اختياره عن تلبية طلب الإرجاع إلى العمل أو طلب التعويض .
نجد بعض المحاكم تشبثت بحرفية الفصل الثالث من ق.م.م، مكتفية بطلب الأجير بالرجوع إلى العمل، وهذا ما قضت به المحكمة الابتدائية بوجدة في حكم لها والذي جاء فيه:
« إن الطرد الذي تعرض له المدعي طردا تعسفيا، يخلق له مركزا قانونيا يخول له حق مطالبة المدعى عليها بإرجاعه إلى عمله الذي طرد منه بدون سبب مشروع… فطلبه الرامي إلى إرجاعه إلى عمله في محله، ويتعين الاستجابة له» .
في حين نجد أن محكمة الاستئناف بالقنيطرة ذهبت إلى إلغاء الحكم الابتدائي الذي قضى بإرجاع الأجير إلى عمله وقضت له بالتعويض رغم أن المدعي اقتصر على الرجوع إلى العمل دون طلب التعويض .
أما المجلس الأعلى فقد عرف كذلك تضاربا قضائيا فنجد أنه أعط الحق للقاضي في إعمال الخيار بصرف النظر عن طلبات المدعي في بعض القرارات، في حين نجده في قرارات أخرى قضى بعدم أحقية المحكمة في الحكم بالتعويض إذا لم يطلب منه .
وقد تبين من التوصيات الصادرة عن الندوة الثالثة للقضاء الإجتماعي التي انعقدت بالمعهد الوطني للدراسات القضائية أيام 25-26 فبراير 1991 التي أكدت :
1-أن يكون التعامل مع دعوى الخيار بين الحكم بالتعويض أو الرجوع إلى العمل بكامل الحرص وفق المدلول الذي اتجهت إليه الندوة، وذلك بإجتناب الاستجابة لطلب الرجوع إلى العمل إلا عند النص على ذلك في العقد الفردي أو الاتفاقية الجماعية.
2- إثارة المحكمة في إطار دورها الإيجابي انتباه المدعي إلى تصحيح طلبه، وذلك في الحالة التي يتقدم بها بطلب الرجوع إلى العمل كطلب وحيد، قصد تحديد مبلغ التعويض عن الطرد التعسفي تسهيلا لممارسته الخيار.
3- إذا رفض المشغل إرجاع الأجير إلى عمله لا يخول لهذا الأخير إلا الحق في طلب التعويض.
والإشكال الذي طرح في هذا السياق هو في حالة الحكم بإرجاع الأجير إلى العمل، هل يستحق الأجير أجره كاملا منذ فترة توقفه عن العمل إلى تاريخ الإرجاع؟
عرف هذا الإشكال تضاربا سواء على مستوى القوانين وكذا على مستوى العمل القضائي، إذ نجد مقتضيات الفصل السادس من قرار 23 أكتوبر 1948 (الملغى) والذي كان ينص على سريان الحكم القاضي بالرجوع إلى الشغل بأثر رجعي حيث يستحق الأجير أجره ابتداء من تاريخ فصله من الشغل إلى حين تنفيذ قرار الإرجاع متى أثبت أنه كان قد وضع نفسه رهن إشارة المشغل، الذي أكده الاجتهاد القضائي للمجلس الأعلى في العديد من قرارته والتي جاء في بعضها:
« لكن حيث إنه إذا كان الفصل من جانب المشغل، وكان فصلا غير قانوني فإنه يكون ملزما بأداء أجر الأجير لأن هذا الأخير يكون لازال جاعلا خدماته رهن إشارة مشغله في انتظار حكم المحكمة» .
في حين نجد المادة 41 من م.ش (وهو النص المقابل للفصل السادس الملغى) لا تشير إلى أداء الأجير مما يشكل ذلك تراجعا عن حق هذا الأخير في الحصول على الأجر في الفترة الممتدة بين تاريخ الفصل إلى تاريخ تنفيذ الحكم بالإرجاع إلى العمل.
وسار القضاء في هذا التوجه في قرار صادر عن المجلس الأعلى ذهب فيه إلى أن الأجير لا يستحق أجرا ما دام لم يقدم أي عمل وذلك على اعتبار أن الأجر لا يمنح إلا مقابل العمل، وما دام أن الأجير المفصول تعسفيا لم يعد يشتغل فلا حق له في الأجر تطبيق للفصل 723 من ق.ل.ع ، ويستند هذا التوجه القضائي على الفصل 735 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه:
« من التزم بتنفيذ عمل أو بأداء خدمات معينة يستحق الأجر الذي وعد به بتمامه، إذ لم يتمكن من تقديم خدمات أو إتمام العمل الموعود به لسبب راجع إلى شخص رب العمل، بشرط أن يكون قد وضع نفسه تحت تصرفه ولم يؤجر خدماته لشخص آخر.
ومع ذلك، يحق للمحكمة أن تخفض الأجر المشترط بحسب مقتضيات الظروف».
فقد جاء في قرار صادرعن المجلس الأعلى أنه:
« ومن جهة ثانية فإن الحكم قد خرق مقتضيات الفصل 723 من ق.ل.ع حينما قضى على الطاعنة بأدائها للمطلوب أجرة عن مدة التوقف عن العمل لأن الأجرة حسب الفصل المذكور لا تكون إلا في مقابل العمل وما دام ليس هناك عمل فلا موجب لأداء الأجر مما يكون معه الحكم المطعون فيه والحالة هذه غير مرتكز على أساس ومعرضا للنقض» .
وأمام هذا التضارب القضائي فإننا نسير سير هذا التوجه الأخير إذ لا يعقل عندما يتم الحكم بإٍرجاع الأجير إلى شغله أن يحكم كذلك على المشغل بكل الأجور الممتدة من فترة الفصل إلى تاريخ الرجوع للعمل، مما يترتب في ذمته من مبالغ باهظة قد يشكل الوفاء بها خطرا على التوازن المالي للمؤسسة، صحيح أن تشريع الشغل يهدف بصفة أساسية إلى حماية الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية، إلا أن هذا الحماية لا ينبغي أن تؤدي إلى انعكاسات سلبية على المؤسسة المشغلة تشكل تهديدا لمناصب الشغل الأخرى بها.
ثانيا: حالة تضمين الأجير في المقال لطلب التعويض فقط
قد يعمد الأجير إلى إدراج طلب التعويض وحده في مقاله الافتتاحي للدعوى دون إدراج الرجوع إلى العمل كاختيار بينهما.
وهناك من يرى بأن هذه الحالة لا تطرح أي إشكال لأن المحكمة بعد ثبوت الفصل التعسفي تقضي للأجير بالتعويض المستحق له والمحدد بدقة وفقا لنص المادة 41 من م.ش .
ويرى في هذا الحكم تطبيق لمقتضيات الفصل الثالث من ق.م.م الذي ينص على أنه :
« يتعين على القاضي أن يبت في حدود طلبات الأطراف ولا يسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات».
والسؤال الذي يطرح في هذه المسألة، أنه في بعض الأحيان قد يتراجع المشغل عن قراره في فصل الأجير وذلك ببعث رسالة يطالبه فيها بالرجوع خاصة إذا كان الأجير قد تقدم بدعواه أمام المحكمة، فهذه الحالة؛ هل رفض الأجير لطلب المشغل بالرجوع وتشبثه بالمغادرة بصفة نهائية لا يستحق عنه أي تعويض؟ أم أن المحكمة تقضي له بذلك؟
كجواب عن هذا التساؤل، فإن هذا التراجع الصادر من المشغل غير ملزم للأجير طالما أن الفصل والتراجع عنه صادر بصورة إنفرادية- من جانب المشغل.
فالأجير المفصول تعسفيا غير مجبر بالرجوع إلى العمل ولو أن المشغل مستعد لذلك، خاصة عندما تثبت من الوقائع أن الفصل فعلا كان تعسفيا، وهو ما ذهب إليه المجلس الأعلى في إحدى قراراته، والتي جاء فيها:
« ….ويكون الطرد الذي تعرض له الأجير هو طرد تعسفي، يستحق عنه التعويض، طبقا لمقتضيات الفصل 754 من ق.ل.ع. وأن تصريحات الطاعنة بشأن عرضها إرجاع العمال إلى عملهم أجابت محكمة الاستئناف، وعن صواب بأن: المستأنف عليه بعد تسريحه بكيفية تعسفية غير مجبر على الرجوع إلى العمل وإن كانت المشغلة على استعداد لذلك، مما يكون معه القرار المطعون فيه قد جاء معللا تعليلا كافيا وسليما والوسيلة بذلك غير ذات أساس» .
ثم صدر في قرار آخر له جاء فيه:
« وحيث صح صدق ما نعته الوسيلة على القرار المطعون فيه، ذلك أن قضاة الدرجة الثانية بعدما ثبت لديهم أن الطاعن لم يرتكب أي خطأ يستوجب فسخ عقد العمل، ولم يرتبوا على ذلك النتيجة القانونية المحتمة وعللوا ذلك برسالة التراجع عن الطرد مع الفسخ والتراجع عنه ثم بصورة إنفرادية لم يركزوا قرارهم على أساس سليم، وعللوا تعليلا خاطئا ينزل منزلة انعدام التعليل ويعرضه للنقض» .
الفقرة الثانية: صعوبات تنفيذ الحكم بالإرجاع إلى العمل
يعتبر الحكم بإرجاع الأجير إلى عمله الحل الأمثل والأفضل في قضايا الطرد التعسفي، لأن التعويض النقدي الذي يمكن للمحكمة أن تحكم به لا يعوض له منصبه الذي كان يضمن له أجرا قارا ورزقا لعيشه ومن يعيله. لذا أوجب المشغل على المحكمة أن تقوم في الجلسة بإجراء تصالح بين كل من الأجير والمشغل للوصول إلى اتفاق يسفر عن رضا المشغل بإرجاع الأجير إلى عمله.
إلا أن الصعوبة التي تواجه هذا الحكم بالإرجاع هو الحالة التي يرفض فيها المشغل الإنصياع لهذا الحكم.
لكن إذا كان الحق في الإرجاع إلى العمل يسهل الحكم به من الناحية القانونية، فإن تطبيق هذا الحكم من الناحية العملية يصطدم بمجموعة من الصعوبات إذ أبان الواقع على أن المشغل غالبا ما يرفض تنفيذ الإلتزام بإرجاع الأجير لعمله، ويعتبر تضييق في حق الرقابة والتوجيه الذي تفرضهما حسن سير المقاولة وتنظيمها .
أولا: رفض المشغل تنفيذ الحكم بالإرجاع
إذا كان المشرع يعترف للعامل المفصول تعسفيا بالحق في الإرجاع إلى العمل على أساس جبر الضرر وإعادة ربط العلاقة الشغلية من جديد( ). فإن هذه القاعدة تظل نسبية إذ يتقدم الأجير بطلب إلى المحكمة المختصة يطلب فيها الرجوع إلى العمل فقط أو بطلب آخر يطلب فيه الرجوع إلى العمل أو التعويض، وقد تحكم له المحكمة بالرجوع للعمل، إلا أن المشغل يمتنع عن ذلك في هذه الحالة ما مدى إلزامية المشغل بإرجاع الأجير إلى العمل؟
فالمشغل هو صاحب السلطة المطلقة في اتخاذ القرار داخل المقاولة إذ له حق الرقابة والتوجيه، كما أنه يعمل في نطاق نظام اقتصادي حر ليبرالي يعطيه كافة السلطات لضبط وسير مقاولته، ومنه لا يمكن للقاضي أن يتدخل في شؤون إدارة مشروعه بإرغامه على قبول الأجير بين صفوف عماله مع أنه لا يرغب فيه أو لا يثق به.
إن المتتبع للقرارات الصادرة عن المجلس الأعلى سيلاحظ أن هذه القرارات تذهب إلى عدم إلزامية المشغل إلى قبول الحكم بإرجاع الأجير إلى العمل ولا يبقى لهذا الأخير إلا المطالبة بالتعويض عن الفصل التعسفي.
فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى أنه:
«…في نزاعات الشغل الأجير الذي رفض المشغل إرجاعه إلى عمله لا يكون أمامه سوى تقديم طلب جديد يرمي إلى التعويض عن الضرر الحاصل له جراء الطرد التعسفي» .
وهو نفس ما كرسه في قرار آخر جاء في حيثياته أنه:
« وحين يختار العامل طلب الرجوع يكون قد طالب في آن واحد بكافة حقوقه…فإذا حكم برفض طلبه أو حكم له بالرجوع ورفض رب العمل تنفيذه كان له أن يطالب بالتعويض عن الطرد التعسفي» .
والملاحظ من خلال هذه القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى أن المشغل إذا امتنع عن تنفيذ حكم الإرجاع بإعتبار أن ذلك مرهون بحالة قبول المشغل إرجاع الأجير إلى العمل فإن هذا الأخير لا يكون أمامه سوى المطالبة بالتعويض عن الفصل التعسفي، وذلك بتقديم طلب جديد يرمي إلى التعويض عن الضرر الحاصل من جراء الفصل التعسفي والمحكمة تكون مضطرة عند عدم تنفيذ الحكم القضائي بالرجوع إلى العمل على إصدار حكم جديد يقضي بأداء التعويض وهو ينبني على محضر الإمتناع على الرجوع إلى العمل .
إن الحكم بالإرجاع للعمل، وإن كان سهلا من الناحية النظرية فإنه صعب من ناحية التنفيذ، وأمام هذه الصعوبة والمتمثلة في رفض المشغل تنفيذ الحكم بالإرجاع للعمل لأسباب عدة، تعود لإنعدام الثقة بين الطرفين –الأجير والمشغل- كذلك صعوبة إدماج الأجير في المؤسسة وعلى الأخص في المؤسسات الصغرى التي تكون فيها العلاقة مباشرة مع المشغل.
وفي حالة قبول المشغل الحكم بإرجاع الأجير إلى العمل، فإن الأجير الذي التحق بحكم قضائي وليس عن طواعية وإختيار سوف لن يستقر في عمله وسوف يطرد من جديد ويفقد سنوات كان بإمكانه أن يعثر على شغل آخر بعد حكم المحكمة بالتعويض .
ثانيا: موقف القضاء من الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية
تنص الفقرة الأولى من الفصل 448 من ق.م.م:
“إذا رفض المنفذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف التزاما بالإمتناع عن عمل، أثبت عون التنفيذ ذلك في محضر، وأخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ما لم يكن سبق الحكم بها”.
من خلال هذا الفصل تضاربت مواقف فقهية وقضائية بشأن الغرامة التهديدية التي جاءت ضمنها.
فالإطلاع على بعض الأحكام القاضية بإرجاع الأجير لعمله، نلاحظ أنها تكون مرفقة بالحكم بغرامة تهديدية تأسيسا على مقتضيات الفصل 448 من ق.م.م أعلاه، إلا أن للمجلس الأعلى رأي مخالف في حالة امتناع المشغل بتنفيذ طلب الحكم بالإرجاع إذ ذهب إلى أنه ما دامت الفصل 448 من ق.م.م نص عام أما الفصل 6 من النظام النموذجي المؤرخ في 23 أكتوبر 1948 الملغى وكذا المادة 41 من م.ش نصوص خاصة، فإن النص الخاص عند التعارض هو الذي يطبق على العام، وبالتالي لا مجال لتطبيق مقتضيات الفصل 448 من ق.م.م المتعلقة بالغرامة التهديدية، ويمكن للأجير أن يتقدم بطلب آخر يرمي فيه إلى المطالبة بالتعويض عن الفصل التعسفي.
وذهب الاجتهاد القضائي إلى أنه لا مجال للجوء إلى مقتضيات الفصل 448 من ق.م.م لإجبار المشغل على تنفيذ حكم الإرجاع حيث جاء في قرارعن المجلس الأعلى :
« وحيث ثبت صحة ما نعتته الوسيلة على القرار المطعون فيه ذلك أنه إذا كان المشرع في الفصل 448 من ق.م.م يمكن قضاء الموضوع من الحكم بغرامة تهديدية ضد الشخص الذي يمتنع عن تنفيذ حكم قضى عليه بالقيام بعمل ما لإجباره على القيام بذلك العمل، فإنه في نزاعات الشغل الأجير الذي يرفض المشغل إرجاعه إلى عمله لا يكون أمامه سوى تقديم طلب جديد يرمي إلى التعويض عن الضرر الحاصل له من جراء الطرد التعسفي، وتعسف المشغل في استعمال الحق، كما يستفاد ذلك من مقتضيات الفصل 6 من قرار 23/10/1948 وبذلك فإن محكمة الاستئناف عندما حددت مبلغ الغرامة التهديدية استنادا إلى امتناع الطاعنة عن تنفيذ الحكم القاضي عليها بإرجاع المطلوب في النقض إلى عمله دون الأخذ بعين الإعتبار كون رب العمل ليس مجبرا على إرجاع الأجير المطرود لعمله وإنما عليه تعويضه لم تجعل لقرارها تعليلا سليما مما يعرضه للنقض» .
إلا أن هذا التراجع الذي سارت عليه محكمة النقض بشأن الأخذ بمقتضيات الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية المتعلق بالغرامة التهديدية لإجبار المشغل على تنفيذ حكم الإرجاع بفتح المجال للتهرب من تنفيذ الأحكام القضائية، بل ويعطي الفرصة للمس بسمعة السلطة القضائية هذه الأخيرة التي تعتبر ملجأ كل مظلوم.
ويرى أحد الفقهاء قائلا:« بأنه إذا رفض صاحب العمل إعادة العامل بعد تقرير بطلان عقوبة الفصل أمكن اعتبار موقفه هذا بمثابة عقبة مادية تحول بين العامل وبين ممارسة عمله، ويكون من حق القضاء المستعجل إزالة هذه العقبة وتمكين العامل من الإستمرار في العمل، وليس في إعادة العامل للعمل في هذه الحالة أية صعوبة من ناحية التنفيذ إذا فرض المشرع وسيلة إكراه مالي على صاحب العمل فضلا عن العقوبة الجنائية».
ونضم رأينا في هذا الصدد إلى هذا الرأي إذ أنه لا يعقل أن تنص مدونة الشغل على حق الأجير في تضمين طلبه بالإرجاع إلى العمل كطلب وحيد وفي حالة الحكم به من قبل المحكمة المختصة يرفضه المشغل ولا يبقى لها إلا أن تطلب من الأجير بتقديم طلب جديد يدعو فيه بالتعويض، كما أن الحق المخول للمحكمة كذلك في الإختيار بين الرجوع إلى العمل أو بالتعويض منصوص عليه ومؤكد في مدونة الشغل، إلا أن هذا الحق يبقى شبه عاجز عن تنفيذه أمام عدم انصياع المشغل لحكم الإرجاع الصادر عنها كما جاء في القرارات أعلاه وبهذا الرفض سوف تتراجع سلطة القضاء، ولا يبقى للأجير ملاذا إلا الرضا بالحكم بالتعويض كطلب رئيسي في مقاله رغم عدم الرضا به.
لذا يستحسن على المحكمة ألا تسارع وتقضي بإرجاع الأجير إلى عمله إلا عندما يكون الحكم قابلا للتنفيذ، والقاضي يستخلص قابلية التنفيذ أثناء إجراءات الدعوى، فهو ملزم في القضايا الإجتماعية وقبل البث في الموضوع بإجراء محاولة الصلح بين الطرفين، وفي هذه الحالة يمكنه أن يأخذ فكرة شاملة على موضوع النزاع وعلى ضوئها يقرر إما بإرجاع العامل لعمله وإما بالتعويض، ويقضي بالتعويض حتى ولو لم يطلب من طرف الأجير على اعتبار أن مدونة الشغل أعطت الخيار للمحكمة بالإرجاع أو التعويض ولا يفيد ذلك بضرورة طلب من الأجير.
المبحث الثاني: التعويضات المستحقة للأجير والتنفيذ المعجل عليها
يعتبر الفصل من العمل أكبر خطر يهدد الحياة المهنية للأجير، لما يترتب عليه من تغيير مفاجئ في وضعيته تجعله يتحول من شخص منتج ذو مورد دوري، إلى شخص بدون عمل ولا مورد رزق.
ولما كان ولا يزال الأجير يلعب دورا في المنظومة الشغلية بالنهوض بالحياة الإقتصادية للمجتمع وتنمية موارده الطبيعية وتطويرها وخلق رواج اقتصادي وتبادل تجاري على الصعيدين الداخلي والخارجي، وذلك داخل مجتمع يخيم عليه الاستقرار السياسي ضمن إطار ديمقراطي تسوده العدالة الإجتماعية المتوازنة التي تراعي جميع حقوق الأطراف، وكي يؤدي الأجير هذا العمل المنوط به لابد أن يتوفر على مناخ ملائم للعمل يطمئن فيه على مستقبله ومستقبل أبنائه، ولن يتأتى ذلك إلا بوجود قواعد قانونية جيدة وآمرة وعادلة تضمن المصالح المشتركة للمشغل والأجير.
ومادام الفصل من العمل حقا خوله المشرع للمشغل فهو تصرف انفرادي صادر عن هذا الأخير يمارسه لوضع حد للعلاقة الشغلية بالأجير، إلا أن هذا الفصل يجب أن يمارسه المشغل وفق ضوابط قانونية وألا يتسم بالتعسف في حق الأجير، وكلما تحقق هذا التعسف إلا ونتجت عنه آثار قانونية .
وفي سياق البحث عن أفضل الوسائل لحماية العاقد الضعيف يكون من الأولى تناول كل من؛ التعويضات المستحقة للأجير المفصول تعسفيا (المطلب الأول) على أن نتطرق للتنفيذ المعجل وطرق الطعن في المادة الإجتماعية (المطلب الثاني).
وإذا كان المشرع المغربي قد حسم أمره بخصوص إنهاء عقد الشغل المحدد المدة حيث أنه لا يثير أي إشكالات تذكر، وذلك بإخضاعه لمنطق قواعد المسؤولية المدنية أي أن فصل الأجير قبل حلول أجل نهاية عقد الشغل محدد المدة يشكل سببا لمسؤولية المشغل العقدية المتمثلة في عدم أدائه لإلتزاماته (الخطأ) الذي نتج عنه فوات كسب محقق بالنسبة للأجير (الضرر) ويكون التعويض المستحق لفائدة هذا الأخير في هذه الحالة هو قيمة الأجور التي كان سيجنيها عن مدة الشغل المتبقية في العقد.
المطلب الأول: التعويضات المستحقة للأجير عن الفصل التعسفي
وبعد أن تطرقنا للحكم بالرجوع إلى العمل كأثر ناتج عن الفصل التعسفي، سنعمل من خلال هذا المبحث بتناول التعويضات الناتجة عن هذا الفصل، إذ يعتبر التعويض أهم أثر ناتج عن هذا الأخير وينقسم هذا التعويض إلى عدة أصناف، سوف ندرجها على المنوال الآتي؛ التعويض عن الإخطار والتعويض عن الفصل(الفقرة الأولى)، ثم التعويض عن الضرر والتعويض عن فقدان الشغل (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : التعويض عن الإخطار وعن الفصل
من خلال هذه الفقرة سوف نحدد كل من التعويض عن أجل الإخطار (أولا)، ثم التعويض عن الفصل (ثانيا).
أولا: التعويض عن أجل الإخطار
نظم المشرع المغربي مهلة الإخطار من جديد ضمن المواد من 43 إلى 51 من م.ش، وجاء في المادة 43:
“يكون إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة منفردة، مبنيا على احترام أجل الإخطار، ما لم يصدر خطأ جسيم عن الطرف الآخر.
ينظم أجل الإخطار ومدته بمقتضى النصوص التشريعية، أو التنظيمية أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي أو العرف.
يكون باطلا بقوة القانون، كل شرط في عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي، أو العرف يحدد أجل الإخطار في مدة تقل عما حددته النصوص التشريعية أو التنظيمية.
يكون باطلا في جميع الأحوال كل شرط يحدد أجل الإخطار في أقل من ثمانية أيام. يعفى المشغل والأجير من وجوب التقيد بأجل الإخطار في حالة القوة القاهرة”.
من خلال هذه المادة نستنتج أن مهلة الإخطار لصيقة بعقد الشغل غير محدد المدة بالإرادة المنفردة، وأن لها مدة لا يمكن أبدا أن تنزل عنها، مع العلم أننا أمام نص عام يخاطب المشغل والأجير في ذات الوقت .
وفصل الأجير من طرف صاحب العمل دون احترام مهلة الإخطار أو التنبيه يوصف عادة بأنه إنهاء فجائي.
ويوصف الإنهاء بأنه فجائي ولو أخطر صاحب العمل العامل بالإنهاء ثم قام بعد ذلك بوضع حد للعقد قبل إنقضاء مهلة الإخطار ولو بيوم واحد.
وفي كلا الحالتين فإن العامل يأخذ تعويضا عن الفصل الفجائي مما يرتب تعويضا يؤديه المشغل للأجير إما عن رضا أو بواسطة القضاء.
أ- تعريف أجل الإخطار ومعيار احتسابه
إذا كان المشغل يهمه تدبير شؤون المقاولة وتنظيمها إداريا، والمحافظة على وضعيتها ماليا واقتصاديا، فإن الأجير بنفس الحجم أو أكثر يهمه تدبير شؤون حياته المعيشية، وحياة أسرته، وتنفيذ التزاماته المالية الناتجة عن علاقاته الإجتماعية.
ولذلك يقتضي المنطق القانوني أن يلتزم كلا الطرفين المشغل والأجير في حالة عزم أحدهما على إنهاء علاقة الشغل أن يخطر الطرف الآخر ما لم يمنع من ذلك بسبب خارج عن الإرادة كالقوة القاهرة، وذلك وقاية لهما من الأضرار التي يمكن أن تلحقهما بفعل المفاجأة.
1- تعريف أجل الإخطار
لم يعرف المشرع المغربي مهلة الإخطار أو التنبيه، وإنما اكتفى فقط بالإشارة إليه في كل من ظهير الالتزامات والعقود ، و النظام النموذجي ، لـ 23 أكتوبر 1948 الملغى وكذا مدونة الشغل .
لدى تدخل الفقه محاولة منه لإعطاء تعريف لمهلة الإخطار، فهذه الأخيرة عبارة عن أجل يحدده القانون أو عقد الشغل أو الاتفاقية الجماعية أو العرف أو النظام الداخلي، يخبر من خلاله أحد المتعاقدين المتعاقد الآخر، بأنه سيضع حدا لعقد الشغل بعد انتهائه مباشرة.
كذلك فمهلة الإخطار هي المدة التي يستمر فيها الأجير في العمل مع تقاضيه الأجرة رغم وجود إشعاربالفسخ مبلغ إليه، إذ أنها المهلة الممتدة ما بين تاريخ الإشعار بالطرد وتاريخ تنفيذه، وذلك حتى يتمكن الأجير من البحث عن عمل جديد إذ يسمح المشغل للأجير بالتغيب أثناء مهلة الإخطار .
والتزام احترام أجل الإخطار يجب أن يتم من جانب الطرفين وذلك حتى لا يتم الإنهاء بصفة فجائية، فهو يخول فترة معينة للأجير قصد البحث عن عمل جديد، حتى لا يفاجأ بقطع مورد عيشه، كما أنه يتيح للمشغل مهلة قصد إيجاد الخلف، وحتى لا تصبح مقاولته عرضة للإنهيار .
وعلى المشغل خلال مدة الإخطار، أن يترك الأجير يشتغل في نفس الظروف والشروط التي كانت سابقا، أي أن الأجير يمارس نفس الشغل وفي نفس المدة الزمنية وبنفس الأجر وفي المكان الذي يمارس فيه العمل .
وإذا ما لجأ المشغل إلى تغيير شروط الشغل، فإن تصرفه هذا يعتبر بمثابة إنهاء لعقد الشغل، ويمكن للأجير نتيجة ذلك التوقف عن الشغل والمطالبة بتعويض عما تبقى من أجل الإخطار، وإذا ما ارتكب الأجير خطأ جسيما خلال أجل الإخطار يكمن للمشغل إنهاء عقد الشغل حالا .
وبالرجوع إلى المادة الأولى من المرسوم رقم 469-04-2 بشأن تحديد أجل الإخطار لإنهاء عقود الشغل غير محدد المدة بإرادة منفردة والصادر بتاريخ 29 دجنبر 2004 نجده يحدد مدد هذا الأجل كما يلي:
*بالنسبة للأطر ومن شابههم حسب أقدميتهم:
– أقل من سنة = شهر واحد.
– من سنة إلى خمس سنوات = شهران.
– أكثر من خمس سنوات = ثلاثة أشهر.
*بالنسبة للمستخدمين والعمال حسب أقدميتهم:
– أقل من سنة = ثمانية أيام.
– من سنة إلى خمس سنوات = شهر واحد.
– أكثر من خمس سنوات = شهران.
وهذه المدد للإخطار التي جاءت بها مدونة الشغل الجديدة تخالف ما كان عليه الأمر في تشريع الشغل السابق الذي يميز في تحديد مدة الإخطار بين الأجراء، حيث يقر مثلا بمدة شهر إذا تم الفصل في السنة الأولى من العمل أو شهرين بالنسبة للسنة الثانية أو ثلاثة أشهر في حالة مدة الشغل التي تفوق السنتين وذلك إذا تعلق الأمر بفصل الوكيل المتجول أو الممثل أو الوسيط في التجارة أو الصناعة .
ومنه فإن المشرع اعتمد في تحديد أجل الإخطار على الأقدمية وصنف الأجير، فالأقدمية تلعب دورا مهما في تحديد أجل إخطار الأجير إلى باقي خانته ضمن التصنيف أهو من الأطر وأشباههم أم من المستخدمين والعمال، وهي أحكام جاءت على غرار ما قررته المدونة بخصوص فترة الإختبار.
والملاحظ على هذين العنصرين وهما؛ الأقدمية والدرجة المهنية للأجير، أن المشرع قد خالف بهذا المرسوم بعض التشريعات المقارنة كالتشريع الفرنسي والمصري اللذين حددا أجل الإخطار اعتبارا لأقدمية الأجير دون أدنى اعتبار لدرجتهم المهنية، والتي تظل معطى أساسي وذا تأثير في تحديد مدة كافية للإخطار، طالما أن صعوبات إيجاد فرصة شغل جديدة تختلف من صنف مهني لآخر ومن درجة مهنية لأخرى .
ولما كانت مهلة الإخطار منحة قانونية مخولة للأجير للتغيب عن الشغل قبل تنفيذ قرار الفصل، الغاية منه البحث عن شغل بديل للشغل الذي سيتم إنهاؤه .
وخلال هذه المدة تبقى العلاقة الشغلية قائمة إلى حين انتهاء المدة المعينة، فالأجير يجب أن يتقاضى أجره كاملا رغم تغيبه، في المقابل يقوم بعمله بالكامل وفق الشروط المحددة في العقد.
ولا شيء يعفي المشغل من تخويل الأجير بمهلة الإخطار إلا في حالة إرتكاب الأجير لخطأ جسيم يبرر فصله، ويعفى بالتالي المشغل من التقيد بهذه المهلة، كما يحرم الأجير من التعويض عنها ، كذلك يعفى المشغل عن هذه المهلة في حالة القوة القاهرة .
وبالرجوع إلى المادة الأولى من المرسوم رقم 469-04-02 أعلاه المتعلق بأجل الإخطار، أنها لم تشترط لهذا الأخير أن يتم كتابة أو شفويا، صريحا أو ضمنيا ، مما سيحيل على بنود العقد أو الاتفاقية الجماعية أو النظام الداخلي للمقاولة أو ما تقضي به قواعد العرف.
ونعتقد بأنه يجوز أن يتم الإخطار شفويا أو كتابة، إلا أنه نرى بأنه يستحسن أن يتم كتابة لتخفيف العبء على الأطراف أثناء المطالبة بالإثبات.
2- طريقة احتساب التعويض عن الإخطار
بخصوص طريقة احتساب التعويض عن أجل الإخطار نشير إلى أن المشرع لم يحدد ذلك لكنه وضع بعض المعايير تتمثل في بداية سريانه وكونه يؤدى عن الأجر الذي كان من المفترض أن يحصل عليه الأجير لو اشتغل خلال مدة الإخطار ، وبالتالي فالمشرع يعتمد الأجر الصافي أي الأجر بكل مكوناته وتوابعه وليس الأجر الخام.
ويرجع احتساب التعويض عن الإخطار إلى تحديد مدة هذا الأخير، أي بحسب أقدمية الأجير وصنفه المهني، لدى يتم الإعتماد دائما على ما جاء في المادة الأولى من المرسوم رقم 469-04-02 الصادر بتاريخ 29 دجنبر 2004 الذي يحدد مدة الإخطار التي يستفيد منها الأجير.
ولما كان المشرع أحال الطرفين لمعرفة مدة الإخطار إلى النصوص التشريعية أو التنظيمية أو اتفاقية جماعية أو النظام الداخلي أو العرف، ثم تدخل ليجعل باطلا بقوة القانون كل شرط اتفاقي أو عرفي يجعل مدة الإخطار محددة في أجل أقل مما هو منصوص عليه قانونا .
تبنى المشرع هذا التقييد لمهلة الإخطار حماية للأجير حتى لا يتم تحديده في حد أدنى مما هو مقرر في القانون أو العرف، إلا أن الإشكال المطروح هو عدم استقرار العرف المتغير بتغير الزمان والمكان، وهذا الأخير نفسه يتضمن تغييرا حسب الحرف والمهن الموجودة بل إن نفس المهنة تحكمها عدة ضوابط تختلف بإختلاف صفة العاملين بها مما يجعل الأمر يلتبس على القضاء، فتفاوت هذه المدة في القضية الواحدة بين الأحكام الصادرة عن المحاكم الإبتدائية والإستئنافية ومحكمة النقض.
حيث جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى أنه:
“… وحيث يعيب الطاعن على القرار المطلوب نقضه في الوسيلة الأولى بخرقه القرار الوزيري المؤرخ في 13/8/1951 المتخذ لتطبيق ظهير 30/7/1951 خرق القانون وانعدام الأساس القانوني.
ذلك أن محكمة الاستئناف صرحت بأن العارض محق في مدة أسبوع فقط برسم مهلة الإشعار ومنحه 855 درهم كتعويض عنها، في حين أنه كان رئيس قسم الموظفين ويستحق بهذه الصفة تعويضا يساوي أجرة ستة أشهر طبقا للفصل الأول من القرار الوزيري المؤرخ في 13/8/1951، مما جعل القرار المطعون فيه قد خرق الفصل المشار إليه، واستوجب النقض.
حقا حيث إنه ثابت من شهادة العمل المدرجة بالملف المؤرخة في 22/9/78 أن السيد بناني عبد الحميد كان يعمل لدى الشركة المطلوبة في النقض بصفته رئيس المستخدمين من 1/3/78 إلى 21/9/78، فإنه يستحق عن مهلة الإشعار تعويضا يساوي أجرة ستة أشهر عملا بالفصل الأول من القرار الوزيري المؤرخ في 13/8/1951 مما يجعل محكمة الاستئناف عندما منحته عن مهلة الإشعار تعويضا يساوي فقط أجرة أسبوع خرقت الفصل المحتج به، وعرضت قرارها للنقض بالنسبة للتعويض المذكور” .
ولتوضيح الصورة عن كيفية احتساب التعويض عن الإخطار نورد بعض الأمثلة تتعلق بـ:
1- فصل إطار دون منحه أجل الإخطار ودون وجود خطأ جسيم أو قوة قاهرة، مع كون الأجير قد اشتغل لمدة 4 سنوات و7 أشهر فإن التعويض عن أجل الإخطار الذي يستحقه هذا الإطار سيكون بقيمة أجر شهرين ذلك أنه إذا كان يؤدى له أجر شهرين بقيمة 8000.00 درهم فإنه سيحصل عل تعويض عن أجل الإخطار بقيمة 16000.00 درهم.
2- نبيل منذ سنة 1991 وهو إطار بمؤسسة الوفاق يتقاضى أجرا شهريا مبلغه ثلاثة ألف درهم، في شهر يونيو 2004 توصل بإخطار بفصله من العمل لكن بمجرد مرور شهر من توصله بذلك رفض المسؤول عن المؤسسة السماح له بالدخول، فما هو التعويض المستحق له؟
استنادا إلى المرسوم السابق الذكر، وخاصة المادة الأولى منه فإن نبيل إطار، وعمل لمدة تزيد عن خمس سنوات، ولم يحترم مشغله مهلة الإخطار التي هي ثلاثة أشهر، والشهر الذي انتهى تقاضى نبيل أجره، وبقي شهران فقط لتنتهي مدة الإخطار، إذ التعويض الباقي هو (2×3000) يساوي 6000 درهم وهو التعويض المستحق .
ومنه فلإحتساب التعويض عن أجل الإخطار نعتمد على ثلاث عناصر أساسية وهي الأجرة ومدة العمل وصنف الأجير وهذين الأخيرين يتم الركون لتحديدهم إلى المادة الأولى من المرسوم رقم 469-04-02 الصادر في 29 دجنبر 2004.
ب- وضعية طرفي عقد الشغل أثناء مهلة الإخطار
ألزم المشرع المغربي بضرورة الإلتزام بإحترام مهلة الإخطار لما لها من أهمية بالغة في تدبير نتائج الفصل، حيث تعتبر حقا من الحقوق المخولة للأجراء والتي تبقى على عاتق المشغل، ولا يجوز الإتفاق على إسقاطها أو التنازل عنها، وكل تجاوز أو عدم إحترامها ترتب أداء تعويض للأجير يعادل الأجرة المستحقة عن هذه المهلة والتي من الممكن أن يبقى العقد قائما خلالها .
ويلتزم رب العمل بإحترام أجل الإخطار، كما يلتزم بإعطاءها للعامل حتى ولو كانت المؤسسة في حالة توقف عن العمل لأي سبب كان إلا في حالة القوة القاهرة .
ولا ينتج الإخطار أثره طبقا للقواعد العامة بمجرد صدوره عن رب العمل بل من الوقت الذي يصل فيه إلى علم الأجير، كما أنه لا ينهي العلاقات الناشئة عن عقد العمل إذ أن مهلة الإخطار تحدد الوقت الذي تنتهي فيه هذه العلاقات بصفة نهائية، ويبقى خلالها المشغل ملزم بأداء الأجر والأجير بأداء العمل في حدود التبعية التي تهدد السير الطبيعي لعقد العمل .
وتبقى أطراف عقد الشغل -الأجير والمشغل- أثناء مهلة الإخطار في نفس الوضع القانوني الذي كان يربطهم أثناء السير العادي لعملهم، إذ يؤدي الأجير خدماته لرب العمل، وفي المقابل يستمر هذا الأخير بأداء الأجر المقابل لذلك العمل وكأن شيئا لم يتغير .
وتبعا لذلك، فإن العلاقة الشغلية التي تربط بين الأجير والمشغل تظل قائمة خلال هذه المدة، حيث ينتهي العقد بينهما بإنتهائها، ويبقى الطرفان ملزمان بتنفيذ كافة إلتزاماتهما .
ويستفيد الأجير أثناء مهلة الإخطار من رخص التغيب، قصد البحث عن شغل آخر، على أن يؤدى له عنها الأجر الذي يتقاضاه عن أوقات الشغل الفعلي، أيا كانت طريقة أدائه .
وتتحدد مهلة الإخطار في أجل لا تقل مدته عن ثمانية أيام، حيث يعتبر هذا الأجل من النظام العام، إذ أن الإتفاق على مخالفته بمدة أقل يعد باطلا .
وعليه فإن هذا الأجل ينتهي بحسب إنتهاء مدته، أو توقف الأجير في إيجاد عمل جديد في مؤسسة أخرى، ويجب في هذه الحالة إحاطة المشغل علما بذلك وإلا فقد كل حقه في مهلة الإخطار وفي التعويض .
ومن الإشكالات التي تطرح في هذا الصدد، أنه قد يكون في بعض الحالات بقاء العامل في المؤسسة مضرا لها وفي سيرها، مما يدفع بالمشغل إلى إعفاء الأجير من متابعة العمل داخلها خلال مدة الإخطار، ويعمد رب العمل إلى منحه ما يستحقه من أجر وتعويضات، إلا أنه في هذه الحالة ليس هناك ما يلزم الأجير بقبول هذا الإعفاء ومتابعة شغله بشكل طبيعي مع احترام مقتضيات مدونة الشغل فيما يخص أجل الإخطار، إذ قد يحمل الغير مغادرة الأجير لعمله فورا دون إنتهاء أجل الإخطار بمثابة ارتكابه لخطأ جسيم -لا يستحق فيه الأجير هذا التعويض- مما قد يلحق ضررا بسمعته ورفضه من قبل المؤسسات الأخرى.
كما يلاحظ كذلك من الناحية العملية أن أرباب العمل لا يحترمون مدة الإخطار، حيث يشعرون الأجير بقرار الفصل بصفة فورية دون تمتيعهم بمهلة الإخطار، حيث يؤسسون قرارهم هذا بكون الأجير فصل من عمله لإرتكابه لخطأ جسيم، مما يجعل المحكمة تحكم بهذا التعويض في حالة إعتبارها بأن الفصل كان تعسفيا.
كما نرى أنه من ناحية أخرى، أن مهلة الإخطار التي خولها المشرع المغربي للأجراء للبحث عن شغل جديد تبقى قصيرة، خاصة أمام ما يعرفه سوق الشغل من ندرة الفرص- قلة المعروض وكثرة الطلب-، كما أن غالبا ما لا تكون لدى هؤلاء الأجراء مؤهلات كبيرة تمكنهم من إيجاد شغل جديد بسرعة.
ثأنيا: التعويض عن الفصل التعسفي
يعتبر التعويض عن الفصل نوعا ثانيا من التعويضات التي يحصل عليها الأجير في حالة فصله تعسفيا، وبالرجوع إلى مقتضيات تشريع الشغل السابق المتعلق بالتعويض عن إعفاء بعض أصناف المستخدمين ، نجده يقر تعويضا للمستخدمين عند إنهاء عقود شغلهم وذلك لفائدة الأجراء الذين قضوا ما يزيد عن سنة من الشغل الفعلي داخل المقاولة مع عدم ارتكابهم لأي خطأ فادح، على غرار ذلك فقد جاء في المادة 52 من م.ش أنه:
“يستحق الأجير المرتبط بعقد شغل غير محدد المدة، تعويضا عن فصله بعد قضائه ستة أشهر من الشغل داخل نفس المقاولة، بصرف النظر عن الطريقة التي يتقاضى بها أجره، وعن دورية أدائه”.
فما جاءت به هذه المدونة عرف جانب من التعديل والتطور قياسا على تشريع الشغل السابق.
أ- شروط استحقاق التعويض عن الفصل
يستفاد من المادة 52 من م.ش أعلاه، أن استحقاق الأجير للتعويض عن الفصل يتوقف على تحقق الشروط الآتية:
1- أن يكون الأجير مرتبطا بالمؤسسة بعقد شغل غير محدد المدة؛ وعليه فإن الأجراء المرتبطون بعقد محدد المدة لا يستفيدون من التعويض عن الفصل، وعند حدوث نزاع حول طبيعة العقد يتعين على القاضي الإجتماعي أن يأخذ الوصف المعطى للعقد عند فسخه لأي تحايل أو تدليس من طرف المؤاجر.
وما يلاحظ على هذا عدم الإنسجام الحاصل بين الأحكام على مستوى مدونة الشغل حيث قد يستمر عقد الشغل محدد المدة لأزيد من 6 أشهر لكن صاحبه لا يستحق تعويضا عن الفصل بينما يستحق الأجير المرتبط بعقد شغل غير محدد المدة هذا التعويض بمجرد قضائه 6 أشهر داخل المقاولة.
2- قضاء مدة ستة أشهر على الأقل داخل المقاولة؛ فقد حدد المشرع المغربي الفترة التي يستحق فيها الأجير التعويض عن الفصل ووضع لها حدا أدنى لا يمكن النزول عنه، وحدد هذه المدة في ستة أشهر داخل نفس المقاولة.
وكذا هذه المدة محددة في القانون السابق في سنة على الأقل من العمل الفعلي ، كما اعتبر المشرع في المادة 53 الجزء من السنة بمثابة سنة كاملة .
3- ألا يكون الأجير قد فصل من شغله لإرتكابه خطأ جسيما؛ وهذا ما نصت عليه المادة 61 من م.ش التي جاء فيها:
“يمكن فصل الأجير من الشغل، دون مراعاة أجل الإخطار، ودون تعويض عن الفصل، ولا تعويض عن الضرر عند ارتكابه خطأ جسيم”.
ويتم الإعتماد على وجود الخطأ الجسيم من عدمه إلى الأخطاء الجسيمة الواردة على سبيل المثال في المادة 39 من م.ش، بالإضافة إلى الأخطاء الأخرى التي يكيفها القضاء بأنها جسيمة وكلما ثبتت هذه الأخيرة فإن الأجير يحرم من التعويض عن الفصل.
4- ألا يكون فصل الأجير مصادف لحصوله على سن التقاعد؛ حيث تعتبر من النقط المطروحة للنقاش، إذ يتم فصل الأجير بفترة قليلة من حصوله على التقاعد، وهذا ما أكدته المادة 60 من م.ش جاء فيها:
“لا حق للأجير في التعويضات الواردة في المادة 59 أعلاه إذا وجب له راتب الشيخوخة عند بلوغه سن التقاعد طبقا للمادة 526 أدناه ، إلا إذا نص عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي على مقتضيات أكثر فائدة للأجير”.
5-أن يكون قرار الفصل صادر من جانب المشغل، جاء في المادة 52 من م.ش:
“يستحق الأجير المرتبط بعقد شغل غير محدد المدة تعويضا عن فصله…”.
فهذه المادة تضمنت التعويض عن الفصل فقط الذي يستحقه الأجير، ومادام هذا الأخير هو الذي يستحق هذا التعويض فبديهيا فإن قرار الفصل صادر عن المشغل عكس التعويض عن الإخطار والضرر فيمكن أن يصدر من المشغل أو الأجير أي الطرف الذي لم يحترم مهلة الإخطار، وألحق ضرر بالطرف الآخر، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 43 بشأن أجل الإخطار ، وكذا الفقرة الأولى من المادة41 بشأن التعويض عن الضرر .
ت- تقويم التعويض عن الفصل
اعتمد المشرع المغربي من خلال المقتضيات الواردة بشأن التعويض عن الفصل إلى تحديد عنصرين أساسيين ويكمن الأول في الأقدمية والثاني في الأجر .
فبالنسبة لعنصر الأقدمية تنص المادة 53 من م.ش على أنه:
“يعادل مبلغ التعويض عن الفصل، عن كل سنة، أو جزء من السنة من الشغل الفعلي، ما يلي:
– 96 ساعة من الأجرة، في ما يخص الخمس سنوات الأولى من الأقدمية.
– 144 ساعة من الأجرة، في ما يخص فترة الأقدمية المتراوحة بين السنة السادسة والعاشرة.
– 192 ساعة من الأجرة، في ما يخص مدة الأقدمية المتراوحة بين السنة الحادية عشرة والخامسة عشرة.
– 240 ساعة من الأجرة، في ما يخص الأقدمية التي تفوق السنة الخامسة عشرة.
أما بالنسبة لعنصر الأجر فقد ربطه المشرع بمعدل الأجور المتقاضاة خلال الأسابيع الإثنين والخمسين السابقة لتاريخ إنهاء العقد وهذا ما أكدته المادة 53 من م.ش.
1- مفهوم الشغل الفعلي في تحديد التعويض عن الفصل
من خلال ما جاء في مطلع المادة 53 أعلاه فإن مبلغ التعويض عن الفصل يحسب بالإعتماد على مدة الشغل الفعلي.
ويقصد بمدة الشغل الفعلي أن يكون الأجير مشتغلا في الأوقات المخصصة للشغل من الناحية القانونية، وهو الذي مورس عمليا من حيث الواقع .
والشغل الفعلي هو الشغل المؤدى من طرف الأجير فعليا بالمقاولة أي منذ ساعة بدء الشغل إلى حين ساعة انتهائه، وهي عملية غالبا ما تعمل إداراة الشغل على ضبطها من خلال وضع دفتر توقيع الأجراء على ساعات دخولهم وخروجهم من المقاولة، وتم تعيين استثناء كل الساعات والأوقات التي يتواجد بها الأجير بالمقاولة دون شغل أو في انتظار تكليفه بمهمة أو السماح له بمباشرة مهامه، وهو ما يعني أن الأجير الذي يضع نفسه رهن إشارة المشغل بدون أن يقوم بأدنى مهمة لا يعتبر تواجده بالمقاولة أو بمكان العمل في حكم الشغل الفعلي، وهو نفس الإتجاه الذي سارت عليه م.ش حيث عمدت إلى شرعنة العمل لبعض الوقت، وأيضا حين حددت مدة الشغل بالساعات، وكذا الأجر على أساس الساعة .
ما يلاحظ على هذه الإعتبارات وكذا المادة 53 من م.ش أعلاه أنها قلصت من دور السلطة التقديرية للقاضي في تحديد مقدار التعويض عن الفصل، فأصبح سهلا على المحكمة تحديد التعويض الذي يستحقه الأجير بناء على المدة التي قضاها في الشغل وهو ما استندت به الأحكام القضائية التي صدرت بهذا الشأن، ومنها ما قضت به المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في حكم لها جاء فيه:
“حيث إن الأجير المرتبط بعقد شغل غير محدد المدة يستحق تعويض عند فصله بعد قضائه ستة أشهر من الشغل داخل نفس المقاولة طبقا للمادة 52 من مدونة الشغل، وحيث إن المدعية قضت مدة سنتين في خدمة مشغلها فتستحق لذلك مبلغ 1854.72 درهم عن الفصل، تم احتسابه كالتالي: أجرة الساعة x 192 طبقا للمادة 53 من مدونة الشغل” .
غير أن هذا المبدأ قد تم التراجع عليه من طرف المشغل في مواد لاحقة، وقام بتليينه كحماية إنسانية للأجير، حيث لم يعد الأجر كمقابل لمحتوى العمل أي أنه لم يعد ينظر إلى الأجر من زاوية اقتصادية محضة بقدر ما يراعي في تحديده واحتسابه على المعطى الإجتماعي، وهكذا فقد أصبحت مجموعة من الساعات التي يقضيها الأجير خارج المقاولة ودون أداء أي شغل لفائدتها تراعى في احتساب الشغل الفعلي.
وهذا المقتضى الأخير هو ما نصت عليه المادة 54 من م.ش بشكل صريح وحصري تنص هذه المادة على أنه:
“تدخل ضمن مدد الشغل الفعلي، ما يلي:
1-فترات العطلة السنوية المؤدى عنها؛
2-فترات استراحة النوافس المنصوص عليها في المادتين 153 و154 أدناه، وفترة توقف عقد الشغل المنصوص عليها في المادة 156 أدناه؛
3-مدة عجز الأجير عن الشغل عجزا مؤقتا، بسبب حادثة شغل، أو مرض مهني؛
4-مدة توقف عقد الشغل، ولا سيما أثناء التغيب المأذون به، أو بسبب المرض غير الناتج عن حادثة الشغل أو المرض المهني، أو بسبب إغلاق المقاولة مؤقتا بموجب قرار إداري، أو بفعل قوة قاهرة”.
والملاحظ أن هذه المادة سردت مجمل هذه الإستثناءات التي تعتبر شغلا فعليا رغم أنها ليست كذلك من الناحية الواقعية، ذلك أن الأجراء الذين يتوقف شغلهم لأحد هذه الإعتبارات الواردة في هذه المادة لا يؤدي حقيقة شغلا فعليا وواقعيا لفائدة المقاولة، ومع ذلك ارتأى المشرع جعلها بمثابة شغل فعلي تدخل في تحديد التعويض عن الفصل التعسفي، قصد المشرع من ذلك مراعاة الجانب الإجتماعي للأجير لضرورة أملتها التطورات التي عرفها المجال الإقتصادي والنكسات التي يعيشها الأجير داخل المقاولات نتيجة الجشع المفرط في الكسب على حساب عمل الأجراء.
2- الأجر كعنصر أساسي في احتساب التعويض عن الفصل
يعتبر الأجر العنصر الثاني الذي على أساسه يتم حساب مقدار التعويض عن الفصل، ويجد هذا المقتضى أساسه من خلال المادة 55 من م.ش، إذ تنص على أنه: “يقدر التعويض عن الفصل على أساس الأجور المتقاضاة خلال الأسابيع الاثنين والخمسين السابقة بتاريخ الإنهاء”.
وقد عملت مدونة الشغل على إحاطة الأجر بضمانة هامة تتجلى الأولى في عدم نزوله عن الحد الأدنى القانوني للأجر ، أما الثانية في إضفاء الصفة الإجتماعية عليه ، بعدما أن كان ينظر إليه فقط من الزاوية الإقتصادية كمقابل للعمل الفعلي.
وإذا كانت المادة 55 أعلاه قد بينت لنا بأن التعويض عن الفصل يقدر بحسب الأجر، إلا أن الإشكال يبقى مطروحا في هذا الصدد حول المقصود بالأجر، هل الأجر بمفهومه الأساسي، أم الأجر مع توابعه أو بدونها، وإن كانت بتوابعه، فما المقصود بهذه الأخيرة ؟
فالأجر هو كل ما يتقاضاه الأجير مقابل عمله أو بمناسبته، وقد يكون لقاء تواجده في مكان الشغل، ولو لم يؤديه لسبب خارج إرادته، ويشتمل على الأجر الأساسي وتوابعه .
وبالرجوع إلى المادة 57 من م.ش نجدها تحدد لنا الأجر المعتمد في تقدير التعويض عن الفصل ويتمثل في الأجر بمعناه الأساسي مع توابعه.
ويحدد الأجر بإتفاق بين الطرفين، سواء بكيفية مباشرة أو بمقتضى اتفاقية الشغل الجماعية، مع الإلتزام بالأحكام القانونية المتعلقة بالحد الأدنى للأجر، أما في حالة ما لم يحدده الأطراف ولم تنص عليه اتفاقية الشغل الجماعية، فإن المحكمة تتدخل لتحديده وفق العرف الجاري به العمل، وإذا كان هناك أجر محدد سابقا افترض في الطرفين أنهما ارتضياه .
ولما كان الأجر ينقسم إلى الأجر الأساسي ثم توابعه، وإن كان الأول لا يثير أي إشكال إلا أن توابع الأجر لها خصوصيات وقد تضمنت المادة 57 من م.ش هذه التوابع وتتمثل هذه الأخيرة في كل من المكافئات والتعويضات المرتبطة بالشغل، والفوائد العينية، ثم العمولة والحلوان.
1. المكافئات والتعويضات المرتبطة بالشغل؛ فكلاهما يعتبر من توابع الأجر ويدخلان في نطاق الأجر المعتمد لحساب التعويض عن الفصل. وبمفهوم المخالفة فإن المشرع من خلال المادة 57 استثنى التعويضات غير مرتبطة بالشغل في اعتمادها كأساس لإحتساب التعويض.
إلا أن أنه رغم تنصيص المشرع على اعتماد التعويضات المرتبطة بالشغل في التعويض فإنه استثنى بعض التعويضات من هذا الأخير رغم أنها مرتبطة بالشغل ونورد منها :
ـ المبالغ المستوردة تغطية لمصاريف أو نفقات سبق أن تحملها الأجير بسبب شغله؛ لا يمكن اعتبارها من مكملات الأجر، ولا تدخل في الأداءات الناتجة عن إنهاء عقد الشغل عندما يتعلق الأمر بإحتساب التعويض عن الفصل ، أما إذا كانت تلك المصاريف شخصية، ومن أمثلة ذلك؛ انتقال الأجير إلى منطقة غير تلك التي يشتغل بها واضطراره للمبيت في تلك المنطقة، و يتحمل مصاريف الفندق (…) حيث أن هذه المصاريف تخرج من مستلزمات الشغل، وبالتالي فهي لا تدخل في نطاق التعويض.
ـ التعويضات عن الأشغال المضنية أو الخطيرة؛ في مثل هذه الحالة يحصل الأجير على تعويضات من أجل تشجيعه على المجازفة المطلوبة من جهة وتحفيزه على العمل الشاق من جهة ثانية، ومثل هذه التعويضات تكون جد مرتفعة بشكل يتوازى ودرجة الخطورة والشقاء، بحيث يتم احتساب قيمة التعويض في هذه الحالة على أساس معنوي رمزي وليس على أساس المجهود المبذول. ونظرا لقيمة ورمزية هذه التعويضات والتي تفوق بكثير قيمة العمل المنجز فعلا فقد استثناها المشرع من توابع الأجر المعتمد في حساب التعويض عن الفصل .
ـ التعويضات المدفوعة مقابل شغل أنجز في مناطق صعبة؛ حيث يتطلب العمل في المناطق الصعبة مجهودا فكريا وعضليا، وهو ما يؤدى عنه تعويضات إضافية هي بدورها لا تدخل في احتساب مقدار هذا التعويض رغم أنها مرتبطة بالشغل. والأجير يعرف مسبقا بأنها مبالغ تؤدى له لإنجاز هذا الشغل فقط .
فهذه التعويضات أعلاه ولو أنها مرتبطة بالشغل ناتجة عن ظروف هذا الأخير وتحملها الأجير بسببه، فإنها تظل مستثناة من قيمة الأجر المعتمد في حساب التعويض عن الفصل، ويرجع سبب ذلك إلى كونها تعويضات مؤقتة وغير قارة، وهو ما من شأنه أن يخل بكيفية حساب التعويض عن الفصل كما من شأنها أن تضخم الأجر قد لا يتلاءم مع حقيقة وضعية الأجير داخل المقاولة.
2. الفوائد العينية، هي كل ما له قيمة عينية يتلقاها الأجير من المقاولة، فعادة ما تلجأ المقاولة إلى فتح باب أمام أجرائها للإستفادة من المواد التي تضعها أو تنتجها، حيث تمكن هذه المقاولات أجرائها من إمكانية إقتناء هذه المواد بأثمان تفضيلية لا تتجاوز حدود التكلفة الإجمالية، أو أنها قد تعمد إلى تقسيط الثمن على دفعات متعددة بحسب إختيار الأجير.
ومن الأمثلة كذلك أن تعمد المقاولة إلى تقديم منتجاتها للأجراء بشكل دوري على شكل جزء من الأجر كسوق استهلاكية داخلية خاصة في الشركات الغذائية والإستهلاكية، بحيث يكون قسط من الأجر نقدي والآخر عيني.
لذا تدخل المشرع المغربي لحماية الأجراء حتى لا يصبحوا مجرد سوق داخلية للمقاولة من خلال تحويل الأجر إلى مجرد سلع وفوائد عينية.
وتبعا لذلك، فإن إدراج الفوائد العينية ضمن ملحقات الأجر الذي يتم على أساسه احتساب التعويض عن الفصل هو بمثابة قيمة مضافة للأجراء ونقطة إيجابية لصالحه من شأنها رفع قيمة التعويض بشكل يتناسب والضرر أو بشكل عام تبعات الفصل التعسفي الذي تعرض له.
3. العمولة والحلوان؛ يعود مصدر العمولة إلى إتفاق مسبق بين الأجير والمشغل حول الأجر وطريقة أدائه، ويؤديها المشغل بعد حساب نسبتها، أما الحلوان فحسب المادة 376 من م.ش فهو تلك المبالغ المالية التي يقتطعها المشغل من الزبناء لقاء الخدمة التي يقدمها أجراؤه في مكان عملهم، فهو أداءات غير مباشرة للزبائن المستفيدين من الخدمة المباشرة للأجير.
أما من حيث القيمة، فالعمولة تكون قيمتها محددة وفق كل وحدة على حدة ولا تتفاوت قيمتها إلا وفق تغيير الوحدات وقيمتها، على خلاف الحلوان الذي لا يكون محدد القيمة وإنما يتوقف على نوعية الزبائن إذ أنهم غير ملزمون بأداءه، ويبقى المشغل ملزما بإضافة الجزء المتفق عليه وهذا ما تضمنته المادة 378 من م.ش .
ويراد بالعمولة إيجاد حافز في الشغل، ولا يستحقها الأجير إلا إذا تحقق سببها الذي يرجع إلى قيامه بالبيع أو التوزيع، فهي تأتي نتيجة طلبات توصلت بها المقاولة بسبب الأجير، كما أن الواقع العملي أصبح يولي لها أهميته كأجر للأجير، فهي تحدد وفق مجهودات الأجير ومؤهلاته، كما أن الأجير يبقى محقا على العمولة المتفق عليها، سواء حققت المقاولة ربحا أم لا .
ولعل هذه الكيفية السهلة لإحتساب العمولة هي التي أدت بالمشرع إلى إدراجها ضمن توابع الأجر والإعتماد عليها كأساس لإحتساب التعويض عن الفصل ولو أن المشرع لم ينظمها بنظرية متكاملة.
خلافا للعمولة فإن المشرع تدخل بتنظيم الحلوان وكذا طريقة توزيعه في ظل مقتضيات الباب الثالث من القسم الخامس المتعلق بالأجر من المادة 376 إلى المادة 381 من م.ش.
وتبعا لمقتضيات مدونة الشغل المنظمة للحلوان فإن هذا الأخير يدخل ضمن الحد الأدنى القانوني للأجر. ومنه، فالمشغل يكون ملزما بأداء القسط المكمل للحد الأدنى القانوني للأجر إذا لم يساويه أو يفوق المبلغ المحصل على الحلوان، وهو نفس ما يجب على المشغل القيام به في حالة وجود أجر إتفاقي بحيث إذا لم يصل مبلغ الحلوان إلى الأجر المتفق عليه وجب على المشغل دفع أجر القسط المكمل للأجر الإتفاقي وذلك تحت طائلة غرامة مالية تتراوح قيمتها بين 300 و500 درهم .
ومما سبق، فإنه سواء تحدثنا عن العمولة أو الحلوان إلا ونحن نتحدث عن أقساط مهمة تدخل ضمن المكونات الأساسية للأجر، حيث حاول المشرع ما أمكن تجاوز مجرد الوقوف عند حد الأجر الأساسي إلى توابعه المهمة والمختلفة، من مكافئات وتعويضات وفوائد عينية وعمولة وحلوان، بشكل يرفع من قيمة التعويض عن الفصل والذي يستفيد منه الأجير .
الفقرة الثانية : التعويض عن الضرر وعن فقدان الشغل
يعتبر التعويض عن الضرر والتعويض عن فقدان الشغل من التعويضات التي جاءت بهما مدونة الشغل حماية للأجير المفصول تعسفيا، وقد نظمت مدونة الشغل التعويض عن الضرر في المادة 41 من هذه المدونة، والتعويض عن فقدان الشغل في المادة 53 من م. ش وكذا المادة 59 من نفس التقنين.
وقد ارتأينا جمع هذين التعويضين في فقرة واحدة نظرا لوجود علاقة تبادلية بينهما فالضرر الناتج عن الفصل التعسفي للأجير يتمثل في فقدان الشغل وحرمانه من رزقه، وفقدان الشغل في حد ذاته ضرر يلحق الأجير.
أولا: التعويض عن الضرر
كان يسمى هذا التعويض سابقا بالتعويض عن الطرد التعسفي ، ومن شروط حصول الأجير على هذا التعويض ثبوت تعسف المشغل في إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة ، والقاعدة العامة تقضي أن من أحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير يلتزم قانونيا بتعويض الضرر الذي أحدثه لهذا الغير .
وتنص المادة 41 من م.ش على ما يلي :
“يحق للطرف المتضرر، في حالة إنهاء الطرف الآخر للعقد تعسفيا مطالبته بالتعويض عن الضرر”.
أ- مضمون التعويض عن الضرر
التعويض عن الضرر هو جبر ضرر لاحق الأجير الناتج عن فصله تعسفيا، فهو تعويض يفترضه القانون ولا يشترط بالضرورة توفره بمعناه في القواعد العامة. ويعتبر هذا التعويض من التعويضات التي كانت محل خلاف في إطار القانون القديم وفي إطار الفصل 754 من ق.ل.ع، إذ كان المجال مفتوحا لقضاه الموضوع، حيث لهم السلطة التقديرية لتقديره، وقد جاء في هذا الفصل :
“لتحديد التعويض عندما يكون له محل تلزم مراعاة العرف وطبيعة الخدمات وأقدمية أدائها وسن الأجير أو المستخدم والمخصوصات المقتطعة والمدفوعات الحاصلة من أجل ترتيب معاش التقاعد، وعلى العموم كل الظروف التي تبرر وجود الخسارة الحاصلة وتحدد مداها”.
من خلال هذا فإن للقضاء سلطة واسعة لتقدير قيمة هذا التعويض إلا أن الأمر لم يستمر طويلا مع صدور مدونة الشغل من خلال المادة 41 منها التي تحدد مبلغ التعويض المستحق للأجير عند فصله تعسفيا على أساس أقدميته وأجره بحيث يكون بأجر شهر ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة على ألا يتعدى سقف أجر 36 شهرا، وبالتالي تكون أقدمية 24 سنة هي الحد الأقصى المعوض عنه، وتبعا لذلك تكون المدونة قد حددت سلفا التعويض الذي يمكن للأجير المفصول تعسفيا الحصول عليه وقيدت بذلك سلطة القاضي في تقديره، ولم يبقى للقاضي إلا النظر إلى مدى وجود التعسف من عدمه وذلك بالنظر للشروط الموضوعية والشكلية التي أوضحتها المدونة.
وبإقرار المشغل لنص المادة 41 يكون قد حسم خلافا فقهيا وقضائيا بشأن تحديد الأسس التي تخضع لها تقييم التعويض عن الضرر .
ويرجع تحديد التعويض عن الضرر بالصيغة التي جاء عليها من خلال مدونة الشغل نتيجة الأطراف الممثلة للأجراء والمشغلين بعد أن كانوا يعتبرون أن التعويضات التي يستفيد منها الأجراء عند فصلهم تعسفيا زهيدة بالمقارنة مع الأضرار التي يتعرضون لها جراء الفصل التعسفي، في حين اعتبرها الطرف الممثل للمشغلين باهضة مما دفع بالمشرع إلى تحديد هذا التعويض بصفة دقيقة .
كما أن الإشكالات التي تثيرها السلطة التقديرية للمحكمة في تقدير التعويض عن الضرر، والتي لا تتوفر على سقف محدد للتعويض، مما دفع محاكم المملكة تصدر أحكاما متفاوتة رغم وحدة المعطيات بين نفس القضايا مما يؤثر ذلك سلبا على سوق الشغل، وتخوف المستثمرين الأجانب من عدم تقنين هذه التعويضات والتي قد تكون مرتفعة .
إلا أننا نرى في هذا الصدد أن هذا التعويض يخدم أكثر مصالح أرباب العمل من الأجراء الذين غالبا ما يكونون ذو دخل محدود ـ في المقاولات الصغرى-، إذ أن التعويض الذي من الممكن أن يحصل عليه لن يغطي له الضرر الحاصل نتيجة الفصل مما ينتج عنه من ضياع فرصة عمل خاصة مع الظروف الإقتصادية الصعبة التي يعرفها التشغيل في المغرب.
وهناك من يرى أن الصياغة التي جاءت بها المادة 41 أن التعويض عن الضرر الوارد فيها هو من باب تحصيل الحاصل لأن الأجير ما دام أنه تعرض للفصل التعسفي فإن من الطبيعي أنه تعرض لضرر لاحق به، وهناك بعض القوانين التي لم تذكر الضرر في إطار هذا التعويض وإنما اقتصرت على استحقاق الأجير المفصول تعسفيا تعويضا (المادة25 من قانون العمل الأردني).
ونشير إلى إن الأجير الذي تم فصله سواء نتيجة فصل مبرر أو غير مبرر، فإنما يحصل عليه ـ من خلال الفقرة الأخيرة من المادة 76 من م.ش ـ يعفى من الضريبة العامة عن الدخل، وكذلك من واجبات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي ورسوم التسجيل، سواء كإستحقاقها –التعويضات- بموجب صلح تمهيدي بإشراف مفتش الشغل، أو كان استحقاقها بمقتضى حكم قضائي .
وما تجدر الإشارة إليه كذلك أن الأجير لا يستفيد من التعويض عن الضرر إلا إذا تحققت شروط عامة يرجع تنظيمها للقواعد العامة، وتحققت شروط خاصة منظمة في مدونة الشغل فبالنسبة للأولى، فتتمثل في حصول فعل ضار للأجير ـ الفصل 77 من ق.ل.ع ـ أي أن التعويض عن الضرر يشترط للإستفادة منه أن يكون الأجير قد تعرض لطرد تعسفي، أما إذا كان هذا الأخير مشروعا فلا يستفيد من هذا التعويض ـ طبقا للمادة 41 من م.ش ـ ثم أن يكون الطرد اللاحق بالأجير ناتج عن الفصل ثم وجود علاقة سببية مباشرة بين الفصل التعسفي والضرر أي أن يكون هذا الأخير ناتج عن الفصل وليس عن سبب آخر ولو تزامن هذا السبب مع واقعة الفصل. أما بالنسبة للشروط الثانية، فتتجلى في كل من فشل الصلح التمهيدي طبقا لمقتضيات المادة 41 من م.ش التي تشترط إما الحكم بالإرجاع أو التعويض عن الضرر في حالة تعذر أي اتفاق بواسطة الصلح التمهيدي ولا يمكن الجمع بين هذين التعويضين لأن صيغة المادة جاء بالإختيار “إما”، فلا يمكن أن يعوض الأجير مرتين فإما أن يحكم له بالرجوع إلى العمل بناء على طلبه أو بناء على رغبة المشغل وتوافق الطرفين . ويتمثل الشرط الآخر في صدور حكم قضائي يقر فيه بأحقية الأجير الحصول على التعويض عن الضرر، ثم ألا يكون الأجير قد حكم له بالرجوع إلى العمل، ففي هذه الحالة لا يستفيد من التعويض عن الضرر لعدم إمكانية الجمع بينهما .
ب- كيفية تحديد التعويض عن الضرر
لقد كان المشرع المغربي في ظل الفصل 6 من قرار 24 أكتوبر 1948 ـ الملغىـ ينص على أن المحكمة في حالة ثبوت أن الطرد كان تعسفيا أن تحكم بتعويض تقدره المحكمة لما لها من سلطة تقديرية ولا رقابة عليها من طرف محكمة النقض إلا من حيث التعليل، وكان يلقى على عاتق القاضي البحث عن جميع العوامل التي على إثرها يستطيع تحديد مقدار التعويض اعتمادا على الفصل 754 من ق.ل.ع من خلال مراعاة ما يقضي به العرف وطبيعة الأعمال التي يقوم بها الأجير المفصول وإلى أقدميته داخل المقاولة وسنه ورتبته في العمل .
وفي هذا الصدد كان المجلس الأعلى قد استقر على نقض كل قرار قضائي يمنح للعامل تعويضا دون أن يوضح قضاة الموضوع أنهم اعتمدوا بالخصوص على العناصر المشار إليها في الفقرة السادسة من الفصل 754 من ق.ل.ع، فقد جاء في أحد قراراته :
“حقا حيث إن الفصل 754 من ق.ل.ع يوجب لتحديد التعويض عن الفسخ التعسفي مراعاة العرف وطبيعة الخدمات وأقدمية أدائها وسن الأجير وكل الظروف التي تبرر وجود الخسارة الحاصلة وتحديد مداها، في حين لم تبرز محكمة الاستئناف هذه العناصر لتقرير التعويض الذي قضت به عن الطرد التعسفي، مما يجعل حكمها بالنسبة له منعدم التعليل، وغير مرتكز على أساس صحيح من القانون، وبالتالي معرضا للنقض الجزئي”.
إلا أنه رغم هذا التحديد الذي أخذ به القضاء من خلال الفصل 754 من ق.ل.ع ورقابة محكمة النقض، فإن هناك عنصرا هو أن مبلغ التعويض الناتج عن الفصل التعسفي المحكوم به يحق للمشغل أن يطلب تخفيظه أمام محكمة الاستئناف وفعلا فإن هذه الأخيرة تقوم أحيانا بتخفيض هذا التعويض إذا رأت أنه تعويض يفوق حجم الخسارة أو الضرر اللاحق بالأجير المفصول بصورة تعسفية .
ولم يقف المجلس الأعلى عند هذا القرار فقط، بل صدرت عنه قرارات عدة يتعمد فيها تحديد مبلغ التعويض عن الفصل التعسفي ـ الضرر حاليا ـ اعتمادا على الفصل 754 من ق.ل.ع، كما أن هذه العناصر المحددة في هذا الفصل وكذا الفصل السادس من النظام النموذجي لسنة 1948 وردت على سبيل المثال يمكن للقاضي أن يقيس عليها ولا يلزم بتضمينها كاملة في حكمه .
وبإستقرائنا لما سبق، نجد أن الإعتماد على هذه المعايير لتحديد التعويض عن الفصل التعسفي أصبح متواترا بين المحاكم، كما يصعب تحديد هذا التعويض بدقة نظرا لإختلاف الصنف المهني الذي ينتمي إليه الأجير المفصول.
وتبعا لذلك تدخل المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل لتحديد التعويض عن الضرر ـ المادة 41 من م. ش ـ في أجر شهر ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة في حدود سقف 36 شهرا.
ويبقى التساؤل مطروحا في مدى إمكانية طرفي عقد الشغل الإتفاق مسبقا على أداء تعويض تعاقدي في حالة الفصل دون إلزامية تبريره عن وقوعه ؟
يجب في هذا الإطار من خلال أحد القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى جاء فيه :
“أن الطرفين اتفقا على ممارسة حق إنهاء العقد ولو بدون مبرر من جانب المشغل مقابل تعويض جزافي اتفقا عليه، وبأدائه الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئيها (الفصل 230 من ق.ل.ع) … فإن قضاء الموضوع عندما اعتبروا فسخ العقد الرابط بين الطالبة والمطلوب في النقض فسخا تعسفيا لعدم وجود المبرر، وقضوا بالرجوع، مع أن العقد يبيح ذلك، بصفة كون طلب الطاعنة يصطدم بالمبدأ القانوني القائل بأنه لا يمكن الحكم بما لم يطلب، يكون القرار قد خرق مقتضيات الفصل 230 من ق.ل.ع والفصل 6 من قرار 23/10/1948 المتعلق بالعلاقة بين المأجورين وأرباب العمل، وجعلوا قرارهم ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه، مما يعرضه للنقض” .
ويتضح من منطوق هذا القرار أنه من حق أطراف عقد الشغل الاتفاق على تضمين العقد على شرط جزائي يحدد التعويض بشرط ألا يقل عن الحد الأدنى المحدد للتعويض القانوني.
فتحديد مقدار التعويض عن الضرر من خلال المادة 41 من م.ش يحدد على أساس شهر ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة على ألا يتعدى 36 شهرا، وهذا ما جاء في العديد من الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع، نورد منها الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء جاء فيه :
“حيث إنه يحق للطرف المتضرر في حالة إنهاء الطرف الآخر العقد تعسفيا مطالبته بالتعويض عن الضرر طبقا للمادة 41 من م.ش، وحيث المدعى عليها تعسفت في فسخ عقد الشغل الذي يربطها والمدعية، مما سبب ضررا لهذه الأخيرة يتعين جبره، ويجب لها كذلك مبلغ 5535,18 درهم، ثم احتسابه كالتالي : أجرة شهر ونصف × كل سنة عمل طبقا للفقرة الأخيرة من م 41 خلفه” .
ما يلاحظ بخصوص المادة 41 من م.ش أن التحديد المسبق لقيمة التعويض عن الضرر الذي جاءت به يجعل الأجراء متكافئون في هذا التعويض في جميع الحالات التي تتماثل فيها الأقدمية والأجر بينهم، كما أن هذا التعويض لا يأخذ بعين الإعتبار طبيعة ودرجة الضرر الحاصل، فمثلا أجيران تعرضا للفصل التعسفي لهما نفس الأقدمية ويتقاضون نفس قيمة الأجر لكن أحدهما أجير تعرض للفصل بسبب خطأ جسيم للمشغل المتمثل في التحرش الجنسي والآخر فصل نتيجة انتمائه لنشاط نقابي، فإذا كان من الثابت في كلتا الحالتين أن الفصل تعسفي إلا أن الضرر قد لا يكون متساويا ورغم ذلك سيحصلان على نفس التعويض طبقا لما جاءت به المادة 41 من م.ش.
ولما كان أساس تحديد التعويض عن الضرر يحدد في أجل شهر ونصف عن كل سنة من العمل أو جزء منها دون أن يتعدى ذلك سقف 36 شهرا ـ طبقا للمادة 41 من م.ش ـ فلا بأس أن نورد مثالا في هذا الصدد نبين فيه هذه الحالة؛ أجير منذ بداية سنة 1982 وهو يشتغل لدى مؤسسة معينة إلى غاية آخر سنة 2002، وكان آخر أجره عند فصله تعسفيا هو 4000 درهم، فلإحساب التعويض الذي يستحقه هذا الأجير نتيجة فصله تعسفيا نأخذ؛ أجرة الأجير هي 4000 درهم شهريا وستكون أجرة شهر ونصف هي 6000 درهم، فأجرة الشهر هي 4000 درهم ينضاف إليها 2000 درهم أجرة نصف شهر فتصبح أجرة شهر ونصف هي 6000 درهم، ولتحديد مقدار التعويض عن الضرر نضرب أجرة شهر ونصف في مدة العمل وهي 20 سنة ـ الفارق بين سنة 1982 و2002 ـ لتصبح 6000 × 20 = 120.000 درهم والمشرع اشترط في المادة 41 ألا يتجاوز هذا التعويض سقف 36 شهر، وتبعا لذلك فإن 6000×36 = 216.000 درهم.
ومنه فإن ما استحقه الأجير وهو 120.000 درهم لا يتعدى سقف 36 شهر وهو 216000 درهم وبذلك يستحق هذا الأجير مبلغ 120000 درهم بتعويض عن الضرر طبقا للمادة 41 من م.ش.
ثانيا- التعويض عن فقدان الشغل
من بين التعويضات التي أقرتها مدونة الشغل إلى جانب التعويضات السالفة الذكر هناك التعويض عن فقدان الشغل، وهو حق يقع على المشغل لفائدة الأجير، وقد نصت على هذا النوع من التعويض المادتين 53 و59 من م.ش والذي يعتبر من مستجدات مدونة الشغل إذ هناك من سجل بأن هذا التعويض لم يدرج أصلا في المدونة كمشروع، ولهذا فإنه ورد في سياق إيجاد مخرج بالنسبة للنقط التي كانت عالقة وأخرت صدور المدونة.
ويقصد بالتعويض عن فقدان الشغل التعويض الذي يدفع للأجير الذي تم فصله عن عمله، إما لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية وإما بسبب فصله من عمله بصورة تعسفية .
لكن السؤال الذي يطرح في هذا الإطار، هل يعتبر التعويض عن فقدان الشغل مندرج ضمن التعويضات التي يستحقها الأجير نتيجة فصله تعسفيا (أي التعويض عن أجل الإخطار والتعويض عن الفصل والتعويض عن الضرر)، أم أن أنه تعويض مستقل عن هذه التعويضات ولا يستحقه الأجير إلا نتيجة فصل لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية ؟
نجد في هذا الصدد أن المادة 53 سابقة على المادة 59 من م.ش، فالأولى نصت بكيفية صريحة على أن هذا التعويض يتعلق بالفصل لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية، بالإضافة إلى أن التعويضات الأخرى الناتجة عن الفصل التعسفي وردت بصفة صريحة ودقيقة يستحقها الأجير نتيجة هذا الفصل وحدد كيفية حسابها وطريقة العمل بها وكذا مسطرتها وكيفية أدائها، عكس التعويض عن فقدان الشغل.
ويرى بعض الفقه أن التعويض عن فقدان الشغل هو: “نوع من التعويض عن البطالة أو نوع جديد من التعويضات التي تعزز نظام الحماية الإجتماعية بالمغرب، وقد كان هذا التعويض مطلبا طالما نادت به العديد من المنظمات النقابية في جولات الحوار الإجتماعي منذ تصريح فاتح غشت 1996، ففي هذا التصريح كانت أطراف الحوار الثلاثة وهي (الحكومة وأرباب العمل والمنظمات النقابية) قد اتفقت على إعداد دراسة تتعلق بإحداث نظام للتعويض عن البطالة التقنية، وهكذا يظهر أن هذه الفكرة المتعلقة بتوفير حد أدنى من الحماية الإجتماعية لفائدة الأجراء الذين يفقدون عملهم قد تقررت وتم إدماجها في المدونة الجديدة للشغل التي نصت عليها في المادة 53 والمادة 59”.
فقد لقي التعويض عن فقدان الشغل تضاربا في الآراء، فهناك من يرى إضافة هذا التعويض إلى باقي التعويضات الأخرى ـ الإخطار والفصل والضرر ـ في حين رأي آخر يرى أن هذا التعويض يمنح فقط في حالة الفصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية.
وبالرجوع إلى المادة 61 من م.ش نجدها تنص على أنه :
“يمكن فصل الأجير من الشغل، دون مراعاة أجل الإخطار، ودون تعويض عن الفصل، ولا تعويض عن الضرر، عند ارتكابه خطأ جسيما”.
وبمفهوم المخالفة أن الأجير يستحق هاته التعويضات الثلاثية فقط في حالة الفصل التعسفي، حيث منحت للأجير الذي ثبت فصله عن عمله تعسفيا تعويضا عن الإخطار والفصل والضرر دون التعويض عن فقدان الشغل.
وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء دفعت من خلالها بعدم الاستجابة لطلب التعويض عن فقدان الشغل جاء في هذا القرار :
“حيث إنه فيما يخص طلب التعويض عن فقدان الشغل فإن هذا النوع يخص الفصل لأسباب اقتصادية أو هيكلية أو إغلاق المقاولة طبقا للفصل 66 من م.ش ولا يطبق على نازلة الحال …”.
من خلال هذا القرار يتضح أن القضاء قد أقر بكيفية صريحة عدم إستفادة الأجير المفصول تعسفيا من التعويض عن فقدان الشغل.
ويلاحظ أن مدونة الشغل وإن كانت أقرت التعويض عن فقدان الشغل ـالمادتين 53 و59 ـ إلا أنه أمام غياب نص تنظيمي يحدد شروط تطبيقه، فإن القضاء سيجد حيرة وصعوبة في تحديده وكذا الجهة التي ستتولى أداءه مما دفعه لإستبعاده في الوقت الحالي .
لذا يجب انتظار صدور النص التنظيمي، وهو مقدم في نسخة منه من طرف وزارة التشغيل والشؤون الإجتماعية والتضامن إلى مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي بتاريخ 30 يناير 2002 .
وبالرجوع إلى المادة الثالثة من هذا المشروع نجده يضع أربعة شروط لإستفادة الأجير من هذا التعويض وتتمثل في :
1. أن يفقد الأجير عمله لأسباب خارجة عن إرادته نتيجة الإغلاق الجزئي أو الكلي للمقاولة أو التسريح الجزئي أو الكلي للأجراء لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية متبثة من طرف السلطات الحكومية المختصة.
2. أن يثبت توفره على ألف وثمانين يوما من التأمين منها مائتان وستة وعشر يوما مدفوع عنها الإشتراك خلال مزاولته لآخر نشاط مأجور قبل التوقف عن العمل.
3. أن يثبت الأجير أنه لم يقم بأي عمل مأجور خلال مدة التوقف عن العمل وأنه قدم طلبا للحصول على منصب شغل لدى المصالح المختصة بالتشغيل.
4. أن لا يكون مستفيدا من معاش الشيخوخة أو الزمانة.
لذا يبقى هذا التعويض وتحقق هذه الشروط متوقفا إلى أن يصدر القانون التنظيمي المنظم له.
ويقول أحد الفقه في هذا الصدد : “لقد صار القضاء عن صواب في رفض التعويض عن فقدان الشغل، بكونه يخص الفصل لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية أو إغلاق المقاولة طبقا للمادة 66 من م.ش، ونعتقد بأن القضاء لا ينبغي أن يحكم به إلا بعد إبراز المشرع لعناصره في قانون تنظيمي”.
المطلب الثاني : التنفيذ المعجل في التعويضات الناتجة عن الفصل التعسفي وطرق الطعن فيها
إذا كان قانون الشغل يستهدف أساسا حماية العمال بإعتبارهم الطرف الضعيف في علاقة العمل فإن ذلك يستوجب تيسير التقاضي على العمال وتمكينهم من حقوقهم لأنهم ليسوا في مركز اقتصادي يسمح لهم بالإنتظار لذلك جعل المشرع المغربي الأحكام الإجتماعية مشمولة بالنفاذ المعجل .
يعتبر تنفيذ الحكم أهم ما يأمل إليه المتقاضون على اعتبار أنه هو التجسيد المادي لفعالية الجهاز القضائي، لأنه يعد الوسيلة لإبراز محتويات الحق المتنازع عليه، وغاية كل من يطرق باب القضاء .
“فتنفيذ أي حكم أو قرار أو أمر كيفما كان نوعه ومجاله هو نهاية لمسار موضوع تلك الأحكام والقرارات والأوامر، بعد إجراءات التقاضي التي قد تطول في بعضها إلى حد عدم توصل صاحب الحق بحقه فيرده خلفه” .
والأصل في الأحكام أنه لا يمكن تنفيذها إلا إذا كانت نهائية، أي اكتسبت قوة الشيء المقضي به أي غير قابلة للطعن العادي (التعرض أو الاستئناف) أو غير العادي (النقض وإعادة النظر)، لكن بالنسبة لنزاعات الشغل فقد أفرد المشرع المغربي لهذه الأخيرة خصوصية تكمن في خضوعها للتنفيذ المعجل بقوة القانون.
ومنه فالتنفيذ المعجل هو تنفيذ الحكم قبل الأوان العادي لإجرائه، أي قبل أن يكون حائزا على قوة الشيء المقضي به والطعن فيه بأية طريقة من طرق الطعن.
وتبعا لذلك فإننا سنقوم بمعالجة هذا المطلب من خلال فقرتين، أولهما، حول التنفيذ المعجل في تعويضات الفصل التعسفي، وثانيهما، في طرق الطعن.
الفقرة الأولى : إشكالية التنفيذ المعجل في التعويضات الناتجة عن الفصل التعسفي
لقد أقرت المادة 285 من ق.م.م الصفة الاستعجالية في الأحكام الإجتماعية ، كما أن هذه الأحكام معجلة بقوة القانون ، حيث نصت هذه المادة على أن :
“الحكم يكون مشمولا بالتنفيذ المعجل، بحكم القانون في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية، وفي قضايا الضمان الإجتماعي، وقضايا عقود الشغل والتدريب المهني، رغم كل تعرض أو استئناف”.
إلا أنه رغم وضوح وصراحة النص فإن تطبيقه ما زال محل خلاف فقهي وقضائي خاصة فيما يخص عبارة “قضايا عقود الشغل”، حيث شهد هذا المقتضى اختلاف فقهي بأن التنفيذ المعجل يشمل عقد الشغل فقط، ولا يلحق القضايا المتعلقة بإنهائه خاصة منها الفصل التعسفي.
أولا: الموقف الفقهي من الفصل 285 من قانون المسطرة المدنية بخصوص تعويضات الفصل التعسفي
لقد أثار الفصل 285 من ق.م.م العديد من النقاشات الفقهية خاصة فيما يتعلق بطبيعته القانونية لمسؤولية المشغل عن الفصل التعسفي، حيث هناك من يذهب إلى أنها ذات طابع عقدي وكل حكم صادر بشأنها يتمتع بالتنفيذ المعجل بقوة القانون، في حين يذهب جانب آخر إلى أنها مسؤولية ناشئة عن إخلال المشغل بإلتزام قانوني أي أنها تبنى على أساس المسؤولية التقصيرية وبالتالي لا تدخل في إطار الفصل 285.
وفي هذا الصدد يقول أحد الفقهاء : “أيا كان الأمر، فإن القضايا الإجتماعية الواردة في المومإ إليه أعلاه تتميز عن غيرها من القضايا المدنية، بكونها مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون، وفي هذا ولاشك حماية خاصة لحقوق الأجير الطرف الضعيف في عقد الشغل”.
وذهب في هذا الاتجاه رأي آخر أن الصيغة التي جاء بها الفصل 285 من ق.م.م واضحة وعامة ولم تستثني أي من التعويضات أوالمستحقات الناتجة عن إنهاء العقد تعسفيا، فقضايا عقود الشغل التي جاء بها هذا الفصل لا يجادل أحد بأن التعويض عن أجل الإخطار أو عن الفصل أو عن الضرر ناتج عن عقد الشغل أو لا، كما أن الأجير يكون عرضة للضياع خاصة إذا لم يجد عملا بديلا بعد طرده ولم يكن له مورد رزق آخر غير العمل المفصول منه خاصة أمام طول أمد التقاضي في ظل تراكم الملفات وقلة القضاة.
ويضيف هذا الاتجاه ويقول: “من العناصر الأساسية لعقد الشغل العمل مقابل الأجر وأن المشرع نظم العلاقة بين الأجير والمشغل استنادا إلى وجود رابطة تعاقدية بينهما لا تقف عند أداء الأجر فقط، بل تتعداه إلى جوانب أخرى مثل العطلة الأسبوعية والعطلة السنوية وعطل المرض والولادة …
كل هذا ناتج عن عقد الشغل وبمناسبته، ونتيجة هذا فإن كل ما يحكم به للأجير من مبالغ مالية مستحقة ناتج عن عقد الشغل دون التفات إلى تقصير من طرف المشغل ..”.
في حين هناك من ذهب عكس هذا الاتجاه، ويرى بأنه إذا كان الأجر ومشتملاته مشمولة بالتنفيذ المعجل باعتبارها تدخل في القوت اليومي للأجير، فإن باقي التعويضات الأخرى الناتجة عن الفصل التعسفي من تعويض عن الإخطار وعن الفصل وعن الضرر ليست كذلك، واعتبر أن الحكم لا يقع عليها إلا إذا توفرت شروط معينة منها وجود واقعة الفصل من العمل وثبوت التعسف فيه ثم عدم احترام أجل الإخطار وتحقق الضرر.
ثانيا : موقف القضاء المغربي من التنفيذ المعجل في التعويضات الناتجة عن التعسف في الفصل
نظرا لعمومية الفصل 285 في ترتيب النفاذ المعجل القانوني في القضايا الإجتماعية، فإن القضاء المغربي بدرجته اختلف بين مؤيد ومعارض لهذا الطرح وذلك بخصوص إيقاف تنفيذ الأحكام الصادرة في مجال نزاعات الشغل الفردية الصادرة عن المحاكم الابتدائية وخاصة المتعلقة منها بالفصل التعسفي وما ينتج عنه من التعويضات الثلاثية التي سبق وأن فصلنا فيها أعلاه.
ويرجع هذا الأساس إلى أن صياغة الفصل 285 التي جاءت بـ”قضايا عقود الشغل والتدريب المهني” دون أن ينص على عقود الشغل بصفة عامة، كما يرجع إلى الخلاف حول الطبيعة القانونية للإنهاء التعسفي لعقد العمل غير محدد المدة وهل هو ذو طبيعة عقدية أو ذو طبيعة تقصيرية أم هو غير هذا أو ذاك .
فبالنسبة لمحاكم الموضوع، نجد أنه باستقراء للأحكام الصادرة عن جل المحاكم المغربية أن مسألة التنفيذ المعجل لم تكن محل نقاش كبير لدى المحاكم الإبتدائية، فبمجرد ما يقتنع القاضي الإبتدائي بالأسباب التي اعتمدها في حكمه فإنه يذيله بعبارة التنفيذ المعجل، وحتى إذا أغفل التنصيص على ذلك في الحكم فإن أعوان التنفيذ لا يمانعون في تنفيذه معجلا ما دام صادرا في مادة اجتماعية طبقا للفصل 285 من ق.م.م .
أما محاكم الاستئناف، فقد اعتبرت الصياغة التي جاء بها الفصل 285 من ق.م.م إنما قصد بها المشرع التعويضات الناتجة عن عقد الشغل واستبعد التعويضات الأخرى المتعلقة بالفصل التعسفي التي تنتج عن مسؤولية تقصيرية ناتجة عن الإرادة المنفردة للمشغل.
وصادر في هذا الاتجاه قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء جاء فيه أن: “التعويض عن الطرد لا يعتبر ناشئا عن العقد ولكن مصدره تصرف انفرادي من جانب رب العمل غير مبني على مبرر مشروع ألحق ضررا بالمستخدم وأن المحكمة تبحث بمالها من سلطة عامة في تكييف تصرف رب العمل ومدى مشروعية السبب الذي تنبني عليه وبالتالي فإن الحق في التعويض تقرره المحكمة وينشؤه الحكم الذي يحدده، ومن هذه الوجهة فإن الفصل 285 من ق.م.م ينبغي ألا يشتمل على تعويضات الطرد التعسفي وتبقى للمحكمة السلطة التقديرية للتحقق في الظروف التي ثبت النفاذ المعجل لهذا الحكم وأنه في حالة تعديل الحكم من طرف محكمة الدرجة الثانية، فإن المنفذ عليه يصعب عليه استرجاع مبالغ مالية سلمت إلى العامل …” .
ويرى بعض الفقه من خلال حيثيات هذا القرار أعلاه أن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء قد انطلقت لتعليل موقفها هذا من عنصرين اثنين أولهما قانوني والثاني واقعي.
فمن الناحية القانونية؛ فالتعويض عن الإنهاء التعسفي الذي تقضي به المحكمة الابتدائية لصالح العامل لا يعتبر ناشئا عن العقد وإنما عن ضرر ناتج عن تصرف انفرادي لصاحب العمل غير مبني على مبرر مشروع أي عن مسؤوليته التقصيرية وليس عن مسؤوليته العقدية.
أما من الناحية الواقعية؛ فإن هذه المحكمة قد أكدت على أن المنفذ عليه ـ المشغل ـ قد يصعب عليه ـ في الحالة التي تلغي فيها محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي ـ استرجاع كل المبالغ النقدية التي تسلمها العامل منه نتيجة لإعمال مقتضيات الفصل 285 من ق.م.م، وخاصة وأن العامل قد ينفقها في مأربه الخاص، ولا يجد من أين يسددها.
وهناك قرار آخر أخرج التعويضات الناتجة عن الفصل التعسفي من نطاق الفصل 285 من ق.م.م وجاء فيه :
“وحيث من الواضح أن الأمر وإن تعلق بنزاع يندرج في قضايا عقود الشغل التي نص الفصل 285 من ق.م.م على أن الأحكام التي تصدر في هذه عادة تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، إلا أن التعويض عن الأقدمية لا يمكن معرفته على وجه الدقة لعدم تمكن المحكمة من تحديد مدة عمل العامل كما أن التعويض عن الضرر الناتج عن الطرد يتوقف تحديده أولا وقبل كل شيء على وصف هذا الطرد وهل هو تعسفي أو في محله”.
وهناك اتجاه قضائي ثالث استبعد هذه التعويضات من مجال الفصل 285 من ق.م.م، وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف بمراكش، حيث جاء في قرار لها: “التعويضات الناتجة مباشرة عن عقد الشغل كالتعويض عن الطرد والإعفاء من الخدمة وعن مهلة الإخطار غير مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون طبقا لما استقر عليه الاجتهاد القضائي عكس التعويضات الأخرى الناتجة مباشرة من عقد الشغل كالتعويض عن الأقدمية والعطلة فإنها مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون طبقا للفصل 285 من ق.م.م” .
وقد لقي هذا القرار انتقادا من جانب الفقه المغربي على أساس عدم وجود سند قانوني يرتكز عليه والذي أوصل المحكمة إلى النتيجة النهائية التي آلت إليها.
ويضيف هذا الجانب، بالنسبة لما يتعلق بالخطأ فإن الخطأ العقدي هو عدم تنفيذ المدين لإلتزامه الناشئ عن العقد، فالمدين قد التزم بالعقد لذا يجب عليه تنفيذ التزامه وإذا لم يقم بتنفيذه يرتكب آنذاك خطأ عقديا بغض النظر عن طبيعة هذا الخطأ سواء كان ناتج عن عمد أو إهمال من طرف المدين، ويعتبر أن هذا يدخل في أركان المسؤولية العقدية وهي نفسها في المسؤولية التقصيرية الأمر الذي جعل القضاء المغربي لا يضع حدا فاصلا بين المسؤوليتين، مما تكون معه التعويضات المستحقة عن إنهاء العمل ينبغي اعتبار مسؤولية رب العمل عنها مسؤولية تعاقدية وبالتالي شمولها بالنفاذ المعجل.
أما بالنسبة لموقف محكمة النقض، فقد عرفت هي الأخرى موقفا متذبذبا في مدى شمول النفاذ المعجل التعويضات الناتجة عن الفصل التعسفي أم لا، فقد قررت الغرفة الإجتماعية للمجلس الأعلى ـ سابقا ـ مبدأ مفاده أن كل أحكام القضايا الصادرة في نزاعات الشغل تكون كافة مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون طبقا للفصل 285 من ق.م.م سواء أمام محاكم الموضوع أو أمام محكمة النقض .
وقد صدر قرار عن المجلس الأعلى جاء فيه :
“وحيث إن الفصل 285 من ق.م.م يجب أن يقتصر مفهومه على ما للعامل من الحقوق المتفرعة مباشرة عن عقد العمل كالأجرة والرخصة والتعويضات العائلية…وبأن التعويضات عن الطرد التعسفي والإعفاء والإشعار لا تعتبر ناشئة عن عقد العمل، وأمرت بناء على ذلك بإيقاف التنفيذ الجزئي لحكم صادر في نطاق عقد الشغل تكون قد خرقت مقتضيات الفصل 147 و285 من ق.م.م المذكورين ولم تبني حكمها على أساس قانوني سليم مما يعرضه للنقض” .
إلا أن سرعان ما تراجعت محكمة النقض عن موقفها هذا واستثنت التعويضات الناتجة عن الفصل التعسفي من شمولها على التنفيذ المعجل، حيث جاء في قرار عن المجلس الأعلى:
“حيث إن الأحكام الصادرة في شأن التعويض عن الطرد التعسفي نتيجة فسخ عقد الشغل والخاضعة لتقدير المحكمة باستثناء الحقوق التي يستمدها العامل بمقتضى النصوص الشرعية تبقى خاضعة لمقتضيات الفصل 147 من ق.م.م ويبقى القاضي أن يبين الظروف التي استند عليه في الأمر بالنفاذ المعجل، لذا فإن محكمة الاستئناف كانت على صواب عندما استندت على الفصل 147 من ق.م.م المذكور وقضت بإيقاف التنفيذ المعجل المأمور به من طرف القاضي الابتدائي الذي لم يبين الظروف التي استند عليها .
وباستقرائنا لهذه القرارات نجد أن القضاء لا يعطي تعليلا مقنعا لهذه الحالة، وإنما يرجع هذا الإجماع القضائي حول استبعاد التنفيذ المعجل في الأحكام الصادرة عن التعويضات الناتجة عن الفصل التعسفي إلى الدورية التي أصدرها السيد وزير العدل ـ السابق ـ قصد توحيد الاجتهاد في نقطة لطالما كانت محل خلاف ولا زالت .
وفي ظل هذا التضارب الفقهي والقضائي حول هذا الإشكال، فإننا نرى أن قانون الشغل جاء بصفة عامة لحماية أطراف العلاقة الشغلية كافة وبصفة خاصة الطبقة الضعيفة ـ المتمثلة في الأجراء ـ خاصة وأنها مهددة في أي وقت بالحرمان من العمل الذي يعتبر مورد رزقه الوحيد والذي يرتبط أساسا بالحق في الحياة والعيش الكريم. بالإضافة إلى أن التعويضات الناتجة عن الفصل التعسفي ناتجة أساسا عن عقد مبرم بين الأجير والمشغل، كما يمكن للطرف ـ الأجير والمشغل ـ أن يضمن في العقد تعويض مقدر بينهما يعطيه المشغل للأجير في حالة وقوع الفصل وهذا ما يسمى بالشرط الجزائي .
كما أن التعويضات المتمثلة في التعويض عن الإخطار وعن الفصل والضرر ناتجة أساسا عن نزاعات الشغل والتي كان مصدرها عقد الشغل نفسه وبالتالي لا يمكن إقصاؤها من التنفيذ المعجل.
وعلى أي، فإن الصياغة التي جاء بها الفصل 285 من ق.م.م عامة وهذا ما خلف كل هذه الخلافات، ولا يمكن معه إيجاد تفسير مقنع لنية المشرع من إدراج قضايا عقود الشغل والتدريب المهني ضمن هذا الفصل، ولن يكون هناك تفسير جامع مانع إلا إذا تدخل المشرع بنص صريح لشرح مقتضيات هذا الفصل وبيانه لأنواع التعويضات التي يجب أن يشملها التنفيذ المعجل بقوة القانون .
الفقرة الثانية : طرق الطعن في قضايا نزاعات الشغل الفردية المرتبطة بالفصل التعسفي
خول المشرع المغربي لأطراف علاقة المشغل ـ سواء كانت فردية أو جماعية ـ حق الطعن في الأحكام الصادرة في المادة الإجتماعية، واعتمد في ذلك وسائل الطعن التقليدية وبمواعيدها المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، دون مراعاة خصوصية علاقة الشغل إلا إذا استثنينا بعض الخصوصيات المتعلقة بالطعن بالإستئناف ومنه سوف نعمل على إستجلاء بعض من طرق الطعن وفق الاتي:
أولا: الطعن بالتعرض
خصص المشرع المغربي في الفصل 286 من قانون المسطرة المدنية للتعرض على الأحكام الغيابية الصادرة في المادة الإجتماعية القواعد العامة المنصوص عليها في الفصل 130 من نفس القانون المنظم للتعرض.
أ- مجال تطبيق التعرض
بالنسبة لمجال تطبيق التعرض، فبالرجوع إلى الفصل 130 من ق.م.م نجده ينص على أنه :
“يجوز التعرض على الأحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة الابتدائية إذا لم تكن قابلة للإستئناف وذلك في أجل عشرة أيام من تاريخ التبليغ طبقا لمقتضيات الفصل 54”.
وخصص الفصل 286 من ق.م.م الطعن بالتعرض في الأحكام الصادرة في المادة الإجتماعية جاء فيه :
“يمكن الطعن في الأحكام الغيابية في القضايا الإجتماعية بالتعرض، إذا لم تكن قابلة للإستئناف ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل 130”.
فالفصل 130 أعلاه يخص الأحكام الغيابية الصادرة عن المحاكم الابتدائية، أما فيما يخص الأحكام الغيابية الصادرة عن محاكم الاستئناف والتي تقبل التعرض فقد نص عليها المشرع في الفصل 352 من ق.م.م ، وهو نفسه أحال على المقتضيات المتعلقة بالتعرض والمنظمة في الفصول من 130 إلى 133 من نفس التقنين المذكور.
والظاهر من خلال هذه الفصول أن الأحكام التي تقبل التعرض هي تلك الأحكام الصادرة غيابيا بشرط ألا تكون قابلة للإستئناف.
وتبعا لذلك فإن المشرع استلزم شرطين أساسيين للطعن بالتعرض، أولهما؛ صدور الحكم غيابيا، ويقصد بهذا الأخير الحكم الغيابي الذي يصدر على المدعى عليه ولم يحضر رغم استدعائه – طبقا للفصول 37 و38 و39 من ق.م.م المعدلة بمقتضى قانون 33.11-، مع أن المشرع استثنى في الفصل 47 من نفس القانون – المعدل والمتمم بمقتضى قانون رقم 24.80- المدعى عليه الذي توصل بالإستدعاء بنفسه وكان الحكم قابلا للإستئناف، ويكون في هذه الحالة الحكم بمثابة حضوري تجاه الأطراف المتخلفة.
وسواء تأكد حضور المدعى عليه أو غيابه فإن ذلك لا يكفي لتحديد قابلية الحكم للتعرض، لأن المشرع استلزم شرطا آخر أساسي يتجلى في؛ عدم قابلية الحكم للإستئناف، فلا يقبل تبعا لذلك التعرض كل حكم كان قابلا للإستئناف.
وبالرجوع إلى الفصل 153 من ق.م.م في فقرته الثالثة، نجد أن المشرع أوجب بعض الإستثناءات على القاعدة التي تقضي بأن الأحكام الغيابية تخضع للتعرض، وهي أنه لا يطعن في الأوامر الإستعجالية بالتعرض، وكذلك ما ينص عليه الفصل 378 من نفس القانون .
ومما تجدر الإشارة إليه أن الطعن بالتعرض لا يقبل إلا بالنسبة للأحكام التي تبث فيها المحكمة الابتدائية في حدود نصابها الانتهائي المحدد في عشرون ألف درهم درهم (20.000 درهم)، أما الأحكام التي تتجاوز قيمة هذا المبلغ المذكور فلا تقبل التعرض، كما لا تقبل هذا الطعن تلك التي لا تكون فيها قيمة النزاع محددة .
ب آثار الطعن بالتعرض
بالرجوع إلى الفصل 132 من ق.م.م ينص على أنه :
“يوقف التعرض التنفيذ ما لم يؤمر بغير ذلك الحكم الغيابي، وفي هذه الحالة فإذا قدم المحكوم عليه الطلب بإيقاف التنفيذ بتت غرفة المشورة مسبقا في طلب إيقاف التنفيذ المعجل طبعا لمقتضيات الفصل 147” .
من خلال هذا الفصل يتبين لنا أن من آثار التعرض هو وقف تنفيذ الحكم الغيابي الصادر عن المحكمة التي فصلت في الموضوع. إلا أنه يمكن تنفيذ الحكم إذا كان مشمولا بالتنفيذ المعجل إذا تقدم المعني بالأمر بطلب إلى المحكمة المصدرة للحكم يرمي من خلاله إلى إيقاف التنفيذ، إذ في هذه الحالة على غرفة المشورة أن تبث في الطلب، ويبقى لهذه الغرفة أن ترفض هذا الأخير أو أن تقرر إيقاف التنفيذ المعجل إلى أن يقع البت في الجوهر، كما يجوز لها أن تأمر بإيقاف التنفيذ المذكور لمدة معينة أو تعليق متابعة التنفيذ كليا أو جزئيا على تقديم كفالة طالبه .
ثانيا: الطعن بالاستئناف
يعد إستئناف الأحكام الصادرة في الدعاوى الإجتماعية من الخصوصيات المسطرية التي تتميز بها القضايا الإجتماعية والتي تختلف عنها في القضايا المدنية.
من خلال الفصل 287 من ق.م.م الذي ينص على أنه :
“يستأنف الحكم القابل للإستئناف داخل ثلاثين يوما من يوم تبليغه طبقا للشروط المنصوص عليها في الفصل 54 بتصريح لدى كتابة ضبط المحكمة الابتدائية أو بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل موجهة إلى هذه الكتابة. ويعتبر في الحالة الأخيرة الاستئناف مقدما في التاريخ المبين في الوصل المسلم إلى المرسل.
تستدعي كتابة الضبط بالمحكمة الإبتدائية أو كتابة الضبط بمحكمة الإستئناف الأطراف عند الإقتضاء والشهود طبقا لمقتضيات الفصل 274.
تطبق مقتضيات الفصلين 275 و276 المتعلقة بالحضور الشخصي للأطراف أو تمثيلهم”.
بإستقرائنا لهذا الفصل يتضح أن استئناف الأحكام الصادرة عن القضايا الإجتماعية يتميز بعدة خصوصيات بخلاف القضايا المدنية، فالقضايا الإجتماعية لا تشترط تقديم مقال مكتوب لإستئناف الأحكام الصادرة فيها، بل يكتفي بتصريح لدى كتابة الضبط المحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم المستأنف أو يبعثه برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل إلى كتابة ضبط هذه المحكمة .
وفي هذا الصدد صدر قرار عن المجلس الأعلى أنه :
“لا يخضع الاستئناف في القضايا الإجتماعية للشكليات المنصوص عليها في الفصل 142 من ق.م.م بل يكفي أن يتم بمجرد تصريح مدلى به بكتابة الضبط أو برسالة مضمونة وفق ما ينص عليه الفصل 287 من نفس القانون” .
كما أن الفصل 287 أعلاه كان واضحا أن هناك أحكام قابلة للإستئناف ـ بمفهوم المخالفة هناك أخرى غير قابلة للاستئناف ـ وهذا ما يتضح من خلال الفصلين 20 و21 من ق.م.م فعلا تمييز بين الأحكام القابلة للإستئناف في المادة الإجتماعية، بغض النظر عن قيمة النزاع -20.000 درهم المنصوص عليه في الفصل 19 من نفس القانون-.
ومن هنا فالخصوصية التي تتميز استئناف الأحكام الإجتماعية هو بالنظر إلى مبلغ النزاع (20.000 درهم)، هناك معيار آخر وهو نوع القضية الإجتماعية المعروضة على أنظار المحكمة .
ومن خصوصيات قضايا الشغل أمام محاكم الإستئناف أن المسطرة يمكن أن تكون شفوية، وهذا ما أكده قرار صادر عن المجلس الأعلى حيث جاء فيه :
“أن استئناف الأحكام الصادرة في القضايا الإجتماعية له مسطرة خاصة، لا علاقة لها بمقتضيات الفصل 142 من ق.م.م، إذ بإمكان المستأنف أن يبين أوجه استئنافه ولو بطريقة شفوية… ولذلك فإن قضاة الإستئناف قد أخطئوا في تطبيق الفصل 287 من ق.م.م عندما صرحوا بعدم قبول الإستئناف الشيء الذي يعرض قرارهم للنقض” .
ثالثا : الطعن بالنقض
ينص الفصل 288 من ق.م.م على أنه :
“يمكن الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة انتهائيا من طرف القاضي في القضايا الإجتماعية وكذا القرارات الصادرة عن غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية أو عن محكمة الاستئناف طبق المسطرة العادية”.
من خلال هذا الفصل فإن الطعن بالنقض في الأحكام الإجتماعية لا يتميز عن أي خصوصية مع الطعن في القضايا الأخرى وإنما تسري عليه نفس المسطرة العادية. وللتذكير فقط فإن الأجير في هذه المرحلة لا يستفيد من المساعدة القضائية .
وتبعا لذلك يتضح لنا أن المشرع المغربي لم يخصص الطعون المتعلقة بالأحكام الإجتماعية بأية ميزة، إلا ما يتعلق منها بالطعن بالاستئناف، هذا الأخير الذي وضع له بعض القواعد الخاصة به.
كما أن المشرع لم يوحد في مواعيد الطعن بالتعرض والاستئناف في المادة الإجتماعية فهي تختلف حسب كل قضية على حدة.
ومنه فإن النزاعات الفردية المتعلقة بالشغل تقتضي البث فيها على وجه من
السرعة قصد صياغة وحماية الطرف الضعيف ـ الأجير ـ في هذه النزاعات لذا ينبغي اعتماد طرق التبليغ أكثر فاعلية ويسر
خاتمة
:
واضح مما سبق، أن الفصل التعسفي كان ولا زال هاجسا يؤرق مضاجع العديد من الأجراء خاصة في ظل الوضعية الإقتصادية التي يشهدها العالم، فالحماية منه تظل أرقى الأمنيات التي يمكن التطلع إليها ليس من المنظور القانوني الصرف فقط، وإنما أيضا من المنظور الإجتماعي للأجير الذي يظل اللبنة الأساسية في تحقيق التقدم الإقتصادي لبلادنا، كل هذا لن يستقيم إلا بنصوص قانونية مرنة وتطبيق سليم لها بمفهوم ونظرة القاضي الإجتماعي الذي يصدر حكمه وهو يعلم أنه يساهم في إحقاق الحق ويساهم في تطوير المنظومة الإقتصادية والإجتماعية، فالقاضي الإجتماعي لا يفصل في النزاع فقط وإنما يعمد في كل حكم من أحكامه إلى إرساء التوجه الحقوقي الذي دشنه المغرب في مسيرته الإصلاحية.
من هنا يبرز دور القاضي الإجتماعي الذي جعله المشرع المغربي الضامن الأول لمراقبة حسن تطبيق مدونة الشغل من طرف أرباب العمل، وذلك في إطار مقاربة شمولية تتوخى حماية الأجير بإعتباره قوة إنتاجية من جهة، وتوفير الظروف اللازمة لضمان إستقرار وتطور المقاولة كأداة فاعلة لتحقيق نهضة إقتصادية من جهة أخرى.
وتبعا لذلك فإن المشرع المغربي حاول من خلال ما حملته مدونة الشغل في توفير حماية للأجراء من أن يكونوا موضوع فصل تعسفي بإعتبارهم الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية، وفي نفس الوقت حاول الحفاظ على نوع من التوازن بين المصالح المتعارضة لكل من أرباب العمل والأجراء.
وتتمظهر الحماية المخولة للأجراء من الفصل التعسفي خاصة في الفصول من 62 إلى 66 من مدونة الشغل التي جاءت كآلية حمائية شكلية عملت محاكم الموضوع على ترسيخها في الأحكام الصادرة عنها وعملت محكمة النقض -المجلس الأعلى سابقا- من خلال عدة قرارات على تأكيده، واستشراف القواعد الحمائية الخاصة ببعض الفئات الخاصة ودراسة نطاق الحماية المقررة لفائدتهم سواء من الناحية القانونية أو من خلال تطبيقاتها القضائية.
كما حولت تسليط الضوء على الحماية المقررة من الفصل التعسفي للأجراء كذلك من خلال التطرق لمدى مساهمة الرقابة الإدارية والقضائية على الفصل التعسفي من خلال تقدير جسامة الخطأ ومدى تعسف المشغل في إتخاذ عقوبة الفصل لتكريس حماية فعالة للأجراء وبعيدا عن تخوفهم من سلطة المشغل، بالإضافة إلى إستجلاء مختلف الآثار الناجمة عن هذا الفصل ونظرة التشريع والقضاء إليه.
فالحماية المقررة للأجراء من الفصل التعسفي ليست مجرد نصوص قانونية فقط، بقدر ما هي فكر إجتماعي مرن واع بالتحديات الإقتصادية التي تواجهها بلادنا.
إلا أن الأمر النهائي يبقى معلقا على محكمة النقض لتوحيد إجتهادتها حول الإشكالات التي تثيرها مسطرة الفصل لترسم خطا واضح المعالم لمحاكم الموضوع لتسير عليه، خاصة وأن قانون 99-65 المتعلق بمدونة الشغل يبقى محل جدل بين الفرقاء الإجتماعيين على إعتبار أن أرباب العمل يرون فيه إنتقاصا من سلطتهم وهيبتهم داخل مؤسسة يملكونها، في حين يرى فيه الأجراء تكريس لقوة المشغلين وترجمة فعلية لسلطة المال وسطوته، لدى نرى أن العلاقة الشغلية لن تستقيم إلا إذا توفرت بعض الشروط التي سنأتي على ذكرها والتي يمكن لنا صياغتها على شكل إقتراحات نجملها كالأتي؛
• ضرورة تدخل المشرع من أجل سد بعض الثغرات التي تعتريها المقتضيات القانونية وخاصة التي وقع فيها تضارب في أواسط الفقه والقضاء.
• ضرورة حصر الأخطاء الجسيمة المبررة للفصل درءا لكل تعسف من قبل المشغل.
• ترك أمر إتخاذ مقرر فصل الأجير لمجلس تأديبي مكون من المشغل أو من ينوب عنه، ومن مندوب الأجراء والممثل النقابي بالمقاولة في حالة وجوده، ليعقدوا إجتماعا يتم فيه تقدير خطورة الخطأ المرتكب من طرف الأجير، ومن توقيع الجزاء التأديبي لهذا الخطأ بدل ترك قرار الفصل للمشغل وحده.
• التعويض عن البطالة الناتجة عن الفصل.
• توحيد الإجتهاد القضائي فيما يخص بعض النقط التي لا زالت تعرف تضاربا داخل المحاكم.
• تعميم ونشر الأحكام القضائية المتميزة حتى يسهل معرفة التوجه القضائي فيما يخص الإشكالات المرتبطة بالفصل التعسفي.
• تعزيز دور وتدخل مفتش الشغل في حماية الطبقة العاملة من الفصل بإعتباره جهة يمثل المصالح المتعارضة داخل المؤسسة وقادر على خلق شروط الثقة بينهم.
(محاماه نت)