دراسات قانونية

كل جوانب وأسباب العزوف الانتخابي (بحث قانوني)

رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق تحت عنوان العزوف الانتخابي دراسة ميدانية، مدينة طنجة نموذجا

جامعـــة عبد الـــمالك السعدي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتـــماعية
طنــــجة

رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق
تخصص العلوم السياسية و العلاقات الدولية

في موضوع:

الـــعزوف الانتخـــــابي
دراســة مــيدانية
مدينة طنجة نموذجا

من إنجاز الطالبة الباحثة:

الــــفقير سميـــحـــة

تحت إشراف الأستاذ:

الدكتور عبد العلي حامي الدين

لجنة المناقشة:

الدكتور محمد العمراني بوخبزة : أستاذ بكلية الحقوق بطنجة رئيســــــــــــــــا
الدكتور عبد العلي حامي الدـيـن : أستاذ بكلية الحقوق بطنجة مشرفا و عضوا
الدكتــور الحســن الجمــاعــــي : أستاذ بكلية الحقوق بطنجة عضـــــــــــــــوا

السنة الجامعية : 2007/2008

ي
تـــوطـئــة عــــامــــــة:

يعد النسق السياسي المغربي من الأنساق المستعصية على الفهم، والممتنعة عن الإحاطة، فرغم المجهود المبذول لازالت هناك استفهامات نجدها اليوم تستفز فضول الكثير من الباحثين. ومن أهم الظواهر الإشكالية التي تستدعي البحث وتستوجب الفهم والتحليل نظرا لأهمية موضوعها معرفيا ومنهجيا – ظاهرة الانتخابات- باعتبارها آلية تمكننا من اختبار متانة أو ضعف العقد السياسي القائم بين الحكام والمحكومين، فهي لحظة معبرة تعبر عن اختيارات المجتمع وحقيقة ادعاءات السلطة السياسية من جهة، ومن جهة ثانية، تعتبر كاشفة عن مسارات ومآلات وأبعاد ” الديموقراطية ” و جدية ” الإنتقال الديموقراطي وبناء
دولة الحق والقانون..”

فالعودة إلى مثل هذه الموضوعات تحتمها نوعية هذه المواضيع وآتسامها بالطابع المتحول الذي يجاري المتغيرات الداخلية والخارجية للبلاد حيث يرتبط هذا التحول بمجالات معرفية متعددة تتقاطع فيها قضايا التاريخ السياسة والإجتماع والإقتصاد.
وبناء عليه يبقى تأويل هذه الموضوعات مرهون بالمناهج المعتمدة خلال مراحل الإعداد والبحث والتحليل والفهم من جهة، ومن جهة أخرى مرتبط بالإختيارات الإرادية الهادفة .

موضوع الإنتخابات يشكل بمختلف تجسيداته أحد المباحث الهامة والحيوية في نسق علم السياسة الحديث ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى كون السلوك الإنتخابي هو الميكانيزم العضوي الذي يكسب الديمقراطية بعدها المادي والتجريبي.

لقد كرست الإنتخابات التشريعية الأخيرة ظاهرة كانت ملحوظة في الحقل السياسي المغربي منذ ٱستحقاقات سنة 1984 حسب ما أفادت به الإحصائيات الرسمية لوزارة الداخلية لكن مع تزايد تلك الهوة بين المواطنين وصناديق الإقتراع بالرغم من العديد من الخطابات التي سادت إبان فترة الإنتخابات والتي عملت على تحفيز المغاربة على المشاركة والتصويت والإسهام في صنع القرار السياسي (جمعية دابا 2007 على سبيل المثال) إلا أن النتيجة كانت دون المتوقع حيث جاءت نسبة المشاركة ضعيفة ، وذلك لم يكن فقط في الأوساط الحضرية وإنما حتى في المناطق القروية التي عرفت في الماضي بسيادة قيم التضامن القبلي والعشائري ..

إن ٱستحقاقت 7 شتنبر 2007 أعادت طرح عدة أسئلة وإشكاليات من قبيل :

 ما جدوى الإنتخابات في المغرب وتحديدا في ظل نظام محوره الأساسي هو المؤسسة الملكية التي تسود وتحكم؟

 هل ٱنسحاب الاغلبية الشعبية ومقاطعتها للعبة السياسية ظاهرة عابرة، أم هو رفض معلن للتمثيلية الحزبية السائدة؟

 ما هي العوامل القوية التي أدت الى ٱنخفاض نسبة المشاركة في الإنتخابات الأخيرة؟ وما سبب لامبالاة الشعب المغربي بصناديق الإقتراع؟

تساؤلات كثيرة تثيرها أزمة التصويت، وملاحظات عديدة تبرز إلى الذهن، فهناك من يعزو العزوف عن المشاركة الى آفة الأمية، إلا أننا من خلال ما شهدناه وعشناه نلاحظ بأن الأمية لها تأثيرا نسبي لكن ليس مطلقا . فإذا ما قارنا نسب المشاركة في الإنتخابات الفارطة سنجد أنها كانت مرتفعة مع أن نسب الأمية كانت مرتفعة أيضا .

بالإضافة إلى ذلك يمكن القول أيضا بأن البطائق الملغاة وكذا اللوائح البيضاء هي أيضا تعبير سياسي عن موقف ولا تكون بالضرورة ناجمة عن الأمية إلا في حالات نادرة. ناهيك عن الأسباب الأخرى التي قالت بها بعض القيادات الحزبية بعد الإعلان عن النتائج من قبيل توقيت الإنتخابات الذي لم يكن مناسبا نظرا لتزامنه مع الدخول المدرسي وكذا شهر رمضان، والبطائق الإنتخابية التي لم يتوصل بها العديد من الأشخاص مما حال دون آدائهم لواجبهم الوطني ..

تساؤلات عديدة تم تغييبها وأخرى ٱرتفعت إلى مستوى الحضور المؤجل، وبين الحضور والتأجيل تتجلى أهمية تناول مثل هذه الموضوعات .. ومنه ٱرتأينا القيام بقراءة في الموضوع لتحليل الظاهرة والوقوف عند أبعادها عن طريق أدوات البحث العلمي.

موضوع الدراسة إذن، ينطلق من أن السلوك الإنتخابي، ظاهرة ٱجتماعية وسياسية، لاتنفك عن محيطها السياسي والثقافي والإجتماعي، مما يؤكد إلزامية ٱعتبار هاته النواحي في مسعى فهمها..

فلا مناص إذن من الإلتفات الى الإرتباط الكبير والتداخل الوظيفي، وتشابك علاقات التأثر والتأثير بين السلوك السياسي للمواطن تجاه الإنتخابات، وسلوكه الإنتخابي الذي يعد إفرازا طبيعيا للأول حيث يتشكل عبر أزمنة أكثر عمقا من لحظة ولادته، تمتد عبر تمثلات المواطن السياسية، وموروثاته السوسيونفسية، وتتصل بمخياله الشعبي وتنشئته وثقافته السياسية..

وبناء عليه، سيكون موضوعنا عبارة عن بحث ميداني حول عزوف المواطن المغربي عن التصويت، أو بالأحرى حول تلك القطيعة بينه وبين صناديق الإقتراع. فالبديهي أن هذه الأغلبية الصامتة كما ٱصطلح عليها قد عبرت بشكل أو بآخر عن موقفها حتى ولو كان ذلك قد تم خارج صناديق الإقتراع وبٱلتزام الصمت.

سيتمحورالفصل الأول التمهيدي من بحثنا هذا حول الإطار النظري للسلوك الإنتخابي حيث لابد من أرضية نظرية تمكننا من الإنطلاق نحو الشق التطبيقي الذي سيكون بحثا ميدانيا نعتمد خلاله آراء ومواقف وتوجهات المواطنين السياسية ونبحث من خلالها عن الحيثيات والأسباب التي قادته إلى هذه القطيعة مع الإنتخابات.. وذلك بٱعتماد آليات البحث الميداني بواسطة ٱستمارة البحث، حول عينة تمثيلية من عدد من المواطنين، بالإضافة إلى ٱستجواب بعض القيادات السياسية والفعاليات الجمعوية، وذلك بهدف محاولة فهم الظاهرة من خلال التنقيب في دواعيها والوقوف عند آثارها على الحياة السياسية المغربية لبلورة مجموعة من الإقتراحات التي من شأنها أن تقدم مشاريع أجوبة للتجاوز..

ولما كانت مدينة طنجة قد عرفت مستوى عاليا من ضعف المشاركة، والتي شهدتها الإستحقاقات الأخيرة 2007، فإنها ستشكل الحيز الأكبر من بحثنا .

أهميــة الدراســـة وأهــدافهــا:
تهدف هذه الدراسة إلى الوصف العلمي للظاهرة- العزوف الإنتخابي، ومسح خصوصياتها، قصد التنبؤ بمآلاتها المحتملة لتقديم ٱقتراحات عملية بغية تجاوز انعكاساتها السلبية.
كما تهدف أيضا الى إنضاج مقومات الوعي الإجتماعي من خلال تكريس ثقافة البحث العلمي لأجل فهم ظواهر المجتمع وتشخيصها، وبلورة بعض المقترحات التي من شأنها أن ترتقي بالمشاركة السياسية.

مجــــال الــــــدراســـــة:
تندرج الدراسة ضمن علم الإجتماع السياسي، وهي تعنى بفرع من فروعه وهو “سوسيولوجيا الانتخابات”، أما فيما يتعلق بالمجال الجغرافي للعينة المبحوثة فإنها تخص مدينة طنجة/ شمال المغرب.

منهــــج الدراســــة ومصــادرهـــا:
ٱعتمدنا خلال هذه الدراسة على المقاربة الإستقرائية، وذلك بالإنطلاق من الخاص إلى العام، ومن الجزء إلى الكل، أي من العينة المبحوثة إلى مجتمع الدراسة ككل، قصد بغرض تعميم النتائج.
كما اعتمدنا كذلك المقاربة التحليلية من خلال تحليل آراء ومواقف العينة التي شملتها الدراسة ..

ولا غرو أن توفير البيانات يتصدر معظم مراحل البحث، ويرهن نتائجه، مما يكسب عملية جمع البيانات أهمية قصوى ويفرض الدقة في التعاطي معها، فكلما كانت قاعدة البيانات سليمة وصحيحة إلا وٱزدادت ٱحتمالات صحة الإختيارات ودقة النتائج.

وتوزعت مصادر الدراسة إلى:
– بيانات أولية وهي البيانات الأصلية التي توفرت بالإتصال المباشر مع العينة المبحوثة عبر إعمال تقنية الإستمارة والمقابلة..
– بيانات ثانوية وهي مجموع البيانات المستقاة من مصادر غير مباشرة، ومن ضمنها نتائج الإنتخابات واللوائح الإنتخابية وغيرها..

ظـــروف الــدراســـــة:
عانت الدراسة من صعوبات يمكن ٱختزالها في التالي:
– حساسية المجتمع واستعصاؤه على الدراسة، وعدم قابليته لأن يكون موضوعا للبحث، وتحديدا الأشخاص غير المتمدرسين.
– تلكؤ الادارة وبعض الأحزاب السياسية في تسليم المعلومات وإمداد يد العون، وتقديم الدعم اللازم.
– غياب إمكانيات المسح العام لدراسة المجتمع بكل شرائحه…

وتتأسس منهجية الدراسة في بعدها الشكلي على التالي:

مدخل عام يتضمن الإطار العام للموضوع، إشكاليات البحث، أهدافه وأهميته ثم المقدمة، فالفصل التمهيدي الذي يشمل الشبكة المفاهيمية المرتبطة بموضوع البحث، وقراءة في ضعف نسبة المشاركة الخاصة باقتراع 7 شتنبر 2007.

الفصل الأول يعنى ببنية الإستمارة ومضمونها.

الفصل الثاني مخصص لقراءة سوسيولوجية وسياسية في أسباب العزوف الإنتخابي.

الفصل الثالث عني بمداخل الإرتقاء بالمشاركة الإنتخابية، ثم الفصل الرابع والأخير خصصناه لرصد آراء بعض الفاعلين السياسيين وفعاليات المجتمع المدني في العزوف الإنتخابي.

مـقـدمــــــــــــــــة:

إن التحديث السياسي وولوج عالم الدمقرطة يتطلبان بالأساس بروز الرغبة في المشاركة السياسية لكافة ومختلف شرائح المجتمع، فالديمقراطية تستوجب الإنفتاح على المواطنين، وتقويم وتأهيل العلاقة بين الفرد والسلطة، وفسح المجال أمامهم لممارسة حقوقهم الدستورية كحقهم في الإنتخاب والتصويت..

هذين الأخيرين يكتسيان أهمية بالغة داخل المجتمعات المتقدمة نظرا لما لهما من فضائل يمكن إجمالها في الآتي :
• إعطاء شرعية ديموقراطية للهيئات والمؤسسات الحاكمة.
• ضمان التداول والتناوب على السلطة.
• تجديد النخب والقيادات الحاكمة، وتحديد النظام السياسي.
• ضمان حق المشاركة السياسية للمواطنين.
• إتاحة إمكانية إقامة رقابة شعبية على الهيئات الحاكمة.
• توسيع دائرة المجتمع السياسي المنخرط والمهتم بالشأن العام.
• خلق دينامية وتنافسية بين الجماعات والأحزاب في مجال بلورة وطرح الأفكار والمبادرات وبرامج الإصلاح الإقتصادي والإجتماعي لأجل كسب ثقة الهيئة الناخبة.

ولما كانت الإنتخابات أسمى آليات المشاركة السياسية، حيث تمكن كافة الشعب على قدم المساواة من المشاركة في تدبير الشأن العام وٱختيار مندوبيهم، فإن مختلف الأنظمة السياسية تعمل على توسيع قاعدة المشاركة، وتوفير سبل ممارستها على الوجه المطلوب.
وفي هذا السياق، عمل النظام السياسي المغربي بكل مكوناته وأطيافه على تحفيز المواطنين على المشاركة السياسية/ الإنتخابية خلال الإقتراع الأخير ليوم 7 شتنبر 2007، وذلك بعدما بدأت بوادر العزوف والمقاطعة تطفو على الساحة حسب الإستطلاعات التي أنجزت قبل ٱلإستحقاق.
وبناء عليه، شكلت المشاركة الإنتخابية التيمة الأساسية للخطب الملكية، حيث أفضت عدة خطب ملكية وفي مناسبات عديدة إلى مطالبة المغاربة وتحفيزهم على المشاركة في الإقتراع، وذلك من قبيل:
” إن الانتخاب من مقومات المواطنة المسؤولة، ولإعطاء عملية الإقتراع شحنة قوية ودائمة، يتعين دعمها بالمشاركة الديموقراطية، مشاركة موصولة لا تنحصر في يوم الإقتراع، بل تتطلب الإنخراط الدائم في أوراش التنمية والمواطنة، إنكم بٱلإدلاء بأصواتكم، لاتختارون من يمثلكم للسنوات الخمس المقبلة فقط، وإنما تحددون مستقبل أبنائكم وبلدكم، فعليكم ألا ترهنوا مصيركم ببيع أصواتكم وضمائركم لمن لا ضمير ولا أمانة له..”
وفي نفس الخطاب يضيف الملك قائلا: ” وإاننا لندعو مواطنينا للإنخراط في العمل السياسي النبيل، غايتنا المثلى توسيع المشاركة الشعبية في التنمية..”.

بالإضافة إلى الخطب الملكية، فإن تنظيمات عدة – سياسية ومدنية- أسست لهدف التحفيز على المشاركة في الإنتخابات، كجمعية “2007 دابا” برئاسة السيد نور الدين عيوش الذي صرح عبر جمعيته بأن المغاربة لا يهتمون بالشأن العام، وأن غياب ٱلإهتمام هذا قد يسمح أو يعطي الفرصة للمحتالين للظهور على الساحة . وقد عملت هذه الجمعية على تحفيز المواطنين على المشاركة بتوظيفها أدوات وآليات متنوعة من قبيل تنظيم قافلات في شتى أنحاء المملكة للتعريف بعملية التصويت وكيفية إجرائها.
بيد إنه، رغم هذا التحفيز وتشجيع المواطنين على المشاركة المكثفة، فإن ذلك لم يكن مجديا، بحيث جاءت النسبة ضعيفة جدا، بل هي الأدنى في تاريخ ٱلإنتخابات المغربية.
وهنا مكمن المفارقة والإشكال كما صرح بذلك السيد خالد الناصري بقوله:” إن مكمن المفارقة هو أنه في الوقت الذي كان المغرب يعيش ما يعرف بسنوات الرصاص، وكان في هذه السنوات نوع من التضييق على العمل السياسي والمشاركة الديموقراطية، كان الشباب يبحثون عن كل الطرق المؤدية إلى أان يلعبوا دورا ما من أجل التعبير عن آرائهم، ويقدموا إسهاماتهم، واليوم الباب مفتوح وعلى مصراعيه، ولا أحد يجادل في ذلك، ونتساءل لماذا في الوقت الذي يفتح فيه الباب يتخلى عن ولوجه العديد من الشباب؟؟ ”
الملاحظ إذن أن ظاهرة العزوف الإنتخابي تنتشر وتتزايد كلما قل تدخل الدولة في العملية الإنتخابية، أوبالأحرى ، فإن الناخب المغربي كلما منح حرية أكثر في الذهاب إلى صناديق ٱلإقتراع كلما ٱمتنع عن ذلك، وٱنخفاض المشاركة يلاحظ بوضوح أكثر كلما كانت ٱلإنتخابات أكثر شفافية ونزاهة.
إن الحديث عن العزوف السياسي أو الإنتخابي يتطلب بالأساس البحث في مستوى المشاركة السياسية للمواطنين، لكن الجدير بالذكر هنا، هو أن العزوف الإنتخابي ليس بالضرورة عزوفا سياسيا، وبالتالي لا يمكن تقييم مستوى الثقافة السياسية للمواطن بٱلإستناد إلى المرجعية الإنتخابية، فالعملية الإنتخابية لا تشكل سوى وجها من أوجه المشاركة السياسية وذلك عبر تقنية التصويت، هذا الأخير يعد أكثر أنماط المشاركة السياسية شيوعا، حيث تعرفه الأنظمة الديموقراطية وغير الديموقراطية على السواء، مع ٱختلاف في دلالاته ودرجة تأثيره.
إلا أنه وعلى الرغم من أهمية التصويت، فإن سلوك الكتلة الناخبة أو الهيئة الناخبة، عادة ما يشير إلى مشاكل عملية قد تحد من فاعلية العملية الإنتخابية، وتساهم في خلق العوامل المميزة لغير المشاركين على ٱختلاف مشاربهم الفكرية، ما يعكس ٱستياء بجدوى المشاركة عن طريق الإنتخاب . وبالتالي ضعف الإقبال على صناديق الإقتراع والعزوف عن التصويت، وقد تجسدت هذه الظاهرة بشكل صارخ خلال الإستحقاق الإنتخابي الأخير ل 7 شتنبر 2007.

فـصــــل تمهيـــــــدي:
الإطــار النــظري للسلــوك الإنتخـــابي

سنخصص ثنايا هذا الفصل التمهيدي لبسط مكونات الشبكة المفاهيمية التي تتناسل من رحم السلوك الإنتخابي، فهذا الأخير يعتبر من ضمن المفاهيم التي لا يتأتى فهمها والإلمام بخلفياتها إلا بالوقوف على المصطلحات التي تشكل الفضاء التداولي للمفهوم من قبيل : المشاركة السياسية، التصويت، العزوف، عدم المشاركة..إلخ

فلا مناص من أرضية نظرية تمكننا من الإحاطة بمكونات السلوك الإنتخابي، وتتيح لنا فرصة الإنطلاق نحو الشق التطبيقي.. فالموضوع محط الدراسة يتطلب الإلمام بمكونات الشبكة المفاهيمية التي تتقاطع دلالاتها وتتكامل مضامينها لتشكل مجالا للٱشتغال.

وبناء عليه، سنتطرق في الآتي إلى كل من المفاهيم التالية:

 المشاركة السياسية وما يحيط بها من تعاريف ودلالات، كما سنتطرق لخصائصها ومجالاتها.

 السلوك الإنتخابي وما يرتبط به من مفاهيم أخرى كالتصويت والإمتناع والإحتجاج..

 العزوف الإنتخابي، مظاهره، دلالاته، ومستوياته.

المبـــحـــــث الأول:
فــــــــي المشاركــــة السياسية

لامناص بداية قبل الدخول في صلب الموضوع “أزمة التصويت أو العزوف الإنتخابي” والذي ارتأينا دراسته من خلال مدينة طنجة التي عرفت نسبا جد متدنية من حيث إقبال مواطنيها على صناديق الإقتراع، وتحديدا خلال ٱقتراع شتنبر 2007، وقبل الشروع في وقبل الشروع في فك طلاسيم هذا العزوف وتحليل الأسباب التي جعلت معظم “الطنجيين” “يقاطعون” تلك اللحظة الحاسمة في الحياة السياسية المغربية، لابد بداية من التطرق للمفاهيم التي يزخر بها موضوع المشاركة السياسية حتى نتمكن من الحصول على أرضية نظرية تمكننا بالتالي من دراسة الموضوع دراسة علمية.
وهكذا سيتم الوقوف على مفهوم المشاركة السياسية التي تعنى أساسا بمدى ٱنشغال الفرد بالأمور السياسية داخل مجتمعه، وإلمامه بالقضايا السياسية بكافة مستوياتها. فلا غرو أن المشاركة من أهم المواضيع التي استرعت ومازالت تسترعي ٱهتمام الباحثين بصفة عامة، والباحثين في مجال علم السياسة بصفة خاصة، وذلك نظرا لحيوية الموضوع وما يكتسيه من أهمية في الحياة السياسية لكل المجتمعات دون ٱستثناء، وبٱلأخص تلك التي تحاول دخول عالم الديمقراطية من أبوابه الواسعة، فحق المشاركة في الحياة السياسية هو حق تكفله مختلف القوانين والتشريعات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان عموما وحقوقه السياسية بشكل خاص.
وعند الحديث عن المشاركة السياسية لا مناص من التطرق إلى مجالات هذه الأخيرة والقنوات التي يمكن من خلالها ممارسة العمل السياسي.
وبناء عليه: ماذا نقصد بالمشاركة السياسية؟
ماهي خصائصها؟ ومجالاتها؟ أو بالأحرى ماهي قنوات صرفها؟
وماهي الآليات التي بالإنضمام إليها يمكن القول بأننا نشارك سياسيا؟.

الــمـطـلـــب الأول:
مـفـهـــوم الــمشـــاركــة السيـــاسيــة

تندرج المشاركة السياسية في إطار الحريات والحقوق الفردية التي كفلتها مختلف العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، خاصة في المجال السياسي، وهي حق لايقتصر على فئة معينة من الناس، وإنما يشمل كل إنسان موجود على سطح الأرض، بمعنى أن هذه الإتفاقيات الدولية عممت هذا الحق على الجميع تاركة حق الإختيار في ممارسته أو عدم ممارسته للشخص نفسه، أي أنها لم تفرض هذا الحق على أحد، وفي نفس الوقت لم تجرده من أحد.
وبناء عليه، تقتضي دراسة مفهوم المشاركة السياسية الوقوف عند أبرز التعاريف التي أعطيت لهذا المصطلح حتى نتمكن من التمييز بين المشاركين من غيرهم.

يمكن تعريف المشاركة السياسية بأنها مجموع النشاطات الجماعية التي يقوم بها المحكومون، وتكون قابلة لأن تعطيهم تأثيرا على سير عمل المنظومة السياسية .
وتعني أيضا المساهمة بفعالية في السلطة السياسية وهو ما يفترض أن ثمة ٱمتلاك فعلي لقسط من السلطة، وأن السلطة من ثمة تقبل التوزيع والإقتسام .
وتختلف التعاريف المقدمة للمشاركة السياسية تبعا لمجال التخصص، فهي من وجهة نظر علم السياسية، وبمعناها الواسع، تتصل بإعطاء الحق الدستوري الديمقراطي لكافة أفراد المجتمع البالغين، العاقلين، في الإشتراك بصورة منظمة في صنع القرارات السياسية التي تتصل بحياتهم معا في مجتمع من المجتمعات. على ألا تكون هذه الأخيرة قاصرة على إعطاء هذا الحق أو النص عليه في الدستور، لأن المشاركة السياسية هي ممارسة هذا الحق ممارسة فعلية بعيدا عن عوامل الضغط والإجبار والإلزام، إذ يجب أن تظل في إطار ديمقراطي يتسق معه إطار الشعور بالمسؤولية الإجتماعية تجاه الأهداف المجتمعية العامة، وفي إطار الشعور بحرية الفكر والعمل والتعبير عن الرأي.
أما المشاركة السياسية من وجهة نظر علم الإجتماع فهي العملية التي يمكن من خلالها أن يقوم الفرد بدور في الحياة السياسية المجتمعية، بقصد تحقيق أهداف التنمية الإجتماعية والإقتصادية، على أن تتاح الفرصة لكل مواطن بأن يسهم في صنع هذه الأهداف وتحديدها والتعرف على أفضل الوسائل لتحقيقها.
ومن أبرز التعريفات التي قدمت للمشاركة السياسية أيضا التعريف الذي مفاده أنها: ” مجموع التصرفات الإرادية التي تستهدف التأثير على عملية صنع السياسات العامة وإدارة شؤون المجتمع، وكذا تلك التي يتم من خلالها ٱختيار القيادات السياسية على كافة المستويات الحكومية من قومية ومحلية، وذلك بغض النظر عما إذا كانت هذه التصرفات منظمة أو غير منظمة، مؤقتة أو مستمرة، مشروعة أو غير مشروعة، وسواء نجحت في بلوغ غاياتها أو لم تنجح” .
إن السياسة بحكم أنها نظام من العلاقات، ترتقي بٱختلاف البشر وتمايزهم، وبالإعتراف بتساوي البشر رغم ٱختلافهم، وكل تغييب للإختلاف والتمايز يقود حتما إلى تفقير السياسة وٱندحارها. ومن هنا نجد أن السياسة تحيل بصفة آلية إلى المشاركة السياسية بفعل التمايز والإختلاف البشري ، ولعل هذا ما يجعل هؤلاء (البشر) يتكتلون في إطار تنظيمات سياسية من أجل فرض توجهاتهم الأيديولوجية والسياسية، وتأطير أكبر عدد ممكن من الأفراد حتى يتم الإقتناع بهذه الأفكار والتوجهات، ويتم تطبيقها من طرف الحكام، وهكذا فإن المشاركة السياسية تعني وتفترض توفر شرط لا محيد عنه وهو التعددية، هذه الأخيرة التي تشكل الإطار الطبيعي لتكوين السوق السياسية وتداول السلطة بحرية نسبية بين مختلف أطراف النخبة الإجتماعية وأنواعها. ولا تعني المشاركة السياسية بالضرورة تغيير النظام السياسي أو القيم السائدة في الدولة، وإنما تعني إعادة توزيع السلطة على مواقع النفوذ المعنوي والسيطرة الفعلية في المجتمع .
يحيلنا هذا التحليل الى أرسطو حيث ٱقتسام السلطة وفقه يفترض أن الناس يتوفرون على الصفات التي تساهم في حياة المدينة وسعادة الأفراد، لكن إذا كانت الفضيلة معيارا للمشاركة السياسية فليس هناك مع ذلك طرف من شأنه أن يمتلك سيادة مطلقة أو لامحدودة، ذلك أن السيادة تعود للقانون لا لفرد أو شعب، وهكذا نتجنب الخيار المدمر بين الحرب الأهلية والسيادة المطلقة .
وفي نفس السياق يعرف WEINER المشاركة السياسية بكونها: كل عمل إرادي ناجح أو فاشل، منظم أو غير منظم، مرحلي أو مستمر يفترض اللجوء إلى وسائل شرعية أو غير شرعية بهدف التأثير على ٱختيارات سياسية، أو إدارة الشؤون العامة أو ٱختيارات الحكام، وعلى كل المستويات الحكومية، محلية أو وطنية. وهذا التعريف الواسع يحيلنا على عدة نقاط أساسية من قبيل أن المشاركة السياسية هي:
– نشاط أو عمل سياسي
– إرادي أو طوعي
– ناجح أو فاشل
– منظم أو غير منظم
– مرحلي أو مستمر
– بوسائل شرعية أو غير شرعية
– سلمي أو عنيف
– للتأثير على عملية صنع القرار الحكومي على الصعيد المحلي أو الوطني
– للتأثير في الإختيارات السياسية
– إدارة الشؤون العامة .
فإذا كان الإنطباع السائد بين علماء السياسة هو أن الصورة البديهية للمشاركة السياسية هي عن طريق الإنتخاب بٱعتبارها الصورة التي تمارسها الأغلبية الساحقة من المواطنين على قدم المساواة، فإن دراسة هذه الأخيرة لم تعد تقتصر على دراسة الإنتخابات، وتحديدا التصويت، وإنما تعدت ذلك إلى دراسة مختلف الصور والأنشطة الأخرى التي تهدف إلى التأثير في عملية صنع القرار، بحيث أنه ليس أي فعل سياسي هو مشاركة سياسية، وليس كل عمل سياسي هو مشاركة سياسية، فحتى يكون العمل السياسي كذلك يجب أن يؤثر على السياسة العامة للدولة.
فالسلوك السياسي الفردي لا يتحول إلى سلوك سياسي فعلي إلا اذا كان متجها نحو التأثير على النسق السياسي أو على المجتمع بشكل عام .

وعلى ضوء التعريفات السابقة نرى أنه لايوجد تعريف محدد حول مفهوم المشاركة السياسية، وبعد التطرق لمعظم المفاهيم المعطاة لها، لامناص من سرد بعض الخصائص التي تخص المشاركة.

الــمـطـلـب الثــانــي:
خصـائــص المـشــاركــة السيــاسيـــة

من خلال ما سبقت الإشارة إليه، يتضح بجلاء أن المشاركة السياسية تشمل مختلف الأنشطة الإدارية التي يقوم بها أعضاء المجتمع بهدف التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر في عملية ٱختيار الحكام أو التأثير في القرارات التي يتخذونها.
فهي ترتبط بالحرية الشخصية للمواطن، وبسيادة قيم المساواة، وبإقرار الحاكمين بحق المحكومين، وبأن لهم حقوقا دستورية وقانونية تمنحهم الحق بالمشاركة في ٱتخاذ القرار، وأن من حق الحاكمين إتاحة الفرصة أمام المواطنين لممارسة حقهم هذا دون ضغط أو إرهاب .
وعلى هذا الأساس فإن المشاركة السياسية تتميز بعدة خصائص يمكن إجمالها في التالي:
 أن المشاركة السياسية هي الأساس الذي تقوم عليه الديمقراطية، بل إن نموها يتوقف على إتاحة فرص المشاركة السياسية أمام فئات الشعب وطبقاته، وجعلها حقوقا يتمتع بها كل إنسان في المجتمع .
 أن المشاركة السياسية سلوك إيجابي واقعي، بمعنى أنها تترجم إلى أعمال فعلية وتطبيقية وثيقة الصلة بحياة وواقع الجماهير .
 أن المشاركة السياسية سلوك مكتسب، فهي ليست سلوكا فطريا يولد به الإنسان، أو يرثه، وإنما هي عملية مكتسبة يتعلمها الفرد أثناء حياته وخلال تفاعلاته مع الأفراد والمؤسسات الموجودة في المجتمع.
 أن المشاركة السياسية تنمي في الأفراد الشعور بالمسؤولية وروح المبادرة والإعتماد على الذات والولاء للمجتمع والرغبة في تحويل الأهداف التي يريدون بلوغها إلى واقع ملموس.
 أن المشاركة السياسية توحد الفكر الجماعي للجماهير، حيث تساهم في بلورة فكر واحد نحو الإحساس بوحدة الهدف والمصير المشترك والرغبة في بذل الجهود لمساندة الحكومة والتخفيف عنها .
 أن المشاركة السياسية عملية ٱجتماعية شاملة ومتكاملة، متعددة الجوانب والأبعاد، تهدف إلى اشتراك كل فرد من أفراد المجتمع في كل مرحلة من مراحل التنمية، في المعرفة والفهم والتخطيط والتنفيذ والإدارة والإشتراك والتقويم وتقديم المبادرات والمشاركة في الفوائد والمنافع .
وإذا كانت هذه خصائص المشاركة السياسية، فإن دوافع هذه الأخيرة متنوعة، ومتفرعة بين الدوافع الخاصة والدوافع العامة.
فسعي الفرد إلى المشاركة في مختلف الميادين والمجالات السياسية يكون انطلاقا من دوافع، هذه الأخيرة يمكن أن تكون مرتبطة بالمجتمع ككل، ومنها ماهو مرتبط بٱهتمامات الفرد وٱحتياجاته الخاصة.
وعلى هذا الأساس ميز المفكر الأمريكي ” فيليب براون” بين الدوافع العامة التي تتجلى بالأساس في شعور الفرد بأن المشاركة واجب والتزام في أن واحد تجاه المجتمع الذي يعيش فيه، ورغبته في مشاركة الآخرين في تطوير وتحسين المجتمع، وكذا رغبته في تقوية الروابط بين مختلف فئات المجتمع بغية تحقيق نوع من التكامل والتفاعل بين هذه الفئات لتحقيق الأهداف المشتركة، هذا بالإضافة إلى توافر الضمانات القانونية والدستورية التي تضمن للمواطنين الأمن والمناخ الديمقراطي السليم، وسيادة القانون وحرية التفكير والتعبير، بما يتفق والمصالح العليا في المجتمع.
أما فيما يتعلق بالدوافع الخاصة فتتجلى بالأساس في كون المشاركة تعتبر أفضل وسيلة لحماية المصالح الفردية، ومحاولة التأثير على صنع السياسات العامة في المجتمع لتكون ملائمة للإحتياجات الفعلية والرغبات الخاصة بأفراد المجتمع، بالإضافة إلى تحقيق مصالح شخصية تتمثل في السيطرة والتمتع بالنفوذ والسلطة وتحقيق منافع مادية وغيرها من المصالح الشخصية .

وبعد الحديث عن خصائص ودوافع المشاركة السياسية، ماهي القنوات التي تصرف فيها المشاركة السياسية؟؟ أو بالأحرى ماهي الآليات التي بالإنضمام إليها يمكن الجزم بأننا نشارك سياسيا؟؟

الـمـطلــب الثــالـــث:
قــنــوات الـمشــاركــة السيــاسيـــة

عديدة هي القنوات التي يمكن من خلالها ممارسة النشاط السياسي، وعديدة أيضا الأنشطة التي تدخل في إطار مفهوم المشاركة السياسية، مما يعني أن مجالات المشاركة السياسية متعددة ومختلفة، لذلك لم تعد دراسة المشاركة مقتصرة على دراسة التصويت باعتباره الصورة الأمثل للمشاركة، بل تعداها ليشمل مجالات أخرى سنقتصر على بعض منها، أو بالأحرى أهمها، وتحديدا تلك القائمة في الأنظمة الديمقراطية كالمشاركة من خلال دواليب السلطة، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني، المظاهرات والحركات الاحتجاجية وغيرها..
فالسياسة بمعناها الواسع تفيد أن كل شخص فاعل ومؤثر فيها يعتبر مشاركا بغض النظر عن مستواه ومكانته العلمية والإجتماعية والمادية، وبغض النظر أيضا عن طريقة مشاركته، ومن هنا يمكن أن تكون المشاركة السياسية من خلال المناصب السياسية العليا، وبالتالي فإن مشاركة هؤلاء هي التي تحيل إلى مشاركة المحكومين، حيث أن القرارات الصادرة من طرف أولئك الذين يشغلون هذه المناصب تحظى أو لاتحظى برضى المحكومين وبالتالي يظهر رد الفعل، وما يدل على أن هؤلاء مشاركين سياسيا هو عدم استثنائهم من المشاركة في الإنتخابات والإستفتاءات. فهؤلاء بالرغم من وظائفهم السامية ومناصبهم السياسية العليا هم ضمن المشاركين في الحياة السياسية.
ويمكن تسمية هذه المشاركة بالمشاركة المؤسساتية أو الرسمية أي أنها تحدث عن طريق السلوكيات والمؤسسات الرسمية للدولة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر أولئك الذين يقومون بوظائف سياسية ثابتة كرئيس الدولة، الوزراء والبرلمانيون..
وتعتبر الأحزاب السياسية كذلك قناة من قنوات المشاركة السياسية، وتعد مجالا خصبا لذلك على اعتبار أنها مؤسسات ينظم بداخلها أفراد المجتمع الذين يجمعهم قاسم مشترك، حيث يوحدون معتقداتهم بواسطة العمل، لبلوغ غاية ممارسة السلطة السياسية في الدولة .
والجدير بالذكر أن أهم وأبرز أنواع المشاركة السياسية هي التي تمارس في إطار هذه التنظيمات، لأن المشاركة تكون ناتجة عن تنشئة وثقافة سياسية نابعة من المبادئ التي يؤمن بها المشارك السياسي.
وعلى غرار ما سبق، هناك قنوات أخرى للمشاركة السياسية، كالمشاركة من خلال مؤسسات المجتمع المدني والتي تشكل وسيلة ضغط للتأثير في السياسات العامة.
لقد ثار جدل بين مختلف الباحثين والمفكرين حول ما إذا كانت المشاركة في إطار مؤسسات المجتمع المدني هي مشاركة سياسية أم لا، علما أن أنشطة هذه الأخيرة ثقافية واجتماعية أكثر منها سياسية، إلا أنه يمكن إدماج هذا النوع ضمن المشاركة السياسية غير المباشرة، وتختفي خلف القناع الإجتماعي من أجل تحقيق أهداف وبرامج سياسية.
والرأي الراجح في هذا الإطار هو اعتبار تنظيمات المجتمع المدني قناة للمشاركة، وإن كانت لاترقى إلى مرتبة الأحزاب حيث تعمل على بلورة رأي عام ضاغط على الحكومة، وتصبح هذه تحسب لها ألف حساب عند صياغتها لقراراتها .
والمشاركة من خلال هذا النوع من التنظيمات هي أكثر بروزا في المجتمعات الديمقراطية التي تعتبر مأسسة المجتمع وفعالية المجتمع المدني ركنان أساسيان في بنيتها السياسية .
وحتى لا نغفل جانبا مهما أيضا من مجالات المشاركة السياسية التي تتمثل في الحركات الإحتجاجية، لامناص هنا من ذكر تعريف للإحتجاج، حيث عرفه الأستاذ محمد الساسي بكونه: ” سلوك إنساني ملازم للبشر، فمتى أحس المرء أن هناك مساس بمصالحه المادية أو المعنوية، فمن الطبيعي أن نراه – حسب الأستاذ الساسي – يهرع بحثا عن وسيلة للرد دفاعا عن نفسه ووجوده، وصيانة لكيانه وحماية لاستمراره، وتأكيدا لغريزة حب البقاء فيه، كما أن رصد ظلم واقع على آخرين قد يدفع الإنسان إلى ركوب سبيل الإحتجاج تحت تأثير نوازع إنسانية ومشاعر خيرة” .
فالحركات الإحتجاجية تتكتل فيها جميع فئات المجتمع وتنظيماته السياسية بهدف الإحتجاج على قضايا معينة والضغط على الحكومات من أجل اتخاذ المبادرات اللازمة لحل المشاكل العالقة، ومن تجليات ذلك الإضرابات، المظاهرات، العصيان المدني وغيره.

وكما سبقت الإشارة، فإن القناة أو المجال الذي يعنينا خلال دراستنا هاته هي المشاركة من خلال الإنتخابات، وذلك عبر التصويت الذ ي يرتبط مباشرة بالديمقراطية التمثيلية، فرغم اختلاف الإنتخابات وتنوعها، إلا أنها تجمع على كون الصوت الذي يدلي به المواطن في الإقتراع هو النصيب الفردي للمواطن في المشاركة السياسية، وأن مجموع الأصوات المعبر عنها هي تعبير عن إرادة الأمة.
فبالرغم من كون هذا النوع من المشاركة ظرفية وتخص فئة غير النشيطين سياسيا، إلا أنها تحتل مكانة بارزة في الأنظمة الديمقراطية، خاصة وأنها تربط الفرد بالنظام السياسي. إلا أن الحكم على مدى فاعلية وصدق الإنتخابات كمعبر عن إرادة الأمة وكتجسيد للمشاركة السياسية يرتبط بطبيعة النظام السياسي، ومدى صدق توجهاته الديمقراطية، وتحديدا انصياعه لما تفرزه صناديق الإقتراع وقبوله بمبدإ التناوب على السلطة، وأيضا مدى نزاهة الإنتخابات .

المبـحــث الثـانــي:
فـــي السلـــوك الإنتخــابــي

يعد السلوك الإنتخابي من تجليات السلوك السياسي، وتعبيرا واقعيا للمشاركة السياسية بدلالاته المفاهيمية الغربية، حيث يتوفر على طبيعة جماعية، أي أنه سلوك جماعي ذو أبعاد إحصائية.
فمن خلال تحليل المعطيات الإحصائية، يتمكن الدارس من التعرف على المحددات الإنتخابية الموجهة للإختيارات الإقتراعية للكتلة المصوتة لصالح هذا الحزب أو ذاك.
كما تمكن الدلالات الدراسية من فهم الصراع القائم بين المجموعات السياسية المختلفة، ولهذا اعتبر “ريتشارد روز RICHARD ROSE ” أن الإنتخابات ظاهرة متعددة الجوانب أكثر مما هي مجرد تعبير مبسط لٱختيارات الفرد المفضلة للأحزاب، فهي تعكس جملة من التأثيرات الكبيرة الممارسة عنه / أي عن الفرد .
ويرى E. CLAUDE و JEANE MARIE أنه بفضل التعرف على طبيعة هذه التأثيرات بالامكان فهم طبيعة الخريطة السياسية داخل المجتمع، وقواعد اللعبة السياسية.
فالنظام السياسي محدد رئيس لنظام الأحزاب السياسية والذي بدوره يقولب طبيعة النظام السياسي القائم .
والجدير بالذكر هنا، فيما يخص تفسير السلوك الإنتخابي حسب الباحث رفيق الناوي، هو هيمنة ثلاث براديغمات :

 الأولى: تتمثل في المدرسة الكولومبية التي تتناول السلوك الانتخابي من الجوانب المهنية والسكنية التي ينتمي اليها الناخب.

 الثانية: براديغم ميشكان الذي يضع اليد على العوامل البسيكوسياسية.
 الثالثة: تتمثل في نموذج الاختيار العقلاني الذي يركز على البعد الاستراتيجي والالي للتصويت.

إن تناول السلوك الإنتخابي بالبحث يستوجب ضرورة التمييز بين مستوياته المختلفة، وهنا يمكن التمييز بين كل من : التصويت، الإمتناع ثم مستويات الإمتناع.

المـطـلـــب الأول:
التصــويـــــــــــت Le vote *

يمكن تعريف التصويت بكونه الأسلوب الذي تتخذ بموجبه مجموعة من القرارات على أساس الاختيارات التي يقوم بها الأفراد في أية جماعة، فهو أحد الأدوات الممكنة التي يستطيع عن طريقها المجتمع أن ينظم نفسه، ومنه فان جوهر التصويت يكمن في عملية الاختيار .
كما أن التصويت حق شخصي ودستوري منصوص عليه في مختلف النصوص القانونية والدستورية، نجد الفصل الثامن من دستور 1996 ينص على أن ” الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية، وأنه يحق لكل مواطن ذكرا كان أو أنثى إاذا كان بالغا سن الرشد ومتمتعا بحقوقه الوطنية والسياسية”.
كما نصت على ذلك مختلف الصكوك والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان والحريات العامة، وعلى سبيل المثال نجد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعرف عملية التصويت بكونها وسيلة هامة وأساسية يمكن للأفراد من خلالها التأثير على القرارات الحكومية، وتعني قيام الفرد بٱختيار أحد المرشحين لتمثيله في الهيئات المنتخبة التي تتولى إعداد القوانين ..
وفي نفس السياق نجد المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تقر بحق كل مواطن في أن يشارك في إدارة الشؤون العامة وحقه في إن ينتخب وينتخب..

يعتبر التصويت إذن، أقوى اللحظات في الديمقراطيات التمثيلية، إذ يعد بشكل عام محددا للمشاركة السياسية، وهو في الواقع يتطلب انخراطا في المجموعة الوطنية، فضلاعلى كون المشاركة الإانتخابية تقاس من خلال النسبة المائوية للناخبين الذين صوتوا لحظة الإقتراع، كما تمكن من قياس درجة اهتمام المواطنين بالإقتراع، وتحدد درجة الإندماج الإجتماعي للفرد، فنسبة التقييد باللوائح الإنتخابية تابع لٱرتفاع أو ٱنخفاض ٱندماج الأفراد في الجماعة الوطنية.

ولتفسير ظاهرة التصويت هناك ثلاث مقاربات يمكن اجمالها في التالي:

1 – المـقــاربــة السوسيولــوجيــة:
التي تقيم علاقة بين التصويت والخصوصيات الإجتماعية للفرد، كالسن، الجنس، المتغيرات السوسيوإقتصادية، والإنتماءات الدينية والعرقية..

2 – المـقــاربــة البسيكـوسيـاسيــة:
وحسب هذه المقاربة، فإن العامل الأكثر تنبؤا بٱختيارات التصويت هو الهوية الحزبية، والتي عادة ما تنتقل عبر الوحدة العائلية أي عبر التنشئة السياسية، فمتى ارتبط الفرد بحزب ما، إلا وتأثر بأيديولوجيته التي تمده بشبكة تفسيرية للواقع، كما أنها تلعب دور مصفاة تخلق لدى الفرد ضد حجج المنافسين وتضعف من أهمية الحملات الإنتخابية.
فالهوية الحزبية تعتبر إلى حد ما ضمان الإستقرار النسبي لتصويت الأفراد على مدى حياتهم.

3 – المـقــاربـة العـقــلانيــة:
وفق هذه المقاربة، فإن التصويت لم يعد يتحدد بموقع المصوت الإجتماعي، ولا بانتماءاته الحزبية والأيديولوجية، ولكن برهانات التصويت، بحيث يمكن اعتبار الناخبين كمستهلكين يبحثون عن إشباع منافعهم إلى الحد الأقصى، تبعا للرهانات المطروحة إبان كل حملة انتخابية، وقد تتعدد هذه الظاهرة بانحراف الأحزاب السياسية وضعف مشاعر الإنتماء لطبقة معينة .

وبناء على ما سبق، فإن التصويت أضحى يأخذ صورا متنوعة، كالتصويت العقابي، و التصويت الصوري الذي يعني أنه في مقابل الناخب الذي لا يذهب أصلا إلى صناديق الإقتراع، هناك آخر يصوت تصويتا صوريا، أي أنه يجهد نفسه بالذهاب إلى مكان الإقتراع، إلا أنه لا يختار. وذلك إما لأن شروط الإختيار لا تتناسب معه، أو لأنه مقتنع بأنه لا يوجد اختيار حقيقي .
أي أنه تصويت لمجرد التصويت، يأتي من قبل هيئة ناخبة مقتنعة بأهمية التصويت، لكنها في نفس الوقت مرتابة ومترددة.
فهؤلاء يعبرون من خلال تصويتهم هذا عن أهميته، وفي نفس الوقت يؤكدون أن تصويتهم لا يجدي نفعا. وهذا ما يمكن تصنيفه ضمن الإمتناع الإنتخابي الذي قد يتخذ مستويات متباينة ومتنوعة

المطـلــب الثانــي:
الامتنـــاع السيــاســــي/ الإنتخـابــي

الإمتناع باعتباره تعبيرمن تعبيرات السلوك الإنتخابي قد يأتي كمحصلة لعدم الإقتناع بالمشهد السياسي، ولتحليل ظاهرة الإمتناع السياسي هناك مدخلين أساسيين:

 الــمدخــل الأول:
تحليل سياسي يمكن تفسيره بضعف سمعة المرشحين، تشابه البرامج الحزبية، ثم المعرفة المسبقة بنتيجة الأنتخابات، وضعف اقتناع الناخبين بجدوى الإقتراع (رهان سياسي ومؤسساتي) .
في هذا المستوى يأتي الإهتمام بالأسباب السياسية بالدرجة الأولى، في سياق البحث عن الحوافز التي قد تخلق عند الفرد، كالشعور بالضغينة تجاه الانتخابات، وتجاه النسق السياسي، ناهيك عن شعوره باللامبالاة، مما يولد نوعا من الحقد والضغينة والعداوة تجاه العملية الانتخابية.

 الـمدخــل الثـانــي:
تحليل سوسيولوجي يقلل من تأثير عوامل الشعور باللامبالاة في تفسير ظاهرة التصويت، ويؤكد على عوامل أخرى كالشعور باللاشرعية أو ضعف الإندماج الإجتماعي ودورها – هذه العوامل- في تفسير الظاهرة ونبش أغوارها.

لقد أبرزت دراسات حديثة بأن متغيرات السن والجنس والإنتماءات المهنية، لا يمكن اعتبارها محددات لتفسير ظاهرة الإمتناع، بخلاف مستوى الدخل، فضلا عن الإنتماءات الجغرافية، بحيث أننا نسجل مشاركة أقوى في المناطق القروية نظرا لحضور الناخبين وقربهم من المنتخبين. وفي المقابل تكون المشاركة أقل في المناطق الحضرية .

وفي هذا السياق نجد “أ-لان كلوط” الذي توصل في دراسته التي نشرت سنة 1968، إلى أن الإمتناع يتراجع بحسب درجة الإندماج في المجتمع ” أهمية الجو المعاشي، مكان السكن، مكان العمل، التلاحم الاجتماعي.. ” وكذا بالنظر الى المشاركة الاجتماعية: »الممارسة الدينية، الانخراط في العمل الجمعوي والنقابي ” .
الحاصل إذن أن الإمتناع وإن كان منتوجا لمعيار ثقافي مشروط بعوامل اجتماعية، فإنه يبقى محددا أيضا بالمواقع السوسيوإقتصادية الموضوعية للأفراد كالسن، الجنس، الدخل اليومي، المهن والسكن.. ومواقعهم الذاتية كانتماءاتهم الدينية والطبقية، ناهيك عن هوياتهم الحزبية، دون إغفال تأثير الظروف السياسية لكل فترة انتخابية، والأمر يتعلق هنا بطبيعة المرشحين، طبيعة البرامج المقدمة، نمط الإقتراع وكل ما يتعلق بالنظام الإنتخابي ككل.

صفوة القول، أن التصويت يبقى دائما مرهونا أو محكوما برهانات انتخابية بالدرجة الأولى، فاحتكاك العرض الإنتخابي بالطلب الإنتخابي يترجم إلى سلوكيات ٱنتخابية تعزز بأوراق بيضاء أو ملغاة، ولم لا الإمتناع كليا عن التصويت .

المـطـلب الثالــث:
مسـتــويــات الإمتنــــاع

في سياق الحديث عن مستويات الإمتناع يتبادر إلى الذهن الصعود الهائل للأصوات الملغاة والأصوات البيضاء خلال كل محطة انتخابية تشريعية.
فالإمتناع عن التصويت الذي شهدته الإنتخابات التشريعية ليوم 7 شتنبر 2007 كان متوقعا على كل حال حيث تم إنشاء “جمعية 2007 دابا” من أجل أن تتولى قضية حث الناخبين على المشاركة ومساعدتهم على ضبط وسائل التعاطي مع العملية الإنتخابية بمختلف تعقيداتها، وتحفيزهم على المساهمة في الإقتراع. إلا أن الإمتناع عن التصويت كان بارزا للعيان لحظة الإقتراع وعقب نهاية العملية الإنتخابية والإعلان عن النتائج.

وبالتالي، فقد اتخذ الإمتناع أشكالا مختلفة يمكن إجمالها في ثلاث مستويات رئيسية:

* المستـــوى الأول: عــــدم التقييـــد في اللوائـــح الإنتخـــابيــة:
ويقصد باللوائح الإنتخابية تلك القوائم التي يتم فيها حصر المواطنين الذين تتوفر فيهم شروط التصويت، وقد ظهرت في المغرب منذ ظهير 1959٭.
وتعد عملية وضع اللوائح الإنتخابية مرحلة هامة ضمن الأعمال التحضيرية للإنتخابات، حيث تمكن من تسجيل الذين يحق لهم التصويت وإقصاء من لا يحق لهم ذلك .
ونظرا لأهمية اللوائح الإنتخابية تتم مراجعتها عند الضرورة لإضافة من أصبح يتوفر على حق التسجيل وشطب من فقد هذا الحق، مع الإنتباه إلى عدم تكرار التسجيل.
وبالرغم من التنصيص قانونيا على إجبارية التسجيل في اللوائح الإنتخابية وفق المادة الثانية من مدونة الإنتخابات 9-97 ، إلا أنها لم تربط بين إجبارية التسجيل وإجبارية الإقتراع، فليس كل من ورد ٱسمه في اللوائح الإنتخابية مجبرا على ممارسة التصويت. إلا أنه وبالرغم من المحاولات التي بذلت قصد مراجعة اللوائح الإنتخابية فإن فئات عريضة من المواطنين أبت التقييد في اللوائح، ولم تبد اهتماما يذكر بمجريات المراجعة.

والحاصل أن الإمتناع عن التقييد في اللوائح الإنتخابية يعتبر بشكل أو بآخر تعبيرا عن مستوى العزوف، وبالتالي فإن هذا المستوى من الإمتناع لهو من المؤشرات الأولية التي تفيد ضعف الإستعدادات السياسية لدى فئات واسعة من المواطنين للمشاركة الإنتخابية.

وبعيدا عن الممتنعين عن التسجيل في اللوائح الاانتخابية، فان اللحظة الانتخابية قد تفرز أشكالا جديدة من الامتناع تهم المسجلين الذين يملكون حق ممارسة التصويت، ومن بين هذه الأشكال عدم ولوج مكاتب التصويت.

* المستـــوى الثــانــــي: الامتـنـــاع عن التصـــــويـــت
تتفاقم ظاهرة الإمتناع عن التصويت وتتزايد وثيرتها عبر مختلف المحطات الإنتخابية المتعاقبة.
وبتأمل نسب عدم التصويت منذ الإنتخابات التشريعية لسنة 1963، يمكن ٱستخلاص نتائج في غاية الأهمية:

جدول التطور الكرونولوجي للإمتناع عن التصويت

أنظر النسخة المرفقة

بملاحظة الجدول أعلاه يبرز بجلاء الطابع التنازلي للمشاركة الإنتخابية عبر إعمال حق التصويت، مع ضرورة الإنتباه إلى أن نسبة الإمتناع في ٱنتخابات 2007 شكلت حالة ٱنحدار شديد، فإذا كان الإمتناع عن التقييد في اللوائح الإنتخابية نوع من العزوف عن العمل السياسي والشأن العام بصفة عامة، فإن الملاحظة الأساسية التي جاءت بها الإنتخابات الأخيرة هي ظاهرة الإمتناع عن التصويت، حيث لم يكلف معظم المسجلين في اللوائح الإنتخابية أنفسهم عناء الذهاب إالى صناديق الاقتراع.

وإذا كان هذا السلوك مستوى من مستويات الإمتناع، فإن هناك مستوى آخر يعتبر أكثر دلالة ومغزى، وهو ظاهرة الأصوات الملغاة والأصوات البيضاء.

* المستــوى الثــالــث: البطائق الملغــاة والأصــوات البيضــــــاء٭:
تشهد المجتمعات السائرة في طريق النمو ظاهرة الأصوات الملغاة، ويعزى ذلك في الغالب إلى آفة الأمية وغياب الوعي، إالا أن ذلك قد يكون أيضا نتيجة اليأس والإحباط والرفض.. عندما يتعلق الأمر بالمدن الكبرى والمناطق الحضرية .

لقد شكل اقتراع السابع من شتنبر محطة لٱختبار مستوى المشاركة الإنتخابية، فصارت مكاتب التصويت بالنسبة للكثير من الناخبين معزلا للمشاركة وفق مقاساتهم الخاصة، والتعبير عن مكبوتاتهم السياسية التي أوحت بٱختناق فضاءات التواصل ومجالات الإحتجاج.
فمنهم من فضل التشطيب على اللائحة بتعبير منه عن حالات الرفض، ومنهم من رماها داخل الصندوق كما هي دون أن يكلف نفسه عناء الإختيار و كأن لسان حاله يقول: ” لم أجد بين أولئك من أمنحه ثقتي أو صوتي..”
أزمة التصويت هاته تجد امتداداتها في العزوف عن الممارسة السياسية، واحتقار العمل السياسي والإستهزاء بٱمتهانه.
وهذا ما يفصح عنه الجدول الخاص بالنتائج الانتخابية خلال اقتراع شتنبر 2007 (خاص بمدينة طنجة).

أنظر النسخة المرفقة

صحيح أن الأمية تتحمل جزءا من المسؤولية، إلا أنها لا تتحملها كاملة، فمن يستطيع كتابة عبارات احتجاجية على قائمة المرشحين يستطيع أن يميز في اختياراته.

المبحــث الثـانــي:
فـــي العـزوف الانتخــابــي

ماهي مظاهر العزوف الإنتخابي ودلالاته؟
وقبل ذلك ماهو مفهوم العزوف؟
وما مدى الترابط بين العزوف السياسي والعزوف الإنتخابي؟؟

هذا ما سنحاول التطرق له من خلال الاتي:

المطلب الاول: في مفهوم العزوف ودلالاته
المطلب الثاني : في مظاهر العزوف
المطلب الثالث: في مستويات العزوف

المطـلــب الأول:
مفـهــــوم العـــزوف ودلالاتــــــه

نعني بالعزوف أو l’abstention ٭ حسب منهل الدكتور سهيل إدريس، الإمتناع والإمساك والكف والإستنكاف والإحجام عن التصويت، ومنها abstentionnisme أي استنكافية، وتعني نزعة الإمتناع عن التصويت، ومستنكف abstentionniste أي ممتنع عن التصويت.

وفي هذا الإطار نجد الأستاذ محمد الساسي يعطي مفهومين للعزوف، أو بالأحرى يقسم مفهوم العزوف الإنتخابي تحديدا إلى قسمين :
المفهوم الأول واسع، ويعني عدم وصول المواطن الذي هو في سن التصويت إلى مرحلة الإدلاء بصوته لفائدة معينة أو مرشح معين، بحركته الحرة ودون وجود عائق قانوني أو مادي.
والثاني مفهوم ضيق ويحصره في حالة الناخب الذي يمتنع عن المشاركة في الإقتراع.
وهناك عزوف عن المشاركة في الحياة السياسية ككل، والعزوف عن التصويت هو جزء من هذا الكل اي الحياة السياسية.
والتصويت في الإنتخابات يعتبر أسلوبا منفصلا، من أساليب المشاركة السياسية، عن أنشطة الأحزاب والحملات الانتخابية.
ويذهب Buffalo survey إلى أن التصويت يرتبط بأعمال وطنية مثل: حب الوطن، إظهار الوطنية، ٱحترام الشرطة… ما يشير إلى أن التصويت في الإنتخابات يعتبر عملا يؤكد الفرد من خلاله على إخلاصه وولائه للنظام، أكثر من كونه عملا يتقدم من خلاله بمطالبه للنظام السياسي .
وفي نفس السياق هناك من يصنف العزوف إلى صنفين، أو بالأحرى وجهين، عزوف عن دراية ووعي، وهو العزوف الحقيقي بحيث يأخذ الشخص موقفا يعبر فيه عن رفضه لسياسة ما .
وعزوف عن جهل مطلق، ويتم عبر جهل الأشخاص بمعنى الانتخابات، فهناك نسبة كبيرة من المواطنين تجهل كل شيء عن الشأن السياسي، وترى أن أمور السياسة ليست من شأن المواطن بل هي من اختصاص نخبة معينة.

ما يعنينا خلال موضوعنا هذا هو العزوف الإنتخابي أو الإمتناع عن التصويت.
فقد كان هذا الأخير هو الظاهرة المثيرة التي سجلها الملاحظون والمحللون الذين تناولوا بالدرس والمتابعة مجريات الإنتخابات التشريعية الأخيرة بالمغرب.
وحسب نتائج تلك الإنتخابات، فإن 63 في المائة من الناخبين امتنعوا عن التصويت، لكن هذا الرقم لا يعكس حقيقة المشكل المطروح، فبالإعتماد على المفهوم الواسع للعزوف نصل الى رقم للمشاركة الفعلية يبلغ أو يفوق قليلا نسبة 20 في المائة.

فإذا كان المواطنون الذين هم في سن التصويت يقدرون ربما بحوالي 20 مليون مواطن، واذا خصمنا من هذا الرقم التالي:

– عدد الذين لم يسجلوا أنفسهم أصلا في اللوائح الإنتخابية وهو المظهر الأول للعزوف.
– عدد الذين سجلوا أنفسهم في اللوائح الإنتخابية ولكنهم لم يشاركوا في الإاقتراع.
– عدد الذين شاركوا في الإقتراع وتعمدوا تقديم أوراق ملغاة.

ويظهر أن هناك تيارا عاما للناخبين الذين ٱختاروا هذا الشكل من التعبير عن الإحتجاج، فقد تواترت بصورة ملفتة حالات الناخبين الذين قاموا بالتشطيب على جميع الرموز دفعة واحدة، أو وضعوا كلمات وتعابير وشعارات غاضبة على ورقة التصويت، سنصل إذن الى أن ثلاثة أرباع الذين هم في سن التصويت على الأقل، رفضوا القيام بكل الحركات أو بعض الحركات المفضية إلى التعبير الصريح عن ٱختيارهم الإنتخابي .

وفي سبيل تحديد مفهوم العزوف، لابد من الإشارة هنا إلى أن الفعل السياسي في مفهومه الواسع، لا يتطابق بالضرورة مع النشاط الحزبي، ومن ثم تفرض الضرورة المنهجية تحديد المستويات عند مقاربة مفهوم العزوف، فبفهم معين للعمل السياسي من خلال حصره في الإنخراط في الأحزاب والمنظمات المرتبطة بها، والمشاركة في الإنتخابات، يمكن الإقرار بٱبتعاد المواطن المغربي عموما، والشباب خصوصا، عن الفعل السياسي، وسيادة نظرة سلبية لديه تجاه الأحزاب والإنتخابات والمؤسسات المنتخبة، وهذا لا يعني بالضرورة العزوف السياسي بمعناه الواسع.

إن المقاربة الأوسع للنشاط العمومي تقلل من عمق الفجوة بين المواطنين والسياسة بمعناها الواسع. وهذا ما يمكن استقراؤه عبر مختلف الأنشطة المدنية والحركات الإحتجاجية التي ينخرط فيها معظم المواطنين من خارج التشكيلات السياسية.
فكلمة العزوف في حد ذاتها تقتضي منا التدقيق والتمحيص، بمعنى، هل نحن فعلا بصدد الحديث عن عزوف فئة عمرية عريضة عن الفعل السياسي؟ أم أن العزوف يقتصر فقط على جزء من هذا الفعل السياسي؟؟

فإذا كان المقصود هو فهم ضيق للفعل السياسي أي الإنخراط في الأحزاب والمنظمات والمشاركة في الإنتخابات، يمكن قبول وصف الوضع بالعزوف، أما إذ ا تبنينا الفهم الواسع للفعل السياسي، فإننا سنلاحظ أن هناك عدة حركات احتجاجية منظمة من خارج الأحزاب والنقابات والهيئات، إلى درجة أنها أضحت مألوفة لدى الجميع، ولا يمكن نكران أن هذه الحركات الإحتجاجية هي شكل من أشكال الفعل السياسي.

فهل يتعلق الأمر إذن (في المغرب) بعزوف عن الإنخراط في الأحزاب السياسية والمشاركة في الانتخابات. وهذا يعني أن الشباب مازال يتطلع للمشاركة في المجال السياسي، لكن عبر قنوات أخرى وأساليب أخرى .

والحاصل العزوف الإنتخابي أو الإمتناع عن التصويت في الإنتخابات كمحصلة لضعف المشاركة السياسية أضحى من أبرز الإختلالات التي تعتري المشهد السياسي المغربي، حيث تصاعدت بشكل مثير ولافت..

فلماذا الاستغناء والتنازل عن حق دستوري، ناضلت الشعوب وقدمت الكثير من التضحيات الجسام لإقراره؟؟٭

وبناء على ما سبق سنؤسس لمظاهر العزوف وذلك خلال المطلب الثاني.

المــطـلـــب الثـــانــــي:
مظــــــــاهـر العــــزوف الانتخـــابــــي

لقد أضحت ظاهرة العزوف الإنتخابي وٱنخفاض نسب المشاركة السياسية داخل النسق السياسي المغربي ظاهرة ملحوظة، وذلك منذ استحقاقات سنة 1993، إلا أن مكمن الإشكال هو ذلك التزايد المتواصل لضعف الإقبال على صناديق الإقتراع من قبل الهيأة الناخبة، وتحديدا زاوية المشاركة الإنتخابية التي وسمت الإستحقاقات الأخيرة. أي أّن العزوف عن المشاركة في الإنتخابات غدت ظاهرة اجتماعية تتكرر وتنمو وتتواتر عبر الزمان والمكان.

يبدو ذلك جليا عند العودة الى النسب المائوية المتدنية للمشاركة في الانتخابات والنسب المائوية الهزيلة للمشاركة في الحياة السياسية الفعلية ، وبالنظر أيضا الى العزوف الشبابي الواضح عن المجال السياسي برمته.
فالإقبال الكثيف أو الضعيف على صناديق الإقتراع يعد مؤشرا قويا على الإهتمام بالحياة السياسية وبالشأن العام، فالممارسة الديمقراطية السليمة تجد ترجمتها المباشرة والتعبير الفعلي عنها في حصيلة الأصوات المعبر عنها والتي تكون في صف هذا الطرف أو ذاك.

إلا أنه وبالعودة إلى كرونولوجيا الإنتخابات في المغرب، نجد أن ظاهرة مقاطعة الإنتخابات تتزايد وبحدة شديدة، وٱزداد الأمر تفاقما خلال الإقتراع الأخير حيث شكل (اقتراع 7 شتنبر 2007) “صفارة إنذار” بخصوص النسبة المتدنية للمشاركين أو بالأحرى، جسدت الإنتخابات الأخيرة حالة عدم اكتراث سياسي مزمنة وعميقة، وفقدان للأمل، وإحساس شبه جماعي باللاجدوى، الأمر الذي ولد أسئلة فعلية تتطلب العمل على بسطها للنقاش. فالأمر لا يتحمل تجاهلا أو تأجيلا، بل يستدعي الإهتمام والنظر والتساؤل عن الأسباب القريبة والبعيدة لذلك، كما يقتضي الدعوة إلى حوار جماعي وجاد في الطرق والوسائل المشروعة التي قد تفضي إلى دفع الخصومة مع الشأن السياسي وبالضبط مع التصويت.

الحاصل إذن، أن ظاهرة / العزوف السياسي / المرتبطة بالإمتناع عن التصويت أو الإنتماء للأحزاب، وعدم الإقبال على الصحافة الحزبيةّ، سواء في شكلها الواعي المرتبط بمواقف واضحة من العمل السياسي أو الحزبي، أو مظهرها المنطوي على الجهل بأمور السياسية وما يتعلق بها من انتخابات و تحزب… أضحت من ضمن أبرز الإختلالات العميقة التي تعتري المشهد السياسي المغربي في السنوات الأخيرة وهي تتصاعد بشكل لافت ومثير . *

والحقيقة أن هذا العزوف يجد أساسه في العديد من العوامل والإكراهات الإجتماعية والسياسية التي يعرفها المغرب والتي تنفر من العمل السياسي، ويتخذ هذا الأخير مظاهر مختلفة يمكن اعتبارها وقائع موضوعية، ومظاهر اجتماعية خطيرة أصبحت تتطلب التدخل والحزم الجديين للقضاء عليها والحد منها، ويحدد عالم الإجتماع “مصطفى محسن” هذه المظاهر في التالي:

 عـــدم الوعـــي السيــاســـــــــــي:

ويتجلى في هشاشة الثقافة السياسية لدى المواطن، وعدم تفاعل المواطنين مع السياسة العامة للبلاد، وعدم فهم مغزاها وكذا عدم مناقشة ونقد الأفكار والبرامج السياسية الموجودة في الساحة. وعادة ما يكون غياب الوعي مرتبط أساسا بالأمية وهي آفة منتشرة داخل المجتمع المغربي.

 الأمــيــــــــــــــــــة:

وتتجلى مظاهرها المستفحلة في صفوف فئات عريضة من المواطنين، حيث تصل نسبة الأمية حسب الأرقام الرسمية إلى 55 في المائة، وهي نسبة مرتفعة، لذلك فدراسة السلوك الإنتخابي للكتلة الناخبة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستبعد هذا المحدد الذي يؤثر على أكثر من مستوى، وفي مقدمته أن معيار الإختيار لا يكون على أساس البرنامج الذي يتقدم به الحزب، ولكن على أساس الشخص الذي تربطه بالناخب صلة ما .
ففي أوساط الأميين تجد اللامبالاة السياسية أرضا خصبة لكي تنمو وتثمر ثمارها، حيث تسود بين الأميين ظاهرة الإمتثال التام للسلطة القائمة والإنصياع الكامل لأوامرها مهما كانت، وعدم الإكتراث بالنشاط السياسي وقضايا السياسة ككل .

ومن هنا كانت للأمية مساهمة كبيرة في تثبيت الإمتناع عن المشاركة مادام المواطن البسيط غير المتعلم لا يملك القدرة على التمييز بين الأحزاب وتفهم خطاباتها وبرامجها وغير ذلك.

وهناك من الباحثين من يضيف مظاهر أخرى من بينها:

 الـفـقــــــــــــــــــر:

وشيوع الفاقة داخل قطاعات واسعة من المواطنين، وضعف الدخل القومي الخام، فهناك حوالي15 في المائة من السكان تعيش تحت ظروف الفقر، كما يعيش 60 في المائة من نسبة الفقراء بالعالم القروي، في الوقت الذي تتزايد فيه نسبة الفقر في المدن، ويمكن اعتبار 25 في المائة من إجمالي السكان مهددين بالفقر في أية لحظة .

والحاصل، أنه يمكن إجمال مظاهر العزوف الإنتخابي ودلالاته في تدني المكانة السياسية والإجتماعية للأحزاب السياسية حيث وصلت إلى درجة لم تعد قادرة على إقناع المواطنين وتأطيرهم، وعدم تأسيس مجتمع مدني فاعل و فعال في الحقل السياسي، رغم أنه بدأ يأخذ موقعه بين مكونات المجتمع، كل ذلك وغيره من العوامل تساهم في إضعاف الوعي السياسي لدى المواطن وتكريس الهشاشة السياسية لديه و لعل ذلك راجع بالأساس إلى هشاشة الحالة الإجتماعية للمواطن بالدرجة الأولى.
وبالعودة إلى الإنتخابات التشريعية الأخيرة (7 شتنبير 2007) فإنها عرفت عزوفا انتخابيا كبيرا، بالرغم من أنها جاءت في سياق تميز بانتظامية المسلسل الإنتخابي وباتساع هامش الحرية الإنتخابية، واتسمت بانفتاح إعلامي لم يسبق له مثيل في ظل التجارب الإنتخابية الفارطة، وتزايدت أدوار المجتمع المدني في العملية الانتخابية ناهيك عن ظهور المراقبة الدولية، واتساع اقتصاد الإنتخابات الذي يؤمن لعشرات الآلاف من الشباب تشغيلا موسميا.

والحاصل أنها – الإنتخابات الأخيرة – عرفت هزالا في عملية التصويت، أكدتها النتائج المدلى بها بعد انتهاء الإقتراع، وزكتها المواقف السياسية للفاعلين السياسيين، حيث سارعت مختلف الفعاليات إلى التنبيه بمدى خطورة الظاهرة، والدعوة إلى العمل الجاد لتفادي تكرارها.
وفي الفرع التالي قراءة في نسبة المشاركة، لنتطرق بعد ذلك في الفصل الثاني إلى أهم الأسباب والعوامل التي شجعت المواطن المغربي وتحديدا المواطن الطنجي على العزوف الإنتخابي خاصة وأن مدينة طنجة كانت من ضمن المدن التي احتلت الرتب الأولى في تدني نسبة المشاركة الإنتخابية.

المـطـلــب الثـالـــث:
مستــويــات العـزوف الانتخـــابـــي

قد تتعدد دوافع العزوف وأسبابه بتعدد دوافع المشاركة فقد تكون القناعة بضرورة إثبات المواقف الشخصية أو الإحساس بواجب المواطنة أو الخضوع لإنتماء سياسي أوإجتماعي سببا رئيسيا للمشاركة، وفي المقابل، وخصوصا عند ترسخ ثقافة اللامبالاة بالشأن السياسي حيث أصبحت غالبية المجتمع تنظرإلى السياسة والعمل السياسي على أنها مرادفا للفساد، ولم تعد ترى جدوى من ممارستها، ولا أدل على ذلك من الأرقام الكبيرة من الممتنعين، والتي يشكلها أساسا الرافضون للتسجيل في اللوائع الإنتخابية رغم توفرهم على الشروط اللازمة لذلك، وبرغم الجهد الاعلامي الكبير الذي تبذله الدولة في المنابر الإعلامية، ومع الحملات التحسيسية التي تجندت لها الأحزاب السياسية والعديد من منظمات المجتمع المدني.

وفيما يتعلق بمستويات العزوف الإنتخابي فقد أوجزها الأستاذ “مصطفى محسن” من خلال رصده للسلوك الإنتخابي في المجتمع المغربي في التالي :

أ‌- عــزوف مــوقـفـــــــــي: مبني ومؤسس، وواع بأهدافه ومراهناته السياسية
والاجتماعية، ويفترض أن يهم هذا النمط شرائح وفئات اجتماعية ممتلكة لأشكال متفاوتة
– بالطبع في مضمونها ومعناها- من الحس السياسي أو الثقافة السياسية والإجتماعية الموجهة.

ب‌- عــزوف نــاجـم عن بـدائــل استقطـــاب متـــعددة: مثل الإنشغال بثقل أعباء اليومي
وبعض أشكال التدين أوالتصوف، أو تفضيل العمل الجمعوي والثقافي أوتعاطي المخدرات وارتياد المقاهي (الأنترنت) ونوادي الألعاب الرياضية أو الفنية أو الإلكترونية.

ت‌- عــزوف مبـعثــه عــدة عـوامــل مـوضوعيــة: بالأساس كالأمية والفقر المادي
والمعنوي والعوائق الجغرافية، وكذلك طبيعة وأسلوب الإقتراع وما يرتبط به من تعقيدات أو مشكلات فنية تنظيمية وإدارية مختلفة، فقد لوحظ عدم توصل بعض الناخبين ببطائقهم الإنتخابية على سبيل المثال.

ث‌- عــزوف لامبــال ناتــج عن نفــور مجـانــي من المشـاركــة السياسيــة: إذ هناك
العديد من المواطينين من الجنسين، ومن مختلف الشرائح والأجيال من لم يشارك طوال حياته في أي محطة انتخابية، كما لم يكن له أي أهتمام مباشر بالشأن السياسي أوالحزبي، إلا أن هذا النمط من العزوف له بواعثه السيكولوجية والسوسيولوجية التي تجعله، كغيره من أشكال السلوك السياسي والإجتماعي.

إن الدلالات الإجتماعية للعزوف الإنتخابي تتعدد وتختلف باختلاف العوامل والمعطيات السوسيولوجية والثقافية للمواطن المغربي، فالعزوف عن التصويت لايعني أن المواطن المغربي لايمنح أي اهتمام للإنتخابات، ولايعني أيضا أن تلك الإنتخابات لاتمثل حدثا اجتماعيا بالنسبة له، بل على العكس فالناس يترقبون موعدها، ويتتبعون وقائعها و أحداثها ويعيشون أجواءها، كما يتفاعلون معها بدرجات متفاوتة، وذلك وفق مستوى الثقافة السياسية السائدة لدى كل مواطن، فالمشاركة تترجم في الواقع طبيعة الثقافة السياسية السائدة لدى المجتمع، فإذا كانت هذه الثقافة ديمقراطية فإن الجو العام الذي يحيط بمشاركة المواطنين يطبعه الإنفتاح وحرية الإختيار وفرض سلطة الرأي العام، بينما تسود في الحالة المعاكسة سلطة القهر والترهيب وفرض الإختيار وتزوير إرادة ذلك الرأي العام .

فلماذا الإمتناع عن التصويت؟؟ ولماذا العزوف عن المشاركة الإنتخابية؟؟
هذا ما سنحاول التطرق إليه خلال هذه الدراسة الميدانية لكن ذلك بعد قراءة وجيزة في نسبة المشاركة الإانتخابية للإنتخابات الأخيرة.

قـــراءة فـي ضعــــف المشــاركـة الإنتخـــابيــة
اقتراع 7 شتنبر 2007

قد لانضيف جديدا إذا قلنا أن المشاركة السياسية تقاس وفق العديد من الإحصاءات التي ترصد عدد الناخبين المقيدين بالجداول الإنتخابية، ونسبة الإدلاء بالأصوات وإجمالي الأصوات، والأصوات الباطلة أو الملغاة، وتعتبر زيادة أو ارتفاع نسبة المشاركة دليلا على حيوية النظام السياسي وعلى ثقة الناخبين في العملية السياسية والإنتخابية تحديدا ، فالمشاركة متى توافرت شروطها ومقوماتها بصفتها إحدى الركائز التي تبنى عليها الديمقراطية، تكون بمثابة تعبير عن المواطنة، وشكلا من أشكال المساهمة في تدبير الشأن العام وممارسة الحقوق السياسية والتعبير عن الآراء والميول.

وقد أثيرت العديد من التخمينات قبل موعد الإنتخابات بخصوص نسبة المشاركة، وأظهرت التقارير الأولية أن مشاركة الهيئة الناخبة المسجلة ستصل إلى نسبة 37 في المائة وأن عددا كبيرا من هذه الأصوات لايعدو كونه تصويتا احتجاجيا للتعبيرعن عدم الرضا عن السياق السياسي ككل أو الخيارات المتاحة، ويبدو على أرض الواقع أن مايربو قليلا عن 25 في المائة من الناخبين المغاربة المحتملين يدلون بأصواتهم لصالح اللوائح المقدمة.

وجرت الإنتخابات المغربية في وقتها المحدد سلفا، بمشاركة 33 حزبا سياسيا، وثلاث عشرة قائمة إنتخابية مستقلة يتبارون فيما بينهم للفوز بمقاعد مجلس النواب البالغ عددها 325 مقعدا، فيما يخصص ثلاثون مقعدا للنساء وفقا لما يعرف بنظام “الكوطا” ، والذي جرى تطبيقه في الإنتخابات التشريعية لسنة 2002.

لكن المفاجأة التي جاءت بها هذه الإنتخابات هي أن التخمينات التي وسمت المرحلة السابقة على الإقتراع بخصوص ضعف المشاركة قد زكتها الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية، وكانت مقاطعة ثلثي الناخبين لصناديق الإقتراع.
فقد بلغت المشاركة النهائية نسبة 37 % أي 5700000 ناخب، حيث سجلت أعلى نسبة في الأقاليم الجنوبية الصحراوية، فبلغت بدائرة وادي الذهب والگويرة 62 %، وسجلت أضعف النسب في الدار البيضاء %27، ومنطقتي طنجة وتطوان بشمال المغرب نسبة 34، بالإضافة إلى المناطق الشرقية بنسبة 31 %، وتجدر الإشارة إلى أن المجال القروي سجل أهم نسبة مشاركة حيث وصلت إلى 43% مقابل 30 % في المجال الحضري.
وبالتالي تراجعت نسبة التصويت بعدما شهدت أعلى مستوى لها في الماضي وتحديدا في اقتراع سنة 1984 حيث سجلت نسبة 67,43 %، بحيث مثلت هذه النسبة العالية من الإمتناع عن التصويت المسجلة هذا العام انتكاسة للسلطات والطبقة السياسية في المغرب، خاصة وأن السلطات كانت تأمل في تسجيل نسبة تصويت عالية كمحصلة.

أنظر النسخة المرفقة

إن القراءة الموضوعية لظاهرة العزوف الإنتخابي ينبغي أن تنطلق من تجارب الماضي، ذلك أن الإنتخابات السابقة عندما كانت ترتفع نسبة المشاركة فيها إلى أرقام قياسية كان الإعتقاد السائد أن تلك النسب لم تكن دالة على واقع صحي أو ارتفاع في مستوى الوعي عند الناخبين، وإنما كانت نتيجة لتدخل سافر أو الإكراه الذي كانت تمارسه الإدارة على المواطنين، وأيضا من خلال تزوير صناديق الإقتراع عن طريق تضخيم نسبة المشاركة.

نتيجة لهذا المعطى يمكن اعتبار من جهة أولى أن ما حدث في الإنتخابات الأخيرة من عزوف انتخابي، يعتبر دلالة عن تحرر المواطن من تدخلات السلطة الإجبارية وممارستهم الحرة لحقهم في الإختيار، ومن جهة أخرى قد يعود إلى عدم الإاهتمام بالعمل السياسي نتيجة للإاحباط واختلاط الخطابات الحزبية .
والحاصل أن حملات التوعية لم تفلح في تحفيز المواطنين على المشاركة، وبالذات فئة الشباب، بل كانوا أبرز الغائبين عن يوم الإاقتراع.
واعتبرت نسبة المشاركة في التصويت التي بلغت كما سبقت الإاشارة إلى ذلك، الى 37 في المائة هي الأدنى في تاريخ المغرب الإنتخابي مقارنة بنسبة 51 % في سنة 2002، و58% سنة 1997.
وعندما نقارن نسبة 37 في المائة مع طبيعة ونوعية المبادرات التي تبينها السلطات الوصية لإنجاح الإاستحقاق، يتبين أن الدرس الأول من الإنتخابات الأخيرة، لم يكن المشهد الحكومي، ولا نسبة الأحزاب، وإنما دلالات نسبة المقاطعة .
وفي معرض تبرير هذا العزوف السياسي/ الإنتخابي أكد وزير الداخلية بقوله ” أنه يمكن اعتبار نسبة المشاركة (37 في المائة) عادية إذا ما قورنت بمعدلات المشاركة في الإستشارات الإنتخابية في بعض الدول الديمقراطية خاصة وأن الإقتراع تزامن مع عدد من المواعيد التي تحد موضوعيا من تفرغ الناخبين .
إلا أنه لامجال للمقارنة مع وجود الفارق، والفرق بين المغرب باعتباره ضمن بلدان العالم الثالث السائرة في طريق الديمقراطية، وبين الدول الغربية الديمقراطية هو فرق شاسع يشمل شتى المجالات والميادين، ويمكن اعتبار الثقافة السياسية والأوضاع الإجتماعية والإقتصادية السائدة في كل بلد من ضمن أبرز الفروق، فالناخب الغربي عندما يقرر ألا يدلي بصوته في الإنتخابات فإن قراره يمكن أن يكون نابعا من إرادته أو بالأحرى، رغبته في الحفاظ على التشكيلة القائمة وعلى النخبة السائدة، وهو ما أضحى يعرف بظاهرة الإشباع السياسي بالإستناد إلى طغيان الممارسة الديموقراطية، وإلى الظروف الإجتماعية والإقتصادية المرضية.
أما الناخب المغربي عندما يقرر العزوف عن التصويت، فإن قراره هذا يكون محكوما باعتبارات مغايرة تماما لنظيره الغربي، وبالتالي فإن مجال المقارنة يبدو غير متكافئ، وربما غير وارد تماما.

وقد توالت الآراء والمواقف حول ضعف المشاركة، مع شبه إجماع على العزوف الإنتخابي، واختلاف في التفسيرات والتحليلات، وفي هذا السياق، أكد الوزير الأول عباس الفاسي على أن ضعف نسبة المشاركة ليس وليد اقتراع 7 شتنبر، وأن هذا المنحى يسائل الجميع سلطات عمومية وأحزابا سياسية ومجتمعا مدنيا، واعلاما، من أجل الإنخراط في رفع نسبة المشاركة في الإنتخابات المقبلة وتحقيق المشاركة السياسية للمواطنين.
كما عبرت الأحزاب السياسية أيضا عن رأيها في هذا العزوف، وأبدت انزعاجها من هذه الظاهرة وعبرت عن مخاوفها من استمرارها، ومن أثرها السلبي على مجريات الحياة السياسية المغربية..
وهكذا، عبر حزب التقدم والإشتراكية عن أسفه لكون” مجهودات الدولة والأحزاب والمجتمع المدني لم تفلح بالقدر الكافي في الرفع من مستوى المشاركة المواطنة حيث انخفض الى 37 في المائة. ”
وجاء في كلمة محمد اليازغي أمام المجلس الوطني للإتحاد الإشتراكي ” نحن لا نبالغ إذا قلنا اليوم أن ارتفاع نسبة هذا العزوف هي أدعى إلى القلق والإاستنفار من انخفاض عدد المقاعد التي حصل عليها حزبنا”
وفي نفس السياق، سجل حزب النهضة والفضيلة أن أكثر من ثلثي المغاربة، ساخطون، ولم يصوتوا لصالح البرلمان الحالي، وهذه إشارة قوية إلى من يهمه الأمر”
في حين أكد حزب العدالة والتنمية أن نسبة معتبرة من المواطنين الذين لم يدلوا بأصواتهم لا يمكن تفسيرها فقط بالعزوف عن المشاركة، ولكن بحجم العراقيل التي وضعت في طريق العديد منهم وهم يحاولون القيام بواجبهم الوطني من قبل أعوان السلطة في الكثير من الدوائر الإنتخابية، وصعوبة معرفة العديد من الناخبين مكاتب تصويتهم، وهو ما حرمهم من آداء واجبهم الوطني .
وعلى غرار آراء ومواقف الأحزاب السياسية المغربية، جاءت ردود الفعل لدى الدول والمؤسسات السياسية والأحزاب الأجنبية مشيدة بالظروف التي جرت فيها الإنتخابات وبالتقدم الذي أحرزه المغرب في بناء مجتمع ديموقراطي.
فأكد وزير الشؤون الخارجية الإسباني “ميغيل أنخيل موراتينوس” أن المشاركة المتدنية في الإنتخابات التشريعية بالمغرب يشكل دليلا على أن الإقتراع كان حرا بشكل تام، وقال على هامش اجتماع غير رسمي مع نظرائه الأوروبيين في (فيينا دو كاستيلو) بالبرتغال على مستوى تفاعل السلطات العمومية وحرية المشاركة، بأن هذه الإنتخابات تعد الأفضل بين كل الإقتراعات التي تم تنظيمها إلى الآن بالبلد الجار، ويؤكد موراتينوس في نفس المقام على أنه مازال يتعين التحلي بوعي كبير ومشاركة سياسية للمواطنين المغاربةّ، غير أن المعطيات حول المشاركة تعكس بشكل نهائي إشارة مؤيدة لمسلسل الدمقرطة في المغرب .
إلا أن هذا لم يمنع الناطق الرسمي باسم الحزب الشعبي الإسباني “غوستافو دي اريستيغي” من التأكيد على أن نسبة المشاركة هذه تعد بمثابة رسالة ينبغي على الأحزاب السياسية وكذا الإادارة ومؤسسات الدولة أن يأخذوها بعين الإعتبار .

وبعيدا عن ردود الفعل الدولية العربية والأجنبية المشيدة بالتجربة المغربية وبالأجواء التي مرت بها الإنتخابات حيث اتسمت بالشفافية والنزاهة مقارنة مع نظيراتها السابقة، فإن نسبة المشاركة المتدنية فتحت الباب على مصراعيه، وأعادت طرح أسئلة عديدة من قبيل جدوى الانتخابات؟ جدوى التصويت وأهميته؟ بل الأكثر من ذلك، جدوى الحملات التوعوية والتحسيسية التي قامت بها مختلف الفعاليات السياسية والمدنية؟؟

في هذا السياق يقول الأستاذ محمد الطوزي بأنه لم يتم توصيل أهمية التصويت بشكل مناسب للناس حيث لم تكن هناك أية نقاشات حقيقية، سواء من قبل الحكومة أو المعارضة، كما أن برامج الأحزاب كانت عامة ومبهمة .
في حين عزى الأستاذ شكيب بدراوي نسبة المشاركة الضعيفة لعدم بذل الأحزاب السياسية لجهود كبيرة للتواصل مع الناخبين، وقال بأن الأحزاب الكبيرة مثل الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية وحزب الإستقلال، لم تعد تقوم بدورها السابق لنشر الوعي العام .

الجديد إذن، وهو أمر يمكن اعتباره إيجابيا حال مقارنته بالتجارب الإنتخابية السالفة، يتمثل في الإقرار الرسمي المعلن بوجود مشاركة متدنية، الأمر الذي أحرج كل الأطراف المسؤولة عن هذا الوضع، ووضعها أمام مسؤولياتها عسى أن تتحرك لإيجاد حلول ممكنة للتجاوز.
وهنا علق الأستاذ عبد الله البقالي قائلا: أن النسبة المعلنة هي نسبة حقيقية، وتؤشر على انتهاء زمان 99 %، لأن رصيدنا التاريخي في المشاركة الإانتخابية لا يسمح لنا للأسف بالحديث عن أرقام صحيحة والبناء عليها، وبالتالي فإان هذه النسبة تفرض قراءة جديدة لإعادة ترميم الحياة السياسية بالمغرب وإعادة الإعتبار للمؤسسات الدستورية والتشريعية بها .
كان من أهم التحديات المطروحة استعادة ثقة المواطن في العمل السياسي والمؤسسات المنتخبة، لتحصين الخيار الديموقراطي الإصلاحي، وتحصين حكامة وتدبير مختلف السلط والإدارات العمومية، وتخليق الحياة العامة بمحاربة الرشوة والفساد في دواليب الدولة ومؤسسات تدبير الشأن العام، وتوطيد استقلال القضاء، وإصلاح الإدارة وتصالحها مع المواطن، وغير ذلك من الإصلاحات التي من شأنها استرداد الثقة في المؤسسات السياسية حال إعمالها بشكل جيد وفعال.

ظاهرة العزوف الإنتخابي كمحصلة إاذن، دعت الأحزاب والسلطات الرسمية إلى قراءة معمقة لاستخلاص النتائج والعبر، لأن الظاهرة قد تؤدي في حال استمرارها وتعميق مفاهيمها، إلى نزوع المواطن المغربي نحو التشدد والعدمية، أو اللامبالاة والعدوانية، وعدم المسؤولية تجاه أي شيء.. حيث يبدو جليا من خلال القراءات والدراسات التي تناولت بالدراسة ظاهرة العزوف، أن المواطن المغربي لم يلمس دورا حقيقيا للمؤسسات الدستورية، وهو ما أقنع العديد من الناخبين بأن تصويتهم لن يحدث أي تغيير في الخريطة السياسية، كما أن أصواتهم لم ولن يكون لها دور مؤثر في رسم مستقبل البلاد، أو تدبير الشأن العام.

سنحاول من خلال هذه الدراسة الميدانية إذن الوقوف على أهم الأسباب والعوامل التي ساهمت في هذا العزوف، وذلك من خلال إجراء قراءة متمعنة في استمارات البحث، بهدف استكناه الخفي ومساءلة المشكل بكثير من الجسارة والتعمق وذلك عبر امتداد الفصول الأول، الثاني، الثالث والرابع.

الفــصـــل الأول:
فـــــي بنيــــة الإستمـــــارة

أولا: مكــونـات الاستـــمــارة:

توزعت استمارة البحث التي اعتمدنا لإجراء هذه الدراسة إلى أربعة أجزاء، وكل جزء منها يحتوي على نوع معين ومحدد من الأسئلة.
الجزء الأول يمكن اعتباره بمثابة مقدمة تضم المعلومات أو المعطيات المرجعية كالسن، المهنة، المستوى الدراسي والحالة العائلية.
الجزء الثاني متعلق بالمعطيات التقنية أو التنظيمية المرتبطة بالعملية الإنتخابية، كتوفر الشخص على بطاقة الناخب، وقبل ذلك هل هو مسجل في اللوائح الإنتخابية، هل توصل ببطاقة الناخب بسهولة ويسر… وغير ذلك.
أما الجزء الثالث فقد خصص للأسئلة المرتبطة – سواء بشكل مباشر أو غير مباشر- بإشكالية البحث من قبيل: ” هل شاركت في الإقتراع الأخير؟ وفي حال الإجابة بلا، ما السبب الذي حال دون ذلك؟” كما ضم هذا الجزء أيضا بعض الأسئلة المرتبطة بتقييم العملية الإنتخابية، وعملية التصويت تحديدا.
في حين خصصنا الجزء الأخير لإشكاليات مرتبطة أساسا بالحياة السياسية المغربية، كمكامن الضعف والخلل، متطلبات الإصلاح.. وكل ذلك وفق العينة المبحوثة.

وفي التالي بعض المعطيات الشخصية لتلك العينة:

ثانيا: البيـانـات الشخـصيـة للـعينــة المبـحــوثـــة:

ونقصد بالبيانات الشخصية، المعلومات المتعلقة بكل فرد، أي المعطيات المرجعية التي تشكل متغيرات مستقلة تتوزع حسب طبيعتهاإ متغيرات كمية وأخرى كيفية.

1 – الســـــــن:

الجدول أدناه يبين الفئات العمرية للعينة التي شملها البحث:

أنظر النسخة المرفقة

الجدول رقم (1) إذن، يتكون من أربعة أعمدة تعبر عن المراحل المختلفة لمتغير السن، حيث توزعت إلى فئات عمرية تبتديء الأولى من 18 سنة إلى 23 سنة بنسبة 16%، والثانية تمتد من 23 سنة الى 30 سنة بنسبة 34% ، أما الثالثة فمن 30 سنة إلى 40 سنة 22% ، في حين خصصت المرحلة الأخيرة ل 40 سنة فما فوق وكانت بنسبة 28 %.

نلاحظ إذن أن الفئات العمرية الشابة ( بين 18 سنة و30) هي الأكثر حضورا، وهذا المستوى يعكس حقيقة البنية الديموغرافية للمنطقة قيد البحث (مدينة طنجة).

2 – الـــجــــنــس:

أنظر النسخة المرفقة

يتضح جليا من خلال الجدول المحدد للجنس أن حصة الذكور تفوق حصة الإناث ب18%، حيث كانت نسبة الذكور 59%، في حين كانت نسبة الإناث 41% ما يعني أن الفئة الطاغية في هذه الدراسة هي فئة الذكور، والرسم المبياني أدناه يوضح ذلك.

3 – المستــوى التعــليمــــي:
يعبر الجدول أدناه عن المستويات الدراسية للفئات التي شملتها الدراسة:

أنظر النسخة المرفقة

جاء المستوى التعليمي حسب الجدول أعلاه موزعا حسب المستويات إلى 6 خانات مرتبة ترتيبا تصاعديا، ابتداء من مستوى غير المتمدرسين ( بدون تعليم/ أميين) ثم خانة الذين تلقوا تعليما دينيا (الكتاب/ المسيد)، فالتعليم الأولي، ثم الثاني، لينتهي عند أعلى مستوى وهو التعليم العالي.

ومن خلال القراءة الأولية للجدول وللرسم المبياني أعلاه، نجد أن حصة الجامعيين قد شكلت أعلى مستوى بنسبة 30% ثم الثانوي25 % فالسلك الإبتدائي 15% في حين حظي التعليم العالي بنسبة 13 % والأميين بنسبة 13 % أيضا، ثم 4% للتعليم الأصيل أو التعليم الديني.
هذه المعطيات لها علاقة وارتباط بالطبيعة الديموغرافية الممثلة في الجدول الأول حيث كانت فئة الشباب هي الأكثر حضورا بنسبة 72%.
الحاصل إذن، أن العينة قيد البحث هي عينة شابة متوسط عمرها بين 18 سنة و 30 سنة، وبالتالي فإن أهم الخصائص التي تميزها أنها عينة متمدرسة يتراوح مستواها التعليمي بين الثانوي والتعليم الجامعي.

4 – المـستــوى المهنــــي:
توزعت المهن حسب الجدول المخصص لذلك إلى 9 درجات ترتبت على النحو الاتي:
– طالب
– عاطل
– مستخدم
– موظف قطاع عام
– موظف قطاع خاص
– فلاح
– تاجر
– ربة بيت
– أخرى ( مهن حرة: محاماة، خياطة،طبيب..)

أنظر النسخة المرفقة

الملحوظة الرئيسية هنا هي أن النسبة الأكبر كانت لفئة العاطلين 23%، ثم ربات البيوت والطلبة 13 %، في حين توزعت النسب الباقية على مهن مختلفة كالوظيفة العمومية والتجارة وغيره…

كانت هذه معطيات أولية حول المضمون الشكلي أو المعطيات المرجعية المرتبطة باستمارة البحث التي اعتمدناها والخاصة بالعينة المدروسة، وفي الآتي قراءة سوسيولوجية وسياسية في مضمون الإستمارة وكنهها( الفصل الثاني).

الفــصــل الثانــــي:
قـــراءة سوسيولوجيــة وسياسيــة في أسبـــاب العــزوف الإنتخابـــــي

بعد القراءة الموجزة في ضعف نسبة المشاركة الإنتخابية، واستعراض مختلف المواقف والآراء التي أفرزتها انتخابات السابع من شتنبر 2007، وبعد استعراض أهم الملامح التي وسمت استمارة البحث والعينة المبحوثة، يتضح جليا أن ظاهرة الإمتناع عن التصويت سجلت ميلا إلى الزيادة، وهذا يحيلنا بالتالي إلى تغير سلوك الناخب تبعا للمتغيرات السوسيولوجية، النفسية والسياسية.
وبناء عليه، سنعمل خلال مباحث هذا الفصل على تحليل العوامل الرئيسية المساهمة في العزوف الإنتخابي، وذلك عبر اعتماد المقاربة السوسيولوجية التي سنركز خلالها على كل من عامل السن، الجنس ثم المستوى التعليمي والمهني.
والمقاربة النفسية من خلال رصد معاملات الإحباط وفقدان الجدوى والأمل في العملية الإنتخابية، لنمر بعد ذلك إلى المقاربة السياسية التي سنعمل من خلالها على رصد أبرز العوامل التي ساهمت في تكريس اللاجدوى من العمل السياسي كضعف العمل الحزبي والحكومي وغيره..

الـمبـحــــث الأول:
مقــــاربــة سوسيـــولــوجيــــة

سنعتمد خلال هذه المقاربة على تحليل المتغيرات البيوسوسيولوجية أو المعطيات الرئيسية المتمثلة في كل من الجنس » ذكر / أنثى «، السن، ثم المتغيرات السوسيوثقافية كالمستوى التعليمي والثقافي، وأخيرا المتغيرات السوسيومهنية المرتبطة أساسا بالوظيفة أو المهنة المزاولة من طرف المستجوب، فكل هذه المعطيات مهمة في تحليل الظواهر الإجتماعية والسياسية.

المــطـلــب الأول:
عـــامـل الـجـنـــس

لامناص من الإقرار هنا أن متغير الجنس والتباين القائم بين العنصرين ” ذكر / أنثى” لهما تأثير مهم على السلوكات والمواقف السياسية، حيث كانت نسبة المصوتين 27% ، منهم 8% من النساء، مقابل 73% لم يشاركوا في الإنتخابات منهم 33 % من الإناث، في حين كانت نسبة الذكور المشاركة 19% مقابل 40 % لم يشاركوا. لكن مع الأخذ بعين الإعتبار أن حصة تمثيلية الذكور كانت أكبر بفارق 18%.

أنظر النسخة المرفقة

يتضح إذن بعد ملاحظة الرسم المبياني أعلاه، أن النساء هن أكثر امتناعا عن ممارسة حق التصويت، ما يفيد وجود علاقة ذات بعد تفسيري بين الجنس والظاهرة المدروسة/ العزوف الإنتخابي، إلا أن هذه العلاقة تكاد تكون ضعيفة، إذا أخذنا بعين الإعتبار الأسباب التي فسر بها جنس الإناث عزوفهن، فغالبية المستجوبات،/ باستثناء اللاتي لهن مستوى تعليمي لابأس به وينتمين أو يتعاطفن مع حزب سياسي معين/ كدن يبررن موقفهن بالإنشغال يوم الإقتراع أو اللامبالاة بالإنتخابات.. في حين فسرت سيدتان عزوفهما بتأثير أزواجهن اللذين كانا (حسبهما) ساخطان على العملية الإنتخابية برمتها.

والرسم المبياني أدناه يبرز المشاركة الإنتخابية للعينة المدروسة من خلال الإجابة على سؤال التصويت في اقتراع 7 شتنبر الأخير:

أنظر النسخة المرفقة

لكن مكمن المفارقة هو أن نسبة لايستهان بها من النساء الممتنعات عن التصويت سايرن وتتبعن مستجدات العملية الإنتخابية، وأوضحن اهتمامهن البالغ بنتائجها، كما هو الحال نفسه بالنسبة لجنس الذكور.

أما فيما يتعلق بتمثل العملية الإنتخابية ومدى نزاهتها، فإن المواقف تباينت بتباين الجنسين، فلئن أظهرت الفئة العظمى من الكتلة الناخبة عدم نزاهة الإنتخابات وعدم تعبيرها عن الخريطة السياسية، فإن حظ الرجال جاء أقوى بنسبة 80 %، مقابل 20 % من النساء.
ما يبين أن جنس النساء هن أقل حدة في تبني المواقف عن الرجال.
صحيح أن هذا الفارق ليس جد مهم، إلا أنه يفيد في معرفة بعض الفروقات الناجمة عن المعطيات السوسيولوجية للعينة المبحوثة.

المـطـلـب الثـــانــي:
عـــــــــامـــل الــســـــــــن

يحظى عامل السن بحضور متميز في الدراسات الإجتماعية، إن لم نقل جل الدراسات السوسيولوجية لا تخلو من استحضار عامل السن واعتماده كفرضية في تفسير الظواهر، فهو يحيل على مسألة النمو، والإدراك، وأيضا على طبيعة السلوك السياسي للفرد سواء تعلق الأمر بالموقف أو الممارسة.
ونظرا لكون هذا الأخير معطى متحول وغير مستقر لظرفية ذاتية، وكذا نظرا لارتباطه الوثيق بعنصر الزمن الذي يمر منه الفرد، فإن المواقف والممارسات تختلف تبعا لذلك.
وهكذا فإن ممارسة الحق في الإنتخاب، أو التصويت تختلف تبعا لذلك، حسب عمر العينة المدروسة، وهذا الجدول يوضح ذلك بجلاء:

أنظر النسخة المرفقة

ومنه نستخلص أهمية الفئات العمرية في تفسير وفهم ظاهرة العزوف، فعدم مشاركة شريحة مهمة من المبحوثين المتراوحة أعمارهم بين 18 سنة و 39 سنة، والذين ينتمون إلى المجال الحضري، ويتمتعون بمستوى دراسي واجتماعي لابأس به، تعود بالأساس إلى عدم اقتناعها أو رضاها على العملية الإانتخابية، أو عدم اهتمامها بالشأن السياسي، أو إلى موقفها السلبي من العمل السياسي، وهذا ما يمكن تفسيره أيضا بعزوف هاته الفئات عن المشاركة في الحياة السياسية بما فيها الإنتماء للأحزاب السياسية، فحسب عينة البحث، كانت الفئات المنتمية للأحزاب السياسية تشكل فقط نسبة 17% من الأشخاص المبحوثين وغالبية هذه العينة تمثل الفئة الشابة، وهذا ما يفسر أيضا بتمثل المشاركة السياسية في ذهن المستجوبين حيث أن نسبة 64 % تقول بأن المشاركة واجبة لكن شريطة توفر شروط وظروف معينة.
هذا المعطى يفيد أنه إذا أخذنا بعين الإعتبار نسبة 46% التي تقر بكون المشاركة واجب وطني وتضيف شرط توفر شروط معينة للتحفيز على المشاركة، فهذا معطى إيجابي ينم عن وعي الناخب وإدراكه لمتطلبات الممارسة السياسية، إلا أن الظروف المحيطة به تبعده بشكل أو بآخر عن المشاركة.
في المقابل نجد الفئات التي يتراوح عمرها بين 18 سنة و 23 سنة اختلف رأيها وموقفها باختلاف اهتماماتها وتفكيرها، حيث كان موقفها سلبيا من المشاركة وعبرت عن لاجدواها، وهذا راجع بطبيعة الحال إلى حساسية هذه المرحلة العمرية وخصوصيتها.
نفس الشيء بالنسبة لمسألة الإهتمام بالعملية الإانتخابية، صحيح أن غالبية المبحوثين قد قاطعوا صناديق الإقتراع إلا أن معظمهم بالرغم من هذه المقاطعة كان مهتما بالشأن الإنتخابي ومتتبعا لمستجداته وأحداثه حيث كانت نسبة الإجابة ب “لا ” تمثل فقط 22.6 % فيما يتعلق بسؤال الإهتمام بالعملية الإنتخابية في حين أن 77.4% أجابوا بنعم” ومعظمهم يتراوح عمرهم بين 23 سنة و 40 سنة. مقابل الذين أجابوا بلا وهم فئة ما بين 18 سنة
و 23 سنة، وهذا مبرر بالعوامل التي سبق ذكرها والخاصة بهذه الفئة.

المطـلـب الثـالـــث:
مـؤشــر التعـلـيــم / المسـتــوى الدراســي

يساهم التعليم في اكتساب أدوات التفضيل السياسي، ويمكن من امتلاك المعرفة السياسية، ذلك من منطلق كونه قناة أساسية من قنوات التنشئة السياسية والتثقيف السياسي حيث تتشكل المواقف والتمثلات والقيم.
فلا غرو أن المستوى التعليمي يزود صاحبه بمعارف وأدوات سياسية تختلف باختلاف مستوياته عمقا واتساعا. ولا مناص هنا من الحديث عن التنشئة السياسية باعتبارها قناة لاكتساب وتعلم مجموعة من الأنماط السلوكية والإجتماعية وتساعد الفرد على التعايش مع مجتمعه، وهي تعني حسب “ألموندو بويل” اكتساب المواطن للإتجاهات والقيم المختلفة المتوقعة منه، ويربط تعريفه هذا للتنشئة بالوظيفة التي تؤديها خدمة للنسق السياسي
كأداة لترسيخ قيم ومواقف لدى الأفراد تدعم النسق السياسي للتكيف مع بيئته، ويقول في ذلك أن ” التنشئة السياسية هي عملية استقرار الثقافة السياسية ومحصلتها النهائية هي مجموعة من الاتجاهات والمعارف والقيم والمستويات والمشاعر نحو النظام السياسي وأدواره المختلفة” .
وبناء عليه فإن التنشئة السياسية تعمل على أن يكتسب الفرد الثقافة السياسية أي اكتساب غالبية قيم ورموز وتوجهات الحياة السياسية السائدة، وعملية الإكتساب هذه تكون تدريجية ومتواصلة تبدأ من مرحلة الطفولة وتستمر حتى الشيخوخة.
وفي مسعى اختبار مدى أهمية وتأثيرالمؤشر التعليمي على الظاهرة المدروسة من خلال تحليل مدى ارتباطه بإنتاج السلوك الإنتخابي، نستحضر هنا المستوى التعليمي الذي تلقاه الناخب وذلك بطبيعة الحال حسب العينة التي شملتها استمارة الإستبيان، بهدف الوقوف على مدى صحة النظريات التي ترى في متغير التعليم قدرة على تفسير المواقف السياسية وتحليلها.

أنظر النسخة المرفقة

قد لا نضيف جديدا إذا قلنا أن الأمية عائق من عوائق المشاركة الإنتخابية، فحق التصويت يلقي على كاهل الناس مسؤوليات ثقيلة تتطلب منهم التعرف على المرشحين والتمييز بين البرامج الحزبية، وإدراك المشاكل التي تتطلب الحلول، إلا أن الأمية تحول دون ذلك في معظم الأحيان.
وقد لا نضيف جديدا أيضا إذا قلنا بأن المسار التعليمي والمؤسسات التعليمية هي مورد من موارد التنشئة السياسية والتثاقف السياسي. إلا أن الجديد الذي يمكن إضافته في هذا السياق وبعد إمعان النظر في الجدول الخاص بتصنيف المشاركة الإنتخابية حسب الفئات العمرية، هو أن المسار الدراسي بعد أن كان محفزا على المشاركة السياسية بما فيها الإنتخابات، أضحى على النقيض من ذلك مانعا من موانع المشاركة، وكأنه يسلح الفرد بوعي سياسي مضاد لثقافة المشاركة التي تروج لها الدولة ومختلف المؤسسات السياسية.
صحيح أن هذه الفرضية تبقى نسبية، إلا أنه بالرجوع إلى الرسم المبياني فإن عزوف الفئات ذات المستوى الدراسي العالي عن التصويت يحمل في طياته دلالات ومعان كثيرة، وكأن الفئة المثقفة والمتمدرسة بسلوكها هذا تريد أن ترسل رسالة مفادها أنها أصبحت واعية بعمق بالحياة السياسية المغربية، وأنه لا مشاركة مادامت الأوضاع السياسية على حالها.
وحتى لا نغفل العامل السوسيومهني، فإن الملاحظة الأساسية التي يمكن استخلاصها من هذه الدراسة هو إقبال موظفي القطاع العام على المشاركة بشكل أكبر من غيرهم، وهذا ربما يمكن إيعازه إلى علاقات التأثير والتأثر السائدة داخل الإدارات المغربية في حين كان ذوو المهن الحرة أكبر العازفين.

المبحـــث الثــانــــي:
مـقــــاربـــــــة نـفـسـيـــــة

سنركز خلال هذه المقاربة على عوامل الثقة والجدوى في العمل السياسي بصفة عامة، وفي الأحزاب السياسية والعملية الإنتخابية بصفة خاصة، فسؤال الجدوى يعد عاملا رئيسيا لتحديد السلوك الإنتخابي، حيث يؤطر للخلفية النفسية المؤثثة لطبيعة الثقافة السياسية لدى الفئة المستجوبة.
فالعمل السياسي مرتبط أساسا بالجدوى وسؤال الجدوى يتعلق بالأهداف المرجوة من هذا العمل، على المستويين القريب والبعيد، والأمر نفسه بالنسبة للعملية الإنتخابية حيث يعانق سؤال الجدوى من الإنتخابات ما ارتبط بها من أهداف مرجوة تتناول نهاية العملية الإنتخابية ومآلاتها السياسية والإجتماعية وما يمكن أن تحققه للفرد من مطالب وطموحات، وبناء عليه يمكن القول أنه كلما انعدم الأمل والجدوى في العمل السياسي إلا وانعدمت المشاركة في العملية الإنتخابية، والعكس صحيح.

الـمـطـلــــب الأول:
فـقــــدان الأمـــل فــــي العـمـــل السيــاســي

لامناص من الإقرار أن موضوع البحث يستدعي استحضار مقاربة شمولية للمشاركة بما فيها تمثل العمل السياسي وأثر ذلك على الإنتماء الحزبي وعلى المشاركة الإنتخابية.
والظاهر أن العينة المبحوثة ومن خلال ما أفادته الدراسة قيد الإنجاز، تمتلك تصورا سلبيا تجاه العمل السياسي باعتباره مجرد مضيعة للوقت ليست منه فائدة ترجى، مما يؤكد لا جدواه في وجدان المواطنين، وبالتالي فقدان الأمل في العمل السياسي برمته.
وهذا ما يمكننا استشفافه من مشاركة انتخابية ضعيفة ومقاطعة قوية ومعبرة لصناديق الإقتراع.

إن فقدان الأمل في العمل السياسي مؤشر على هشاشة الثقافة السياسية والإجتماعية السائدة، واندثار للقيم الإيجابية للعمل السياسي ولمبادىء المواطنة والمسؤوولية والديموقراطية، وهو ما عبر عنه الباحث الإجتماعي مصطفى محسن ” بناقوس الخطر” وذلك بقوله : » إن أبلغ درس أو رسالة أو عبرة يمكن استنباطها من هذا المناخ السياسي الموسوم بالعزوف الصارخ هو ناقوس خطر منذر بفراغ سياسي بدأ في مجتمعنا يتخلق، يتفاقم، وتتسع دوائره باستمرار، إنه بمعنى ما، تجريد للمجتمع من السياسة أو من التسييس، وهو واقع يجعلنا أمام مجتمع مستقيل أو مقال من المشاركة السياسية، غير مسؤول عنها، وغير مدرك لفعاليتها وقيمها ونجاعتها الإجتماعية، الأمر الذي يمكن أن ينتج عنه – في غياب تأطير سياسي أو نقابي إشراكي/ تشاركي ، إدماجي للمواطنين، موجه وهادف – تبعات وآثار سلبية خطيرة على مستوى ومستقبل النظام الإجتماعي برمته، مما بدأنا نلاحظه بالفعل من أشكال متعددة للعنف والتطرف والفردانية والتمرد والإحتجاج والإنحراف والضلال الفكري والأخلاقي والعقدي والسياسي والإجتماعي والحضاري « .

الحاصل إذن، أن المواطن المغربي إقتنع بعدم جدوائية العمل السياسي في تغيير مصيره الإجتماعي والثقافي بل وحتى السياسي، فوفق تمثلات المستجوبين الذين شملتهم الدراسة، ما يناهز 70% منهم أصيب بخيبة أمل في بطء الإصلاحات السياسية وفي واقع الفساد الإداري والمالي المستشري في معظم دواليب الدولة، ناهيك عن تردي الأوضاع السوسيواقتصادية بامتياز.
وبالتالي ازداد العمل السياسي تأزما بفعل تظافر العوامل السالفة الذكر، وبفعل ضعف الإهتمام الشبابي به من ناحية أخرى، حيث صار للشباب اليوم طموحات وأفكار وتطلعات تتناقض بالمطلق مع تطلعات النخبة السياسية السائدة وتتعارض معها، وتكون النتيجة الحتمية فقدان الأمل في العمل السياسي وفقدان الثقة في كل ما يرتبط بهذا الأخير من أنشطة وممارسات.

المـطـلـــب الثـــانـــي:
ضعف الثــقـــة فــي الأحـــــزاب السيــاسيــــة

الثقة موقف يتحقق عند الفرد أو مجموع الأفراد بعد تفاعل ينجح فيه كليهما في حيازة الثقة، والمقصود بها في هذا المقام، ثقة الناخب في الأحزاب السياسية على مستوى آدائها لمهامها وفعاليتها ومصداقيتها.
وهي بذلك تضمن علاقة الناخب وارتباطه بها، أي بالأحزاب. إلا أنه عندما تهتز هذه الثقة، تتراجع هذه العلاقة، وتكون المحصلة انفطار المواطن وعدوله عن الإنتماء للأحزاب السياسية.
فكيف ينظر المواطن “الطنجي” إلى القناة الحزبية؟ وما الذي يقدمه كمبرر لعدم الإرتباط بها؟
هذا ما عبرت عنه شريحة عريضة من العينة المبحوثة، بمختلف مستوياتها العمرية والعلمية.

الرسم المبياني أدناه يوضح بجلاء ضعف الإقبال على المشاركة والإنتماء الحزبي:

الإنتماء السياسي للعينة المبحوثة

أنظر النسخة المرفقة

إن ضعف الاقبال هذا يؤشر على تدهور وتدني المكانة أو القيمة السياسية والإجتماعية للأحزاب، وتراجع حيز تأثيرها وجاذبيتها وقدرتها على تأطير وتوجيه الرأي العام للإنتماء إليها.
فالمقابلات التي أجريناها في إطار هذه الدراسة تشهد بأن معظم المستجوبين، ولا نبالغ إذا قلنا كل المستجوبين باستثناء الفئة القليلة التي كانت ذات توجه سياسي معين، صرحوا بضعف ثقتهم في الأحزاب السياسية، والأكثر من ذلك فإن تقييم فاعلية الأحزاب من طرف هؤلاء جاء كالتالي:

أنظر النسخة المرفقة

إن ضعف الثقة في الأحزاب السياسية ( أنظر الجدول المتعلق بتفسير الموقف من المشاركة الإنتخابية) كانت حسب المستجوبين حصيلة لعجز هاته الأخيرة عن توفير التأطير السياسي للمواطنين، ولم تتمكن من أن تصبح مؤسسات ومدارس تربوية للتنشئة السياسية والتربية على المواطنة والمسؤولية، وتكريس ثقافة الحق والواجب والمشاركة والإهتمام بالشأن العام.
والحاصل أن ضعف أو فقدان الثقة في الأحزاب السياسية كان مبررا أيضا بعوامل سياسية واجتماعية شتى ( سنتطرق إليها في المبحث الثالث بالتفصيل) .

تداخل وتفاعل مختلف هذه العوامل، يؤثر على المعطى النفسي للناخب، وبالتالي تنفره من المشاركة والإنخراط في الأحزاب والهيئات السياسية، وهذا ما عبرت عنه شريحة واسعة من المواطنين الذين شملتهم الدراسة وذلك بنسبة 31 % ، وٱحتل بالتالي هذا العامل المرتبة الثانية بعد عامل فقدان الجدوى في العملية الإنتخابية .

المــطـلــب الـثــالـــــث:
ضعف الجــدوى من العـمـليـــة الإنتـخــابيـــة

لا غرو أن ضعف ثقة الناخب في العملية الإنتخابية تأخذه لا محالة إلى التخلي عن البعد الوظيفي لصفة الناخب المتمثلة في المشاركة في العملية الإنتخابية، وتقوده إلى الإمتناع عن التصويت، والأخطر من ذلك، قد تـأخذ بعدا سلبيا يتمثل في استغلال ظرفية الحملة الإنتخابية للجواب حاجات ملحة لديه، فيصبح التصويت مقابل مصلحة شخصية مادية بامتياز.
فإذا كانت الثقة هي بمثابة الروح التي تكسب الديموقراطية التمثيلية كينونتها. فإن غياب الثقة له تأثير واضح على واقع ممارسة حق التصويت، وهكذا فإنه مقابل 31 % من المواطنين الذين لم يشاركوا بسبب فقدانهم الثقة في الأحزاب السياسية، فان 36% آخرين لم يشاركوا لعدم ثقتهم في العملية الإنتخابية.
والجدول التالي يوضح تفسيرات المستجوبين لموقفهم من عدم المشاركة الإنتخابية:

يبرر هؤلاء موقفهم هذا بكونهم لم يلمسوا أي تغيير عقب مختلف المحطات الإنتخابية التي عرفها المغرب، وأنها – الإنتخابات – مجرد قناع لتلميع صورة المغرب في الخارج، ووصفوها – العملية الإنتخابية – بكونها ” مسرحية ” أو ” سوق موسمية ” يستعرض فيها المرشحون برامجهم الحزبية التي وصفوها بكونها نسخة لبرنامج واحد لا تعدو كونها وعودا لا ترقى إلى مستوى الواقع.

كما أن نسبة لا يستهان بها من المستجوبين تقول بلا جدوى الإنتخابات في المغرب لأن نتائجها تكون مقررة سلفا نظرا لطبيعة النظام الإنتخابي وما يشمله من نمط الإقتراع والتقطيع الذي يساهم في البلقنة الحزبية والتشتيت وغيره..

والحاصل أن سؤال الجدوى من الإنتخابات، يرتبط أساسا بالأهداف المرجوة من هذه الأخيرة، و مآلاتها على المستوى المتوسط والبعيد، أي ما الغاية من إجراء العملية الإنتخابية؟

سؤال الجدوى هنا إذن، يختبر مدى صدق الخطاب السياسي في المغرب، ومدى قدرة العملية الإنتخابية على النهوض بالشعارات السياسية المتداولة، وهل السلطة مستعدة للمقامرة بانتخابات حرة ونزيهة تسمح ببروز قوى سياسية لها مشروعيتها وإيديولوجيتها المستقلة؟

وهل الإنتخابات ستنقل المرشح من فضاءات التعيين والتزامات الوظيفة إلى فضاءات الإنتخاب والمسؤوليات النيابية التي تعزز بنيات الديموقراطية التمثيلية؟

من هذا المنطلق سيكون هذا السؤال بمثابة الجدوى التي تكسب السلوك الإنتخابي معناه، ومن هنا كان لسؤال الجدوى أهمية بالغة في تحليل وتلمس فهم علمي للظاهرة المدروسة. فٱستحضار هذا المتغير له أكثر من دلالة، حيث تجلى من خلال البحث وجود تأثير مهم لعامل الجدوى من العملية الإنتخابية على ممارسة الحق الإنتخابي، فمن لا يجدون جدوى في الإنتخابات هم أكثر امتناعا عن ممارسة التصويت الذي لا يلمسون له معنى يذكر على واقعهم المعاش، ومن يكفر بجدواها يفسر ذلك بسبب ضعف الإعتقاد في نزاهتها واليأس من امكانية التغيير.

وبناء عليه، إذا احترمنا المضامين المفاهيمية التي أعطيت لمسألة الجدوى من طرف المستجوبين، فإن الإشكال المطروح لا يتعلق بالعملية الإنتخابية باعتبارها آلية لإشراك المواطنين في الشأن العام، لكن الإشكال يكمن في الإعتقاد بعدم نزاهتها، وبأنها ليست قناة تمثيلية، بل هي مجرد عملية تفتقد للقيم التنافسية.

وهذا الرسم المبياني يوضح تقييم المواطنين الذين شملتهم الدراسة للعملية الإنتخابية:

تقييم المواطنين للعملية الإنتخابية

الحاصل أن من يشكك في جدوى العملية الإنتخابية ونزاهتها غير مستعد للمشاركة فيها، وبالتالي هناك تلازما واضحا بين قضية الجدوى، وملامسة تغيير إيجابي في السلوك الإنتخابي، فسؤال الجدوى هذا يخفي في طياته سؤالا آخر مفاده:

هل نهضت الإتخابات في المغرب بالغايات المرجوة منها، وهل كلما تقدمنا نحو إجراء مزيد من الإنتخابات تقدمنا في مسار تحقيق دولة المؤسسات والحق والقانون؟؟

حاصل القول أن مختلف هذه العوامل تؤدي لا محالة إلى فقدان الأمل في العمل السياسي ككل، فكلما تراجعت الثقة في المؤسسات، انعدم الأمل وبالتالي غابت جدوى العمل السياسي وانعدمت إمكانية المشاركة الإنتخابية.

المبـحـــث الثـــالـــث:
مقـــــاربــــة سيـــاسيـــــــة

يتأثر المشهد السياسي الحزبي بمجموعة من القيود والمحددات السياسية، الدستورية، التشريعية والإدارية التي تجعل من هذا الأخير مجالا مغلقا يعيد إنتاج نفس الأنساق السياسية القائمة، ويؤسس لتجارب قد تبدو للوهلة الأولى أنها قطعت مع التجارب السياسية السابقة، لكنها على مستوى العمق تجسد الإستمرارية.

فالحقل السياسي المغربي حقل مركب تتداخل فيه المرجعيات الأصيلة / التقليدية بالمرجعيات الحداثية ( الفصل 19 من الدستور، وازدواجية الصريح والضمني في المعادلة السياسية).

هذه الإزدواجية تطال أيضا العملية الإنتخابية، فالإنتخابات بالمغرب تجرى بدون رهانات سياسية واضحة، ولا تشكل مجالا للتباري الديموقراطي حول البرامج والمشاريع المجتمعية، فالسلطة الفعلية غير قابلة للتداول والإنقسام، ولعل هذه الأسباب كفيلة بجعل المواطن المغربي في منأى عن المشاركة الإنتخابية والعمل السياسي، فكل فعل يقوم به الإنسان/ المواطن يكون مقابل هدف معين، والفعل السياسي لابد له من دافع محفز على القيام به، فالمواطن يتخذ موقفا إيجابيا من العمل السياسي، أو يميل إلى السياسة حسب الدافع المثير للفعل، وغياب الدافع يساعد على النفور والشعور باللامبالاة.

وبناء عليه، سنتطرق خلال هذا المبحث إلى مجموعة من الموانع السياسية التي أدت بالمواطنين الذين شملتهم عينة الدراسة إلى العزوف الإنتخابي، وذلك كالاتي:
• تراجع الوظيفة الحزبية
• ضعف الآداء البرلماني
• ضعف الآداء الحكومي

المــطـلــــب الأول:
ضعـــــــف الآداء الحـــزبـــــــي

بغض الطرف عن الجدال النظري حول المنطلقات المنهجية لتناول الظاهرة الحزبية، فإن المشاركة السياسية شرط جوهري لٱستمرار الظاهرة الحزبية، فالأحزاب السياسية لايمكن أن توجد إذا لم يكن الأفراد مشتركين في تسيير الشأن العام.

وعلى هذا الأساس تتجاوز العملية الإنتخابية، كأهم فضاءات المشاركة وأقواها، بعدها اللحظي لتنصرف إلى بعد أعمق زمنيا، تمتد رمزيته إلى جوهر الفكرة الحزبية، الأمر الذي أدى إلى ٱنشغال الأحزاب السياسية بهذا الرهان الإنتخابي، حاشدين قواهم الإيديولوجية والتنظيمية قصد تعبئة الجماهير وتأطيرها لخوض غمار تلك اللحظة .

فماهو وضع الظاهرة الحزبية بالمغرب؟ وتحديدا مدينة طنجة؟ وكيف ينظر “الطنجيون” إلى القناة الحزبية؟

في سبيل الوقوف على آراء المبحوثين الذين شملتهم الدراسة، ومواقفهم إزاء الأحزاب السياسية، أدرجنا ضمن استمارة الإستبيان مجموعة من الأسئلة المرتبطة بشكل أو بآخر بالظاهرة الحزبية، وذلك عبر ثلاثة أبعاد:

 البعد الأول: حول الخطاب الحزبي
 البعد الثاني: حول البرامج الحزبية
 البعد الثالث: حول فاعلية الأحزاب السياسية عموما، والنخبة المحلية بطنجة خصوصا.

** الفرع الأول: فـــــي الخــطــــــاب الحـــزبــــــــي:

فيما يتعلق بالبعد الأول، كان السؤال مفتوحا كالتالي: ” هل تعتبر أن الخطاب الحزبي يلقى قبولا لدى المواطنين؟ وبالأخص فئة الشباب؟ ماهي نقاط قوته وأسباب ضعفه؟ ” وكانت التمثلات كالتالي:

تمثلات الخطاب الحزبي*
هل يلقى الخطاب الحزبي قبولا لدى المواطنين عامة؟؟ وفئة الشباب خاصة؟؟

* 35 من الستجوبين لم يجيبوا على هذا السؤال، أي ما يعادل نسبة 23% منهم.
بملاحظة الجدول أعلاه، فإن نسبة 5 % فقط من المستجوبين اعتبروا أن الخطاب الحزبي يلقى قبولا لدى المواطنين، ونصف هذه النسبة استثنت فئة الشباب من ذلك.

وفي المقابل فإن 72% منهم جاءت تمثلاتهم سلبية تجاه الخطاب الحزبي وبالخصوص فئة الشباب، وبررت العينة موقفها هذا بمجموعة من العومل والأسباب التي ساهمت بشكل بارز في تراجع الإهتمام بالشأن الحزبي عامة والخطاب الحزبي خصوصا.

وقد وردنا في الجدول أعلاه بعض المبررات التي جادت بها أقلامهم أثناء إجابتهم على نفس السؤال.

** الفرع الثاني: فـــي البــرامــج الحـزبـيــــــــــــة:

صحيح أن لغة الأرقام إحتلت مكانة الصدارة في إقناع الناخبين، وهذا معطى جديد نهجته الأحزاب السياسية بعدما كانت تعتمد بالأساس على الحجج الأيديولوجية والعقائدية والسياسية. حيث أولت هذه الأخيرة اهتماما خاصا للجوانب الإقتصادية نظرا لما لهذه الأخيرة من اعتبار، كما أنها لم تغفل أيضا الجوانب المرتبطة بالمسألة السياسية، الإجتماعية، الحكامة وغيرها.

إلا أن معظم هذه البرامج يعاب عليها عدم القدرة على بلورة مشروع مجتمعي، وتشابه المواضيع وأساليب العمل، مما يطرح تساؤلات عدة حول جدواها، حيث يجد الناخب نفسه وكأنه أمام برنامج سياسي عام مع بعض التمايزات غير الحاسمة .
وكان السؤال المرتبط بالبرامج الحزبية كالآتي:

كيف وجدت برامج الأحزاب؟ هل تلبي رغباتك وتعبر عن طموحاتك؟

وكانت الآراء كالتالي:
 65 % من المستجوبين يقولون بأن البرامج الحزبية تلبي رغباتهم وتعبر عن طموحهم، إلا أن عمق الإشكال هو بالأساس في تطبيق هذه البرامج، فالمشكل الحقيقي وفق هؤلاء ليس في البرامج أو في طبيعتها بقدر ما يتمثل في مدى تطبيق هاته الأخيرة على أرض الواقع.

 32 % يعتبرون بأن البرامج الحزبية التي قدمتها الأحزاب السياسية برمتها هي نسخة لبرنامج واحد لا ترقى إلى مستوى طموحهم وتطلعاتهم وأبعد ما تكون تعبيرا عن رغباتهم واهتماماتهم بقدر ما هي تعبير عن المصالح الشخصية لأصحابها.

 3 % فقط من الفئة المستجوبة رأت في البرامج الحزبية معبرا أساسيا عن رغباتها وطموحها. مع العلم أن هذه الفئة منتمية سياسيا إلى تيار أو حزب معين، ومرتاحة أو بالأحرى مؤيدة للبرنامج الحزبي الذي تنتمي إليه أو تتعاطف معه.

** الفرع الثالث: فـي فـاعلية الأحـزاب السياسية -النخبة المـحـلية خصوصـا-

وحول فاعلية الأحزاب السياسية فإن الرسم المبياني أدناه يوضح بجلاء مدى استياء الفئة المستجوبة من الآداء الحزبي حيث احتل التقييم ” دون المستوى” الصدارة ( أنظر الجدول رقم 11 الخاص بتقييم فعالية الأحزاب السياسية).

أما فيما يرتبط بتقييم النخبة المحلية (مدينة طنجة) ومدى قدرتها على ضمان تمثيلية مشرفة للمنطقة فإن التمثلات جاء كالآتي، لكن مع الإشارة إلى أن نسبة لا يستهان بها ( 40 % من المبحوثين) لم تقيم، وتبرر موقفها بكون الفترة الزمنية التي مرت على تمثيليتهم لا تسمح بإعطاء أحكام قيمة، وإلا فان أحكامهم ستكون غير منصفة، مع إبداء أملهم في أن تكون تمثيلية مرشحيهم في المستوى المرغوب فيه.

 35 % من العينة المبحوثة لا ترجو خيرا من ممثليها، باستثناء بعض العناصرالمعروفة بأدائها المستحسن، وتمثيليتها المشرفة في إاشارة منهم إلى حزب العدالة والتنمية، ويستهجنون باقي الممثلين وتحديدا أباطرة المال الذين كانوا ممنوعين في اقتراع 2002، وتم السماح لهم في الإنتخابات الأخيرة. ويصرحون بأن هؤلاء لا يمثلون سوى مصالحهم الخاصة ومشاريعهم الإستثمارية .

 25 % من نفس العينة تجيب بأن النخبة المحلية غير قادرة على ضمان تمثيلية مشرفة للمنطقة في إشارة واضحة منها إلى فقدانها الثقة في المؤسسات السياسية ومن ضمنها البرلمان.

والحاصل، أن الأحزاب السياسية تتحمل بدورها المسؤولية في هذا الوضع الذي آلت إليه، فقد ظل حضورها مرحليا ومرتبطا بالإنتخابات فقط، ولم يلاحظ أي تطور على مستوى آدائها السياسي في علاقته بتأطير وتنشئة المواطنين، بالإضافة إلى غياب الممارسة الديموقراطية الداخلية لدى معظم الأحزاب .

الـمـطـلـب الثــانــي:
ضـعـــف الآداء البـرلـمــانــي

عرف المغرب تجربة العمل البرلماني منذ بداية الستينات من القرن المنصرم، ويتكون هذا الأخير – البرلمان- من ” مجلس النواب ومجلس المستشارين، ويستمد أعضاؤهم نيابتهم عن الأمة، وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه .
ونظرا لٱرتباط المؤسسة البرلمانية بالعديد من العناصر الأساسية كالتمثيلية والوساطة والمشاركة والإشكاليات الأساسية التي تهم المجتمع السياسي ومكوناته وآلياته ونظامه، فلا مناص من توضيح العلاقة بين المؤسسة البرلمانية والتمثيل السياسي، والتي تفترض أن المواطنين يتطلعون إلى التمثيل، بمعنى أن يقوم البرلمان بوضع تصوراتهم فوق المسرح السياسي .

المؤسسة البرلمانية تلعب إذن دورا ايجابيا في الدفاع عن مصالح الشعب المادية والمعنوية على السواء، سواء على مستوى التشريع والتقرير، أو على مستوى محاسبة ومراقبة الحاكمين.

إلا أن واقع الحال يبرز كيف أن معظم تجارب العمل البرلماني في المغرب ظلت محدودة في أهميتها على مستوى الآداء والتأثير، وذلك لمحدودية الضوابط التي تحكمت في مسارها، والأحداث السياسية والإجتماعية الكبرى التي مر بها المغرب .

يتضح ذلك جليا عند معاينة حصيلة العمل البرلماني وتحديدا حصيلة الولاية التشريعية السابعة ” سنة 2006/2007″ والتي تميزت بتسجيل ارتفاع ملحوظ من الناحية الكمية مقارنة مع السنوات السابقة، حيث صادق كل من مجلسي البرلمان على 60 قانون، كما تكتسي هذه الحصيلة بأهمية خاصة من الناحية النوعية حيث انصبت على وضع الضوابط القانونية للعديد من القضايا التي تهم مختلف مناحي المجتمع..

صحيح أن المؤسسة البرلمانية خلال الولاية التشريعية الأخيرة انصب عملها على وضع مجموعة من الضوابط القانونية لمختلف القضايا التي تهم المجتمع سواء على المستوى التشريعي أو على مستوى الرقابة البرلمانية .
إلا أن الحصيلة البرلمانية جاءت لتأكيد ما أقره الدستور من تقييد لسلطات البرلمان بتقليص اختصاصاته، وتوسيع سلطة الحكومة التنظيمية وتمتيعها بأولوية مطلقة على البرلمان في المجال التشريعي انطلاقا من مرحلة مناقشة القوانين إلى أن يتم اقرارها .

ابتعاد البرلمان المغربي عن لعب أدواره الطبيعية، وفشله في تمرير أي ملتمس رقابة بحيث لم تشهد السنة التشريعية تفعيلا لآلية لجان تقصي الحقائق، وذلك بسبب الضعف الدائم للمعارضة، بالرغم من العديد من الفضائح والإختلاسات المالية التي طالت العديد من المؤسسات العمومية.

كل هذه العوامل ساهمت في فقدان البرلمانات المنتخبة في المغرب لمصداقيتها، حيث شكلت مسألة المصداقية والشفافية احدى أهم مشاكل الديموقراطية في المغرب، والتي أنتجت برلمانا بدون سلطة، فلم يكن للبرلمان وجود فعلي، ما أضعف سلطة مراقبة الحكومة لدى البرلمان، وما يدل على هذا الضعف هو أنه عادة ما يتم إعلان مخطط إقتصادي طويل المدى قبل فترة وجيزة من الإنتخابات، مما يعني أنه كيفما كانت نتائج هذه الإنتخابات، لن يكون لها تأثير على سياسية الحكومة الموضوعة مسبقا.

وبصياغة أخرى، فإن أغلبية الشعب المغربي أصبح لها موقف سلبي من المؤسسة البرلمانية، وهذا الموقف هو نتيجة طبيعية لكيفية اشتغال البرلمان، حيث أن جلساته لا يحضرها إلا أقلية قليلة من أعضائه طيلة دوراته، كماأن مستوى المناقشة داخله يتسم بالضعف، أما المبادرة بالإقتراح فيه شبه منعدمة، ومشاريع القوانين لايتم التصويت عليها إلا بنسب ضعيفة جدا، وجلسات اللجان الدائمة لا تنعقد إلا بقليل من الأعضاء، والأسئلة تطرح في مجلسي البرلمان بنفس الصيغة وتقريبا بنفس الحروف، كما أن لمجلسيه تقريبا نفس الإختصاصات مما يطرح أكثر من سؤال حول جدوى نظام الثنائية المجلسية بالمغرب .

الحاصل أن إنتاجية البرلمان ظلت هزيلة. صحيح أن الأسئلة البرلمانية تعتبر من صميم وظائف المراقبة البرلمانية للحكومة، إلا أن الملاحظ هو تحولها لتشكل أحد أدوات صراع النخبة السياسية داخل قبة البرلمان، وباتت تلخص وظيفة التمثيل في تهافت النواب على استعمال السؤال البرلماني.

بالإضافة إلى مختلف هذه العوامل، فإن هناك عوامل أخرى أصلية ناتجة عن التوجيه الملكي السياسي، أو ما يمكن تصنيفه ضمن العوامل الخارجية التي تمارس تأثيراتها القبلية والبعدية في مختلف سيرورة العمل البرلماني، والمتمثلة في التوجيهات الملكية عبر خطابات افتتاح الدورات التشريعية، أو من خلال الدور الرقابي الذي يمارسه القضاء الدستوري من خلال آلية فحص الشرعية .

انطلاقا مما سبق، يمكن القول أن البرلمان في المغرب أضحى لا يعدو كونه ذلك المدعم للطابع الصوري لأشكال الدولة الحديثة، عوض كونه مؤسسة تمثيلية للمواطنين، فغالبية المواطنين يشعرون بعدم فعاليتهم السياسية، وعدم قدرتهم في التأثير على القرارات الحكومية، وتصبح بالتالي مشاركتهم الإنتخابية غير مجدية، الأمر الذي يدفعهم إلى الإحجام عنها.

كل هذه المظاهر تؤدي إلى ضعف المؤسسة البرلمانية، وتؤدي إلى مزيد من العزوف عن المشاركة مادام البرلمان لايعبر عن توجهات المجتمع ولايتفاعل مع مايجري داخله.
نتج عن كل هذا وذاك انعدام الثقة ، والشك السياسي، وعدم اتساق التوقعات الشعبية مع طبيعة الأدوار التي يقومون بها، وعن عدم إستجابة الحكومة لمطالبهم، وتكون المحصلة كما سبقت الإشارة تفاقم الهوة بين الشعب والمؤسسة التمثيلية/ البرلمان.

المـطـلـــب الثـــالـــث:
ضــــعـف الأداء الحــكـــومــــي

قبل بضع سنوات، إرتبطت الأزمة السياسية في المغرب بشكل نسبي بالعلاقة المتوترة بين الوزراء المعينين من طرف الملك مباشرة أو ما يعرف بوزراء السيادة ، وبين باقي أعضاء الحكومة المنتمين لأحزاب المعارضة من جهة، ومن جهة ثانية استمرارية الأزمة الإقتصادية والإجتماعية وعجز الحكومة عن تنفيذ برنامجها السياسي. ربما كانت هذه المؤشرات بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس.

لكن في ظل المرحلة الراهنة، فإن الأمر مختلف نسبيا، حيث قدم الملك محمد السادس إمكانيات لتفعيل عمل الحكومة كالحد من توغل جهاز الداخلية بإبعاد إدريس البصري، وطرح مفهوم جديد للسلطة يقوم على أساس القرب من المواطن وخدمته، وتحريك ملفات الفساد ذات العلاقة بالعهد السابق، والعمل على جلب الإستثمارات الأجنبية من أجل تخفيف عبء المديونية…

لكن هذا لايعني تراجع دور وزارة الداخلية، خاصة وأن هناك العديد من المؤشرات التي تفيد العكس.

إلا أنه بالرغم من هذه المحاولات فإن بوادر الأزمة السياسية استمرت في الإستفحال، وتفاقمت خيبة أمل المواطنين في كل ما يرتبط بالعمل السياسي ( 75 % من المستجوبين ساخطة على العمل الحكومي)، وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية ساهمت في إضعاف الفعالية الحكومية كمؤسسة تنفيذية.
قد نعزو ذلك إلى عدم تمكن تجربة التناوب التوافقي التي انتهجها المغرب منذ سنة 1998 من تحقيق أهدافها ورهاناتها المعلنة، وتحديدا في مجال الإصلاح السياسي الشامل، والتأسيس لٱنتقال ديموقراطي سليم .

تعثر هذه التجربة خلق تناقضا بين الخطاب والممارسة أو الفعل الحكوميين، فانعكست آثاره السلبية سلبا على الممارسة السياسية عامة والمشاركة الإنتخابية بشكل خاص.

محدودية الإنجازات الحكومية تتجلى أيضا في العديد من المؤشرات التي سنتطرق إليها تبعا، ماعدا إذا استثنينا بعض الإستثناءات الإيجابية التي فسرت على أنها إنجاز فردي أو قطاعي محدود ” ترميم الشرعية والإستقرار السياسي، تأمين سلامة الإنتقال السياسي من عهد إلى عهد بكيفية مسؤولة، تدشين بوادر حملة لمحاربة الفساد السياسي والإداري، السهر على نزاهة الإنتخابات..” في ظل غياب حكامة تدبيرية رشيدة ومتكاملة للشأن العام.

ضعف العمل الحكومي ومحدوديته يمكن استخلاصه أيضا من كل مايلي:

** الفرع الأول: على المستوى الإقتصادي والإجتماعي:

لا يمكن إنكار وجود أزمة اقتصادية حادة ومتنامية في ظل حالة من الضعف والإرتباك في تدبيرها، فقد أكدت سنة 2007 أن اقتصاد المغرب غير قادر على تبوأ مكانة الإقتصاد الصاعد الذي يتميز بقدرته على امتصاص الهزات الإجتماعية القوية وخلق فرص الشغل، ومواجهة التحديات الخارجية المتمثلة في ” البترول، القمح، النسيج، الجفاف، الإرهاب..” وكذلك مواجهة المنافسة الخارجية والحفاظ على التوازنات الإقتصادية .

كما أن تفاقم المسألة الإجتماعية من فقر وحرمان وبطالة وأمية وتهميش وتشرد.. ناهيك عن التقارير الدولية ( صندوق النقد والبنك الدوليين) التي تؤسس لمنطق آخر عكس منطق المسؤولين السياسيين. فقد تم تصنيف المغرب وفق التقرير الصادر عن صندوق الأمم المتحدة الإنمائي، ضمن خانة الدول ذات التنمية المتوسطة باحتساب عدد المؤشرات التنموية التي مازالت الأضعف عربيا ” الأمية في صفوف الكبار- 15 سنة فما فوق- تصل إلى %48، في حين أن المتوسط العربي هو 29% والمتوسط العالمي هو24%، كما أن نسبة الإلتحاق بالمدارس الإبتدائية والاعدادية والثانوية لا تتجاوز 58.5%. “.

ما يزكي هذه المعطيات أيضا، تنامي المد الإحتجاجي وتصاعد الحركات الإحتجاجية بشكل لم يسبق له مثيل، وفي أكثر من مجال، وعلى مختلف الأصعدة، كنتيجة لتدهور الأوضاع الإقتصادية، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، المطالبة بالحق في التنمية والأمن الإجتماعي، الدفاع عن الموارد الطبيعية، ناهيك عن القطاعات التي كانت دوما تقود الإحتجاج كقطاع التعليم، الصحة، المعامل، حملة الشواهد المعطلين .

** الفرع الثاني: على مستوى حقوق الإنسان والحريات العامة:

إن الإعتقالات التي تمت في السنوات الأخيرة، والتعذيب في السجون، والمنع الذي تعرضت له بعض الجرائد والصحف والمجلات، وحالات عديدة تدل على أن الحقوق والحريات في المغرب مازالت تشهد مدا وجزرا، وبالتالي يمكن القول بأن تطبيق القانون لم يرق بعد إلى المستوى الذي يليق بالبناء الديموقراطي، فعندما نتحدث عن القوانين، نتحدث أيضا عن القيم ،حيث أن القيم الأخلاقية والسياسية كالحرية، المساواة والكرامة تستحق أن تكون في أسمى مرتبة في المجتمع، وتطبيق القانون هو الأداة الضرورية لترسيخ هذه القيم وصيانتها والحفاظ عليها .

لقد شهدت سنة 2007 باعتبارها سنة إنتخابية، تقديم الحكومة المنتهية ولايتها لحصيلة عملها برئاسة وزير أول تكنوقراطي، وبالرغم من ذلك فان مؤسسة الوزير الأول “ادريس جطو” لم تحمل أي جديد فيما يتعلق بتحسين شكل ومضمون حضوره كمؤسسة سياسية بشكل يدعم التمايز الهيكلي المطلوب بين المجال الخاص بالمؤسسة الملكية، والمجال الخاص بالوزير الأول، وهو التمايز الضروري لٱنعتاق مؤسسة الوزير الأول من التبعية المطلقة للملك .

فبماذا يمكن تفسير ذلك الحضور القوي للمؤسسة الملكية في واجهات الفعل السياسي والإقتصادي والإجتماعي، مقابل ضعف الآداء الحزبي والمؤسسات المنتخبة والحكومة؟

إن طرح السؤال الخاص بأسباب عجز المؤسسات السياسية المغربية عن آداء أدوارها، يظل قائما وباستمرار، فأين يكمن الخلل؟ في موضوع القرار؟ أم في صانعيه؟ أم في الكتلة الخاضعة لتطبيقه؟ أم أن الخلل مرتبط أساسا بمدى استقلالية هذه المؤسسات وتمتعها بشخصية تؤهلها لمزاولة وظائفها بقدر من الإنسجام والمسؤولية والتكامل، وقادرة على إقرار التوجهات السياسية الداخلية والخارجية، والإختيارات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية..

وهنا نعيد طرح نفس الإشكال الذي طرحه الراحل عبد الله إبراهيم: كيف يمكن لحكومة أن تنجح إذا كانت الحكومات كلها تقريبا فاقدة لمسؤولية التصور ولحرية المبادرة في التسيير، وكأن المجتمع اليائس تحت سلطة تسييرها في وضعية هدوء بدون استقرار؟

الحاصل إذن أن ضعف المشاركة السياسية عموما، والعزوف الإنتخابي الذي شهدته انتخابات السابع من شتنبر الماضي، هو جزء من الكل، ذلك الكل المركب من أوضاع سياسية، مؤسساتية، اجتماعية، ثقافية ، أمنية واقتصادية مأزومة وموسومة بممارسات لاعقلانية.
هي إذن أوضاع متعددة الأبعاد والدلالات، وحصيلة لتراكم العديد من العوامل والتفاعلات المعقدة.

فالعزوف الإنتخابي واقع يبرز مدى دقة المرحلة الراهنة وحساسيتها، ما يفرض على مختلف الفاعلين السياسيين ” أحزاب، نخب سياسية وثقافية واجتماعية، حكومة، أفراد ومؤسسات..” بذل المزيد من الجهود لتجاوز إحباطات اللحظة وتعثراتها وتداعياتها السلبية، وفتح ما هو ممكن من آفاق النظر، والعمل من أجل الإصلاح والتجديد وإعادة التأسيس والبناء استهدافا لهيكلة حقل سوسيوسياسي متطور وحديث، ولعمل حكومي منتج وفاعل، ولمشاركة المواطنين- مشاركة واعية وهادفة ومسؤولة.

من هذا المنطلق، كان من اللازم التكهن ببعض المداخل التي من شأنها الإرتقاء بالمشاركة الإنتخابية، وإعادة الثقة للشأن السياسي عامة والعملية الإنتخابية خاصة، وذلك بناء على المعطيات والأولويات الأساسية التي جادت بها استمارة البحث.

الفـصــل الثـالــث:
مـداخـل الإرتـقـاء بـالمشـاركــة الإنتخـابية

في ظل الظروف السياسية الراهنة، وفي ظل استمرار الحكم على المؤسسات الوطنية بكونها مؤسسات غير مؤهلة لإدارة الشأن السياسي والإجتماعي العام، وتوجيهه نحو المزيد من التنمية والديموقراطية والعدالة والرفاه الإجتماعي المعمم على أكبر قدر ممكن من شرائح المجتمع .

فإن المدخل المناسب للوضع السياسي الحالي في المغرب هو مدخل السياسات المؤسساتية الإصلاحية كمنهج كفيل بتأهيل نظام الدولة وإقامة مؤسسات مسؤولة تضطلع بكامل مهامها، ولتجاوز معاملات الإحباط التي استشرت في صفوف المواطنين تجاه كل ما له علاقة بالشأن السياسي. فالإصلاحات المؤسساتية هي وحدها الكفيلة بتفادي جميع التجاوزات والخروقات.

وبناء عليه، فانه وفي سبيل إعادة الإعتبار للشأن السياسي، والإرتقاء بالمشاركة الإنتخابية، سنركز على ثلاث مداخل أساسية باعتبارها محاور المطالب الإصلاحية التي جادت بها العينة قيد الدراسة، وذلك كالآتي:
 مدخل دستوري
 مدخل مؤسساتي
 مدخل تنموي

الـمبـحــث الأول:
مـدخــــل دستــــوري

يمكن القول بأن المدخل المناسب والموافق للوضع الحالي في المغرب لمواجهة تحديات الإصلاح، هو مدخل السياسات المؤسساتية الإصلاحية كمنهج كفيل بالمساعدة على تأهيل نظام الدولة في مواجهة تحديات الداخل والخارج . فالإصلاحات المؤسساتية هي وحدها الكفيلة بتفادي جميع التجاوزات واستبعادها في ظل هيمنة المؤسسة الملكية كنتيجة حتمية لغياب الفصل الحقيقي للسلط، الأمر الذي أعطى لحكم هذه المؤسسة سلطة مطلقة أصبح معها الملك وفقا لمنطوق الدستور، له صلاحيات تعيين الوزير الأول دون التقييد بما يسفر عنه الإقتراع في الإنتخابات، كما يمنح الدستور الملك صلاحية وضع حد لمهامه ومهام الوزراء، لأن الحكومة مسؤولة أمامه قبل أن تكون مسؤولة أمام البرلمان “الفصل 60 من الدستور” وبذلك تصبح الحكومة تحت الإمرة، والسلطة ذات رأسين من الناحية الشكلية لكنها من الناحية العملية ذات رأس واحد.

وحسب نتائج الدراسة الميدانية، فإن معظم المستجوبين ( وتحديدا الفئة المثقفة: جامعيين ودراسات عليا) أكدوا على ضرورة إجراء تعديلات دستورية في إاشارة واضحة منهم إلى هيمنة المؤسسة الملكية، وغياب هامش المبادرة لدى باقي الفاعلين داخل الحقل السياسي ( 47 % من المستجوبين ينادون بضرورة إجراء تعديلات دستورية).

قد لا نضيف جديدا إذا قلنا بأن الهندسة الدستورية الحالية تكرس اختلالا كبيرا في توازن السلط، ولا تترجم المنطق الديموقراطي الذي يربط السلطة بالمحاسبة. وهكذا أضحى مطلب الإصلاح الدستوري حاضرا لدى مختلف الفرق السياسية، كل حسب مقاربته، فالبعض يقترح أن يمس هذا الإصلاح السلطة السياسية للملك مع الإبقاء على سلطته الدينية، بينما يرى البعض الآخر أن السلطتين معا مدعوتان إلى المراجعة على اعتبار أن مدخل الإصلاح يقتضي حذف الفصل 19 الذي يجسد إمارة المؤمنين، أو في أحسن الأحوال تقييد صلاحياته.

كما أن دمقرطة النظام السياسي يجب أن تمر عبر بوابة مراجعة سلطات الملك ، ما يوحي بوجود سجال نظري بين تيارين ضمن المشهد السياسي المغربي، فالفاعلين المنتمين للأحزاب المشاركة في الحكومة تكتفي بطرح مطالب تهم المرحلة الإنتقالية، وتعنى بدستور معدل بشكل طفيف وجزئي من شأنه الإفضاء إلى الملكية البرلمانية. بينما تطالب القوى الفاعلة خارج العمل الحكومي بضرورة طرح مطالب تشخيص التوجه نحو الملكية البرلمانية على اعتبار أن المرحلة الإنتقالية قد انطلقت منذ الإصلاح الدستوري سنة 1992.

الحضور القوي للمؤسسة الملكية في شتى واجهات الفعل السياسي والإقتصادي والإجتماعي تشكل حسب نتائج البحث الميداني أهم دافع للعزوف الإنتخابي، فمختلف المشاريع التنموية تنجز بمبادرات ملكية، وبالتالي تهميش دور الحكومة والبرلمان، وكانت المحصلة غياب الجدوى من العملية الإنتخابية طالما أن الملك هو الفاعل الإساسي داخل الحقل السياسي المغربي، فتبرز المؤسسة الحكومية كأنها منظمة غير حكومية ذات طبيعة استشارية محضة. وعليه، فإن الأمر يتعلق بمؤسسة دستورية تختزل في ذاتها كل مناحي الحياة الإجتماعية.

هذا الحضور القوي ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكم الممارسات السياسية، وترجمة لضعف ومحدودية المؤسسات الدستورية والسياسية الأخرى، فالدستور المغربي رغم التعديلات الخمسة التي أدخلت عليه، يعطي للمؤسسة الملكية سلطات وصلاحيات تفوق بكثير مهام المؤسسات الدستورية الأخرى/ الحكومة والبرلمان على الخصوص/ فالحكومة هي حكومة جلالة الملك تستمد سلطاتها من توجيهاته وتعليماته، أما البرلمان فيفتقر بدوره لعدد كبير من الصلاحيات، خصوصا في المجال التأسيسي والمجال الديبلوماسي، بينما تخضع باقي صلاحياته في مجال التشريع ومراقبة الحكومة إلى الضرورات الناتجة عن عقلنة العمل البرلماني .

بالإضافة إلى ذلك فإن فشل مشاريع الإصلاح السياسي، تؤكد أهمية وضرورة الإصلاح الدستوري كمدخل للتغيير والنهوض بالشأن السياسي، إاصلاح يمنح مساحات كبرى لمؤسستي الحكومة وتحديدا الوزير الأول، ويعطي إمكانيات حقيقية للمؤسسة التشريعية في المراقبة والتشريع..

وفي هذا السياق نشير إلى الكيفية التي يمكن أن تتم بها المطالبة بالإصلاحات الدستورية على مستوى الشكل:

 أسلوب المذكرات التي لجأت إليها بعض نخب الأحزاب السياسية على وجه الخصوص، أي أن الأحزاب تقدم مذكرات إلى الملك تتضمن تصوراتها ونظرتها لإصلاح مضامين الدستور على أساس أن يؤخذ بمطالبها في عملية الإصلاح، وفي هذا السياق نذكر بالمذكرة التي رفعها حزبي الاستقلال والاتحاد الإشتراكي بتاريخ 23 أبريل 1996.

 دفع البرلمان إلى تقديم اقتراح يروم إدخال تعديلات على بعض بنود الدستور لكون هذا الأخير يعطي للبرلمان هذه الصلاحية شريطة موافقة ثلثي أعضائه.

 انتخاب هيئة أو مجلس تأسيسي بشكل ديموقراطي، تناط به عملية صياغة الدستور وعرضه على الشعب ضمن استفتاء شعبي قصد التصويت عليه.

 تنظيم ندوات أو مؤتمرات تشارك فيها مختلف الفصائل السياسية والمدنية دون إقصاء أحد، وذلك بهدف وضع وثيقة دستورية جديدة تنظم الحياة السياسية.

الحاصل أنه يمكن القول بوجود أربعة محاور أساسية عمق حولها النقاش، على اعتبار إمكانيات تحيينها ضمن أدبيات ما يسمى ب” العهد الجديد”، ويعنى الإتجاه العام لهذه المحاور في الإصلاحات الدستورية بالنقاط التالية:

 الجانب المؤسساتي والسياسي بهدف توضيح الصفات والصلاحيات الملكية بشكل لا يسمح بتأويلات تهمش دور الحكومة والبرلمان، لاسيما وأن الدستور المغربي خاضع لقراءات وتأويلات ملكية.

 إصلاح القوانين والمراسيم المتضمنة للعديد من الثغرات ( حرية التعبير والعقيدة مثلا) من خلال تقوية الضمانات الدستورية للحقوق والحريات العامة ( صحافة، تجمعات، جمعيات..) بما في ذلك تعزيز استقلال القضاء.

 تقوية دور الحكومة في صياغة السياسة العامة للدولة والتوفر على جميع وسائل تنفيذها وتقوية دور الوزير الأول، حيث ظل – الوزير الأول- مفتقرا إلى السند الشعبي والنيابي الذي يمنحه مركزا حقيقيا باعتباره الشخصية الثانية في الجهاز التنفيذي، وذلك في سبيل وضع حد لتعدد مراكز القرار الخارجة عن سيطرة الحكومة والمسؤولة أمام البرلمان والمواطنين في الإنتخابات.

 تقوية البرلمان بتعزيز دوره التشريعي وارتباطه بالحكومة في تنصيبها ومراقبتها.

غير أن إصلاحا دستوريا حقيقيا سوف يبقى مجردا وفارغا إذا لم ترافقه إرادة سياسية قوية، قادرة على القطع مع كل أشكال التدبير السابقة، وإقامة مؤسسات سياسية عصرية فعالة وليست صورية، وإعمال كل الإجراءات السياسية والقانونية لوضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب في الجرائم الإقتصادية والسياسية، لأنه من المستحيل وكما أكدت تجربة التناوب التوافقي السابقة، تأسيس مجتمع ديموقراطي على قاعدة البنى السياسية العتيقة، الأمر الذي يستوجب إحداث قطيعة سياسية مع نظام المخزن بارتباط مع البناء الديموقراطي الحقيقي الذي يروم الإصلاح الدستوري والسياسي.

المـبـحـث الثـانـــي:
مــدخــــل مـؤسســاتــــي

تعتبر السياسات عملية مستقبلية، لذلك فهي تمكننا من الإهتمام بكل التطورات والتغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإنسانية لضمان استمراريتها، وهنا يبرز العامل المؤسساتي في ضمان هذه الإستمرارية . وانطلاقا من ذلك، يروم هذا المدخل إلى إقامة مؤسسات سياسية عصرية وفعالة. صحيح أن المغرب يتوفر على الهياكل المؤسساتية من برلمان بمجلسيه، أحزاب سياسية، جهاز حكومي وغيرها، إلا أن الحدود الدستورية تجعل من هذه الأخيرة مؤسسات صورية لا ترقى إلى المستوى الفعلي.

لقد كرست السلطة المركزية التعامل مع المؤسسات باعتبارها ملحقة لها ( سيطرة وزارة الداخلية ، توثيق العلاقة بالسلطة المركزية..)، وبناء نوع من العلاقات التراتبية الهرمية بين مختلف التنظيمات السياسية في غياب تام للتفاعل الحقيقي بينهما.

وعلى هذا الأساس فإنه لايمكن المراهنة على الإصلاحات السياسية وتعزيز المشاركة المجتمعية في الشأن السياسي دون المرور بإعادة النظر في هذه المؤسسات وكيفية اشتغالها.

الـمـطــلــب الأول:
على مستــوى المـؤسســة الحـكومية

يمكن أن نتساءل عن مدى تطور عمل هذه المؤسسة؟ ورقيها ومسايرتها للتحولات الإجتماعية؟

صحيح أن المؤسسة الحكومية هي أهم عنصر في الحياة السياسية، وهي مؤسسة أساسية وجهاز ضروري، ويؤكد لنا ذلك عالميتها (المؤسسة الحكومية) وتواجدها في كل البلدان كمؤسسة معترف بها ومجسدة ومنظورة.

إلا أن هذه الأهمية سرعان ما تندثر في المغرب عند العودة إلى محدودية عمل هذه الأخيرة، ويمكن إجمال هذه المحدودية في الحدود الدستوريةّ، فكما سبقت الإشارة فإن الحكومة هي حكومة جلالة الملك، ولاينبغي للعمل الحكومي أن يخرج عن الإطار الذي يرسمه له الملك، وبناء عليه فان مبادرات الحكومة المتعلقة بوظائفها القيادية والتنفيذية تحتاج الى موافقة الملك.

فقد حرصت النظرية الدستورية الحديثة على ضرورة قيام حكومة مسؤولة كمؤسسة تنفيذية أمام البرلمان، إلا أنه في المغرب تأكيد ذلك عبر المطالبة بربط تقديم الوزير الأول المعين من طرف الملك للبرنامج الحكومي أمام مجلس النواب للتصويت عليه وحصوله على الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، بعدها يشكل الوزير الأول الحكومة ويتقدم بلائحة أعضائها إلى الملك الذي يقوم بتعيينهم.

وفي حالة عدم موافقة البرلمان على البرنامج الحكومي يختار الملك وزيرا أولا جديدا، وهو ما يجعل مسؤولية الحكومة مستمدة من التنصيب البرلماني للوزير الأول، ومن موافقة أعضاء مجلس النواب على الخطوط العامة للبرنامج الحكومي، غير أن الدستور المغربي والممارسة السياسية تكشف أننا بصدد التنصيب الأحادي للوزير الأول وللحكومة، ومعلوم أن مسؤولية الحكومة في الفقه الدستوري تعني أن هذه الأخيرة هي التي تحدد السياسة العامة للبلاد وتقودها، الشيء الذي تفتقر إليه الحكومة في المغرب لأن الدستور ينيط هذه المهمة بمجلس الوزراء الذي يترأسه الملك .

هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن المراقبة البرلمانية لم ترق بعد إلى أن تكون محفزا للعمل الحكومي، نظرا لغياب ملتمسات الرقابة وعدم تفعيل المقتضيات الدستورية الخاصة بمساءلة أعضاء الحكومة من طرف البرلمان، ما يؤدي إلى غياب الحوافز التي قد تشجع الحكومة على أن تكون فعالة في عملها . هذا بالإضافة إلى غياب التجانس الحكومي، ففصل واحد ووحيد من الدستور هو الذي يتحدث عن صلاحيات الحكومة باعتبارها هيئة جماعية.

المـطـلــب الــثــانــي:
علــى مستـــوى المـؤسســة البرلمـانيـة

لابد من مسايرة الفعل البرلماني لمتطلبات الدينامية الإجتماعية، فالمواطنون باتوا يبنون صورا لممثلين قادرين على الإجابة على متطلباتهم الإجتماعية والإقتصادية والسياسية. وعليه، فإن عمل المؤسسة البرلمانية يجب أن يكون خاضعا للتوجهات العامة بشكل فعال وكاف لضمان مشروعيته.

لكن البرلمان المغربي يعاني من غياب ثقافة برلمانية، فبالإضافة إلى غياب الإنضباط البرلماني ( ظاهرتا الترحال بين الفرق البرلمانية والغياب)، فإنه كثيرا ما ينفرد بظاهرة غريبة عن الممارسات البرلمانية المتعارف عليها، وتتمثل في مساندة الأغلبية البرلمانية لحكومات غير منبثقة عنها ذات مكونات تكنوقراطية ( منذ 11 غشت 1992 تعاقبت على العمل الحكومي بالمغرب سبعة تشكيلات حكومية منها حكومتان فقط يقودهما وزير أومنتم، مقابل عدم وجود أي ملتمس للرقابة البرلمانية إلا أنه رغم ضعف السلطة التشريعية الناتج عن محدودية الإمكانات التي يقدمها النص الدستوري وسحب بعض الصلاحيات منها بإنشاء العديد من اللجن الحيوية خارج البرلمان وعقلية المنتخبين التي جعلت من التمثيلية البرلمانية وظيفة مرتبطة بالسلطة التنفيذية – وزارة الداخلية أساسا .

وبخصوص علاقة البرلمان بالحكومة، يلاحظ أن هناك قيودا مفروضة على تمثيلية واختصاصات البرلمان، تدعم بهيمنة الجهاز التنفيذي، التي تتجاوز التدخل في كل مراحل المسطرة البرلمانية ابتداء من جدول الأعمال، لتنصب على وجود البرلمان كمؤسسة.

ذلك أنه منذ سنة 1963 وعلى امتداد الولايات التشريعية رفض القضاء الدستوري الإعتراف للبرلمان بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي وبالتالي جعله خاضعا في تدبيره الإداري للحكومة .

بالرغم من ذلك، فإن ذلك لا ينفي بعض المبادرات البرلمانية داخل الحقل السياسي المغربي من خلال تشكيل لجن تقصي الحقائق في مجموعة من القضايا والموضوعات التي همت الحياة العامة، وآخر لجنة تم إحداثها في هذا المجال ” لجنة تقصي الحقائق حول أحداث سيدي إفني”.

وبالتالي فإن الإنفتاح على مواضيع تمس المراكز السياسية والإقتصادية والإجتماعية للمواطنين و جعل البرلمان أكثر استقلالية ثم أكبر إشباعا للحاجات الأساسية للمواطنين كفيلين بإعادة الاعتبار للمؤسسة البرلمانية.
فاستمرار عنصر المصلحة والدفاع عن القضايا، هو أساس صناعة وتجديد المشروعية البرلمانية، وهكذا فإن عامل المصلحة وطريقة تدبيره هو الذي يؤثر في نهاية المطاف على كيفية الأداء البرلماني وتوجيهه نحو مسار دون آخر .

والحاصل أن المواطنين بصفتهم أفرادا داخل جماعة الدولة، يتوخون تحقيق فعالية وكفاية مطالبهم تجاه البرلمان الذي أكسبوه مشروعية التخطيط والتفكير بإسمهم فيما يخدم مصالحهم وقضاياهم، ما دون ذلك يبقي البرلمان كمؤسسة صورية محدودة الأداء والإنتاج.

المطلب الثالث:
على مستوى المؤسسة القضائية:

بدأت التقارير الدولية ومنذ سنة 1995 في رصد أدوار القضاء المغربي، وبالتبعية صيغ خطاب إصلاحي يردد مضامين التقارير لكنه يختزل معادلة التحديث في الجوانب التقنية دون النفاذ إلى جوهر الإشكال المتمثل في عدم تمتيع القضاء بوضع “المؤسسة” و “السلطة”.

لذا ضعفت الإستقلالية عن عمل الجهاز القضائي وامتدت لعمله السلطة التنفيذية من خلال مؤسسة وزير العدل بشكل مادي أو رمزي .

وبناء عليه، اعتبرت مهمة هيكلة النظام القضائي المغربي أحد أهم المهام الموكولة إلى الجهاز الحكومي في الفترة الراهنة، فبعد أن اعتبر موضوع القضاء من الطابوهات التي يحرم الكلام فيها أو نبش أسرارها، تغلغلت المؤسسات والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية بشكل قوي في دول العالم عن طريق إعداد التقارير والنشرات في مجالات مختلفة أبرزها القضاء.

وفي هذا السياق أصدر البنك العالمي تقارير متعددة ومتوالية عن القضاء بالمغرب منذ سنة 1993 الى 2006، وخلص أول تقرير الى كون القضاء بالمغرب مكبل بالبطء وانعدام الكفاءة والتدخلات والرشوة، ثم تلته وزارة الخارجية الأمريكية بتقرير مماثل سنة 1994، وأصبحت هذه التقارير مرجعا وعنوانا لعدم نزاهة وفعالية القضاء المغربي، وهذا ما أكدته أيضا التقارير الصادرة سنوات 2002- 2003- 2004- 2005 – 2006 .

وكان مضمون مجمل هذه التقارير يلخص وضعية القضاء المغربي، وذلك في التالي:

 عدم وجود استقلال القضاء بشكل حقيقي.
 عدم فعالية القضاء ( تراكم الملفات وعدم البث فيها بشكل سريع ومناسب يشكل أسلوبا يدعو إلى الرشوة).
 تزايد ظاهرة الرشوة حتى أضحت من مصاريف العدالة، وهذا يتناقض مع مبدأ مجانية القضاء.

 انعدام الكفاءة، فالقضاة لا يستطيعون رد ما ورد بمحاضر الضابطة القضائية رغم ثبوت عكسها، وبالتالي غير قادرين على فرض واحترام سيادة القانون.

وتبعا لذلك تم فتح ورش الإصلاح القضائي لمحاربة التجاوزات وفرض سلطة القانون، وإعادة الإعتبار للسلطة الشرعية للمحاكم وإرجاع الثقة للقضاة واستعادة ثقة المتقاضين ومحاربة التجاوزات وإعادة فرض سلطة القانون .

ولتحقيق ذلك كان من اللازم التنصيص على مبدأ استقلالية القضاء كمؤسسة، والإعتراف به كسلطة مستقلة تماما عن السلطات الأخرى، وتوفير كافة الضمانات لاستقلال القضاة كأفراد، فمن الطبيعي أن القضاء لن يلعب دوره كاملا في ظل مناخ استبدادي يصادر الحقوق والحريات ولا يعبأ بالقانون ومؤسساته، وهذا يعني أن العمل على استقلالية القضاء والتوجه نحو ترسيخ الديمقراطية ينبغي أن يسيرا جنبا إلى جنب وبإيقاع واحد .

وفي هذا السياق أعلن الملك محمد السادس خلال افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية عن ضرورة إعطاء الأولوية لإصلاح قطاع القضاء في برنامج الحكومة المغربية الجديدة قائلا: ” لن يكتمل المخطط الإستعجالي إلا بإصلاح العدل وتحديثه وتأهيله دعما لاستقلاله وللأمن القضائي ولسيادة القانون والتنمية، وإننا لعازمون على الإعداد والتشاور الواسع والمتخصص لميثاق وطني مضبوط للتغيير العميق والشامل..”

وبالتالي فإن إعادة هيكلة النظام القضائي المغربي يعتبر أحد أهم المجالات التي ترتكز عليها جهود الحكومة في الفترة الراهنة لإعادة الاعتبار لقطاع حيوي وحساس باتت الأزمة والفساد ينخران هيكلته ومؤسساته وأجهزته القانونية.

فهل تمثل أزمة القضاء بالمغرب أزمة نصوص وضوابط قانونية؟ أم أنها مسألة ضمير وأخلاق بالدرجة الأولى؟.

الـمبـحــث الثـالــث:
مــدخــــل تـنـمـــــوي

تعد التنمية بمفهومها العام عملية واعية موجهة لصياغة بناء حضاري وإجتماعي متكامل، يؤكد فيه المجتمع ذاتيته وهويته وإبداعه.

والتنمية بهذا المفهوم تقوم أساسا على مبدأ المشاركة الجماعية الفاعلة والإيجابية، بدءا بالتخطيط واتخاذ القرار، مرورا بالتنفيذ وتحمل المسؤوليات، وانتهاء بالإنتفاع من مردوديات وثمرات مشاريع التنمية وبرامجها.

ومما لاشك فيه أن الإنسان هو الركيزة الأولى، والأداة الأساسية للتنمية، بالإضافة إلى كونه الغاية الرئيسية منها.

وبناء عليه لايمكن حصر التنمية في الحدود الضيقة للنمو الإقتصادي، بل لابد من تبني مفهوم موسع يستوعب أبعادا إجتماعية وسياسية وثقافية… أو بالأحرى هي عملية تحرر إنساني تشمل تحرير المجتمع من ذل الإعتماد على الخارج وتخليصه من قيود التبعية بكل ما تحمله من استغلال وتقييد للإرادة الوطنية.

آنذاك يمكن الحديث عن الإنسان كمواطن مسؤول وواع بواجباته تجاه وطنه، ومنه فإن عملية التنمية تتضمن عمليات التغيير الإيجابي في المجتمع وذلك من جوانب متعددة منها:

الـمـطـلــــب الأول:
الجـــانـــب الإجـتـمـــاعـــــي

يهتم هذا الجانب بتحسين الأحوال الإجتماعية وتنمية القدرات البشرية سواء من الناحية الصحية، التعليمية، والسياسية، بالشكل الذي يسهم في الرفع من مستوى الوعي الإجتماعي ويمكن المواطن من المساهمة والإشتراك في الحياة المدنية بكل ما تحمله من حقوق وواجبات.

التنمية الإجتماعية إذن تمتد إلى عدة مجالات تتشعب وتتفاعل مع بعضها ، وتهتم كذلك بالنظم والقيم والعادات والإتجاهات والموروثات الإجتماعية، حيث تعمل على تشجيع وتفعيل ما هو مثمر منها من وجهة نظر المجتمع، وإزالة ومعالجة ما يقف منها عقبة في سبيل التطور والتقدم. فالنهضة الإجتماعية مكون أساسي وأصيل في مسيرة النهضة الشاملة، وهي محور العملية التنموية بكاملها.

وعليه، فهي تتطلب بالأساس تحد المسألة الإجتماعية وما تضمه من فقر، بطالة، أمية وغير ذلك من مظاهر الإختلال التي أضحى المغرب يتبوأ مكانات سلبية ومتأخرة بسببها الأمر الذي ينعكس سلبا على دولة المؤسسات والعدالة الإجتماعية ويتناقض مع الخطاب الرسمي المعلن ” العهد الجديد” ” المفهوم الجديد للسلطة” ” الحكامة الجيدة” ” المجتمع الديموقراطي الحديث” ” التنمية البشرية”. فالتقارير الدولية تصنف المغرب ضمن خانة دول ما بعد المائة والعشرين التي تشترك في الفاقة وسوء التدبير وهشاشة البنيات السوسيوإقتصادية، بل وغياب المشروع المجتمعي المؤطر للتوجهات والإختيارات .

التنمية الإجتماعية تضع الإنسان وتمتعه بالحرية والمساواة وغيرها من القيم الإنسانية في مصاف الغايات الأسمى.

بذلك تكون التنمية أسلوبا من أساليب النهوض بالمجتمع، وعلى هذا الأساس فهي لا تعد غرضا في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لتحقيق أغراض معينة يبتغيها المجتمع.

الحاصل أن اعتماد مفهوم ثابت ومتكامل للسياسة الإجتماعية وآليات صياغتها وأدوات رصدها كفيل بتحقيق تنمية بشرية أكثر توازنا وإنصافا واستدامة، وترسيخ السلم الإجتماعي على أسس متينة، وبالتالي إعادة الثقة للمواطن وإنسانيته ووطنيته بالشكل الذي يعيده إلى الإهتمام بالشأن السياسي عامة والإنتخابي خاصة.

المـطـلـب الثـــانــــي:
الجــــــانــب الإقـتـصـــــادي

وذلك بمعنى أن برامج التنمية يجب أن تهدف إلى تحسين الظروف المادية والإقتصادية من أجل رفع مستوى معيشة الأفراد. فمفهوم التنمية الإقتصادية مرتبط أساسا بالرفاه الإجتماعي وبرفع مستوى المعيشة، وذلك من خلال رفع مستوى ونوعية حاجات الإنسان الأساسية والثانوية في المدى البعيد، ولتحقيق ذلك لابد من التغلب على عقبات وتحديات كثيرة، فلا يخفى على أحد أن مقياس تقدم الدول يكمن فيما تنتجه وتقدمه هذه الأخيرة لشعوبها أولا، فلابد من إحداث تغييرات إقتصادية تساعد على اكساب المجتمع القدرة على إشباع حاجاته الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن..
تفترض التنمية الإقتصادية إذن “انعاش النمو الإقتصادي وتحفيز الإستثمار العام والخاص، وإطلاق تنمية شمولية وإقلاع إقتصادي يضع في صلب أولوياته تشغيل الشباب والنهوض بالعالم القروي والمناطق المعوزة” .

فلابد من تحد إقتصادي شامل لتشكيل بيئة اقتصادية نظيفة ومنظمة وواضحة من أجل الإستثمار الداخلي والخارجي ( عقلنة المجال الاقتصادي) فالمغرب يواجه تحديات كبرى منها بالدرجة الأولى ضعف النمو الإقتصادي والتأثر بالتقلبات المناخية، إلى جانب ضعف مستوى المؤشرات سواء على مستوى الدخل أو ارتفاع البطالة والضغط المتنامي على الموارد الطبيعية لاسيما الماء، فشرائح عريضة من السكان لازالت مهمشة من الناحية الإقتصادية والإجتماعية .

ولامناص من ذكر بعض المقومات الأساسية لتحقيق مطلب تسريع النموالمستديم والمنتج لفرص الشغل والتقليص من الفقر والتهميش حسب تقرير البنك الدولي وذلك كالآتي:

• تحسين تنافسية مناخ الاستثمار
• تحسين ظروف عيش الطبقات الفقيرة والمحرومة عبر التقليص من دور الصفيح وتحسين ظروف الولوج للسكن للفئات الأكثر فقرا.

• تحسين تدبير وفعالية النظام التعليمي عبر عمليات التمويل وتقديم الإستشارة للرفع من مستويات الولوج للتعليم الأساسي وكذا جودته..

ولتحقيق ذلك لابد من توفر الشفافية كشرط أساسي للحكامة الجيدة، إلا أن الإشكال يبقى دائما مطروحا على مستوى التنفيذ، حيث تغيب المحاسبة والمراقبة فيما يخص تطبيق هاته البرامج والورشات الإصلاحية في الوقت الذي يستشري فيه الفساد ويتجاوز كل شيء حتى الدولة.

وتبقى الدعوة إلى التصالح مع النمو الإقتصادي القوي، المنتج لفرص الشغل، والمقلص لمعدلات الفقر أبرز مطالب الشعب المغربي

المـطـلـــب الثــــالــــث:
الجــانـب الثـقـافــي
” نشـر الثـقـافـة والوعـي السـياسيـين”

إن مختلف النتائج والعوامل السالفة الذكر حول العزوف الإنتخابي تعطي الإنطباع بأن المشاركة الإنتخابية مازالت تتطلب نشر الثقافة السياسية على مدى واسع لتشمل كل الفئات والشرائح والطبقات، كما تتطلب وبإلحاح عملا استراتيجيا منظما على الصعيد التربوي والثقافي لجعل المواطنين متمرسين على الحوار والنقاش والمشاركة.

الإشكال المطروح على المستوى المغربي هو كون النظام يشتغل داخل نسق سياسي مغلق، وتسيطر عليه ثقافة سياسية واحدة، نمطية وجماعية، ثقافة التبعية والرعوية، سعت إلى تحييد المواطن عن الشؤون السياسية واكتفائه بالحديث عن قوته اليومي، الأمر الذي يحول دون تحيين التركيبة المجتمعية وجعلها فاعلة وفعالة، وبالتالي تتعمق الهوة بين مكونات المجتمع ومؤسساته.

وفي المقابل، فإن الحديث عن المشاركة الفعالة يقتضي بالأساس معالجة طبيعة النمط السياسي السائد، وطبيعة الثقافة السياسية المؤطرة للمجتمع.

إن ثقافة المشاركة تكون مرتبطة بالمؤسسات، على اعتبار أن المشاركة هي أساس وجود هذه الأخيرة، كما أنها نقيض الإقصاء، وتعني القبول المتبادل، وأن يكون للفرد جزء من السلطة لكون السلطة شيء وملك مشاع لكل أفراد المجتمع وليست حكرا على طبقة معينة.
كما تعني أيضا مساهمة الفرد في المشاريع التي تخدم المجتمع .

لكن، وطالما أن الثقافة مصدرها محصور في عنصر واحد، فإنها بالتالي لا يمكن أن تكون إلا ثقافة الخضوع والتبعية، فبالرغم من ّأن الفرد له رؤية واضحة لواقعه المجتمعي، إلا أنها تبقى رؤية ثابتة للرؤية العامة التي ساقها النظام السياسي أي مجموعة من الأفكار والقيم التي يستوعبها أفراد المجتمع ويتفاعلون معها تفاعلا سلبيا، أي دون أن ينتقدوها.

والحاصل أن الحديث عن التغيير والرقي بالمشاركة السياسية إلى مرحلة تتوافق وإواليات الديمقراطية، وتتناسب مع الخطاب السياسي السائد والمتمحور أساسا حول المشروع المجتمعي ل”العهد الجديد”، والمشروع المجتمعي يتطلب بالأساس الإنفتاح على مختلف مكونات المجتمع المغربي، والسماح للآخر بالظهور والفعل والمشاركة في صناعة القرار وصياغته.
ومنه فإن الثقافة السياسية تعتبر مدخلا مهما لفهم ميكانيزمات السلوك السياسي للناخب، ومن ثم فهم سلوكه الإنتخابي.

نافلة القول، أن السلوك الإنتخابي جزئية إجتماعية وسياسية لا تنفك عن محيطها السياسي، الثقافي، والإجتماعي، مما يؤكد إلزامية اعتبار هذه النواحي في مسعى فهمها، فتداخل الظاهرة الإنسانية وتعقدها يوحي بأنه لا يجب أن نبحث دائما عن تفسير ميل سياسي في سبب واحد ووحيد، ولكن في تركيبة معقدة من الأسباب المتداخلة.

والإرتقاء بهذا السلوك يتطلب لا محالة الإرتقاء بكافة الجوانب المرتبطة بالإنسان باعتباره مواطنا مدنيا له حقوقا وعليه واجبات، فالمواطنة عملية مركبة تستوجب الأخذ والعطاء

الفـصــل الـرابــع:
العــزوف الإنتخـابـي ورأي النـخـبــة
– مقابلات مع فاعلين سياسيين-

تقاس المشاركة السياسية في الإنتخابات وفق الإحصاءات التي ترصد عدد الناخبين المقيدين بالجداول الإنتخابية، ونسبة الإدلاء بالأصوات، وإجمالي الأصوات، والأصوات الباطلة . وتعتبر زيادة نسبة المشاركة دليلا على حيوية النظام السياسي وعلى ثقة الناخبين في العملية الإنتخابية. وهذا ماحذى بمختلف المؤسسات السياسية والمدنية إلى الدعوة والتشجيع على المشاركة المكثفة في الإنتخابات الأخيرة. إلا أن النتجة كانت معكوسة وأغلب المسجلين في الجداول الإنتخابية قرروا ألايتحركوا إلى صناديق الاقتراع.

خلال الفصول السابقة توقفنا عند آراء ومواقف المواطنين ثم تفسيراتهم ومبرراتهم بخصوص العزوف الإنتخابي، وخلال هذا الفصل سنعمل على عرض آراء بعض الفاعلين السياسيين بخصوص هذه الظاهرة لتقديم مختلف جوانب الصورة، وبلورة بعض الإقتراحات التي من شأنها أن ترتقي بالمشاركة الإنتخابية وتتمكن من إعادة الإعتبار للعملية الإنتخابية.

سنعمل خلال هذا الفصل على رصد أهم الأفكار التي جاد بها الفاعلون في إطار إجاباتهم حول مجموعة من الأسئلة، لكن قبل ذلك لابد من بسط طبيعة الأسئلة التي وجهت إليهم وذلك خلال المبحث الموالي.

المبحـــــث الأول:
حــول طبيعــة الأسئلــة المطروحـــة

كانت الأسئلة المطروحة على الفاعلين السياسيين المحليين في إطار المقابلات التي أجريناها معهم لمحاولة رصد ظاهرة العزوف الإنتخابي، والنبش في أغوارها متمثلة في التالي:

* بماذا تفسرون ظاهرة العزوف الإنتخابي ؟

* هل يمكن اعتبار هذه الظاهرة عزوفا سياسيا أم مقا طعة انتخابية ؟

* مدينة طنجة كانت من بين المدن الأوائل في مايخص ضعف نسبية المشاركة، ومن خلال إجراء مقابلات مع شرائح مختلفة من مواطني هذه المدينة، لامسنا غياب الثقة بين هؤلاء والعملية الإنتخابية برمتها، وكان المبرر هو فقدان الثقة في الأحزاب ؟ مارأيكم في ذلك ؟

* عدة مواطنين ضمن عينة البحث، استفسروا عن جدوى الإنتخابات مادامت الحكومة والبرلمان في النسق السياسي المغربي خارج دائرة القرار السياسي، ماذا يمكنكم القول في هذا السياق ؟

* هل يمكن أن نرهن تقرير مصير البلاد بانتخابات لم يشارك فيها سوى أقل من ثلث الكتلة الناخبة ؟

* ماهي الآفاق أو ممكنات تجاوز هذه الظاهرة ؟ وكيف يمكن إقناع الأغلبية المقاطعة بجدوى المشاركة ؟

* أو بالأحرى، ماهي التحديات المطروحة أمام الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني، لإعادة الثقة للناخب المغربي في الأحزاب السياسة وفي المشهد السياسي المغربي عامة؟؟.

فما هي التفسيرات المقدمة في هذا الخصوص أو بالأحرى ما هي أسباب الظاهرة؟
هل هي أسباب سياسية محضة؟ أم أنها أسباب تنظيمية؟ أم هي أسباب تقنية..؟

في سبيل الإجابة على هذه التساؤلات أجرينا مقابلات مع كل من حزب العدالة والتنمية في شخص البرلماني ” نجيب بوليف” وحزب الإتحاد الإشتراكي في شخص كاتبها المحلي “عزيز جناتي” بالإضافة إلى أحد ممثلي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في شخص كاتبها الإقليمي ” عبد الله الزيدي”، ويمكن إيجاز تفسيراتهم بخصوص الظاهرة في المحاور التالية.

المبحـــث الثاني
فـــي تفسير أسبـــاب الظـــاهرة

تعددت الأسباب والعوامل المساهمة في العزوف الإنتخابي، وتظافرت فيه عدة إشكالات بحيث يستحيل معها الحسم في شرح واحد أو عامل وحيد.

فهل كان السبب هو خطابات الأحزاب حيث تغيب المحاسبة وروح تحمل المسؤولية؟ أم أن الظرفية التي تمت فيها الإنتخابات لم تكن مناسبة؟ أم أن التعقيدات التقنية كنمط الإقتراع، تشابه الرموز، وعدم التوصل بالبطائق الإنتخابية كان لها الدور الفاعل في هذا العزوف؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال رصد آراء الفاعلين السياسيين والمدنيين.

المطلــــب الأول:
أسبـاب تنظيميـة وتدبيريـة وتقنيــة

في هذا الخصوص، يعزو حزب العدالة والتنمية في شخص النائب البرلماني “نجيب بوليف” أسباب العزوف الإنتخابي إلى مجموعة من العوائق، من بينها الإشكالات التنظيمية والتدبيرية التي تتعلق أساسا بفترة الإنتخابات حيث تزامن شهر شتنبر مع فترة الرجوع من الصيف، إذا أخذنا بعين الإعتبار أن مدينة طنجة هي من بين المدن التي تعرف إقبالا كبيرا عليها في فصل الصيف ما جعل جزءا لابأس به من المواطنين يواجهون إشكالات تنظيمية كالدخول المدرسي والإستعداد أيضا لفترة رمضان…

وبخصوص الأسباب التقنية، فإن الحزب يوجزها في مجموعة من النقاط المتعلقة أساسا بمسألة البطائق، لأنه وفي تقدير الحزب، أن 20 % من البطائق لو توزع، أو قصد ألا توزع، وبالتالي فإن الناس كانت لهم نية ورغبة التصويت لو توصلوا ببطائقهم، لكن ولٱعتبارات سياسية، لم يتم إمداد مجموعة من المتعاطفين مع الحزب ببطائقهم، ويضيف الحزب بأنه تم رصد 1200 حالة مسجلة لم تتوصل ببطائقها بخصوص مدينة طنجة، وأن العدد أكبر من ذلك .

وبالرجوع إلى نتائج الدراسة الميدانية، يمكن أن نتفق نسبيا مع الحزب، خاصة وأن الدراسة شملت عددا لا يستهان به من المستجوبين (30 % ) الذين كانت لهم نية التصويت إلا أنهم لم يتوصلوا ببطائقهم الإنتخابية بالرغم من تسجيلهم في اللوائح الإنتخابية.

وهنا يمكن طرح التساؤل التالي:
هل يمكن اعتبار عدم التوصل ببطاقة الناخب عملية مقصودة؟ أم أنها مجرد هفوات إدارية؟
كما أن الأمر يحيلنا أيضا إلى ضرورة تعميم البطاقة الوطنية لتسهيل عملية التصويت وتفادي مثل هذه الإختلالات.

بالإضافة إلى مسألة البطائق الملغاة، فإن هناك عوامل جديدة ساهمت في تعقيد عملية التصويت، كتكاثر الأحزاب والرموز، وتشابه أسمائها وظهور لوائح لاتحادين للأحزاب، وغير ذلك، ناهيك عن نمط الإقتراع الذي ساهم بدوره في ضعف نسبة المشاركة نظرا لتركيبته المعقدة.

مما لاشك فيه أن هذه الأسباب كان لها تأثيرها المباشر، إلا أننا لانستطيع الجزم بكونها حاسمة، فهي عوامل متداخلة ومترابطة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض.

المطلب الثاني:
أسباب مرتبطة بالفتور العام في المجال الإنتخابي

إشكالية الفتور العام في المجال الإنتخابي مرتبطة أساسا بدول العالم الثالث، خاصة تلك التي لاتعرف تجديدا هيكليا ومؤسساتيا، وهذا ماحصل في الجارة الجزائر (36 في المائة نسبة المشاركة فقط) في الإنتخابات التي جرت قبل الإنتخابات المغربية، وهذا راجع إلى مجموعة من الإعتبارات، يمكن إيعازها حسب حزب العدالة والتنمية إلى كون أولويات المواطن واهتماماته هي أبعد ما تكون عن المجال السياسي، لأنه يرى بأن النسق السياسي الذي يشتغل فيه لا يمكنه من توفير مجموعة من المطالب التي يطالب بها المواطن المغربي، وهذا ما يجعله يفقد التصور الإيجابي حول العملية الإنتخابية برمتها.

وهو الأمر نفسه الذي عبر عنه حزب الإتحاد الإشتراكي في شخص كاتبه المحلي ” عزيز جناتي” بقوله:

” أن عدم مشاركة شريحة واسعة من المواطنين في العملية الإنتخابية تشير إلى أزمة تحول عميق في بنية المجتمع، وإلى نوع من اللامبالاة بجدوى المشاركة في نسق سياسي لا يعرف حراكا موضوعيا يفرز تغييرا دقيقا وملموسا لدى شرائح واسعة من أبناء المجتمع، فالرهان الذي علق على تجربة التناوب التوافقي انطلاقا من سنة 1998، وبالنظر إلى ما واكب هاته الفترة من إثارة لروح الأمل في الإنتقال بالمغرب من وضع الأزمة إلى الرخاء، وبالرغم من كل المجهودات التي بذلت على مستوى تدبير الشأن العام الوطني من طرف القوى السياسية المشاركة، فإنها لم تستطع أن تترك آثارا مباشرة على الشرائح الدنيا من المجتمع مما كان له انعكاس سلبي على حماسة فئة واسعة في الإقبال على المشاركة والتصويت” .

في حين يرى “عبد الله الزيدي” عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن الفتور الإنتخابي راجع إلى بداية الشروع في المسلسل الإنتخابي منذ السبعينات، فهو يعتبر أن المنظومة التي تؤسس للديموقراطية الحقيقية لم تتبلور في كافة المسلسلات الإنتخابية التي سبقت اقتراع السابع من شتنبر، وبالتالي فقد تم إفراغ المشاركة السياسية للمواطنين من محتواها .
ويستطرد قائلا في هذا الخصوص: ” إن المبادرات السابقة التي كان الشعب قد أسس عليها آماله وطموحاته العريضة، لم تكن قادرة على الإستجابة، لذلك فإن تزييف إرادة الناخب عن طريق التحكم في الخريطة الإنتخابية، التقطيع الإنتخابي، والتحكم في القوى التي أسند إليها مهام تسيير دفة الحكم جعل ” المخزن ” هو المتحكم في اللعبة الإنتخابية”.

هي إذن إشكالات تتعلق بالفتور العام الذي يطبع الإنتخابات في المغرب، والذي كرسته المسلسلات الإنتخابية التي عرفها النظام السياسي المغربي.

المطلــب الثالــث:
أسبــاب متعلقــة بتمثيلية المرشحيـــن

إضافة إلى الأسباب السالفة الذكر، فإن هناك إشكالا آخرا متعلق بتمثيلية المرشحين، ففي كثير من الأحيان (حسب البرلماني نجيب بوليف) الأوجه القديمة هي التي تعود إلى الواجهة، و الأحزاب السياسية غير قادرة على توفير نخبة (طليعة و مثقفة) تكون معبرة حقيقة على مطالب الشعب، وهذا ما جعل الأحزاب السياسية وللأسف في فترة انتخابات 2007، قدمت في عمومها أفرادا أو أشخاصا ينتمون عموما إلى مجال المال والسلطة، وإلى النفوذ المالي .

وإذا كان هذا هو رأي حزب العدالة والتنمية باعتباره حزبا سياسيا، فإن للجمعية المغربية لحقوق الإنسان رأي آخر، حيث ترى هذه الأخيرة أن العزوف هو تحصيل حاصل لكون الشعب وضميره الحي قد اقتنع أنه لاجدوى من المشاركة لأنها في الحقيقة لم تعطي أكلها والنتائج المرجوة منها.

هذا بالإضافة إلى التطورات التطورات الحاصلة والتي تمكن الإنسان من المعلومة والوعي السياسي، حيث أصبح المغرب في الوقت الذي كان هو وحده من يصنع الحقيقة، أصبحث الحقيقة تصنع على المستوى العالمي عن طريق وسائل الإعلام والإتصال.. فأضحى المواطن المغربي يطل على مشاكله، وأصبح عالما بما هو مطلوب من الساسة وتحديدا ممثليه، وفي الوقت الذي أحس فيه بأن الهوة تزداد بينه وبين الذين اتخذوا من الإنتخابات مطية للإغتناء، أدرك لاجدوى مشاركته فكانت النتيجة كما هي عليها، ولم يستطع المسؤولون إخفاءها.

وبخصوص التمثيلية السياسية فإن الحاصل وفقه هو بعد في المنظور ما بين الذين اشتغلوا على تدبير حياة المواطن سياسيا منذ عقود وتمكنوا من التجربة والإمكانيات، و قادرون على فهم النبض الحقيقي للمواطن والإستجابة لمتطلباته، وبين الذين امتهنوا المعارضة لمدة طويلة حيث أن بعدهم عن تدبير الشأن العام سواء على المستوى الحكومي أو البرلماني أو المحلي/ الجهوي جعلهم يفتقدون إلى كثير من الإمكانيات والتصورات القادرة على تسيير دفة الحكم بكثير من القدرة والدراية.

لكن كما يقول الساسة، فإن السؤال الذي يجب أن يطرح في السياسة هو ” هل أنت مع الشعب ومؤهل لتوفير الضمانات الإجتماعية (سكن، صحة، طرق، تعليم..) وهذه سياسة تقوم ضد مصالح متناقضة، أم أنك مع الكتل والمجموعات الإقتصادية التي تريد الإستيلاء على الخيرات و تدبيرها لصالحا من أجل بناء ثروة عريضة تتحكم بواسطتها في أنفاس المغاربة.

تتقارب إذن آراء الساسة بشكل نسبي فيما يخص أسباب العزوف الإنتخابي، سواء في شقها التنظيمي والتدبيري، أو في شقها التقني، كما في شقها السياسي والإجتماعي.

كانت هذه هي الأسباب الجوهرية التي كانت وراء العزوف الإنتخابي، وبالتالي لم تكن النداءات المطالبة بالمشاركة قادرة على تحسيس المواطن بأهميتها، ومن هنا فإن كل الحملات التي أقيمت قبل الإستحقاق كانت هدرا للمال سواء في وسائلها البيداغوجية أو الديداكتيكية حيث أنها لم تكن ذا فائدة ترجى ولم تعط النتائج المرجوة منها.

المبحث الـثـــالـــث:
ممكنـــات وآفـــاق تجـــاوز الظـــاهرة

مما لاشك فيه أن المقابلات التي أجريناها مع الفاعلين السياسيين لم تنطلق من فراغ، كما أنها لم تكن اعتباطية أو عشوائية، بقدر ما كانت تهدف بالأساس إلى إغناء الدراسة من خلال رصد آراء وتمثلات الطرف الآخر، وكان ذلك أيضا بهدف استنباط مجموعة من المقترحات التي يمكن أن تشكل مشاريع ممكنة لتجاوز الظاهرة وسلبياتها، والإرتقاء بالمشاركة السياسية.
ويمكن تقسيم المقترحات المقدمة في هذا الصدد إلى ثلاثة مداخل أساسية:

1 – إصلاح المنظومة القيمية

2 – تفعيل المؤسسات السياسية

3 – إصلاح الدستور

المطلب الأول:
إصلاح المنظومة القيمية

لامناص من الإقرار بداية أن منظومة القيم تشهد تراجعا خطيرا داخل المجتمع المغربي، وبالتالي فإن إصلاح هذه الإخيرة هو مفتاح رئيسي للرقي والإرتقاء بالمجتمع على كافة المستويات و الأصعدة.

فإعادة الثقة في العملية الإنتخابية ليست مرهونة بلحظة تاريخية، بل إن إعادة الثقة مرهونة بثقافة يجب أن تبنى على مدى سنوات، أي على المدى الطويل، فهي تربية سلوكية يجب أن تبدأ في المدرسة وتنتهي في الأسرة والمجتمع. فالخلل ليس فقط في المجال السياسي، وإنما يشمل جميع الأصعدة، فهو خلل في المواطنة قبل كل شيء، لأنه عندما نرى شابا مغربيا يرفع الراية الإسبانية ولا يرفع رايته، فهذا إشكال عميق في المواطنة، وعندما نرى تلميذا في المدرسة أو في الثانوية ولا يشارك في رفع النشيد الوطني فهذا خلل في المواطنة، وعندما يهاجر الشباب المغاربة فهذا خلل في المواطنة أيضا، ونفس الشيء عندما نجد الكل يريد الوصول إلى القمة دون القيام بأدنى مجهود ..

وفي نفس السياق أيضا يشدد النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية على ضرورة إصلاح المنظومة القيمية برمتها، من أخلاق وتربية وتعليم… وبإصلاح هذه المنظومة سنجد أنفسنا بعدها كمواطنين حقيقيين مجبرين على الإدلاء بأصواتنا باعتبارها أمانة.

وفي هذا الإطار، يرى الكاتب المحلي لحزب حزب الإتحاد الإشتراكي بأن المواطنة الحقة هي عملية مركبة من حقوق والتزامات، فإذا كان من مسؤولية الدولة الدولة والإطارات السياسية والمدنية إيجاد آليات لتوسيع دائرة الإشراك والمشاركة، وضمان التداول السلمي للسلطة، فإن على باقي الفاعلين : إعلام، تربية وتكوين، مجتمع مدني…، أن يلعبوا دورهم البناء في التربية والتنشئة والتوعية وإشاعة روح المسؤولية وحس المواطنة.

المطلب الثــانــي:
تفعيـــل المؤسســات السياسيــة

يرى ” عبد الله الزيدي” عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأن السؤال عن جدوى الإنتخابات يظل طبيعيا طالما أن المواطن يلمس أن المؤسسات التمثيلية لا تتحكم في القرار السياسي المغربي، خاصة أمام وجود اختصاصات واسعة للملك تحد من أي تطور للسلط الأخرى ” حكومة + برلمان” وهذا مطروح على طاولة الإصلاحات الدستورية في المراحل القادمة. إلا أن الإصلاحات وحدها دون وعي المواطن بأهمية المرحلة وخطورتها لن تكون البلسم الشافي للخلل الذي يشهده النسق السياسي المغربي.

هذا ما قدم إشارات غير إيجابية بالنسبة للمواطنين، فمن يدفع المال للترشح، سيعمل جاهدا على كسب هذا المال بعد نجاحه، وهذا ما جعل المواطن المغربي يعزف عن المشاركة، ذلك بالإضافة إلى الخلفية السائدة في المغرب لدى شريحة من المجتمع التي تقاطع أصلا الإنتخابات، والظروف التي تمر بها العملية الإنتخابية، أعطت للناس مجموعة من الإضافات واستطاعت أن تعطي نوعا من الصوابية في القرار الذي اتخذوه وهو أن العملية السياسية برمتها لايمكن أن يعول عليها لعد اعتبارات.

لكن حزب العدالة والتنمية يختلف نسبيا مع هذا التوجه ويقول بوجود دائرة الإشتغال، فلا يمكن القول حسبه بأن الملك هو من يصدر القوانين، الملك بالفعل هو الشخص الرئيسي في العملية السياسية داخل البلاد وهذا لا يجادل فيه أحد، لكن أن يقال بأن البرلمان لا يقوم بدوره، فهذا فيه تجاوز وخلط في المفاهيم ، فلا يمكن أن تفرض القوانين، مثلا قانون الصفقات العمومية أو تنظيم التدبير المفوض، هل يقوم به الملك؟؟

هناك مجموعة من القوانين التي يمكن للبرلمان الإجتهاد فيها لو أراد ذلك، لكن الإشكال ليس على هذا الصعيد، أي الغياب التام للحكومة والبرلمان داخل النسق السياسي المغربي، بقدر ما هناك لكن هناك اختلاف في مظاهر القوة .

وفي نفس السياق يرى الحزب بأن الإلتحام بقضايا المواطنين ومشاكلهم سيدفعهم إلى الإلتصاق بالحزب الذي يدافع عن قضاياهم، والدفاع عن المؤسسات التي تمثلهم، لكن ما دون ذلك فإن هناك عراقيل وعوائق حقيقية على صعيد الأمور التنظيمية والتدبيرية، وعلى صعيد وزارة الداخلية والوسائل الأمنية التي تعمل على ألا يكون هناك حزب له قوة وسيطرة وقادر على أن يجر البلاد نحو توجه معين، وبالتالي فالسلطة المركزية في حد ذاتها لا ترغب في وجود حزب قوي، وإنما أن تبقى بطريقة مشتتة ومبلقنة، و يساهم في ذلك أيضا النظام الإنتخابي.

ويبقى ذلك توجها مركزيا للدولة على أساس أن تبقى دائما مهيمنة على المجال السياسي.
إذن لابد من إعادة الإعتبار للمؤسسات السياسية وتفعيلها بالشكل الذي يسمح لها بآداء مهامها واختصاصاتها بشكل فعال ومسؤول.

المطلـــب الثــالـــث:
إصـــــــلاح الدستـــــــور

لا شك أن الإصلاح الدستوري سيحدث تغييرا، إذ يجب إحداث هزة حقيقية في المجال الدستوري لإعادة الثقة للمجال السياسي وللإنتخابات، وبدون ذلك سندور في حلقة مفرغة، فالأحزاب الكائنة الآن هي أحزاب لم تعد قادرة على مواكبة التطورات الإجتماعية والإستجابة لمتطلبات الشعب، وبالتالي فإن الأرجح في هذا الوقت بالذات هو أن يكون هناك إصلاحا دستوريا حقيقيا يوازي في توزيع السلطات بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبين مؤسسة الملك، ويحدد دور الوزير الأول في المؤسسة والحكومة بما يعيد الإعتبار للعمل البرلماني والتنفيذي.

فمسعى الإصلاح لايمكن أن يستقيم – في نظرالفاعلين – مالم يأخذ المسألة الدستورية، من أولى أولوياته ، فالوثيقة الدستورية تشكل قمة البناء القانوني / الحقوقي ، للدولة الحديثة والمعاصرة، الذي يحدد شكل و طبيعة الدولة وأجهزتها ، والعلاقات بين مختلف السلط وتوزيعها، كما يعتبر المؤطر الأول للعمل السياسي والمدني … ، إذ لايمكن الحديث عن أية إصلاحات في غياب إصلاح دستوري يكون لبنة أساسية للإصلاحات السياسية .

فالدستورالمغربي انفصل نسبيا عن الواقع الذي يؤطره، ولم يواكب التطور السريع الذي يعرفه المجتمع، إضافة إلى جمود الإجتهاد القضائي الدستوري الذي يخدم مصالح النظام السياسي بقدرما يتغافل عن الإحتياجات السياسية الملحة للمجتمع.

في المقابل، يعتبر الفكر الدستوري والسياسي طريقة وضع الدستور وطرق تعديله، واحترام مبدأ فصل السلط، وانفتاحه على المجتمع بكل مكوناته السياسية والمدنية، ثم احترامه للأعراف والقواعد غير المكتوبة ( الفوق دستورية ) للجماعة، هي مؤشرات لدولة القانون التي تحترم مواطنيها و توفر لهم كافة الضمانات في حق الإختلاف السياسي والمدني والثقافي .

والحاصل أن حضور هذه المعطيات بقوة بالإضافة إلى تمكين الأحزاب بشروط وأدوات الإشتغال ناهيك عن إحداث ندوات تحسيسية على مستوى الأجهزة الإعلامية بما فيها المعارضة للنظام، يمكن أن تساهم في نشر الوعي لدى المواطنين وإدراكهم بمدى أهمية الإنتخابات التي تعد الأساس لبناء ديموقراطية حقيقية وآنذاك سيمارس المواطن حقه في التصويت باعتباره حق شخصي ودستوري.

دون ذلك، لا يمكن الحديث عن دولة ديموقراطية يكون فيها الإنسان هو الجوهر المقدس بل العكس سنكون آنذاك ازاء سياسة الحديد والنارعلى حد قول ممثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

إذن، إعادة النظر في النظم القيمية كلها بالإضافة إلى دور السلطة المركزية، وإعادة النظر في توزيع السلط في إطار إصلاح دستوري حقيقي، لاشك أن هذه هي الوسائل الرئيسية التي ستمكن من إعادة الإعتبار للمجال السياسي من ضمن المجالات الأخرى الكثيرة التي تعرف خللا حقيقيا في المغرب.

يتضح بجلاء أن مشكل العزوف الإنتخابي إذن، هو مشكل عويص لا يمكن الإجابة عليه فقط من الجانب السياسي، بل أيضا اجتماعيا وثقافيا وحضاريا، لأنه رهين بوعي المواطن، فاذا لم يعي المواطن أهمية المرحلة التي يجتازها وأهمية القرارات التي يجب عليه اتخاذها، فإن الإنتخابات لن تقدم ولن تؤخر في شيء

خــلاصـــة واسـتنتــاجـــات

إن أبرز ما يمكن استخلاصه من هذه الدراسة المقتضبة هو كون عدم المشاركة الإنتخابية أو العزوف عن التصويت من طرف فئات عريضة من المواطنين يفرز أكثر من إشارة نوجزها في التالي:

 تدني نسبة المشاركة الإنتخابية رغم التسويق السياسي ونزول كل الفاعلين بثقلهم للإقناع بالتصويت، وكان العزوف بمستويات تراوحت بين:

1 – فئة لم تسجل أصلا في اللوائح الإنتخابية.
2 – فئة صوتت تصويتا أبيضا.
3 – فئة سجلت وامتنعت أو قاطعت الإنتخابات.

 لكل قراءته الخاصة فهناك من عزى ذلك العزوف إلى الظرف الزمني الذي تمت فيه العملية الإنتخابية، والبعض الآخر يرجع ذلك إلى هشاشة الأوضاع السياسية، الإقتصادية والإجتماعية… وبهذه المعطيات نقول بأنه لايجب أن نبحث دائما عن تفسير ميل سياسي في سبب وحيد ولكن في تركيبة معقدة من الأسباب المتداخلة يمكن إيجازها حسب الدراسة في الآتي أدناه:

 تراجع دور المؤسسات الدستورية، وطغيان سلوك اللامبالاة وغياب بواعث الثقة وضعف مصداقية المؤسسات التي يرتكز وجودها بالأساس على مشاركة المواطنين، كل هذه العوامل تؤدي إلى إطفاء جذوة الحماس لدى المواطنين سواء تعلق الأمر بالأميين أو المتعلمين، ويصبح بسببها النفور من الحياة السياسية ظاهرة عادية وفي المقابل، فإن المشاركة الإنتخابية تقتضي أولا إدراك الهدف المتوخى من هذه العملية، وهذا ما عبر عنه مؤشر الجدوى من الإنتخابات، حيث أن غياب الجدوى من هذه الأخيرة كانت سببا من الأسباب الرئيسية التي حالت دون المشاركة الفعالة في اقتراع السابع من شتنبر.

 ضعف الإعتقاد بنزاهة العملية الإنتخابية نظرا لطغيان عمليات إفساد العمليات الإنتخابية التي صاحبت مختلف المحطات الإنتخابية بالمغرب.
 اليأس من إمكانية التغيير.

 كثرة الأحزاب وغياب البرامج.
 ضعف الثقافة السياسية، وانتشار ثقافة اليأس والإحباط، فالخطاب التيئيسي كان عاملا أساسيا في ضآلة المشاركة الإنتخابية، وذلك كنتيجة حتمية لتناقض أقوال الساسة مع أفعالهم.

 حتى مع وجود قوانين جديدة فإنها قد لا تحترم ولا يتبلور في الحياة العملية مبدأ تساوي الجميع أمام القانون، ويسود التحكم والتعسف واستغلال النفوذ وحرص الفئة الآخذة بزمام الأمور على الإحتفاظ بمواقعها وحماية امتيازاتها الخاصة.

 إدراك الفرد بأن المعايير والقواعد التي تحكم العلاقات السياسية قد انهارت، وبإن الإبتعاد عن السلوك الأمثل أصبح هو السائد، وبأن قواعد اللعبة صارت غير عادلة وغير شرعية.

والواقع أن العديد من الدراسات أكدت أن فقدان المعاني السياسية السامية يرتبط بكافة أشكال اللامبالاة، وأنه شعور بالعجز والإستياء وعدم الثقة، ويعود هذا الإحساس بعدم جدوى المشاركة عموما، إحساس عام بفساد العملية الانتخابية.

ولتجاوز هذه الظاهرة حسب النتائج المتوصل إليها خلال الدراسة لابد أولا من إعادة النظر في التعاطي مع المواطن المغربي، ثم مواجهة التحديات التي تواجهها الجهات الرسمية والنسق السياسي بصفة عامة، وهي تحديات تشمل عدة نقاط يمكن اختزالها فيمايلي:

1 – تحدي المسألة الإجتماعية ( فقر، بطالة….،والأهم من ذلك تحدي محاربة الفساد الذي أصبح يتجاوز كل شيء).
2 – تحدي الإصلاح الإقتصادي الشامل.
3 – تحدي تدبير الشأن العام ( حكامة رشيدة، مواطنة حقة، ضمير مهني..).
4 – العمل على تفعيل المشاركة السياسية بين البرلمان والحكومة.
5 – تحدي الظاهرة الحزبية ومحاربة البلقنة والتشتت، وإعادة الإعتبار للشأن الحزبي.
6 – إصلاح القوانين الإنتخابية تمكن أيضا من نشر ثقافة المشاركة السياسية، ولعل أهم النقاط التي يجب أن تشملها هذه المراجعة العناصر التالية :

 الإشراف على عملية الإقتراع:
وذلك عبر إحداث جهاز مستقل للإشراف على الإنتخابات سعيا وراء ضمان الحرية الكاملة للتصويت والتعبير عن الإرادة الحقيقية للشعب، ولتحقيق ذلك يجب إقامة لجنة انتخابية مستقلة تتمتع بكافة الوسائل قصد بناء الثقة بين الأحزاب المتنافسة من جهة، وإعادة المصداقية للأنتخابات بالنسبة للناخبين من جهة أخرى.

 التقطيع الإنتخابي:
نظرا لأهمية التقطيع في تشكيل الخريطة السياسية باعتباره يحدد المعترك الذي تتم في نطاقه العملية الإنتخابية، فإن البث فيه يجب أن يكون من اختصاص البرلمان بعد التشاور بين كل القوى السياسية المشاركة في الأنتخابات والحكومة، ومن ثم فأن المطلوب هو ضرورة إقرار مراجعة شاملة للتقطيع الإنتخابي بناء على معايير موضوعية .

 نظام الإقتراع:
من المعلوم أن لكل نمط اقتراع مزايا ونواقص، وليس هناك نموذج مثالي يمكن تبنيه بطريقة متعصبة، فلكل بلد خصوصيات معينة تفرض تبني نظام اقتراع معين.
والحاصل أن التجربة المغربية عرفت تطبيق العديد من نظم الإقتراع، إلا أن المطلوب هو اعتماد نمط الإقتراع باللائحة على أساس التمثيل النسبي بأكبر المعدلات لما من شأن ذلك من محاصرة لتأثير المال على أصوات الناخبين، وصعوبة تزوير النتائج، وإعطاء الأولوية للتنافس بين البرامج الحزبية عوض التنافس بين الأشخاص، وإبراز الكفاءات والنخب بوضعهم في مقدمة اللوائح.

 المراجعة الشاملة للوائح الإنتخابية:
من خلال إعداد لوائح جديدة بطريقة صحيحة، وذلك عبر تعميم بطاقة التعريف الوطنية على كل المواطنين وتقديمها شخصيا عند كل تقييد لسد الباب على التسجيلات غير القانونية كتسجيل الموتى أو الغائبين أو أشخاص لا يتوفرون على وثائق التعريف الرسمية.

 مراقبة نظام البطائق الإنتخابية:
ربما يمكن أن يساهم الإقتصار على التصويت ببطاقة التعريف الوطنية بشكل فعال في نزاهة التصويت وشفافيته بشكل بسيط وبدون تعقيدات.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مجموعة من الآليات التي التي من شأنها النهوض بالنظام الإنتخابي وتطويره، وتتجلى في تطوير القضاء الإنتخابي، مراقبة مصدر النفقات الإنتخابية، التدبير الديمقراطي لملف الإعلام، مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج، مراجعة شروط الترشيح واعتماد كوطا للنساء.

وغيرها الكثير من التحديات التي تستوجب الإستحضار، وتستحق الإستنطاق قصد إعادة الإعتبار للعمل السياسي الذي كاد يفقد كينونته. فالظاهرة قد تؤدي في حال استمرارها وتعميق مفاهيمها، إلى نزوع المواطن المغربي نحو التشدد والعدمية، أو اللامبالاة والعدوانية، وعدم المسؤولية تجاه أي شيء..

والحاصل أن استجابة القوانين الإنتخابية للمواصفات الديمقراطية المتعارف عليها، شرط لامحيد عنه للرقي بالعملية الإنتخابية وضمان انتخابات نزيهة وحرة، تضمن إلى حد ما توسيع قاعدة المشاركة السياسية.

إن المنظومة الإنتخابية تشكل مجالا للتفاعل السياسي بين الحاكمين والمحكومين، وشخصية الناخب تكون محصلة لتلك العلاقة التفاعلية القائمة، أو المكتسبة أساسا من خلال الجانب الإدراكي القائم على ثقافة سياسية تعبر عن التصورات والتمثلات التي يدركها الفرد عن محيطه بواسطة التنشئة السياسية.
ومن مستلزمات فهم الإمتدادات الثقافية لانحراف السلوك الإنتخابي استحضار الموروثات السياسية بغية تسلط الضوء على الجوانب التي تمنح السلوك عمقه، فالموروث السياسي هو مجموع التصورات السياسية المنحدرة من الماضي، والتي لا تزال فاعلة في تشكيل الرؤى والسلوكيات السياسية في الزمن الحاضر .
فإذا كانت المجتمعات المتحضرة تعمل على تنقيح موروثاتها السياسية على خلفية الروح النقدية العالية ومراجعة امتداداتها الزمنية في إطار تحقيق النهضة، فإن المجتمعات النامية، يظل الموروث السياسي لديها حاضرا بقوة، مركزة إواليات الإشتغال التقليداني ولا تستدعي الماضي إلى الحاضر وإنما تسافر بالحاضر إلى الماضي.
والحق أن ما تراكم خلال 60 سنة لا يمكن تجاوزه بقرار سياسي، فالمسألة تحتاج إلى حسن نية وإعادة الإعتبار للواقع.
وإذا كان صحيحا أن العمل السياسي لا يمكن احتكاره من طرف فئة دون أخرى، وأنه حق أساسي يفترض أن يتمتع به كل من يحمل صفة مواطن دون أي ميز، فإنه لا يتأتى التمتع الفعلي بهذا الحق في ظل غياب التكافؤ، ودون إتاحة فرصة الإختيار الحر أمام المواطن الذي يستطيع أن يميز بين ما هو حقيقي وأصيل وما هو مفتعل ومزيف.

لكن هل يمكننا أن ننتظر مشاركة مكثفة في الحياة السياسية عامة وفي العملية الانتخابية تحديدا من مواطنين يعانون من التهميش الإقتصادي والإجتماعي والثقافي، وفي زمن تضاءلت الهوة بين اهتماماتهم وتطلعاتهم، وبين اهتمامات وتطلعات ساستهم؟
وبالتالي فلتحقيق نوع من المصالحة الشعبية مع العملية الإنتخابية، لابد من تفعيل المؤسسات السياسية الدستورية.

لكن التساؤل الذي يظل مطروحا في خضم مسلسل الإصلاحات السياسية والقطع مع أساليب الماضي هو: هل هناك فعلا إرادة حقيقية لإعادة الاعتبار لهذه المؤسسات والإرتقاء بها إلى مستوى التمثيل الفعلي؟؟
أم أنها تظل مجرد مؤسسات صورية وشكلية لا تمت إلى المهمة التمثيلية بأية صلة؟

وتبقى ظاهرة الإنتخابات لحظة لٱختبار متانة أو ضعف العقد السياسي القائم بين الحاكم والمحكومين، والكشف عن مسار ومآل الديمقراطية، وجدية نداءات الإنتقال، وبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات.

 

(محاماه نت)

إغلاق