دراسات قانونية
آلية جبر الضرر وإعادة الاعتبار لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان (بحث قانوني)
تعويضات ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ضوء تجربة العدالة الانتقالية التونسية: مقاربة قانونية لمساطير تنفيذ آلية جبر الضرر وإعادة الاعتبار
بوجعبوط المصطفى، جامعة محمد الخامس أكدال- الرباط- المملكة المغربية
Abstract:
Compensation is based on an international approach through several basic principles that are reflected in the return of rights to the victims according to their original status through various civil, political and economic rights, and compensation which is done according to the damage inflicted on himself and his family, And rehabilitate them through programs of medical, psychological and legal care, and provide them in a manner appropriate to their needs and needs and the families of the victims, To undertake the reinterment of the remains and to provide an official apology by the representatives of the State, and to ensure that gross violations of human rights are not repeated in the future through institutional reforms, including the military, security and judicial independence sector.
Accordingly, the Tunisian experience adopted a legal approach that is of exceptional and unique importance at the level of the experience of the truth commissions by adopting legal and illustrative procedures and procedures for the Commission on Reparations and Rehabilitation to redress the victims of gross violations of human rights, Which creates harmony and equity for victims on an equal basis in accordance with these clear legal procedures.
Key Words: Compensation – Remedies for victims – Recovery of rights – Rehabilitation – Compensation programs – Ensure that violations are not repeated.
ملخص
تتشكل التعويضات وفق مقاربة دولية من خلال عدة مبادئ أساسية تتجلى في رد الحقوق للضحايا وفقا لوضعيتهم الأصلية من خلال مختلف الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية، والتعويض الذي يقوم وفق الضرر الذي لحقه بنفسه وذويه، وإعادة تأهيلهم من خلال برامج الرعاية الطبية والنفسية والقانونية، وترضيتهم بشكل يتلاءم مع حاجياتهم وحاجياتهم وذوي الضحايا، بالقيام بإعادة دفن الرفات وتقديم اعتذار رسمي من قبل ممثلي الدولة، وضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المستقبل من خلال الاصلاحات المؤسسية ومنه قطاع الجيش والأمن واستقلال القضاء.
وترتيبا على هذا، اعتمدت التجربة التونسية مقاربة قانونية تكتسي أهمية استثنائية وفريدة على مستوى تجارب لجان الحقيقة، باعتمادها مساطر قانونية وأنظمة توضيحية و إجرائية للجنة جبر الأضرار ورد الاعتبار لإنصاف ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، الشيء الذي يخلق انسجام وإنصاف الضحايا على قدم المساواة وفق هذه الاجراءات القانونية الواضحة.
الكلمات المفتاحية: التعويضات – إنصاف الضحايا – استرداد الحقوق- رد الاعتبار- برامج التعويضات- ضمان عدم تكرار الانتهاكات.
مقدمة
فلتعويضات جذور تاريخية ترجع إلى فترة الحرب العالمية الأولى، بعد أن فرضت الدول المنتصرة على ألمانيا تعويضات عقابية في إطار التسوية السلمية التي فرضت عليها بتوقيع معاهدة “فرساي” التي أرست مبدأ “المسؤولية الكاملة” بإلزام بسداد تعويضات عقابية عن الأضرار التي لحقت بالحلفاء جراء الحرب، بهدف ردع ألمانيا عن شن الحرب مجددا[1].
وعليه، تعد التعويضات أحد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها آليات العدالة الانتقالية التي تتجسد في جبر الأضرار المادية والمعنوية (الاعتذار[2]، بناء نصب التذكارية…)، والقانونية بشكل عادل لأجل استعادة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لكرامتهم داخل المجتمع جراء ما كابدوا من جميع اشكال التعذيب والمعاملات اللاإنسانية، والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي.
فإن التعويض يشكل أحد اشكال جبر الضرر بشكل نسبي ومدخلا عاما للعدالة الانتقالية لمختلف لجان الحقيقة والمصالحة الرسمية، التي تتبوأ فيه بعض الأشكال المكانة العالية مثل التعويض والاسترداد وإعادة التأهيل والترضية وضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في المستقبل. وبهذا أول القانون الدولي أهمية كبرى لأشكال التعويضات من خلال المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف.
فالتجربة التونسية اعتمدت مقاربة قانونية أكثر تطورا من تجارب لجان الحقيقة على مستوى العالم، فقبل إعلان عن تأسيس لجنة الكرامة والحقيقة، “كانت الدولة بدأت تقدم التعويضات في البدايات الأولى للثورة عندما قامت، قبيل هروب بن علي، بتعويض الضحايا الذين تعرضوا للانتهاكات خلال الانتفاضة الشعبية. ثم أعقب ذلك العفو العام الممنوح للسجناء السياسيين السابقين- وهو شكل آخر من أشكال جبر الضرر”[3].
أهمية الدراسة: تتجلى أهمية دراسة هذا الموضوع من خلال نقطتين أساسيتين، وهما:
الجانب المعرفي من خلال المساطر القانونية والاجرائية لجبر الأضرار ورد الاعتبار لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، علما أن الاجراءات القانونية الموضوعة تشكل سابقة إقليمية ودولية في شأن إنصاف الضحايا.
تتبع مدى نجاح والتزام التجربة في أجرأة المساطر القانونية لتعويض الضحايا ودرجة الترضية بين الدولة والمجتمع، علما أن جل تجارب لجان الحقيقة واجهتها تحديات أجرأة وتنفيذ برامج التعويضات الفردية والجماعية والتعويضات الرمزية.
أهداف الدراسة: تهدف هذه الدراسة إلى :
معرفة مقاربة التعويضات من خلال الوثائق الدولية ومدى انسجامها مع المساطر القانونية لهيأة الكرامة والحقيقة.
تحليل الوثائق القانونية للمساطر والاجراءات التي تتعلق بجبر الأضرار ورد الاعتبار.
الإشكالية: تتجلى إشكالية الموضوع فيما يلي:
تحديد مقاربة التعويضات من خلال المرجعية الدولية وأثرها على المساطر القانونية للعدالة الانتقالية التونسية.
وتفرز هذه الاشكالية الرئيسية اشكاليتين فرعيتين:
المرجعية الدولية لجبر الأضرار لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
المساطر القانونية لجبر الأضرار من خلال تجربة لجنة الكرامة والحقيقة بتونس.
المنهج المتبع: من خلال هذه الدراسة، يتجلى في المنهج التحليلي الذي يستند على تحليل الوثائق القانونية.
فرضيات الدراسة:
– أن تجربة لجنة الكرامة والحقيقة اعتمدت في مرجعتيها على الوثائق الدولية في شأن التعويضات.
-أن تجربة لجنة الكرامة والحقيقة لم تعتمد على أية مرجعية.
محاور الدراسة:
المحور الأول: الاطار القانوني لجبر أضرار ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
المحور الثاني: اللجنة الفرعية لجبر الضرر ورد الاعتبار لضحايا الانتهاكات الجسيمة.
وبناء على هذه المحاور الرئيسية، تحاول هذه الورقة الاجابة عن تساؤلات رئيسية وأساسية، تتجلى في ما يلي: ماهي المرجعية الدولية لجبر الأضرار ورد الاعتبار للضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؟ وماهي المساطر القانونية والاجرائية لتقديم التعويضات لضحايا الانتهاكات؟ وما هي الانتقادات الموجهة للتجربة الكرامة والحقيقة في شأن جبر أضرار الضحايا؟
المحور الأول: الاطار القانوني لجبر أضرار ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
الفرع الأول: المرجعية الدولية لجبر الضرر
أولى القانون الدولي أهمية كبرى في شأن تعويضات ضحايا الانتهاكات الحق في الانتصاف والتعويض[4]، غير أن هذا الانتهاك يثير تساؤلات عن أثر الجهات المسؤولة غير الدولة في إلحاق الأذى على الأفراد من لدن حركات أو جماعات تمارس الرقابة على إقليم جغرافي معين أو المؤسسات التجارية التي تتمتع بسلطة اقتصادية ومارست انتهاكات واسعة في صفوف أفراد معينة. وبالتالي، لمن يمكن أن يتحمل المسؤولية عن الانتهاكات؟ ساد رأي يحمل مسؤولية الانتهاكات من غير الدولة إلى الجهات التي مارست الانتهاكات، بما يتيح للضحايا التماس سبل الانتصاف والتعويضات على أساس المسؤولية القانونية والتضامن الانساني، وليس من لدن مسؤولية الدولة. وتساؤل آخر على جدوى وأهمية جبر الضرر بالنسبة للناجين من التعذيب؟
وعليه، فإن مقومات بناء المصالحة الوطنية[5] تستدعي الوقوف على الانتهاكات الجسيمة التي مورست على الأفراد في الماضي من براثن الحكم الاستبدادي أو النزاعات المسلحة، في بناء المستقبل بين مختلف الفاعلين والناجين من الضرر في فترة زمنية معينة، لذا فإن التعذيب[6] الذي مارسته الدولة أو الحزب الحاكم …حدث مفجع يضعضع التماسك البدني والنفسي والعقلي للضحية، بهدف تحطيم شخصيته (ها) في المجتمع، بهذا يشكل السعي للحصول على عدالة وتعويض جانب هام من جوانب شفاء ضحية التعذيب والمعاملات اللاإنسانية، إذ أنها تسمح لهم باستعادة كرامتهم وإحساسهم بالسيطرة على الأشياء، ووسيلة للشفاء من الوصمة واستعادة الثقة في مشروعية وعدالة جهاز العدالة. ووفقا “لثيوفان بوفن“، المقرر الخاص السابق حول التعذيب، ومصمم مسودة المبادئ التوجيهية المشار إليها: «فإن لإصلاح الضرر غرض تخليص الضحية من المعاناة وتوفير العدالة للضحايا بإزاحة أو علاج نتائج الفعل الضار إلى أقصى حد ممكن” ولهذا السبب فإن “إصلاح الضرر ينبغي أن يستجيب لاحتياجات الضحايا ورغباتهم”[7].
فالمبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية تنص على إمكانية اللجوء إلى العدالة على أساس المساواة وبصورة فعلية[8]، ويبين المبدأ 3: على “أن تتيح لمن يدعي وقوعه ضحية لانتهاك ما لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني إمكانية الوصول إلى العدالة على أساس المساواة وعلى نحو فعال، كما هو محدد أدناه، بغض النظر عمن يكون المسؤول النهائي عن الانتهاك”.
ويشير المبدأ 15 من نفس المبادئ التوجيهية على توفير تعويض للضحية بعض النظر على الجهة المسؤولة عن الانتهاكات ” الغرض من الجبر الكافي والفعال والفوري هو تعزيز العدالة من خلال إصلاح الانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان الدولي أو الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنسان الدولي. وينبغي للجبر أن يكون متناسبا مع فداحة الانتهاكات والأضرار المترتبة عليها. وتوفر الدولة، وفقا لقوانينها المحلية والتزاماتها القانونية الدولية، الجبر لضحايا ما تقوم به أو تمتنع عنه من أفعال تشكل انتهاكات جسيمة لقانون حقوق الإنسان الدولي وانتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي. وفي الحالات التي يُعتبر فيها شخص ما؛ أو شخصية إعتبارية، أو كيان آخر مطالبا بجبر أحد الضحايا، ينبغي أن يوفر الطرف المسؤول عن الانتهاك جبرا للضحية، أو للدولة إذا كانت الدولة قد وفرت فعلا الجبر للضحية“[9].
في هذا الاتجاه، قد اعتبرت لجنة مناهضة التعذيب من خلال المادة 14 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. على أن كل دولة طرف مطالبة بموجبها بأن “تضمن (…)، في نظامها القانوني، إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن“[10]. وترى اللجنة أن كلمة “إنصاف” في المادة 14 تشمل مفهومي “الانتصاف الفعال” و”الجبر“. وبالتالي، فإن مفهوم الجبر الشامل ينطوي على رد الحقوق والتعويض وإعادة التأهيل والترضية وضمانات بعدم تكرار الانتهاكات، ويشير إلى النطاق الكامل للتدابير اللازمة لإتاحة الإنصاف من الانتهاكات بموجب الاتفاقية.
وذلك ما سنوضحه في ما يلي:
رد الحقوق: إرجاع الضحية إلى وضعيتها الأصلية أي قبل انتهاك الاتفاقية، وتتجلى هذه الحقوق حسب المبدأ 19 من المبادئ التوجيهية لجبر الضرر في :استرداد الحرية، والتمتع بحقوق الإنسان، واسترداد الهوية، والحياة الأسرية والمواطنة، وعودة المرء إلى مكان إقامته، واسترداد الوظيفة، وإعادة الممتلكات. رغم أن الضحية قد يرى أن رد الحقوق غير ممكن بالنظر إلى طبيعة الانتهاك التي تعرض له وذويه…؛ ومع ذلك، فإن على الدولة أن توفر الإنصاف للضحية بشكل كامل ومستمر. ولكي يكون رد الحقوق فعالا، ينبغي بذل جهود من أجل التصدي لأي أسباب هيكلية للانتهاكات في المستقبل، بما في ذلك أي نوع من التمييز المتعلق، بنوع الجنس والميل الجنسي والإعاقة والرأي السياسي أو أي رأي آخر والانتماء العرقي والسن والدين وجميع أسباب التمييز الأخرى.
التعويض: يعتبر التعويض حلقة أساسية ضمن آليات العدالة الانتقالية، إن معد برامج التعويضات[11] يمكن أن يقيم حجم الضرر على الضحايا من الناحية الاقتصادية مع ما يتناسب مع جسامة الانتهاكات، “…إعادة تقييم الخسارة من خلال استعاضة الضرر بالمال“،[12] وتؤكد لجنة مناهضة التعذيب بأن التعويض النقدي، وحده قد لا يكون سبيل انتصاف كاف لضحية من ضحايا التعذيب وسوء المعاملة. و أن تقديم التعويض النقدي فقط لا يكفي لكي تفي دولة كطرف بالتزاماتها بموجب المادة 14. وفي نفس السياق يشير (المبدأ 20) من المبادئ التوجيهية على أنه ” ..ينبغي دفع التعويض عن أي ضرر يمكن تقييمه اقتصاديا، حسب الاقتضاء وبما يتناسب مع جسامة الانتهاك وظروف كل حالة، ويكون ناجما عن انتهاكات جسيمة لقانون حقوق الإنسان الدولي والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، من قبيل ما يلي:
الضرر البدني أو العقلي؛
الفرص الضائعة، بما فيها فرص العمل والتعليم والمنافع الاجتماعية؛
الأضرار المادية وخسائر الإيرادات، بما فيها خسائر الإيرادات المحتملة؛
الضرر المعنوي؛
التكاليف المترتبة على المساعدة القانونية أو مساعدة الخبراء والأدوية والخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية”.
رد الاعتبار: تشمل الرعاية الطبية والنفسية، فضلا عن الخدمات القانونية والاجتماعية ( المبدأ 21). تشير في هذا الصدد لجنة مناهضة التعذيب على ضرورة استعادة الضحية وظيفة أو اكتساب مهارات جديدة بسبب تغير ظروف الضحية بعد التعذيب أو سوء المعاملة، والهدف الأساسي من إعادة التأهيل هو تمكين الشخص المعنـي من بلوغ أقصى قدر ممكن من الاعتماد على الذات وأداء العمل، كما ينبغي أن تهدف إعادة تأهيل الضحايا إلى استعادتهم، قدر الإمكان، لاستقلاليتهم البدنية والعقلية والاجتماعية والمهنية، وإدماجهم في المجتمع ومشاركتهم فيه على نحو كامل.
وبالتالي فإن، “إعادة التأهيل على أكمل وجه ممكن “للضحية يحيل إلى ضرورة جبر الضرر اللاحق بالضحية الذي قد لا يسترجع أبدا بشكل تام ظروف حياته السابقة، ويجب أن تكفل الدول الأطراف إنشاء خدمات وبرامج فعالة لإعادة التأهيل في الدولة، “….مع مراعاة ثقافة الضحية وشخصيته وتاريخه وخلفيته، وأن تكفل إمكانية وصول جميع الضحايا إلى هذه الخدمات والبرامج دون تمييز وبصرف النظر عن هوية الضحايا أو وضعهم داخل مجموعة مهمشة أو ضعيفة، (..) وينبغي أن تنشئ تشريعات الدول الأطراف آليات وبرامج ملموسة لتوفير إعادة التأهيل لضحايا التعذيب أو سوء المعاملة“[13].
الترضية: تتضمن مجموعة عريضة من التدابير الاجرائية، عن طريق التزامات التحقيق والملاحقة الجنائية المنصوص عليها في المادتين 12 و13 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، و (المبدأ 21)، الذي ينص على جملة من التدابير التي ينبغي اتباعها، وعلى النحو التالي:
اتخاذ تدابير فعالة لوقف الانتهاكات المستمرة؛
التحقق من الوقائع والكشف الكامل والعلنـي عن الحقيقة بحيث لا يسبب هذا الكشف المزيد من الأذى أو التهديد لسلامة أو مصالح الضحية أو الأقارب أو الشهود أو الأشخاص الذين تدخلوا لمساعدة الضحية أو لمنع وقوع المزيد من الانتهاكات؛
البحث عن مكان المفقودين وهوية الأطفال المخطوفين وجثت الذين قتلوا والمساعدة في استعادة الجثث والتعرف على هويتها وإعادة دفنها وفقا لرغبات الضحايا التي عبروا عنها أو المفترضة، أو وفقا للممارسات الثقافية للأُسر والمجتمعات؛
إصدار إعلان رسمي أو قرار قضائي يعيد الكرامة والسمعة وحقوق الضحية والأشخاص الذين تربطهم بها صلة وثيقة؛
تقديم اعتذار علني، بما في ذلك الاعتراف بالوقائع وقبول المسؤولية؛
فرض عقوبات قضائية وإدارية على الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات؛
إحياء ذكرى الضحايا وتكريمهم؛
تضمين مواد التدريب والتعليم في مجال قانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي، على جميع المستويات، وصفا دقيقا لما وقع من انتهاكات.
الضمانات بعدم تكرار الانتهاكات: يشير (المبدأ 23) إلى مجموعة من تدابير هيكلية عريضة النطاق ذات طبيعة سياستيه، من قبيل إجراء إصلاحات مؤسسية تهدف إلى إيجاد رقابة مدنية على القوات العسكرية وقوات الأمن وتعزيز القضاء، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وتعزيز معايير حقوق الإنسان في مجال الخدمة العامة، وإنفاذ القانون، ووسائط الإعلام، ومجال الصناعة، والخدمات النفسية والاجتماعية.
كما تشكل المواد من 1 إلى 16[14] من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، تدابير وقائية محددة تعتبرها الدول الأطراف أساسية لمنع التعذيب وسوء المعاملة. ولضمان عدم تكرار التعذيب وسوء المعاملة، ينبغي أن تتخذ الدول الأطراف تدابير لمكافحة الإفلات من العقاب عند ارتكاب انتهاكات للاتفاقية. وتشمل هذه التدابير إصدار تعليمات فعالة وواضحة إلى الموظفين الحكوميين بشأن أحكام الاتفاقية، ولا سيما بشأن الحظر المطلق للتعذيب.
كما ينبغي أن تشمل التدابير الأخرى أياً من الأمور التالية أو جميعها:
المراقبة المدنية للقوات العسكرية وقوات الأمن؛
ضمان تقيد جميع الإجراءات القضائية بالمعايير الدولية المتعلقة بالمحاكمة وفقاً للأصول القانونية والعدالة والنزاهة؛
تعزيز استقلال القضاء؛ وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان والأخصائيين في المجالين القانوني والصحي، وغيرهما من المجالات، الذين يساعدون ضحايا التعذيب؛
إنشاء نظم للرصد المنتظم والمستقل لجميع أماكن الاحتجاز؛
تقديم، من باب الأولوية وباستمرار، تدريب للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، وكذلك للقوات العسكرية وقوات الأمن في مجال قانون حقوق الإنسان، يشمل الاحتياجات المحددة للفئات المهمشة والضعيفة من السكان، وتدريب محدد بشأن بروتوكول اسطنبول للأخصائيين في المجالين الصحي والقانوني والموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين؛
تعزيز تقيّد الموظفين العموميين، بمن فيهم الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين والعاملون في الخدمات الإصلاحية والطبية والنفسية والاجتماعية والقوات المسلحة، بالمعايير الدولية ومدونات قواعد السلوك؛
إعادة النظر في القوانين التي تساهم في التعذيب وسوء المعاملة أو تسمح بهما؛ وضمان الامتثال للمادة 3 من الاتفاقية التي تحظر الإعادة القسرية؛
ضمان توفير خدمات مؤقتة للأفراد أو مجموعات الأفراد، مثل توفير المأوى لضحايا أعمال التعذيب أو سوء المعاملة المرتبطة بنوع الجنس أو غيرها.
وتشير اللجنة إلى أنه باتخاذ تدابير مثل التدابير المذكورة هنا، يمكن للدول الأطراف أن تفي أيضاً بالتزاماتها بمنع أعمال التعذيب، المنصوص عليها في المادة 2 من الاتفاقية. وفضلاً عن هذا، تمنح الضمانات بعدم التكرار إمكانات مهمة لتغيير العلاقات الاجتماعية التي قد تشكل الأسباب الكامنة وراء العنف، ويمكن أن تشمل هذه الإمكانات، على سبيل الذكر لا الحصر، تعديل القوانين ذات الصلة، ومكافحة الإفلات من العقاب، واتخاذ تدابير وقائية ورادعة فعالة.
ترتيبا على أهمية هذه المبادئ الأساسية التي تعتبر قواعد إرشادية الخاصة بحق الانصاف والتعويض الفعال، فإن ديباجة الوثيقة المتعلقة بالمبادئ الأساسية والتوجيهية في فقرتها السابعة تنص على أن ” المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية لا تفرض التزامات قانونية أو دولية أو محلية جديدة، بل تحدد آليات وطرائق وإجراءات وأساليب رامية إلى تنفيذ الالتزامات القانونية القائمة في إطار قانون حقوق الإنسان الدولي والقانوني اللذين يكمل أحدهما الآخر بالرغم من اختلاف قواعدهما“، فرغم هذا اعتمدت مجموعة الدول كمرجع لحكومات محلية، ومحاكم إقليمية ودولية، وعلاوة على ذلك، فإن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي اعتمده مؤتمر دبلوماسي في عام 1998، وبخاصة في المادة 75 المتعلقة بتعويض أضرار المجنـي عليهم، معظم مفرداته مستوحاة من مشروع المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية.
وعلى هذا الأساس، يعتبر جبر الضرر أمرا حيويا في موجات العدالة الانتقالية التي تتبناه الدول الخارجة من النزاعات إلى دولة ممأسسة بإطار قانوني يحمي الأفراد وينظم العلاقات بين الدولة والأفراد أي الانتقال من دساتير فصل السلطات إلى دساتير صك الحقوق والحريات[15]، والقيام بإعادة الحقوق التي اغتصبت والأضرار التي لحقت الضحايا بأساليب حداثية وأكثر جرأة، مما سبق في ظل الاستبداد والظلم الممنهج من لدن الدولة. فــ:”..التعويض وسيلة للاعتراف بالانتهاكات الماضية، وبمسؤولية الدولية عن تلك الأضرار والالتزام العلنـي بالاستجابة لآثارها وعلاجها..”[16].
غير أن ما يثير الانتباه، هو تزايد اهتمام القانون الدولي بالتعويضات لضحايا في حالات الاختفاء والموت، وغافلا لحالات الترحيل القسري، الذي يتسم بالتشديد التعقيد والتطبيق، فالاستجابة لمتطلبات وحاجيات الضحايا أمر ذات قيمة كبيرة من الناحية الأخلاقية والقانونية، وذات استراتيجية من حيث المزايا السياسية والاقتصادية على الاستقرار والسلام، ولكن ما يثير الانتباه هو اعتماد لجان الحقيقة مناهج تعويضات مختلفة فإن تشابهت من حيث الشكل فإنها لا تلبـي في بعض الحالات حاجيات الضحايا، مما جعل البعض منهم يتعرض للإقصاء كفرد وإقصاء كجماعة و إقصاء كمنطقة جغرافية[17].
الفرع الثاني: النظام القانوني لجبر الضرر لهيأة الحقيقة والكرامة
تنص مجموعة من المقتضيات القانونية على آليات جبر الأضرار[18]، وينص الباب الرابع من قانون العدالة الانتقالية[19] على الاطار القانوني لجبر الضرر ورد الاعتبار، وتنص أربعة فصول من القانون على مفهوم الضحية والمسؤول عن توفير أشكال الجبر الكافي والفعال للضحايا من خلال استرداد الحقوق وإعادة الادماج على مستوى الفردي والجماعي وتقديم الاعتذار لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وينص الفصل 10 من قانون العدالة الانتقالية على تعريف الضحية واعتبارها “كل من لحقه ضرر جراء تعرضه لانتهاك على معنى هذا القانون سواء كان فردا أو جماعة أو شخصا معنويا. وتعد ضحية أفراد الأسرة الذين لحقهم ضرر لقرابتهم بالضحية على معنى قواعد القانون العام وكل شخص حصل له ضرر أثناء تدخله لمساعدة الضحية أو لمنع تعرضه للانتهاك. ويشمل هذا التعريف كل منطقة تعرضت للتهميش أو الإقصاء الممنهج.
وعليه، فإن الفصل يحدد مفهوم الضحية وفق مقاربة شمولية لجبر الضرر الفردي والجماعي للمناطق التي تعرضت للتهميش والتطويق السياسي من قبل النظام السابق إثر الإقصاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ويشير الفصل 11 من نفس القانون على “جبر ضرر ضحايا الانتهاكات حق يكلفه القانون والدولة مسؤولة على توفير أشكال الجبر الكافي والفعال بما يتناسب مع جسامة الانتهاك ووضعية كل ضحية. على أن يؤخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المتوفرة لدى الدولة عند التنفيذ”. مضيفا عن صيغ جبر الضرر باعتباره ” …نظام يقوم على التعويض المادي والمعنوي ورد الاعتبار والاعتذار واسترداد الحقوق وإعادة التأهيل والإدماج ويمكن أن يكون فرديا أو جماعيا ويأخذ بعين الاعتبار وضعية كبار السن والنساء والأطفال والمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والفئات الهشة”.
وكما أولى القانون طبقا للفصل 12 على أن توفر الدولة العناية الفورية والتعويض الوقتي لمن يحتاج إلى ذلك من الضحايا وخاصة كبار السن والنساء والأطفال والمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والفئات الهشة ودون انتظار صدور القرارات أو الأحكام المتعلقة بجبر الضرر.
ويحدد الفصل 39 من قانون العدالة الانتقالية على وضع برنامج شامل لجبر ضرر فردي وجماعي لضحايا الانتهاكات يقوم على :
الإقرار بما تعرض له الضحايا من انتهاكات واتخاذ قرارات وإجراءات جبر الأضرار لفائدتهم مع مراعاة كل ما تم اتخاذ من قرارات وإجراءات إدارية أو قضائية سابقة لفائدة الضحايا؛
ضبط المعايير اللازمة لتعويض الضحايا؛
تحديد طرق صرف التعويضات وتراعي في ذلك التقديرات المخصصة للتعويض؛
اتخاذ إجراءات إحاطة وتعويض وقتية وعاجلة للضحايا.
أما بالنسبة للنظام الداخلي لهيأة الحقيقة والكرامة[20]، ينص طبقا للفصل 61 على أن لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار تختص بـ:
تحديد قائمة في الضحايا الذين لحقهم ضرر جراء تعرضهم لانتهاك على معنى القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 وخاصة الفصل 10 منه والقانون الأساسي عدد 17 لسنة 2014 المؤرخ في 12 جوان 2014.
تقييم الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بكل ضحية لأحكام الفصلين 11 و 39 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 23 ديسمبر 2013؛
تحديد طبيعة الأضرار وطرق الجبر والتعويض مع مراعاة التقديرات المخصصة للتعويض وطبقا للمساهمة المتأنية من صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد؛
تحديد الوسائل والآليات التي تكفل جبر الأضرار ورد الاعتبار لضحايا الانتهاكات والاستبداد؛
تحديد أشكال الاعتذار الواجب تقديمه إلى الضحايا سواء من قبل الهياكل العمومية أو من قبل الأشخاص؛
تحديد الوسائل والآليات التي تكفل إعادة تأهيل الضحايا وإدماجهم؛
اتخاذ إجراءات إحاطة وتعويض وقتية وعاجلة للضحايا.
وينص الفصل 62 من النظام الداخلي على أن تضبط تركيبة لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار وطرق تسييرها بموجب قرار يصدره مجلس الهيأة.
المحور الثاني: اللجنة الفرعية لجبر الضرر ورد الاعتبار
تعمل اللجنة في تحديد قائمة الضحايا الذين لحقهم ضرر جراء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وفقا للقانون الأساسي للعدالة الانتقالية وخاصة الفصل 10 منه والقانون الأساسي عدد 17 لسنة 2014 والمتعلق بأحكام متصلة بالعدالة الانتقالية وبقضايا مرتبطة بالفترة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010 و 28 فبراير 2011.
وبهذا عملت اللجنة في إعداد برنامج شامل لجبر الضرر الفردي والجماعي والمناطق المهمشة لضحايا الانتهاكات، وكما اتخذت اللجنة عدة إجراءات لتقديم التعويضات وقتية وعاجلة للضحايا وتحديد خارطة الخدمات الصحية والاجتماعية وإعداد الاستشارة الوطنية حول البرنامج الشامل لجبر الضرر ورد الاعتبار[21].
الفرعة الأول: تركيبة لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار.
ينص الفصل 1 من قرار مجلس هيأة الحقيقة والكرامة[22] على أن لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار تتركب من 5 أعضاء يتم اختيارهم من مجلس الهيأة الذي يختار من بينهم رئيس اللجنة ونائبه.
وتجتمع لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار طبقا لفصل 2 مرة كل نصف شهر بطلب من رئيسها أو نائبه عند غيابه، ولا يكتمل نصابها إلا بحضور ثلثي أعضائها. وتجتمع اللجنة لدراسة ملفات العناية الفورية كلما اقتضت الضرورة ذلك، ويتولى رئيس اللجنة أو نائبه عند الاقتضاء إعلام الأعضاء بأي طريقة تترك أثر كتابيا أو إلكترونيا بموعد انعقاد اللجنة ومكانها وبفحوى جدول أعمالها وذلك قبل أربع وعشرين ساعة على الأقل من التاريخ المحدد لانعقادها.
وعند عدم اكتمال النصاب القانوني، يتولى رئيس اللجنة الدعوة لجلسة ثانية في ظرف أربع وعشرون ساعة من تاريخ الجلسة الأولى وتكون صحيحة مهما كان عدد الحاضرين.
وتصدر اللجنة قراراتها بالتوافق بين أعضائها الحاضرين، وفي صورة تعذر ذلك فبالأغلبية، وفي حالة تساوي الأصوات يكون صوت الرئيس مرجحا.
وينص الفصل 3 على أن الرئيس يشرف على إدارة اللجنة وتسييرها ويضبط جدول أعمال جلساتها وتاريخ انعقادها بالتشاور مع أعضاء اللجنة.
أما الفصل 4 ينص على أن تضمن مداولات اللجنة بمحاضر جلسات يحررها كاتب اللجنة وتمضى من قبل رئيسها وجميع الأعضاء الحاضرين، وكما ترفع القرارات إلى مجلس الهيأة للإعلام والمصادقة (الفصل 5). وبعد المصادقة على القرارات من مجلس الهيأة، تتم إحالتها على وحدة متابعة تنفيذ القرارات والتنسيق مع الهياكل المختصة لتتولى مهمة التواصل مع الهياكل ذات العلاقة لتنفيذها. كما تسهر على حسن تطبيق كل الإجراءات في الغرض. (الفصل 6).
وكما يلاحظ على الميزة الفريدة ضمن قرار الهيأة في شأن لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار ما تضمنه الفصل 7 على امكانية اللجنة العدول عن قرارها أو الرجوع فيه كليا أو جزئيا إذا ظهر لها لاحقا ما يدل على عدم وجاهة قرارها بسبب منقوصة أو خاطئة أو مضللة تم تقديمها إليها وفق الطرق القانونية. كما تسهر على حسن تطبيق كل الإجراءات في الغرض.
فقد قامت اللجنة بإعداد مشروع أنموذج لقرار التعويض الفردي إلى جانب تقديم طرح حول كيفية توفير الخدمات الصحية عبر إدماج الضحايا في نظام التغطية الصحية وإعادة التأهيل الطبي والنفسي. وفي هذا الإطار اقترح تصورات لمشاريع تمثلت أساسا في مشروع برنامج إحداث مراكز التأهيل البدني والنفسي والاجتماعي[23].
مضيفا في هذا المجال على إلزام المعني بالأمر إرجاع قيمة ما تحصل عليه من منافع وخدمات. كما يمكن للجنة الاقتصار على إيقاف العمل بقرارها. (الفصل 8).
بالإضافة إلى أولت اللجنة طرق استعجالية التعويض الوقتي لمن يحتاج لذلك من الضحايا وخاصة الفئات الهشة دون انتظار صدور القرارات أو الأحكام المتعلقة بجبر الضرر .(الفصل 10).
وذلك وفق الشروط التالية حسب الفئات التالية: (الفصل 11).
المسنون: عمر يتجاوز 60 سنة؛ لا عائل له.
النساء: مطلقة أو أرملة أو عزباء عمرها أكثر من 45 سنة؛/وجود ابن أو أبناء في الكفالة.
الأطفال: السن لا يتجاوز 16 سنة؛
المعاقون (ذوو الاحتياجات الخصوصية): حمل بطاقة معاق؛
المرضى: مرض يستوجب علاجا فوريا (يختلف عن معيار المرض المزمن)؛
الفئات الهشة: عدم وجود عائلة.
وللجنة السلطة التقديرية في تطبيق هذه المعايير.
ولأجل الاستعجال بهذه الملفات عملت لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار طبقا للفصل 12 على إحداث وحدتان: وحدة دراسة الملفات العاجلة ووحدة تنفيذ ومتابعة قرارات اللجنة في الملفات العاجلة والتنسيق مع الهياكل المختصة. وكما تقوم وحدة دراسة الملفات العاجلة بدراسة الملفات التي تحال عليها بموجب قرار من لجنة البحث والتقصي يتضمن ما يفيد حاجة الضحية للتدخل العاجل، ويراعى في القرار إثبات صفة “ضحية” والشروط المنصوص عليها في الفصل 11 من هذا الدليل (الفصل 13). وتتركب هذه الوحدة من مختصين في الخدمات الاجتماعية والقانون. وترفع هذه الوحدة تقاريرها إلى لجنة جبر الضرر لاتخاذ الإجراءات اللازمة في شأنها (الفصل 14).
فقد تدخلت الهيأة على نحو الاستعجال في شأن بعض الملفات الصحية، حيث تشير الدراسة العينية التي قامت به الهيأة التي تتكون من 165 ضحية من بينهم 123 رجال و 39 نساء و 3 أطفال فيما يتعلق بأنواع الامراض التي يعاني منها الضحايا من خلال طلبات التدخل الصحي التي قاموا بها أن الضحايا:[24]
يتراوح أعمارهم من 15 سنة الى 55 سنة.
تتمثل غالبية الأمراض التي يشخصها أطباء الهيئة في أمراض مزمنة السكري، الربو… وذلك بالإضافة أحيانا لأمراض خطيرة جدا السرطان.
يجد هؤلاء الضحايا أنفسهم في أوضاع محفوفة بالمخاطر، مع غياب تام للتغطية الاجتماعية 44.44 بالمائة.
أمام هذه الوضعيات، تؤمن الهيأة التدخل العاجل، عبر التكفل بالقيام بفحوصات عامة، والاستشارات الطبية المتخصصة، وبشراء الأدوية و/أو الأطراف الصناعية. وتقوم الهيأة أحيانا بضمان التدخل الجراحي، إضافة لضمان التكفل الاجتماعي عبر تقديم منح مالية.
ويتمثل تدخلات الهيأة في عدة مستويات كان منها:
التكفل بمصاريف الفحص الطبي
التكفل بمصاريف إجراء الفحوصات الطبية والأشعة
التكفل باقتناء الآلات الطبية
التكفل باقتناء المعدات الشبه طبية[25].
ولتسهيل عملية عمل اللجنة عملت الهيأة على وضع خدمات الوحدة الصحية والاجتماعية لتقوم بتقييم وضبط الحاجيات واقتراح الحلول المحالة عليها من لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار في الآجال المطلوبة. (الفصل 15). وكما تقوم اللجنة بإعداد خارطة خدمات الإحاطة الطبية، النفسية والقانونية حسب الولايات والتي تضم كل المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير حكومية.
وبهذا، تمت دراسة عينات من ملفات أشخاص معنويين كمجموعة الأحزاب والجمعيات والنقابات والمنظمات (27 ملف) التي تعرضت لانتهاكات نتيجة لانتماءاتها السياسية أو نضالاتها الحقوقية أو توجهاتها الفكرية والتي تم قمعها والتضيق على نشاطاتها من طرف النظام السابق[26].
الفرع الثاني: برامج جبر الضرر ورد الاعتبار
تعد برامج جبر الضرر من أهم سمات تجارب لجان الحقيقة، قصد تمكين الضحايا من التعويض الفردي والجماعي، وفقا لمضمون القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 والقانون الأساسي عدد 17 لسنة 2014 المؤرخ في 12 يونيو 2014.
وينصل الفصل 20 من دليل إجراءات لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار، على أن تنشئ اللجنة وحدة مختصة لإعداد مشروع البرامج الشامل لجبر الضرر ورد الاعتبار بالتعاون مع كل هياكل الهيأة. وتترطب هذه الوحدة من مختصين في القانون، الطب، الخدمات الاجتماعية، الإحصاء والتخطيط، المالية، التأمين. كما يمكن للجنة الاستعانة في ذلك بكل من تراه صالحا من الخبرات والكفاءات. وتم إعداد البرنامج الشامل لجبر الأضرار على أساس قاعدة البيانات العامة لهيأة الحقيقة والكرامة التي تمكن من ضبط قائمة الضحايا وأصناف الانتهاكات المسلطة عليهم والأضرار الناتجة عنها .(الفصل 21).
وتتول اللجنة ضبط مقاييس ومعايير التعويض استنادا إلى المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الحق في الانتصاف والتعويض وإلى أحكام القانون الأساسي للعدالة الانتقالية. وتستأسس اللجنة بالقواعد القانونية العامة المنظمة في مادة المسؤولية والتعويض وبالقواعد والتعويض وبالقواعد الخاصة المعمول بها في بعض أنظمة التعويض الخاصة وبما استقر عليه فقه القضاء الدول والوطني في هذا المجال. (الفصل 23).
جبر الضرر الفردي.
ينص الفصل 25 من دليل إجراءات لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار على أن تضبط لجنة جبر الضرر قواعد وإجراءات تفصيلية خاصة بتقييم الأضرار وكيفية جبرها. تضبط معايير الجبر والتعويض اعتمادا على قواعد العدالة والإنصاف بما يتناسب مع جسامة الانتهاكات ووضعية كل متضرر من حيث سنه وجنسه وحالته المدنية والاجتماعية والصحية. وكما تعد اللجنة أنموذجا لقرار التعويض الفردي يصادق عليه مجلس الهيأة. (الفصل 26)، وينبني قرار جبر الضرر الفردي على المحاور التالية:
نوعية الانتهاكات التي تعرض لها الضحايا؛
ما تم اتخاذه من قرارات وإجراءات إدارية وقضائية سابقة لفائدتهم؛
التقديرات المخصصة للتعويض والإمكانيات المتوفرة لدى الدولة عند التنفيذ وفق الفصل 11 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها. (الفصل 27). وينص الفصل 28 على أن يتضمن قرار جبر الضرر على توفير الإحاطة الطبية والنفسية والاجتماعية للضحايا وإعادة تأهيلهم وإدماجهم واسترداد حقوقهم.
وعلى مستوى تعويضات النوع الاجتماعي[27] ينص الفصل 24 من دليل إجراءات لجنة المرأة على تقدم لجنة المرأة إلى لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار التوصيات الضرورية بشأن سبل تحديد الأضرار ومعايير جبر الضرر الفردي والجماعي وآليات إعادة تأهيل الضحايا وإدماجهم[28].
جبر الضرر المعنوي ورد الاعتبار.
ينص الفصل 29 من الدليل على أن تضبط لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار الوسائل والآليات المناسبة لتنفيذ جبر الضرر المعنوي ورد الاعتبار واسترداد الحقوق للضحايا بمختلف أصنافهم والاعتذار لهم. أما بالنسبة للفصل 30 يتضمن رد الاعتبار الفردي بالإضافة إلى الآليات السابقة اعتذار الدولة وتقترح اللجنة أنموذجا للاعتذار وتسعى الهيأة لمصادقة الجهات المختصة عليه.
جبر الضرر الجماعي والمناطق المهمشة.
ينص الفصل 31 من الدليل على أن تقدم لجنة جبر الضرر مقترحات لرد الاعتبار الجماعي اعتمادا على نتائج أعمال الهيأة واستئناسا بالتجارب المقارنة. كما “تتخذ اللجنة مشاريع قرارات وإجراءات جبر الأضرار لفائدة الضحية الجماعية أو الجهة المهمشة مع مراعاة ما تم اتخاذه من قرارات وإجراءات إدارية وقضائية سابقة لفائدتهم”. (الفصل 32).
وكما يسهر رئيس اللجنة على تنفيذ عملها وقراراتها بالتعاون والتنسيق مع وحدة تنفيذ ومتابعة القرارات والتنسيق مع الهياكل المختصة ومع مجلس الهيأة. (الفصل 34). ويمكن للجنة جبر الضرر إصلاح الأخطاء المادية التي قد ترد بقراراتها سواء بصفة تلقائية منها أو بطلب ممن يهمه الأمر (الفصل 35). وتعمل لجنة جبر الضرر على إقامة علاقات تعاون وتشارك مع مكونات المجتمع المدني الناشطة في مجال العدالة الانتقالية ذات العلاقة بمجال عملها. (الفصل 36).
خاتمة:
تشكل التعويضات أحد المداخل الأساسية لآليات العدالة الانتقالية في شتى أنواع تجارب لجان الحقيقة في العالم، ويجسد هذا التعويض سواء تعلق الأمر بالتعويضات المادية والمعنوية، مقاربة رد الاعتبار للضحية لما تعرض له من الانتهاكات والفظائع في الماضي، علما أن حجم الضرر لا يمكن أن يشفيه حجم التعويضات المقدمة للضحية، وتختلف التعويضات وجبر الأضرار من تجربة إلى أخرى، فهناك اعتماد نهج متباينة ومختلفة رغم أنها تهدف بإنصاف الضحايا إلا أن معظم التجارب بتقر على تقليص المظالم فقط، والفشل في تتبع برامج التعويضات الجماعية أو الشمولية للمناطق التي كانت مسرحا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.
فبالرغم من الأهمية القانونية لآليات جبر أضرار الضحايا وجزيئيتها فإنه تمت دراسة لعينة من المستفيدين من جبر الضرر أجرتها عام2014 الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية في مدينة قفصة بهدف تقييم فعالية تدابير جبر الضرر قبل صدور قانون العدالة الانتقالية، تظهر أن قرابة 87 في المائة من هؤلاء المستفيدين كانوا غير راضين عن جبر الضرر الذي تلقوه[29].
وعليه، تبقى عملية إنشاء لجان الحقيقة والمصالحة التي تهدف من خلال آلياتها التي تهدف إلى جبر الأضرار بمختلفها، وفق مقاربة شمولية تعويضية تهدف إلى الانصاف لما تعرض له الضحية و ذوي الحقوق، إلا أن العملية أصبحت أكبر تعقيدا خصوصا حينما يتحكم السياسي في مجريات عمل لجان الحقيقة في تقليص ميزانيتها أو الامتناع عن التصويت على ميزانيتها، بالإضافة إلى انعدام المانحين الدوليين في هذا المجال، أو بشكل ضعيف.
(محاماه نت)