دراسات قانونية

القانون الجزائري وحماية الحدث ضحية الإهمال الأسري (بحث قانوني)

حماية الحدث الجانح ضحية الإهمال الأسري بموجب القانون الجزائري

الدكتورة أمحمدي بوزينة أمنة

أستاذة محاضرة صنف (أ) كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة حسيبة بن بوعلي- الشلف، الجزائر

Abstract:

Human Rights Watch reported in its report on the state’s treatment of domestic violence in Algeria in 2017: “Victims of family violence in Algeria often find themselves vulnerable to abuse despite a new law criminalizing marital abuse.” So, according to the Violence Report the family is the first social institution in which a child grows and acquires the standards of error and right. In this context, many questions arise. The family is concerned about the impact of family violence on children and on their mental health. Opinions differ on the phenomenon of violence families The most important question is how the transformation of this important institution affects the practice of various types of violence as a result of the behavioral behaviors between the spouses, which result in child abuse, and in the worst cases may extend to the children resulting in non-positive community figures. It can be achieved only by establishing an integrated legislative system that balances the theoretical text that protects the family entity and refers to the preservation of the individual’s stability within it. In addition to the role of family and child protection organizations, all of which aim at strengthening the status of the family and children and protecting them against the dangers of domestic violence, and obliging those who come to marriage to undergo training courses on child-rearing and marital and family relations. Peace among family members is the most important factor for building an effective individual and the most important means of reducing family violence against children.

Keywords: Violence, Family, Deviation, Domestic Violence, Protection, Methods, Juvenile Delinquency

ملخص
نشرت منظمة هيومن رايتش واتش ضمن تقريرها حول تعامل الدولة مع العنف الأسري في الجزائر لعام 2017: “أن ضحايا العنف الأسري في الجزائر غالبا ما يجدن أنفسهن عرضة لسوء المعاملة، رغم صدور قانون جديد يجرم الإساءة الزوجية”، ومن منطلق ما ورد في تقرير العنف الأسري يتأكد لنا مدى تأثير العنف الأسري على الطفل وعلى صحته النفسية؛ بل إن تلك الممارسات ستؤثر على شخصيته سلبا من حيث عدم بناء فرد متوازن، فالأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي ينمو فيها الطفل ويكتسب من خلالها معايير الخطأ والصواب، وفي هذا السياق تطرح تساؤلات كثيرة، فعلى اختلاف الآراء حول ظاهرة العنف الأسري وأسبابها وأشكالها وأثارها، يبقى السؤال الأهم هو، كيف يؤثر العنف بأنواعه في الكيان الأسري نتيجة للتصرفات السلوكية بين الزوجين والتي ينتج عنها الاعتداء على الأطفال، والطفل الذي يتربى في جو أسري يشوبه العنف سيميل حتما نحو الطبيعة العدوانية وقد يصل به الأمر إلى حد الجنوح، كما قد يكون محل اعتداء، ولا يمكن أن نتفادى ذلك إلا بوضع منظومة تشريعية متكاملة توازن بين النص النظري الذي يحمي الكيان الأسري ويحاول الحفاظ على استقرار الفرد ضمنه وتجسيد هذا فعليا على أرض الواقع إضافة إلى دور تنظيمات حماية الأسرة والطفل التي تهدف جميعها إلى تعزيز مكانة الأسرة والطفل وحمايتهما من مخاطر العنف الأسري، مع إلزام المقبلين على الزواج بالخضوع لدورات تدريبية حول تربية الأبناء، والعلاقات الزوجية والأسرية، ويبقى في الأخير التركيز على أهمية نشر قيم التسامح والأمن والسلام بين أفراد الأسرة أهم عامل لبناء فرد فعال وأهم وسيلة لتقليل العف الأسري ضد الطفل.

الكلمات المفتاحية: العنف، الأسري، الانحراف، العنف في الوسط الأسري، الحماية، الأساليب، جنوح الأحداث.

مقدمة

الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي ينمو فيها الطفل ويكتسب من خلالها معايير الخطأ والصواب، ولكن كيف إذا تحولت هذه المؤسسة الهامة إلى ساحة لممارسة مختلف أنواع العنف نتيجة للتصرفات السلوكية بين الزوجين، والتي قد تمتد إلى الأبناء ما ينتج عنها شخصيات مجتمعية غير إيجابية حيث تشكل هذه الممارسات ظاهرة العنف الأسري وهي من أخطر المشكلات التي تهدد استقرار الكيان الأسري، وأوضحت الدراسات والأبحاث أن ظاهرة العنف الأسري من الظواهر القديمة في المجتمعات الإنسانية وتنعكس أضرارها ليس على الأسرة وحدها فحسب؛ وإنما تتعدى ذلك لتشمل المجتمع بأكمله كون الأسرة هي ركيزة المجتمع وأهم بنية فيه.

ومع تسارع التطورات العصرية في كافة المجالات، تفاقمت هذه المشكلات الأسرية بالرغم من وجود القوانين والتشريعات التي تخص شؤون الأسرة والمجتمع، وتهتم الكثير من المنظمات العالمية بتفعيل هذه القوانين لتحسين الوضع الأسري وضمان تطوير الحياة المجتمعية، إلا أن واقعنا الأسري في معظم المجتمعات العربية أصبح أكثر غموضا من خلال حجم المشكلات الاجتماعية المتزايدة والمتمثلة في العنف الأسري بكل ما يتركه من أثار سلبية أصبحت واضحة رغم السعي لحجبها بمختلف الوسائل.

وما يثير الجدل في هذه القضية المجتمعية أنها تعتبر من القضايا التي يفضل الكثير التكتم عنها وعدم البوح بها حفاظا على السمعة متجاهلين في الوقت ذاته، حجم ضحايا العنف الأسري خاصة عندما تمتد أشكاله لتصل الأطفال ما يتسبب لهم بأزمات عديدة تستمر معهم للكبر، وبالتالي تتحول لا إراديا إلى سلوك مستقبلي متوارث وقد يبقى راسخا في أذهانهم مدى الحياة وبذلك تنتقل ظاهرة العنف الأسري من جيل إلى جيل ما يهدد أمن واستقرار المنظومة المجتمعية.

فالأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي ينمو فيها الطفل ويكتسب من خلالها معايير الخطأ والصواب، وفي هذا السياق تطرح تساؤلات كثيرة وتختلف الآراء حول ظاهرة العنف الأسري وأسبابها وأشكالها وأثارها ويبقى السؤال الأهم يركز على كيف يؤثر تحول هذه المؤسسة الهامة إلى ساحة لممارسة مختلف أنواع العنف نتيجة للتصرفات السلوكية بين الزوجين والتي ينتج عليها الاعتداء على الأطفال، وبأسوأ الحالات قد تمتد على الأبناء ما ينتج عنها شخصيات مجتمعية غير إيجابية حيث تشكل طبيعة عدوانية تدفع الأطفال إلى الجنوح، كما قد يكون محل اعتداء وهذا الأخير لا يكون من قبل الأسرة في غالب الأحيان يكون خارج المنزل من قبل الغير ونظر لكون الطفل من الفئات الضعيفة التي خصها المجتمع والتشريعات بمعاملة خاصة وحماية خاصة في إطار التشريعات الجنائية، لذا حاول المشرع إيجاد صياغة لائقة لترجمة الفكرة، تكون دالة على حماية وعلاج الطفل الجانح الذي لم يقوى على درء الاعتداءات التي يأتيها الآخرون بحقه أو يدرك ماهية الأفعال التي يقدم عليها.

كما أن إطار ارتكاب الجريمة من قبل الطفل يتجاوز إطار القانون الجزائي، لكون تصرفه فعل خطير بالنسبة للمجتمع، لأن جنوح الأحداث يعد بذرة إجرام الغد، ويتطلب ذلك تدخل المجتمع، ليس من أجل العقاب، بل من أجل العلاج، لأن الجريمة تعد رد فعل عن مرض أكثر عمقا، ويجب علاجه للوقاية من العود.

على أن لبحث حمایة الحدث الجانح له طابعه الذاتي الخاص والمستقل الذي یمیزه عن سائر البحوث الجنائیة لأن ثمة فواصل ظاهرة بین الدراسات الجنائیة، فقد تنصب الدراسة على البحث في القسم العام أو الخاص من قانون العقوبات أو البحث في الإجراءات الجزائیة أو العلوم الجنائیة المساعدة لبیان أركان الجرائم وما یقابلها من عقوبات أو تنظیم مراحل الدعوى الجنائیة والأحكام التي تخضع لها، أو لبیان الأسباب المفسرة للسلوك الإجرامي وأسالیب رد الفعل الاجتماعي عنه أمام بحث في مجال الحمایة الجنائية.

وظاهرة جنوح الأحداث لا تعمل عكس متطلبات سیاسة الدولة في التنمیة البشریة فحسب بل أنها تؤذي سلامة المجتمع وتهدد أمنه واستقراره، فنجد أن الجانحین من الشباب والمراهقین یمثلون خطر على حیاة الآخرین وأموالهم وعنصر قلق واضطراب یظهر في كل حین لونا من ألوان السلوك المخالف للقانون یشیع معه الخوف والفساد وزعزعة الأوضاع الاجتماعیة واختلال ثقة الرأي العام بجدوى وفعالیة القوانین الجزائیة، هذا بالإضافة إلى أن الجنوح یمثل خطرا على الأحداث أنفسهم وعلى مستقبلهم حینما یعرضون لأجل ذلك على الإجراءات القضائیة لاسیما في القبض والحبس والتحقیق والمحاكمة التي قد تزید من قلقهم واضطرابهم وتؤثر سلبا في نفسیاتهم وعلاقاتهم بغیرهم .

أما عن الاسباب التي تبرر البحث في حمایة الأحداث أن التحولات التي تعیشها الجزائر كغیرها من دول العالم بسبب التطور الباهر الذي أحرزته دول العالم المتقدم لاسیما في مجال التكنولوجیا والإعلام الآلي وما نجم عن الربط بین هذین النوعین من التقنیة حیث ظهور الشبكة الدولیة للأنترنت ووسائط الاتصال المختلفة، كل ذلك أدى في وجهه السلبي إلى سهولة الترویج للثقافات الغریبة ونماذج السلوك الجانح في صور جدیدة غیر مألوفة في بعض الأحیان، وأمام اتساع شریحة الشباب والمراهقین في المجتمع الجزائري ومیل هذه الفئة بطبعها إلى حب التقلید والمغامرة، إضافة إلى الانتشار الواسع لخدمة الأنترنت بشكل خاص یكون من الضروري استنفار الجهود الوطنیة وتوجیهها في سبیل البحث في وسائل وطرق حمایة النشء بما فیها الوسیلة التي تتكل على آلیات ومناهج القانون الجنائي .

وما يبرر الاهتمام ﺑﻬذه الفئة، هو ما أوجبه المشرع من أن تكون هناك حماية قضائية لكل طفل يحتاج إلى الحماية والرعاية، وما يرمي إليه قانون العقوبات هو حماية الطفل من التصرفات التي لا يقدر أن يدفعها لصغر سنه أو هو غير قادر على إدراكها بسبب حالته العقلية وعليه قد يكون الطفل تارة ضحية وتارة أخرى جانح، من خلال هذا التقديم، يمكن طرح الإشكال الآتي: ما هو الإطار القانوني التشريعي لحماية الأحداث الجانحين في الجزائر؟، وإلى أي مدى يساهم الإهمال العائلي في تكوين السلوك الإجرامي للأحداث؟. وما هي ملامح الحمایة التي یوفرها المشرع للأحداث من خلال القواعد الشكلیة والموضوعیة لمرحل المساءلة الجزائية للحدث الجانح ؟، وما مدى انسجام حمایة الأحداث الجانحين مع معاییر الحد الأدنى المتفق علیها دولیا عبر مختلف المواثیق ذات الصلة بحقوق الطفل ؟

من هنا سنقف عند الحماية المقررة له في قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية، خاصة وأن الوقوف على مثل هذه الحماية يبرز مدى اهتمام المشرع بربط تجريم الأفعال التي يمكن أن تدفع الطفل الحدث نحو الجنوح.

على هذا الأساس كان الاعتماد في عموم أجزاء البحث على كل من المنهج التحلیلي لتأصیل القاعدة القانونیة للحمایة الجنائیة لحق معین لاسیما إذا كانت من القواعد الخاصة بالأحداث ثم تحلیل مضمونها واستجلاء ما توفره من حمایة للحدث، والتحول ما بین قاعدة الحمایة سواء كانت عامة أو خاصة وتطبیقاتها العملیة على واقع حقوق الحد، كما تم الاعتماد على المنهج الوصفي لتحديد بعض المفاهیم القانونیة والمؤسسات القانونیة التي تبقى دائما نسبیة بحسب مدلولاتها وفلسفة تشریعها كالحد من العقاب والتدابیر الإصلاحیة ومحاكم الأحداث .

وعليه سنتولى الإجابة على التساؤلات السابقة وفقا للتقسيم التالي:

المبحث الأول: تأثير الإهمال الأسري على توجيه سلوك الأطفال نحو الجنوح.

المبحث الثاني: حماية الحدث ضحية الإهمال الأسري من خلال القواعد الموضوعية للتجريم

المبحث الثالث: إجراءات حماية الحدث الجانح بموجب القانون الجزائري.

المبحث الأول: تأثير الإهمال الأسري على توجيه سلوك الأطفال نحو الجنوح

الأسرة هي تلك الوحدة الاجتماعية المكونة من رجل وامرأة أو عدد من النساء تربطهم رابطة زوجية معترف بها اجتماعيا وقانونيا وشرعيا، ويعيشون مع أولاد من نسلهما أو من غير أولاد، وتقوم بمجموعة من الوظائف اللازمة لاستمرارها.

وتعد الأسرة من أقدم الأنظمة الاجتماعية التي عرفها الإنسان، وكانت ولا تزال هي المسؤولة عن تقديم كل أنواع الرعاية الاجتماعية لأفرادها، كما تعد هي المسؤولة عن توفير كل أوجه التنشئة الاجتماعية لأبنائها والعين الساهرة على مراقبة أفرادها وضبط سلوكهم، حيث عرفت توازنا في بنيتها ووظائفها، مما جعلها تعيش في انسجام وتضامن بين أفرادها ومحيطها الاجتماعي، فلم تنتشر فيها بعض الظواهر غير السوية، مثل ما هي عليه الآن، نظرًا لما كانت تعرفه من تضامن ومساندة بين أفرادها، فكانت تشكل وحدة إنتاجية اجتماعية وتربوية أساسية تفرض على أعضائها التعاون معا والاعتماد المتبادل على بعضهم بعضا في المجالات جميعها([1]).

وعليه، سوف نتعرض لإهمال الأطفال وتأثيره على الطفل الجانح وذلك من خلال الوقوف على المقصود بالإهمال العائلي وصوره وتأثير الإهمال العائلي على السلوك الإجرامي للطفل الحدث الجانح.

المطلب الأول: إهمال الأطفال وتأثيره على الطفل الجانح

الإهمال هو أمر بالغ الصعوبة حيث لم يعد هناك معايير عبر الثقافات واضحة لممارسات تربية الطفل الملائمة، وتبين البحوث أن الإهمال غالبا ما يتواجد مع غيره من أشكال سوء المعاملة، بينما الإهمال عموما يشير إلى غياب الرعاية الأبوية، والفشل المزمن لتلبية الاحتياجات الأساسية للأطفال، وتحديد تلك الاحتياجات لم تكن واضحة “العمل معا”، يعرف الإهمال على النحو التالي

الفرع الأول: تعريف الإهمال العائلي وصوره

لقد تعددت تسميات الإهمال العائلي، فهناك من يدعوه بالتصدع الأسري وآخرون يدعونه بالتفكك العائلي، ومهما اختلفت التسميات فهي تعني الإهمال العائلي، بحيث يعرفه بعض علماء الاجتماع بأنه: وهن أو سوء تكيف أو توافق أو انحلال يصيب الروابط التي تربط الجماعة الأسرية كل مع الآخر، ولا يقتصر هذا الوهن على الروابط التي تربط بين الرجل والمرأة، بل قد يشمل أيضا علاقة الوالدين بأبنائهم([2]).

ويعرف أيضا بأنه: انهيار للوحدة الأسرية وانحلال بناء الأدوار الاجتماعية، المرتبطة بها عندما يفشل عضو أو أكثر في القيام بالتزاماته أو أن يتعمد عدم القيام بها رغم صلاحيته لذلك([3]).

وعليه يمكن تحديد الإهمال العائلي بأنه حالة من اختلال التوازن في العلاقات العائلية أو التربية الأسرية السيئة أو في حالة غياب أحد الوالدين أو كليهما بسبب الطلاق أو الهجر العائلي أو حالة الخصام المستمر بين الوالدين.

ويرى بعض علماء النفس بأن الإهمال العائلي أو الأسري، يحدث حتى عند عدم غياب أحد الوالدين وهو إهمال الأسرة سيكولوجيا([4])، يعني أن الوالدين يكونان في الأسرة ويقومان بواجباتهما المادية، لكن سيكولوجيا هذه البيوت محطمة لكثرة الصراعات الأسرية الداخلية والسبب في رأينا هو عدم تأدية الوالدان لواجباتهما المعنوية أو الأدبية.

أما الشريعة الإسلامية، فنجد أنها أقرت حقوقا وواجبات لكل فرد من أفراد الأسرة وذلك لضمان استقرار وتوازن العلاقات الأسرية واعتبرت كل إخلال أو هروب من تأدية إلى معنى الإهمال الأسري هذه الواجبات يعد إثما يعاقب فاعله، ولقد أشار رسول الله:” وكَفى بِالمرءِ إِثما أَن يضيع من يقُوتُ ”، وسماه الّتضييع حيث قال ويتبين من الحديث الشريف أن الإهمال العائلي أو الأسري هو تضييع الرجل لحقوق أهله، سواء كانت حقوق مادية أو معنوية، ويستوي في ذلك إن كان التضييع عن قصد أو بغير قصد فالإسلام أعطى أهمية كبيرة للأسرة باعتبارها النواة الأساسية في بناء المجتمع فأهتم بحياة الأولاد وتربيتهم وحقوقهم تجاه أوليائهم، وكذا واجبات الوالدين نحو الأبناء لذلك جاءت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة متضافرة تحث على الرعاية المعنوية والمادية لأفراد العائلة.

الفرع الثاني: صور الإهمال العائلي وأثاره

تعددت الصور التي يتجسد فيها الإهمال العائلي أو الأسري، لذلك نبين أهم الصور التي لاقت إجماعا من علماء الاجتماع وعلماء النفس والقانون وهي :

أولا: الإهمال العائلي بالنظر إلى حجمه: ينقسم إلى صورتين، هما :

1.الإهمال الكلي: نكون أمام إهمال كلي عندما تنتهي الرابطة الزوجية سواء بالطلاق أو غيره وذلك لفشل أحدهما أو كليهما في أداء الواجبات المنوطة به.

وتعرف هذه الصورة من الإهمال بأنها ذلك الانهيار الذي يصيب الوحدة الأسرية عندما يفشل أحد الوالدين أو كلاهما في القيام بالتزامه بصورة مرضية لأفراد الأسرة([5]).

الإهمال الجزئي: في هذه الصورة يتجسد الإهمال في هجر أحد الوالدين لمقر الزوجية أي مقر الأسرة أو الانفصال المنقطع، بحيث ينفصلان عند حدوث أي مشكلة أو أزمة داخل الأسرة ثم يعود إلى علاقتهما، مثال ذلك هروب الزوجة أو الأم من المنزل إلى بيت أهلها، تاركتا أولادها دون رعاية، ثم تعود بعد الصلح من طرف الأهل إلى البيت حيث أن هذه الصورة من الإهمال تخلف آثار سلبية على الأبناء بحيث يعيشون حالة من الخوف وعدم الاستقرار النفسي والمادي، نتيجة التهديد الدائم بانفصال الأبوين([6]).
أما عن الهجر، فنقصد به أن يترك أحد الزوجين مقر الأسرة دون سابق إنذار أو علم، مع إبقاء الرابطة الزوجية، وقد يكون هذا الهجر دائما وقد يكون لفترة زمنية ينتهي بزوال أسبابه([7])، ويعتبر هجر الزوج هو الغالب في المجتمع الجزائري نظرا لخصوصيات الثقافة الجزائرية، حيث تسمح للرجل أن يفعل ما يريد، بينما تقيد تصرفات المرأة، ويتمثل هجر الزوج في عدم تلبيته لحاجات الأسرة، أي عدم قيامه بمسؤولياته تجاه أسرته.

ثانيا: الإهمال العائلي بالنظر إلى الأسباب المؤدية إليه

الإهمال الناشئ عن انحلال الأسرة: وهو نتاج لطلاق الزوجين أو هجرهم للأسرة أو نتيجة تغيب أحد الزوجين عن الأسرة لفترات طويلة جدا بسبب الانشغال في العمل.
الإهمال الناشئ عن أسباب عاطفية: يطلق عليه علماء الاجتماع مصطلح (القوقعة)، حيث يعيش أفراد الأسرة في سكن واحد وتكون العلاقات والاتصالات بين « الفارغة الآباء والأبناء دون الحد الأدنى، يعني عدم وجود روابط عاطفية بين أبنائهم([8])، وذلك راجع لاهتمام الآباء بالالتزامات المادية من توفير مأكل وملبس ومصروف يومي للأبناء وإهمال الالتزامات المعنوية من إعطاء الأبناء الحب والحنان الأبوي الذي، حتى وإن كبر الإنسان ويصير أَبا أو أُما، يبقى في حاجة إلى حنانهما هكذا هي فطرة الإنسان.
الإهمال الناشئ عن أحداث خارجية اضطرارية: قد تكون هذه الأحداث دائمة بسبب الموت أو مؤقتة بسبب دخول أحد الوالدين السجن([9]).
ثالثا: الإهمال العائلي بالنظر إلى مدى تفكك أفراد الأسرة فيه

الإهمال الناتج عن التفكك الفيزيقي: ويحدث هذا الإهمال في حالة وفاة أحد الوالدين أو كلاهما أو الانفصال بالطلاق أو بالهجر. ويعرفه البعض الآخر بأنه إهمال الأب الناتج عن تعدد الزوجات والغياب الطويل الأَمد بالنسبة للأب عن أسرته وأولاده، وبالتالي يهمل تأدية واجباته تجاه أبناءه وزوجاته وأسرته([10]).

هذه الصورة من الإهمال محسوسة وملاحظة للجميع، ويدركها كل الأشخاص المحيطين بالأسرة من أقارب وأصدقاء وهذه الصورة من الإهمال لها آثار سلبية على المجتمع ككل، يمكن أن يؤدي إلى الطلاق في حالة تعدد الزوجات أو الغياب الطويل لأحد الوالدين عن الأسرة، كما أنها تؤثر بصفة مباشرة على تنشئة الأولاد ورعايتهم الصحية، والنفسية مما قد يعرضهم إلى التشرد والانحراف والجريمة.

الإهمال الناتج عن التفكك النفسي: يحدث هذا النوع من الإهمال في العائلات التي يسودها جو من الصراعات والمنازعات المستمرة بين أفرادها خاصة بين الوالدين، حتى ولو كان جميع أفراد الأسرة يعيشون تحت سقف واحد([11])، كما قد يحدث هذا الإهمال نتيجة إدمان الأب على المسكِرات أو المخدرات، أو لعب القمار الذي ينجر عنه إهمال الأب لأسرته وعودته في أوقات متأخرة من الليل فيصبح قدوة سيئة لأبنائه، فمن الممكن أن يسلك الأبناء نفس الطريق.

والتفكك النفسي، قد يكون نتيجة التباين الكبير بين الأب والأم سواء في الأفكار أو التصرفات أو في المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وحتى في الأصل الجغرافي لكليهما، مثال ذلك ما نلاحظه على الزوج البطال أو الذي له دخل قليل غالبا ما تحتقره زوجته ولا تراه في مستوى الرجال، فالرجل حسب رأي بعض النساء هو الذي يكسب المال الكثير والذي يتقلد مناصب عالية.

وهناك أمثلة عديدة للإهمال الناتج عن التفكك النفسي للأسرة، كعدم احترام الآباء للأبناء، أو دخول الأب متأخرا باستمرار إلى البيت وهذا مثل سيئ للأبناء بحيث هناك بعض الآباء لا يرون أبنائهم لمدة أسبوع، ونجد أن الأبناء أيضا لا يحترمون آباءهم بسبب هذه السلوكيات وهذا ناتج عن عدم وعي الآباء بالمسؤولية العائلية وهذا النوع من الإهمال الناتج عن تفكك نفسي قد ينتهي بالطلاق كآخر مرحلة إذا تعاظمت المشاكل داخل هذه الأسرة وعدم استطاعة الأم الصبر على هذا الوضع ([12]).

الفرع الثالث: سمات أسرة الأحداث الجانحين

الأحداث الذين يرتكبون السلوك الإجرامي في الغالب ينتمون إلى أسر يكون الأولياء فيها يميلون إلى استخدام أساليب التوجيه الصارمة كالعقاب البدني في التأديب، الذي له تأثير كبير على الحدث في انتهاجه السلوك الإجرامي([13])، كذلك يسود أسر هؤلاء الأحداث مناخا أسريا فاسدا، حيث تضطرب العلاقات الأسرية، ويسود التوتر على كل أنماط العلاقات الأسرية، ويفتقد الأمن والأمان الأسري ويغيب نظام الضبط والانضباط داخل الأسرة وكل هذه الظروف تمثل مركز طرد بحيث يجد الحدث نفسه خارج الجو الأسري، ويشعر بالضيق إذا تواجد مع أفراد أسرته وتفاعل معهم، وفي دراسة أجراها أحد الباحثين في هذا المجال، أوضحت أربع سمات عند أسر الأحداث الجانحين وهي:

-1 إن أولياء الأحداث الجانحين غير واعين بمشاكل أبنائهم.

-2 إن أولياء الأحداث الجانحين لم يبذلوا جهدا ودورا فعالا في رعاية أسرهم.

-3 توجد خلافات دائمة بين أولياء الأحداث الجانحين.

-4 وجود سوابق في الانحراف والإجرام داخل هذه الأسر كأن يكون الأب أو الأخ مجرم.

إن الأحداث الجانحين ينتمون إما إلى أسرة صغيرة، إذ يسود التدليل والحماية الزائدة بشكل يفقد الحدث المعيارية الأخلاقية، وتنمو عنده الأنانية والتضحية بالآخرين مهما كانت درجة قرابتهم في سبيل تحقيق رغبات الذات، وإما ينتمون إلى أسرة كبيرة الحجم حيث الإهمال وانعدام الرعاية النفسية والاجتماعية؛ مما يؤدي إلى التسيب وانعدام الضبط الأخلاقي أو حدوث التفرقة بين بعض الأبناء، مما يؤدي إلى الصراع والتمرد على سلطة الوالدين، كما يؤدي العجز عن تحقيق الإشباع السوي لحاجات الأبناء إلى الشعور بالعجز والإحباط فيكون البديل هو انتهاج السلوك الإجرامي، لتغطية هذا الشعور وإخفائه([14]).

المطلب الثاني: السلوك الإجرامي للأحداث

إن انحراف الأحداث هو حالة من حالات الانحراف عما هو سائد في المجتمع من عرف ونصوص قانونية، والحدث اللاسوي هو الحدث الذي تصدر منه سلوكيات منحرفة تخرج عن العادات والعرف والقانون السائد في المجتمع الذي يعيش فيه، ولاعتبار السلوك الصادر عن الحدث هل هو إجرامي أم ليس كذلك يعود إلى توافق هذا السلوك مع المعايير الاجتماعية السائدة في زمن حدوثه، لذلك سنتطرق إلى تحديد المقصود بالحدث، ثم تحديد طبيعة السلوك الإجرامي للأحداث.

الفرع الأول: تعريف الحدث

اختلفت التشريعات الدولية والداخلية في تعريف الحدث وذلك ما سنبرزه فيما يلي:

أولا: الحدث في القانون الدولي

قبل إصدار اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تكن هناك معاهدة دولية أو حتى عرف دولي مستقر في شأن تعريف الطفل وتحديد مفهومه بالرغم من اهتمامه بحقوق الطفل وحمايته من كل أشكال الاستغلال ووجدنا أن جل الإعلانات العالمية والاتفاقيات الدولية التي اهتمت بالطفل لم تتطرق إلى تعريف الحدث، ومع ذلك سنحاول البحث في ثنايا مواد الاتفاقيات الدولية على بعض المواد التي تشير إلى تعريف الطفل أو مفهومه.

-1 تعريف الحدث في قواعد بكين لسنة 1985

عرفت قواعد بكين الحدث، بأنه طفل صغير السن يجوز مساءلته عن الجرم بطريقة تختلف عن طريقة مساءلة الشخص البالغ، أما الحدث المجرم فهو شخص أو طفل صغير السن تنسب إليه تهمة ارتكاب جرم أو ثبت ارتكابه له، والتعريف الوارد في نصوص هذه القواعد جاء عاما وواسعا، وقد قُصد صياغته على هذا النحو لترك الحرية كاملة لكل دولة عضو في هذه الاتفاقية تحديد سن الحدث وفقا لظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والقانونية([15]).

-2 تعريف الحدث في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل لسنة 1989

لقد اختلفت قوانين الدول الداخلية في تحديد مراحل الطفولة ونعني بذلك السن التي، تنتهي عندها مرحلة الطفولة، هذا الاختلاف انعكس على اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، حيث جاء مشروع نص المادة الأولى منها على أن” :الطفل هو كل مخلوق بشري منذ لحظة ولادته حتى بلوغه سن الثامنة عشر أو حسب قانون الدولة أو إذا بلغ سن الرشد قبل ذلك”.

وقد أثارت هذه المادة تعارضا وجدلا كبيرا من طرف الدول الأعضاء فمنهم من عارض سن بداية مرحلة الطفولة ومنهم من عارض سن نهاية مرحلة الطفولة، وبمقابل هذه الاختلافات في الآراء، تقدمت بعض الدول الأخرى في تقديم حلول توفيقية بين آراء الدول المتعارضة وهو إبقاء سن 18 سنة كنهاية لمرحلة الطفولة مع الأخذ بعين الاعتبار القوانين التي تنتهي فيها مرحلة الطفولة قبل هذا السن( يعني بلوغ سن الرشد يكون قبل بلوغ الحدث سن الثامنة عشر) وقد أُعتمِد الرأي التوفيقي لتخرج هذه المادة في صياغتها الأخيرة كما يلي: “لأغراض هذه الاتفاقية يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه” ([16]).

من خلال هذه المادة، يتضح أنه يجب توافر شرطين حتى يعتبر الشخص حدثا لتسري عليه الأحكام الخاصة بالأحداث وهي:

-1 ألا يتجاوز سنه الثامنة عشر.

-2 ألا يكون القانون الوطني قد حدد سنا للرشد الجنائي أقل من ذلك وهو قد بلغ هذه السن.

وبموجب هذه المادة فإن الاتفاقية جاءت مسايرة لكل القوانين الداخلية للدول الأعضاء، مع تحديد معيار موضوعي لنهاية مرحلة الطفولة وهو بلوغ الطفل الثامنة عشرة سنة لأنه من الصعب تحديد سن رشد عالمي، وذلك لأن كل دولة لها ظروف وأحوال اقتصادية واجتماعية خاصة بها.

ثانيا: تحديد الحدث في القانون الجزائري

هناك أهمية كبيرة لتحديد مفهوم الحدث من الوجهة القانونية لاسيما على صعيد القانون الجنائي الذي يتضمن الأفعال التي يتم محاسبة الحدث عليها، ونوع هذا الجزاء تدبيرا أو عقوبة، ومدته والمحكمة المختصة بتوقيعه والإجراءات التي تتَّبع لتوقيعه على الحدث.

وبصفة عامة، فإن الحدث في القانون هو كل شخص لم يبلغ سنًّا محددة يصطلح عليها اسم سن الرشد الجنائي، ويفترض أنه قبل هذه السن كان معدوم الأهلية أو ناقصها، وإذا بلغ هذه السن أصبح مكتمل الإدراك ومن ثم، كامل الأهلية وسن الرشد الجنائي يختلف من بلد إلى آخر، أما في الجزائر فسن الرشد الجنائي هو الثامنة عشر سنة([17])، وقد أورد المشرع الجزائري تسميات مختلفة للحدث فعبر عنه في قانون الإجراءات الجزائية بلفظ الحدث في الفقرة الثالثة من نص المادة 444 قبل إلغائها بموجب القانون رقم 17/07 المؤرخ في 27 مارس 2017، المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية الجزائري، وبلفظ القاصر في قانون العقوبات من خلال المادة 49 منه([18])، كما عبر عنه أيضا بلفظ الطفل في المادتين 442 و327 من قانون العقوبات الجزائري، كما عبر عنه القانون رقم 12-15 المؤرخ في 28 رمضان عام 1436 الموافق 15 يوليو سنة 2015 المتعلق بحماية الطفل من خلال نص المادة (02) التي جاء فيها: “يقصد في مفهوم هذا القانون بما يأتي:”الطّفْل”: كل شخص لم يبلغ الثامنة عشر 18 سنة كاملة،.. يفيد مصطلح “حدث” نفس المعنى”.

وعليه، فإن الحدث أو القاصر أو الطفل في مفهوم المشرع الجزائري هو كل طفل من لم يبلغ سِّنه الثامنة عشرة سنة([19])، كما اعتبر المشرع الجزائري حدثا من يبلغ سن الثامنة عشرة سنة عندما يكون في وضع المجني عليه وفقا للفقرة الأولى من نص المادة 342 من قانون العقوبات الجزائري في جريمة التحريض على الفسق وفساد الأخلاق التي جاء فيها: “كل من حرض قاصرا لم يكمل الثامنة عشرة ذكورا أو إناثا على الفسق أو فساد الأخلاق أو تشجيعه عليه أو تسهيله لهم وكل من ارتكب ذلك بصفة مرضية بالنسبة لقصرٍ لم يكملوا السادسة عشرة يعاقب بالحبس من خمس سنوات إلى عشر سنوات وبغرامة من 20.000 إلى 100.000 دج” ([20]).

كما حدد القانون رقم 12-15 المؤرخ في 15 يوليو سنة 2015 من خلال نص المادة (02): “سنّ الرشد الجزائي: ببلوغ ثماني عشرة (18) سنة كاملة”([21]).

يتبين أن الحدث في التشريع الجزائري هو الشخص الذي لم يبلغ الثامنة عشر سنة كقاعدة عامة، أما تمديد سن الحدث إلى التاسعة عشر أو الواحد والعشرين فهو يكون في حالات خاصة يكون الطفل فيها مجني عليه أو معرض للخطر، وذلك لحمايته من أن يكون أداة سهلة في يد الكبار لتنفيذ أغراضهم الإجرامية.

الفرع الثاني: طبيعة السلوك الإجرامي للأحداث

وجد العلماء صعوبة في تحديد طبيعة السلوك الإجرامي للأحداث وذلك لعدم ثبات واختلاف المعايير التي على أساسها يتحدد صفة الإجرامية أو الجنوح في السلوك الصادر عن الحدث. لذا سنتطرق إلى تعريف السلوك الإجرامي الصادر عن الحدث ثم إلى النظريات المفسرة للسلوك الإجرامي الأحداث.

لقد استعملت معظم التشريعات الدولية والعربية لفظ الجنوح بدلا من الإجرام أو السلوك الإجرامي، وهذا مراعاة لشعور الحدث، لذلك سنستعمل هذا المصطلح ونحدد تعريفه تماشيا مع ما جاء في نصوص القانون الدولي والتشريعات القانونية الأخرى، وعليه سنعرف الجنوح من الناحية اللغوية والنفسية والاجتماعية، ومن منظور الشريعة الإسلامية والجنوح في القانون.

أولا: الجنوح من منظور علم الاجتماع

إن الجنوح في علم الاجتماع يتضمن أنماط معينة من السلوك البشري ترى فيه الجماعة خروج عن القواعد التي تعارفت عليها، ومن ذلك يتبين أن التنظيم الاجتماعي يمثل مجموعة من القواعد المتعارف عليها في المجتمع كالعادات والتقاليد والقانون ويلتزم أفراد المجتمع بإتباعها، ويعتبر الخروج عن هذه القواعد انحرافا عن الطريق الصحيح ويقابل سلوك هذا الشخص بأنواع معينة من الجزاءات، وتختلف درجة الجزاء بحسب نوع السلوك والضرر المترتب عنه، وكذلك بحسب سن أو عمرِ الفرد الذي تأتى بهذا السلوك ومهما كانت درجة خطورة هذه السلوكيات وأنواعها فإنها دائما تُقابل باشمئزاز وعدم تَقبل من أفراد المجتمع([22]).

فالمعايير التي تحدد هذا السلوك هل هو مجرم أم لا، يكون تبعا لقوانين الدولة ومعايير مجتمعها وثقافتها الخاصة، فمثلا بعض الدول لا يجرم عندها سلوك الدعارة أو الزنا أو تناول الأطفال للخمور، بينما في بعض الدول الأخرى تشكل هذه السلوكيات سلوك إجرامي يعاقب فاعله، ويرى علماء الاجتماع أن الجنوح نوعين :

جنوح اجتماعي: ويظهر عند الشَِللْ أو الجماعات، تلك الجماعات التي تنغمس في أنشطة مثل سرقة السيارات أو الضرب أو النشاط الجنسي وغيرها من السلوكيات الإجرامية.
جنوح فردي :فإنه قد يظهر عند أحد أطفال الأسر الطيبة والأحياء الراقية أو الرديئة، حيث يظهر كمحاولة لدى الصغير لحل مشكلة الخاصة به.
ثانيا: الجنوح في التشريع

-1 الجنوح في القانون الدولي: جنوح الأحداث من منظور القانون الدولي يتحقق بارتكاب الحدث لأي فعل محظور جنائيا، ومن هذه الزاوية لا يجوز اعتبار الحدث جانحا إذا لم يرتكب جريمة طبقا للقانون الوطني([23])، حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 40 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل المعتمدة سنة 1989 على أن : “تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل يدعي أنه انتهك قانون العقوبات أو يتهم بذلك أو يثبت عليه ذلك في أن يعامل بطريقة تتفق مع رفع درجة إحساس الطفل بكرامته وقدره.”

وتنص الفقرة الثانية منها على أن “تكفل الدول الأطراف بوجه خاص عدم إدعاء انتهاك الطفل لقانون العقوبات أو اتهامه بذلك أو إثبات ذلك عليه بسبب أفعال أو أوجه قصور لم تكن محظورة بموجب القانون الوطني أو الدولي عند ارتكابها. “

مما سبق يتبين أن العبرة في تحديد مفهوم الجنوح في القانون الدولي تكون بالطبيعة الجنائية للفعل وقت وقوعه، فإذا كان الفعل الذي صدر من الحدث مباحا وقت وقوعه فإن الحدث لا يسأل جنائيا عن هذا الفعل.

وأُكد هذا المعنى ضمن نصوص مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لمنع جنوح الأحداث (مبادئ الرياض التوجيهية) إذ تضمنت أحد مبادئه أنه حتى لا يتم وصم الأحداث وإيذائهم وتجريمهم، يجب سن تشريعات تقضي بعدم تجريم أو معاقبة الأحداث على الفعل أو التصرف الذي لا يعتبر جرما ولا يعاقب عليه إذا ارتكبه الكبار، ويتضح من هذا المبدأ أنه لا يجوز معاقبة الأحداث الذين يرتكبوا أفعال لا تعتبر جريمة في القانون الوطني، وكذا عدم معاقبتهم على أفعال لا يعاقب عليها الكبار إذا صدرت عنهم وهذا لحماية الأحداث من وصمهم بالإجرام على أفعال غير مجرمة أصلا، لأن وصم الحدث بأنه مجرم أو جانح فإنه كثيرا ما يساهم في إنشاء السلوك الإجرامي لديه، ولتفادي انعكاسات الوصم وآثاره السيئة على الحدث، أوجبت مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية التقليل من الحالات التي يوصف فيها الحدث بأنه مجرم أو جانح وحصرها بنصوص قانونية في نطاق ضيق.

-2 الجنوح في التشريعات الوضعية الوطنية: إن أغلب التشريعات الوطنية لم تتعرض لتعريف الجنوح وإنما اكتفت بتحديد سن الحدث وتعيين الجرائم المعاقب عليها، سواء ارتكبت من قبل الحدث أو من قبل البالغين، حيث يعرف بعض فقهاء القانون أن الحدث الجانح هو الشخص الذي يكون بين سن التمييز وسن الرشد الجنائي والذي يثبت أمام السلطة القضائية أو أية سلطة أخرى مختصة أنه قد ارتكب إحدى الجرائم أو يوجد في إحدى الحالات الخطيرة التي حددها القانون.

ويتبين من ذلك أن الجنوح هو ارتكاب الحدث إحدى الجرائم المنصوص عليها في القانون أو أنه يوجد في إحدى الحالات الخطيرة المحددة قانونا فالجنوح في القانون هو مفهوم يتسم بالدقة والتحديد لارتباطه المباشر بمبدأ الشرعية شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه في أغلب التشريعات الوضعية الوطنية منها قانون العقوبات الجزائري([24]).

المبحث الثاني: حماية الحدث ضحية الإهمال الأسري من خلال القواعد الموضوعية للتجريم

لقد اعتبر المشرع الجزائري سن 18 سنا للرشد الجنائي طبقا للمادة 02 من القانون رقم 12-15 المؤرخ في 15 يوليو سنة 2015 المتعلق بحماية الطفل، فإذا ما بلغها الطفل عُدّ مسؤولا عن الأعمال الإجرامية التي يقترفها، وهذا لا يعني أنه قبل هذه السن لا يتحمل تبعة فعلته، فغاية ما في الأمر أنه لا يحاسب كما يحاسب البالغ، وهذا ما تمليه علينا المادة 49/1 من قانون العقوبات الجزائري([25])، بحيث لا تسمح إلا بتوقيع تدابير الحماية أو التربية بالنسبة للقاصر الذي لم يبلغ سن 13 سنة إذا تعلق الأمر بمخالفة ارتكبها لا يكون محلا إلا للتوبيخ، فهو عديم التمييز في نظر القانون وبالتالي يظل عديم المسؤولية أما إذا كان بين القاصر يمتد بين 13 و18 سنة فيعد في نظر المشرع العقابي ناقص الأهلية ولا يسأل إلا مسؤولية مخففة، أما إذا نضج واكتمل لديه نموه العقلي لبلوغه سن 18 سنة، فإن المشرع لا يعتبره قاصرا من الناحية الجزائية وينظم بذلك إلى فئة البالغين، والملاحظ أن المشرع قد عمل على إنقاذ الحدث من القواعد العقابية والإجرامية المطبقة على البالغ سواء أثناء التحقيق والمحاكمة أو بالنسبة للتدابير التي تأمر ﺑﻬا محاكم الأحداث لحمايته وعلاجه([26]).

كما تدخل المشرع عندما تبين له بأنه يتعين على اﻟﻤﺠتمع أن يقوم بواجب العناية الخاصة بالأحداث والمراهقين المعرضين لخطر معنوي بإصدار الأمر رقم 72/03 وذلك بتاريخ 10 فيفري 1972 وكذا القانون رقم 12-15 المؤرخ في 15 يوليو سنة 2015 المتعلق بحماية الطفل، ومما ورد في ديباجة هذا الأمر رقم 72/03، وإذا أن بعض العوامل الناجمة على وجه الخصوص من الفاقة والهجرة من الأرياف، أصبحت تطرح بشكل متزايد وخطير مشكلة عدم توافق الطفولة والمراهقة، وبما أن الوضع الناجم من اللاتوافقية يعرض الطفولة لخطر معنوي لا مفر منه، وبما أن جنوحية القصر تشكل عقبة جدية في طريق شبيبتنا وتفتحها، وبما أن الطفل هو رجل المستقبل وأمل البلاد، فلابد من أن ينتفع من التدابير الملائمة والحماية المطلقة والعامة للصحة والأمان والتربية والنمو المنسجم لخاصيته الذهنية والأدبية([27]).

ومن هذا العرض الوجيز نحاول شرح مواد هذا الأمر لكي نتعرف على الوسائل والأساليب التي أعتمدها المشرع لمعالجة “شذوذ هذا الكائن الاجتماعي الهام ومدى تفهمه للظروف التي قد تجره إلى الانحراف علما بأن التركيز على المراهق يعود إلى أنه يؤلف الفئة الأكثر قابلية لارتكاب الجرائم، نظرا إلى سنه وتركيبه النفسي ونموه الفيزيولوجي([28]).

لم يقف المشرع الجزائري عند إقرار الحقوق التي من شأنها أن تحمي الحدث من التعرض للإهمال من طرف أسرته، بل ذهب إلى أبعد من ذلك في الحماية وقام بتجريم بعض الأفعال التي يمكن أن تُوقِع الحدث في الإهمال وتدفعه إلى التشرد، وإتباع مسالك الجريمة، لأن حدث اليوم هو رجل الغد، فلابد من توفير حماية كاملة له تحت كل الظروف وفي جميع الأحوال للحفاظ على مستقبل الوطن ومستقبل الأمة، وتتمثل الأفعال التي جرمها المشرع الجزائري فيما يلي:

المطلب الأول: تجريم ترك الأطفال وتعرضهم للخطر

إن واجب الوالدين بالدرجة الأولى هو رعاية الأطفال وحمايتهم وتوفير ما يحتاجونه ويكون ذلك بالالتزام بالواجبات المترتبة عليهم لضمان سلامتهم وأمنهم، وقد حددت المادة 2/2 من قانون حماية الطفل رقم 15/12 المقصود بالطّفْل في خطر، على أنه: الطفل الذي تكون صحته أو أخلاقه أو تربيته أو أمنه في خطر أو عرضة له ،أَوْ تكون ظروفه المعيشية أو سلوكه من شأنهما أن يعرّضاه للخطر المحتمل أو المضرّ بمستقبله أو يكون في بيئة تعرض سلامته البدنية أو النفسية أو التربوية للخطر.

تعتبر من بين الحالات التي تعرّض للخطر:

– فقدان الطفل لوالديه وبقائه دون سند عائلي،

– تعريض الطفل للإهمال أو التشرد،

– المساس بحقه في التعليم،

– التسول بالطّفْل أو تعريضه للتسول،

– عجز الأبوين أو من يقوم برعاية الطفل عن التحكم في تصرفاته التي من شأنها أن تؤثر على سلامته البدنية أو النفسية أو التربوية،

– التقصير البيّن والمتواصل في التربية والرعاية،

– سوء معاملة الطفل ،لاسيما بتعريضه للتعذيب والاعتداء على سلامته البدنية أو احتجازه أو منع الطعام عنه أو إتيان أي عمل ينطوي على القساوة من شأنه التأثير على توازن الطفل العاطفي أو النفسي،

– إذا كان الطفل ضحية جريمة من ممثّله الشرعي،

– إذا كان الطفل ضحية جريمة من أي شخص آخر إذا اقتضت مصلحة الطفل حمايته،

– الاستغلال الجنسي للطفل بمختلف أشكاله، من خلال استغلاله لاسيما في المواد الإباحية وفي البغاء وإشراكه في عروض جنسية،

– الاستغلال الاقتصادي للطفل لاسيما بتشغيله أو تكليفه بعمل يحرمه من متابعة دراسته أو يكون ضارا بصحته أو بسلامته البدنية و/أو المعنوية،

– وقوع الطفل ضحية نزاعات مسلحة وغيرها من حالات الاضطراب وعدم الاستقرار،

– الطفل اللاجئ”.

وحرصا من المشرع على حماية الأطفال وعدم تعريضهم للخطر، قام بتجريم مختلف الأفعال التي تعرض صحة – الأطفال للخطر وتهدد صحتهم، فنص من خلال المواد 314 إلى 320 من قانون العقوبات الجزائري على جريمة ترك الأطفال وتعريضهم للخطر، وتتمثل هذه الجريمة في فعل الترك والتخلي عن الطفل في مكان ما وتعريضه للخطر مهما كانت نوعية الخطورة التي يمكن أن يتعرض لها، كما يجب أن يكون المجني عليه غير قادر على حماية نفسه، حيث شملت هذه الجريمة الأطفال العاجزين وقد يكون العجز ناتجا عن صغر في السن أو بسبب عاهة في الجسم، كأن يكون عاجز في استعمال اليدين أو الرجلين أو العينين أو بسبب خلل في عقله لا يستطيع التمييز بين ما يضره وما ينفعه ولا يستطيع إنقاذ نفسه من أي خطر قد يتعرض له([29])، وتأخذ هذه الجريمة صورتين وذلك حسب المكان الذي تم ترك الطفل فيه.

الصورة الأولى: ترك الطفل في مكان خال تنص المادة 314 من قانون العقوبات الجزائري، على أن:” كل من ترك طفلا أو عاجزا غير قادر على حماية نفسه بسبب حالته البدنية أو العقلية أو عرضه للخطر في مكان خال من الناس أو حمل الغير على ذلك يعاقب لمجرد هذا الفعل بالحبس من سنة إلى ثلاثة سنوات.

فإذا نشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي لمدة تجاوز عشرين يوما فيكون الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وإذا حدث للطفل أو للعاجز بتر أو عجز في أحد الأعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة فتكون العقوبة هي السجن من خمس إلى عشر سنوات، وإذا تسبب الترك أو التعريض للخطر في الموت فتكون العقوبة هي السجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة.”

يتبين من هذا النص، أن المشرع تناول ترك الأطفال في مكان خال لا يتردد عليه الناس عادة، وترك الأطفال لا ينطوي على مجرد هجرهم أو تخلي عنهم في هذه الأماكن، وإنما يتضمن أيضا أن الطفل المتروك قد أصبح بدون رعاية وبدون رقابة مساعدة([30]).

وهو ما يحتمل معه هلاك الطفل دون أن يعثر عليه أحد يسعفه، أو يقدم له أية مساعدة تمنع عنه الخطر ومن ثمة فإن المشرع جرم هذا الفعل وأعطاه أوصاف مختلفة، من وصف الجنحة لمجرد القيام بهذا الفعل دون إصابة الطفل بأي ضرر، ووصف جنحة مشددة إذا نتج ضرر كمرض أو عجز كلي لمدة تتجاوز عشرين يوما، ووصف جناية إذ نتج عن هذا الترك بتر أو عجز في أحد الأعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة، أو تسبب في موت الحدث.

وقد شدد المشرع في العقوبات بالنظر إلى صفة الجاني إذا كان من أصول الحدث أو ممن هم يتولون رعايته([31])، وعليه فالمشرع في هذه الصورة وّفر قدرا كافيا من الحماية للطفل من الوقوع ضحية للإهمال العائلي ومن ثمة حصنه من انتهاج السلوك الإجرامي، ولم يحدد سنا معينة فقد وفَّر حماية له حتى لو كان الحدث غير عاجز، فهل وفر نفس الحماية في الصورة الثانية؟

الصورة الثانية: ترك الطفل في مكان غير خال

تنص المادة 316 من قانون العقوبات الجزائري، على أن: “كل من ترك طفلا أو عاجز غير قادر على حماية نفسه بسبب حالته البدنية أو العقلية، أو عرضه للخطر في مكان غير خال من الناس أو حمل الغير على ذلك يعاقب لمجرد هذا الفعل بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة.

إذا نشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي لمدة تجاوز عشرين يوما فيكون الحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وإذا حدث للطفل أو للعاجز بتر أو عجز في أحد الأعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة فتكون العقوبة هي الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وإذا أدى ذلك إلى الوفاة فتكون العقوبة هي السجن من خمس إلى عشر سنوات. “

في هذه الصورة يكون الترك في مكان غير خال، أي في مكان يعتاده الناس، كأن يتركه على حافة الطريق أو أمام باب مسجد، ولكن هذا الترك يمكن أن يعرض الحدث للخطر رغم وجود الناس([32]).

وخلو المكان ليس له أهمية في قيام عناصر الجريمة في حين أن له أهمية عند تطبيق العقوبة فالمشرع خفف في العقوبة مقارنة بالصورة الأولى فاعتبرها جنحة معاقب عليها بمجرد ارتكاب الفعل، أما إذا لحقه ضرر وتسبب للحدث مرض أو عجز كلي لمدة أكثر من عشرون يوما فيعاقب بعقوبة الجنحة، ويعاقب بجنحة مشددة إذا تسبب فعل الترك في بتر أو عجز أحد الأعضاء، وبعقوبة الجناية إذا أدى إلى الوفاة، بالإضافة إلى ذلك فإن المشرع شدد في العقوبة إذا كان الجاني هو الأب أو الأم أو أحد الأصول أو من يتولون رعايته([33]).

إن جريمة ترك الأطفال من الجرائم العمدية التي تتطلب القصد الجنائي العام لقيامها، وهو اتجاه الإرادة إلى ترك الطفل مع العلم بالخطر الذي سيتعرض له([34])، ولم يهتم المشرع بتحديد الدوافع التي أدت بالجاني إلى ارتكاب الجريمة ولذلك فهي تتحقق مهما كانت دوافعها طالما تحققت عناصرها، فيستوي أن يكون الترك بقصد التخلص من عبء تربية الحدث أو عدم القدرة المالية على الإنفاق عليه، وعلة تجريم هذه الأفعال هي رغبة المشرع في توفير حماية خاصة للحدث من الإهمال بسلامة جسده وحياته، وتتميز هذه الصورة من الحماية بأنها ذات طابع وقائي، وتنطوي على فعالية كبيرة لأن النصوص المتعلقة بها تطبق لمجرد تعريض الحدث للخطر دون انتظار حدوث الضرر الفعلي للحدث مع اعتبار الضرر ظرفا مشددا للعقوبة.

وبالرجوع إلى الأضرار التي تنتج عن هذه الصورة نجد أنها نفسها في صورة الأولى لكن العقوبة ليست نفسها، فتخفيف العقوبة في الصورة الثانية ليس في محله ما دام أن الضرر الذي يلحق بالحدث هو نفسه نتيجة فعل الترك، وعليه فالمشرع لم يوفر حماية كافية للطفل مقارنة بالصورة الأولى.

كما أكدت المادة السادسة من قانون حماية الطفل على أنه: “تكفل الدّوْلَة حق الطفل في الحماية من كافة أشكال الضرر أو الإهمال أو العنف أو سوء المعاملة أو الاستغلال أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية، وتتخذ من أجل ذلك كل التدابير المناسبة لوقايته وتوفير الشروط اللازمة لنموه ورعايته والحفاظ على حياته وتنشئته تنشئة سليمة وآمنة في بيئة صحية وصالحة، وحماية حقوقه في حالات الطوارئ والكوارث والحروب والنزاعات المسلحة.
تسهر الدّوْلَة على ألا تضرّ المعلومة التي توجه للطفل بمختلف الوسائل بتوازنه البدني والفكري”.

المطلب الثاني: تجريم إهمال الوالدين للحدث

يتعلق الأمر في هذه الجريمة التي تضمنتها الفقرة الثالثة من المادة 330 من قانون العقوبات الجزائري([35])، بإهمال وتقصير في واجبات أحد الوالدين أو كليهما اتجاه أبنائه من رعاية واهتمام وتربية، حيث جاء فيها: “أحد الوالدين الذي يعرض صحة أولاده أو أحد منهم أو أكثر منهم أو يعرض أمنهم أو خلقهم لخطر جسيم بأن يسيء معاملتهم أو يكون مثلا سيئا لهم للاعتياد على السكر أو سوء السلوك أو بأن يهمل رعايتهم أو لا يقوم بالإشراف الضروري عليهم وذلك سواء كان قد قضي بإسقاط سلطته الأبوية عليهم أو لم يقضي بإسقاطها”.

إذن تقوم هذه الجريمة على ركن مادي يتضمن ثلاث عناصر أساسية يشترط القانون توفرها لقيامها، أما الركن المعنوي فلم تشر إليه المادة.، لكن سنبرزه فيما يلي:

-1 الركن المادي: يتكون من ثلاث عناصر هي:

أ- صفة الأبوة والبنوة بين الجاني والمجني عليه.

ب- أعمال الإهمال وتتجسد في نوعين أعمال ذات طابع مادي وتشكل إهمال مادي، وأعمال ذات طابع معنوي وتشكل إهمال معنوي.

ج- النتائج الجسيمة المترتبة عن الإهمال، وجسامة هذه الأضرار الناتجة عن الإهمال لتقدير القاضي([36])، ذلك أن المشرع لم يحدد معيارا لتقدير جسامة الأضرار الناتجة عن إهمال الوالدين للطفل.

-2 الركن المعنوي

لم يشترط القصد الجنائي لقيام هذه الجريمة غير أن المنطق يفترض بأن يكون إقدام احد الوالدين على هذا الفعل يجب أن يكون مدركا وعالما به، فتصرفاته المسيئة للأبناء كإهمال في الرعاية والإشراف والتوجيه وسوء المعاملة، ويعمد بإرادته الحرة ارتكاب هذه الأفعال([37])، يعد تقصيرا في أداء التزاماته العائلية وهذا يعتبر قصدا جنائيا عاما.

فالمشرع يشترط أن تكون تصرفات الآباء من سوء معاملة وإهمال رعاية هي التي تعرض صحة وأمن وأخلاق الأبناء للخطر أو يحتمل ذلك.

وتجريم هذه الأفعال مبني على مسؤولية الأولياء وخاصة الوالدين في تربية الأطفال وتقويم أخلاقهم، وقد جاء تجريم ومنع هذه الأعمال لحماية الحدث من أن يتسكع في الشوارع وينقطع عن الدراسة وتتدهور حالته الصحية، ويجد في هذه الظروف سبباً للوقوع في الانحرافات والإجرام، وهذا التجريم قرر للمحافظة على الروابط الأسرية التي تكون بين الآباء والأبناء، كما يعتبر تحصين للأسرة من التفكك والتصدع الأسري الذي حتما سيؤثر على التكوين النفسي والعاطفي للطفل، لأن هذه الجريمة (جريمة إهمال الطفل) لا تشكل خطرا على الطفل فقط بل حتى على كيان الأسرة ككل.

ولم يشترط المشرع وجود شكوى في هذه الجريمة حتى تتم المتابعة الجزائية للقائم بتا وحسن ما فعل بحيث منح النيابة العامة حق التدخل بمجرد علمها بالجريمة، إضافة إلى أنه إستعمل عبارات واسعة ولم يقم بحصر الأعمال التي تنطوي على إهمال للحدث، وهذا ما وفر حماية أكبر للحدث في هذا المجال([38]).

المبحث الثالث: حماية الطفل أثناء التحري والمتابعة والمحاكمة

تفرض الحماية الجنائية للطفل الجانح تسليط الضوء على النصوص الجزائية التي قننت وأسست لكيفيات حماية الطفل الجانح ومعاملته من الناحية الجنائية وتحقيق الحماية القانونية الوافية له، والتي يقصد ﺑﻬا بصفة عامة منع الأفعال غير المشروعة التي تؤدي إلى النيل من حماية حقوق الطفل ومصالحه وذلك عن طريق نص قانوني جزائي يحمل في طياته عقوبة على كل من يخالفه، هذا في حالة الاعتداء على حقوق الطفل أي عندما يكون الطفل ضحية، بالإضافة أيضا إلى الحماية الجنائية التي يجب أن يتمتع ﺑﻬا الطفل في حالة ما إذا كان جاني، وهذا كله من أجل تمتع الطفل وعلى الوجه الأمثل بكافة حقوقه المقررة عن طريق التشريعات القانونية([39]).

ولقد خص المشرع الطفل القاصر بقواعد خاصة عند مثوله أمام هيئات مغايرة لتلك التي عدها للبالغين وهي محكمة الأحداث، وهي مهمة يتكفل ﺑﻬا قاضي الأحداث لاتخاذ الإجراءات التي من شأﻧﻬا خلاص وإصلاح وإعادة تربية الأحداث([40])، فقــاضي الأحداث مكلف باتخاذ الإجراءات والتدابير التي تحمي القاصر فله دور في حماية الطفولة إذ يضطلع بمهام كثيرة ومتشعبة، اشترط القانون اختيار هذا القاضي من بين الأشخاص الذين يمتازون باهتمام بشؤون الأحداث ومن ذوي الخبرة والكفاءة([41]).

المطلب الأول: حماية الطفل أثناء التحري الأولي في جرائم الأحداث
لا يمكن أن يكون محل توقيف للنظر، الطفل الذي يقل سنّه عن ثلاث عشرة (13) سنة المشتبه في ارتكابه أو محاولة ارتكابه جريمة([42]).إجراءات حماية الحدث الجانح بموجب القانون الجزائري.

وإذا دعت مقتضيات التحرّي الأولي ضابط الشرطة القضائية أن يوقف للنظر الطفل الذي يبلغ سنه ثلاث عشرة (13) سنة على الأقل ويشتبه أنه ارتكب أو حاول ارتكاب جريمة، عليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية ويقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر.

لا يمكن أن تتجاوز مدة التوقيف للنظر أربعا وعشرين (24) ساعة، ولا يتمّ إلا في الجنح التي تشكل إخلالا ظاهرا بالنظام العام وتلك التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة فيها يفوق خمس (5) سنوات حبسا وفي الجنايات، ويتم تمديد التوقيف للنظر وفقا للشروط والكيفيات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية وفي هذا القانون، وكل تمديد للتوقيف للنظر لا يمكن أن يتجاوز أربعا وعشرين (24) ساعة في كل مرة.

وإن انتهاك الأحكام المتعلقة بآجال التوقيف للنظر، كما هو مبين في الفقرات السابقة، يعرض ضابط الشرطة القضائية للعقوبات المقررة للحبس التعسفي([43]).

ويجب على ضابط الشرطة القضائية، بمجرد توقيف طفل للنظر، إخطار ممثله الشرعي بكل الوسائل، وأن يضع تحت تصرف الطفل كل وسيلة تمكنه من الاتصال فورا بأسرته ومحاميه وتلقي زيارتها له وزيارة محام وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية، وكذا إعلام الطفل بحقه في طلب فحص طبي أثناء التوقيف للنظر([44]).

وأضافت المادة 51 من القانون رقم 12-15 المتعلق بحماية الطفل أنه يجب على ضابط الشرطة القضائية إخبار الطفل الموقوف للنظر بالحقوق المذكورة في المادتين 50 و54 من هذا القانون ويشار إلى ذلك في محضر سماعه.
يجب إجراء فحص طبي للطفل الموقوف للنظر، عند بداية ونهاية مدة التوقيف للنظر، من قبل طبيب يمارس نشاطه في دائرة اختصاص المجلس القضائي، ويعينه الممثل الشرعي للطفل، وإذا تعذر ذلك يعينه ضابط الشرطة القضائية.

ويمكن وكيل الجمهورية، سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من الطفل أو ممثله الشرعي أو محاميه، أن يندب طبيبا لفحص الطفل في أية لحظة أثناء التوقيف للنظر ويجب أن ترفق شهادات الفحص الطبي بملف الإجراءات تحت طائلة البطلان([45]).

كما أنه من الضمانات التي أكدت عليها المادة 52 من القانون رقم 12-15 المتعلق بحماية الطفل يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يدوّن في محضر سماع كل طفل موقوف للنظر، مدة سماعه وفترات الراحة التي تخللت ذلك واليوم والساعة اللّذين أطلق سراحه فيهما، أو قدم فيهما أمام القاضي المختص وكذا الأسباب التي استدعت توقيف الطفل للنظر.

ويجب أن يوقع على هامش هذا المحضر، بعد تلاوته عليهما، الطفل وممثله الشرعي أو يشار فيه إلى امتناعهما عن ذلك.

ويجب أن تقيد هذه البيانات في سجل خاص ترقم وتختم صفحاته ويوقع عليه من طرف وكيل الجمهورية، ويجب أن يمسك على مستوى كل مركز للشرطة القضائية يحتمل أن يستقبل طفلا موقوفا للنظر([46]).

ويجب أن يتم التوقيف للنظر في أماكن لائقة تراعي احترام كرامة الإنسان وخصوصيات الطفل واحتياجاته وأن تكون مستقلة عن تلك المخصصة للبالغين، تحت مسؤولية ضابط الشرطة القضائية، كما يجب على وكيل الجمهورية وقَاضِي الأحداث المختصين إقليميا زيارة هذه الأماكن دوريا وعلى الأقل مرة واحدة كل شهر.

ثم إن حضور المحامي أثناء التوقيف للنظر لمساعدة الطفل المشتبه فيه ارتكاب أو محاولة ارتكاب جريمة، وجوبي طبقا لما قررته المادة 54، كما قررت أنه إذا لم يكن للطفل محام، يعلم ضابط الشرطة القضائية فورا وكيل الجمهورية المختص لاتخاذ الإجراءات المناسبة لتعيين محام له وفقا للتشريع الساري المفعول.
غير أنه، وبعد الحصول على إذن من وكيل الجمهورية، يمكن الشروع في سماع الطفل الموقوف بعد مضي ساعتين من بداية التوقيف للنظر حتى وإن لم يحضر محاميه وفي حالة وصوله متأخرا تستمر إجراءات السماع في حضوره.

إذا كان سنّ المشتبه فيه ما بين 16 و18 سنة وكانت الأفعال المنسوبة إليه ذات صلة بجرائم الإرهاب والتخريب أو المتاجرة بالمخدرات أو بجرائم مرتكبة في إطار جماعة إجرامية منظمة وكان من الضروري سماعه فورا لجمع أدلة أو الحفاظ عليها أو للوقاية من وقوع اعتداء وشيك على الأشخاص، يمكن سماع الطفل وفقا لأحكام المادة 55 من هذا القانون دون حضور محام وبعد الحصول على إذن وكيل الجمهورية([47]).

كما أكدت المادة 55 أنه: “لا يمكن ضابط الشرطة القضائية أن يقوم بسماع الطفل إلا بحضور ممثله الشرعي إذا كان معروفا”([48]).
المطلب الثاني: حماية الطفل أثناء تحريك الدعوى العمومية والتحقيق في جرائم الأحداث

يختلف الوضع بعض الشيء بالنسبة لتحريك الدعوى العمومية والتحقيق في الجرائم التي يرتكبها الأحداث عن تلك المقررة للبالغين، فقد نص القانون على قواعد خاصة بهذا الصّدد، تتلخص فيما يلي:

الفرع الأول: حماية الطفل أثناء تحريك الدعوى العمومية في جرائم الأحداث

المبدأ أنه لا يجوز إقامة الدعوى العامة في جرائم الأحداث مباشرة أمام المحكمة المختصة؛ فلا تستطيع النيابة العامة أن تحرك الدعوى العامة ضد حدث عن طريق الإدعاء المباشر أمام المحكمة المختصة كما هو الحال في الجرائم الّتي يرتكبها البالغون ولا بد في ذلك من إدعاء أولي أمام قاضي التحقيق، والعلّة في هذا هي ذات العلة التي تقوم عليها أحكام الأحداث الجانحين وهي إصلاح الحدث وهذا لا يتم إلا بإجراء تحقيق لمعرفة عوامل جنوحه وتحديد العلاج المناسب لذلك([49]).

فبعد القبض على الحدث الجانح، فإنه يعرض على النيابة العامة، فلوكيل الجمهورية إما حفظ الملف وإما تحريك الدعوى العمومية([50]).

فوكيل الجمهورية إما أن يقوم بإحالة الحدث على جهة التحقيق أو إلى جهة الحكم مباشرة وذلك حسب الحالات وحسب خطورة الأفعال التي اقترفها:

1. فيما يخص المخالفات: فالحدث يحال على قسم المخالفات مباشرة وهذا طبقاً لنص المادة 65 من القانون رقم 12-15 المتعلق بحماية الطفل، التي نصت على أنه: “دون الإخلال بأحكام المادة 64 أعلاه، تطبق على المخالفات المرتكبة من طرف الطفل قواعد الاستدعاء المباشر أمام قسم الأحداث”.
2. فيما يخص الجنح والجنايات: فإنه يتعين على وكيل الجمهورية وجوباً طلب فتح تحقيق من طرف قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المكلف خصيصاً بقضايا الأحداث.
وطبقا لنص المادة 64 من القانون رقم 12-15 المتعلق بحماية الطفل: “يكون التحقيق إجباريا في الجنح والجنايات المرتكبة من قبل الطفل ويكون جوازيا في المخالفات”.
وفي حالة ثبوت ارتكاب الحدث لفعل يشكل جنحة وكان مع الحدث شركاء بالغون فوكيل الجمهوريّة يقوم بتشكيل ملف خاص للحدث يرفعه إلى قاضي الأحداث، إذا تبين لقَاضِي الأحداث أن الإجراءات قد تمّ استكمالها، يرسل الملف، بعد ترقيمه من طرف كاتب التحقيق، إلى وكيل الجمهورية الذي يتعين عليه تقديم طلباته خلال أجل لا يتجاوز خمسة (5) أيام من تاريخ إرسال الملف([51]).

وإن حضور محام لمساعدة الطفل وجوبي في جميع مراحل المتابعة والتحقيق والمحاكمة ([52]).

وإذا كان الفعل لا يشكل جرماً أو عدم توافر الأدلة الكافية، فإن وكيل الجمهورية يقوم بحفظ الملف، إذن فإن المبدأ الأساسي لا يجوز متابعة الحدث الجانح مباشرة أمام المحكمة الجزائية المختصة، كما لا يجوز للنيابة العامة أن تحرك الدعوى العمومية ضد الحدث عن طريق الاستدعاء المباشر مثل البالغين كما لا يجوز تطبيق إجراءات التلبس ضد الحدث الذي ضبط متلبساً بجنحة معينة.

ويحيل وكيل الجمهورية المتهم فوراً على المحكمة طبقاً لإجراءات الجنح المتلبس بها، وتحدد جلسة للنظر في القضية في ميعاد أقصاه ثمانية أيام ابتداءً من يوم صدور أمر الحبس، ولا تطبق أحكام هذه المادة بشأن جنح الصحافة أو جنح ذات الصبغة السياسية أو الجرائم التي تخضع المتابعة عنها لإجراءات تحقيق خاصة، أو إذا كان الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجنحة قاصرين لم يكملوا الثامنة عشرة أو بشأن أشخاص معرضين لحكم بعقوبة الاعتقال»، وتقابلها المادة 05 من الأمر 75/174 والمتعلق بالطفولة الجانحة.

والهدف من هذه الإجراءات الخاصة بالأحداث الجانحين هو أن الغاية الأولى التي أرادها المشرع هي إصلاح الحدث ومعالجته وإدماجه في المجتمع وذلك بعد إجراء تحقيق لإيجاد حل مناسب وناجع، وهذا كله حرصاً من المشرع على وجوب معاملة الحدث معاملة خاصة تختلف عن تلك التي يتميز بها البالغون مراعاة لوضعه وسنه، وطبقا لنص المادة 64 من القانون رقم 12-15 المتعلق بحماية الطفل: “لا تطبق إجراءات التلبس على الجرائم التي يرتكبها الطّفْل”.
وأخيرا ينبغي القول يجب أن يعامل الحدث معاملة خاصة عند التعامل معه، إذ يجب تفادي جو الرهبة المتوافر في المفهوم العام عن النيابة العامة سواء في مكان مباشرة الإجراءات أو كيفية مباشرتها.

الفرع الثاني: حماية الطفل أثناء مرحلة التحقيق

ذكرنا فيما سبق، أنه لا يجوز لوكيل الجمهورية إحالة ملف الحدث مباشرة على المحكمة عن طرق الاستدعاء المباشر أو التلبس ما عدا في المخالفات.

والمبدأ العام هو أن التحقيق في قضايا الأحداث أمر إجباري، ولكن لمن يرجع اختصاص التحقيق في مواد الأحداث وما هي الإجراءات التي يتميز بها؟ ([53]).

أولا: الجهات المختصة بالتحقيق مع الحدث الجانح

بالرجوع إلى المواد المخصصة لإجراءات التحقيق مع الحدث الجانح والتي نص عليها المشرع، نجد أنه منح صلاحية مباشرة التحقيق مع الأحداث إلى شخصين، وهما: قاضي الأحداث وقاضي التّحقيق المكلف خصيصا بقضايا الأحداث والخاص أصلا بالبالغين.

التّحقيق يرجع لقاضي الأحداث: يقوم قاضي الأحداث عند التحقيق مع الحدث الجانح ببذل كل همة وعناية ويجري التحريات اللازمة وذلك لإظهار الحقيقة، ويتعرّف على شخصيّة الحدث والمحيط الّذي يعيش فيه وذلك بواسطة التحقيق الاجتماعي الذي يقوم به والفحوص العقلية والنفسية إن اقتضى الأمر ذلك، كما قد يقوم بإجراء تحقيق غير رسمي وله سلطة إصدار أيّ أمر يراه مناسبا لسير التحقيق، ثم يقرّر التدابير التي من شأنها حمايته وتهذيبه وتربيته وقد لا يأمر بأي تدبير، وإذا رأى قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المكلف بالأحداث أن الوقائع لا تكوّن أي جريمة أو أنه لا توجد دلائل كافية ضد الطفل أصدر أمرا بألاّ وجه للمتابعة ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة 163 من قانون الإجراءات الجزائية([54]).
وإذا رأى قاضي الأحداث أن الوقائع تكوّن مخالفة أو جنحة، أصدر أمرا بالإحالة أمام قسم الأحداث.

إذا رأى قاضي التحقيق المكلف بالأحداث أن الوقائع تكوّن جناية، أصدر أمرا بالإحالة أمام قسم الأحداث لمقر المجلس القضائي المختص([55]).

البحث الاجتماعي إجباري في الجنايات والجنح المرتكبة من قبل الطفل ويكون جوازيا في المخالفات([56]).

إن حضور محام لمساعدة الطفل وجوبي في جميع مراحل المتابعة والتحقيق والمحاكمة.

وإذا لم يقم الطفل أو ممثله الشرعي بتعيين محام، يعين له قاضي الأحداث محاميا من تلقاء نفسه أو يعهد ذلك إلى نقيب المحامين.

في حالة التعيين التلقائي، يختار المحامي من قائمة تعدها شهريا نقابة المحامين وفقا للشروط والكيفيات المحددة في التشريع والتنظيم المعمول بهما([57]).
ويخطِر قاضي الأحداث الطفل وممثلَه الشرعي بالمتابعة.

يقوم قاضي الأحداث بإجراء التحريات اللازمة للوصول إلى إظهار الحقيقة وللتعرف على شخصية الطفل وتقرير الوسائل الكفيلة بتربيته.

ويجري قاضي الأحداث بنفسه أو يعهد إلى مصالح الْوسط الْمفتوح، بإجراء بحث اجتماعي تجمع فيه كل المعلومات عن الحالة المادية والمعنوية للأسرة، وعن طباع الطفل وسوابقه وعن مواظبته في الدراسة وسلوكه فيها وعن الظروف التي عاش وتربى فيها. ويأمر قاضي الأحداث بإجراء فحص طبي ونفساني وعقلي إن لزم الأمر([58]).

ويمارس قاضي الأحداث أثناء التحقيق جميع صلاحيات قاضي التحقيق المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية([59]).

ولا يمكن وضع الطفل رهن الحبس المؤقت إلا استثناء وإذا لم تكن التدابير المؤقتة المنصوص عليها في المادة 70 أعلاه كافية، وفي هذه الحالة يتم الحبس المؤقت وفقا للأحكام المنصوص عليها في المادتين 123 و123 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية وأحكام هذا القانون.

كما لا يمكن وضع الطفل الذي يقل سنه عن ثلاث عشرة (13) سنة رهن الحبس المؤقت([60]).

ولا يمكن في مواد الجنح، إذا كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة في القانون هو الحبس أقل من ثلاث (3) سنوات أو يساويها، إيداع الطفل الذي يتجاوز سنه ثلاث عشرة (13) سنة رهن الحبس المؤقت.

وإذا كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا هو الحبس أكثر من ثلاث (3) سنوات، فإنه لا يمكن إيداع الطفل الذي يبلغ سن ثلاث عشرة (13) سنة إلى أقل من ست عشرة (16) سنة رهن الحبس المؤقت إلا في الجنح التي تشكل إخلالا خطيرا وظاهرا بالنظام العام أو عندما يكون هذا الحبس ضروريا لحماية الطفل ولمدة شهرين (2) غير قابلة للتجديد.

ولا يجوز إيداع الطفل الذي يبلغ سنّ ست عشرة (16) سنة إلى أقل من ثماني عشرة (18) سنة، رهن الحبس المؤقت إلا لمدة شهرين (2) قابلة للتجديد مرة واحدة([61])، يتم تمديد الحبس المؤقت في الجنح وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية للمدة المقررة في المادة 73 أعلاه([62]) وكل تمديد للحبس المؤقت لا يمكن أن يتجاوز شهرين (2) في كل مرة([63]).

وتطبق على الأوامر التي يصدرها قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المكلف بالأحداث أحكام المواد من 170 إلى 173 من قانون الإجراءات الجزائية، غير أنه إذا تعلق الأمر بالتدابير المؤقتة المنصوص عليها في المادة 70 من هذا القانون، فإن مهلة الاستئناف تحدد بعشرة (10) أيام، ويجوز أن يرفع الاستئناف من الطفل أو محاميه أو ممثله الشرعي أمام غرفة الأحداث بالمجلس القضائي([64]).

وإذا تبين لقَاضِي الأحداث أن الإجراءات قد تمّ استكمالها، يرسل الملف، بعد ترقيمه من طرف كاتب التحقيق، إلى وكيل الجمهورية الذي يتعين عليه تقديم طلباته خلال أجل لا يتجاوز خمسة (5) أيام من تاريخ إرسال الملف([65]).

وإذا رأى قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المكلف بالأحداث أن الوقائع لا تكوّن أي جريمة أو أنه لا توجد دلائل كافية ضد الطفل أصدر أمرا بألاّ وجه للمتابعة ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة 163 من قانون الإجراءات الجزائية([66]).

وإذا رأى قاضي الأحداث أن الوقائع تكوّن مخالفة أو جنحة، أصدر أمرا بالإحالة أمام قسم الأحداث([67]).

إذا رأى قاضي التحقيق المكلف بالأحداث أن الوقائع تكوّن جناية، أصدر أمرا بالإحالة أمام قسم الأحداث لمقر المجلس القضائي المختص.

أما إذا وجد قاضي الأحداث أن الوقائع لا تكون إلا مخالفة فإنه يقوم بإحالة القضية لقسم وإذا كانت الوقائع تكون جنحة أصدر أمراً بإحالة الملف إلى قسم الأحداث ليقضي في غرفة المشورة، أمّا إذا كان في الجرم المرتكب شركاء بالغون، فإن القضيّة تعتبر متشعبة، فهنا يتعين على قاضي الأحداث أن يرفع الطلب إلى وكيل الجمهورية ويطلب فيه إسناد مهمة التحقيق لقاضي التحقيق ليباشر تحقيقه بصفة رسمية لكون القضية متشعبة([68]).

فإذا تبين لقاضي الأحداث أن الوقائع المرتكبة لها وصف جنائي فيستوجب على قسم الأحداث غير المحكمة الموجودة بمقر المجلس القضائي أن يحيل القضيّة إلى محكمة مقرّ المجلس ويجوز لقسم الأحداث في هذه الحالة قبل البتّ فيها أن يأمر بإجراء تحقيق تكميلي ويقوم بندب لهذا الغرض قاضي التحقيق إذا كان أمر الإحالة صادر عن قاضي الأحداث وهو ما جاءت به المادة 467 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية.

التّحقيق يرجع لقاضي التحقيق الخاص بالبالغين: بالرجوع لنص المادة 449 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية فإنه يعهد إلى قاضي تحقيق أو أكثر مكلفين خصوصاً بقضايا الأحداث بنفس شروط الكفاءة والعناية بشؤون الأحداث ويكون ذلك في حالتين:
أ- الحالة الأولى: يقوم قاضي التحقيق الخاص بالبالغين بالتحقيق في قضايا الأحداث إذا كانت القضيّة متشعبة، وعند الانتهاء من التحقيق يقوم بفصل الإجراءات وذلك بإحالة الجناة البالغين إلى القسم المختص بالفصل في مواد الجنح، أما الأحداث فيتم إحالتهم على قسم الأحداث([69]).

ب- الحالة الثانية:كذلك في المواد الجنائية يكلف قاضي التحقيق بمباشرة التحقيق في القضية سواء كان فيها الحدث وحده أو مع أفراد بالغين.

وبعد انتهاء التّحقيق يصدر قاضي التحقيق بناءً على طلبات النيابة العامة وذلك حسب الأحوال إما بإحالة الدعوى لقسم الأحداث أو الأمر بألا وجه للمتابعة.

ونحن نرى أنه لو كان اختصاص قاضي التحقيق المختص بالأحداث في الجنايات المرتكبة من قبل الأحداث يكون أفضل، لأن فكرة اختصاص قاضي التحقيق العادي في الجنايات المرتكبة من قبل الأحداث والمستمدة من التشريع الفرنسي لا تتلاءم مع نظامنا القضائي لأن المشرع الفرنسي لمّا خوّل هذا الاختصاص إلى قاضي التّحقيق العادي فإنه سيحاكم في الأخير أمام محكمة جنائية بالرّغم من أنها خاصة بالأحداث فإن تشكيلها لا يختلف عن تلك الخاصة بالبالغين([70]).

المطلب الثالث: حماية الطفل الجانح أثناء مرحلة المحاكمة

لما كانت دعاوى الأحداث تعتبر من المسائل ذات الطابع الاجتماعي أكثر منها وقائع جنائية وتعتبر حساسة جدا فإن ذلك يجعل من الأمور الطبيعية أن تقوم سياسة محاكمة الأحداث على أسس ومبادئ تختلف عن تلك التي تتبع في محاكمة الأشخاص البالغين.

وإذا كان في مرحلة التحقيق جانباً كبيراً من التشريعات الخاصة بالأحداث في معظم بلدان العالم قد أغفلت أحياناً تحديد جهات معينة وإجراءات خاصة للتعامل مع الأحداث في مرحلة البحث والتحري ومرحلة التحقيق فإنه على عكس ذلك نجد أن تلك التشريعات أولت اهتماماً كبيراً وعناية خاصة بمرحلة محاكمة الأحداث([71]).

الفرع الأول: تشكيل قسم الأحداث واختصاصه

بالرجوع إلى نص 80 يتشكل قسم الأحداث من قاضي الأحداث رئيسا، ومن مساعدين محلفين اثنين (2).
يقوم وكيل الجمهورية أو أحد مساعديه بمهام النيابة.

يعاون قسم الأحداث بالجلسة أمين ضبط.

يعيَّن المساعدون المحلفون الأصليون والاحتياطيون لمدة ثلاث (3) سنوات بأمر من رئيس المجلس القضائي المختص، ويختارون من بين الأشخاص الذين يتجاوز عمرهم ثلاثين (30) عاما والمتمتعين بالجنسية الجزائرية والمعروفين باهتمامهم وتخصّصهم في شؤون الأطفال.

ويختار المساعدون المحلفون من قائمة معدة من قبل لجنة تجتمع لدى المجلس القضائي، تحدد تشكيلتها وكيفية عملها بقرار من وزير العدل، حافظ الأختام([72]).

وتطبق على المخالفات والجنح والجنايات المرتكبة من قبل الطفل إجراءات المحاكمة المنصوص عليها في هذا القانون([73]).

تتمّ المرافعات أمام قسم الأحداث في جلسة سرية.

ويفصل قسم الأحداث بعد سماع الطفل وممثله الشرعي والضحايا والشهود وبعد مرافعة النيابة العامة والمحامي، ويجوز له سماع الفاعلين الأصليين في الجريمة أو الشركاء البالغين على سبيل الاستدلال.

ويمكن قسم الأحداث، إعفاء الطفل من حضور الجلسة إذا اقتضت مصلحته ذلك، وفي هذه الحالة، ينوب عنه ممثله الشرعي بحضور المحامي ويعتبر الحكم حضوريا.

ويمكن الرئيس أن يأمرَ في كل وقت بانسحاب الطفل في كل المرافعات أو في جزء منها.

وإذا تبين أن الجريمة التي ينظرها قسم الأحداث بوصفها جنحة تكون في الحقيقة جناية فيجب على قسم الأحداث غير المحكمة الموجودة بمقر المجلس القضائي أن يحيلها لهذه المحكمة الأخيرة، وفي هذه الحالة فإنه يجوز لقسم الأحداث هذا، قبل البت فيها، أن يأمر بإجراء تحقيق تكميلي ويندب لهذا الغرض قاضي التحقيق المكلف بالأحداث([74]).

ويفصل قسم الأحداث في كل قضية على حدة في غير حضور باقي المتهمين، ولا يسمح بحضور المرافعات إلا للممثل الشرعي للطفل ولأقاربه إلى الدرجة الثانية ولشهود القضية والضحايا والقضاة وأعضاء النقابة الوطنية للمحامين، وعند الاقتضاء، ممثلي الجمعيات والهيئات المهتمة بشؤون الأطفال ومندوبي حماية الطّفُولَة المعنيين بالقضية([75]).

وإذا أظهرت المرافعات أن الوقائع موضوع المتابعة لا تشكل أية جريمة أو أنها غير ثابتة أو غير مسندة إلى الطّفْل، قضى قسم الأحداث ببراءته. أما إذا أظهرت المرافعات إدانته قضى قسم الأحداث بتدابير الحماية والتهذيب أو بالعقوبات السالبة للحرية أو بالغرامة وفقا للكيفيات المنصوص عليها في هذا القانون، ويمكن أن يكون الحكم القاضي بتدابير الحماية والتهذيب مشمولا بالنفاذ المعجل رغم المعارضة أو الاستئناف([76]).

ويتبيّن أن المشرع الجزائري أخذ بنظام القضاء المختلط فقسم الأحداث المخصص لمحاكمتهم يتشكل من: قاضي الأحداث رئيسا وهو قاض رسمي محترف يعين بموجب أمر من رئيس المجلس القضائي بناءً على طلب النائب العام، أما المساعدين المحلفين يتم اختيارهما من أفراد المجتمع سواء كانوا رجالا أو نساءً ويتم تعيينهما بقرار من وزير العدل باقتراح من رئيس المجلس القضائي بعد اختيارهما من قبل لجنة خاصة تنعقد لهذا الغرض([77]).

وقسم الأحداث الموجود في محكمة غير محكمة مقر المجلس القضائي هو الجهة الفاصلة فقط في الجنح المرتكبة من قبل الأحداث، أما فيما يخص قسم الأحداث بمحكمة مقر المجلس القضائي والذي يختص بالنظر في جرائم الجنح والجنايات، بالنسبة للجنح فإن اختصاص المحكمة لا يتعدى حدود الدائرة لاختصاصها الإقليمي وليس على مستوى الولاية، وبالنسبة للجنايات فيمتد اختصاص قسم الأحداث إلى كامل إقليم المجلس.

أما فيما يخص المخالفات المرتكبة من طرف الحدث ينظر فيها قسم المخالفات، والذي يعتبر من أقسام المحكمة الابتدائية ويتولى النظر في المخالفات المرتكبة من قبل المتهمين البالغين وحتى الأحداث ويصدر أحكامه وفقاً للإجراءات المتبعة في المرافعات العادية ويتشكل من قاض رئيساً ووكيل الجمهورية وأمين ضبط.

أما فيما يخص غرفة الأحدث والتي توجد في مقر كل مجلس قضائي وفقا لما نصت عليه المادة 472 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية ويمتد اختصاصها دائرة المجلس القضائي نفسه بجميع دوائر المحاكم التابعة له وتعتبر تشكيلة قسم الأحداث وغرفة الأحداث واختصاصها من النظام العام ومخالفتها يترتب عليها البطلان المطلق، وهو ما جاء في قرارات المحكمة العليا، لدينا قرار صادر بتاريخ 01 مارس 1988 تحت رقم45/507 جاء فيه:

«يشكل قسم الأحداث تحت طائلة البطلان من قاضي الأحداث رئيسا ومن مساعدين يعينان لمدة ثلاثة أعوام من وزير العدل نظرا لاهتمامهم وتخصصهم ودرايتهم بشؤون الأحداث».

ما يجدر بنا ذكره، هو أهمية وجود المساعدين والتي ترجع في مساعدة المحكمة في التعرف على شخصية الحدث وفحصها ومعاملته على نحو يكفل معالجته وإصلاحه اجتماعيا لأن القاضي ليس بالضرورة أن يكون ملماً إلماماً كاملاً بعلوم النفس والاجتماع والتربية([78]).

أمّا فيما يخصّ اختصاص قسم الأحداث: إمّا أن يكون اختصاصا شخصيا أو نوعيا أو إقليميا:

الاختصاص الشخصي: إن قسم الأحداث بالمحكمة يختص بالفصل في الدعاوى المرفوعة ضد الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم 18 سنة طبقا للمادة 2 من القانون 15/12، وتكون العبرة في تحديد سن الرشد الجزائي بسن المجرم يوم ارتكاب الجريمة وليس يوم تقديمه للمحكمة([79]).
• الاختصاص النّوعي: ويتحدد ذلك بحسب نوع الجريمة، فإذا كانت الجريمة من نوع الجنايات فإن قسم الأحداث المختص بالفصل فيها هو الموجود بمقر المجلس القضائي، وإذا كانت من نوع الجنح فإن قسم الأحداث المختص هو قسم الأحداث بالمحكمة وإذا كان من المخالفات فإن قسم المخالفات هو المختص طبقا لنص المادة 59 :
يوجد في كل محكمة قسم للأحداث، يختص بالنظر في الجنح والمخالفات التي يرتكبها الأطفال.

ويختص قسم الأحداث الذي يوجد بمقر المجلس القضائي بالنظر في الجنايات التي يرتكبها الأطفال([80]).

وقد نصت المادة 91 على أنه: ” توجد بكل مجلس قضائي غرفة للأحداث.
تتشكل غرفة الأحداث من رئيس ومستشارين اثنين (2)، يعينون بموجب أمر من رئيس المجلس القضائي من بين قضاة المجلس المعروفين باهتمامهم بالطّفُولَة و/أَوْ الذين مارسوا كقضاة للأحداث. يحضر الجلسات ممثل النيابة العامة وأمين ضبط([81]).

تفصل غرفة الأحداث وفقا للأشكال المحددة في المواد من 81 إلى 89 من هذا القانون ([82]).

• الاختصاص الإقليمي أو المحلّي: بالنسبة لقسم الأحداث بالمحكمة يشمل اختصاصه حدود إقليم المحكمة المادة 60: “يحدد الاختصاص الإقليمي لقسم الأحداث بالمحكمة التي ارتُكبت الجريمة بدائرة اختصاصها أو التي بها محل إقامة أو سكن الطفل أو ممثله الشرعي أو محكمة المكان الذي عُثر فيه على الطفل أو المكان الذي وُضع فيه”.
أما بالنسبة لقسم الأحداث بمقر المجلس القضائي يشمل اختصاصه حدود إقليم المجلس في حالة ارتكاب جريمة من نوع الجنايات، وتعتبر قواعد الاختصاص من النظام العام ويترتب على مخالفتها البطلان المطلق وهو ما جاء في القرار الصادر عن الغرفة الجنائية الثانية بالمحكمة العليا بتاريخ 20 مارس 1984 تحت رقم 26/790([83]).

يكون مختصا إقليميا بالفصل في جميع المسائل العارضة وطلبات تغيير التدابير المتخذة في شأن الطّفْل:

– قاضي الأحداث أو قسم الأحداث الذي فصل في النزاع أصلا،

– قاضي الأحداث أو قسم الأحداث الذي يقع بدائرة اختصاصه موطن الممثل الشرعي للطفل أو موطن صاحب العمل أو المركز الذي وضع الطفل فيه بأمر من القضاء وذلك بتفويض من قاضي الأحداث أو قسم الأحداث الذي فصل أصلا في النزاع،

– قاضي الأحداث أو قسم الأحداث الذي يقع بدائرة اختصاصه مكان وضع الطفل أو حبسه وذلك بتفويض من قاضي الأحداث أو قسم الأحداث الذي فصل أصلا في النزاع.

غير أنه، إذا كانت القضية تقتضي السرعة يمكن قاضي الأحداث، الذي يقع في دائرة اختصاصه مكان وضع الطفل أو حبسه، أن يأمر باتخاذ التدابير المؤقتة المناسبة([84]).

الفرع الثاني: إجراءات محاكمة الأحداث

استهدف قانون الإجراءات الجزائية مبدأ أساسي في معالجة جنوح الأحداث ألا وهو الوصول إلى إصلاح حالة الحدث وليس توقيع العقاب الّذي يوقع عادة على البالغين، وفي سبيل ذلك أفرد هذا القانون قواعد إجرائيّة خاصة بالأحداث الجانحين تتفق مع هذا الغرض الاجتماعي وتتميّز بالمرونة والبعد عن الشكليات المفرطة والخروج في كثير من النقاط على القواعد العامة.

ويتضح أن المشرع الجزائري خص هذه الفئة من الجانحين الصغار بأصول وإجراءات خاصة عن تلك المتخذة فيما يخص البالغين منها مبدأ سرية جلسات محاكمة الأحداث([85])، لكن الحكم لا يخضع لمبدأ السرية؛ وإنما يجب أن يصدر في جلسة علنية وذلك بحضور الحدث، والعلنية هنا من النظام العام وعدم مراعاتها يؤدي إلى البطلان ([86])، كما حضر نشر ما يدور بالجلسة حيث أقرت القاعدة الثامنة من قواعد بكين لسنة 1985 والمتعلقة بالقواعد النموذجية الدنيا لإدارة قضاء الأحداث في الفقرة الثانية بأن يحترم حق الحدث في حماية خصوصياته في جميع المراحل تفاديا لأي ضرر قد يناله من جراء دعاية لا لزوم لها، أو بسبب الأوصاف الجنائية، ولا يجوز من حيث المبدأ نشر أية معلومات يمكن أن تؤدي إلى التعرف على هوية المجرم الحدث.

كما تشدد القاعدة أيضا على أهمية حماية الحدث من الآثار الضارة التي قد تنتج عن نشر معلومات بشأن القضية في وسائط الإعلام مثل ذكر أسماء المجرمين صغار السن سواء كانوا لا يزالون متهمين أم صدر الحكم عليهم.

وأكد القانون على ضرورة تعيين محام للحدث، فوجود محام مع الحدث وجوبياً في جميع الجرائم لما لحضوره من أهمية في قضايا الأحداث خاصة أن الحدث عادة لا يستطيع الدفاع عن نفسه كالبالغ فليس لديه القدرة على مناقشة الأدلة أو تفنيد أقوال الشهود طبقا لنص المادة 64 من قانون حماية الطفل.

يفصل قسم الأحداث بعد سماع الطفل وممثله الشرعي والضحايا والشهود وبعد مرافعة النيابة العامة والمحامي، ويجوز له سماع الفاعلين الأصليين في الجريمة أو الشركاء البالغين على سبيل الاستدلال.

ويمكن قسم الأحداث، إعفاء الطفل من حضور الجلسة إذا اقتضت مصلحته ذلك، وفي هذه الحالة، ينوب عنه ممثله الشرعي بحضور المحامي ويعتبر الحكم حضوريا.

ويمكن الرئيس أن يأمرَ في كل وقت بانسحاب الطفل في كل المرافعات أو في جزء منها.

وإذا تبين أن الجريمة التي ينظرها قسم الأحداث بوصفها جنحة تكون في الحقيقة جناية فيجب على قسم الأحداث غير المحكمة الموجودة بمقر المجلس القضائي أن يحيلها لهذه المحكمة الأخيرة، وفي هذه الحالة فإنه يجوز لقسم الأحداث هذا، قبل البت فيها، أن يأمر بإجراء تحقيق تكميلي ويندب لهذا الغرض قاضي التحقيق المكلف بالأحداث([87]).

يفصل قسم الأحداث في كل قضية على حدة في غير حضور باقي المتهمين.

ولا يسمح بحضور المرافعات إلا للممثل الشرعي للطفل ولأقاربه إلى الدرجة الثانية ولشهود القضية والضحايا والقضاة وأعضاء النقابة الوطنية للمحامين، وعند الاقتضاء، ممثلي الجمعيات والهيئات المهتمة بشؤون الأطفال ومندوبي حماية الطّفُولَة المعنيين بالقضية([88]).

إذا أظهرت المرافعات أن الوقائع موضوع المتابعة لا تشكل أية جريمة أو أنها غير ثابتة أو غير مسندة إلى الطّفْل، قضى قسم الأحداث ببراءته.

أما إذا أظهرت المرافعات إدانته قضى قسم الأحداث بتدابير الحماية والتهذيب أو بالعقوبات السالبة للحرية أو بالغرامة وفقا للكيفيات المنصوص عليها في هذا القانون.

ويمكن أن يكون الحكم القاضي بتدابير الحماية والتهذيب مشمولا بالنفاذ المعجل رغم المعارضة أو الاستئناف([89]).

دون الإخلال بأحكام المادة 86 أدناه، لا يمكن في مواد الجنايات أو الجنح أن يتخذ ضد الطفل إلا تدبير واحد أو أكثر من تدابير الحماية والتهذيب الآتي بيانها :

– تسليمُه لممثله الشرعي أو لشخص أو عائلة جديرين بالثقة،

– وضعُه في مؤسسة معتمدة مكلفة بمساعدة الطّفُولَة،

– وضعُه في مدرسة داخلية صالحة لإيواء الأطفال في سن الدراسة،

– وضعه في مركز متخصص في حماية الأطفال الجانحين.

ويمكن قاضي الأحداث، عند الاقتضاء، أن يضع الطفل تحت نظام الحرية المراقبة وتكليف مصالح الْوَسَط الْمَفْتُوح بالقيام به، ويكون هذا النظام قابلا للإلغاء في أي وقت.

ويتعين، في جميع الأحوال، أن يكون الحكم بالتدابير المذكورة آنفا لمدة محددة لا تتجاوز التاريخ الذي يبلغ فيه الطفل سن الرشد الجزائي.

يتعين على قسم الأحداث عندما يقضي بتسليم الطفل إلى شخص أو عائلة جديرين بالثقة، أن يحدد الإعانات المالية اللازمة لرعايته وفقا للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون([90]).

يمكن جهة الحكم بصفة استثنائية بالنسبة للطفل البالغ من العمر من ثلاث عشرة (13) سنة إلى ثماني عشرة (18) سنة، أن تستبدل أو تستكمل التدابير المنصوص عليها في المادة 85 أعلاه، بعقوبة الغرامة أو الحبس وفقا للكيفيات المحددة في المادة 50 من قانون العقوبات، على أن تسبب ذلك في الحكم([91]).

يمكن قسم الأحداث، إذا كانت المخالفة ثابتة، أن يقضي بتوبيخ الطفل أو الحكم عليه بعقوبة الغرامة وفقا لأحكام المادة 51 من قانون العقوبات.

غير أنه لا يمكن أن يتخذ في حق الطفل الذي يتراوح عمره من عشر (10) سنوات إلى أقل من ثلاث عشرة (13) سنة سوى التوبيخ، وإن اقتضت مصلحته ذلك وضعه تحت نظام الحرية المراقبة وفقا لأحكام هذا القانون([92]).

تقام الدعوى المدنية ضد الطفل مع إدخال ممثله الشرعي.

وإذا وجد في قضية واحدة متهمون بالغون وآخرون أطفال وأراد المدعي المدني مباشرة الدعوى المدنية في مواجهة الجميع، رفعت الدعوى المدنية أمام الجهة القضائية الجزائية التي يعهد إليها بمحاكمة البالغين، وفي هذه الحالة لا يحضر الأطفال في المرافعات وإنما يحضر نيابة عنهم في الجلسة ممثلوهم الشرعيون.

ويجوز إرجاء الفصل في الدعوى المدنية إلى أن يصدر حكم نهائي بإدانة الطّفْل([93]).

وينطق بالحكم الصادر في الجرائم المرتكبة من قبل الطفل في جلسة علنية([94]).

ويجوز الطعن في الحكم الصادر في الجنح والجنايات المرتكبة من قبل الطفل بالمعارضة والاستئناف.

ويجوز استئناف الحكم الصادر في المخالفات المرتكبة من قبل الطفل أمام غرفة الأحداث بالمجلس وفقا لأحكام المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية، كما يجوز الطعن فيه بالمعارضة.

وتطبق على التخلف عن الحضور والمعارضة الأحكام المنصوص عليها في المواد من 407 إلى 415 من قانون الإجراءات الجزائية.

ويجوز رفع المعارضة والاستئناف من الطفل أو ممثله الشرعي أو محاميه، دون الإخلال بأحكام المادة 417 من قانون الإجراءات الجزائية([95]).

كما لا يجوز توقيع العقوبة على الحدث ولا يجوز وضعه في مؤسسة عقابية ولو بصفة مؤقتة إذا كان سنه لا يتجاوز 13 سنة، وإنما توقع عليه تدابير الحماية أو التربية كتسليمه لوالديه أو لوصيه أو لشخص جدير بالثقة أو وضعه بمؤسسة طبية، كما أخذ المشرع بعين الاعتبار سن الحدث ونص على إمكانية تطبيق العقوبات المخففة في الحدود التي بينتها المادة 50 من قانون العقوبات([96])، ويصدر القاضي حكمه في غرفة المشورة ويقرر اتخاذ واحد من التدابير المذكورة في المادة 05 من الأمر، كما يمكنه أن يعدل عن حكمه، ويكون ذلك من تلقاء نفسه أو بطلب من القاصر أو أبويه أو ولي أمره.

إن الأحكام التي يصدرها قاضي الأحداث بشأن تطبيق أحكام الأمر رقم 72-03 فيما يتعلق بالمساعدة التربوية غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن([97]).

وفي الأخير نقول أن الأمر رقم 72/03 جاء لحماية وإعطاء عناية خاصة بالأحداث والأطفال المراهقين المعرضين لخطر معنوي.

نلاحظ أن المشرع في اﻟﻤﺠال الجنائي سعى إلى توفير أقصى الضمانات ووضع الآليات التي تؤدي إلى حماية الحدث وإصلاحه، ويتجلى ذلك في الأحكام الواردة في قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية وكذا الأمر رقم 72/03 المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة، وما تميزت الأحكام القضائية المقررة ضد الحدث اﻟﻤﺠرم أﻧﻬا تتسم بالمرونة مقارنة بتلك المقررة بحق اﻟﻤﺠرم الراشد وتبقى الغاية في آخر المطاف هي الوقاية والإصلاح لا فكرة العقاب والردع([98]).

الخاتمة

يتأكد لنا من خلال ما تقدم، بأن موضوع الإهمال العائلي له علاقة وثيقة بالسلوك الإجرامي للأحداث، فالأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، والحدث هو ثمرة صلاح وتماسك هذه الخلية، بحيث إذا كانت هذه الأخيرة خالية من كل عوامل التفكك الأسري والإهمال، فإن الحدث ينمو في هذه الخلية نموا سليما وينتهج السلوك القويم داخل المجتمع، وإذا فسدت هذه الخلية نتج عن ذلك نمو الحدث في جو عائلي متوتر ويسوده الإهمال في بعض حقوقه أو كلها مما يؤدي به إلى انتهاج السلوك الجانح داخل المجتمع.

وبما أن أول الأشخاص المسؤولين عن رعاية الحدث والعناية به ماديا ونفسيا هما الوالدان، لأنهما اللذان أنجباه، لذلك جعل المشرع كل حقوق الحدث تبدأ منهما أولا مثل حق الحضانة والنفقة، وأي تقصير في أدائهما لهذه الحقوق يعرضهما للمسائلة التي تختلف عن مسائلة الأشخاص الآخرين.

من هذا المنطلق حاول المشرع الجزائري حماية الطفل وغدت تعبر عن سياسة عقابية قد اهتدى ﺑﻬا المشرع سعيا لحماية الطفل وإصلاح الحدث الجانح وعلاجه، ولعل أبرز مظاهر هذه الحماية تكمن من ناحية في المبادئ التي وجهت قصد المشرع في تجريم جميع صور الإيذاء التي يتعرض إليها الطفل والتي تكون لها تأثير على حالته النفسية أو الأخلاقية أو الصحية، ومن ناحية أخرى في عمل الجهات القضائية في انتقاء أفضل التدابير تضامنا مع الطفل لتهيئة الظروف الملائمة لإعادة تربيته وإدماجه.

وبناء على ما سبق، توصلنا إلى ضرورة الأخذ بالملاحظات والتوصيات التالية:

القيام بدورات تأهيلية للشباب المقبل على الزواج وهذه الدورات يقوم بتا مختصون في مجال علم الاجتماع العائلي ورجال القانون يتولون توضيح كل الأمور المتعلقة بالزواج وتحسيسهم بمدى المسؤولية التي تنتج عن عقد الزواج من واجبات مادية ومعنوية تجاه الأولاد والزوج، ونزع الصورة التي يأخذونها عن الزواج بأنه متعة فقط، وتنبيههم بأن الأولاد هم أمانة في أعناقهم وهي تحتاج بصفة دائمة إلى الصيانة والعناية والرعاية وذلك لضعفهم وقلة إدراكهم.

تنظيم برامج لتوعية الأسرة في مختلف وسائل الإعلام” المرئية والمسموعة”، وهذا بوضع خطة إعلامية تشمل برامج ومحاضرات تنبه بخطورة وآثار الإهمال الأسري على الأطفال من جهة وأثر إجرام الأحداث على المجتمع، وتسليط الضوء على هذه الظاهرة السلبية التي تأخر النسيج الأول للمجتمع وخاصة من خلال الحصص المباشرة التي تفتح دائرة الإفضاء والحوار بين المعنيين والمختصين، انطلاقاً من الأسرة التي هي الأساس الأول والمكان الذي ينبت فيه الطفل، وهنا يظهر الدور الهام لوسائل الإعلام في التوعية والتحسيس بما يتعرض له أطفالنا اليوم من اعتداءات على حقوقهم.

إنشاء مراكز استقبال الأطفال الجانحين في جميع المدن الجزائرية، وكذا توفير الوسائل المادية والبشرية اللازمة لضمان صيانة الأحداث الجانحين وإعادة إدماجهم في المجتمع.

زيادة تأهيل مندوبي حماية الأطفال من الناحية الأكاديمية، وتوسيع دائرة اهتمامهم ودرايتهم بشؤون الأطفال من خلال الاستفادة من تجارب البلدان المجاورة صاحبة التجربة الطويلة في مجال حماية الطفل والحدث الجانح.

على مستوى الأسرة يجب على الوالدين أو من يحل محلهما إتباع أنماط التنشئة الأسرية الصحيحة والابتعاد عن أنماط التنشئة الخاطئة والمتمثلة في القسوة والتسلط والإفراط في التدليل أو التفرقة في المعاملة بين الأولاد، لأن القانون وحده غير كاف لحمايته من الضرر وآثاره اللاحقة بالأطفال.

 

(محاماه نت)

إغلاق