دراسات قانونية
الوساطة البنكية كبديل (بحث قانوني)
ماستر قانون المقاولة: تقرير مناقشة رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المقاولة حول موضوع الوساطة البنكية: كوسيلة بديلة ورهان إصلاح العدالة تحت إشراف الدكتورة نجاة بضراني إنجاز الباحث ياسين ايت احمد
ماستر قانون المقاولة: تقرير مناقشة رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المقاولة حول موضوع الوساطة البنكية: كوسيلة بديلة ورهان إصلاح العدالة تحت إشراف الدكتورة نجاة بضراني إنجاز الباحث ياسين ايت احمد
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله الصادق الوعد الأمين وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين اما بعد،
يشكل موضوع بحثنا هذا أحد تجليات التطور المستمر والمضطرد للقطاع البنكي وما يستلزمه ذلك من ضرورة مواكبة الإطار القانوني له،خصوصا مجال فض المنازعات، بحيث استطاعت الوساطة باعتبارها من احدث الوسائل البديلة المعروفة بنجاعتها أن تفرض وجودها في النظام القانوني المغربي وكتطبيق من تطبيقاتها في إطار الوساطة البنكية ،وذلك بعد أن احدث بنك المغرب قسما خاصا بتتبع العلاقات بين مؤسسات الإئتمان والعملاء وتبين خلالها ان هناك تزايد في عدد الشكايات الموجهة من الزبناء ضد مؤسساتهم،
لكن رغم التجربة الأولية للوساطة البنكية فإنها لم تضع حدا لهذه المشكلات بحكم ما يعتري التجربة من نواقص أثر على مردوديتها،فإن بنك المغرب عمل على السهر على تأسيس المركز المغربي للوساطة البنكية قصد تقوية هذه المسطرة بدل الوسيط المعين لدى كل من المجموعة المهنية لبنوك المغرب والجمعية المهنية لشركة التمويل،كما ضم المركز الجديد كذلك الفيدرالية الوطنية لجمعيات السلفات الصغرى ، و تعتبر هذه التجربة ذات أهمية كبرى وذلك قصد المساهمة في إصلاح منظومة العدالة.
ويطرح هذا الموضوع عدة اشكاليات على الخصوص مدى ملاءمة المقتضيات القانونية والتنظيمية للوساطة مع خصوصيات المنازعات البنكية ؟ سواء من حيث خصائصها ، و أهميتها ، والشروط المتطلبة فيها شكلا و موضوعا ، وما يترتب عليها في من آثار.و ما هي مظاهر قصورها ؟ سواء في كافة مراحل المسطرة ، تعيين الوسيط ، الإطار التنظيمي .
و كيف يمكن تجاوز ذلك القصور لتضطلع بدورها في مسلسل إصلاح العدالة ؟ كيف يمكن تأهيل الوساطة البنكية و الوسيط البنكي في هذا الإطار ؟ و كيف يمكن إشراك باقي الفاعلين في هذا الإطار ؟ من محامين ، و موثقين و جمعيات حماية المستهلك.
و في إطار مقاربة هذه الاشكالية العامة سنعتمد على مجموعة من المناهج العلمية على الشكل التالي:
المنهج التاريخي : و ذلك من خلال تتبع تجربة الوساطة البنكية في المغرب منذ التجربة الأولية للوساطة البنكية لدى المجموعة المهنية لبنوك المغرب ، و الجمعية المهنية لشركات التمويل ، قصد الوقوف عند مختلف الإختلالات التي تعاني منها التجربة والتي شكلت أحد الأسباب الداعية الى تأسيس المركز المغربي للوساطة البنكية.
المنهج المقارن : لم نقتصر في هذا البحث على نظام قانوني معين أو تجربة معينة قصد المقارنة بها بل سنحاول المقارنة بين مجموعة من التجارب في نقط مختلفة بحيث سنسعى على أن نحافظ على تنوع الأنظمة في هذا الإطار بحيث يشمل ذلك بعض تجارب النظام اللاتيني و كذلك الأنجلوسكسوني بالإضافة إلى تجارب بعض الدول العربية.
وفي نفس السياق كذلك تمت مواكبة مختلف مراحل الوساطة البنكية منذ التجربة الأولى في 07 دجنبر 2009 مرورا بالممارسة العملية للوساطة في هذا الإطار وما ترتب عن تفعيلها من نتائج جد محدود ،وبعدها فترة إعادة الهيكلة التي كانت طويلة في انتظار تأسيس المركز المغربي للوساطة البنكية و الذي تم فعليا بتاريخ 25 يونيو 2013 لتستمر بعدها مرحلة إعداد الانظمة الداخلية لمدة سنة تقريبا ليعلن عن بداية اشتغاله في 14 مارس 2014 فيما يتعلق بجانب الخدمات المجانية في حين لم يبدأ المركز اشغاله فيما يتعلق بالجانب المتعلق بالوساطة المؤدى عنها الى حدود الآن.
كما تم تتبع النقاشات المتعلقة بالحوار الوطني حول الإصلاح الشامل والعميق حول منظومة العدالة الى حين صدور التقرير العام في يوليوز 2011 على الخصوص فيما يتعلق بالوسائل البديلة.
كذلك مشاريع القوانين المرتبطة بالموضوع سواء منها المتعلق بقانون مؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها خصوصا مشروع القانون رقم 12.103 الى حين صدور القانون رقم 12.103 الجديد الصادر في فاتح ربيع الأول 1436 الموافق 24 دجنبر 2014 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6328 بتاريخ 22 يناير 2015.
بالإضافة الى التغييرات اللاحقة عن القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة خصوصا القانون 134.12 الذي نسخت وعوضت بمقتضاه احكام المادة 503 من مدونة التجارة المتعلقة بإغلاق الحساب البنكي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.142 الصادر في 25 شوال 1435 الموافق ل 22 أغسطس 2014 ،نشر بالجريدة الرسمية عدد 6290 بتاريخ 11 ديسمبر 2014. و القانون رقم 81.14 الذي بموجبه تمم و غير عنوان الكتاب الخامس من مدونة التجارة و المادة 546 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.181 بتاريخ 22 غشت 2014 الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6291 بتاريخ 14 شتنبر 2014 ص 6882.
لقد وقع اختيارنا دراسة الموضوع على الشكل التالي وذلك بالإعتماد على الخطة الثنائية التي تقوم على فصلين،
الفصل الأول : النظام القانوني للوساطة البنكية
الفصل الثاني : حدود الوساطة البنكية و آفاق مساهمتها في إصلاح العدالة
الفصل الأول : النظام القانوني للوساطة البنكية
فبالنسبة لهذا الفصل فهو يتضمن تحديد مفهوم الوساطة البنكية (المبحث الأول) من خلال ماهيتها كمصطلح بالرجوع الى المعاجم اللغوية سواء باللغة العربية و الفرنسية و التطور التاريخي لإستعمال المصطلح بالإضافة الى مصدره من خلال القرآن الكريم وذلك قصد ربط تلك المعاني بهذا المصطلح القانوني وفي سياق تعريف الوساطة البنكية أوردنا مجموعة من التعاريف المختلفة للباحثين في هذا الإطار قصد الوصول الى تعريف جامع لكافة عناصر الوساطة لنرى في النهاية أن الوساطة البنكية هي ” تعريف الوساطة البنكية كآلية بديلة عن القضاء الرسمي،لفض المنازعات بطريقة حبية بين البنك و زبونه،في نزاع معين على يد الوسيط البنكي،و الذي ينحصر دوره في التقريب بين وجهات نظر الأطراف بقصد الوصول الى صلح حاسم للنزاع ” (المطلب الأول)
وفي إطار تحديد ماهية الوساطة البنكية تم تمييز هذه الوسيلة البديلة عن بعضها من النظم المشابهة سواء من حيث الجدة أو حيث الغاية (المطلب الثاني)
بحيث تم تمييز الوساطة البنكية عن إدارة الدعوى والصلح من حيث اوجه التشابه و الإختلاف،فبالنسبة لعقد الصلح كوسيلة لفض المنازعات و احد العقود المسماة يشكل غاية الوساطة البنكية خصوصا. بالإضافة الى إدارة الدعوى كأحد الوسائل الإنجلوسكسونية لتسوية المنازعات إذ من خلالها يسهر القاضي على تنفيذها منذ أول يوم تسجل فيه الدعوى بالمحكمة الى حين البث في النزاع وذلك في إستقلال تام عن الدعوى القضائية (الفقرة الأولى)
بالإضافة الى ذلك فقد تم تمييز الوساطة البنكية كتطبيق من تطبيقات الوساطة الإتفاقية عن الوساطة القضائية في بعض الأنظمة القانونية التي أخذت بهذا النظام وذلك في أفق إدماجها في التشريع المغربي وفق توصيات الهيئة العليا للإصلاح الشامل و العميق لمنظومة العدالة،كما تم تمييزها عن التحكيم وذلك إنطلاقا أولا من عدم نجاح التحكيم في النزاعات البنكية بالمقارنة مع باقي النزاعات التجارية ومن جهة اخرى بالنظر الى ما يلاحظ عمليا من وجود اليات أخرى توفيقية تجمع بين خصوصية الوسيلتين(الفقرة الثانية)
كما حاولنا تمييز الوساطة البنكية عن التوفيق في التي يشبهها الى حد كبير لدرجة أن بعض الباحثين الفرنسيين يستعملون أحد المصطلحين للدلالة على الآخر،كما تم تمييز الوساطة البنكية عن التقييم المحايد المبكر بالنظر الى ضرورة تدخل الطرف الثالث في العملية (الفقرة الثالثة )
كما تم تخصيص (الفرع الثاني) للحديث عن خصائص الوساطة البنكية و أهميتها بحيث تتميز الوساطة البنكية بالرضائية أي يغيب عنها الطابع القضائي،كما تتسم بالسرعة و السرية والمرونة الكافية لمشاركة الأطراف في عملية فض نزعاتهم بالإضافة الى مجانيتها من جهة وقلة تكاليفها من جهة اخرى(المطلب الأول) في حين تم الحديد عن اهمية الوساطة البنكية سواء على النزاع المطروح على الوسيط أو على مستقبل العلاقة بين الأطراف (المطلب الثاني).
أما بالنسبة (للمبحث الثاني) فتم تخصيصه لشروط وأثار الوساطة البنكية،سواء من حيث الشروط الموضوعية المتطلبة في موضوع الوساطة البنكية من حيث تحديد نطاق تخصص الوسيط البنكي،وكذلك الاستثناءات الواردة عن ذلك الاختصاص،كما تم التطرق لمختلف الشروط المتطلبة في عقد وشرط الوساطة البنكية كما شملت الشروط الموضوعية التي يلزم توفرها في شخص الوسيط البنكي (المطلب الأول).
كما تطرقنا الى مختلف الشروط الاجرائية للوساطة البنكية سواء قبل عرض النزاع على الوسيط البنكي أو لتنفيذ الوساطة من خلال عرض النزاع على انظار الوسيط وتحقيقه (المطلب الثاني)
كما تم تخصيص (الفرع الثاني) لأثار مقرر الوساطة البنكية،سواء منها الأثار الإيجابية للوساطة البنكية، ومن حيث صدور مقرر الوسيط البنكي او من حيث تنفيذه بطريقة رضائية أو بعد تذييله بالصيغة التنفيذية(المطلب الأول)،وكذلك السلبية سواء في حالة عدم الوساطة او عند لجوء الأطراف الى فسخ الصلح او المطالبة بالطعن بالبطلان في مقرر الوسيط البنكي (المطلب الثاني).
الفصل الثاني : حدود الوساطة البنكية و آفاق مساهمتها في إصلاح العدالة
كما تم تخصيص (المبحث الأول) لحدود الوساطة البنكية من خلال مسطرة الوساطة البنكية من حيث تعيين الوسيط البنكي وضمانات إستقلاليته،بالإضافة الى نظام المسؤولية المدنية (الفرع الأول) بالإضافة الى مختلف مظاهر القصور التي تعتري التنظيم القانوني للوساطة البنكية،سواء من حيث اغفال الوساطة الالكترونية وتقييد نطاق الوسيط البنكي (الفرع الثاني).
كما تم تخصيص (المبحث الثاني) لأفاق مساهمة الوساطة البنكية في مسلسل إصلاح العدالة وذلك وفق النقاشات الدائرة خلال جلسات الحوار وكذلك في ميثاق إصلاح منظومة العدالة وقد ارتأينا دراسة هذا المبحث في خلال تحديث الوساطة البنكية مع المستجدات الواقعية من خلال العمل على تدعيم ثقافة الوساطة البنكية كأحد العناصر الضرورية والمساعدة على تفعيل دور الوساطة البنكية في فض النزاعات(الفرع الاول)
ونظرا لان الوساطة البنكية تدور كلها على كفاءة الوسيط البنكي ومدى قدرته على إقناع الأطراف بنجاعة الوساطة البنكية وقدرته على تسيير جلسات الحوار للوصول الى الغاية المتوخاة وذلك بمساعدة كافة المتدخلين (الفرع الثاني) وهو ما يقتضي ضرورة تأهيل دور الوسيط البنكي (المطلب الأول) وكذلك إشراك المهن المساعدة للقضاء وجمعيات حماية المستهلك في إطار دورها الجديد في حماية المستهلك (المطلب الثاني)
وفي الختام، بعد دراسة تجربة الوساطة البنكية في المغرب و الوقوف على اهميتها في إيجاد الحلول المناسبة بحسب الظروف الخاصة للأطراف على أساس المصالح المتبادلة بينهم ، و ليس بالضرورة الوصول الى النتيجة التي قد يصل اليها الاطراف من خلال المحكمة ، و ذلك لأن الوساطة البنكية إجراء يبحث عن تحقيق العدالة بطريقة تشاركية بين الأطراف و ليس بالطريقة التي يسلكها القضاء ، لكن رغم ذلك فإن الوساطة البنكية تحتاج إلى تدخل تشريعي عن طريق سن إجراءات قانونية وتنظيمية حتى تكون في مستوى التطلعات.
فإذا كانت التجربة الأولية للوساطة التي كانت تفتقر إلى شرط الاستقلالية بحكم الإشراف على مهمة الوساطة من قبل المجموعة المهنية لبنوك المغرب و الجمعية المهنية لشركات التمويل،فإن هذا الوضع تم تداركه من خلال تأسيس المركز المغربي للوساطة البنكية، و رغم ذلك تظل هناك مجموعة من التوصيات يلزم الأخذ بها في سبيل تطوير الوساطة البنكية في المغرب بشكل يخدم مصالح مؤسسات الإئتمان و الزبناء على حد سواء،عن طريق الحفاظ على توازن المصالح في إطارها و ذلك كله خدمة للعدالة:
إعادة النظر في القانون المنظم للوساطة الإتفاقية رقم 08-05 والذي يشكل الإطار القانوني للوساطة البنكية و ذلك لتنظيم أكثر دقة لمختلف الشروط اللازم توفرها في شخص الوسيط وكذلك القانون المنظم للمحاماة و مهنة التوثيق قصد الزامهما بضرورة اعلام زبنائهم بوجود مسطرة الوساطة البنكية.
تعزيز دور جمعيات حماية المستهلك في إطار الوساطة البنكية سواء من خلال تمثيليتها في لجنة الوساطة البنكية ومن خلال تمثيلية الزبون أمام المركز و كذلك في بالتوعية بمزايا الوساطة.
ضرورة تفعيل توصيات الميثاق الوطني لإصلاح العدالة بتنظيم الوساطة القضائية عموما،و بوضع معايير مضبوطة لإرسائها في المجال البنكي كتحديد إلزاميتها في النزاعات التي تقل قيمتها عن 100.000,00 درهم وذلك انسجاما مع بعض المقترحات التي تم تقديمها في إطار الحوار الوطني لإصلاح العدالة من جهة ،[1]ومن جهة أخرى حتى مع نطاق الإلتزام المسبق بالتنفيذ من قبل المؤسسات البنكية الذي تم تحديده في إطار النظام الخاص للوساطة بالمركز المغربي للوساطة البنكية.
و سواء تم إسناد مهمة الوساطة للغير أو للقاضي فإنه يلزم المواكبة لإخضاع هؤلاء لدورات تكوينية متخصصة تراعي طبيعة هذه المهمة و الغايات المرجوة منها وذلك بحسب المعايير الدولية للقيام بدور الوسيط ما دام يستحسن قيامهم بهذا الدور وهم على دراية بآليات ممارسة الوساطة[2].
ضرورة الإقتداء في إطار إدماج الوساطة القضائية في المغرب بمبادرة تأسيس المجموعة الأوربية للقضاة التي لعبت دورا مهما في تطويرها،و ذلك عن طريق فتح المجال لكل الفاعلين للمساهمة في تطوير الوساطة .
ضرورة اعتماد التدرج في تنزيل النموذج الأمثل للوساطة القضائية و ذلك مع المراهنة على نتائج الوساطة القضائية على المدى الطويل و المتوسط باعتبارها مسارا متعدد الأبعاد ومتداخل الفاعلين[3].
تقوية الموارد البشرية للمركز المغربي للوساطة البنكية حتى يمكنه تجاوز خيار الوسيط الوحيد في المسطرة المجانية،فضلا عن توسيع اختصاصاته لتشمل حتى جانب التكوين لتوفير الكفاءات الضرورية للمركز و بالتالي توفير الإمكانية للأطراف قصد اختيار الوسيط الذي يرغبون فيه
ضرورة انفتاح المركز كغيره من المراكز الأخرى على الجامعة و ذلك قصد إدراج هذه الوسائل البديلة في المقررات الجامعية لكليات الحقوق[4]، و في مراكز تدريب و تكوين القضاة و المحامين و مواكبة ذلك بإصدار مجلات و نشرات متخصصة و وضع برامج إعلامية للتعريف بمختلف وسائل الإعلام.
(محاماه نت)