دراسات قانونية
احكام التولية على الاوقاف (بحث قانوني)
احكام التولية على الاوقاف
المقدمة
الأوقاف مؤسسة قديمة جداً عرفها الناس منذ العصور القديمة قبل الإسلام وسجل القرآن الكريم أن أول مكان خصص لعبادة الله سبحانه وتعالى ، هو البيت الحرام بمكة المكرمة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ)[1] فيكون بذلك المسجد الحرام هو أول وقف عرفته ألإنسانية كما عرف اليونان والصينيون وغيرهم من الشعوب وقف الأماكن للعبادة، أما في العهد الفرعوني فقد عرف المصريون بعض الأوقاف للعبادة وغيرها، ودلت الوثائق الفرعونية على وجود أراض ينفق ريعها على دور العبادة، أو تعطى عوائدها للرهبان لينفقوها على الفقراء والمرضى[2] وتعد الاموال الموقوفة ذات مركز قانوني خاص،
فهي ليس ملكا خاصا ولا مالا مملوكا للدولة وهذا التمييز خلق لها مراكز قانونية متعددة تبعا لنوع الوقف، حيث ان الاوقاف على ثلاثة انواع (الخيري، الذري والمشترك) وتتفرع من هذه العناوين عناوين فرعية اخرى تتعلق بوصف الوقف منها الوقف المضبوط والمنحل والملحق وسواها، وهذه الجدلية كانت وما زالت قائمة بما يتعلق بالمركز القانوني للوقف وانعكست اثاره على ادارة الوقف واستثماره واعماره فلا يجوز بيع الوقف الخيري لأنه خرج من ملك العباد والتحق بملك الله عز وجل مما دعا الفقهاء المسلمين الى الاهتمام بإحكامه وافردوا له ابواب في كتبهم ورسائلهم العملية ويرى بعض المهتمين بدراسة الوقف إنَّ إدارة الأوقاف في عهد النبوة ِ ،
والخلافة الراشدة ، كانت تتم عن طريق المتولي ، والمتولي إمّا هو الواقف نفسه ، وإمّا من يعينه الواقف ، ولم يكن هناك جهاز مستقل للأوقاف وذلك لقلة الموقوفات وفي العهد الأموي أخذت الإدارة ُ منحىً آخرَ ، فقد تولى القضاء ُ ولأولِ مرة إدارةَ الأوقاف ، وقد أثرَّ ذلك في جعل الأوقاف تتمتع بالاستقلاليةِ تبعاً لاستقلال القاضي ، الذي لا يحكمه إلاّ الشرع، اما في العهدِ العباسيّ أنيطت الإدارة بأعلى سلطةٍ قضائيةٍ في الدولة ،
وهي وظيفة ُ قاضي القضاة ، ونظمت ميزانية للأوقاف عن طريق أهلِ الخبرة ، وهناك جهة أ ُخرى تعاون ُ القضاء َفي هذا العهد ، وهي وظيفة ُ ناظر المظالم وبعد الاختلال المغوليّ ،حصل تطورٌ في الإدارة ، حيث أنيطت إلى موظف خاص سمي ( صدرَ الوقوفِ ) ، ولم تتسم الإدارة بالاستقرار ، بل كانت تتقلب بين صدر الوقوف ، وولاة بغداد ، وقاضي القضاة وعند هيمنة الدولة العثمانيّة توسعتِ الأوقاف ُ ، وصدرتِ الكثير ُ من التنظيماتِ المتعلقة بإدارة واستثمار أموال الأوقاف ، وقد تضمنت نصوصاً ذاتَ صياغةٍ عاليةٍ ، وتضمنت الكثيرَ من التفصيلات من أجلِ حمايةِ الأوقاف ،
وقد تمَّ إنشاء ُ وزارةٍ مستقلةٍ للأوقافِ في الإستانة ، تدعى ( نظارة الأوقاف ) ، وقد ارتبطت بها مديريات ُ الأوقاف في الولايات التابعة للدولة العثمانية[3] ، ومن اثار تمييز الوقف عن غيره ما يتعلق بإدارته اذ يتولى المالك ادارة امواله بما له من سلطة في الملكية الخاصة وتتولى الدولة ادارة اموالها العامة على وفق قوانينها التي تنظم العمل بوصفها المالكة لهذه الاموال بينما الوقف لا يمكن لاي شخص ان يتولى ادارته إلا بموجب قواعد وشروط وضعت متى توفر عليها شخص تولى الادارة ويسمى المتولي واجتهدت العلماء والفقهاء والمسلمين كثيرا في التولية وما يدعوا الى اعادة الكتابة في هذا الموضوع هو التعامل اليومي المستمر لادارة الوقف وكان جلد تحديد المركز القانوني للوقف محتدم الا ان شراح القانون يرون ان الوقف بشكل عام،
شخصية معنوية خاصة مستقلة عن الواقف والموقوف عليه والمتولي والدولة، وله خصائصها من اسم وجنسية وموطن وأهلية وذمة مالية ذاتية، ويمثله شخص طبيعي المتولي عليه، ويتمتع بحماية شخص معنوي عام المتمثل بدائرة الوقف المختصة بصفتها متولياً عاماً عليه خولها القانون حق الاشراف والرقابة عليه نيابة عن القاضي، لان غرضه يدخل في عداد المصلحة العامة الذي هو واجب الدولة، وإلا لكانت الاوقاف عرضة للتجاوز عليها وإنهائها وأحجام الخيرين عن الايقاف[4]، وانسجاما مع تطور حركة الحياة في العراق ظهرت اسئلة كثيرة على الرغم مما كتب فيها ولتوضيح حكم التولية على الوقف ، بادرت الى اعداد هذه الورقة لان التولية هي الرخصة التي بموجبها يعمر الوقف ويستبدل ويصفى ويدار بالإجارة او المساطحة، وسيكون العرض على عدة مباحث الاول يتعلق بنظرة سريعة على مفهوم الوقف وتعريفه وأنواعه في الشريعة وفي القانون والمبحث الثاني التولية وأحكامها الشرعية والقانونية مع تطبيقات القضاء العراقي و خاتمة للبحث .
المبحث الاول
مفهوم الوقف وانواعه
لمفهوم الوقف تعاريف متعددة في اللغة والاصطلاح كما انه يتضمن عدة انواع وسأعرض لها على وفق الاتي :-
المطلب الاول
تعريف الوقف
الوقف كلمة لها معان عدة في اللغة والاصطلاح الفقهي وعلى وفق الاتي :-
الفرع الاول
التعريف اللغوي
كلمة الوقف في اللغة تدل على المكوث في الشيء والمنع والوَقْفْ: الحَبْسْ والوقف مصدر وقَفْتُ الشيءَ وقفاً، أي حَبَسْتُهُ، ويطلق المصدر (الوقف) على اسم المفعول (الشيء الموقوف)، والجمع أوقاف و وقوف يقالُ: وَقَفْتُ الدارَ وقفاً، أي حَبَسْتُها في سبيل الله وبهذا المعنى قيل: ((وَقَفَ الارضَ على المساكين وقفاً: حَبَسَها، ووَقَفْتُ الدابةَ والارضَ وكلَّ شيء…)) ، وفي الصحاح ((وَوَقَفْتُ الدارَ للمساكين وقفاً ) ، ومن المجاز قيل: ((وقفَ ارضه على ولده)) وقيل : وَقَفَتِ الدابةُ تَقِفُ وَقْفاً وقوفاً ، أي بمعنى سَكَنَتْ[5].
الفرع الثاني
التعريف الاصطلاحي
اختلف الفقهاء المسلمون في تعريف الوقف تبعاً لاختلاف مذاهبهم من حيث لزومه وعدمه، واشتراط القربة فيه، والجهة المالكة للعين بعد وقفها، ونشأته ويرى ابو حنيفة ان الوقف هو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة ويكون بمنزلة العارية، ولا يزول ملك الواقف إلا ان يحكم به الحاكم و يعلق بموته بالوصية[6] وعند الجعفرية منهم الشيخ الانصاري بأنه حبس الاصل وتسبيل الثمرة[7] و عند السيستاني الوقف هو ( تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ) وإذا تمّ بشروطه الشرعية خرج المال الموقوف عن ملك الواقف وأصبح مما لا يوهب ولا يورث ولا يباع إلاّ في موارد معينة يجوز فيها البيع كما تقدّم في المسألة[8] ومثلهم الحنابلة يكادون يتفقون في المعنى[9] وعند الشافعية ومنهم ابو زكريا الانصاري[10] ومحمد بن احمد الشربيني هو حبس مال يمكن الانتفاع به بقطع التصرف برقبته على مصرف مباح[11] وعند المالكية ومنهم الحطاب الرعيني هواعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيها ولو تقديراً[12] ، وبذلك فان التعريف الاصطلاحي في الفقه الاسلامي للوقف يتكون من عدة عناصر على وفق الاتي:ـ
1. الوقف اعطاء منفعة
2. الوقف يقصد به وجه الله تعالى
3. الموقوف لابد وان يكون مالا او ما هو بحكم المال (متمولاً)
4. الوقف له صيغة تدل على طبيعته كالتأبيد و التأقيت[13]
الفرع الثالث
التعريف في القانون
الوقف في القانون عرفته الفقرة (4) من المادة (1) من قانون ادارة الاوقاف رقم 64 لسنة 1966 التي جاء فيها (الوقف الصحيح ـ هو العين التي كانت ملكا فوقفت الى جهة من الجهات ويشمل العقر الموقوف) وكان المشرع العراقي قد عرف الوقف على وفق الاتي (الاوقاف الصحيحة – هي التي كانت رقبتها ملكا ثم اوقفت الى جهة من الجهات) بموجب المادة (1) من قانون ادارة الاوقاف رقم 27 لسنة 1929 الملغى،
والملاحظ ان التعريفين متطابقين إلا ان ما جاء به تعريف القانون رقم 64 لسنة 1966 المعدل قد عدل ضمنا بعد تصفية حق العقر بموجب قانون تصفية حق العقر رقم (17) لسنة 1980 ، وحق العقر يقصد به الحصة المعينة الثابتة لصاحب العقر او من حل محله قانونا في حاصلات الاراضي المعقورة على وفق حكم المادة (224) من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 المعدل وتجري عليه كافة التصرفات العقارية على وفق حكم المادة (225) تسجيل العقاري التي ورد فيها الاتي (تجرى على حق العقر جميع التصرفات العقارية كالبيع والهبة والوقف والوصية كما ينتقل بالإرث عند وفاة صاحبه دون حاجة لموافقة صاحب الارض) ، و وجد ان الفقه القضائي قد اشار الى ان الوقف هو من الاسقاطات كالعتق والواقف انما يسقط حقوق ملكيته في العين او المال الموقوف ولا يجوز الرجوع عن ذلك لان الساقط لا يعود، اما في القانون المقارن فان للوقف عدة تعاريف مجملها مشتقة من تعريف الفقه الاسلامي للوقف وعلى وفق المذهب السائد في البلد ومنها الاتي :ـ
1. القانون الاردني : المادة(الثانية) من قانون الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الاردني رقم 32 لسنة 2001 بأنه ((حبس عين المال المملوك على حكم ملك لله تعالى على وجه التأبيد وتخصيص منافعه للبر ولو مآلاً ويكون الوقف خيرياً إذا خصصت منافعه لجهة بر ابتداء ، ويكون ذرياً اذا خصصت منافعه لشخص (أو أشخاص معينين) وذرياتهم من بعدهم ثم الى جهة من جهات البر عند انقراض الموقوف عليهم.))
2. القانون الليبي المادة(لأولى) من قانون أحكام الوقف الليبي رقم 124 لسنة 1972 عرف الوقف بأنه ((حبس العين وجعل غلتها او منفعتها لمن وقفت عليه)) ، والتعريف يقترب من تعريف الحنابلة للوقف في منع التصرف بالعين الموقوفة وتسبيل منفعتها.
3. القانون المصري : ما يتميز به قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 انه اجاز للواقف ان يرجع عن الوقف ويعود المال الموقوف ملكا للواقف من جديد اذا كان حيا اما اذا مات فانه يكون للمستحقين من ورثته من بعده والامر على حد السواء في الوقف الخيري او الذري فالواقف له أن يرجع عن وقفه كله أو بعضه كما يجوز له أن يغير فى مصارفه وشروطه، كذلك له الحق فى الشروط العشرة وهى (الزيادة والنقصان فى مقادير الأنصبة المخصصة للمستحقين والموظفين ـ والإعطاء والحرمان لبعض الموقوف عليهم ـ والإدخال والإخراج للموقوف عليهم ـ والتفضيل والتخصيص ـ والإبدال والاستبدال) وذلك كله بما لا يؤدى إلى مخالفة ما نص عليه القانون[14]
4. القانون العماني : عرفت المادة (1) من مرسوم قانون الاوقاف العماني رقم 65 لسنة 2000 بان الوقف الخيري هو الذي خصصت منافعه على جهات البر ابتداءً والوقف الاهلي (الذري) هو الذي خصصت منافعه للواقف او لأفراد معينين او لهما معاً على ان ينتهي في جميع الاحوال الى جهة بر.
5. القانون اليمني : عرفت المادة (4) من قانون الوقف الشرعي رقم 23 لسنة 1992 الوقف بان (الوقف الأهلي هو ما وقف على النفس أو الذرية . والوقف الخيري هو ما وقف على جهات البر العامة والخاصة ( مثل كوائن زبيد ) والكوائن عبارة عن أوقاف من واقفين متعددين جهل ما وقفه كل واحد منهم وجهات مصارفها فضمت إلى الأوقاف العامة وصرف ما عين عليها للمدارس والمساجد وغيرها)
المطلب الثاني
انواع الوقف
الوقف على عدة انواع ويمكن حصرها بثلاثة (الذري ، الخيري و المشترك) وهذا التوصيف والتنوع رتب اثار قانونية وشرعية منها ما يتعلق بتصفية العين او المال الموقوف ومنها الادارة والاستبدال وغيرها وسأعرض لها على وفق الاتي :-
الفرع الاول
الوقف الذري
وهو تصرف احد الاشخاص بوقف المال الذي يملكه على الاهل والذرية ويسمى بالوقف الاهلي احيانا ويراد به وقف المال على اهل وذرية الواقف ، بحيث يستحق نفع الموقوف من اراد الواقف ان يبر اقاربه الذين اشترط لهم الوقفية وهؤلاء لا فرق بينهم ان كانوا اشخاص متعددين او شخصا واحداً واختلف فقهاء المسلمين في صحة هذا الوقف فبعضهم يرى جوازه واعتبار شرط الواقف فيه، وهم اغلب فقهاء الجمهور، وان كان يمكن انتهاء الذرية بانقطاعها او انقراضها، لأنه يعود بعد ذلك الى الفقراء والمساكين، اما فقهاء المذهب الحنفي فانهم يرون بالوقف ان يكون موقوفا لآخرةٍ لا تنقطع لان الوقف مقتضاه التأبيد،
فإذا كانت الذرية تنقطع او انها محصورة بشخص واحد او عدة اشخاص صار وقفا على مجهول وهو ملا يصح معه الوقف وانه يشمل الاغنياء والفقراء من الذرية الموقوف لها المال دون تمييز بينما الوقف يكون على الفقراء على وفق ما ذكره الشيخ فخر الدين الزيلعي في كتابه الموسوم (تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق)[15] وعرفته الفقرة (1) من المادة (1) من مرسوم جواز تصفية الوقف الذري رقم 1 لسنة 1955 على وفق الاتي ( يقصد بالوقف الذري ما وقفه الواقف على نفسه او ذريته او عليهما او على شخص معين او ذريته او عليهما معا او على الواقف وذريته مع شخص معين وذريته) وهذا التعريف اختلف عما كان عليه تعريف قانون تصفية الوقف رقم 28 لسنة 1954 الملغى اذ كان ينص على ان الوقف يؤول الى جهة من جهات الخير عند انقراض الذرية وهو ما اشار اليه الفقه الحنفي، وفي حكم قضائي لمحكمة تمييز العراق العدد 55/حجة شرعية/69 في 18/12/69 اشار الى ان ( مقتضى الوقف التأبيد ولا يصار شرعا الى بيعه او استبداله إلا بوجود مسوغ شرعي تتثبت منه المحكمة بأدلة كافية)[16] بينما المشرع العراقي سار على خلاف ذلك اذ لم يشترط التأبيد في الوقف لأنه اجاز للواقف الحي الرجوع عن وقفه بطلب يقدمه الى المحكمة المختصة وهي محكمة البداءة على وفق حكم المادة (14) من نظام جواز تصفية الوقف الذري رقم 1 لسنة 1955، ويعد الوقف الذري من اشخاص القانون الخاص ،
بمعنى له شخصية معنوية خاصة وليس عامة على وفق ما اشار اليه قرار مجلس الشورى العدد 8 في 26/2/1994 وتعرض هذا الرأي الى النقد والتجريح لان الوقف الذري وان كان مخصصاً لنفع خاص ابتداءً ، إلا انه يدخل في عداد النفع العام لأنه يدفع حاجة وان مآله منفعة عامة، وإلا فلماذا تستقطع الحصة الخيرية منه عند تصفيته، وان الفقه الإسلامي لا يعرف الا الوقف بالجملة دون تقسيمه الى خيري وذري ومشترك، فضلاً عن ان المشرع العراقي نص على ان الأوقاف شخصية معنوية بشكل مطلق[17]، فضلا عن حكم الفقرة (ه) من المادة (47) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1959 المعدل التي اعتبرت الاوقاف من بين الاشخاص المعنوية.
الفرع الثاني
الوقف الخيري
الوقف الخيري هو ما جعلت فيه المنفعة لجهة بر أو أكثر وكل ما يكون الإنفاق عليه قربة لله تعالى. كما ورد في مرسومِ جوازِ تصفيةِ الوقف الذريِّ رقم (1) لسنة 1955 تعريف للوقف الخيري على وفق حكم الفقرة (ب) من المادة (1) التي جاء فيها الاتي (ويقصد بالوقف الخيري ما وقف على جهة خيرية يعين انشائه او آل اليها نهائيا) ، و نصَ المادة المذكورة لم يبين معنى جهة الخير ، ويبدو أنَّ المقصودَ من جهة الخير ،هو البر ُ ، والنفع ُ العام ُ ، لأنَّ مصطلحَ الخيرية يشمل كل ما فيه إيصال ُ منفعةٍ أو دفع ُ مضرةٍ ، فالوقف ُ الخيريّ مرتبطٌ بالبر، والمنفعة العامة ، وهذا النفع ُ العام ُ قد يكون لقسمٍ من الناسِ ، وقد يكون لكل الناس ويفهم من مفهوم الوقف الخيري ، أنَّ الوقفَ الخيريَّ يأتي من مصدرين وعلى وفق الاتي :ـ
الأولِ : أن يوقفَه الواقف ابتداءً على جهة الخير .
الثاني :أن يتحولَ الوقف ُ الذريّ ُ إلى وقفٍ خيريٍ ، لأن الوقفَ الذريّ إذا انقطع مصرفه على الذرية ، يتحول على الفقراء ، أو الجهات الخيرية ، فتبقى الغلّة ُ لهم ، وبذلك ينشأ الوقف الخيريّ ُ مآلاً [18]، وهذا التوصيف بجعل الوقف خيري يرتب اثار مهمةُ على اعتبار الخيرية في الوقف منها الاتي :ـ
1. لا يصح للواقف أن يرجعَ في وقفه الخيريِّ لأَنه خرج عن ملكه إلى ملك الله تعالى .
وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية اذ جاء في احد قراراتها الاتي (لدى التدقيق والمداولة من قبل الهيئة الموسعة المدنية في محكمة التمييز الاتحادية تبين إن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية فقرر قبوله شكلاً ، وعند عطف النظر على الحكم المميز فقد وجد بأنه غير صحيح ومخالف للشرع والقانون حيث إن العقار موضوع الدعوى كان قد أوقفه المدعي وقفاً خيرياً بموجب حجة الوقف عدد 286/سجل 1412 وتاريخ 17/10/2001 الصادرة عن محكمة الأحوال الشخصية في الموصل ،وحيث إن من ضمن أحكام الوقوف الخيرية هي زوال ملك الواقف عن الملك الموقوف بعد وقفه ولا يسوغ له بعدئذ الرجوع عن الوقف ،الذي أصبح ملكاً لجهة الوقف ،وليس للواقف ،ولذا فدعواه المتعلقة بطلب إبطال حجة الوقف وإعادة الوقوف إلى ملكه ،هي دعوى بدون سند شرعي او قانوني ويقتضي ردها ،وعليه قرر نقض الحكم المميز وإعادة الاضبارة إلى محكمتها لإتباع ما تقدم وعلى إن يبقى رسم التمييز تابعاً للنتيجة وصدر القرار بالاتفاق بتاريخ 16/رجب/ 1428هـ الموافق في 30/7/2007 م)[19]
2. يعد من الأشخاص المعنوية العامة ، وله ذمة مالية مستقلة .
3. يعين المتولي بترشيحٍ من المحكمة الشرعية ، وقرارٍ من المجلس العلمي ، يصادق عليه ديوان الوقف.
4. لا يجوز بيعه، أو رهنه ، أو توريثه ، أو إعارته ، لأنَّ الموقوفَ خرج عن ملكية الواقف ، والتصرفات المذكورة مبنية على الملكية .
5. لا يجوز تصفيته لأنه غير ُ مشمولٍ بمرسوم جواز تصفية الوقف الذريّ .
6. لا يجوز الحجز على الأموالِ والأعيان الموقوفة ِ وقفاً صحيحاً ، أو بيعها لقاء الدين
7. لا يبطل الوقف الخيري كونه حبساً مؤبداً على وفق عدد من الاحكام القضائية ومنها قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 47/مدنية موسعة/2011 في 23/2/2011 الذي جاء فيه الاتي (لدى التدقيق والمداولة من قبل الهيأة الموسعة المدنية في محكمة التمييز الاتحادية وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد أنه غير صحيح ومخالف لاحكام الشرع والقانون لان محكمة الموضوع وان اتبعت قرار النقض الصادر عن هذه المحكمة بعدد 3019/ش1/2009 وتاريخ 3/8/2009 إلا انها توصلت الى نتيجة غير صحيحة اذ انها ابطلت حجة الوقف موضوع الدعوى وهذا الاتجاه غير صحيح اذ ان الوقف الخيري لا يبطل كونه حبساً مؤبداً وإذا كان المراد انصراف الابطال الى الشق الثاني من الحجة المتضمن نصب الواقف (هـ) متولياً على الوقف موضوع البحث فهذا ايضاً لا يقبل الابطال بعد توجيه التولية من جهة الوقف حسب قرار المجلس العلمي المرقم (16) وتاريخ 9/6/1987 والتعامل مع المذكور على انه متولي ولا يتغير من الموضوع شيئاً بعد تصحيح اسم المالك في العقار 9/6671 مقاطعة (1) وجعله وزارة الاوقاف والشؤون الدينية اذ يصبح المذكور انفاً خاضعاً بعد توجيه التولية اليه لأحكام نظام المتولين رقم (46) لسنة 1970 ولا يجوز عزله إلا للأسباب الواردة في النظام المذكور وحيث ان الحكم المميز قد خالف وجهة النظر المتقدمة قرر نقضه وإعادة الاضبارة الى محكمتها للسير بها وفق المنوال المرسوم وإصدار حكم جديد على ان يبقى رسم التمييز للنتيجة وصدر القرار بالاتفاق في 20/ربيع الاول/1432 هـ الموافق 23/2/2011 م )[20] كما ان الوقف الخيري لا يجوز الرجوع عنه حتى عند المسيحين على وفق ما جاء في قرار محكمة التمييز الاتحادية[21]
الفرع الثالث
الوقف المشترك
عرفته الفقرة (ج) من المادة (1) من مرسوم جواز تصفية الوقف الذري رقم (1) لسنة 1955 با (الوقف المشترك ما وقفه الواقف على جهة خير وعلى الافراد او الذراري ونسبة الاشتراك فيه اما ان تكون معينة وإما ان تكون غير معينة كالأوقاف الموقوفة على جهة خيرية ومشروط فيها صرف الفضلة من غلتها على الافراد او الذراري او بالعكس . ولا تتم الخصومة قانونا في الوقف المشترك إلا بحضور مدير الاوقاف او من يمثله) و يجمع بين الوقف الذري والخيري ومن النتائج المترتبة على اعتبار الوقف مشتركاً الاتي :ـ
1. يجوز تصفيته وذلك لشموله بأحكام مرسوم جواز تصفية الوقف الذريّ
2. يجوز الرجوع عنه طبقاً لنص المادة (14) من مرسوم جواز تصفية الوقف الذريّ التي جاء فيها الاتي (اذا كان الواقف حيا فله حق الرجوع عن وقفه بطلب يقدمه الى محكمة البداءة لاستحصال قرار بإبطال حجة الوقف وإعادة الموقوف الى ملكيته على ان ترسل صورة من القرار الى كل من المحكمة التي اصدرت حجة الوقف للتأشير على سجلها والى دائرة الطابو لتصحيح القيد وقرار المحكمة بذلك يكون قطعيا) كما يرى بعض الفقهاء ان الوقف المشترك هو الذي يوقف في أول الأمر على جهة خيرية ولو لمدة معينة ثم من بعدها إلى الذرية و الأقارب ، كأن يقول الواقف أوقفت هذه الدار على الفقراء والمساكين مدة سنة ثم على نفسي وأولادي.
أو العكس كأن يوقف على الذرية و الأقارب مدة معينة ثم بعدهم على جهة خيرية.نوع عقد الوقف و حكم التصرف فيه:الوقف عقد لازم بمجرد ثبوته بأي قول أو فعل دال عليه سواء حكم به قاض أم لا.إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز التصرف في الوقف ببيع أو هبة أو نحوهما ، كما أنه لا يجوز الرجوع فيه[22]. ويسمى بالوقف الملحق على وفق حكم الفقرة (7) من المادة (1) من قانون ادارة الاوقاف رقم 64 لسنة 1966 المعدل.
المبحث الثاني
التولية
وللوقوف على التولية وأحكامها والقوانين التي تنظمها وطريقة الترشيح والتعيين على الاوقاف ومقدار صلاحيات المتولي في القانون العراقي والمقارن لابد من التعرف على المعنى اللغوي والاصطلاحي وتعريف القانون ومن ثم الاحكام القانونية وعلى عدة مطالب وفروع وعلى وفق الاتي :
المطلب الاول
تعريف التولية
سأعرض لمفهوم التولية بعدة فروع للتعريف من حيث اللغة والاصطلاح وعلى وفق الاتي
الفرع الاول
التعريف اللغوي
المتولي : اسم من تولى ، والمصدر تولية ، وَلِيَ وتولى بمعنى واحد ، وكل مَنْ تولى أَمْرَ آخر فهو وليٌّ او متوليٌّ ، أي محب وصديق ونصير وقال الزجاج : يقرأ بالوجهين ، فمن فتح جعلها من النصرة والسبب قال : والولاية التي بمنزلة الإمارة مكسورة ليفصل بين المعنيين ، وقد يجوز كسر الولاية لأن في تولي بعض القوم بعضا جنسا من الصناعة والعمل ، وكل ما كان من جنس الصناعة نحو القصارة والخياطة فهي مكسورة [23]، وأوليته الأمر فوليه : أي وليته إياه تولية، ويتولى : ينصر ويؤيد ، كقوله تعالى : ((إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)) [24]، والتولية بمعنى التمكين والتهيئة كقوله تعالى : ((قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا))[25].
الفرع الثاني
التعريف الاصطلاحي
المتولي: هو من تثبت له الولاية، والولاية في اصطلاح الفقهاء هي السلطة الشرعية التي تمكن صاحبها من مباشرة التصرفات وترتيب اثارها الشرعية عليها بمجرد صدورها منه وعرف احد الفقهاء متولي الوقف بأنه: ((الذي يلي الوقف وحفظه وحفظ ريعه وتنفيذ شرط واقفه، وطلب الحظ فيه مطلوب شرعاً، فكان ذلك الى الناظر وله وضع يده على الوقف وريعه والتقرير في وظائفه لانه من مصالحه))[26].
ويراد به: من يضع يده على الوقف وريعه لحفظه ورعاية مصالحه وتنفيذ شرط الواقف وله طلب نصيبه فيه.
وعرفه آخر) بأنه: ((الشخص المعين لرؤية وإدارة امور ومصالح الوقف على وفق شروطه وضمن الأحكام الشرعية)). حصر التعريف وظيفة القيام بشؤون الوقف للمتولي، ولا يحق لغيره كالموقوف عليه او القاضي القيام بوظيفته عند وجوده[27] ، اما التعريف الاصطلاحي في القانون للتولية فان نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970 عرف المتولي على وفق الاتي (المتولي مسؤول عن ادارة الوقف بموجب شرط الواقف ووفق الاحكام الشرعية والقوانين والأنظمة ويشمل ذلك الوصي في الوصايا التي تخرج مخرج الوقف) وارى انه لا يشكل تعريفاً و انما تحديد مهام ووظيفة المتولي ومثله القانون الاردني اذ بين بان المتولي هو من يمثل الوقف امام الجهات المختلفة ويتولى ادارته والإشراف على موارده ومصارفه طبقاً لشرط الواقف وأحكام القانون على وفق حكم المادة المادة(1246) من القانون المدني الاردني رقم 43 لسنة 1976 والتي جاء فيها الاتي ( يكون للوقف من يمثله امام الجهات المختلفة ويتولى ادارته والاشراف على موارده ومصارفه طبقا لشروط الواقف واحكام القانون )
وفي القضاء العراقي المتولي هو الذي يمثل الوقف اما القضاء ويكون خصما في الدعاوى االتي تقام له او عليه وعلى وفق قرار محكمة استئناف بغداد الرصافة الاتحادية العدد 1027/م/2010 في 30/11/2010 الذي جاء فيه الاتي ( لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر على القرار المميز وجد انه غير صحيح ومخالف للقانون ذلك لان محكمة البداءة اسست حكمها برد الدعوى على سببين الاول ان الدعوى يجب ان تقام من قبل المتولين الثلاثة مجتمعين لقبول خصومتهم وصحتها اضافة للتولية استناداً للحجة المرقمة 380 في 22/10/1989 والسبب الثاني هو ان سند العقار قد اشار الى ان التولية هي لثلاثة متولين وكان المقتضى بالمحكمة ان تستكمل تحقيقاتها , وذلك بالاطلاع على صورة رسمية مصدقة من الحجة الوقفية المرقمة 124 في 2/1/1995 الصادرة عن المحكمة الشرعية الجعفرية في بغداد بغية الوقوف على الشروط الواردة فيها وخاصة فيما يتعلق بشأن جعل التولية على الوقف الوارد على العقار موضوع الدعوى وكيفية ادارة المتولين لهذا الوقف مع العرض ان اقامة الدعوى من قبل احد المتولين دون الاخرين لا تجعل الخصومة غير متوجهة وإنما يجعلها ناقصة في حالة تعدد المتولين وخلو الوقفية من حق المتولين الانفراد في التصرف والإدارة استناداً لشرط الواقف عملاً بأحكام المادة 4 من قانون المرافعات المدنية المعدل والنافذ التي اجازت خصومة المتولي بالنسبة لمال الوقف .
كما ان المادة 4 من نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970 قد نصت على ان المتولي مسؤول عن ادارة الوقف بموجب شروط الواقف ووفق الاحكام الشرعية والقوانين والأنظمة ويشمل ذلك الوصي في الوصايا التي تخرج مخرج الوقف مما كان الواجب بالمحكمة ان تجري تحقيقاتها الكاملة بشأن باقي المتولين وفي حالة وفاتهم فسح المجال امام المدعي المميز بمراجعة محكمة الاحوال الشخصية المختصة لتنفيذ شرط الواقف بشأن اختيار من يحل محلهم من اهل الخير والصلاح والمعرفة من سكان نفس المحلة المذكورة في الوقفية علاه وفي حالة اصراره على ابقاء خصومته بوصفها الوارد في الدعوى وابقاء هذه الخصومة ناقصة فانه يكون من حق المحكمة رد الدعوى من هذه الجهة لنقصان الخصومة بعد ان تكلف المحكمة المميز بربط صورة مصدقة من الحجة المرقمة 380 في 22/10/1989 وصورة قيد العقار وورقة الانذار والتبليغ فيها وحيث ان المحكمة اصدرت قرارها المميز دون مراعاة ما تقدم مما اخل بصحته لذا قرر نقضه وإعادة الدعوى اليها لإتباع ما تقدم على ان يبقى رسم التمييز تابعا للنتيجة .
وصدر القرار بالاتفاق في 24/ذي الحجة/1431 هـ الموافق 30/11/2010 م )[28] وبذلك فان المتولي هو من يتولى رعاية شؤون الوقف ومباشرة التصرفات القانونية نيابة عنه طبقاً لشروط الواقف والأحكام القانونية والشرعية، وان شرط الواقف هو النظام الاساسي الخاص بالوقف الذي يحدد كيفية اختيار المتولي وسلطته[29]
المطلب الثاني
الاحكام القانونية
اما عن تمييز المتولي عن الولي والوصي والناظر سوف لا اتطرق اليها في هذه الورقة لأنها من السعة التي لا يفي غرضها المبحث وإنما اترك من يود معرفة المزيد الى من كتب فيها وهم كثر وتختلف التولية تبعا لشرط الواقف فإذا وضع الواقف في وقفيته شروطاً مبيناً فيها الشخص أو الجهة بالاسم او الوصف المراد توليته على وقفه فحينئذٍ تكون التولية مشروطة، وتسمى بالتولية المشروطة، واذا لم يضع الواقف شروطه في تولية وقفه لأحد، فتكون التولية له في حياته ولوصيه بعد مماته، فان لم يختر وصيه تكون التولية للقاضي حسب ولايته العامة[30]، وحالياً تقوم بالتولية نيابة عنه دواوين الاوقاف بعد ان حلت وزارة الاوقاف، لأنها تعد متولياً لكل وقف لا متولي له، فعندئذ تكون التولية غير مشروطه، وتسمى بتولية ديوان الوقف وإذا كان الواقفون غير مسلمين والموقوف عليهم جهات غير إسلامية، تسمى بتولية أوقاف الطوائف غير المسلمة.
لذلك سأقصر البحث في الاحكام القانونية للتولية التي تعددت بتعدد انواع الوقف مما ادى الى تعدد الاحكام المتعلقة بالتولية حيث ان التولي على الوقف الخيري شروط تعيينه وتنصيبه وحدود صلاحياته تختلف عن التولي على الذري لذلك ساعرض لها على وفق الآتي :ـ
الفرع الاول
المتولي على الوقف الخيري
ان المتولي على الوقف الخيري كان ينصب بناء على ما ورد في الحجية الوقفية وشروط الواقف من رجل الدين المرجع الاعلى للطائفة لكن بعد صدور قانون ادارة الاوقاف رقم 64 لسنة 1966 المعدل ونظام المتولين رقم 46 لسنة 1970 اصبح المتولي ينصب على وفق شروط قانونية، اذ اشارت المادة (2) من نظام المتولين الى ترشيح المحكمة شخصا لتولي الوقف الخيري ويعرض على المجلس العلمي في ديوان الاوقاف على وفق النص الاتي (يعين المتولي في الوقف الخيري والوقف المشترك بترشيح من المحكمة الشرعية وقرار من المجلس العلمي يصادق عليه المجلس) وبعد ان يصادق عليه المجلس تقوم المحكمة الشرعية المختصة ( محكمة الاحوال الشخصية بالنسبة للمسلمين ومحكمة المواد الشخصية بالنسبة لغير المسلمين) بإصدار حجة التولية على وفق حكم المادة (33)[31] والفقرة (4) من المادة (300) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 المعدل[32] ويكون بطلب يقدم من شخص لترشيحه او عدة اشخاص على ان تراعى شروط الواقف للوقف في الحجة الوقفية وبعد قرار الترشيح يرسل الى المجلس العلمي في ديوان الوقف الذي حل محل وزارة الاوقاف والشؤون الدينة المنحلة، ثم اصبح للمجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي صلاحية المصادقة على تعيين المتولين على وفق حكم الفقرة (اولاً) من المادة (10) من قانون ديوان الوقف الشيعي[33] رقم 57 لسنة 2012 وترسل تلك المصادقة الى المحكمة المختصة ومن ثم تصدر حجة التولية ، وهذه الحجة تخضع لطرق الطعن القانونية بوصفها من القضاء الولائي (الامر على العرائض) المشار اليه في حكم المادة (151) مرافعات وذلك بالتظلم من قرار القاضي الذي صدر بالرفض او بالقبول من المتظلم الذي صدر ضده وتكون اجراءات التظلم بدعوة الطرفين على وفق حكم المادة (153) مرافعات والقرار الذي يصدر بالتظلم يكون خاضع للطعن فيه امام محكمة التمييز الاتحادية، إلا اننا نجد في تطبيقات القضاء العراقي احكام تختلف عن تلك النصوص القانونية ومنها قرار محكمة استئناف بغداد الرصافة الاتحادية بصفتها التمييزية الذي صدقت فيه قرار محكمة المواد الشخصية في الكرادة[34] العدد 36/تظلم/2011 في 20/9/2011 على خلاف حكم القانون من حيث الاختصاص لان الطعن في قرارات محكمة المواد الشخصية يكون امام محكمة التمييز الاتحادية حصرا سواء في الاحكام او في قراراتها بوصفها قضاء مستعجل على وفق حكم المادة (33) مرافعات كما نجد ان بعض التطبيقات القضائية لا ترشح المتولي وإنما تقضي بتعيينه على خلاف حكم الفقرة (4) من المادة (300) مرافعات والمادة (2) من نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970 ومثال ذلك قرار محكمة الاحوال الشخصية في الكرادة بإصدار حجة التولية العدد 41 في 7/4/2010 التي نصت على تعيين متولين على احد الاوقاف الخيرية دون ان ترشحهم وهذه الحجة ابطلت لأنها معيبة من حيث جهة الاختصاص بالترشيح وتم ابطالها من قبل ذات المحكمة بقرارها العدد 66/ش/2012 في 19/11/2011 والذي صدقته محكمة التمييز الاتحادية بقرارها العدد 340/هيئة احوال شخصية/2013 في 13/3/2013 وجاء في بعض حيثياته ان الحجة صدرت معيبة لأنها جاءت بصيغة التعيين خلافا لاختصاص محكمة الاحوال الشخصية المنصوص عليه في المادة (300/4) مرافعات والمادة (2) من نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970)[35] إلا ان بعض الاوقاف لا يتولاها متولي وهي الاوقاف المضبوطة التي اشارت اليها الفقرة (6) من المادة (1) من قانون ادارة الاوقاف رقم 64 لسنة 1966 المعدل وهي كآلاتي : ـ
1. الوقف الصحيح الذي لم تشترط التولية عليه لأحد او انقطع فيه شروط التولية . والوقف الصحيح هو هو العين التي كانت ملكا فوقفت الى جهة من الجهات ويشمل العقر الموقوف على وفق حكم الفقرة (4) من المادة(1) من قانون ادارة الاوقاف
2. الوقف غير الصحيح و هو حق التصرف والعقر في الاراضي الاميرية المرصدان والمخصصات الى جهة من الجهات على وفق حكم الفقرة (5) من المادة (1) من قانون ادارة الاوقاف ويذكر ان حقر العقر انتهى بعد صدور قانون اطفاء حق العقر رقم 107 لسنة 1980
3. الوقف الذي مضت على ادارته خمس عشرة سنة من قبل وزارة الاوقاف مديرية الاوقاف العامة او ديوان الاوقاف وذلك بعد ان تنقطع التولية اما لموت المتولي او انتهاء تولية وعزله او لأي سبب آخر وفي تطبيقات القضاء العراقي استقر على ان الوقف المضبوط تكون إدارته من قبل إدارة الأوقاف[36]
4. اوقاف الحرمين الشريفين عدا اوقاف الاغوات المشروطة لهم .
5. اعيان الجهات الخيرية الايلة للأوقاف وفق مرسوم جواز تصفية الذرى او اي قانون يحل محله .
الفرع الثاني
المتولي على الوقف الذري
اما في الوقف الذري فان المتولي تنصبه المحكمة المختصة (الاحوال الشخصية للمسلمين والمواد الشخصية لغير المسلمين) على وفق شروط الواقف الواردة في الحجة الوقفية وبذلك فان طلب تولية على الوقف الذري لا تحتاج الى مصادقة المجلس العلمي وان المحكمة المختصة تتولى التنصيب وليس الترشيح وتصدر الحجة بعد ان تتحقق من الشروط العامة في المتولي وعلى وفق شروط الواقف وتصدر حجية التولية دون الرجوع الى المجلس العلمي في ديوان الاوقاف على وفق حكم الفقرة (4) من المادة (300) مرافعات التي جاء فيها الاتي (التولية على الوقف الذري ونصب المتولي وعزله ومحاسبته وترشيح المتولي في الوقف الخيري او المشترك) فضلا عن حكم المادة (2) من نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970 التي حددت صلاحية المحكمة بترشيح المتولي في الوقفين الخيري والمشترك ولم تتطرق الى الوقف الذري ويكون حكم المادة (300) مرافعات هو الحاكم في ذلك.
الفرع الثالث
المتولي على الوقف المشترك
اما الوقف المشترك فان اجراءات اصدار حجة التولية هي ذاتها عند اصدارها في الوقف الخيري على انها تختلف من حيث مراعاة شروط الواقف المتعلقة بحقوق المرتزقة المشتركين في الوقف وعلى وفق حكم المادة (2) من نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970 لذلك سأكتفي بما ورد عرضه في المطلبين السابقين.
المطلب الثالث
واجبات و حقوق المتولي
حقوق وواجبات المتولي نظمت احكامه مواد الفصل الثاني من نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970 ورسمت له حدود صلاحياته وواجباته مع ما له من حقوق وساعرض لها على وفق الفرعين الاتيين :ـ
الفرع الاول
واجبات المتولي
واجبات متولي الوقف ، هي التزامات مقررة بشروط الواقف في وقفيته والأحكام الشرعية والقانونية والانظمة ، ولا يملك فيها حق الخيار، وتتضمن هذه الالتزامات ما يجب على متولي الوقف ان يقوم به من تصرفات محكومة بمصلحة الموقوف ومنفعة الموقوف عليه ، اوجبتها عليه الاحكام الشرعية والقانونية وشروط الواقف ، وتدعى بالالتزامات الايجابية لمتولي الوقف. وما هو ممنوع على متولي الوقف القيام به من تصرفات ضارة للموقوف والموقوف عليه ، حظرتها عليه الاحكام الشرعية والقانونية والواقف ، وتدعى بالالتزامات السلبية لمتولي الوقف ومن هذه الواجبات الاتي :ـ
1. الدفاع عن حقوق الوقف لابد من ان تنشأ بين الوقف بوصفه شخصية معنوية خاصة مستقلة يمثله المتولي ، والموقوف عليهم او المتجاوزين على الوقف او المستأجرين منه او الذين يتعامل معهم علاقات قانونية ، قد ينشأ عنها خصومات قانونية يتطلب من متولي الوقف المخاصمة فيها ، والالتزام بالدفاع عن حقوق الوقف بنفسه او بوكيله لأنه الممثل والخصم القانوني للوقف ، وعليه ان يدفع من واردات الوقف اجور الدعاوى ورسومها ومصاريفها ومن تطبيقات ذلك قرار محكمة بداءة الكرادة [37]3028/ب/2011 في 29/12/2011
2. الالتزام بتسديد ديون الوقف : يلزم المتولي قبل كل شيء بان يوفي ديون الوقف المستحقة، من اموال استدانها لحساب الوقف بموافقة القاضي ، والضرائب والرسوم واجور المحاماة ، ويصرف رواتب اصحاب الجهات والعاملين في إدارة الوقف ، والمصاريف الاخرى التي تتطلب إدارة الوقف ، مادام عدم توفر مخالفة في مصرف الوقف للشرع[38]، لان عدم الدفع يعني تراكم الديون واضطرار اصحابها الى الحجز على واردات الوقف ، وهذا يؤدي الى الاضرار بحقوق الوقف والموقوف عليه
3. الالتزام بعمارة الوقف : من اولويات التزامات المتولي ، هي حفظ الوقف وصيانته واصلاحه وتنميته، وإستغلال مستغلاته وزيادة وارداته لبقائه واستمرار انتفاع الموقوف عليه به ، لان غير ذلك يؤدي الى خرابه ونهاية الوقف ، واتفق الفقهاء على ذلك حتى وان لم يشترط الواقف ، لان غرضه استمرار ثواب عمله الخيري الذي لا يتم الا بعمارة الوقف ، وعمارة الوقف مقدمة على أي عمل من اعمال البر ، ومنها حق الموقوف عليهم واصحاب الوظائف وان شرط الواقف غير ذلك بطل شرطه ، وجهة الصرف على عمارة الوقف تكون حسب شرط الواقف بتخصيص مال مشروط لعمارة الوقف سواء أكان ماله الخاص ام مال الوقف ، والا تكون عمارته من غلته[39]
4. مراقبة الموقوفات وصيانتها ومنع التجاوز عليها ورفعة واستثمار الموقوفات الخيرية والايلة للانهدام بتعميرها او اعمار اراضي الوقف او شراء – استبدال-املاك تسجل وقفاً ملحقاً من فضلة الواردات او من بدلات الاستملاك وبإذن من المحكمة الشرعية[40] للتثبت من وجود مصلحة للوقف في التعمير او الاستبدال وبموافقة ديوان الأوقاف ، ويستثنى من ذلك اذا كان الواقف نفسه[41]
5. الالتزام بتنفيذ شروط الواقف والأحكام الشرعية والقانونية : يلتزم متولي الوقف بتنفيذ شروط الواقف طالما لم تخالف الاحكام الشرعية والقانونية ومصلحة الموقوف والموقوف عليه، لان شرط الواقف كنص الشارع، كما لو شرط الجهة الموقوف عليها وكيفية توزيع الغلة على المستحقين او الانتفاع بالموقوف او لمن تكون التولية وغيرها.
6. الالزام بعدم التصرف باموال الوقف: يلزم متولي الوقف بعدم التصرف باموال الوقف بالبيع او الشراء او الوصية او الهبة او توريثها او المقايضة او الشركة او الاقراض او أي تصرف ناقل للملكية او يرتب حق عيني أو شخصي، لان الوقف حبس العين المملوكة ومنع التصرف فيها، كما يلزم المتولي بعدم رهن او اعارة الموقوف لان ذلك يؤدي الى تعطيل اعيانه عن المنفعة وضياعها وفوات حقوق المستحقين، ويترتب على ذلك انه يجب على المرتهن او المستعير اجر مثل العين المرهونة او المعارة، ويلزم بعدم صرف فضلة واردات احد الوقفين على الاخر عند الاحتياج إلا اذا اتحدت جهة الموقوف عليها وان اختلف الواقف.[42]
7. الالتزام بعدم التصرف محاباة : ويقصد بالتصرف محاباة هو ميل او تساهل المتولي مع من له صلة به عند تعاقده معه، بما يثير الريبة والتهمة عليه، ولكي يبتعد عنها، يلزم بعدم التصرف مع احدهم، وينبني على ذلك بان لا يؤجر الموقوف لنفسه ولو بأجر المثل والمشرع العراقي، فانه قد تشدد في هذا الموضوع، اذ منع المتولي من ان يؤجر الوقف لنفسه او لزوجته او لأحد اقاربه الى الدرجة الرابعة، ولم يجوز له ذلك حتى ولو كان بأكثر من اجر المثل[43]،
8. الالزام بعدم الاستدانة على الوقف، لان الاصل ان يلزم متولي الوقف بعدم الاستدانة على الوقف بالاستقراض او بشراء مايلزم للعمارة او الزراعة بالدفع مؤجلاً خوفاً من الحجز على غلته والأضرار بالوقف والموقوف عليه
9. الالزام بالامتناع عن الاقرار او الشهادة او اليمين على الوقف: لأن المتولي نائب عن الوقف والزمه المشرع بالدفاع عن حقوقه، وان اقراره او شهادته او حلفه على الوقف يتعارض مع وظيفته
الفرع الثاني
حقوق المتولي
المتولي يؤدي وظيفته تجاه الوقف على وفق الالتزامات التي اشرت اليها في الفرع الاول وبذلك يترتب له حق تجاه الوقف عن اداءه لتلك الخدمة وهذه الحقوق وردت في التشريع العراقي وعلى وفق الاتي :ـ
1- حق متولي الوقف في نقل التولية الى الغير وصور هذا الحق متعددة، وتكون اما باقامة شخص نيابة عنه في إدارة اعمال الوقف بتوكيله، او اقامته مقامه استقلالاً بتفويضه، او اقراره بان توليته يستحقها غيره ومصادقة هذا الغير على اقراره، او الايصاء بالتولية لغيره.
2- المصادقة على التولية وهي اقرار المتولي بعدم استحقاقه للتولية وان غيره يستحقها وتصديق هذا الغير بذلك ، او اقراره بان التولية له ولغيره الذي يوافقه على ذلك ، وعلى الرغم من اتفاق الفقهاء بان اقرار المتولي بعدم احقيته للتولية حجة عليه وينعزل عن التولية بناء على اقراره الا انهم اختلفوا في حجية مصادقة المقر له على اقراره[44]
3- حق متولي الوقف في الأجر يبذل متولي الوقف جهده ووقته ويتكبد المصاريف والنفقات لإدارة ومتابعة شؤون الوقف الذي يليه، ويستحق مقابل ذلك مايوعد به من جُعاله (أجرة) ، وأجرة متولي الوقف مشروعة، ومقدارها يختلف باختلاف تقديرها من قبل الواقف او القاضي، واختلف الفقهاء في مصدر هذا الاجر.
ونظم المشرع العراقي اجرة متولي الوقف على التفصيل الاتي:
أ. اجرة دائرة الوقف وتكون على وفق الاتي :
1. تستوفي مبلغ محاسبة 10% من مجموع واردات الأوقاف الملحقة (الوقف المشترك) مقابل محاسبة متوليها ومراقبة أوقافها[45]، أي اجرتها لكونها متولياً عاماً على الأوقاف الملحقة.
2. تستوفي 20% من مجموع واردات الأوقاف الملحقة مقابل توليتها عليها خلال مدة انحلال التولية الخاصة عليها او سحب يد المتولي عنها، بما يعادل 10% بوصفها متولياً عاماً مضافاً اليها 10% بوصفها متولياً خاصاً[46].
ب. اجرة متولي الوقف : وتكون على وفق الاتي:ـ
· الحالة الأولى: اذا كانت أجرته مقدرة من الواقف في شروط وقفيته، فهو يستحقها ولو كانت اكثر من اجر المثل، كما لو كانت فضلة واردات الوقف للمتولي([47]).
· الحالة الثانية : اذا لم يكن للمتولي مخصصات في الوقفية، فيجوز تخصيص الأجر له لقاء قيامه بإدارة الوقف، ويعين مقداره بقرار من مجلس الأوقاف الاعلى، على ان لايزيد عن 10% من الوارد بأي حال[48]، وبذلك يكون المشرع العراقي قد وضع شروطاً لتخصيص الجعالة لمتولي الوقف وهي:
1. ان لا يكون للمتولي مخصصات جعالة في الوقفية لقاء عمله.
2. ان يقوم بإدارة شؤون الوقف.
3. جوّز تخصيص الاجر، أي الاصل عدم التخصيص اذا لم يشترط له الاجر في حجة الوقف.
4. تعيين مقدار اجرة المتولي بقرار من مجلس الأوقاف الاعلى[49].
5. ان لا يزيد الاجر المخصص للمتولي عن 10% من الوارد بأي حال، أي حسب حال واردات الوقف الكلية او فضلتها[50].
المطلب الرابع
انهاء التولية
تنتهي التولية اما بموت المتولي او عزله او استقالته يقصد بمصطلح ((عزل)) متولي الوقف بالمفهوم الواسع هو انقضاء توليته على الوقف . ويشمل جميع حالات الانقضاء ، ومنها حالة انعزال المتولي بحكم القانون بموته ، او موت الوقف برجوع الواقف عنه او انتهاء مدته اذا كان مؤقتاً او بانقراض الموقوف عليهم…، وحالة اعتزال المتولي عن توليته على الوقف بأرادته بعزله لنفسه بالاستقالة ، وحالة عزل المتولي بحكم القضاء دون ارادته عند تحقق احد اسباب العزل الشرعية او القانونية ، والأخيرة هي المفهوم الضيق لمصطلح ((العزل)) والاكثر شيوعاً .
الفرع الاول
العزل المؤقت
العزل المؤقت للمتولي : هو رفع يد المتولي عن الوقف بصورة مؤقتة ، عند توافر اسباب تدعو الى النظر في عزله او غيرها ، لحين البت في موضوع عزله نهائياً ، او زوال الاسباب الاخرى التي دعت الى ذلك .
1- عند عدم تقديم متولي الوقف الملحق حساباته خلال الفترة المقررة من كل سنة دون عذر مشروع ، يضع ديوان الأوقاف يده على الموقوفات من غير انذار ، ويرفع يده عنها وتعاد للمتولي بعد تقديمه الحساب وتدقيقه [51] .
2- اذا امتنع المتولي عن معاملة موظفي المؤسسات الدينية كالمساجد والحسينيات والتكايا والمدارس الدينية والمكتبات وغيرها للوقف الملحق الذي تحت توليته ، معاملة موظفي الأوقاف المضبوطة في التعيين والترفيع والنقل والعقوبات وجميع الحقوق والواجبات وكان في واردات الوقف متسع ، فيضع ديوان الأوقاف يده على الموقوفات ويديرها وتعاد اليه اذا وافق على تنفيذ ذلك [52]
3- اذا لم يودع المتولي ما قبضه من بدل ايجار املاك الوقف للسنوات المقبلة او فضلة الواردات السنوية لدى دائرة الوقف لتحفظ لديها امانة خلال شهر من تصديق حسابه دون عذر مقبول ، فان لديوان الأوقاف وضع اليد على الموقوفات واحالة امر المتولي على لجنة المحاسبة[53] .
4- اذا اصر المتولي ، على الرغم من انذاره ، بالامتناع عن صرف رواتب اصحاب الجهات والعاملين في إدارة الوقف ودفع الرسوم والضرائب والمصاريف الاخرى للوقف الذي تحت توليته في اوقاتها المحددة ودون سبب مقبول ، فتضع دائرة الوقف يدها على الوقف وترفع امره الى لجنة المحاسبة للنظر في موضوع محاسبته وعزله [54].
5- اذا اصيب المتولي بمرض او أي سبب اخر يمنعه من إدارة الموقوفات كغيبته او توقيفه او الحكم عليه في ، غير الجناية او الجنحة المخلة بالشرف ، وغيرها ولم يعين وكيلاً عنه ، فتضع دائرة الوقف يدها عليه مؤقتاً لحين زوال السبب[55].
6- عند تحقق احد شروط عزل المتولي المنصوص عليها في المادة (19) من نظام المتولين، فتضع الدائرة يدها على الوقف بموافقة ديوان الأوقاف وتحيل امره الى لجنة المحاسبة للنظر في موضوع عزله[56].
7- عند سحب يد المتولي عن الوقف الملحق بقرار من لجنة محاسبة المتولين او من المحكمة الشرعية كما لو وجد خطر عاجل على بقاء املاك الوقف تحت يد المتولي كتبديده او اختلاسه اموال الوقف او اهماله او تقصيره الجسيم ، فيتولى ديوان الأوقاف إدارة الوقف لحين البت في موضوع عزله او زوال السبب .
8- اذا حدث نزاع بين المتولين على الوقف وتعذرت ادارته بصورة مشتركة من قبلهم ، فللجنة محاسبة المتولين او محكمة الاحوال الشخصية ان تأمر بوضع اليد على الوقف بصورة مؤقتة لحين حسم النزاع .
الفرع الثاني
العزل الجزئي
العزل الجزئي للمتولي : إن اهمال المتولي او تقصيره اليسير ، او مخالفته البسيطة لشروط الواقف او الأحكام الشرعية والقانونية لعدم درايته بها او عجزه عن القيام بمهمته بمفرده ، او عدم ثبوت خيانته واحياناً حتى وان ظهرت خيانته فان الامر لا يستلزم بالضرورة عزله اذا امكن ازالة ضرره عن الوقف بضم متول ثقة اليه يشاركه في التولية احتياطاً او تعيين ناظر يشرف على تصرفاته ويراقبه فلا يتصرف الا بإطلاعه ورأيه ، وضم متول اليه او تعيين ناظر عليه ، يعد بمثابة عزل ) استبعاد( جزئي عن توليته لأن صلاحيته قد تقلصت او قيدت عما كانت عليه .
ويتجه القضاء العراقي الى انه اذا لم يثبت الطعن في امانة المتولي ، فيجوز للقاضي ان يضم اليه ثقة يشاركه في التولية او ينصب ناظراً يشرف على تصرفاته[57]
الفرع الثالث
العزل الكلي
العزل الكلي للمتولي : هو رفع يد المتولي عن الوقف نهائياً وبصورة دائمية ومن صوره الاتي:ـ
1- الانعزال الكلي بحكم القانون : ينعزل المتولي كلياً عن الوقف بمجرد تحقق سبب الانعزال وبحكم القانون دون حاجة الى صدور حكم قضائي او قرار من لجنة العزل ، و اهم اسباب الانعزال هي موت المتولي او خروجه عن الاهلية بجنونه المطبق سنة او ثبوت سفهه بالحجر عليه.
ويتحقق انعزال المتولي في القانون برجوع الواقف عن وقفه في الوقف الذري او المشترك بإقامة دعوى لدى محكمة البداءة[58]، او برجوع الواقف عن الوقف المضاف الى ما بعد الموت سواء اكان وقفاً ذريا ام خيرياً شأنه شأن الوصية، ولا يحق للواقف الرجوع عن وقفه الخيري الخاص المنجز غير المضاف الى ما بعد الموت بعد اصدار الحجة الشرعية بوقفيته وتسلمه له بوصفه متولياً عليه كما يمكن ان يكون الانعزال بعد اتمام تصفية الوقف الذري او المشترك بصدور حكم التصفية من المحكمة[59].
2- الاعتزال الكلي بحكم الارادة : بأمكان متولي الوقف ان يعتزل كلياً عن إدارة الوقف بأرادته المختارة بسبب او دون سبب ، وهو ما يعرف بعزل المتولي لنفسه او باستقالته ، واشار القانون العراقي الى موضوع استقالة متولي الوقف ضمناً[60]، ولم يبين الجهة المختصة بقبول استقالته ، الا انه جاء في قرار لمجلس الأوقاف الاعلى بقبول استقالة المتولي بعد تصفية حساباته لغاية الانفكاك من التولية[61] ، وجعل المجلس صلاحية قبول الاستقالة من اختصاصه يتفق مع القول بأن من يملك توجيه التولية للمتولي يملك قبول اعتزاله عنها .
3- العزل الكلي بحكم القضاء : وهو اهم وابرز حالات العزل الكلي لمتولي الوقف ، ويكون برفع يده كلياً عن الوقف بحكم القضاء دون ارادته عند تحقق سبب من اسباب العزل وذكرت الاسباب في نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970 المعدل على سبيل الحصر في حكم المواد (19 ـ 26) والتي يمكن ايضاحها بالشكل الاتي :
أ. اذا تصرف بوصفه مالكاً في موقوف ثابت وقفه بالبيع او الهبة او الوصية او الرهن وما شابه ذلك ، لأنه يتعارض مع ماهية الوقف في حبس العين ومنع التصرف فيها[62].
ب. اذا ادعى ملكية الموقوف وثبت في المحكمة وقفه ، لأنه فقد صفة الامانة .
ج. اذا اهمل إدارة الوقف بما يضره دون عذر مقبول ولم يباشر بتلافيه على الرغم من مرور ثلاثين يوماً على انذاره ، وبذلك يكون عزل المتولي بسبب الاهمال عند تحقق الشروط الاتية :
1- ثبوت اهمال المتولي في إدارة الوقف . وضرر الوقف ناجماً عن الاهمال .
2- لا يوجد عذر بقبول الاهمال .
3- انذار المتولي بتلافي الضرر .
4- مرور ثلاثين يوماً على انذاره ولم يباشر بتلافي الضرر فيعزل المتولي اذا لم يبادر الى تدارك الضرر الذي الحقه بالوقف نتيجة اهماله[63] .
5- اذا قام اكثر من مرة دون اذن من الجهة المختصة بعمل يحتاج الى اذن على الرغم من انذاره ، وبذلك يحتاج الى تحقق هذا السبب للعزل توافر الشروط الآتية فيه :
6- قيام المتولي بعمل من الاعمال المتعلقة بالوقف والتي تحتاج الى اذن من الجهة المختصة لأنها خارج صلاحياته كتجاوزه في الصرف على الموقوف . ولم يستحصل اذن من الجهة المختصة ، او إنذاره بعدم تكرار ذلك العمل ثم قيامه بتكرار العمل اكثر من مرة على الرغم من إنذاره .
7- اذا اجر المتولي الموقوف لنفسه او لزوجته او لاحد اقاربه الى الدرجة الرابعة ، وتجدر الاشارة الى انه يؤجر الموقوف بالمزايدة العلنية على وفق نظام المزايدات والمناقصات الخاصة بالأوقاف رقم 45 لسنة 1969 المعدل ، ولا يوجد فيه ما يمنع المذكورين من الاشتراك بالمزايدة ، ولا سيما ان المتولي ليس عضواً في لجنة المزايدات او التقدير ، وبذلك يستطيعون المشاركة بالمزايدة لايجار الموقوف وان كان تحت تولية احد اقاربهم من الدرجة الرابعة ، ولكن يعترض احالة الموقوف الى احدهم بعد رسو المزايدة عليه توقيع المتولي لعقد الايجار، وما عليه الا ان يمتنع ويحيل الامر الى القاضي ليأذن بالايجار بعد ان يتحرى تحقيق مصلحة الوقف وموافقة مجلس الأوقاف الاعلى ، علماً ان وزير الأوقاف او من يخوله يملك صلاحية عدم المصادقة على قرار لجنة المزايدات بالاحالة .
8- اذا حكم على المتولي بجناية عادية او جنحة مخلة بالشرف ، لانها تزيل عنه صفة الاهلية والامانة .
9- اذا اتى عملاً يستوجب العزل على وفق الاحكام الشرعية او نظام المتولين ، كقيامه بأعمال تزيل عنه الامانة او العدالة ، او خالف او عطل شرط الواقف ، او نظم عقد مساطحة دون موافقة او قام بهدم وبناء محلات تجارية دون استحصال الموافقات الاصولية على وفق أحكام نظام المتولين[64].
وعند توفر أي سبب من الاسباب اعلاه يعزل المتولي ، او الناظر عليه [65].
الخاتمة
بعد العرض لاحكام التولية نجد ان التشريع العراقي ما زال قاصراً عن مواكبة التحولات التي حدثت في العراق وفي مفهوم الوقف باعتباره وسيلة من وسائل تنمية الثروة القومية للبلد ومعظم الاحكام القانونية التي تنظم عمل الاوقاف صدرت منذ اكثر من نصف قرن لذلك نجد الضرورة قائمة لإيجاد تشريعات حديثة تنسجم وروح العصر وغاية المشرع الاسلامي في استحداث الوقف كما وجدنا ان الوقف شخصية معنوية خاصة مستقلة، لها خصائصها ، ويمثله شخص طبيعي المتولي بكونه نائباً قانونياً عنه وأميناً على أمواله ، ويتمتع بحماية شخص معنوي عام متمثل بدائرة الوقف المختصة بكونها متولياً عاماً عليه خولها القانون حق الرقابة عليه ومحاسبة متوليه نيابة عن القاضي .
ومن الملاحظ تعدد المحاكم في تنظيم عمل الاوقاف اذ يتأرجح بين محكمة البداءة ومحكمة الاحوال الشخصية ودواوين الاوقاف وهذا التعدد ادى الى ارباك العمل وتنظيمه مثلما نجد ان التشريع العراقي ميز بين تولية الوقف الذري والوقف الخيري ففي الاول المحكمة المختصة تتولى التعيين وفي الثاني المحكمة ترشح المتولي وبعد المصادقة من المجلس العلمي في ديوان الاوقاف تصدر حجة التولية من ذات المحكمة وهذا التباين خلق مراكز قانونية مختلفة ادت الى بعض المعوقات في عمل المتولين ويرى البعض ان سبب هذا التباين يكمن في نظرة المشرع الى ان الوقف الخيري يتعلق بالنفع العام والوقف الذري يتعلق بالنفع الخاص وارى مثلما يرى الكثير ان هذا التبرير غير صحيح لان الوقف الذري له اثار اجتماعية تتصل بالمجتمع وتكون جزء من المنظومة الاجتماعية وبالنتيجة تتعلق بالنفع العام وفي الختام ادعو الى الاهتمام بالوقف وعقد مؤتمرات علمية لإعادة النظر في القوانين التي تنظم عمله حتى نتمكن من النهوض بالأوقاف وعمارتها للمساهمة في التنمية الاجتماعية والله ولي التوفيق
القاضي
سالم روضان الموسوي
(محاماه نت)