دراسات قانونية

الخطأ الجوهري في الأحكام القضائية كأحد أسباب الطعن بالتمييز (بحث قانوني)

يمكن الطعن تمييزا في الحكم المدني لبطلان كان سببه موجودا قبل صدور الحكم المطعون فيه إلا وهو بطلان الإجراءات التي روعيت عند نظر الدعوى في مراحل الخصومة القضائية لعيب أو خطأ مؤثر في صحة الحكم (1). والآن نتكلم عن بطلان أخر لا يختلف عن سابقه سوى في أن سببه لم يكن موجودا قبل صدور الحكم المطعون فيه ، بل انه لا يمكن معرفة توفر وجوده قبل صدور الحكم والاطلاع عليه ، إلا وهو البطلان الذي يشوب الحكم لعيب أو خطأ ذاتي يتعلق بالحكم كنشاط يمارسه القضاء وفق القانون (2). ويضيف بعض الفقه(3). فرقا أخر بينه وبين خطأ الإجراءات في الأول دون الثاني من الممكن التمسك به سواء تعلق بالنظام العام أو المصلحة الخاصة ودون القول بأن الأمر يتعلق بسبب جديد ، فالشرط الوحيد الممكن التمسك به ألا يكون المحكوم عليه قد قبل الحكم أو اسقط حقه في الطعن تمييزا به0 وقد ضبطه المشرع العراقي في المادة(203م0م0ع) بمصطلح الخطأ الجوهري في الحكم، وما أصطلح عليه المشرع المصري في المادة(248/2م0م0مصري) ببطلان الحكم، والذي يعرف فقها (4). بأنه مخالفة القانون و أوضاعه في إصدار الحكم أو في تحريره 0 وبهذا الخصوص يذهب جانباٌ الفقه(5). إلى أن التمسك بهذا الخطأ أو البطلان المترتب هذا الخطأ أمام محكمة التمييز ما هو ألا إثارة لسبب جديد أو وسيلة جديده أمام هذه المحكمة وبالتالي فأن ذلك يعتبر استثناء من الأصل العام في عدم إثارة أسباب جديدة أمام محكمة التمييز 0 وقد عدد المشرع العراقي حالات وصور مهمة لبعض صور الخطأ الجوهري(المادة 203/5م0م0ع) ،وهو لا يعني حتما حصر تلك الصور ، بل مجرد أمثلة توضيحية لما يمكن أن تكون عليه (6). وأهمها ما يلي :-

1- الخطأ في فهم الوقائع :

فهم الواقع في الدعوى ،وفهم حكم القانون في هذا الواقع (7). هو الأساس الصحيح الذي يمكن القاضي من معرفة الحل القانوني للنزاع ،وهذا ما سار عليه الفقه الإسلامي (8). إذ جاء فيه “000ولا يمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم ، أحدهما فهم الواقع واستنباط حقيقة ما وقع بالقرائن والإمارات حتى يحيط بها علما 000″0 وقد استقر الإجماع في العراق ومصر وفرنسا (9). على أن عمل القاضي فيه ما يعتبر عملا قانونيا صرفا وبالتالي فأنه يدخل ضمن رقابة محكمة التمييز باعتبارها حامية القانون ، وفيه مالا يخضع لرقابة محكمة التمييز باعتباره عملا متصلا بوقائع الدعوى وموضوعها ، يتضمن مجرد التحري عن الصدق في الوقائع المدعاة ، وما يعمل فيه القاضي من منطقه وذكائه وذوقه لذا فأن سلطة القاضي في تحصيل هذا الفهم( فهم الوقائع )سلطة تامة ورأيه قطعي لا يخضع لرقابة التمييز من الناحية النظرية في الأقل ،لان من الناحية العملية وفي حال مدت محكمة التمييز رقابتها وسلطتها على قاضي الموضوع في تلك النقطة فلا يمكن لأية جهة أخرى أن تمنعها عن ذلك أو أن تلغي أو تبطل ما ينتج عن تلك الرقابة من قرار وأثار ،لذا يعيب البعض (10). اتجاه المشرع العراقي في مد سلطة الرقابة على فهم القاضي للوقائع ،ذلك الفهم الذي يعتبر من السلطات التقديرية التي يفترض فيها عدم خضوعها لرقابة التمييز حيث يرى فيه خروجا عن المألوف وسببا لزيادة الطعون من دون ضابط يقيدها 0 ويذهب بعض الفقه المصري(11). إلى إمكانية ممارسة محكمة النقض الرقابة على الأسباب الواقعية للحكم خلافا للإجماع المصري(12)، وذلك في حالة مخالفة الحكم للقاعدة الإجرائية التي تنظم طريقة تكوين تقرير محكمة الموضوع للوقائع في حكمها 0 ويمكن أن نبرر هذا الخروج غير المألوف لمشرعنا على أساس وان كانت محكمة التمييز محكمة قانون ، فأن ذلك لا يمنع من أن تكون حارسة للعدالة عندما ترفع ما يمكن أن تكتشفه من الظلم الذي يحيق بأحد الخصوم بسبب فهم القاضي للوقائع فهما خاطئاً، ومما وصل إليه الفكر القانوني في عدم وجود واقع يخرج عن القانون باعتباره واقعا بحتا، بل وحتى وان وجد فهو يخرج عن إطار النظر القانوني ، لذا ومن منطلق الواقعية فرض مشرعنا هذا التدخل(13). وعلى هذا الأساس ذهبت محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها وفي بداية تأسيسها ؛ بما يؤيد اتجاه المشرع العراقي إذ جاء فيه ما نصه ” أن الحكم الخاطئ في فهم الواقع أو الحكم الذي به خطأ في فهم واقعة معينة ، إذا كان مؤثرا في الحكم تأثيرا خطيرا فأنه يدخل ضمن مخالفة القانون إذا سرى فساده إلى نتيجة الحكم (14). وحتى نضرب مثلا على ما جاء في القانون العراقي نقرب فيه الأمور نقول ؛الأصل أن رقابة التمييز على فهم قاضي الموضوع للوقائع لا تنصب على بحث الأدلة أو كيفية ترجيحها ، ويعود ذلك إلى أن الدليل واقعة من وقائع الدعوى ، طرحه أو عدم طرحه يخضع لسيادة الخصوم ، والأخذ به يكون داخلا في أطلا قات القاضي (15). وتبدأ الرقابة ، منذ أعمال القانون على تلك الأدلة لاستخلاص النتائج التي يترتب على آثرها الحكم ، وبموجب هذه المادة “203/5فهم الواقع ” تخضع صلاحية القاضي في اخذ الدليل أو تركه أو ترجيحه لرقابة محكمة التمييز ، فعلى القاضي أن يسبب ويوضح في حكمه أسباب طرحه الأدلة أو الأخذ بها ، أو ترجيح الدليل على غيره ، بل أن لمحكمة التمييز أن تحدد للقاضي ما يجب الأخذ به من تلك الأدلة وما يجب عليه أن يتركه وذلك وفق صلاحيتها(16). هذا إضافة لما على القاضي عمله في فحص الوقائع ، والبحث في ماديتها وتقرير الصحيح منها واستبعاد ما يثبت عدم صحته 0 فإذا اخطأ القاضي في فهم الوقائع كان يثبت لاحقاً أن مصدر الواقعة كان وهميا لاوجود له في الحقيقة أو كان موجودا ولكن لا يصح إثباته ،أو كان موجودا ولكنه متناقض ، أو غير متناقض ولكن يستحيل عقلا استخلاص الوقائع منه أو الاستدلال على ما يدعيه القاضي في حكمه ، فانه في مثل هذا يكون القاضي قد اخطأ في فهم الواقع الذي يكون تحت بند الاجتهاد القانوني الخاضع لرقابة التمييز وموجباً للنقض وهو ما ذهبت إليه محكمة التمييز في أحكامها (17). بل أن محكمة الطعن التمييزي تمد رقابتها حتى على تكييف القاضي لوقائع النزاع (18). أما الفقه (19). والقضاء (20). المصري ، فقد ترك الحرية لقاضي الموضوع في بسط سلطته التقديرية على وقائع النزاع عند بحثه الدلائل والمستندات المقدمة له تقديما صحيحا ،وفي الموازنة بين بعضها البعض الأخر وترجيح ما تطمئن إليه كأصل عام 0

2- ويعتبر من الأخطاء الجوهرية أيضا ؛

إغفال الفصل في جهة من جهات الدعوى(21). والمقصود هنا هو السهو أو الذهول الذي يقع فيه القاضي فيفوته أن يحكم في أحد طلبات المدعي التي طلبها بعريضة دعواه ، أو ما يلزم القانون القاضي بالحكم فيه ؛مثل فوائد الدين التجاري في بعض أنواع الديون وذلك بعد الحكم في اصل الدين (22). أما عن المشرع المصري فقد خالف قرينه العراقي في تكييف حل هذا الوضع بأن نص في المادة 193م0م0مصري “يجوز لصاحب الشان أن يعود مرة أخرى إلى نفس المحكمة التي أصدرت الحكم ، أياً كانت هذه المحكمة سواء من الدرجةِ الأولى أو الثانية، لكي تنظر مرة أخرى ما أغفلت الفصل فيه ” (23). ونحن نؤيد ما جاء به الفقه المصري (24). لتعليل عدم جواز الطعن بالنقض في مثل هذه الحالة ،فالواقع يقول أن إغفال المحكمة الفصل في أحد هذه الطلبات المقدمة إليها لا يجعلها مستنفذةً ولايتها في الفصل في هذه الطلب مرة أخرى إذا ما عرض عليها ، ونخالف هذا الاتجاه في أن منع الطعن بالاستئناف أو التمييز في ذلك الحكم أمام محكمة الاستئناف أو التمييز ورغم أساسه الصحيح في انه يستند إلى عدم وجود حكم صادر من المحكمة في الطلب الذي أغفلت الفصل هنا تعمدا ، كما لو أشار المدعي وطلب به منذ بداية الجلسات إلى نهاية المرافعة ولم يفصل فيه القاضي0 إذ يمكن لنا اعتباره مخالفا للقانون ، لان من واجب المحكمة إجابة كافة الطلبات المقدمة لإنهاء النزاع لا جعله معلقا أو متناثرا في دعاوى متعددة ، ويكون بالإمكان أن تنقض محكمة التمييز الحكم من جهة عدم الفصل في النزاع وتصديق باقي فقرات الحكم أن كانت صحيحة ، وتعيد الحكم إلى محكمته للسير فيها وفق هذا المنوال لتتدارك الخطأ الذي وقعت فيه ، وفي الأقل يخرجنا الحل العراقي من تحريم سبق إعادة النظر في النزاع ، والذي يمنع محكمة الدرجة الأولى من إعادة فتح القضية من جديد بناءً على هذا التحريم (المادة 160م0م0ع )؛وعدم تحميل المدعي رسوم ومصاريف دعوى جديدة والطعن هنا أيضا لا يؤثر على إمكانية رفع دعوى جديدة بما لم يتم الفصل فيه من الطلبات أن فوت المحكوم عليه طريق الطعن أو لم يتدارك ذلك النقص في طعنه إذا كان قد طعن في الحكم ، ونشترط لذلك أن يتضمن الطلب دعوى موضوعية ، أي ادعاءً كاملاً ، وان يكون الإغفال كليا وقد سارت محكمة التمييز العراقية على منع سماع الدعوى الجديدة ، إذ جاء في أحد قراراتها “ليس للمدعي الذي لم يميز الحكم الذي اغفل الفصل في جزء من المدعى به أن يقيم دعوى جديدة تتضمن طلب الفصل فيما فات الفصل فيه مادام الحكم قد حاز درجة البتات (25). ولا يتحقق الإغفال هنا إذا قضت المحكمة في الطلب ولو قضاءً ضمنيا (26). أو بينت المحكمة لماذا لم تقضي في هذا الطلب أو تركت الإجابة عنه ، وكذلك عدم الفصل في الدفوع المقدمة أو وسائلها لا يعني عدم الفصل الموجب للنقض ، بل يدخل تحت فقرة الحكم غير جامع لشروطه القانونية الموجبة للنقض (27).

3- الفصل في شي لم يدع به الخصوم أو القضاء بأكثر مما يطلبون :-

وتتوفر هذه الصورة عندما يقضي القاضي بأكثر مما طلبه المدعي في عريضة دعواه أو في عريضة استئنافه أو القضاء بما لم يطلبه أو يثيره في تلك العريضة ، كما لو طلب المدعي الحكم له بالدين وقدره خمسمائة دينار ؛ فحكم القاضي له بألف دينار ،أو انه طلب التعويض عن الأضرار ولم يطلب بالفوائد ، ولكن لو فوض المدعي الأمر للمحكمة للحكم له بالتعويض ؛ فان هذا التفويض يعني طلبه منها بأن تقضي بما تراه مناسبا مع اقتناعها ومتفقا مع القانون (28). وعلة ذلك أن القضاء المدني مقيدٌ بالحكم بما طلبه الخصم في عريضة دعواه نوعاً ومقداراً لذا فالحكم بأكثر من طلبه أو بغير طلب يكون مبررا لقبول الطعن في الحكم باعتبار أن القاضي قد اخطأ في الحكم خطأً جوهرياً (29). وعلى هذا استقر القضاء العراقي (30). أما الفقه والقضاء المصري فالأمر في خلاف ،فجانب من الفقه (31). يرى أن الحكم في مثل هذه الحالة يعتبر مفتقدا لمفترض ضروري لإصداره إلا وهو الطلب القضائي ، بمعنى أن القاضي قد حكم في نزاع لم يطرحه الخصوم بصورة طلب قضائي ، لهذا فانه يقع ضمن حالة بطلان الحكم وفق المادة(248/2م0م0مصري) ، وبالتالي يجوز الطعن فيه بالنقض مع توفر الشروط الأخرى 0 أما الجانب الأخر من الفقه (32). يرى أن الحكم في هذه الحالة يعتبر كعمل أجرائي باطل ، وبما انه حكم انتهائي فأن الطعن فيه يكون بأعمال المادة (221م0م0مصري) أي بالاستئناف استثناء لوقوع بطلان في الحكم (33). أو بالتماس إعادة النظر 0أما القضاء المصري (34). فقد انقسم إزاء حالتين ؛الأولى انه إذا كان القاضي قد قضى بغير طلب ، أو بأكثر مما طلبه الخصوم عن أدراك وتعمد ، وقد ذكر في حكمه الذي بنى عليه قضاءه ، فالأولى رفع الشكوى لمحكمة النقض لا لمحكمة التماس إعادة النظر0 أما الحالة الثانية ، وهي حالة أن القاضي قد قضى عن سهوا أو عن عدم أدراك بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر من الذي طلبوه لعدم توفر العلم لديه أو لإغفاله الطلب القضائي ، فان الطعن في حكمه يكون بالتماس إعادة النظر ليتمكن القاضي من إصلاح وتدارك ذلك، وقد جاء في أحد أحكام النقض ما نصه ” قضاء الحكم بأكثر مما طلبه الخصوم عن سهو منه إذا لم تشر المحكمة لشيء إليه في أسباب حكمها فأن الطعن يكون عليه بالتماس إعادة النظر ، وليس سبيل الطعن بالنقض (35). وبتقديرنا المتواضع نرى أن ما وصل إليه القضاء المصري من رأي جدير بالاحترام ، إذ يمكن لنا أن نؤكد هذا الرأي ونبرره من الناحية النظرية في الأقل ، إذ أن من المقرر في الفقه الإجرائي المصري (36). أن سلوك سبيل الالتماس إنما يرجى به تمكين القاضي الذي حكم من استدراك ما وقع فيه عن سهوٍ أو غلط بفسخ الحكم عن الملتمس وأعادته لمركزه الأصلي وتمكينه من مواجهة النزاع من جديد رجاء الحصول على حكم أخر ، والحقيقة أن سلوك سبيل الالتماس بالحالة الأولى لا يحتمل معه رجوع القاضي عن رأيه الذي أرتاه عن علم وبينة لذا يمكن الطعن بالحكم أمام محكمة النقض على أساس مخالفة القانون بانعدام الطلب القضائي

4- الحكم على خلافً لما هو ثابت في محضر الدعوى أو على خلاف دلالة الأوراق والسندات المقدمة من الخصوم :-

تعتبر محاضر الدعوى وما ثبت فيها من وقائع وأقوال وما قدمه الخصوم من وثائق لم يطعن بها بشائبة التزوير من السندات الرسمية ، وتعتبر أيضا حجة على الناس كافة لا يجوز استنتاج وقائع على ما خلاف ما جاء فيها (37). وعلى هذا فمحكمة التمييز تدقق ما أثبته الحكم من وقائع ، حتى ولو كان القاضي يمتلك السلطة في تقديرها وفهمها ، إذ أن لها أن تتلمس في أوراق المرافعة المقدمة إليها قيام هذه الوقائع أو سير الإجراءات على خلاف ما أثبته الحكم لتؤسس على ما يتبين لها من ذلك حقيقة الواقع فيما أثبته الحكم ، فإذا اثبت الحكم أن المدعي عليه قد اعترف بالدين في محضر الجلسة ، ولدى الرجوع لهذا المحضر وجد أن المدعي عليه قد أنكر الدين فأن هذا الحكم يتعين نقضه لذكره وقائع غير صحيحة (38). وهو اتجاه القضاء المصري إذ قالت محكمة النقض المصرية ما نصه(00فأن الحكم المطعون فيه يكون قد أقيم على مالا سند له من الأوراق ولم يلق بالا إلى حقيقة ما أثبته الخبير الذي اعتد به الحكم المستأنف)(39).

5-الخطأ في شكلية الحكم بسبب عدم اكتمال بنائه الداخلي :

أو حسب تعبير المشرع العراقي وفق المادة 203/5والتي تنص على “000أو كان الحكم غير جامعٍ لشروطه القانونية ” وهي من الحالات التي أضافها القضاء الفرنسي لحالات الطعن مطلقاً عليها “عدم قيام الحكم على أساس قانوني كأحد أسباب الطعن بالتمييز (40). وهي حالةٌ متميزة سنتناولها بشيء من التفصيل ، حيث يفترض فيها أن أسباب الحكم لا تسمح لمحكمة التمييز بمعرفة ماذا كان الحكم مؤسساً من الناحية القانونية أم غير مؤسس ، وتأسيس الحكم يعني أن يذكر في ورقة الحكم الأسباب الواقعية والقانونية التي تكفي لتوليد القناعة لدى محكمة التمييز بأن الحكم صحيح (41). فإذا حصل وذكرت أسباباً في الحكم ، وأصاب الأسباب الواقعية منها نقص أو قصور بكونه تتضمن عرض ناقص لوقائع النزاع بحيث يؤدي ذلك إلى استحالة معرفة ما إذا كان القانون قد طبق تطبيقا صحيحا أم لا، أو صدور الحكم خالياً من ذكر أي مادة قانونية يستند إليها القاضي في تبرير حكمه وسواء من حيث نتيجة الحكم أو إثبات وقائعه ، فأننا عندئذ نكون أمام حالة متميزة مضمونها عدم قيام الحكم على أساس قانوني وهي موجبة للنقض من قبل محكمة التمييز والمثال على ذلك ما إذا قرر الحكم قيام خطأ ، أو قيام مسؤولية أحد الأشخاص دون أن يحدد الوقائع التي تتولد عنها هذه المسؤولية0وقد كان هدف القضاء من السماح بالطعن في الأحكام على أساس هذه الحالة ، هو إلا يترك أحكاماً مشوبة بهذا العيب تفلت من رقابة التمييز ، والقول بعكس ذلك سوف يؤدي إلى السماح لقضاة الموضوع بإعطاء أحكامهم أية أسباب عامة ، غامضة ، غير كافية ، وكل ذلك يؤدي إلى عرقلة رقابة التمييز على أعمال القانون لذا فقد جرى العمل في فرنسا على اعتبار هذه الحالة سببا من أسباب الطعن التمييزي حتى في حالة عدم وجود النص الذي يسمح ببناء الطعن عليه (42). ويرى الفقه الفرنسي (43). انه من الواجب التمييز بين هذه الحالة وحالة تخلف أو انعدام أسباب الحكم ، فالواقع انه لا نزاع في أن الحكم الخالي من الأسباب يكون باطلاً ، نظراً لوجود هذا العيب الشكلي ، أما نقص الأساس القانوني يعود إلى أن الحكم تلحق به أسبابه ولكنها أسباب غير كافية لحمل منطو قه ، ولأتسمح لمحكمة التمييز بأجراء القياس المنطقي والقانوني عليها وذلك لقصور الأسباب عن أيراد العناصر اللازمة لتبرير ما طبقه الحكم من قواعد قانونيه ، فهو عيب في صميم الحكم وليس في شكل ذلك الحكم0 على أن الذي نؤيده هو ما ساد من رأي في الفقه الإيطالي والبلجيكي في أن عدم كفاية الأسباب لا يعدو أن يكون امتداداً للانعدام الكامل للأسباب فيأخذ طبيعته من حيث كونه عيبا شكليا في الحكم (44). وقد أورد الفقه الفرنسي (45). صورا مختلفة لهذه الحالة من حالات الطعن ، منها الحالة التي يقوم فيها القاضي بإدماج حاصل فهم الواقع في الدعوى بحاصل فهم القانون في هذا الواقع ، مثل إطلاق صفة التاجر بشخص معين دون بيان الأساس الذي تولدت عنه هذه الصفة 0 ومنها أيضا حالة غموض ، أو إبهام ، أو عمومية أسباب الحكم مثل إلزام أحد أطراف الدعوى بالتعويض عن الإجراءات الكيدية ، دون بيان الأساس الذي تولدت منه هذه الكيدية 0 أو حالة عدم بيان الواقعة محل النزاع بيانا كافيا ، أو عدم الرد على الطلبات والدفوع الموضوعية الهامة 0 وتجدر بنا الإشارة إلى أن ما يلاحظ مما سبق أن عدم تأسيس الحكم يكون عندما نواجه قصورا ونقصا في الأسباب الواقعية Les Motifs de fait عن أيراد وقائع الدعوى ، وظروفها ،وملابساتها وادعاءات الخصوم وطلباتهم ، إذ لا يمكن لمحكمة التمييز معالجة هذه الحالات لأنها من اختصاص قاضي الموضوع ، أما قصور الأسباب القانونية فالأمر يختلف ، إذ يمكن لمحكمة التمييز معالجتها إذ كانت الأسباب الواقعية كافية لتلك المعالجة ، والمصادقة فقط على نتيجة الحكم إذا كانت صحيحة ، أو الفصل في الدعوى إذا كانت النتيجة خاطئة ، بان كانت تلك الأسباب القانونية قد أثرت في صحة النتيجة ، لذا فأننا نؤيد المشرع العراقي في فصله بين الأسباب الواقعية والأسباب القانونية للحكم ،ونتقد الفقه، والمشرع ،والقضاء الفرنسي ،والمشرع ،والقضاء المصري في عدم التمييز بين الحالتين(46).

 

(محاماه نت)

إغلاق