دراسات قانونية

الوقف المقرر للخصومة بحكم القانون (بحث قانوني)

الوقف القانوني هو الذي يتقرر بحكم القانون ولوجود حالات نص القانون على ان تحقق أي منها يؤدي بالخصومة الى الوقف والى حين زوالها وانقضائها. ولم يتضمن القانون العراقي احكاماً خاصة بهذا النوع من الوقف تتولى تنظيمه وتحديد آثاره. وأن كان هذا الوقف يستوجبه حكم القانون عند تحقق مسائل تتفرع عن النزاع الاصلي يقضي حسمها والبت في موضوعها وقف السير في الدعوى الاصلية. اذاً فالوقف القانوني توجده الضرورة العملية ويستوجبه حكم القانون، وكما يذهب البعض الى اعتبار ان الوقف القانوني للخصومة هو وقف لضرورة منطقية. فالدعوى ترفع بطلب او طلبات محددة وقد يتوقف الفصل فيها لا على تحقيق وقائعها أو تحديد حكم القانون بالنسبة لها فحسب، ولكن قبل ذلك على الحكم بثبوت الحق او ادعاء معين صادر من احد الخصوم فيها. ومنها اذا طلب أحد أطراف الدعوى رد القاضي في المحكمة، التي تنظر في موضوع النزاع عن الحكم فيها بسبب عدم صلاحية حتمية او تقديرية(1).

ونصت م (91) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ على حالات تنحي القاضي ومنها حالات وجوبية الزم المشرع فيها القاضي التنحي عن نظر الدعوى وأن يمتنع عن ذلك وجوباً وهي حالات ما أذا كان زوجاً او صهراً أو قريباً لاحد اطراف الدعوى الى الدرجة الرابعة، واذا كان له او لزوجه أو لاحد اولاده أو أحد أبويه خصومة قائمة مع أحد اطراف الدعوى أو مع زوجه أو احد اولاده أو احد أبويه واذا كان القاضي وكيلا لاحد الخصوم أو وصياً عليه او قيماً أو وارثاً ظاهراً له أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بوكيل أحد الخصوم او الوصي عليه أو القيم عليه أو بأحد اعضاء مجلس ادارة الشركة التي هي طرف في الدعوى او احد مديريها واذا كان له او لزوجه او لا صوله او لا زواجهم او لفروعه او ازواجهم او لمن يكون هو وكيلاً عنه او وصياً أو قيماً عليه مصلحة قائمة في الدعوى وأخيراً اذا كان قد أفتى أو ترافع فيهاعن احد الطرفين او سبق له ان نظرها قاض او خبير او محكم او كان قد أدلى بشهادة في موضوعها. وتنحي القاضي في هذه الحالات عن نظر الدعوى يكون وجوبياً لمنع الشطط والهوى فهو حماية له وأيضاً حماية لا طراف الدعوى من ان يندفع القاضي الى الحكم فيها منساقاً وراء رابطة القرابة والمصاهرة او بدافع الكرة والضغينة لاحد الاطراف او لوجود المصلحة التي تنساق به بعيداً عن الحياد وتوقعه في المحاباة على حساب الحق والعدالة. وايضاً نصت م (92) على حالات التنحي الجوازي فيما اذا استشعر الحرج من نظر الدعوى ان يعرض أمر تنحية على رئيس المحكمة للنظر فيه وموافقته على طلب التنحي. وفي حالات التنحي الوجوبي يكون للقاضي ان يطلب تنحيه عن نظر الدعوى والفصل في موضوعها وبخلافه يكون للخصم صاحب المصلحة ان يطلب رد القاضي اذا ما تحقق سبب من الاسباب الآنفة الذكر. ولكن هناك حالات نص عليها القانون وفق احكام المادة (93) جعل فيها تنحي القاضي عن نظر الدعوى منوطاً برغبة ومصلحة أحد اطراف النزاع وذلك في حالة ما اذا كان أحد الطرفين مستخدماً عنده او كان قد أعتاد مؤاكلة احد الطرفين او مساكنته او كان قد تلقى منه هدية قبل اقامـة الدعـوى او بعدهـا ف (1). أو كان بينه وبين أحد الطرفين عداوة او صداقة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل ف (2). او كان قد ابدى راياً قبل الاوان ف (3).

وايضاً نصت المادة (286) من قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة 1969 على ان للخصم ان يشكو القاضي او هيئة المحكمة او احد قضاتها في الاحوال التالية. اذا وقع من المشكو منه غش أو تدليس او خطأ مهني جسيم واذا قبل المشكو منه منفعة مادية لمحاباة احد الخصوم واخيراً اذا امتنع عن احقاق الحق. والمادة (289) منعت القاضي الذي قدمت الشكوى ضده من نظر الدعوى الخاصة بالمشتكين او اية دعوى تتعلق به او باقاربه او اصهاره حتى الدرجة الرابعة والى حين البت في الشكوى، واذا قدم المشتكون شكوى ثانية ضد القاضي فيما اذا تم رد الشكوى الاولى فأن القاضي المشكو منه في هذه الحالة لا يتوقف عن نظر الدعوى وانما يستمر في اجراءات السير فيها وهذا ما بينته المادة (289) في الجزء الاخير منها بقولها ((ولا يمنعه من الاستمرار في نظرها تقديم المشتكي شكوى اخرى ضده ما لم يصدر قرار من المحكمة المختصة لصحة هذه الشكوى)). في جميع حالات التنحي الوجوبي والجوازي وطلب رد القضاة والتشكي منهم تقف الدعوى وقفاً قانونياً الى حين النظر في هذه الطلبات والفصل فيها بالرد او بالإيجاب مع ان القانون العراقي لم ينص على الوقف ولكن الضرورات العملية والمنطقية التي تقتضي ارسال اضباره الدعوى مع هذه الطلبات الى الجهة القضائية المختصة بالنظر في موضوعها هي التي تستوجب هذا الوقف وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (289) في حالة تقديم الشكوى ضد القاضي الاول مرة اما في الشكوى الثانية فيستمر بالنظر في الدعوى الى حين التثبيت من صحتها. وقضت محكمة التمييز بانه لدى التدقيق والمداولة وجد ان المدعى عليه كان قد قدم طلباً الى محكمة الاستئناف في البصرة مؤرخاً في 23/11/2002 طلب فيها تنحي رئيس الهيئة الاستئنافية في البصرة والعضو الايمن والعضو الايسر عن نظر الدعوى وحيث ورد بكتاب محكمة استئناف البصرة بأن رئيس الهيئة والعضو الايمن قد تم احالتهما الى التقاعد وان المدعى عليه قدم الطلب المؤرخ في 8/8/2004 بصرف النظر عن طلب تنحي العضو الايسر الذي لم يبدِ رأياً في الدعوى عليه وحيث انه لم يعد هناك مبرر لطلب التنحي قرر رد الطلب واعادة الدعوى الى محكمة الاستئناف في البصرة لربطها بحكم قانوني وصدر القرار بالاتفاق(2). واذا ما أستمر القاضي بنظر الدعوى في حالات التنحي الوجوبي فيكون قضاؤه باطلاً ويجب نقضه وتبطل الاجراءات التي تمت في الدعوى من قبله وايضاً في حالات التنحي الجوازي لا يحق للقاضي نظر الدعوى اذا تحققت هذه الاسباب واذا قدم القاضي طلب تنحية وتمت اجابته الى هذا الطلب فيتم احالة الدعوى الى قاضي آخر او نقلها الى محكمة اخرى(3). ونصت المادة (162) من قانون المرافعات المدنية المصري رقم 13 لسنة 1969 على انه “يترتب على تقديم طلب الرد للقاضي وقف الخصومة حتى يفصل فيه نهائياً“.

ونصت م (191) من قانون المرافعات الكويتي على انه “يترتب على تقديم طلب الرد وقف الدعوى الاصلية وتظل الدعوى موقوفة الى ان يفصل في طلب الرد ويصبح الحكم الصادر فيه نهائياً بفوات ميعاد الاستئناف او بالفصل في الاستئناف اذا رفع“. والاصل في الوقف بسبب تقديم طلب رد القاضي ان تظل الدعوى موقوفة حتى يفصل في الطلب نهائياً وانما يرد على هذه القاعدة تحفظ مقتضاه انه يجوز بناء على طلب الخصم الاخر غير طالب الرد في حالة الاستعجال ندب قاضٍ آخر بدلاً ممن طلب رده حتى لا يتحايل الخصم الآخر لتأخير الفصل في الدعوى اضراراً بخصمه عن طريق تقديم طلب برد أحد القضاة وفي هذه الحالة يزول الوقف قبل الفصل في طلب الرد نهائياً(4). على أننا نرى مثل هذا التحفظ يرد فيما يتعلق بالمسائل التي لها صفة الاستعجال لما في مثل هذا الطلب من خصوصية المساس المباشر بعدالة ونزاهة وحياد القاضي المختص بنظر الدعوى وكونه احق من غيره من القضاة في نظر الدعوى والفصل في موضوعها ولا سيما عند حسم طلب الرد والتنحي او الشكوى لصالحه. ونصت المادة (122) من قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني على انه “يترتب على تقديم طلب رد القاضي وقف الخصومة حتى يفصل في دعوى الرد“(5). ونرى ان لا يوجد ما يمنع قانوناً من الاخذ بهذه الاحكام في القضاء العراقي رغم ان القانون العراقي لا يتضمن نصاً مشابهاً للنصوص التي تضمنتها القوانين المقارنة يقضي بوقف الدعوى الى حين البت في طلب رد القضاة والتنحي، لان كل ذلك يدخل في السلطة التقديرية للقاضي. ومن الحالات التي يكثر وقوعها في التطبيق العملي ويترتب عليها وقف الدعوى وقفاً قانونياً هي حالة تنازع الاختصاص والقانون العراقي نص على انواع الاختصاص الثلاثة للمحاكم وهي الاختصاص الوظيفي والنوعي (القيمي) والمكاني في احكام المواد من (29) الى (44).

والاختصاص الوظيفي (الولائي) يقصد به ولاية المحاكم في حسم المنازعات القضائية، ونصت المادة الثالثة من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 على أنه “تسري ولاية القضاء على جميع الاشخاص الطبيعية والمعنوية العامة والخاصة الاّ ما أستثني منها بنص خاص“. ونصت المادة (29) من قانون المرافعات المدنية على انه “تسري ولاية المحاكم المدنية على جميع الاشخاص الطبيعية والمعنوية بما في ذلك الحكومة وتختص بالفصل في كافة المنازعات الا ما أستثني بنص خاص“. والقواعد التي تحكم الاختصاص الوظيفي هي قواعد الاختصاص التي تحدد المنازعات التي تدخل في اختصاص جهة القضاء العادي وتلك التي لا تختص بها محاكم هذا القضاء والاختصاص النوعي (القيمي) هو أختصاص كل محكمة من المحاكم بحسب درجتها بنظر نوع معين من المنازعات او بالنظر الى قيمة هذه المنازعات ومنها اختصاص المحاكم البدائية والمحاكم الشرعية محاكم الاستئناف والتمييز(6). وهذان النوعان من الاختصاص من النظام العام فلا يجوز الاتفاق على خلافهما كما انه يكون لمحكمة الموضوع اثارتهما من تلقاء نفسها دون الدفع بعدم الاختصاص من قبل الخصم صاحب المصلحة بخلاف الاختصاص المكاني الذي لا يتعلق بالنظام العام ويجوز اتفاق الاطراف على خلافه وليس للمحكمة اثارته من تلقاء نفسها وهو من الدفوع الشكلية الذي يسقط بالتكلم في موضوع الدعوى اما الدفع بعدم الصلاحية لمحكمة الموضوع من حيث الاختصاص الولائي او النوعي فيجوز ابداؤه في اية حالة تكون عليها الدعوى ولو بعد التعرض لموضوع الدعوى ونصت المادة (77) مرافعات عراقي على أن “الدفع بعدم اختصاص المحكمة بسبب عدم ولايتها او بسبب نوع الدعوى (أو قيمتها) تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها، ويجوز ابداؤه في اية حالة تكون عليها الدعوى“. ونصت المادة (78) منه على انه “اذا قضت المحكمة بعدم اختصاصها القيمي او الوظيفي او النوعي او المكاني وجب عليها ان تحيل الدعوى الى المحكمة المختصة مع الاحتفاظ بما دفع من رسوم قضائية“.

والتنازع على الاختصاص اما ان يكون ايجابياً وذلك عند تنازع هيئتين قضائيتين على نظر الدعوى وتدعي كل هيئة انها مختصة بنظر هذه المنازعة، واما ان يكون تنازعاً سلبياً ففي هذه الحالة تكون الجهات القضائية التي عرض عليها النزاع امتنعت عن الفصل فيه وقضت بعدم اختصاصها وفي هذه الحالة لا تثور مسالة الوقف القانوني للخصومة، حيث انها تقف من تلقاء نفسها بما يترتب على امتناع الهيئات القضائية عن نظر الدعوى والفصل فيها، ايضاً يعتبر من قبيل تنازع الاختصاص صدور حكمين من جهتي قضاء، فأن دعوى الفصل في التنازع على الاختصاص ترفع بشأن تعيين الحكم الذي ينفذ. ايضاً في حالة صدور حكم من احدى الهيئات القضائية في الدعوى المنظورة امامها، وكانت الدعوى في ذات النزاع تنظر من قبل جهة قضائية ففي هذا النوع من تنازع الاختصاص يكون لرئيس المحكمة العليا ان يصدر القرار بوقف تنفيذ الحكم الصادر، وأما القضية الاخرى فأنها تقف بمجرد تقديم طلب تعيين المحكمة المختصة(7)، وعند تنازع الاختصاص يتم تقديم طلب الى الجهة ذات الاختصاص بالبت والفصل في تعيين المرجع وهذه المحكمة هي محكمة التمييز في العراق ومحكمة النقض في مصر. وقانون السلطة القضائية المصري رقم 46 لسنة 1972 نص في المادة رقم (18) منه صراحة على وقف الدعوى عند حصول تنازع حول الاختصاص ونصت على انه “يترتب على رفع الطلب الى المحكمة المشار اليها (محكمة النقض) وقف السير في الدعوى المقدم بشأنها طلب تعيين المحكمة المختصة“. والمادة (110) من قانون المرافعات المصري نص اشارت الى ان تلتزم المحكمة المحالة اليها الدعوى بنظرها على كل حال وبقولها وعلى المحكمة اذا قضت بعدم اختصاصها ان تأمر باحالة الدعوى بحالتها الى المحكمة المختصة، ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية … وتلتزم المحكمة المحال اليها الدعوى بنظرها“.

لم يتضمن القانون العراقي في احكامه نصاً مماثلاً يوجب على المحكمة التي احيلت اليها الدعوى نظرها والفصل فيها وكذلك لم يتضمن نصاً يقضي بوقف السير في الدعوى عند حصول تنازع حول الاختصاص يستوجب البت فيه من قبل محكمة التمييز. ولكن المحكمة في هذه الحالة تتوقف عن السير في الدعوى الى حين اصدار محكمة التمييز قرارها حول تعيين المحكمة المختصة بنظر الدعوى. وان ما استحدثه القانون المصري من وجوب نظر الدعوى من قبل المحكمة التي احيلت اليها ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية، فيه غرابة والزام جهة قضائية بوجهة نظر جهة قضائية اخرى في مسألة الاختصاص، لمجرد السبق في الحكم بعدم الاختصاص، ثم ان جواز الطعن في الحكم الصادر بعدم الاختصاص والاحالة او الطعن فيه وفعلاً يجعل وجوب استمرار محكمة الاحالة في نظر الدعوى ممارسة لمضاربة مجهولة العاقبة، ربما كان الاولى بهذه المحكمة ان توقف السير فيها الى ان يفصل نهائياً في مسألة الاختصاص(8).وان قرار محكمة الموضوع بعدم اختصاصها المكاني او النوعي (القيمي) او حتى الولائي (الوظيفي) لا يؤدي في القانون العراقي الى وقف السير في الدعوى وانما يترتب عليه تأجيل الدعوى الى حين احالتها الى محكمة الاختصاص ولا تلتزم المحكمة المحالة عليها الدعوى بالنظر في موضوعها اذا ما قررت رفض الاحالة وكونها غير مختصة بنظر النزاع، فيحصل هنا تنازع الاختصاص ويتم احالة الدعوى الى محكمة التمييز كما أسلفنا ويكون قرار المحكمة المحالة إليهـا الدعوى برفض الاحالة قابلاً للطعن فيه بطريق التمييز ونصت على ذلك المادة (79) بقولها “اذا رأت المحكمة المحالة عليها الدعوى انها لا تختص بنظرها فيكون قرارها قابلاً للطعن تمييزاً“، ونصت م (31/3) من قانون المحكمة الدستورية العليا المصري رقم 48 لسنة 1979 على انه “يترتب على تقديم طلب تعيين الجهة المختصة في حالة التنازع الايجابي في الولاية وقف الدعاوى القائمة المتعلقة به “.

والخصومة في هذه الاحوال تقف بقوة القانون دون حاجة الى صدور حكم من المحكمة، فأذا حكمت بالوقف في هذه الحالة فأن حكمها يكون مقرراً (كاشفا) لحالة الوقف التي تعتبر قائمة منذ تحقق سببها وان الحكم بعدم الاختصاص والاحالة لا يلزم الخصوم ولا يؤدي الى الاخلال بحقهم في الطعن فيه، فاذا قضت المحكمة بعدم اختصاصها وقررت احالة الدعوى الى المحكمة التي تراها مختصة للنظر فيها، فانه يجوز لاطراف الخصومة ومن يتضرر منهم من قرار الاحالة ان يطعن في هذا القرار على ان التعرض لموضوع النزاع لا يترتب عليه حرمانه من الطعن ولا يعتبر رضاءً منه بالاحالة، وهذه الحالة تتجلى في تطبيقات القضاء العراقي فيما اذا قررت محكمة الموضوع احالة الدعوى الى محكمة اخرى بسبب عدم الاختصاص والمحكمة التي احيلت اليها الدعوى قبلت هذه الاحالة واستأنفت السير في الدعوى والنظر في موضوعها ففي هذه الحالة لا يجوز الطعن بقرار عدم الاختصاص والاحالة على وجه الاستقلال، ويكون الطعن فيه عند الطعن في قرار الحكم الذي يصدر في موضوع الدعوى وان تعرض الطرف الذي يتضرر من الاحالة لاصل الحق وابدائه دفوعه الموضوعية امام المحكمة التي احيلت اليها الدعوى لا يؤدي الى حرمانه من حق الطعن في قرار عدم الاختصاص والاحالة. اما اذا رفضت المحكمة التي احيلت اليها الدعوى هذه الاحالة وقررت عدم النظر في الدعوى فأن قرارها هذا يكون قابلاً للطعن. وقضت محكمة التمييز بأنه لدى التدقيق والمداولة وجد ان محكمة بداءة المعقل وفي الدعوى المرقمة 155/ب/2004 قررت في الجلسة المؤرخة في 16/3/2004 احالة الدعوى الى محكمة بداءة صفوان للنظر فيها حسب الاختصاص المكاني وتعيين يوم 30/3/2004 موعداً للمرافعة وان المميز (المدعي) طعن في هذا القرار تمييزاً وحيث ان القـرار المذكور لا يقبل الطعن فيه تمييزاً حيث ان المادة (79) من قانون المرافعات المدنية بينت ان المحكمة المحالة إليها الدعوى اذا كانت ترى انها غير مختصة بنظر الدعوى فيكون قرارها قابلاً للطعن تمييزاً وعليه قررت المحكمة رد العريضة التمييزية شكلاً وصدر القرار بالاتفاق“(9).

وفي قانون المرافعات الجزائري في حالة تنازع الاختصاص يتخذ الوقف صورة خاصة فنجد تقديم طلب الفصل في التنازع يسوغ للجهة القضائية المقدم اليها الطلب (والى حين ابداء النيابة العامة رأيها) الامر بوقف جميع الاجراءات القائمة أمام الجهات القضائية المتنازعة في الاختصاص المادة (210) اجراءات مدنية فيما عدا الاجراءات التحفظية وحدها، وان كل اجراء يتم خلاف قرار الايقاف يكون مشوباً بالبطلان، وهذا أثر قرار الوقف الذي يكون هنا جوازي لجهة التنازع ويصدر عنها لا عن الوحدة القضائية المعروض امامها النزاع، والصورة الثانية لتنازع الاختصاص عندما يصدر المجلس الاعلى (حال نظره في طلب التنازع) حكمه وفق المادة (212/3) تبليغ عريضة الطلب الى المدعى عليه أيذاناً بقبوله نظر الطلب فيترتب على هذا الحكم من تاريخ صدوره ايقاف كل اجراء امام قاضي الموضوع المادة (212/4) ويتميز الايقاف في هذه الحالة بأنه ايقاف بحكم القانون(10). وان الوقف القانوني يكون متحققاً من اليوم الذي وجد فيه سببه لامن يوم حكم المحكمة به وليس للمحكمة أي سلطة تقديرية فيه فهو كما بينا يقع بقوة القانون، ان الحكم الذي يصدر عن محكمة الموضوع فانه يقرر حالة الوقف ولا ينشئها لان هذا النشوء يتحقق بحكم القانون، ويطلق البعض من اساتذة القانون عن الوقف القانوني للخصومة تعبير الاحوال التي تقف فيها الخصومة من تلقاء نفسها، وذلك عندما يوجب القانون بنصوص صريحة وقف الخصومة (الدعوى) دون حاجة الى حكم من القضاء، كما في حالة طلب رد القضاة بوقف السير في الدعوى المطلوب رد القاضي عن نظرها وطلب تعيين المحكمة المختصة بنظر الدعوى بوقف السير في الدعوى، ففي مثل هذه الامثلة تقف الخصومة من تلقاء نفسها حتى لو لم يصدر حكم بذلك لان الوقف يقع بقوة القانون(11).

وحتماً نرى ان التعبير القانوني المخصوص بوقف الخصومة بحكم القانون هو اصوب من الناحية القانونية لان الخصومة لا تقف من تلقاء نفسها وأنما تقف بقوة القانون وحكمه الذي جعل حالات معينة اسباباً لوقف الدعوى والى حين زوال تلكم الاسباب ويحصل الايقاف دون اشتراط حصول علم الخصم الاخر به ويكون حصوله بحكم القانون. والتساؤل يثور حول مدى امكانية تجزئة الدعوى اذا ما تحقق سبب من اسباب وقفها لبعض الخصوم فيما اذا تعددوا دون الاخرين، كما لو قام احدهم بتقديم الشكوى من القاضي المختص بنظرها وعزف الاخرون عن تقديم هذه الشكوى، فالوقف القانوني هل يتحقق بالنسبة للخصم المشتكي فقط أم ان قرار الوقف يسري بحق الخصوم كافة، نرى ان الوقف القانوني في حالة تعد الخصوم يتحقق بالنسبة اليهم جميعاً ولا يمكن تجزئة الخصومة في هذه الحالة وأن كانت تقبل التجزئة بطبيعتها او بحكم القانون. لان تجزئة الخصومة في هذه الحالة يترتب عليه صعوبات وتعقيدات عملية تؤدي الى عرقلة حسم الدعوى وتشتيتها من حيث الاجراءات القانونية التي تتعلق بالترافع والاثبات وعليه يكون الوقف القانوني مقرراً لجميع اطرافها. وعن مدى جواز الطعن بقرار الوقف القانوني للدعوى. نجد انه طالما الوقف مقرراً بحكم القانون دون حاجة الى صدور قرار قضائي يقضي به وان الايقاف ينشأ بحكم القانون لا بحكم القاضي الذي ينظر الدعوى فاذا صدر مثل هذا القرار فهو مقرر لواقع حاصل فلا يجوز الطعن بقرار الوقف القانوني بأي حال من الاحوال لطالما انه بني على اسباب قانونية لا جدال فيها، فالحكم الصادر بوقف الدعوى هو حكم قطعي بمعنى انه لا يجوز للمحكمة ان تعود الى النظر في الدعوى قبل تنفيذ مقتضاه وتقديم الدليل لها على ذلك (نقض مصري نوفمبر 1957)(12). ينص قانون المرافعات الفرنسي في المادة (111) منه على تحديد ميعاد مناسب لمباشرة الوارث الخيار بين قبول التركة بغير قيد ولا شرط وبين قبولها بشرط الجرد فلا يلزم بديون التركة الا بقدر اموالها وبين رفض التركة اطلاقاً وتحديد هذه المادة ميعاداً مناسباً لاختيار احد المواقف هذه ايضاً يترتب على الزواج في نظام اشتراك الاموال تكوين كتلة مشتركة في كل او بعض اموال الزوجين وللزوجة المعقود زواجها على هذا النظام ان تختار عند انتهاء الزوجية بين بقاء الشركة بينها وبين زوجها وبين قسمة المال. وتتضمن المادة (111) فرنسي الاشارة الصريحة الى ان هذه الحالة تعتبر وقفاً قانونياً للخصومة وذلك الى حين انتهاء الميعاد والمقرر قانوناً وابداء الوارث او الزوجة الخيار الذي يرتأيه خلال هذا الميعاد(13).وتنص م (4) من قانون المرافعات المصري على انه “اذا كان القانون الواجب التطبيق في مسائل الاحوال الشخصية يحدد ميعاداً لاتخاذ صفة كان له ان يطلب تأجيل الدعوى حتى ينقضي هذا الميعاد وذلك دون اخلال بحقه في ابداء ما لديه من دفوع بعد انتهاء الاجل.

لم يتضمن القانون العراقي نصاً مشابهاً لنص المادة (4) من القانون المصري ولكن في دعاوى الاحوال الشخصية التي يكون فيها احد الاطراف قاصراً وحتى الدعاوى المدنية على من يختصم بصفته ولياً او وصياً عن القاصر لا يحق له مباشرة المنازعات القضائية دون حصوله على الاذن القانوني من مديرية رعاية القاصرين لاقامة الدعاوى وتوكيل المحامين للترافع عن حقوق القاصر، وعند اقامة الدعوى من قبل الاولياء والاوصياء على القاصرين ودون الحصول على الاذن فأن لمحكمة الموضوع ان تقرر تأجيل الدعوى الى حين حصول الولي أو الوصي على هذا الاذن وفقاً لاحكام م (71/ثانياً) من قانون رعاية القاصرين رقم (78) لسنة 1980 التي تنص على انه “يجوز لمن يقوم بإدارة اموال القاصر ان يوكل محامياً في دعاوى القاصر بموافقة مديرية رعاية القاصرين“، إذاً وفق احكام القانون العراقي والمصري فأن التأجيل لاتخاذ صفة في الدعوى لا يعتبر وقفاً للخصومة وأنما تأجيلاً لها الى حين اتخاذ هذه الصفة. وجدير بالاشارة الى انه لايجوز الطعن في القرارات الصادرة بتأجيل الدعوى فور صدورها على تقدير انها من الاحكام الصادرة بوقف الدعوى لانها لا تعد في الحقيقة احكاماً وانما هي من اعمال الادارة القضائية(14). وفي القانون العراقي فانه لا يجوز الطعن في القرارات الصادرة بتأجيل الدعوى كونها من القرارات الاعدادية التي لا يجوز الطعن فيها على وجه الاستقلال وانما يتم ذلك عند الطعن بقرار الحكم الصادر في موضوع النزاع. ايضاً يتحقق الوقف في حالة صدور قانون ينص على ايقاف المدد القانونية لحصول ظروف استثنائية فيعد ذلك من قبيل الوقف القانوني ليس للمدد القانونية للطعن او المضي في الاجراءات الخاصة بسير الدعوى فحسب وانما ايضاً يؤدي الى وقف السير في الدعوى وقفاً قانونياً الى حين زوال أسباب صدور هذه القوانين وقد أصدر مجلس قيادة الثورة المنحل القرار ذي الرقم 48 في 20/شباط/1991 قضى بموجبه بما يلي واستناداً الى أحكام الفقرة (أ) من المادة الثانية والاربعين من الدستور المؤقت.

اولاً:- يوقف سريان جميع المدد القانونية بما فيها المدد المتعلقة بالطعون في الاحكام والقرارات المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969- اعتبـاراً من تاريـخ العدوان الامريكي الصهيونـي على العراق في 17/1/1991.

ثانياً:- يخول وزير العدل اصدار بيان بانهاء العمل بالاحكام المنصوص عليها في الفقرة أولاً من هذا القرار ويحدد فيه تاريخ استئناف سريان المدد القانونية عند زوال الظروف الموجبة(15).

ايضاً يعد من قبيل الوقف القانوني صدور قانون يقضي بارجاء النظر في دعاوى معينة الى أجلٍ محدد او غير محدد، وعليـه قضت محكمة التمييز بقرارها المرقـم 161/ أستئنافية/86-87 والمـؤرخ في 26/11/1987 بأن “قرار المحكمة القاضي بارجاء النظر في الدعوى استناداً الى قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 1020 والمؤرخ في 13/9/1983 والقرارات اللاحقة له الخاصة بارجاء النظر في الدعاوى التي اقامها او يقيمها المقاولون العراقيون على الوزارات والمؤسسات والقطاع الاشتراكي للفترة الواردة فيه يعتبر (وقفاً للسير في الدعوى) بحكم القانون لان قرارات مجلس قيادة الثورة لها قوة القانون ويجوز الطعن فيه تمييزاً وفقاً للمادة (216) قانون المرافعات“(16).وايضاً نرى اعتبار القوة القاهرة والحوادث المفاجئة في حالات حصول وقائع وحوادث عامة لا يكون لادارة الخصوم في الدعوى أي دور فيها فأن هذه الحوادث المفاجئة والوقائع التي هي من قبيل القوة القاهرة تكون اسباباً لصدور قوانين يترتب عليها وقف السير في الدعاوى الى حين انتهاء تلك الحوادث والوقائع كما في حالة الحروب والفيضانات وانقطاع الطرق والجسور، فاذا حدثت الواقعة العامة والتي لا تختص بجميع اطراف الخصومة او احدهم وانما تسري بحق عامة الناس ويكون حصولها فوق ارادتهم ويترتب عليها منعهم من السير في الخصومة ومواكبة اجراءاتها، فمن غير العدالة ان يؤدي ذلك الى ابطال الخصومة وسقوطها، وأنما يتحتم اعتبارها متوقفة بحكم القانون حفاظاً على حقوق اطراف النزاع. وليس من العدالة ان يقضى بالسقوط اذا حدثت واقعة عامة لا ارادة للخصم فيها ولا قبل له بدفعها منعته من طلب السير في الدعوى، وقد التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر حين خلص باسباب شائعة الى ان السفر الى الخارج للعلاج من مرض لا يفقد المريض اهليته للتقاضي ولا يصيبه العجز عن تصريف شؤونه أو التعبير عن ارادته في تكليف من ينوب عنه في طلب السير في الدعوى ولا يعد من قبيل القوة القاهرة التي يترتب عليها السقوط(17).

وقضت محكمة التمييز بهذا الخصوص بأنه “لدى التدقيق والمداولة وجد ان الحكم المميز غير صحيح ومخالف للقانون ذلك ان محكمة الاستئناف كانت قد قررت قطع السير في الدعوى للظروف الطارئة في الجلسة المؤرخة في 10/5/2003 وحيث ان هذا السبب لم يكن من الاسباب المنصوص عليها في المادة (84) من قانون المرافعات المدنية وان اطراف الدعوى لم يبلغوا بهذا القرار حتى يمكن تطبيق احكام المادة (87) من قانون المرافعات المدنية بعد مرور ستة اشهر من تاريخ قطع السير في المرافعة عليه قرر نقص الحكم واعادة الدعوى الى محكمتها لتبليغ الاطراف والاستمرار في المرافعة واصدار الحكم السليم في الدعوى وصدر القرار بالاتفاق“(18). من هذا القرار يتبين لنا أن حدوث القوة القاهرة لا يكون سبباً لقطع السير في الدعوى حيث ان اسباب قطع السير في الدعوى محددة قانوناً وليس من قبيلها القوة القاهرة ولذا ففي مثل هذه الحالات انما تقضي المحكمة بوقف السير في الدعوى الى حين زوال تلك الظروف ويعد ذلك من قبيل الوقف القانوني حيث ان السلطة التشريعية في الدولة ملزمة باصدار مثل هذه القوانين في الظروف الاستثنائية ولا يجوز ترك القضاء متحيراً في اتخاذ القرار السليم تحقيقاً لحسن سير العدالة. اذاً الوقف القانوني يتحقق لاسباب جعلها القانون سبيلاً الى وقف اجراءات الخصومة والى حين انقضائها والقانون العراقي لم ينص صراحة على وقف الخصومة وقفاً قانونياً الى حين انقضاء الاسباب التي نص عليها كطلب رد القضاة والشكوى منهم وتنازع الاختصاص كما نصت على ذلك صراحة القوانين المقارنة، فالوقف القانوني خلقته الضرورات العملية حيث ان تحقق هذه الاسباب يؤدي الى ان عملية المضي في اجراءات الدعوى عملية شبه عقيمة فربما يتطلب الامر اعادة السير في الخصومة منذ البداية عند اجابة طلب رد القاضي وتنحيه عن نظر الدعوى واحالة الدعوى الى قاضٍ آخر او عند احالة الدعوى الى محكمة اخرى مختصة بنظرها والفصل فيها، ومن الناحية العملية فالخصومة تقف إلى حين البت في هذه المسائل.

كما ان الوقف القانوني لابد ان يتحقق بالنسبة لاطراف الخصومة جميعاً ولا يمكن تجزئة الخصومة في هذه الحالة حتى ولو كان، موضوعها يقبل التجزئة بطبيعته او بحكم القانون لما قد يؤدي ذلك الى الاخلال بقواعد التنظيم القضائي وحسن سير العدالة في حسم الدعوى فلا يمكن وقف الدعوى وقفاً قانونياً بالنسبة لبعض اطرافها دون البعض الاخر حيث ان ذلك يتعارض مع مبدأ وحدة الخصومة وتلافياً لصدور احكام متعددة ومتعارضة في خصومة واحدة، أي بمعنى ان يكون ذلك تفادياً لتمزيق الخصومة وجعلها عدة اوصال بعدما كانت قضية ودعوى وخصومة واحدة. ولا يتحدد الوقف القانوني بمدة محددة من الزمن وانما انتهاؤه رهن بانقضاء سبب نشوئه، كما انه لا يتوقف في وجوده على موافقة ورضا اطراف الخصومة فمثل هذا الرضا او عدمه غير ذي تأثير في وجوده وتحققه. ايضاً تقف الخصومة وقفاً قانونياً في مرحلة تنفيذ الأحكام لدى دوائر التنفيذ المختصة ويتم الوقف استناداً لنص صريح في القانون دون ان يقتضي ذلك اصدار قرار عن قاضي التنفيذ المختص او من قاضي محكمة موضوع النزاع الذي يتعلق بالتنفيذ فقد نصت المادة (53/ اولاً) من قانون التنفيذ على تأخير التنفيذ اذا اعترض المحكوم عليه على الحكم الغيابي الذي نفذ او طعن في الحكم المنفذ بطريق الاستئناف او طعن فيه بطريق التمييز اذا كان الحكم المنفذ يتعلق موضوعة بعقار. فإذا تم الاعتراض على الحكم الغيابي المنفذ او طعن فيه بطريق الاستئناف واتخذت الاجراءات بتنفيذه فأن مثل هذه الطعون يترتب عليها وقف التنفيذ وامتناع دوائر التنفيذ عن اتخاذ اية اجراءات قانونية بصدد تنفيذ هذه الاحكام وترفع يدها عن اضبارة التنفيذ الى حين صدور حكم بحسم الاعتراض على الحكم الغيابي او صدور حكم في الطعن الاستئنافي، واما الطعن بطريق التمييز لا يؤثر في تنفيذ هذه الاحكام الا اذا كان موضوع النزاع الاصلي الذي صدر بصدده الحكم المنفذ يتعلق بعقار. اذاً الطعن تمييزاً بقرار الحكم يترتب عليه وقف التنفيذ الى حين صدور قرار يفصل في هذا الطعن وبخلافه اذا كان موضوع النزاع الاصلي يتعلق باموال منقولة فلا يترتب على تقديم الطعن التمييزي وقف اجراءات التنفيذ ولمديرية التنفيذ المختصة الحق في الاستمرار في اجراءاتها.

 

(محاماه نت)

إغلاق