دراسات قانونية
مُكافحة الهجرة غير الشرعية ودور وسائل الإعلام (بحث قانوني)
مُكافحة الهجرة غير الشرعية من خلال وسائل الإعلام
دراسة تحليلية لجريدة الشروق اليومي أنموذجًا خلال سنة 2017
أ.بوهالي حفيظة /جامعة الجزائر 3 أ.نش عزوز/جامعة غرادية
ملخص :
تسعى هذه الدراسة التحليلية تسليط الضوء على خلفيات و أبعاد ظاهرة الهجرة غير الشرعية في الجزائر و التي أخذت منحنيات تصاعدية و بشكل خطير خلال السنوات الأخيرة ، و قد ساهمت مختلف وسائل الإعلام في التصدي لهذه الظاهرة من خلال تخصيص مساحات و مضامين إعلامية حول أزمة الهجرة غير الشرعية بهدف إعلام و توجيه و تحسيس الرأي العام بتداعيات و تأثير هذه الظاهرة على الفرد و المجتمع.
مقدمة:
احتلت ظاهرة الهجرة غير الشرعية صدارة الاهتمامات الدولية و الوطنية لاسيما في ظل التوجه العالمي نحو العولمة الاقتصادية و تطورت تداعياتها سيما مع التغيرات و التحولات التي يشهدها العالم ، حيث أصبح موضوع الهجرة غير الشرعية خلال السنوات الأخيرة من المسائل الرئيسية و الهامة التي تدعو إلى القلق في العديد من دول نتيجة انعكاس آثارها و تسارع وتيرتها بشكل مخيف يستدعي إيجاد استراتيجيات تعاون بين الدول لتطويق و الحد من توسعها و استفحالها، فالعديد من دول إفريقيا و دول العالم العربي مثل اليمن و سوريا و ليبيا تعيش ظروف استثنائية مما دفع بمواطنيها إلى اتخاذ قرار الهجرة طواعية و بشكل قسري نحو الدول الأوروبية بحثا عن الأمان و السلام والاستقرار والشغل.
لذلك تشكل قضية الهجرة غير الشرعية أخطر القضايا الاجتماعية، التي لا تزال تؤرق المجتمع الدولي، وهي مشكلة شديدة الحساسية لكونها تمس جميع شرائح المجتمع ، بحيث أصبحت الظاهرة لا تقتصر على الشباب خاصة الذكور منهم، بل ارتفع خط بيانها إلى فئة الإناث و حتى الأطفال ، وتعد الهجرة غير الشرعية ظاهرة عالمية موجودة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، أو الدول النامية بآسيا كدول الخليج العربي ودول المشرق العربي، وفي أمريكا اللاتينية، وفي إفريقيا. حيث أطلق برونس مكنلي مدير عام منظمة الهجرة الدولية على القرن 21 قرن الهجرة ، فالعولمة جعلت الهجرة أسهل بالنسبة لأعداد متزايدة من البشر الساعين للوصول إلى ظروف معينة أفضل لهم و لعائلاتهم و مستوى اجتماعي و اقتصادي في الصحة و التعليم.
و تعتبر الجزائر من بين الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية حيث اتخذت الحكومة العديد من الإجراءات و التدابير و المخططات للتصدي هذه الظاهرة من خلال مساعيها الخارجية و الدبلوماسية في نطاق اتفاقيات التعاون بين الدول و الحكومات و اتخذت في هذا الشأن التدابير الإعلامية من خلال تجنيد وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المقروءة و إدراج هذا الملف ضمن أولويات و اهتمامات وسائل الإعلام سيما الصحافة المكتوبة التي لها تلعب دورا هاما في تشكيل اتجاهات و آراء الرأي العام حول القضايا و المسائل التي تتعلق به ، و تشكل جريدة الشروق اليومي من بين الصحف التي أعطت مساحة و أهمية كبيرة لموضوع الهجرة غير الشرعية خلال سنوات الأخيرة ، بحكم أن لها مقروئية كبيرة و تصنف من بين الصحف التي تعطي اهتماما للمواضيع الاجتماعية منها ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
و انطلاقا مما سبق يمكن لنا طرح التساؤل التالي : ما مدى مساهمة جريدة الشروق اليومي في مكافحة و الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية ؟
أولا- مفهوم الهجرة غير الشرعية :
1-مفهوم الهجرة:
الهجرة ظاهر اجتماعية عرفها الإنسان منذ القدم و الهجرة بمفهومها العام لا ترتبط بتنقل الأفراد و الجماعات بل ترتبط أيضا بالحيوان و الطيور، و تعني الهجرة لغويا الترك و الانتقال و اصطلاحا ترك الموطن الأصلي إلى غيره من المواطن، و على المستوى الإنساني هي انتقال البشر من موطن إلى آخر و يستخدم المصطلح في العلوم الاجتماعية بمعنى التحركات الجغرافية للأفراد[1] و حسب منظمة الأمم المتحدة يعني مفهوم الهجرة انتقال السكان من منطقة جغرافية إلى أخرى و تكون عادة مصاحبة تغير محل الإقامة و لو لفترة محدودة.[2]و تعرف الهجرة أيضا بأنها مغادرة الشخص إقليم دولته أو الدولة المقيم فيها إلى إقليم دولة أخرى بنية الإقامة في هذه الدولة بصفة دائمة ، و يعني قاموس ويستر الجديد ثلاثمعان للفعل :Migrate
الانتقال من مكان لآخر و خاصة من دولة إلى إقليم أو محل سكن أو إقامة إلى مكان آخر بغرض الإقامة فيه .الانتقال بصفة دورية من إقليم إلى إقليم.
يتنقل أو يحول To Transfer
انطلاقا من على هذه التعريفات يبدو أن كلمة Migration ( الهجرة ) تستعمل عادة للإشارة إلى جميع التحركات المكانية مع الافتراض الضمني بأنه سيترتب عليها تغير في الإقامة و المسكن .[3]
2-مفهوم الهجرة غير الشرعية:
الهجرة غير الشرعية هي قيام شخص لا يحمل جنسية الدولة أو غير المرخص له بالإقامة فيها بالتسلل إلى الدولة عبر حدوها البحرية و البرية أو الجوية أو دخول الدولة عبر منافذها الشرعية بوثائق و تأشيرات مزورة ، و تعرف المفوضة الأوروبية للهجرة غير الشرعية بأنها ظاهرة متنوعة تشمل أفراد من جنسيات مختلفة يدخلون إقليم الدولة بطريقة غير مشروعة عن طريق البر و البحر و الجو بما في ذلك مناطق العبور و المطارات و يتم ذلك عادة بوثائق مزورة أو بمساعدة شبكات الجريمة المنظمة من المهربين و التجار .[4]
3-مفهوم الهجرة السرية ( الحرقة ):
أصبح مفهوم ” الحرقة ” بمعنى الإحراق من الحرق ( إحراق كل الوثائق حيث يصبح المهاجر السري بدون هوية ) أو الهربة بمعنى الهرب و التخفي بمعنى اتخاذ موقف غير قابل للتراجع ، و كلمة “حرقة ” كلمة متداولة لدى الشباب الجزائري و المغاربي و يرجع سبب إطلاق هذا المصطلح ، عندما يقرر الشباب السفر عبر البحر أو التسلل نحو دولة أخرى إنما يحرق أوراقه ووثائقه التي تربطه ببلده الأصلي بمعنى يحرق ماضيه و انتمائه كله.[5]و مصطلح الحراقة تسمية تطلق على المهاجرينغير الشرعيين من المغرب العربييضاف إليهم الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى ثم لحق بهم العديد من المهاجرين من آسيا و إقدام الحراقة على الهجرة بقوارب بسيطة و هذا راجع لتقطع السبل بهم وصعوبة الحصول على عمل لائق وطول الانتظار، ما دفع بهم لحلول راديكالية و تبقى الأوضاع الاقتصادية الرديئة والبطالة هي السبب رقم واحد للجوء الشباب للحرقة.[6]
ثانيا-أبعاد ظاهرة الهجرة غير الشرعية:
ظاهرة الهجرة البشرية و النزوح الجغرافي بشكل عام عالمية الطابع و قديمة العهد ، عرفت في الحرب كما عرفت في السلم و اختلفت أشكالها باختلاف ظروف البلدان و كذا الظروف التاريخية .و قد تنامت هذه الظاهرة في بدايات القرن الماضي بفعل الفقر و نقص فرص العمل و القمع السياسي و الديني و العنصري ثم أتت العولمة لتفاقم من حركة البشر و توسيع رقعة البلدان المعنية بهذه الظاهرة ، حيث سجل بداية الألفية الثالثة مهاجرا واحدا من 35 مستقرا في بلده ، و قد دفعت العولمة الاقتصادية إلى تغيير اتجاهات الهجرة فأصبحت بلدان مثل سنغفورة و أندونيسيا محط أنظار الباحثين عن العمل من الهند و الصين و باكستان . و أصبحت بلدان المشرق العربي خاصة الدول الخليجية مقصودا من المهاجرين من الفيلبين و سيريلانكا و غيرها و أصبحت إيطاليا و اليونان و تركيا مقصدا من المصرين [7]و أصبحت كل من فرنسا و بريطانيا مقصدا من المهاجرين من تونس و المغرب و الجزائر و ليبيا.
1-خلفيات الهجرة غير الشرعية :
تفسر ظاهرة الهجرة وفق المحك السيكولوجي النفسي باعتبار أن الهجرة إما إجبارية أي قسرية و إما اختيارية و تشجيعية و تكون من مكان إلى آخر و لأي سبب من الأسباب .
تفسر الهجرة وفق محك زمني باعتبار أن الهجرة هي هجرة وقتية أي لفترة محدودة من الزمن أو هجرة دائمة و مستديمة من منطقة لأخرى .
تفسر الهجرة وفق محك أو بعد عددي و ذلك باعتبار أنها إما هجرة فردية يقوم بها الأفراد أو جماعة من مكان لآخر .
تفسر الهجرة وفق المحك السياسي و ذلك باعتبار أنها إما أن تكون من مكان لآخر داخل الدولة الواحدة أي هجرة داخلية و إما أن تكون من مكان إلى آخر كعبور حدود سياسية لدولة أخرى إلى الخارج و تسمى هجرة خارجية دولية .[8]
2-الهجرة كظاهرة اجتماعية :
يؤكد علماء الاجتماع أن الهجرة سواء كانت داخلية أو خارجية ترتبط بكثير من المشكلات الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و السياسية التي تنجم عن زيادة أعداد المهاجرين في كافة مجالا الاستثمار من ناحية و في حجم الخدمات الاجتماعية المتاحة كالتعليم و الصحة و المرافق و خاصة في مجالات الإسكان والإقامة[9].
ثالثا-الهجرة غير الشرعية الأسباب و الدوافع:
ذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة بأن أسباب الهجرة الجماعية غير الشرعية يعود إلى ازدياد عدد الشباب في الدول النامية و تناقص فرص العمل إضافة إلى حدة الفوارق بين الدول الغنية و الفقيرة ، كما ازداد الوعي بهذه الفوارق واضحا و أصبح السفر متاحا للجميع بسبب التقدم الذي حدث في الاتصالات الدولية ووسائل السفر و العولمة.
ففي الوقت الذي تقلصت فيه منافذ الهجرة الشرعية و بالتالي يقع الشباب في المحظور من خلال اللجوء إلى سماسرة السوق الذين يتقاضون مبالغ طائلة و تنتهي رحلة الشباب الحالم إما بالموت أو السجن .و الهجرة غير الشرعية هي السوق السوداء للاتجار بالبشر هذه السوق لها آليات كثيرة منها المكاتب الوهمية لالتحاق العمالة بالخارج ووسطاء الهجرة و السماسرة و الفساد الإداري و الجماعات و العصابات الإجرامية المنظمة.[10]و عليه فإن هناك العديد من الظروف و الأسباب التي ساهمت في تفاقم و تفشي هذه الظاهرة و وفقا لآراء الخبراء و الباحثين فإن الأسباب الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية تأتي في المقدمة.
1 -الأسباب الاقتصادية و الاجتماعية :
و يمكن تلخيص ذلك فيما يعانيه هؤلاء المهاجرين سيما الشباب منهم من مظاهر البطالة و انخفاض الأجور و تدني مستوى المعيشة في بلدانهم و الملاحظ أن دول الطرد غالبا ما تكون الدول الفقيرة منها دول أمريكا اللاتينية و دول إفريقيا و إفريقيا الشمالية و دول آسيا أما دول الجذب هي الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية و دول أوروبا ، حيث يتميز الدافع الاقتصادي بقدرته الكبيرة على التأثير في قرار الهجرة من عدمه ووفقا للإحصائيات لسنة 2005، يوجد حوالي 190 مليون مهاجر يتوزعون بين مختلف قارات العالم ( 34% في أوروبا و 23 %في أمريكا الشمالية و 28% في آسيا و 9 %في إفريقيا و 3 %في أمريكا اللاتينية و 3 %في نيوزلاندا و أستراليا فهذه النسب تعكس بشكل واضح صدى الدافع الاقتصادي للهجرة بتأثيره و إلحاحه أي حوالي 60% من المهاجرين استقروا في المجتمعات الأكثر تقدما و تطورا و ثراء ـ و ترتفع النسبة إلى حوالي 67 %إذا أضفنا إليها نسبة المهاجرين إلى الدول الخليجية و النفطية. كما أن الثقل النسبي للعامل الاقتصادي يحدد من جهته شرعية الهجرة كهجرة دائمة أو مؤقتة ، فعندما يكون الدافع الاقتصادي هو الفاعل المحرك للهجرة فإن النسبة الغالبة من المهاجرين تستقر في بلاد المهجر سواء تمثل ذلك في الهجرة بصورتها المؤقتة أو في صورتها غير الشرعية.[11]كما ترتبط الدوافع الاجتماعية بالدوافع الاقتصادية ارتباطا طرديا فالبطالة و تدني مستوى المعيشة على الرغم من كونها عوامل اقتصادية إلا أنها ذات انعكاسات اجتماعية و نفسية لها أثرها على الفرد و المجتمع [12]
2-الأسباب السياسية و الأمنية :
تعتبر الأسباب السياسية و الأمنية من أهم الأسباب و العوامل التي أدت إلى تسارع وتيرة الهجرة غير الشرعية، غير أن الأسباب السياسية ترتبط بالأوضاع التي تعيشها الدول المصدرة فقط بل تتجاوزها إلى سياسات الدول المستقبلة التي أدت بطريقة مباشرة و غير مباشرة في تشجيع الهجرة إليها .فالعوامل السياسية تعد من أبرز العوامل التي أدت إلى حدوث العديد من الهجرات عبر التاريخ ، حيث أنه من الملاحظ أن الهجرة الدولية أخذت بالتأثير أكثر فأكثر مع مرور الزمن بالعوامل السياسية على أنها مسبب للهجرة و من الأسباب السياسية الفردية التي تدفع إلى الهجرة ضغط القوة و التهديد و الإستلاء أي أن التدخل العسكري الخارجي من أية دولة من الدول يؤدي إلى هجرة خارجية ، إضافة إلى الضغط السياسي المحلي يؤدي كذلك إلى الهجرة ففي معظم الدول النامية حيث تنعدم الديمقراطية و تسود نظم الديكتاتورية ، و الانقلابات العسكرية و الحروب تؤدي إلى الهجرة إلى الخارج. حيث تسببت الحروب و الصراعات و التدخل الأمني في العديد من دول القارة الإفريقية في الثمانينات من القرن الماضيوعدم الاستقرار السياسي بالمنطقة ما سبب في تدهور الأوضاع في كافة مناحي حياة المواطن الإفريقي الذي أصبح يخاطر بحياته بطرق مشروعة و غير مشروعة من أجل البحث عن الاستقرار و الأمن و السلام .
فالهجرة غير الشرعية هي في الواقع تعبير عن السخط على الوضعية السائدة التي يعيشها الشباب في بلدانهم ، فالدول المصدرة للمهاجرين تتسم في معظمها بالحرمان السياسي و النظم الفردية و فقدان حرية التعبير و الرأي و الديمقراطية و غياب حقوق الإنسان و احترام الحريات العامة ، بحيث يشعر الأفراد بحالة من عدم الاستقرار النفسي و الاجتماعي و الرغبة في البحث عن ملجأ آمن يحقق لهم الكرامة الإنسانية و حرية الرأي و التعبير عن الذات و الديمقراطية و تظهر هذه الظاهرة بالذات في الدول الأكثر تسلطا و قمعا خاصة في دول العالم الثالث حيث يزداد عددالأشخاص المهاجرين بأي وسيلة غير شرعية للخلاص من الواقع القائم . [13] و تعتبر منطقة جنوب المتوسط خاصة و إفريقيا بصفة عامة من أهم المناطق المصدرة و المستقبلة للاجئين بسبب الحروب و عدم الاستقرار السياسي الذي تعرفه دول المنطقة و في هذا الإطار يمكن القول بأن منطقة المغرب العربي تعتبر منطقة عبور للاجئين و المهاجرين القادمين من إفريقيا خاصة من منطقة جنوب الصحراء و البحيرات الكبرى ، فالمملكة المغربية تعد نقطة عبور رئيسية نحو إسبانيا عبر مضيق جبل طارق و قد سجل ما بين سنة 1997 إلى سنة 2001 حوالي 3286 ضحية غرقت في المضيق و الجزائر و تونس و ليبيا هي الأخرى مناطق عبور للمهاجرين القادمين من إفريقا السوداء حيث أصبحت هذه الدول تعرف انتشارا ملفتا للمهاجرين الأفارقة .كما أن الفساد و الاستبداد و التوزيع غير العادل للثروات و انتهاك الحقوق و الحريات في بعض الدول المصدر للعمالة بالإضافة إلى افتقار الأمن و صعوبة اقتضاء الحق من بين الأسباب التي تكون دافعا في تخلي العديد من البشر عن موطنهم الأصلي و الهجرة إلى موطن آخر بحثا عن الأمن و الكرامة.[14]
3 -الأسباب الجغرافية و البيئية :
إن للعوامل الجغرافية و الطبيعية أو البيئية أثرا كبيرا في زيادة معدلات الهجرة إلى الخارج حيث أن البيئة القاسية من جهةو تهديدالكوارث الطبيعة من جهة ثاني تشكل مناطق طرد للسكان مثل الفيضانات و البراكين و الزلازل و الجفاف و المجاعة و الأوبئة و الأمراض كلها أسباب تدفع السكان إلى الهجرة . و ليست العوامل الطبيعية بأقل أهمية بل تعد على الإطلاق في بعض الجوانب فكثير ما تتعرض مناطق مختلفة من العالم لموجات قحط و جفاف مما ينجر عنه اختلالا كبيرا في نظم الحياة . فالكوارث الطبيعية التي تتسبب في تدهور الممتلكات و المشاريع التي يضطر سكانها للانتقال و الهجرة إلى دول خارجية من أجل البحث عن مكان آخر يتوفر على ظروف العمل و الاستقرار.و بذلك تلعب العوامل الجغرافية دورا كبيرا في هجرة العديد من الأفراد إلى من أوطانهم هروبا من الأوضاع القاسية التي يعانون منها و هو ما يضاعف وتيرة الهجرة غير الشرعية في دول الإفريقية.
و من جانب آخر تعتبر العوامل الديموغرافية كذلك من العوامل المحفزة على هجرة السكان فارتفاع عدد السكان و انخفاض مستوى المعيشة و الظروف الاقتصادية و السياسية و الفروق الديموغرافية منها ما يتعلق بالخصوبة و الوفيات و التركيب العمري عاملا مهما في هجرة السكان بحيث يمكن القول أن الهجرة تعويضا عن انخفاض المعدل السكاني في مجتمع الجذب .[15]
4-مواقع التواصل الاجتماعي و الهجرة غير الشرعية:
أصبحت مئات الصفحات على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي تروج للهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، حيث تكتسب شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أهمية كبيرة، باعتبارها مصدرا مهما للمعلومات في الوقت الحاضر بالنسبة للكثيرين من الأشخاص لاسيما الشباب، الذين يرغبون في الهجرة، أو الباحثين عن طريقة للوصول إلى أوروبا بطريقة غير شرعية عبر البحر المتوسط. وتكثر المواقع الإلكترونية التي تحرض و تشجع على الهجرة، وصفحات التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة المتخصصة في هذا الأمر، فضلا عن أرقام الهواتف التي يستخدمها مهربو اللاجئين للإعلان عن خدماتهم على شبكة الإنترنت رغم خطورتها. وما يميز الظاهرة هذه المرة هو استخدام “الحراقة” لوسائل التصوير الحديثة ونشر ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها استحداثهم صفحة خاصة على الفيسبوك باسم “حراقة ” dz يتم فيها نشر عشرات الفيديوهات التي تظهر هؤلاء المهاجرين في عرض البحر الأبيض المتوسط، أو هم يقتربون من السواحل الأوربية. وحسب الفيديوهات التي تنشر في الصفحة، فإن الحراقة أصبحوا يهاجرون على شكل مجموعات تضم عدد من القوارب تحمل مجتمعة عشرات الشباب الجزائريين.
5- القيود الصارمة على الهجرة الشرعية واللجوء:
إن القوانين الأوروبية جعلت بعض الشباب يسلكوا ا الطريق السري في سبيل الوصول إلى أرض أوروبا بأي شكل من الأشكال. كما أن بعض الأوروبيين من أرباب الأعمال باتوا يفضلون المهاجرين غير الشرعيين، فأجورهم زهيدة وأعمالهم مؤقتة لا تتطلب ضمانات ولا تأمينات ولا ما تفرضه عقود العمل من التزامات.
6- وجود شبكات متكاملة ترتب الهجرة غير الشرعية: وهى تقوم بالدعاية لها والترغيب فيها، وتستثمر فيها الكثير، معولة على أن العائد منها بات كبيراً، والطلب عليها لا ينقطع.[16]
رابعا-آليات مكافحة للهجرة غير الشرعية :
1-الجهود الدولية:
على الرغم من الجهود الدولية في اتجاه ظاهرة الهجرة بشكل عام و الهجرة غير الشرعية بشكل خاصة غير أن الدول الغنية و هي الدول المستقبلة للهجرة ما تزال تتخذ العديد من الإجراءات الأمنية و سن قوانين و تكثيف جهود التعاون إلا أن ظاهرة حسب الخبراء و المختصين أن وتيرة هذه الظاهرة ستزيد أكثر من السنوات الماضية
2-إنشاء مراكز اعتقال للمهاجرين غير الشرعيين :
لقد قامت دول الإتحاد الأوروبي بإنشاء مراكز اعتقال خاص بالمهاجرين الذين يتم القبض عليهم على السواحل الأوروبية ، حيث يتم احتجازهم و من ثم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية ، حيث تغيب في هذه المراكز أدنى المعايير الإنسانية و قد سمح القانون الجديد الذي أصدره البرلمان الأوروبي عام 2008 باحتجاز المهاجرين غير الموثقين و ملتمسي اللجوء السياسي الذين لم يوافقوا على طلباتهم.[17]
3-أسلوب ترحيل المهاجرين غير الشرعيين :
لقد قام المجلس الأوروبي في أكتوبر 2008 بمسعى من الإتحاد الأوروبي الخاص بالهجرة و هو حجر الأساس لسياسة الهجرة أثناء الرئاسة الفرنسية للإتحاد الأوربي في النصف الثاني عام 2008 و يفوض الاتفاق غير الملزم رقابة أشد على أسر المهاجرين و يدعو دول الإتحاد الأوروبي إلى السعي لتبني سياسة الطرد و دفع النقود للمهاجرين لكي يعودوا إلى بلدانهم الأصلية و العودة للدخول في اتفاقيات مع دول الأصل لإبعاد المهاجرين غير الشرعيين.
4-تشديد الحراسة الأمنية على حدود الإتحاد الأوروبي :
لقد اتخذت الدول الأوروبية مجموعة من الإجراءات الأمنية لتشديد الحراسة على طول حدودها الساحلية و من بين تلك الإجراءات المشروع الأسباني الممول من طرف الإتحاد الأوروبي و القاضي ببناء جدار بصل علوه إلى ستة أمتار و هو جدار مجهز برادار للمسافات البعيدة و بكاميرات للصور الحرارية و أجهزة للرؤية الليلية و الأشعة تحت الحمراء و في نفس الوقت قامت اسبانيا بإنشاء مراكز للمراقبة الإلكترونية مجهزة بوسائل إشعار ليلية و رادارات.[18]
5-المؤتمرات و الاتفاقيات الدولية للهجرة غير الشرعية :
اعتمدت وعرضت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 25 في الدورة الخامسة والخمسون في 15 نوفمبر 2000، الاتفاقية تهدف إلى تعزيز التعاون على منع الجريمة المنظمة عبر الوطنية ومكافحتها بمزيد من الفعالية، وتلزم الدول الأطراف بأن تنفذ الالتزامات الواردة في الاتفاقية على نحو يتفق مع مبدأ المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية للدول ومع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ومن ثم يلزمها باتخاذ ما يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال الخاصة بالأنشطة الإجرامية للجماعة الإجرامية المنظمة بشتى الصور الوارد النص عليها في صلب الاتفاقية.
(ب) بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البحر والبر والجو الصادر بالقرار رقم 25 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر عام 2000 والمكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة غير الوطنية UNTOC.
(ج) أنشأ مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية المشار إليها فريق عمل حكومي مؤقت مفتوح العضوية معني بتهريب المهاجرين من أجل إسداء المشورة إلى المؤتمر ومساعدته على تنفيذ الولاية المنوطة به فيما يتعلق ببروتوكول تهريب المهاجرين.
(د) قام سكرتير عام مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص في عام 2006 بمبادرة وضع من خلالها تصورا حول التعامل مع قضايا الهجرة من منظور القانون الدولي الخاص، ورغم معارضة الدول الغربية، فقد نجحت مصر بدعم من معظم الدول المصدرة للعمالة والمهاجرين، في الإبقاء على الموضوع ضمن أولويات عمل المؤتمر.
(هـ) الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم والصادرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 158 في 18 ديسمبر 1990 ووقعت عليها مصر في فبراير 1993 مع تحفظين بشأن المادة 4 والفقرة السادسة من المادة 18.
(و) القرار الصادر عن المؤتمر الحادي والثلاثين لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الذي عقد في جنيف عام 2011، وتضمن دعوة الدول إلى التشاور مع الجمعيات الوطنية للهلال والصليب الأحمر من أجل ضمان وجود قوانين وإجراءات تمكن الأخيرة من الوصول الفعلي والآمن لجميع المهاجرين دون تمييز. [19]
خامسا-واقع الهجرة غير الشرعية في الجزائر :
نتيجة للموقع الإستراتيجي التي تحتله الجزائر و الذي يتوسط دول المغرب العربي و يتميز بحدوده الشاسعة مع دول الساحل و الصحراء كالنيجر و مالي فإن الجزائر تعتبر من أهم دول العبور للمهاجرين غير الشرعيين من إفريقيا و آسيا نحو الضفة الجنوبية لأوروبا ، إضافة لكونها دولة مصدرة للمهاجرين غير الشرعيين منها و إلى أوروبا منتشرة في كل القارة الإفريقية و لكنها ترتفع كلما اتجهنا شمالا بما يجعل حصة الدول المغاربية منها.[20] ووفقا لتقرير وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في شهر أفريل 2015 فقد تم إحصاء وفاة 700 شخص في محاولات الوصول إلى أوروبا خلال عبور إلى البحر المتوسط [21]
و بحسب إحصائيات قوات البحرية فقد تم توقيف 1568 شخصا ( 1380 تم توقيفهم في البحر و 180 تم إنزالهم في الموانئ ) مقابل 1016 لسنة 2006 و 355 سنة 2005 فيما بلغت عدد التدخلات 224 تدخلا خلال سنة 2007 مقابل 104 تدخل سنة 2006 و 88 تدخلا سنة 2008 و تسود ظاهرة الهجرة غير الشرعية ” الحراقة ” بصفة خاصة في السواحل الغربيو و الشرعية للبلاد و أصبحت تسجل تزايد ملحوظ من سنة لأخرى و تعتبر سنة 2007 مأساة الجزائرية بامتياز حيث سجلت بها أكبر عدد رحلات المهاجرين غير الشرعيين بالإضافة إلى أنه تم انتشال 83 جثة أي أكثر من 60% و توضح احصائيات قيادة الدرك الوطني عدد القضايا حسب الولايات [22]:
الولايات | القضايا المعاينة | الأشخاص الموقوفون | لإيداع الحبس | الإفراج المؤقت |
عنابة | 17 | 292 | 27 | 265 |
وهران | 28 | 273 | 233 | 40 |
عين تموشنت | 16 | 201 | 162 | 39 |
مستغانم | 24 | 118 | 99 | 19 |
تلمسان | 10 | 62 | 34 | 28 |
الشلف | 11 | 53 | 32 | 21 |
الطارف | 05 | 40 | 38 | 02 |
جيجل | 01 | 16 | 00 | 16 |
سكيكدة | 01 | 14 | 00 | 14 |
الوادي | 01 | 02 | 00 | 1ذ02 |
المجموعة | 114 | 10701 | 625 | 466 |
سادسا-دور وسائل الإعلام في مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بالجزائر:
يتمثل دور الوسائل الإعلامية أحد المكونات العملية الاتصالية و هنا يتوقف فعاليتها و حضورها و انتشارها ، إن تأثيرات وسائل الاتصال الجماهيري متنوعة و مختلفة تأخذ أبعاد شتى سواء في المجال المعرفي أو السلوكي أو في مجال تكوين الرأي العام ، إن دور وسائل الإعلام لا يقتصر على نقل الأخبار بل أصبح من أدوات التغير الاجتماعي[23] و يمكن من خلال دوره في الإعلام و التثقيف أن يلفت انتباه الجماهير نحو القضايا و المشكلات الجوهرية التي يعاني منها المجتمع .و نظرا لكثرة الأزمات و تنوعها و تصاعد حدتها تبزر أهمية الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في مصاحبة الأزمات سواء من حيث دورها أو في إحداثها أو المساهمة في تفاقمها أو حلها و تبيان الرؤى حول أهمية و حدود الدور الذي تلعبه هذه الوسائل لأنه أمر مطلوب سيما أمام المشكلات و الظواهر التي يعاني منها المجتمع ،فإن وسائل الإعلام بشقيها التقليدي و الجديد تمثل فاعلا محوريا في صياغة عالم اليوم ، فإنه يمكن أن تلعب دورا توعيا و تربويا مهما في خلق الوعي بالأزمات من خلال الأخبار و الشرح و التفسير أو الميل إلى تغطيتها بطريقة درامية إثارية يغلب عليها التسطيح و تغيب وعي الأفراد ، إن الاختيار بين هذين النمطين هو الذي يجعل الإعلام يتموقع ضمن الفاعلين الساعين التي تجاوز الأزمات .[24] حيث تلعب وسائل الإعلام دورا هما في خلق وعي عام حول المواضيع العامة التي تمس الجمهور أو المشكلات و القضايا الاجتماعية التي تتعلق به .
سابعا –المعالجة الإعلامية لظاهرة الهجرة غير الشرعية من خلال الصحافة المكتوبة :
تشكل الصحافة المكتوبة من أهم وسائل الإعلام في التأثير على الرأي العام حول قضية أو مشكلة أو ظاهرة تتعلق بجمهور واسع ، فالصحافة المكتوبة لها دور كبير في تشكيل الآراء و الاتجاهات و الأفكار من خلال ما تقدمه من أخبار و معلومات، وبإمكان الصحافة أن تلعب دورا في تحديد أوليات الجهور و تحديد موقع الأحداث و القضايا ضمن أجندتها الإعلامية ، باعتبار أن وسائل الإعلام لديها قدرة فائقة في التأثير على الرأي العام و تحديد اهتماماته و اتجاهاته نحو القضايا و المسائل التي تقتضي ضرورة للاهتمام بها و تسليط الضوء عليها و بذلك تسعى إلى توجيه الرأي العام نحو تلك القضايا، فالصحافة المكتوبة القدرة على الاهتمام بالأحداث و مواضيع معينة و إضفاء عليها صبغة الأهمية و بالمقابل تحجب وتهمل بعض القضايا دون الأخرى .
و عليه فإن هناك عدة اعتبارات و محددات ينبغي على الصحافة أن تأخذها بعين الاعتبار و التي تدخل ضمن عملية الإعلام و صناعة الرأي العام ، و من بين هذه الاعتبارات نذكر :
التزام الصحافة المكتوبة بنشر الأخبار الصحيحة و الواضحة .
العمل على تفسير و تحليل هذه الأخبار و التعليق عليها حتى يتمكن القارئ من فهم مجريات أحداثها و تفاصيلها.
أن تبتعد الصحافة المكتوبة على نشر الأخبار التي تروج للإشاعات و تلتزم الموضوعية و المصداقية.
و تمر مرحلة إدارة أزمة عبر الصحافة المكتوبة بالمراحل الآتية:
مرحلة المعلومات:
تركز الصحافة في هذه المرحلة إلى ما يسمى بإشباع الجماهير بمختلف المعلومات عن الأزمة ذاتها و أسبابها و أبعادها و تأثيرها، و في نطاق موضوع الهجرة غير الشرعية عبر جريدة الشروق أنموذجا ، قامت الجريدة بتقديم معلومات حول الظاهرة الهجرة من خلال ما يلي :
– التركيز على تنامي هذه الظاهرة من خلال أعداد هائلة من الحراقة منهم نساء و أطفال و شباب و هذا مؤشر ينذر بالخطر سيما أن الصورة الذهنية للجمهور حول الهجرة غير الشرعية كانت ترتبط بالشباب البطال فقط ، إلا أن الظاهرة مست حتى الأطفال و الرضع .
-إحباط محاولات الهجرة غير الشرعية عبر السواحل الجزائرية منها وهران ، عنابة ، مستغانم
–تدفق أعداد هائلة على جزيرة سريدينا و هي الوجهة المفضلة للحراقة .
– العثور على جثث حراقة على سواحل عنابة .
فخلال هذه المرحلة حاولت جريدة الشروق أن تنقل للرأي العام الجزائري واقع الحراقة و معاناتهم خلال رحلة الموت ، و هي تحاول أن تركز على عدد المحتجزين و عدد الحراقة الموقوفين في مراكز الحجز.
مرحلة تفسير المعلومات:
تعتبر مرحلة تفسير و تحليل المعلومات مرحلة مهمة تقوم بها الصحافة المكتوبة ، حيث لا تكتفي بنقل الأخبار للرأي العام بل تسعى إلى تحليل عناصر الأزمة و البحث في أسبابها و خلفياتها التي ترتبط بالسياق التاريخي للمجتمع.
المرحلة الوقائية:
تقوم الصحافة المكتوبة في هذه المرحلة بتقديم آليات و أساليب التعامل مع الأزمة من خلال التركيز على حلول بديلة و سبل لتقليص حجم الأزمة، ولذلك فإن الصحافة تقوم بكافة جهودها لتبليغ الجمهور بالمعلومات الهامة حول موضوع أو مشكلة ما، فهي تقوم بتقديم المعلومات وتفسيرها وإحاطتك بما هو جاري في الساحة وهذا ما نتصوره في حالة المهاجرين السريين فرفضهم للواقع المر والبطالة والتهميش وكل أنواع التعسف، يجعلهم يفكرون في مثل هذه المواضيع، وهنا الصحافة تصور لنا أن الظاهرة بعيدة عن كونها مجرد رغبة في المغامرة أو طيش شباب بقدر ما تكشف عن أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة الجذور مازالت تنتظر من السلطة أن تفهم حقيقتها وأسبابها. و يمكن للصحافة أن تقوم بتوظيف كافة فنون الإقناع في مصاحبة الرسائل التي يقدمها لجمهورها لخلق رأي عام مؤيد لطريقة تناولها لهذه المشكلة. فطريقة الإقناع وأساليبها تجعل من شريحة المهاجرين أو غيرهم يثقون بهذه الصحيفة.
ثامنا -التناول الإعلامي لموضوع الهجرة غير الشرعية عبر جريدة الشروق اليومي أنموذجا خلال سنة 2017.
سنحاول من خلال هذا المحور التركيز على طبيعة التغطية الإعلامية عبر صحافة المكتوبة و قد تم اختيارنا جريدة الشروق بحكم أنها الجريدة الأكثر مقروئية من جهة و قد تناولت ملف الهجرة غير الشرعية ” الحراقة ” بشكل مكثف عبر صفحاتها .
لهذا سنتناول الموضوع ليس من ناحية تحليل الكمي و الكيفي لمضمون الصحفي الذي تناول الهجرة غير شرعية سواء من ناحية عدد الأخبار خلال الشهر و السنة ، و من ثمة رصد أهم الأنواع الصحفية التي تطرقت لهذا الموضوع و تحليل طبيعة العناوين و طبيعة المادة الإعلامية المطروحة ضمن سياسية إعلام و توعية الرأي العام بتداعيات هذه الظاهرة .
إن الصحافة المكتوبة تساهم بشكل كبير في نقل الحقائق و الأخبار للجمهور و بتالي فهي تسعى للتأثير عليه و بلورة أفكاره و اتجاهاته نحو القضايا التي تتعلق به . و من خلال تفحصنا للأرشيف الالكتروني عبر موضع جريدة الشروق اليومي خلال سنة2017 فيما يخص التغطية الإعلامية للهجرة غير الشرعية رصدنا الإحصائيات التالية :
جدول رقم (01 ) يمثل حجم التناول الإعلامي خلال سنة 2017
تعليق :
من خلال الجدول أعلاه التي يمثل مجموع المعالجة الإعلامية لموضوع الهجرة غير الشرعية ابتداء من 01 جانفي إلى غاية 31 ديسمبر 2017 اتضح أن أعلى نسبة سجلت كانت خلال شهر أوت 29.69% يليها شهر نوفمبر 25.58 % ثم شهر جويلية 25.38 % و تعكس هذه النسب أن جريدة الشروق اليومي أعطت مساحة أكثر في معالجة موضوع الهجرة غير شرعية عبر صفحاتها و هذا يعكس أن خلال هذه الأشهر ترتفع حصيلة الهجرة غير الشرعية عبر السواحل الجزائرية و يتصاعد معدل الهجرة بشكل لافت للانتباه .
الجدول رقم ( 02 ) يمثل معالجة موضوع الهجرة غير الشرعية حسب الأنواع الصحفية
النسبة المئوية |
العدد |
الأنواع الصحفية |
%90.24 |
64 |
الخبر |
%40.89 |
29 |
التقرير |
%4.23 |
03 |
المقال التحليلي |
%21.15 |
15 |
التعليق |
%8.46 |
06 |
الحوار الصحفي |
%25.38 |
18 |
التحقيق |
%5.64 |
04 |
الروبورتاج |
%100 |
141 |
المجموع |
التعليق :
من خلال الجدول أعلاه يتبين أن جريدة الشروق اليومي تعطي أهمية أكثر للتغطية الإخبارية و ذلك بنسبة 46% مقارنة بالأنواع الأخرى حيث يأخذ التقرير الصحفي نسبة 21% ، يليها التحقيق الصحفي بنسبة 13 %بينما المقال التحليلي أخذ نسبة 2 %، و هذا يعكس أن الجريدة تهتم بنقل الأخبار و المعلومات إلى الرأي العام
الاستنتاجات :
بعد إطلاعنا على المضمون الإعلامي خلال سنة2017 و التي تناول قضية الهجرة غير الشرعية عبر جريدة الشروق اليومي توصلنا إلى الاستنتاجات التالية :
-لم تهتم جريدة الشروق بشكل كبير بقضية الهجرة الصحفية فقد أحصينا 141 تغطية إعلامية طيلة سنة كاملة ، رغم أنها سنة كانت حافلة بالأحداث المتعلقة بالمهاجرين غير الشرعيين سواء الجزائريين نحو الدول الأوروبية منها فرنسا و إيطاليا و أسبانيا … أو المهاجرين الأفارقة الوافدين من مالي و النيجر بسبب النزاعات الحربية و الانقلابات العسكرية ، أي أن جريدة الشروق لم تعط الحجم الكافي لهذا الملف الذي أثار الرأي العام الجزائري ، رغم تداعياته الكبيرة على المستوى الوطني .
-نلاحظ أيضا أنه ليس هناك تجانس و توافق في عدد الأخبار بينما يحقق شهر أوت أعلى نسبة في حجم التغطية بمعدل 29.61 %.تغطية صحفية لموضوع الهجرة غير الشرعية بينما تقل التغطية في الأشهر الأخرىرغم أنه يسجل يوميا محاولة شباب جزائريين للهجرة عبر السواحل الجزائرية .
-سجلنا نقص مصادر الخبر لدى الصحفيين و المراسلين مما صعب عليهم مهمة الوصول إلى المعلومات المتعلقة بملف الهجرة غير الشرعية و قد تم الاعتماد أكثر على وكالة الأبناء الجزائرية و كذا الدولية .
-غياب كبير للمقالات التحليلية و الفكرية مثل المقال الصحفي و العمود و الافتتاحية التي يغلب عليها الطابع التفسيري و التحليلي لماذا و كيف .
-نجد أن إستراتيجية جريدة الشروق في التناول الإعلامي لموضوع الهجرة غير الشرعية كان له بعد إخباري أكثر أي أن الجريدة كانت تنقل الأخبار إلى الرأي العام و لا تهتم بالجانب الوقائي و التحسيسي لضحايا الهجرة غير الشرعية.
-من خلال ما سجلناه في عناوين الأخبار حيث تم التركيز على عناوين التوقيف و العثور على جثث و الاحتجاز و احتجاجات أهالي الحراقة و قوارب الموت و غيرها من العناوين التي تثير الرأي العام و تصور الأحداث و الوقائع في اتجاه درامي و مخيف .
-من خلال معاينتها لمختلف الأخبار أنها جاءت في الصفحات الداخلية للجريدة و هذا ضمن قسم الشؤون الوطنية و الاقتصادية أو المحلية و قسم الدولي .
– اتجاه الجريدة نحو تناول موضوع الهجرة غير الشرعية كان محايدا و بعيدا عن التأويلات و الخلفيات التي كانت وراء هذه الأزمة.
خاتمة :
إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية في الحقيقة هي معضلة خطيرة و قضية معقدة و شائكة في بنيتها و في سياقها لأنها ترتبط بعوامل متداخلة و ترجع في بعدها إلى تراكمات سياسية و اقتصادية و اجتماعية و حتى نفسية و أمنية ، فالهجرة غير الشرعية اليوم من الملفات الساخنة التي أثارت العديد من الجهود الدولية و الوطنية و الإقليمية من خلال القوانين الردعية و الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الدول في سبيل تطويق هذا النزيف الذي نخر جسد الدول النامية المصدرة و الدول الغنية المستقبلة ، نتيجة للآثار و الانعكاسات الخطيرة منها الاتجار بالبشر و الجريمة غير المنظمة و غيرها.
و بالرغم من الجهود المبذولة من طرف السلطات الحكومية المختصة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة إلا أنها مازالت تشكل خطرا محدقا بالمجتمع نظرا لعدم التركيز و بشكل جدي على مستويات جديدة من الحلول الأمنية و حتى الحلول الاقتصادية.
و باعتبار أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية هي ظاهرة تتحكم فيها العديد من الأسباب و الظروف إلا أنها تتطلب مقاربة شاملة من جميع الجوانب منها النفسية و الاجتماعية و السياسية و الأمنية ، بالإضافة إلى مساهمة مؤسسات التنشئة الاجتماعية منها الأسرة و المدرسة و المسجد وسائل الإعلام.
و تشكل وسائل الإعلام أداة فعالة و مهمة في إدارة أزمة الهجرة غير الشرعية من خلال توعية و تحسيس الرأي العام بتداعيات هذه الظاهرة و تأثيرها على الفرد و المجتمع على حد سواء.
(محاماه نت)