دراسات قانونية

المحامين الممارسين لمهنة المحاماة وتأثير العوامل النفسية (بحث قانوني)

الاحتراق النفسي عند المحامين الممارسين لمهنة المحاماة

أ.زاوي قهواجي آمال/جامعة محمد بن أحمد وهران2 ،الجزائر

ملخص:

يسعى هذا البحث لدراسة مستويات الاحتراق النفسي عند المحامين الممارسين لمهنة المحاماة، والمنتسبين لمجلس قضاء ولاية تلمسان. والهدف منه هو الكشف عن مستويات الاحتراق الذي يعاني منه المحامون الممارسون وذلك من خلال إيجاد العلاقة بينها وبين متغير الجنس ومتغير الحالة الاجتماعية.

و اشتملت عينة البحث على 56 محاميا منهم 22 إناث و34 ذكور اختيروا بطريقة عشوائية، واستعملت الباحثة مقياس ماسلاك وجاكسون (1981) لحساب شدّة الاحتراق النفسي. وقد أشارت النتائج إلى أن المحامين يعانون من مستوى عالي من الاحتراق النفسي، كما أشارت النتائج إلى وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث من المحامين لصالح الذكور،. كما أظهرت النتائج فروقا ذات دلالة إحصائية تعزى لمتغير الحالة الاجتماعية وذلك لصالح المحامين غير المتزوجين.

الكلمات المفتاحية: الاحتراق النفسي – الإنهاك الانفعالي – بلادة المشاعر – نقص الإنجاز الشخصي – المحامي.

مقدمة:

يعتبر الاحتراق النفسي استجابة سالبة للضغوط التي يمرّ بها الفرد في عمله، ففي حين يساير بعض الأفراد مثل هذه الضغوط المرتبطة بالعمل بأسلوب إيجابي، نجد آخرين لا يستطيعون ذلك لأسباب متعددة[1]. وهكذا أصبح الاحتراق النفسي يمثّل انعكاسا أو رد فعل لظروف العمل غير المحتملة، وينتج عنه آثار عديدة منها تدنّي الإحساس بالمسؤولية، واستنفاذ الطاقة النفسية، والتخلي عن المثاليات، وزيادة السلبية ولوم الآخرين في حالة الفشل، وقلة الدافعية، ونقص فعالية الأداء، وكثرة التغيّب عن العمل، وعدم الاستقرار الوظيفي [2].

إن السبب الرئيسي في الاحتراق النفسي هو الرغبة الشديدة والمُلِحّة عند الفرد لتحقيق أهداف مثالية وغير واقعية. هذه الأهداف قد يفرضها المجتمع على الفرد وعندما يفشل في تحقيقها فإنه وقبل كل شيء يقع تحت وطأة الضغط النفسي، ومن ثمّ ينتقل بشكل تراكميّ إلى الاحتراق النفسي الذي يظهر على شكل إحساس بالعجز والقصور عن تأدية العمل.

و ترتبط هذه الظاهرة بمفهوم أمراض الحضارة التي تصيب الكثيرين منّا من خلال الأزمات النفسية العديدة التي تنجم بالدرجة الأولى عن الضغوط النفسية التي يواجهها إنسان اليوم ومنها ضغوط العمل والتي تؤدي إلى حالة من الإنهاك البدني والعقلي والانفعالي والدافعي نتيجة للزيادة المستمرة في الأعباء والمتطلبات الواقعة على كاهل الفرد وعدم مقدرته على تحملها ولاسيما عندما لا تتطابق طموحاته مع الواقع الفعلي الذي يستطيع تحقيقه بالفعل[3].

و يشير الفكر الإداري المتعلق بإدارة الأفراد وعلم النفس الإداري إلى أن الأفراد العاملين في المهن الإنسانية (…) هم الأكثر تعرضا لظاهرة الاحتراق النفسي في العمل بسبب ظروف العمل المختلفة، والواجبات التي تفرض عليهم بذل أقصى الجهود من أجل تحقيق الأهداف المرسومة لهم، وبسبب ضغوط العمل النفسية والمهنية التي تمر بهم من خلال ممارستهم للنشاط المهني، حيث تلعب العلاقات الرسمية وغير الرسمية مع الزملاء في العمل، وقضايا النمو المهني والنفسي، والظروف الفيزيقية، والممارسات الإدارية، وعبء الدور وغموضه.. وغيرها من المتغيرات، كلها تلعب دورا أساسيا في الإصابة بالاحتراق النفسي [4].

و نظرا لأهمية الدور الذي يقوم به المحامي في الدفاع عن حقوق المظلومين، ورعاية مصالحهم من خلال النصائح والاستشارات القانونية التي يحمي بها مستحقاتهم المادية والمعنوية، وأيضا من خلال مرافعاته أمام القضاة بمختلف تخصصاتهم وانتماءاتهم الفكرية، وما يشكله ذلك من عبء نفسي كبير يتحمّله المحامي بكل تجلّد، تأتي هذه الدراسة لمعرفة مستوى الاحتراق النفسي عند المحامين، حيث تشكّل نتائجها عونا لهم في تجنّب الأسباب المؤدية إلى الاحتراق النفسي قدر الإمكان، والتصدّي لها عند وقوعها، والتعامل معها بفاعلية، وأيضا لفت نظر المجتمع ككلّ لهذه الفئة من المهنيّين الذي يعطي ظاهرهم ومظهرهم انطباعا بالقوة والترفّع والكبرياء الزائد، حيث نأمل أن تكشف نتائج هذه الدراسة عن أسرار قد يخفيها رداؤهم الأسود.

أهمية الدراسة :
إن مجموع التغيرات الحاصلة في عالم الشغل خلال السنوات الأخيرة إضافة إلى التطور الاجتماعي، أدى إلى وضع مفاهيم جديدة للعمل، هذا الأخير الذي أصبح مصدرا للتوتر نظرا لاختلاف متطلباته وتزايدها إلى درجة فاقت إمكانيات الفرد الذي أصبح غير قادر على تلبيتها. هذا التغير في مفهوم العمل ومعناه بالنسبة للفرد تسبب في خلق فجوة كبيرة بين حاجات ورغبات الأفراد من جهة، والحقيقة التي يفرضها عالم الشغل من جهة أخرى فانعكس سلبا على الصحة النفسية والعقلية للأفراد.

و يعدّ الاحتراق النفسي من الظّواهر التي جذبت اهتمام الباحثين على مدى الأربعين عاماً الماضية أي منذ أن بدأ الاستعمال الأكاديمي لمفهوم الاحتراق النفسي من طرف Freudenberger سنة 1974؛ حيث تناولت أبحاثهم الاحتراق النفسي بوصفه ناتجًا عن التعرض الطويل للضغوط المهنية، كما وُصف بأنه أكثر حدوثًا لدى أصحاب المهن الخدمية. فمن الأسباب المؤدية لحدوثه: التعرض المستمر للضغوط النفسية المهنية، إلى جانب نقص مساندة الزملاء واعتراف الرؤساء في العمل،زيادة حجم العمل عن الحد المعقول، انخفاض الدعم المادي والمعنوي.. وتبعًا لذلك يؤدي إصابة الفرد بالاحتراق النفسي إلى: الغياب المتكرر، والسلبية في التعامل مع المحيطين، والإحساس بالملل، والإحباط، والتعب، والإرهاق لأقل مجهود، والرغبة في ترك المهنة..و في حالات نادرة قد تحضر الفرد أفكارا انتحارية[5].

لهذا كلّه، ترتبط أهمية هذه الدراسة بالجوانب التالية:

يمثل البحث الراهن لوحة وصفية ودراسة كشفية لمستويات الاحتراق النفسي الذي يعاني منه المحامون الممارسون نظرا لما يتعرضون له من ضغوطات شديدة خلال ممارستهم لهذه المهنة وهذا من خلال الكشف عن أعراض هذا الاضطراب ولفت الانتباه له داخل هذا الحقل الوظيفي.

إن هذا البحث يلقي الضوء على مستويات الاحتراق النفسي عند المحامين الممارسين لمهنة المحاماة، والتابعين لمجلس قضاء تلمسان، باعتبار الاحتراق النفسي من أكثر الظواهر التي تمسّ العاملين في الحقول المهنية ذات الطبيعة الاجتماعية والأخلاقية، ومنها مهنة المحاماة، حيث يلتزم أصحابها بواجب تحقيق العدل بالدفاع عن المظلومين والمهضومة حقوقهم، حيث يتوجب عليهم تحقيق هذا التوازن من خلال قدرتهم على التكيف مع واقعهم المهني والاجتماعي، ومن هنا تنبع أهمية دراسة هذه الظاهرة لدى فئة المحامين.

إنه بناء على النتائج التي ستتوصل إليها الدراسة، من خلال الكشف عن مستويات الاحتراق النفسي لدى فئة المحامين الممارسين، يمكن تغيير النظرة الاجتماعية التي يحملها المجتمع لهذه الفئة من المهنيين بإعطاء صورة أصدق وأوضح وحتى أكثر إنسانية، قد تمنحهم فرصة لتحاشي الإصابة بالاحتراق النفسي أو التخفيف من حدّته، أقلّه من خلال عزل أحد أسباب الإصابة به وهي نقص الدعم الاجتماعي ومساندة الآخرين.
أهداف الدراسة :
تعتبر مهنة المحاماة من المهن الإنسانية التي يتعرض أصحابها إلى ضغوطات مهنية عالية نظرا للتوتر والقلق الدائمين اللذان يصحبان سعي المحامي في تحقيق الأهداف الصعبة لمهنة المحاماة، مما يعرّضه إلى درجة من الإجهاد والتعب تطفئان شعلة الحماسة لديه، فتستنفذ كل محاولات مقاومة ضغوط العمل فيكون مآله الاحتراق النفسي.لهذا سنحاول من خلال بحثنا هذا تحقيق الأهداف التالية:

الكشف عن مستويات الاحتراق الذي يعاني منه المحامون الممارسون نظرا للضغوطات التي تفرضها عليهم طبيعة مهنة المحاماة.
إيجاد العلاقة بين مستويات الاحتراق النفسي وبعض المتغيرات الديمغرافية كالجنس والسن.
إيجاد العلاقة بين مستويات الاحتراق النفسي والخبرة المهنية والحالة الاجتماعية.

إشكالية الدراسة :
إن من أهم مشاكل الصحة النفسية التي تفرض نفسها في يومنا هذا والتي تأتي كنتيجة للضغط والتوتر داخل الوسط المهني نتطرق لمفهوم متلازمة الاحتراق النفسي (أو متلازمة الإنهاك المهني) والذي يأتي على رأس قائمة الأمراض والإضطرابات المرتبطة بالعمل[6].والمحامي ليس في منأى عن ذلك، فهو يعتبر الشخص الوسيط بين الحق والباطل، بين تحقيق العدالة أو تفشي الظلم واللاعدل، بين الحرية وبين الأسر..و إن تواجده في هذا المحور الحساس يحمّله من الضغط ما قد لا يطيقه، إلا من كابد نفس هذا الألم، إذ أنه مطالب ببذل كل طاقته من أجل إثبات مهاراته في الإقناع وتسخير معارفه من أجل تحقيق أهدافه في إرضاء الوكيل أو العميل من جهة، وإرضاء نفسه من جهة أخرى.

لهذا، نجد أن المحامي قد يعاني من بعض المشكلات المتعلقة بمهنة المحاماة كعبء العمل، غموض الأدوار حين يضطر إلى الدفاع عن شخص قريب أو حين يكون مجبرا على جرح مشاعر بعض الأفراد خلال مرافعاته، ..الخ. حينها يصبح غير قادر على التحكم في مجريات مهنته فيفقد السيطرة على أموره المهنية، هذا بالإضافة إلى النظرة الاجتماعية المتدنّية لمهنة المحامي إذ يشاع عنه أنه المدافع عن الباطل ولو على حساب الحق لتحقيق المكاسب المادية…

كل هذه المشكلات –إن استمرت- سيصاحبها ظهور بعض التأثيرات على المحامي فيطوّر اتجاهات سلبية تؤثر على علاقاته مع عملائه ومع زملائه وحتى مع عائلته، هذا بالإضافة إلى تأثير ذلك على أدائه المهني وعلى كفاءته في العمل نظرا لشعوره بالتعب الشديد وبالإجهاد النفسي والبدني، فيصبح غير قادر على اتخاذ القرارات الصائبة، فيقع بين خيارين: إما أن يستمر في ممارسة المهنة منهكا متعبا مما قد يوقعه في أخطار حقيقية مرتكبا أخطاء جسيمة تعود تبعاتها عليه شخصيا وحتى على العميل، أو يستمر فيها غير مبال بما قد يترتب عن ذلك من خلال إهماله لعمله، وإما أن يترك مهنته وينصرف نحو ممارسة مهنة أخرى..وهذا ما يؤدي به إلى الاحتراق النفسي.

و على هذا النحو، ومن خلال واقع معاناة المحامي العامل في مجال أقل ما يقال عنه أنه مشحون بالتناقضات، وعلى ضوء ما أدلت به الباحثة كريستينا ماسلاك (C. MASLACH)عن تقارب مستويات الاحتراق النفسي بين المحامين وبين الأطباء على وجه الخصوص[7]، تتحدد إشكالية البحث في طرح السؤال التالي:

ما هي مستويات الاحتراق النفسي عند المحامين الممارسين لمهنة المحاماة والمنتسبين لمجلس قضاء تلمسان؟
يتفرع من هذا السؤال الرئيسي الأسئلة الفرعية التالية:

هل هناك فروقا دالة إحصائيا في مستويات الاحتراق النفسي بأبعاده الثلاثة (الإنهاك الانفعالي وتبلد الشعور ونقص الشعور بالإنجاز الشخصي) بين الذكور والإناث من المحامين على مقياس الاحتراق النفسي؟
هل هناك فروقا دالة إحصائيا في مستويات الاحتراق النفسي بأبعاده الثلاثة (الإنهاك الانفعالي وتبلد الشعور ونقص الشعور بالإنجاز الشخصي) تعود إلى متغير الحالة الاجتماعية؟
فرضيات الدراسة :
الفرضية الرئيسية:

نظرا لكل ما يتعرّض له المحامون الممارسون لمهنة المحاماة والمنتسبين إلى مجلس قضاء تلمسان من مواقف ضاغطة جمّة، فإنّنا نعتقد بأنّ مستويات الاحتراق النفسي عندهم ستكون عالية.

الفرضيات الفرعية:

توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث من المحامين في مستويات الاحتراق النفسي بأبعاده الثلاثة (الإنهاك الانفعالي وتبلد الشعور ونقص الشعور بالإنجاز الشخصي).

توجد فروق ذات دلالة إحصائية في مستويات الاحتراق النفسي بأبعاده الثلاثة (الإنهاك الانفعالي وتبلد الشعور ونقص الشعور بالإنجاز الشخصي) تعزّى إلى متغير الحالة الاجتماعية.

المفاهيم الإجرائية:
الاحتراق النفسي: هو عبارة عن حالة من الإنهاك الجسمي والانفعالي والعقلي تنتج استجابة للإنهاك طويل المدى في مواقف مشحونة انفعاليا بسبب التعرض لضغوط العمل والأعباء الزائدة وتكون مصحوبة بتوقعات شخصية مرتفعة تتعلق بأداء الفرد.ويتضمن الشعور بالإنهاك الانفعالي وتبلد الشعور ونقص الشعور بالإنجاز الشخصي. وسيتم قياسه وتقييمه من خلال الدرجة الكلية التي يحصل عليها المحامي على مقياس الاحتراق النفسي المستخدم في هذه الدراسة.

الإنهاك الانفعالي: هو الشعور بالتعب نتيجة لأعباء العمل والمسؤولية الزائدة نتيجة الجهد المبذول لمساعدة الآخرين. وسيتم قياسه وتقييمه من خلال مجموع الدرجات الفرعية الخاصة بهذا البعد في الدراسة والذي سيحصل عليها المحامي.

بلادة الشعور:هو الشعور السلبي الذي يتولد لدى الفرد بسب ضغط العمل الزائد. وسيتم قياسه وتقييمه من خلال مجموع الدرجات الفرعية الخاصة بهذا البعد في الدراسة والذي سيحصل عليها المحامي.

نقص الشعور بالإنجاز:هو ميل الفرد إلى تقييم نفسه بطريقة سلبية. وسيتم قياسه وتقييمه من خلال مجموع الدرجات الفرعية الخاصة بهذا البعد في الدراسة والذي سيحصل عليها المحامي.

المحامي: هو الشخص الحامل لرخصة ممارسة مهنة المحاماة، والمؤدي لليمين القانونية، والمسجّل لدى نقابة المحامين، متّخذا مكتبا في دائرة اختصاص أحد المجالس القضائية.

عرض تاريخي لمصطلح الاحتراق النفسي:
ليس الاحتراق النفسي بالظاهرة الحديثة العهد بل تعود جذورها إلى الزمن البعيد حيث كان يُشار إليه بعدّة مصطلحات تختلف باختلاف الفترة الزمنية، وباختلاف المتخصّصين. فمنهم من ذكر بأنه نفسه الاكتئاب، أو التحول عن العمل، أو الجمود والتبلّد، واللامبالاة، أو الاستنزاف والاستنفاذ.. كما وُصف الاحتراق النفسي أيضا بأنه أزمة منتصف العمر أو أزمة الثمانينات أو حتى داءُ الحياة العصرية [8].

ففي القرن الثامن عشر (18)، وبالتحديد سنة 1768، كرّس الطبيب السويسري د. صامويل تيسو (Samuel TISSOT) جزءا من أبحاثه في دراسة علم الأمراض العقلية ذات الأصل المهني والتي تمس بالخصوص المفكرين والمثقفين والمسيرين، فوصف الأضرار المترتبة عن التفاني الكبير في أداء العمل وآثار ذلك على صحة الفرد [9].

و في القرن التاسع عشر(19)، تحديدا سنة 1840، اهتم لويس فيلارمي (Louis René VILLERME)، الطبيب وعالم الاجتماع الفرنسي، بالآثار التي يخلّفها العمل المكثّف على الطبقة العاملة [10]، حيث نشركتابه

“Le tableau de l’état physique et moral des ouvriers” والذي أظهر فيه أهمية وخطورة الأمراض العقلية التي يتسبب فيها عالم الشغل [11].

ثم أظهره الطبيب الإنجليزي دانيال توك (Daniel Hack TUKE) سنة 1882 من خلال مفهوم “الإرهاق” (Surmenage) [12]، وبعده عالم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة الأمريكي روبرت بارك (Robert Ezra PARK) سنة 1934 بما أسماه ” الإعياء الصناعي” Industrial fatigue)) في إحدى إسهاماته بالمجلة العلمية (American journal of sociology) في مقال بعنوان: (Industrial fatigue and group morale)[13] .

و بعدهما، استعمل كلّ من هانز سيليي (Hans SELYE) سنة 1936 ووالتر كانون (Walter CANNON) سنة 1942 عبارة ضغط (Stress) للدلالة على حالة نفسية مرضيّة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالوضعية المهنية، وهي عبارة مستقاة من اللغة الإنجليزية متداولة منذ القرن 14، والتي تعني تجربة وألم وضيق، ثمّ ضغط وإجهاد [14]. وكلها مفاهيم استُعملت لوصف الحالات المماثلة للاحتراق النفسي.

كما أن مفهوم الاحتراق النفسي كمصطلح علمي لم يستعمل إلا حديثا بينما أشير إلى أعراضه في العديد من الأبحاث باعتبار أن أعراض الاحتراق النفسي تبدأ في الظهور بمجرد التحاق الفرد بميدان العمل. فخلال الحرب العالمية الأولى والثانية كان يستعمل مصطلح ” تعب المعارك” للدلالة على أعراض مشابهة لأعراض الاحتراق النفسي .

ففي سنة 1941، أشار مايورسن (Ignace MEYERSON) إلى اعتبار ” العمل سلوكسيكولوجي حقيقي”. وفي سنة 1955، وفي جريدة (le journal de psychologie)، استمر في استثمار نفس الفكرة، وذكر أن “العمل هو وظيفة سيكولوجية” بمعنى أنه تصرف وسلوك، يمكن من خلاله أن “يحقق الفرد ذاته أو أن يدمّرها” ![15]

كما ظهر مفهوم الاحتراق النفسي في أعمال طبيب الأمراض العقلية الفرنسي كلود فال (Claude VEIL) سنة 1959، حيث وصفه “كحالة من الإنهاك المهني الناتج عن بذل متوالي ومستمر لجهد في العمل تحت وطأة جملة من الضغوطات الداخلية والخارجية “[16]، لكنه كان قد أعرب سنة 1957 أن تجلّيات هذا الاضطراب لا يدخل ضمن دائرة “الوصف الكلاسيكي للأمراض”[17]، وقد كان له الفضل في أعماله التي اشترك معه فيها كلّ من روجي أميال (Roger AMIEL) وبول سيفادون (Paul SIVADON) في ظهور تخصص جديد ألا وهو: علم النفس المرضي للعمل (La Psychopathologie du Travail).[18]

أما سنة 1961، فقد قام الأديب الكاتب غراهام غرين (Graham GREEN) بسرد رواية عنوانها” la saison des pluies ” أي “موسم الأمطار”- وعنوانها الأصلي هو”A Burn Out case”، بطلها (Querry)، وهي رواية تحكي قصّة مهندس معماري مشهور عالميا من مدينة نيويورك، آثر قضاء ما تبقى من حياته في أدغال إفريقيا بعد أن أنهكه العمل واستنزف قواه[19]. وقد لقيت الرواية نجاحا وشهرة كبيرين، لكن لم يلق حينها الاحتراق النفسي نفس الشهرة التي لقيتها الرواية.

و في سنة 1969، كانت لوريتا برادلي (Loretta BRADLEY)، أستاذة ومنسقة مستشاري التربية بالجامعة التقنية بولاية تكساس، كانت أول من أعطت اسم الاحتراق النفسي لوصف نوع خاص من الضغوط النفسية المرتبطة بالعمل لدى المهنيين العاملين في الحقل الاجتماعي في إطار برامج إعادة إدماج الشباب المنحرف[20]، وذلك من خلال مقالها المعنون :”Community based treatemt for young adult offenders “والذي نشرته في كتابها: “Crime and Deliquency”.

لكن يعتبر فرويدنبرجر H. FREUDENBERGER1974 أول من ادخل مصطلح الاحتراق النفسي Burnout إلى حيز الاستخدام الأكاديمي عندما نشر دراسة أعدها لدورية متخصصة”Journal of social issues” وناقش فيها نتائج تجاربه بعد أن لاحظ أن موظفي “Free Clinic” -عيادته النفسية المجانية بمدينة نيويورك- كانوا يشعرون بإحساس يملؤه الفراغ، وبالإنهاك والتعب الشديد وبآلام جسمية نتيجة الضغط العالي الذي كان يمارسه عليهم المرضى المدمنين المترددين على عيادته، وحتى الشعور بالاحتراق.

و ابتداءً من عام 1976، بدأ تشكيل أول فريق عمل من ولاية كاليفورنيا برئاسة الباحثة ماسلاك C. MASLACH التي اشتركت في أبحاثها مع بينز (A. PINES) (1979، 1980)، ومع جاكسون (S. JACKSON) (1979)، لتباشر دراساتها حول المحامين والمعلمين والمهنيين العاملين في قطاع الصحة وداخل المصالح الاجتماعية كونهم يؤدون أعمالا ونشاطات تقتضي التعاون المباشر مع الناس، هذا بالإضافة إلى شهرة الأداة التي أعدتها لقياس مستويات الاحتراق النفسي،حيث مثّلت الريادة في دراسة وتطوير مفاهيم الاحتراق النفسي[21].

أما فريق البحث الثاني فكان يرأسه شيرنس C. CHERNISS (1980) الذي وجّه دراساته في الاحتراق النفسي نحو فئة المهنيين العاملين في القطاع العام. وذكر أن أهم ما يميز الاحتراق النفسي هو الانسحاب النفسي بالنسبة إلى العمل وكل ما يرافقه من تطوير لمواقف سلبية تحضيرا للإصابة بالاحتراق النفسي.

و أخيرا ظهر فريق ثالث من الباحثين –و يعدّ الأهم من خلال ما قدموه من نتائج بحثية في مجال الاحتراق النفسي والإنهاك المهني- ترأسه كلّ من إلدويك وبرودسكي (EDELWICH & BRODSKY, 1980) بحيث وجّها أبحاثهما نحو أصحاب المهن الخدمية الذين يكرسون جهودهم في أداء أعمال تقتضي التعامل المباشر مع الناس في علاقة مساعدة [22].

تعريف الاحتراق النفسي:
كلمة Burn out هي اصطلاح لغوي إنجليزي، وتعني أحرق وأهلك بالنار وأحرق عن آخره (مثل المصباح)، أو أحرق حتى الانطفاء (مثل الشمعة) [23]، وهي في الأصل مشتقة من الصناعة الفضائية لتعني”حالة صاروخ نفذ منه الوقود مما نتج عن ذلك فرط في التسخين والإحماء مما زاد من احتمال وخطر تعطل الآلة [24] .ويقاس ذلك على الأشخاص الذين يشبهون الصاروخ إذ يفرطون في النشاط، فتجدهم مهووسون بعملهم، يتميزون بالصرامة، بالدقة، وبالقسوة على أنفسهم لغاية استنفاذ كل طاقتهم إلى درجة الانفجار (الانهيار)، مثلهم مثل الآلة.لكن اختلف الباحثين العرب حول ترجمة المصطلح burnout، فمرة يدعونه الإنهاك النفسي، وتارة الإستنفاذ، وأحيانا الإنطفاء أو حتى التوقف.. لكن أجمعت أغلب الدراسات على ترجمته بـ “الإحتراق النفسي”.

و قد تعددت التعريفات التي أعطيت للاحتراق النفسي، إذ في سنة 1982، قام كل من عالمي النفس “Baron PERLMAN و Alan HARTMAN ” بدراسة مسحية على المهنيين من مختلف الاختصاصات (معلمين، تربويين، إختصاصيي الصحة، ..) وكرّسا دراستهما لهذه الظاهرة ونشرا نتائجها على إحدى أكبر المجلات الأدبية حيث أحصيا ما لا يقل عن 48 تعريفا للاحتراق النفسي[25].

ويُعدّ المؤتمر الدولي الأول للاحتراق النفسي ـ الذي عُقد بمدينة فيلادلفيا Philadelphia في نوفمبر1981ـ البداية الحقيقية لتطور مصطلح الاحتراق النفسي[26]، وقد أورد هاربر ريتشلسون فرودنبرجر (Herbert Richelson FREUDENBERGER) معنى Burn-out وهو كون الفرد يصاب بالضعف والوهن، أو يجهد ويرهق، ويصبح منهكاً بسبب الإفراط في استخدام الطاقات والقوى .

وتوالت مجهوداته بعد ذلك وصفاً للمصطلح، فعرّفه سنة 1974 بأنه: “إفراط الفرد في استخدام طاقاته حتى يستطيع تلبية متطلبات العمل الزائدة عن قدرته”-وسنة 1975 عرّفه بأنه: “حالة من الإنهاك الناتج عن الاختلاف والتفاوت بين أعباء ومتطلبات العمل، وبين قدراته وإمكاناته وتطلعاته”، كما رأى بأنه: “حالة من التعب المزمن ومن الإحباط الناتجين عن التفاني في إنجاز عمل ما”. وفي نفس السياق ذكر سنة 1980 ” …إن الأشخاص في بعض الأحيان يكونون ضحايا للاحتراق مثلهم مثل المباني وهذا نتيجة الضغط الناتج عن الحياة في هذا العالم المعقد، فتتآكل الطاقة الداخلية للإنسان مثل تآكل اللهب مخلفا فراغا داخليا هائلا[27] “.

يرى شيرنس (C. CHERNISS، 1980) أن الاحتراق النفسي هو ظاهرة تتصف بالقلق والتوتر والإنهاك الجسمي والانفعالي كاستجابة للضغوط النفسية المرتبطة بالعمل محدثة تغيرات سلوكية متعلقة بالاتجاهات. ويمكن تعريف الاحتراق النفسي بأنه عرض لاتجاهات غير ملائمة نحو العملاء ونحو الذات، وغالبا ما يرتبط بأعراض إنفعالية وجسمية غير مريحة تتراوح بين الإنهاك والقلق، إلى القرحة والصداع، إضافة إلى تدهور الأداء.[28]

أما كريستينا ماسلاك (Christina MASLACH، 1977) فتعرفه بأنه حالة نفسية تتميز بمجموعة من الصفات السيئة مثل التوتر وعدم الاستقرار النفسي والميل إلى العزلة وأيضا الاتجاهات السلبية نحو العملاء والزملاء.[29]

ثمّ في سنة 1981، جاءت كل من ماسلاك (MASLACH) وسوزان جاكسون (Susan JACKSON) بتعريف جديد للاحتراق النفسي، وقالتا بأنه “إحساس الفرد بالإجهاد الانفعالي، وتبلد المشاعر، وانخفاض الإنجاز الشخصي”[30]. ثم أشارت سنة 1982إلى أن الاحتراق النفسي يعرف بأنه : متلازمة أو مجموعة أعراض الإجهاد العصبي واستنفاد الطاقة الانفعالية، والتجرد عن الخواص الشخصية، والإحساس بعدم الرضا عن الإنجاز الشخصي في المجال المهني، وهي مجموعة أعراض يمكن أن تحدث لدى الأشخاص الذين يؤدون نوعاً من الأعمال التي تقتضي التعامل المباشر مع الناس.[31]

ثمّ عرّفته جاكسون (S. JACKSON، 1984) بأنه إرهاق إنفعالي وجسمي وسخط على الذات وعلى الآخرين وعلى العمل، وفقدان الحماس، والركود، والبلادة، وانخفاض مستوى الإنتاجية.[32]

ثم عادت ماسلاك وعرّفته سنة 1997، رفقة مايكل ليتر (Micheal LEITER) بأنه : “مجموعة من الأعراض تتمثل في الإجهاد الانفعالي واستنفاذ الطاقة الانفعالية والتجرد من النواحي الشخصية والإحساس بعدم الرضا عن الإنجاز في المجال المهني والتي يمكن أن تحدث لدى الأشخاص الذين يؤدون نوعا من الأعمال التي تقتضي التعامل المباشر مع الناس”، وبأنه “تغيرات في اتجاهات وسلوك الفرد نحو العمل، وكذلك تغيرات في حالته البدنية، وتتمثل في الإجهاد الانفعالي، ويصل الأمر به إلى انخفاض إنجازه الشخصي”

و يعرّفه كل من بينز وأرونسن (PINES & ARONSON، 1983) بأنه: حالة من الإجهاد البدني، والذهني، والعصبي، والانفعالي، وهي حالة تحدث نتيجة للعمل مع الناس والتفاعل معهم لفترة طويلة، وفي مواقف تحتاج إلى بذل مجهود انفعالي مضاعف .

أما ماكبريد (McBRIDE) فيعرف الاحتراق النفسي بأنه استنزاف جسمي وانفعالي بشكل كامل؛ بسبب الضغط الزائد عن الحد، وينتج عنه عدم التوازن بين المتطلبات والقدرات، بحيث يشعر الفرد أنه غير قادر على التكامل مع أي ضغط إضافي في الوقت الحالي مما يؤدي للاحتراق النفسي[33].

أما كاتي كيلي (KELLY Kathy) فعرّفته نقلا عن ماسلاك سنة 1993 بأنه: “حالة من الإنهاك الجسدي والانفعالي والعقلي تظهر على شكل إعياء شديد وشعور بعدم الجدوى وفقدان الأمل وتطور مفهوم ذات سلبي واتجاهات سلبية نحو العمل والحياة والناس” [34].

أبعاد الاحتراق النفسي:
للاحتراق النفسي ثلاث أبعاد يُعرف بها هي:

الإجهاد الانفعالي:أو الاستنزاف العاطفي، ويعدّ العنصر الأساسي في الاحتراق النفسي ونواته. ويعني فقد طاقة الفرد على العمل والأداء والإحساس بزيادة متطلبات العمل.ويكون هذا الإجهاد جسميا ونفسيا في ذات الوقت. داخليا، يشعر الفرد بهذا الإجهاد في شكل تعب كبير في العمل، وبأنه فارغ داخليا، فيجد أن لا قدرة له على التجاوب مع مشاعر الآخرين ولا بمبادلتهم إياها، ويشعر بأن هذا العمل بدأ يصبح صعبا يوما بعد يوم، وبأن هذا التعب لا يتحسّن حتى بعد أخذ قسط من الراحة، فنلاحظ على الفرد إنفجارات عاطفية مثل هجمات الغضب والعصبية، ومتاعب معرفية كصعوبة التركيز وسرعة النسيان. ويرجع ذلك أن بعض الأفراد العاملين في بعض قطاعات ذات الطابع الإنساني والمتميزة بحب مساعدة الآخر كقطاعات الصحة أو العدالة مثلا، هؤلاء الأفراد معروف عنهم كلاسيكيا أنهم أقوياء ولا يحق لهم الشكوى ولا التذمر ولا حتى التعبير عن ضعفهم، فيتنكرون لعواطفهم ولانفعالاتهم من خلال سيطرتهم الدائمة على مشاعرهم، فيأخذ الإجهاد مظهر برودة العواطف[35].

بلادة المشاعر:أو التجرد من الإنسانية في علاقته مع الآخرين، وهو شعور الفرد بأنه سلبي وصارم، مع اختلال حالته المزاجية. وهو يعدّ النواة الأساسية لمتلازمة الاحتراق النفسي، ويتميز هذا البعد بالانفصال، وبجفاف علائقي يكون أقرب إلى السخرية. فالعميل يعامل وكأنه شيء جامد، كأنه حالة مجردة، أو كرقم ملف!-ويعتبر تبني المواقف السلبية كنقطة رئيسية في تشخيص متلازمة الاحتراق النفسي، فالفرد في بداية حياته المهنية يكون في قمة حماسه، ثم يبدأ في اتخاذ المظهر اللاإنساني الذي لا يلاحظ بسهولة لأنه يستقر بمكر ودهاء دون أن يلاحظ ذلك الفرد نفسه، بل ورغما عنه!

نقص الإنجاز الشخصي: وهو الشعور بالفشل المهني أو إحساس الفرد بتدني نجاحه واعتقاده بأن مجهوداته تذهب سدى.فيبدأ الفرد في التشكك في قدراته فينقص تقديره بذاته ويبدأ في الشعور بالذنب، وبعدم الدافعية إلى العمل، فتتعدد بذلك النتائج: كثرة الغيابات بمبرر أو بدون مبرر، الهروب من العمل، ويبدأ في التفكير في تغيير المهنة، أو بالعكس يضاعف نشاطه المهني، ويمدد ساعات عمله، ورغم ذلك يكون أداؤه ومكاسبه في تضاؤل [36]. ويأتي هذا البُعد إمّا كنتيجة لبعدي الإجهاد الانفعالي وبلادة المشاعر، أو أنه يجمع بينهما.

كيفية التغلب على الاحتراق النفسي:
إن من أهم العوامل التي تساعد على التخفيف من مشكلة الاحتراق النفسي هو معرفة النفس وما تحتاج إليه وإقامة علاقات متوازنة مع الأسرة والأصدقاء، إذ لابد من استعادة التوازن الداخلي واعتبار المصالح الشخصية في أولوية الخيارات. وهذا أكثر ما أصرّ عليه ذوي الاختصاص ممن درسوا الاحتراق النفسي وتبعاته، وممن حاولوا رسم الإطار الوقائي لهذه المتلازمة، مع الاعتراف بصعوبة علاجه إذا كان الاضطراب قد تأصّل في الفرد.

أما الطريقة الأخرى التي تسمح بتقليص والاحتراق النفسي فهي تنادي بتدخلات من أجل تحسين قدرات التكيف عند الفرد وذلك من خلال تحفيز المجهود الفردي وصياغة أسلوب فردي للمواجهة، وذلك بما يلي:

اكتساب مهارات معرفية، تعريف وتحسيس الفرد بطريقة تفكيره والكشف عن الإعوجاجات في مسار تقييم المواقف واقتراح طرق مختلفة للتفكير، ومواقف جديدة، مع إدخال نمط معرفي مختلف في الحالات التي تم اعتبارها مواقف ضاغطة.

تطبيق تقنيات معينة ومحددة للارتخاء ولتسيير الوقت.

التدرب على ” تلقيح الضغط النفسي ” « Stress Inoculation Training »[37]، وهي تقنية جديدة تعلّم كيفية مواجهة المواقف الضاغطة وذلك بالتلقيح ” بالمضادات النفسية”.

و حسب بورك وريشاردسون (Burke R.J & Richardson A.M)[38]، ترجع أسباب التقصير في المصادقة على المقاييس المقترحة لمعالجة الاحتراق النفسي أساسا إلى غياب التمييز الواضح والتفريق بين مفهومي بالاحتراق النفسي والضغط النفسي، وأيضا إلى غياب الموافقة على نموذج إيتيولوجي يبحث في أسباب هذا الاضطراب، والاكتفاء بالميل إلى تركيز التدخلات على عدد محدد من العوامل والأسباب المؤدية إلى هذا الاضطراب.

منهج الدراسة:
اعتمدت الباحثة منهجا وصفيا تحليليا يتبنى دراسة استكشافية ومقارنة، يتلاءم والغرض الذي وضع لهذه الدراسة، حيث يعنى بوصف الظاهرة وجمع الحقائق والمعلومات والملاحظات عنها وتقرير حالتها كما هي، وتقديم التفسير والتحليل للبيانات التي تمت جميعها وتبويبها.

عينة الدراسة ومواصفاتها:

تكوّنت عينة البحث من 56محاميا ومحامية من مجموع المحامين المسجّلين لدى نقابة المحامين التابعين لمجلس قضاء تلمسان ، وقد تمّ اختيارهم بطريقة عشوائية، والجداول التالية توضّح توزيع أفراد عيّنة الدراسة حسب متغيّراتها المستقلّة :

الجنس التكرار النسبة المئوية
إناث 22 39.29
ذكور 34 60.71
المجموع 56 100

الجدول 1: توزيع أفراد العينة حسب الجنس

الحالة الاجتماعية التكرار النسبة المئوية
غير متزوجون 35 62.5
متزوجون 21 37.5
المجموع 56 100

الجدول 2: توزيع أفراد العينة حسب الحالة الاجتماعية

 

 

  • أداة الدراسة وخصائصها السيكومترية:

أ.صدق المقياس:

اعتمدت الباحثة على الصدق المنطقي أو ما يعرف بصدق المحتوى، حيث عرضت أداة البحث في صورتها الأولية على مجموعة من الأساتذة المحكّمين من ذوي الاختصاص العلمي واللغوي، وكان عددهم أربعة وقد طلبت منهم الباحثة تحكيم المقياس وذلك بإبداء رأيهم وملاحظاتهم العلميّة والشّكليّة واللّغويّة في سلامة كل عبارة من عباراته، ومدى ملائمتها للغرض الموضوع من أجله، مع إجراء تعديل بالحذف أو بالإضافة للعبارات التي تحتاج إلى ذلك وإعطاء درجة سلامة المقياس.

وبالاطلاع على ملاحظات الأساتذة المحكّمين قامت الباحثة بإدخال بعض التغييرات والتعديلات على بعض عبارات المقياس وأجمع  الأساتذة المحكّمين كلّهم على أن عبارات المقياس أصبحت متصلة بالأبعاد بالتالي على صلاحية المقياس لهذه الدراسة وذلك بنسبة 89.4 %

ب.ثبات المقياس:

لتحديد ثبات المقياس تم حساب معامل ثبات المقياس بطريقة إعادة تطبيق الاختبار، حيث تمّ تطبيق المقياس على العينة الاستطلاعية،  وبعد مرور فاصل زمني قدره 20 يوما، أعيد تطبيق الاختبار على نفس أفراد العينة ثمّ جمعت درجاتهم وتمّ حساب ثبات المقياس باستخدام التحليل الإحصائي وفقا لمعامل الارتباط بيرسون PEARSON  وذلك لكلّ بُعد وتبيّن أن المقياس يتميزّ بدرجة عالية من الثبات حيث كانت قيمة معامل ثبات بُعد الإجهاد الانفعالي تساوي 0.67 وبُعد بلادة المشاعر 0.78 وبُعد نقص الإنجاز الشخصي 0.74  أما قيمة الثبات الكلي للمقياس فكانت  0.83

  • عرض وتحليل نتائج الاختبار:
مستويات الاحتراق النفسي
منخفض معتدل عالي المجموع
التكرار % التكرار % التكرار % التكرار %
أبعاد الاحتراق النفسي الإجهاد الإنفعالي 17 30.35 11 19.64 28 50 56 100
بلادة المشاعر 15 26.78 08 14.28 33 58.92 56 100
نقص الإنجاز الشخصي 15 26.78 12 21.42 29 51.78 56 100

الجدول 3: مستويات الاحتراق النفسي لأفراد العينة حسب أبعاده الثلاثة

الانحراف المعياري المتوسط الحسابي
13,29 27.54 الإجهاد النفسي أبعاد الاحتراق النفسي
11,96 15.63 بلادة المشاعر
10,16 38.91 نقص الانجاز الشخصي

الجدول 4: المتوسط الحسابي والانحراف المعياري للاحتراق النفسي حسب أبعاده الثلاثة

ذكور إناث
التكرار % التكرار %
مستويات الاحتراق النفسي منخفض 09 26.47 06 27.27
معتدل 09 26.47 03 13.63
عالي 16 47.06 13 59.10
المجموع 34 100 22 100

الجدول 5: مستويات الاحتراق النفسي لأفراد العينة حسب الجنس

متزوجون غير متزوجون
التكرار % التكرار %
مستويات الاحتراق النفسي منخفض 07 23.86 08 33.33
معتدل 03 25.71 09 14.29
عالي 11 51.43 18 52.38
المجموع 21 100 35 100

الجدول 6: مستويات الاحتراق حسب متغير الحالة الاجتماعية

  • عرض نتائج الدراسة وفق الفرضيات المطروحة:
  1. عرض نتائج الفرضية الرئيسية:

و كان نصها: “يعاني المحامون الممارسون لمهنة المحاماة والمنتسبين لمجلس قضاء تلمسان من مستويات عالية من الاحتراق النفسي”.

وفقا لما تمّ عرضه من نتائج اختبار ماسلاك لقياس مستويات الاحتراق النفسي (الجدول3)، فقد اتضح أن المحامين الممارسين لمهنة المحاماة والمنتسبين لمجلس قضاء تلمسان يعانون من مستوى عالي من الاحتراق النفسي، حيث أظهرت النتائج أن 50% من أفراد العينة يعانون من مستوى عالي من الإجهاد الانفعالي، وأن 58.92% يعانون من مستوى عالي من بلادة المشاعر، وأن 51.78% من الأفراد لديهم مستوى عالي من الشعور بالإنجاز الشخصي. وبالنظر إلى (الجدول 4) الذي يُظهر المتوسطات الحسابية للأبعاد الثلاثة للاحتراق النفسي، يتّضح المستوى العالي من الاحتراق النفسي في أبعاده الثلاثة: الإجهاد الانفعالي، بلادة المشاعر، وبُعد نقص الإنجاز الشخصي. وهذا ما يجعل هذه النتائج تتّسق مع نصّ الفرضية الرئيسة ويجعلها تتحقق.

  1. عرض نتائج الفرضيات الفرعية:
  • عرض نتائج الفرضية الأولى:

وكان نصها: ” توجد فروقا ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث من المحامين على مقياس الاحتراق النفسي”

و لاختبار صحتها تم استخراج المتوسطات والانحرافات المعيارية لدرجات أفراد العينة، واستخدمت الباحثة إختبار “T” لمعرفة الفرق بين متوسط درجات الذكور ومتوسط درجات الإناث كما هو موضح على الجدول 7.

المتوسط الحسابي الانحراف المعياري قيمة T مستوى الدلالة
إناث 22,86 13,28 5.55 0.05
ذكور 25,87 14,02

الجدول 7: إختبار “T” لدلالة الفروق بين المتوسطات والانحرافات المعيارية

للاحتراق النفسي تبعا لمتغير الجنس

يتضح من خلال (الجدول7) أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية عند مستوى الدلالة 0.05 لصالح المحامين الذكور، هذا ما يجعل الفرضية الأولى تتحقق.

و للتعرف على مصدر هذه الفروق، تم استخراج المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لحساب إختبار “T” على الأبعاد الثلاثة لمقياس ماسلاك، وجاءت النتائج كالآتي:

مستوى الدلالة قيمة T ذكور (ن=34) إناث (ن=22)
الانحراف المعياري المتوسط الحسابي الانحراف المعياري المتوسط الحسابي
0.01 3.35 13,34 23,05 12,53 29,36 الإجهاد النفسي
0.01 5.78 13,86 19 5,02 10,41 بلادة المشاعر
0.01 2.49 8,79 35,55 10,93 28,82 نقص الانجاز الشخصي

الجدول 8: إختبار “T“لدلالة الفروق بين المتوسطات والانحرافات المعيارية للأبعاد الفرعية لمقياس الاحتراق النفسي تبعا لمتغير الجنس

يتضح من خلال (الجدول8) أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية عند مستوى الدلالة 0.01 بين درجات المحامين الذكور والمحاميات على الأبعاد الثلاثة،

  • عرض نتائج الفرضية الثانية:

و كان نصها: ” توجد فروقا ذات دلالة إحصائية في مستويات الاحتراق النفسي بأبعاده الثلاثة تعود إلى متغير الحالة الاجتماعية”.

و لاختبار صحة هذه الفرضية تم استخراج المتوسطات والانحرافات المعيارية لدرجات أفراد العينة، واستخدمت الباحثة إختبار “T” للعينات غير المرتبطة، وذلك لمعرفة الفرق بين متوسط درجات الذكور ومتوسط درجات الإناث على مقياس ماسلاك كما هو موضح على الجدول التالي:

المتوسط الحسابي الانحراف المعياري قيمة T مستوى الدلالة
أعزب 23.84 14.61 3.29 0.05
متزوج 22.71 12.01

الجدول 9:إختبار “T“لدلالة الفروق بين المتوسطات والانحرافات المعيارية للاحتراق النفسي تبعا لمتغير الحالة الاجتماعية

يتضح من خلال (الجدول 9) أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية عند مستوى الدلالة 0.05 بين درجات المحامين المتزوجين والمحامين غير المتزوجين وذلك لصالح المحامين غير المتزوجين.

و من خلال هذه النتائج، يتم قبول الفرضية الرابعة لأنها تحققت.

و للتعرف على مصدر هذه الفروق، إستخرجت المتوسطات والانحرافات المعيارية لدرجات أفراد العينة على الأبعاد الثلاثة للمقياس، وجاءت النتيجة كالآتي:

مستوى الدلالة قيمة T غير متزوجون (ن=35) متزوجون

(ن=21) الانحراف المعياريالمتوسط الحسابيالانحراف  المعياريالمتوسط  الحسابي 0.054.2314,1327,5411,0423,67الإجهاد النفسيأبعاد الاحتراق النفسي0.053.145,5110,544,5811,24بلادة المشاعر0.055.9011,4933,457,0233,24نقص الانجاز الشخصي
الجدول 10: إختبار “T“لدلالة الفروق بين المتوسطات والانحرافات المعيارية

للأبعاد الفرعية لمقياس الاحتراق النفسي تبعا لمتغير الحالة الاجتماعية

يُظهِر إختبار” T” من خلال (الجدول10) فروقا ذات دلالة إحصائية عند مستوى الدلالة 0.05 وفقا لمتغير الحالة الاجتماعية للأبعاد الثلاثة لمقياس ماسلاك للاحتراق النفسي. حيث تبيّن أن المحامين غير المتزوجين يعانون من الإجهاد الانفعالي والشعور بنقص الإنجاز الشخصي أكثر من المحامين المتزوجين، الذين يعانون بدورهم من بلادة المشاعر أكثر من المحامين غير المتزوجين.

مناقشة النتائج المتعلقة بالدراسة:
مناقشة النتائج المتعلقة بالفرضية الرئيسية:
وكان نصها: “يعاني المحامون الممارسون لمهنة المحاماة والمنتسبين لمجلس قضاء تلمسان من مستويات عالية من الاحتراق النفسي”.

وقد أشارت نتائج التحليل السابق إلى تحقق هذه الفرضية واتساقها مع التخمين العلمي الأولي فيما يتعلق بمعاناة محاميي ولاية تلمسان من مستوى عالي من الاحتراق النفسي

و يمكن إرجاع سبب التوصّل إلى هذه النتيجة إلى ما أشار إليه النموذج الوجودي لـأيالا بينز (PINES)[39] والتي ذكرت أن العمل عند بعض الأفراد هو أكثر من مجرّد نشاط يؤديه الفرد، بل إن هذا العمل له معنى أكبر من ذلك، له معنى وجودي تتحقق به الذات، حيث ذكرت أنه كلما كان اندماج الشخص في عمله وتفانيه فيه كبيرا واستثماره فيه كبيرا، زاد احتمال إصابته بالاحتراق النفسي، لأن إثبات الوجود هو بالفعل ما يطمح إليه المحامي من خلال بحثه عن الكمال في عمله.

كما أن متطلبات عمل المحامي الكبيرة إذا لم تتوفر لها الوسائل لتحقيقها تؤدي به إلى الإجهاد الانفعالي مما يُفقده العنصر الشخصي، فتتبلّد مشاعره ويصبح عرضة للاحتراق النفسي، وما يعزّز ذلك هو نقص الدعم الاجتماعي (سواء دعم العائلة والأصدقاء أو دعم زملاء العمل) الذي حذّر منه هوبفول (HOBFOLL) [40]، حيث يعاني منه المحامون كثيرا باعتباره مصدرا من مصادر الضغوط التي يواجهونها، خصوصا إن كان الأفراد الشباب يكون تعاملهم لأول مرة مع بيئة عمل جديدة، مما يجعلهم أكثر تأثّرا بها وثقتهم بالنفس تكون قليلة، إضافة إلى شعورهم بنقص الكفاءة المهنية كبيرا، مما يجعلهم يكوّنون أساليب مواجهة غير فعالة تنتهي بهم إلى إظهار إتجاهات سلبية من: عدم وضوح أهداف العمل، والتناقض بين المثالية والواقع، والاغتراب النفسي، والاغتراب الوظيفي، ونقص المسؤولية الشخصية كمظهر من مظاهر الاحتراق النفسي. وهذا تماما ما فسّره شيرنس (CHERNISS)[41] في نموذجه الذي يشرح فيه صدمة الواقع المهني ووقعها الكبير على الفرد بالخصوص في بداية حياته المهنية.

مناقشة النتائج المتعلقة بالفرضية الفرعية الأولى:
” توجد فروقا ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث من المحامين على مقياس الاحتراق النفسي”.

أظهر (الجدول 8) أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية عند مستوى الدلالة 0.05 بين الذكور والإناث في مستويات الاحتراق النفسي، وهذا ما جعل هذه الفرضية تتحقق، وقد جاءت هذه الفروق لصالح المحامين الذكور.

و تفسير ما خلُصت إليه النتائج من كون الذكور يعانون من بلادة المشاعر ونقص في الشعور بالإنجاز الشخصي أكثر من الإناث، وأن الإناث يعانين من الإجهاد الانفعالي أكثر من الذكور راجع لما أشارت إليه بيتاكو (PITTACO (Legay) Marie) [42] في دراستها حول الاحتراق النفسي عند الأطباء الداخليين- نقلا عن شوفيلي (SCHAUFELI)-، إذ يرجع سبب ذلك إلى طبيعة المرأة التي تجعلها أكثر تأثرا وشعورا بالإرهاق والضغط النفسي من خلال تعاملها مع مهنة تتطلب القوة في التزام الحياد، الشيء الذي يستدعي الاستثمار الكلى للطاقات النفسية والجسمية، وأيضا من خلال تعاطفها مع العملاء وتأثرها بطبيعة القضايا التي تتعاطاها مهما كانت درجة أهميتها وخطورتها.

كما أن طبيعة الرجل الباحث عن الكمال من خلال عمله تجعله يشعر وكأن كل ما يبذله في سبيل تحقيق ذلك لا يكفي، فيعيد تشكيل موقفه تجاه عمله من خلال التشكيك في كفاءته وفي تقديره لعمله، مما يجعله عرضة للوقوع في الشعور بقلة الإنجاز الشخصي وفقدان العنصر الإنساني في التعامل مع الآخرين، مما يجعله يعاني أكثر من بلادة المشاعر.

و قد يرجع سبب ما توصّلت إليه النتائج أيضا إلى ما جاء به Cherniss[43] في نموذجه، حيث أشار إلى أن فقدان التوازن بين الموارد المتاحة لدى الفرد وبين متطلبات ومقتضيات العمل حتما سيؤدي به إلى الإجهاد الانفعالي وبفقدان العنصر الشخصي لديه (أي بلادة المشاعر)، وهو فعلا ما أكده كلّ من درموتي وباكر (Baker & Dermouti) [44].

مناقشة النتائج المتعلقة بالفرضية الفرعية الثانية:

” توجد فروقا ذات دلالة إحصائية في مستويات الاحتراق النفسي بأبعاده الثلاثة تعود إلى متغير الحالة الاجتماعية”

و قد تمّ قبول الفرضية لأنها تحققت، حيث أظهرت النتائج وجود فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى الدلالة 0.05 بين درجات المحامين المتزوجين والمحامين غير المتزوجين وذلك لصالح المحامين غير المتزوجين (الجدول 10)، مما يدلّ أن غير المتزوجّين يعانون من مستويات عالية من الاحتراق النفسي أكثر من المتزوجين، وذلك في بُعدي الإجهاد الانفعالي ونقص الإنجاز الشخصي، وإن كان المتزوجون يعانون من مستوى أعلى من غير المتزوجين في بُعد بلادة المشاعر، وهذا ما يتفق مع نتائج دراسة علي بن شويل القرني وتتعارض مع نتائج دراسة يوسف حرب محمد عودة.

و هذا منطقي في نظر الباحثة، كون المتزوجين يتمتّعون بعوامل حماية تخفف عنهم معاناتهم من الاحتراق النفسي أكثر من غير المتزوجين، لأنّ الحضور المعنوي للعائلة، والتماس المشاركة الوجدانية منهم، يمنحهم الدعم الاجتماعي العاطفي اللازم لوقايتهم من الاحتراق النفسي الذي تحدّث عنه هوبفول (HOBFOLL)[45]في نظريته التي وضعها سنة 1989، إذ تركّز هذه النظرية على كون الأفراد الذين يتمتعون بالاستقرار العائلي كمورد اكتسبوه من الموارد المتاحة لديهم، يساعدهم ذلك على تشكيل إستراتيجية إيجابية في مواجهة الاحتراق النفسي والتصدي له أو الوقاية منه.

و في مقابل ذلك، فإن المحامين غير المتزوجين لديهم استثمار أكبر في عملهم لأنّه شغلهم الشاغل، فلا وجود لعوامل الحماية ونقصد بذلك الزوج(ة) والأبناء لاعتبارهم الأشخاص الذين يلجأ إليهم الفرد للتنفيس والتخفيف من الضغوط التي تواجههم خلال يوم كامل من العمل، فحسبهم أي تقصير في العمل قد يهدّد هدفهم في تحقيق الكمال المنشود، ويمنعهم عن تأدية عملهم، مما يعرّضهم للشعور بالإرهاق النفسي والجسمي وبالشعور بنقص الكفاءة في العمل وبفقدان الجانب الشخصي في العلاقات مع الآخرين.

خاتمة :

أجرينا هذه الدراسة بهدف معرفة مستويات الاحتراق النفسي عند فئة المحامين الممارسين لمهنة المحاماة والتابعين لمجلس قضاء تلمسان، لعلمنا أنّه لم يتمّ دراسة هذه المتلازمة وهذا الموضوع عند هذه الفئة من المهنيّين. كما حاولنا التوصّل إلى معرفة مدى ارتباط هذه المستويات ببعض المتغيرات الشخصية (السن، الجنس(، وبالكشف عن ذلك حاولنا اقتراح بعض الحلول الوقائية. وقد أظهرت دراستنا أن الاحتراق النفسي هو حقيقة واقعة، وأن عينة المحامين الذين وقع اختيارنا العشوائي عليهم، والمنتسبين إلى مجلس قضاء ولاية تلمسان ،يعانون من مستوى عالي من الاحتراق النفسي بأبعاده الثلاثة وذلك باستناد إلى تصنيف درجات مقياس ماسلاك حسب مستويات الاحتراق النفسي، إذ استجابت هذه النتيجة للفرضية الرئيسية، وقد تبيّن لنا من خلال ما أفشى به لنا بعض المحامين خلال إجراء الاختبار أن العوامل التي ساعدت في تفشي هذا الاضطراب بين صفوف المحامين هي عبء العمل الزائد، نقص الدعم الاجتماعي، قلّة أوقات الراحة، قلّة الأوقات التي يقضيها المحامي مع عائلته والأقربين وعدم كفايتها، وأيضا قلّة الأوقات المخصّصة لممارسة الهوايات المفضّلة.

وقد كنا نأمل أن نصادف بعض العوامل الوقائية كالجنس والحالة الاجتماعية مثلا كأن تكون المحامية إمرأة، وبالخصوص إذا كانت متزوجة ولديها أطفال، إذ المفترض أن تكون سيطرتها وتحكّمها أكبر في مخرجات العمل، وبالتالي قضاءها وقتا أكبر مع عائلتها والمقرّبين منها.. لكن الدراسة أثبتت غير ذلك، إذ أظهرت الدراسة أن الإناث أكثر معاناة من الذكور في بعد الإجهاد الانفعالي وأن الذكور يعانون من مستويات عالية من الاحتراق النفسي أكثر من الإناث وذلك في بُعدي بلادة المشاعر ونقص الإنجاز الشخصي. كما أظهرت النتائج أن غير المتزوجين من المحامين يعانون من مستوى عالي من الاحتراق النفسي أكثر من المتزوجين وذلك في بُعدي الإجهاد الانفعالي والشعور بنقص الإنجاز الشخصي في حين أن المتزوجين يعانون من مستوى عالي من الاحتراق النفسي أكثر من غير المتزوجين في بُعد بلادة المشاعر.

التوصيات:

على ضوء ما توصلت إليه الباحثة من نتائج لهذه الدارسة، فإنها توصي المحامين بعدم إهمال حاجاتهم الخاصة أمام كثرة مشاكل العملاء وقضاياهم، وعليهم أن يحاولوا –مهما كلّفهم ذلك- تخصيص جزء من وقتهم لأقربائهم من عائلتهم وأيضا لممارسة نشاطات مختلفة بعيدة عن جو العمل، سيمنحهم ذلك فرصة للتخفيف من ضغوط العمل وبالتالي فرصة لتفادي الوقوع في الإنهاك المهني و الاحتراق النفسي.

على المحامين أيضا أن يواكبوا أي جديد في عالم المحاماة والقضاء،حتى يتمكّنوا من التخفيف من عبء العمل عليهم، سيمنحهم ذلك الفرصة للإبداع في عملهم وبالتالي تحقيق نوع من تقدير الذات، وسيساعدهم أيضا في قطع حبال الانعزال من خلال الاتصال بأشخاص يتقاسم معهم نفس الإهتمامات المهنية، يبدو ذلك حلا فعّالا لمحاربة الاحتراق النفسي.

يجب التذكير بأن الاحتراق النفسي هو عملية ديناميكية قادرة على التفاقم في مضاعفات سلبية، مما يدفع المحامي إلى إعادة النظر في النشاط المهنيّ الموكل إليه، وأيضا إعادة النظر في أولويات حياته، ومن ثمّ وضع وتصميم طريقة يوازن فيها بين حياته المهنية وحياته الشخصية. لأنه من أهم أسباب الاحتراق النفسي هو العمل بجهد كبير من أجل إثبات الذات، مع إهمال الحاجات الشخصية وعدم معرفة سبب التوقف، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بممارسة الهوايات وعدم تقييم الأصدقاء والأسرة، فالاحتراق النفسي لا يحدث دون وجود ضغوط، والضغوط تعني أن الأمر وصل إلى الذروة أي أنه تجاوز قدرة الشخص على التحمل.

 

(محاماه نت)

إغلاق