دراسات قانونيةسلايد 1
بحث عن سيادة القانون وثقافة احترام القانون
من المفاهيم التي سادت حديثا ، مفهوم ثقافة احترام القانون وحتى نتعرف على مضمونه ، لا بد من بيان ان هذا المفهوم هو حديث النشأة ، مقارنة بباقي المصطلحات و حقول العلوم القانونية فهو لا يدخل ضمن اي تخصص من تخصصات القانون التقليدية ، ولا يعتبر فرعا مباشرا منها مثل ، القانون المدني او القانون الجزائي او القانون الدستوري ، اوباقي حقول العلوم القانونية الاخرى ، ولكنه بذات الوقت على اتصال مباشر ، بكل هذه الحقول للعلوم القانونية .
يضاف الى ذلك علاقته التكاملية ، مع بعض العلوم الاجتماعية ، مثل علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الاعلام وعلم التربية والفلسفة وعلم الاخلاق .
سيادة القانون وثقافة احترام القانون
في البدء لا بد من فض الاشتباك ، بين مفهوم ثقافة احترام القانون ، ومفهوم اخر يتشابه ويتداخل معه وهو مفهوم سيادة القانون ، بسبب اختلاف حقليهما وان كان هناك اتصال وجذور تربط بينهم ، ولكن في علم القانون لا بد من ضبط المصطلحات ومضامينها حتى يتسنى للدارس والباحث ، استخدام ادوات ومضامين وإمكانيات كل حقل من حقول القانون المختلفة في اطاره الاكاديمي والواقعي الصحيح .
ومع وجود التداخل في حقلي سيادة القانون واحترام ثقافة القانون ، الا ان هناك حدود فاصلة بينهما ، اهمها ان سيادة القانون ، هو أصل من الأصول الدستورية ويترتب عليه أنه لا يمكن للسلطات العامة القائمة في بلد ما أن تمارس سلطتها إلا وفق قوانين مكتوبة صادرة وفق الإجراءات الدستورية المتفقه مع الدستور في بلد معين . بعض الفقهاء يسمونه ” مبدأ الشرعية أو المشروعية ” ويقصدون به خضوع المواطنين والدولة بكافة سلطاتها ومؤسساتها وإداراتها وموظفيها كافة من جميع المراتب للقانون المطبق في البلاد ، دون أن يكون هناك امتياز لأي أحد أو استثناء من تطبيق حكم القانون عليه بسبب المنصب أو الدين أو الثروة وغير ذلك ، أي بدون تمييز من خارج النص القانوني ذاته أو أن تعتبر إرادة المسئولين الكبار فوق القانون ، ويسميه البعض ” سيادة حكم القانون ” كمرادف لمبدأ المشروعية .
اما ثقافة احترام القانون ، فان موضوعة اكثر شمولية ، من سيادة القانون او حتى اي حقل من حقول القانون الاخرى ، لكونه على تماس مباشر، مع علوم اجتماعية اخرى مثل علم الاجتماع بمختلف فروعه وعلم النفس ، وعلوم ومناهج التربية ، وفلسفة القانون ، ولكون نشر وتأصيل الوعي والثقافة القانونية ، واحترام القانون ، امر يتعلق بالأصول العامة للقانون ، مثل ضرورة القانون ، وضرورة احترامه ، دون الاستناد على مفاهيم الردع الخاص ، والردع العام ( للعقوبة) ومفهوم العدالة ، وقيم الحرية وممارستها ، ومبدأ سيادة القانون ، ومبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ، ونظرية القانون الطبيعي ، والغايات الأساسية ( والاخلاقية ) ، التي يقوم عليها النظام القانوني ، مثل مبدأ مساواة المواطنين في الانتفاع من المؤسسات العامة ، و مبدأ المساواة في المعاملة ، ومبدأ حق الحياة لكل فرد ، ومبدأ تغير الأحكام بتغير الأزمان ، مع ثبات نسبي اطول للقيم الاخلاقية ، مثل قيمة الاحترام ، ومبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون ، ومبدأ عدم جواز الالتزامات المؤبدة ، ومبدأ عدم التعسف في استعمال الحق ، وغيرها العديد من المبادئ .
والتثقيف والدراسات القانونية ، ونشر ثقافة احترام القانون ، لا تقتصر على شرح النصوص القانونية ، باسلوب الشرح على المتون ، الذي يقوم على التفسير الحرفي للقانون ، الذي ساد لفترة من الزمن ، في العديد من الانظمة القانونية ، للعديد من الدول لبعض الوقت ، وهي السائدة ليومنا هذا في العالم العربي ، بل يجب ان تمتد لفهم روح القانون واخلاقياته ، وكيفية تفعيله بشكل ممارسة وسلوك قائم على احترام القيمة القانونية ، وليس بداعي الخوف من العقوبة .
تاريخ برنامج ثقافة احترام القانون
تاريخيا بدأت فكرة ثقافة احترام القانون ، في ” مركز المعلومات الاستراتيجي ” ، بواشنطن وهو مؤسسة غير حكومية تأسست عام 1962 ، يعتبر المركز منذ تأسيسه ، من رواد التربية الدولية على تحديات ، مؤسسات الديمقراطية والمجتمع المدني ، حيث يعمل المركز على إعطاء رؤية شاملة ، تجمع بين المدنيين ومسئولي الحكومات ، وأفراد المجتمع والقطاع الخاص ، لدعم استراتيجيات إبداعية حديثة ، تهدف الى تقوية الأمن وجودة الحياة في مجتمعات العالم (6) .
” تقوم رؤية برامج ثقافة احترام القانون ، على أن كل مجتمع هو فريد من نوعه ، ويواجه مشاكله الخاصة به ، من حيث العوائق والموانع ، التي تسهم في انعدام أو ضعف ثقافة المجتمع باحترام القانون ففي ، كولومبيا والمكسيك وجنوب إيطاليا ، كانت المشكلة في الأساس نابعة من الجريمة المنظمة والمافيا وتواطؤ مسؤولين نافذين .
وفي الشرق الأوسط تتجسد المشكلة ، في تضافر مزيج من العوامل في إضعاف أو انعدام ثقافة احترام القانون ، على مستوى الأفراد والمؤسسات ، مثل الإرهاب المنظم ، النابع من ثقافة متشددة لاتؤمن بأي مرجعية أخرى ، بالإضافة إلى خليط من الأعراف والتقاليد التي تحتل أحياناً مكانة أقوى من القانون ، مع ضعف النظام التعليمي ، وتشوه الثقافة الاجتماعية ، ولكن مع تعدد هذه المشاكل والاختلافات ، والفروق الثقافية والحضارية ، فإن ترسيخ ثقافة احترام القانون تقوم على ركنين اساسيين وهما :
ا – وجود وفاعلية مؤسسات الدولة او السلطات الثلاث ، التنفيذية والتشريعية والقضائية ، والمؤسسات المسؤولة عن تنفيذ القوانين ، وهي كافة الاجهزة الامنية .
ب – المجتمع المدني ، او أفراد المجتمع والمؤسسات التعليمية والتربوية والقيادة الأخلاقية في المجتمع مثل رجال الدين ، والشخصيات ذات التأثير العام ، مثل الرياضيين والفنانين ، والمؤسسات الاعلامية ، من تلفزيون وصحف وإذاعة ، والإعلام الالكتروني ، التي يلقى على كاهلها الاضطلاع بنشر وتجذير ثقافة احترام القانون ” .
” يقوم برنامج ثقافة احترام القانون ، الذي يرأسه روي جادسون أستاذ القانون الدولي السابق بجامعة جورج تاون ومستشار الأمم المتحدة ، بعقد ورش تعليمية ، ووضع برامج في عدد من بلدان العالم ، في أوروبا إيطاليا ، وفي منطقة القوقاز- جورجيا وشرق آسيا – هونغ كونج وفي أمريكا اللاتينية المكسيك وكولومبيا ، وفي الشرق الأوسط لبنان والأردن .
يعمل برنامج ثقافة احترام القانون ، على أن تكون المنهجية السائدة ، في مدارس الأطفال والمدارس الابتدائية والإعدادية في المكسيك ، هي منهجية قائمة على ثقافة احترام القانون ، ويتم العمل بها حتى الآن في مدارس منتشرة في 120 مدينة وبلدة مكسيكية ضمن (مشروع ثقافة احترام القانون ) .
ومنذ سنوات عديدة تستخدم هذه المنهجية التعليمية والتدريبية ، في عدد من بلدان أمريكا الجنوبية ودول منطقة الكاريبي ، ضمن إستراتيجية ورؤية شاملة طويلة الأمد ، عبر التخطيط متعدد القطاعات ، وفي كولومبيا قام البرنامج بتدريب أجهزة الأمن والشرطة ، والإعلاميين وقطاع التعليم ، عبر ورش ودراسات خاصة بكل قطاع ، جرى تأهيل تلك العناصر لفهم واستيعاب ثقافة احترام القانون ، عبر تخطيط شامل ، لكي تنهض جميع المؤسسات وتتعاون فيما بينها “(10) .
مؤسسة المقاصد اللبنانية ومادة ثقافة احترام القانون
” وقد قام برنامج ثقافة احترام القانون ، في الاعوام 2005 / 2006 بالعمل مع مؤسسة المقاصد اللبنانية وهي (مؤسسة خيرية اجتماعية ) على جعل مادة ثقافة احترام القانون ضمن المقرر في المدارس التابعة للمؤسسة ، كما قام البرنامج ، بعقد ورشة لإعلاميين من دول الخليج في صيف 2007 في صقلية جنوب إيطاليا، شارك فيها مجموعة من الصحفيين ومنتجي برامج ترفيهية ، وكتاب صحف ومقدمي برامج حوارية ، وتمكن المشاركون من الالتقاء بالشخصيات الإعلامية والسياسية التي أسهمت في نهضة صقلية ، وتحررها من المافيا ، وقد شارك في المحاضرات منتجو أفلام ترفيهية ، وموسيقى من هوليود وناشرون من أميركا ” .
ورشة عمل البحر الميت
وفي عام 2008 ، عقدت ورشة عمل في البحر الميت في الأردن ، شارك بها ما يقرب من ثلاثين إعلامياً ، وجلهم اعلامين مابين رؤساء تحرير وصحفيين ومنتجي برامج ، من الأردن ولبنان ، وتم تكليف كل مشارك في الورشة أن يعمل على تقديم مشروع صغير، يسهم في رفع الوعي باحترام ثقافة القانون في بلده (9) .
” أثبتت تجربة برنامج ثقافة احترام القانون ، أن افضل السبل لتجذيره في المجتمعات ، تتمثل في التخطيط الشامل لعدة قطاعات التعليم ، والأمن ، الإعلام ، ومراكز القيادة الأخلاقية كالمنبر الديني وأساتذة الجامعات ، وغيرها من الشخصيات التي تحظى باحترام المجتمع . لكي تؤدي دورها المنوط بها ، بنجاح عبر دعم بعضها بعضاً . وتؤكد خبرة البرنامج أن ترسيخ ثقافة احترام القانون ممكن التحقق وقابل للتطبيق في المجتمعات ، وبالنسبة للأجيال الناشئة فيتوقع أن تظهر نتائج البرنامج في حال تطبيقها بدقة وتوفر “عزيمة التغير ” في مدة زمنية تتراوح مابين 15 الى 20 عاما ” (7) .
الهدف الاستراتيجي والمثل الاعلى
” والهدف الاستراتيجي لثقافة احترام القانون هو أن يكون احترام الناس للقانون نابعاً من الذات ، وليس لأنه قائم وملزم وتجري معاقبة من يخالفه ، وأن يعي أفراد المجتمع ، أنهم هم الجزء الثاني ، المكمل لدور الحكومات وسلطاتها وأن العبء الأكبر يقع عليهم ، بصفتهم مواطنين وبداعي الولاء والانتماء للوطن والدولة .
يؤكد البرنامج على المسؤولية الشخصية ، وتأثير الخروقات الفردية للقانون في تشكيل وعي مجتمعي لايحترم القانون ، وأن الأخطاء الصغيرة بين الأفراد ، (خرق قانون المرور، رشوة صغيرة لموظف حكومي، عدم التبليغ عن جريمة، مخالفة أنظمة البناء) ، هي التي تصنع الأخطاء الكبيرة ، في مؤسسات الحكم .
ويتجسد المثل الأعلى المرجو ، أن يبلغ إيمان الأفراد باحترام القانون مستوى يقارب ثقافة العيب التي تحول بين الإنسان ، وبين ارتكاب الخطأ ، وإن كان بعيداً عن الرقابة الاجتماعية ، وفي منأى من العقاب ، وأن يكون النبذ والعزل الاجتماعي مصير، كل من يخرق القانون ، وهنا يأتي دور الأعراف والتقاليد الاجتماعية ، ومساهمتها الإيجابية في صالح ثقافة احترام القانون .
ان الثمرة التي تجنيها الدول والمجتمعات ، من ترسيخ ثقافة احترام القانون ، هي الإيمان بأن استقرار المجتمعات وازدهارها ، وتحسن نوعية الحياة وجودتها ، وثيقة الصلة بمدى احترام أفراد المجتمع للقانون ، ثم العمل لأجل هذه الغاية ، ولكن ذلك لن يكون ذا جدوى حتى يشعر أفراد المجتمع بأن القوانين منصفة غير مجحفة بفئة أو متحيزة لطائفة أو شريحة وعادلة ، ويتم تطبيقها بالمساواة بينهم ، بحيث يشعر أفراد المجتمع بأن يد القانون تطال الجميع من دون تفرقة ” (10) .
تجربة ” مكتب ثقافة احترام القانون ” بوزارة الداخلية
في دولة الامارات العربية المتحدة
” أنشئ مكتب ثقافة احترام القانون بموجب القرار الوزاري رقم (91) لسنة (2009) بوزارة الداخلية في دولة الامارات العربية المتحدة . ويتولى مكتب ثقافة احترام القانون وفقاً للقرار الوزاري ممارسة الاختصاصات التالية :
• تعزيز ثقافة احترام القانون والنظام العام في المجتمع وفق رؤية إستراتيجية قائمة على نشر الوعي واحترام القانون والتعريف به.
• تعميق ثقافة العيب في وجدان المجتمع للحيلولة بين الإنسان وارتكابه للخطأ وفق رؤية إستراتيجية طويلة الأمد تبدأ بالتنسيق لحملات التوعية بالمدارس والجامعات ومدارس الشرطة .
• دعم الأعراف والقيم والأخلاق والتقاليد الايجابية في المجتمع .
• التنسيق والتعاون مع إدارات الشرطة المختلفة في شأن إعداد وتنفيذ إستراتيجية شاملة لتثقيف وتدريب رجل الشرطة وتعريفه بالقوانين .
• نشر ثقافة احترام القانون عن طريق البحوث المتخصصة والبرامج الهادفة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ” (2).
ويعتبر المكتب تجربة رائدة , في العمل الحكومي الرسمي , باعتباره الاول من نوعه في المنطقة العربية ، كون مشروع احترام ثقافة القانون ، بالأساس قائم بناء على عمل وجهود مؤسسات المجتمع المدني . وبالتمعن في اهداف المكتب ، نجد انها قد مزجت بين مفهومي سيادة القانون ، وثقافة احترام القانون ، وذلك لكون المهمة الملقاة على عاتق المكتب تتسع دائرتها لتثقيف وترسيخ مفاهيم الحقلين ، في النطاق الحكومي وفي مؤسسات المجتمع المدني ، وهي مهمة كبيرة تحتاج الى ، برامج و استراتيجيات ، تعمل على المدى البعيد وخلال مراحل زمنية مخطط لها مسبقا ، لتنفيذها ضمن رؤية مؤسسية ، تقوم على المتابعة والتنفيذ طويلة الامد ، لغايات الوصول الى النتائج المرجوة ، في كل فترة زمنية من التطبيق والتنفيذ لهذه البرامج .
وجهة نظر
ان التجربة العملية لتطبيق ، برنامج ثقافة احترام القانون ، في اكثر من دولة في العالم كان لها مفعول حقيقي ، في تغير العديد من الممارسات والقيم السلبية ، في بعض المجتمعات التي كانت تعاني من الجريمة المنظمة ، فقد انعكس هذا التغير ، بشكل ايجابي على” الدولة والمجتمع المدني ” من حيث ، انخفاض التكلفة الاجتماعية والاقتصادية ، للجريمة المنظمة ، اضافة الى ذلك وقد يكون هو الاهم ، ترسيخ “ثقافة قانونية وأخلاقية جديدة ” في المجتمعات المستهدفة ، تقوم على تكريس وتجذير ، مفاعيل الدولة المدنية الحديثة ، والسلم الاجتماعي بها ، وهو الذي يمكن ان يكون بداية ، لتحقيق الامن والاستقرار الاجتماعيين ونمو و ازدهار المجتمعات البشرية .
المصادر والمراجع
1- مكتب ثقافة احترام القانون – وزارة الداخلية – دولة الامارات العربية المتحدة مجموعة اصدارات ووثائق صادرة عن المكتب .
2 – بحث ” مكتب ثقافة احترام القانون – دراسة تجربة – اعداد الدكتور حمود سعيد العفاري .
مواقع الكترونية
– التاخي – ثقافة احترام القانون … تأصيل لحقوق الانسان – عصام الجنابي . 3
الموقع السوري للدراسات والاستشارات القانونية – القانون ثوبنا الذي يحمينا – المحامي بهاء الدين بارة .- 4
– بعثرات قانونية – بصيص أمل .. ثقافة احترام القانون – منصور النقيدان . 5
6- اخبار متفرقة عن ندوة ” تطبيق ثقافة احترام القانون في المجتمعات العربية ” ودور وسائل الإعلام في بيروت .
7- اخبار متفرقة عن ورشة عمل في البحر الميت – تعميم ثقافة احترام القانون في العالم العربي عبر وسائل الإعلام .
8 – الثقافة القانونية – مقالات .
9- تحولات – ” ورشة عمل في البحر الميت “:
تعميم ثقافة احترام القانون في العالم العربي عبر وسائل الإعلام – الاربعاء 14 كانون الثاني (يناير) 2009.
10- نفوذ – مشروع ثقافة احترام القانون – 17 فبراير 2009 .