دراسات قانونيةسلايد 1
دراسة توضح حق الشفعة في القانون التونسي
المـقـدمــــــة :
يعتبـر حق الملكية من أبرز وأهم الحقوق التي أقرتها الشرائع السماوية ومن بينها الشريعة الإسلامية إلى جانب القوانين الوضعية التي أولته أهمية بالغة إذ اقره إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لسنة 1789 الذي أصدرته الجمعية التأسيسية الوطنية 24 أغسطس 1978 وكذلك فعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فهو يعبر عن الحرية الشخصية فلا حرية فردية دون ملكية شخصية إذ أن حب التملك غـريزة في الإنسان.
أما الدستور التونسي فقد ضمنه في الفصل 41 إضافة إلى كونه –الدستور- أوجب ضمن الفصل 35 منه أن تكون الأحكام التي يمكن أن تحد من ممارسة حق الملكية نصوصا تشريعية. وقد اعتبر هذا الحق من أهم الحقوق العينية التي يكتسبها الفرد ويمنح صاحبه سلطات واسعة على الشيء المملوك فهو الحق الذي بمقتضاه يوضع الشيء تحت إرادة وتصرف شخص يكون له دون غيره حق الانتفاع وحق التصرف وذلك في إطار ما يسمح به القانون. إلا أن هذا الحق المقدس أصبح مقيـدا بظروف اجتماعية بل أنه أصبح وظيفية اجتماعية وقد أقر المشرع التونسي ضمن الفصل 21 م ح ع هدا المبدأ “على المالك أن يراعي في استعمال حقه ما تقتضيه النصوص التشريعية المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة” فقداسة حق الملكية لا تعنـي اطلاقيته وفي هذا الإطار تتنزل مؤسسة الشفعة باعتبارها قيدا مباشرا على حق الملكية وبالتالي سنتعرض في فصل اول1 الى ماهية الشفعة على ان نبحث في فصل ثاني اجراءاتها –اثارها ومسقطاتها
الفصل الاول – ماهيـة الشفـعـــة :
المبحث الاول – مفهوم الشفعة وطبيعتها
للبحث في مفهوم الشفعة كتقنية قانونية اقرتها الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية لا بد من تعريفها في فقرة اولى على ان تنتعرض في فقرة ثانية الى طبيعتها القانونية
الفقرة الاولى –1 تعريف الشفعة
الشفعـة لغـة : بضم الشين وسكون الفاء، من الشفع وهو الزوج والضم، وسميت شفعة لأن الشفيع يضم ما يمتلكه بهذا الحق إلى نصيبه أو ملكه اما اصطلاحا فهي استحقاق الشريك انتزاع حصةشريك ممن انتقلت اليه بعوض فهي حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض
– تعريـف الشفعــة حسب الفقه الإسلامي : تناولت المذاهب الفقهية الإسلامية وقد استمدت التشاريع والقوانين الوضعية أحكام هذه التقنية من الفقه الإسلامي. وقد عرفت الشفعة تعريفات عديدة شملتها بعض الاختلافات فحسب المذهب الحنبلي هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت اليه اما الشافعية فقد عرفها بانها حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ما ملك بعوض في حين ان المذهب الحنفي قد عرفها بانها تملك البقعة جبرا على المشتري اما المالكية فقد اكدوا بانها استحقاق شريك اخذ مبيع شريكه بثمن
– تعريف الشفعـة حسب القانون التونسـي :
يعرفها الفصل 103 من م ح ع بإنها “حلول الشريك محل المشتري في التملك بمبيع شريكه في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في الفصول الآتية” وقد وردت أحكامها ضمن الباب الرابع من أبواب الشيوع الخمسة المكونة للجزء الثاني من العنوان المخصص لحق الملكية في مجلة الحقوق العينية (الفصول من 103 إلى 115).
وقد أخذتها مجلة الحقوق العينية سنة 1965 عن القانون العقاري القديم لسنة 1885 (الفصول من 77 إلى 82) ومجلة الالتزامات والعقود (الفصول من 1241 إلى 1243) وكذلك لائحة الأحكام الشرعية “لائحة الشيخ جعيط قسم الأحوال العقارية” (الفصول 904 إلى 1009).
للشفعة غايات ووظائف كثيرة متعددة تتعدى أصحابها وحالات ممارستها فهي وسيلة لمنع تشتت الملكية والحد من الشيوع بل تساعد حتى على إنهائه. فتحصر المال بين مستحقيه الأصليين وتمنع دخول الأجنبي الغريب معهم مما تحسن استغلال المشترك ويدفع الضرر بتجنيب الشيوع مشكلات إضافية فيصير هكذا عامل استقرار وهدوء وسلم اجتماعي.
هي سبب لاكتساب الملكية أي ملكية المنابات المشاعة المبيعة. الشفعة – كأولوية الشراء– تعتبر قيدا على حرية الملكية فهي قيد على حرية التصرف وتحديدا اختيارا المتعاقد (الشريك مع المشتري) وهي قيد على حرية التملك وتفويت الشيء للمشتري وينبني على ذلك أن الشفعة رخصة استثنائية لا يمكن التوسع فيه ولا في أصحابها أو في التصرفات التي تبررها.
2- مشروعيـة الشفعــة :
1 حسب الفقه الاسلامي:
مشروعية الشفعة ثابتة بالحديث النبوي وهي ثابتة أيضا بإجماع أهل العلم الذين اتفقوا على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يقاسم اذ ورد في حديث جابر رضي الله عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم فاذا وضعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة فالشفعة لا تكون إلا في المشاع وقد كان دفع الضرر عن الشريك إذا باع الشريك الآخر حصته في الشيء المشاع إلى أجنبي استنادا وتكريسا لقاعدة “لا ضرر ولا ضرار” هي الغاية الأكيدة من مشروعية الشفعة في التشريع والفقه الإسلامي الذي تبنى في هذه المسألة مبـدأي التوسع والتيسيـر.
2 –مشروعية الشفعة حسب القوانين الوضعية
الشفعة كمؤسسة قانونية ضاربة في القدم قد اقرتها جل القوانين الوضعية فمثلا المشرع المغربي نظم حق الشفعة في قوانين مختلفة منها ظهير الإلتزامات والعقود، وكذا ظهير 19 رجب الموافق ل 2 يونيو 1915، فقد حاول ظـ.ل.ع بيان أحكام حق الشفعة في الفصول 974 و 975 و 976. في حين لم يتطرق بصفة مباشرة لتعريف هذا الحق، في حين أن ظهير 2 يونيو 1915 أعطى تعريفا مباشرا له فنص :
الشفعة هي : “الحق الثابت لكل من يملك مع آخرين على الشياع عقارات أو حقوقا عينية عقارية في أن يأخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها بعد أدائه المبلغ المؤدى في شرائها وكذا مبلغ ما أدخل عليها من تحسينات وما أدي عنها من مصاريف لازمة للعقد”. كما أقرها المشرّع التونسي ضمن مجلة الحقوق العينية:
فصل 103
الشفعة حلول الشريك محل المشتري في التملك بمبيع شريكه في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في الفصول الآتية.
و بالتالي يمكن القول أنّ هذه الآلية القانونية أقرت مشروعيتها في الفقه الإسلامي و القوانين الوضعية.
الفقرة الثانية –الطبيعةالقانونية للشفـعـــة :
لسائل أن يتسائل ماهي الطبيعة القانونية لمؤسسة الشفعة.
هل هو حق عيني أم حق شخصي أم أمر بين إثنين؟
بالرجوع إلى الفصل 12 من مجلة الحقوق العينية :
الفصل 12
الحقوق العينية العقارية هي :
ـ الملكية
ـ الإنزال والكردار ودخلهما
ـ حق الانتفاع
ـ حق الاستعمال
ـ حق السكنى
ـ حق الهواء
ـ الإجارة الطويلة (الامفيتيوز)
ـ حق الارتفاق
ـ الامتياز
ـ الرهن العقاري.
و الحق العيني العقاري هو السلطة التي يعطيها القانون إلى شخص ما لممارستها على عقار محدّد و بالتالي فالمشرع التونسي ذكر الحقوق العينية بصفة حصريّة و لم يورد ضمن الفصل المذكور الشفعة و رغم ذلك هنالك من الفقهاء من إعتبرها حقّا عينيّا و بالتالي إختصاص المحكمة التي بدائرتها العقار المشفوع فيه، إلاّ أن الشقة الثاني من الفقهاء إعتبرها حقا شخصيا، و بالتالي هو حق مرتبط بشخص الشفيع، فلا يورّث عن الشفيع و لايجوز إحالته و يزول بزواله، في حين يرا شق ثالث من الفقهاء أنها ليسة بحق عيني و لا حق شخصي، بل هي ليست بحقّ بل هي سبب من أسباب إكتساب الملكيّة. فالشفيع يكسب بالشفعة حق ملكية العقار المشفوع فيه، و بالتالي يكسب حقا عينيا على هذا العقار.
و قد ذكر السنهوري في هذا السياق “أنّّ الشفعة تبذء بأن تكون مركزا قانونيا تتهيأ أسبابه للشفيع كأن تباع حقوق شائعة من عقار فيصبح للشريك حق في أن يكتسب ملكية المناب المبيع بالقيام بإجراءات الشفعة، فهي سبب من إكتساب الشفيع إرادته في الأخذ بحقّه في الشفعة”
أما فقه القضاء فقد إستقر على رأي في تحديد الطبيعة القانونية لحق الشفعة، فهناك من القرارات ما إعتبر دعوى الشفعة دعوى إستحقاقية، وذلك قياسا على مؤسسة حق الأولوية في الشراء، وهاتان المؤسستان يختلفان عن بعضهما البعض.
و مهما كانت الطبيعة القانونية للشفعة، فإنه لا يختلف إثنان على مبررات وجودها إجتماعيا و إقتصاديا، فهي التي تضمن حسن إستغلال العقار، و تمنع الضرر الذي يحصل بسبب الشيوع، أو بسبب إدخال شريك جديد أجنبي على العقار المشاع، و ما يأتيه من ضروب المضايقة التي تعطل إستغلال الملك و الإنتفاع من ثماره إنتفاعا كاملا.
و لكن ماهي شروط و آثار واسباب سقوط الشفعة؟
المبحث الثاني شروط ممارسة الشفعة
نستنتج من خلال تعريفنا للشفعـة كمؤسسة قانونية عريقة بأنها وسيلة لمنع تشتت الملكية والحد من الشيوع بل تساعد حتى على إنهائه كما أنها سبب من أسباب اكتساب الملكية – أي ملكية المنابات المشاعة المبيعة إضافة إلى ذلك فإنها تعتبـر قيـدا على حرية الملكية فهي قيـد على حرية التصرف- اختيار المتعاقد – وهي قيد على حرية التملك والتفويت إلي المشتري وينبني على ذلك أنها أي الشفعة كآليـة قانونية تمثل رخصة استثنائية أسندها القانون لبعض الأشخاص “الشفيـع” وبالتالي فهي تخضع لشروط جوهريـة وأخرى إجرائية أوجبها المشرع التونسي على غرار التشاريع المقارنة كما أقرها فقه القضاء التونسـي.
لــذا سنتناول في فصل أول الشروط الجـوهـرية لممارسة حق الشفعـة (I) على أن نتناول في فصل ثاني الشروط الإجرائية لممارسة الشفـعـة (II).
الفصل الاول- الشـروط الجوهريـة لممارسة حق الشفعـة
نص المشرع التونسي ضمن الفصل 103 من مجلة الحقوق العينية من الباب الرابع على أن “الشفعة حلول الشريك محل المشتري في التملك بمبيع شريكه في الأحوال وبالشـروط المنصوص عليها في الفصول الآتيـة”.
نستنتج من أحكام هذا الفصل أن الشفعة لا تمارس إلا في صورة وجود مشتري ونعني بذلك حصول بيع تام الموجبات القانونية إلى جانب شرط توفـر صفة الشريك زمن ممارسة حق الشفعة. وبالتالـي سنتطرق في جزء أول إلى الشروط المتعلقة بقعد البيع (I) على أن نبحث في جزء ثاني (II) الشروط المتعلقة بصفة الشريك الذي يحق له ممارسة الشفعـة.
أ) الشـروط المرتبطـة بعقـد البيـع :
يعتبـر البيع هو التصرف القانوني الوحيد الذي خول المشرع في صورة حصوله ممارسة حق الشفعة للشريك (1) ويجب أن يتعلق البيع بعقـار (2) إلا أن هناك استثناءات لممارسة هذا الحق (3).
1/ : شـرط وجـود عقـد بيع صحـيـح :
تمارس الشفعة كآليـة قانونية بعد حصول البيع أي أنها لا تمارس إلا في صورة الوجود المسبق لعقد بيع صحيح ينشأ بين مالك العقار المشفوع فيه والمشتري المشفوع منه وقد عرف المشرع التونسي عقد البيع ضمن أحكام مجلة الالتزامات والعقود في فصلها 564 بأنه ” عقد تنتقل به ملكية شيء أو حق من أحد المتعاقدين للآخر بثمن يلتزم به” فهو تصرف قانوني صادر عن جانبين : البائع والمشتري ينتج عنه نقل للملكية بعوض وبالرجوع للفصل 103 من مجلة الحقوق العينية اشترط المشرع حصول هذا التصرف القانوني “حلول الشريك محل المشتري” فلا تتحقق الصفة القانونية للمشتري إلا في ظل وجود عقد بيع بين جانبين ويجب أن يكون صحيحا لكي ينتج آثاره القانونية وهي انتقال الملكية وفي هذا الصدد اعتبر الدكتور السنهوري أن التصرف القانوني الصادر عن جانب واحد لا يتيح المجال لممارسة حق الشفعة كالوصية لأنها تصرف إرادي منفرد ينتج عنه نقل الملكية.
بالرجوع إلى الفصل 103 من مجلة الحقوق العينية الذي أقـر بأن “الشفعة هي حلول الشريك محل المشتري في التملك بمبيع شريكه” وبالتالي فإنتقال الملكية بالصور الآخرى التي أقرها المشرع التونسي كالتقادم – الهبة – الميـراث – الالتصاق – التنـازل – لا يقوم معه حق الشفعـة. إلا أنـه بمراجعة أحكام الفصل 111 من مجلة الحقوق العينية ” حق القيام بالشفعة يمتـد إلى ورثة الشفيـع” وبالتالي فهذه الرخصة القانونية يتمتع بها الشريك في قائم حياته وتمتد إلى ورثته بعد وفاته والهدف الذي يرمي إليه المشرع التونسي من خلال توريث حق القيام بالشفعة إلى الورثة هو الحفاظ على وحدة العقار ومنع تشتته والمحافظة على حسن استغلاله وبالتالي تمكن الشريك في العقار الشائع أن يشفع في الحصة الشائعة التي باعها شريكه لشخص دخيل على الشركاء المالكين لنفس العقار المشاع وبمراجعة بعض الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم التونسية نجد أن فقه القضاء قد كرس هذه المبادئ والشروط ونذكر بعض الأحكام – حكم مدني عدد 11147 صادر في 23 أفريل 1985 “شفعة الشريك التي جاءت بها مجلة الحقوق العينية غير شفعة المتسوغ التي جاء بها قانون سنة 1979 ما دامت الأولى متسلطة على عقار سابق في حين أن الثانية وان تسلطت على عقار فإنها ناشئة من غير حق عقاري سابق”
– حكم مدني عدد 3272 مؤرخ في 19 جانفي 1982 “الأجنبـي عن الشركاء في العقار واشترى مناب البعض منهم فإن ذلك البيع يمكن فيه القيام بالشفعة من أحد الشركاء وحصول بيع جديد من منابات أخرى لذلك الأجنبي بعد القيام عليه بالشفعة في مشتراه الأول لا تأثير له ولا يكتسب به صفة الشريك في مشتراه الأول وبذلك فإن الحكم عليه للشفيع باستحقاق مشتراه الأول من يده يكون في طريقه ولا مطعن فيه”.
– إن لعقد البيع طبقا للقواعد العامة ثلاثة أركان هي : الرضا – المحل – السبب- فإذا انعدام احدهما لا ينعقد العقد ويكون باطلا بطلانا مطلقا بالإضافة إلى ركن الشكل في العقود الشكلية وفي هذا السياق يعتبر الثمن ركن من أركان عقد البيع وقد اشترط المشرع التونسي ضرورة التنصيص على الثمن بعقد البيع بكل دقة وهذا الشرط سعى من ورائه لحماية مصالح الشفيع إذ نصت أحكام الفصل 111 من مجلة الحقوق العينية “كل شرط يرمي إلى جعل الثمن مجهولا يعد لاغيا” وقد كرس فقه القضاء التونسي هذا المبدأ من خلال الحكم المدني عدد 3489 صادر في 12 جانفي 2006 “إن المشرع لما أقر مؤسسة الشفعة إنما وضع قيدا على حرية المالك في التصرف في ملكه وهو ما يمنع التوسع في شروط الشفعة وإجراءاتها خارج حدود ما ضبطـه الفصل 111 من م ح ع “أن المبلغ الواجب تأمينه عند القيام بإجراءات الشفعة هو الثمن المذكور بالعقد وما يتبعه من مصا ريف مقابل تحريره وتسجيله ولا مجال بالتالي لمحاولة تأويل هذه الأحكام والسعي إلى إثبات ما يدعى أنه الثمن الحقيقي الذي تعاقد عليه الطرفان”.
كما كرس القانون المؤرخ في 25 ديسمبر 1974 المتعلق بالمالية هذا المبدأ وذلك بتمكين وزير المالية القيام لفائدة الخزينة بحق الشفعة على العقارات أو الحقوق العينية إذا ما تراءى له أن ثمن بيعها غير حقيقي.
وبالتالي نستنتج وأن الثمن هو شرط وركن أساسي في عقد البيع وجب توفره ومن ثمة يمكننا الجزم بأن من شروط ممارسة حق الشفعة ضرورة توفر عقد بيع صحيح.
ب) العـقــد البـاطــــل :
أشرنا آنفا إلى أن العقد كتصرف قانوني إرادي يجب أن تتوفر أركانه التي أوجبها المشرع وهي الرضى – المحل والسبب إذ جاء الفصل الثاني من مجلة الالتزامات والعقود “أركان العقد الذي يترتب عليه تعمير الذمة هي :
أوّلا : أهليـة الالتزام والإلـزام.
ثانيا : التصريح بالرضاء بما ينبني عليه العقد تصريحا معتبرا.
ثالثا : أن يكون المقصـود من العقد مالا معينا يجوز التعاقد عليه.
رابعا : أن يكون سبب الالتزام جائـزا.
وفي حال افتقار العقد لأحد أركانه الأساسية التي أوجبها المشرع فإن هذا التصرف القانوني ونعني بذلك العقد يكون باطلا وهذا ما أقره الفصل 325 م إ ع الذي نص “ليس للإلتزام الباطل من أصله عمل ولا يترتب عليه شيء إلا استرداد ما وقع دفعه بغير حق بموجب ذلك الالتزام” وبالتالي في حال بطلان عقد البيع فلا يمكن الحديث عن حق الشفعة – وهذا ما ذهب إليه الدكتور عبد الرزاق السنهوري الذي قال “نشرط في البيع حتى يجوز الأخذ فيه بالشفعة أن يكون موجودا فإن كان غير موجود كالبيع الباطل فلا شفعة” وقد أكد فقه قضاء محكمة التعقيب التونسية ضرورة توفر هذا الشرط إذا أقرت المحكمة المذكورة في قرارها الصادر في 29 جانفي 1980 أن ” بطلان عقد البيع يجعل الأخذ بالشفعـة غير مقبول لانعدام موضوعها”.
أما بالنسبة لعقد البيع الغير باطل فهو بيع موجود ونافذ يجوز بالتالي الآخذ فيه بالشفعة رغم قابليته للإبطال فإذا قضى بإبطاله يزول البيع بأثر رجعي ويعتبر كأن لم يكن وتزول ملكية الشفيع عن العقار وتعود إلى البائع كما كان يقع للمشتري لو لم يأخذ الشفيع بالشفعـة.
ج) البيــع المعـلق على شـرط :
أقر المشرع التونسي ضمن الفصل 116 من مجلة الألتزامات والعقود أن الشرط في العقد يتمثل في أنه واقعة مستقبلية غير مؤكدة الحصول تتوقف عليها نشأة أو نهاية الالتزام وإذا تعلق الأمر ببيع معلق على شرط فلا يمكن الحديث عن ممارسة حق الشفعة فقد اعتبر فقه القضاء أنه لا تصح الشفعة فيما بيع تحت شرط واقف على أن هذا البيع يعتبر غير موجود طالما لم يتحـقق الشرط وهو ما أقـرته المحكمة الابتدائية بتونـس في حكمها الصادر فـــــــي 02 جويلية 1962 إذ ورد فيه أن “الإلتزام المعلق على شرط تعليقي يعتبر غير موجود طالما لم يتحقق الشرط”.
أما بالنسبة للشرط الفاسخ فالبيع المعلق على شرط فاسخ يعد نافذا من وقت إبرامه ويجوز معه للشريك أن يشفع في المبيع فإذا أخد بالشفعة في آجالها حل محل المشتري في البيع المعلق على شرط فاسخ فإذا تخلف الشرط صار البيع باتا وفي صورة تحققه زال البيع بأثر رجعي كما كان يزول بالنسبة إلى المشترى لو لم يأخذ الشفيع بالشفعة.
ولكن كيف يكون الحكم بالنسبة لوعد البيع. هل يحق للشفيع ممارسة حق الشفعة إذا أبرم وعد بيع بين الشريك والمشتري ؟
اختلف فقه القضاء في هذه المسألة فهناك من المحاكم التونسية من اعتبر أن وعد البيع له حكم البيع في حين اعتبرت محاكم أخرى أن وعد البيع هو مجرد التزام بعمل وليس له حكم البيع. وقد أقرت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب الاتجاه الثاني إذا اعتبرت هذه الأخيرة بأن الوعد بالبيع المتوقف انجازه على رخصة الولاية عقد صحيح ملزم للطرفين موضوعه حق شخصي ولا عيني فلا تنتقـل به الملكية وبالتالي فالوعد بالبيع ليس له حكم البيع وإنما هو مجرد التزام بعمل وبناء على ذلك فإنه لا يجـوز ممارسة الشفعة فيه.
2- المـال المشفـوع فيه يجب أن يكـون عقـارا
بالرجوع إلى أحكـام الفصليـن 103 و104 من مجلة الحقوق العينية اللذان نصا تباعا “الشفعة حلول الشريك محل المشترى في التملك بمبيع شريكه في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في الفصول الآتية”.
“يعـد شريكا على معنى الفصل السابق
أولا : كل مالك أو وارث لحصة مشاعة من عقار مشترك.
ثانيا : مالك الهواء بالنسبة للأرض المبيعة كل شريك في دار معدة للسكنى”.
نلاحظ أن المشرع التونسي قد اشترط لممارسة حق الشفعة أن يكون المال المشفوع فيه عقارا وما اتصل به وليس منقولا وفي هذا الإطار فقد تبنى المشرع ما اتفق عليه فقهاء الإسلام من أن الشفعة لا تمارس إلا في العقار وما اتصل به فلا شفعة في المنقول حتى إذا بيع مع العقار ويمكن تعريف العقار بأنه “كل شيء ثابت في مكانه ولا يمكن نقله دون تلف”
فصل 3 من مجلة الحقوق العينية ونعني بذلك الأراضي والمباني والأشجار التي تتصل بالأرض اتصال قرار وينقسم العقار إلى نوعين : عقار بطبيعته وعقار بالتخصيص.
وبمراجعة فقه القضاء نلاحظ بأن محكمة التعقيب التونسية كرست هذا المبـدأ وأقرت أن الشفعة لا تسلط إلا على العقار وقد أكدت ذلك من خلال نص إحدى قراراتها “أنه لا جدال في أن الشفعة لا تكون إلا في العقار وأن أحكام الشفعة خاصة بالعقارات دون سواها”.
أشرنا آنفا أن الشفعة لا تمارس إلا في العقار بطبيعته أما بالنسبة للعقار بالتخصيص بإعتباره منقول بطبيعته وظف لخدمة العقار أو لإستغلاله فإذا بيع مستقلا عن العقار الذي رصد لخدمته أو استغلاله فالبيع هنا يتعلق ببيع منقـول وبالتالي لا يجوز ممارسة حق الشفعـة. أما في صورة بيع المنقول الذي خصص لخدمة العقار واستغلاله مع العقار المخصص له فإنه يجوز الأخذ فيه بالشفعة تبعا للعقار كما تثبت الشفعة في توابع العقار إذا ما توفرت فيه الشروط القانونية إذ ينص الفصل 105 من م ح ع على ما يلي “الشفعة في المناب المبيع تنسحب على الحقوق التابعة له وإذا بيعت الحقوق التابعة دون الأصل جازت الشفعة فيها خاصة” فإذا باع الشريك منابه في بئر مثلا أو في ساحة تعد عرفا تابعة للعقار فإنه يجوز الأخذ فيها بالشفعة.
ومما يتجه الإشارة إليه أن المشرع التونسي أقر مسألة عدم قابلية الشفعة للتجزئة إذ ورد بالفصل 525 م ا ع ما يلي “ذكر بعض مالا يتجزأ كذكر كله فبعض التنازل عن حق الشفعة ككله” وبالتالي فلا يجـوز للشفيع أن يأخذ بالشفعة بعض المبيع دون البعض الآخر بل يجب عليه أي يشفع في العقار بأكمله وذلك حتى لا تتفرق الصفقة على المشتري فيتضرر بذلك.
3- البيوعات العقارية التي لا يجـوز فيها ممارسة حق الشفعة :
نص الفصل 108 م ح ع على عدم جواز الشفعة أولا إذا حصل البيع بالمزاد العلني طبق القانون وثانيا إذا وقع البيع بين الأصول والفروع أو بين الزوجين يتضح من هذا النص أن المشرع قد حدد موانع الشفعة التي تختلف عن مسقطاتها فالمانع يلغي الشفعة منذ البداية . أما المسقط فيلغي الشفعة بعد نشأتها وبالتالي فموانع الشفعة تكون موضوعية في الصورة الأولى وذاتيـة في الصورة الثانيـة.
فلاشفعة على المبتت له في البيع بالمزاد العلني طبق القانون فصل108 من مجلة الحقوق العينية وذلك لامكانية المشاركة فيه والتشجيع على المزايدة واحتراما للمفعول التطهيري لذلك الفصل وذلك طبقا لاحكام الفصل481 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية
أما الصورة الثانية التي لا تجوز فيها الشفعة فهي :
· صورة البيوعات المبرمة مع الأصول أو الفروع فبيع المالك الشريك لفروعه مهما نزلو ولأصوله مهما علو إذا باع الأب عقاره لإبنه أو لأبيه أو لإبن إبنه أو لإبن إبنته مهما نزل الفرع فإنه لا يحق ممارسة حق الشفعة كما أن البيع الحاصل بين الإبن وأمه أو أبيه أو جده من أمه أو أبيه مهما علا الأصل فإنه لا يجوز ممارسة حق الشفعة.
· صورة البيع الحاصل بين الزوج لزوجته أو العكس ففي هذه الحالة لا يجوز الأخذ بالشفعة إلا أنه يشترط أنه زمن إبرام البيع تكون الرابطة الزوجية قائمة لكي لا تمارس الشفعة فالبيع الحاصل قبل الزواج بصفة شرعية أو بعد انفصام العلاقة الزوجية تجوز الشفعة فيه.
2/ الشروط المرتبطة بالشفيع :
إن الشفعة كرخصة قانونية استثنائية تستوجب أحكاما للتطبيق بين الشفيع والشريك وبمراجعة الفصول القانونية المنظمة لها والواردة بمجلة الحقوق العينية نلاحظ أن الشفعة تجوز للشفيع المطالبة بها وممارستها إذ ما توفرت شروط ففي شفعة الشريك الشفيع شريك والمشفوع عليه شريك وتسمح قواعد الشفعة بتمييز صفة الشريك وحسم حالات التزاحم على الشفعة.
*أ* صفة الشريـك : إن الغاية والمصلحة التي سعى المشرع إلى ضمانها من خلال تنظيمه لهذه المؤسسة القانونية هي المحافظة على وحدة العقار وبالتالي كانت الفكرة الجامعة والمحورية للشفعة هي وجود اشتراك في عقار وبالتالي كيف يمكن إثبات صفة الشريك ؟.
– إثبات صفة الشريك :
بين الفصل 104 م ح ع المقصود بالشريك الذي له الشفعة على نحو يميز بين الشريك في الشيوع والشريك في العقار.
“فشريك الشيوع هو كل مالك أو وارث لحصة مشاعة من عقار مشترك” فصل 104 م ح ع أولا وقد عرف الفصل 56 م ح ع الشيوع بكونه اشتراك شخصين فأكثر في ملكية عين أو حق عيني غير مفرزة حصة كل منهم. وبالتالي فالمحدد في صفة الشيوع هو الاشتراك في ملكية العقار المبيع من جهة وشيوع هذا العقار من جهة أخرى.
– أما شريك العقار ففيه صورتان الأولى مالك الهواء بالنسبة للأرض المبيعة ومالك الأرض بالنسبة لهوائها المبيع (الفصل 104 م ح ع ثانيا وثالثا) والثانية : كل شريك في دار معدة للسكنى غير خاضعة لأحكام ملكية الطبقات استقل بجزء منها دون بقيتها (فصل 104 م ح ع رابعا).
وتثير هاتان الصورتان بعض الملاحظات :
– الأولـى : بالنسبة إلى الهواء والأرض نلاحظ أنه لا يوجد شيوع فالمفروض أن لا شفعة ولكن غاية المشرع هي تصفية الهواء وتوفير كل أسباب انقضائه لأنه ينقضي باجتماع حقي الهواء والملكية في يد شخص واحد (فصل 152 من القانون العقاري القديم لسنة 1885).
كما يلاحظ أن فرضيتي الشفعة قائمتان بالنسبة إلى حق الهواء أي بيع الأرض أو بيع الهواء وما منعه المشرع سنة 1965 هو إنشاء حقوق هواء جديدة. آما الحقوق القديمة فباقية ويمكن إحالتها (الفصلين 191 م ح ع وعدد 5 من قانون إصدار مجلة الحقوق العينية) والتالي تجوز الشفعة ثم أن الإشتراك في هذه الصورة بين الأرض وهوائها لا بين البناء وهوائه فهي تشمله الصورة الثانية.
– الثانيـة : بالنسبة الى دار السكنى تاريخيا كان منصوص عليها بالفصل 77 من القانون العقاري القديم في صورة مالك طبقة البناء بالنسبة إلى البناء الذي تحتها وهو ما يفسر بوضع الفصل 104 م ح ع اليوم أن الدار غير خاضعة لملكية الطبقات وبالتالي فقد كرس المشرع القاعدة القانونية الواردة بالفصل 101 م ح ع التي جاء بها أنه “لا شفعة في ملكية الطبقات”.
وعموما تتفق كل الصور في كون الهدف الأساسي من ورائها هو المحافظة على الوحدة العقارية لغرض اقتصادي (هواء) أو اجتماعيإدار السكنى) ويلحق بهما في الهدف حكم الفصل 105 م ح ع الذي يثبت الشفعة في توابع الأصل المشترك إذا بيعت خاصة (مثال : البئر والمسقى والعقارات الحكمية) كما أقر الفصل 110 م ح ع أن “حق القيام بالشفعة يمتد الى ورثته” وبالتالي فيكون صفة الشريك في كل الصور التي اشرنا إليها أنفا حسب الفصل 104 م ح ع يثبتها قانونا لورثته بحيث لو مات الشريك الشفيع بعد البيع وقبل الأخذ بالشفعة إنتقل حقه إلى ورثته وكان لهم الأخذ بالشفعة.
وبمراجعة فقه القضاء التونسي نلاحظ أنه قد كرس هذه القواعد والصور فقد جاء بالحكم المدني عدد 20580 المؤرخ في 14 فيفري 2003 “لئن كان من سبق بالترسيم أولى بالحق فإن الشفعة بإعتبارها حقا استثنائيا فقد قيدها المشرع بشروط وآجال محددة ومن هذا الوجه فإنه لا يكفي أن يكون الشفيع مالك للعقار المشفوع فيه بل يجب أيضا أن يكون مالكا في تاريخ بيع العقار المشفوع فيه” كما جاء بالحكم المدني عدد 11147 مؤرخ في 23 أفريل 1985 “شفعة الشريك التي جاءت بها مجلة الحقوق العينية غير شفعة المتسوغ التي جاء بها قانون سنة 1978 ما دامت الأولى مسلطة على عقار سابق في حين ان الثانية وأن تسلطت على عقار فإنها ناشئة من غير حق عقاري سابق”.
كما قضت محكمة التعقيب التونسية بأنه “المستنزل لاحق له في الشفعة” وكذلك الشأن بالنسبة للمنتفع بحق الإرتفاق متمثل في المرور.
ب- نفـي صفة الشريـك : اشرنا آنفا الى اشتراط المشرع لصفة الشريك في الشفيع حتى يمكنه ممارسة حقه من الشفعة ولكن إذا لم تتوفر صفة الشريك انتهت عنه صفة الشفيع وبالتالي لا يجوز له الأخذ بالشفعة وقد حددها القانون وتحديد الفصول المنظمة لهذه المؤسسة فقد اقتضى الفصل 106 م ح ع.
-” لا شفعة للجار على جاره” لأنه ليس شريكـا باعتبار وأن ذلك يعد حدا من حرية السكنى المضمونة دستوريا.
* اما الفصلان 101 و102 م ح ع فقد اقتضى ان المالك في ملكية الطبقات لا يعد شريكا لأن الشقق مفرزة ولأن الأجزاء المشاعة موضوع شيوع إجباري لا تقبل التفويت أصلا فلا شفعة فيه.
* صاحب الحق العيني الأصلي المتفرع عن حق الملكية كالإنتفاع والإرتفاق والإنزال ويستثنى من ذلك حق الهواء كما تقدم في الفصل 104 م ح ع.
– كما أن الشريك المنفصل عن الشيوع لا يحق له الأخذ بالشفعة لإنتفاء صفة الشريك وهو : الشريك المتقاسم لأن القسمة تنهي الشيوع وبالتالي تنهى صفة الشريك.
ويتجه في هذا الإطار التذكير بأن القسمة ليست الصورة الوحيدة التي تنقضي بها حالة الشيوع بل هي من الصور الواردة بالفصل 70 م ح ع الذي ينص على أنه “ينقضي الشيوع”
– بهلاك المشترك.
– بخروج الملكية من أيدي كامل الشركاء فانحصار جميع الأنصبة بيدي أحد الشركاء.
– بالقسمـة.
وما نشير إليه فيما يتعلق بالقسمة هو أن القسمة الناقلة لا يمكن أن تحقق آثارها وأن تضع حدا للشيوع وهو ما أكدته محكمة التعقيب في قرارها الصادر في 02 فيفري 1982.
– اشترط المشرع ضمن الفصل 107 م ح ع أن يكون مشتري الحصّة الشائعة أجنبيا إذ جاء به “لا شفعة لشريك على شريكه” والحكمة من ذلك هو إبعاد الأجنبي عن العقار من أن يقتحم نطاق الشركاء في الملكية الشائعة والتقليل من عدد الشركاء كل ما أمكن ذلك. وكذلك لكي يمارس حق الشفعة لا بد من توفر بعض الشروط في شخص الشفيع نفسه وهي الأهلية الواجبة وأن يكون غير ممنوع من شراء العقار المشفوع فيه وكذلك أن يكون مالكا للعقار المشفوع به من وقت بيع العقار المذكور إلى وقت ثبوت حقه في الشفعة وبالتالي فالشريك الذي يملك بعد البيع لا يمكنه ممارسة الشفعة ولا يعتبر شفيعا لأنه في تاريخ البيع ليس شريكا. فبالنسبة للأهلية الواجبة توفرها في الشفيع فهي أهلية التصرف أذ لا تكفي أهلية الإدارة وبما أن الشفعة هي بمثابة شراء العقار المشفوع فيه فإنه من المنطقي أن تمنع عن الشفيع ممارستها إذا كان ممنوعا من هذا الشراء ومثال ذلك إذ كان الشفيع نائبا عن غيره في بيع عقار له وكذلك الحالات المنصوص عليه بالفصول 566 و567 م ا ع والتي جاء بها منع القضات و المحامين و كتاب المحاكم و وكلاء الخصام و مأموري الدولة من شراء الحقوق المتنازع فيها لدى المحكمة التي يباشرون فيها وظائفهم كما منعهم من شراء الأموال والحقوق المأمورين ببيعها أو التي يكون بيعها بإذن منهم وإلا كان البيع باطلا.
ب- التزاحـم على الشفعـة :
للتزاحم صور كثيرة وهي تبرز أساسا عند التزاحم بين الشفعاء الشركاء أو بين الشفيع وصاحب حق الأولوية في الشراء.
1) تزاحـم الشفعاء الشركاء :
هذا التزاحم داخلي يحصل بين الشركاء المعددين بقائمة الفصل 104 م ح ع وقد ورد حله بالفصل 109 م ح ع كما يلي:
أولا : مالك الأرض بالنسبة لهوائها المبيع والعكس بالعكس أي إذا بيع مناب مشاع من أرض عليها حق هواء وتزاحم صاحب الهواء مع الشركاء في الأرض فالأولوية لصاحب الهواء.
ثانيا : الورثة المشتركون في ميراث والصورة أن شريكا يتوفى ويؤول منابه إلى ورثته فإذا باع أحدهم منابه للغير كانت الأولوية لبقية الورثة على حساب الشركاء الأصليين لأصلهم المتوفى لكن هذا الحكم لا ينطبق على ورثة الشفيع حسب الفصل 110 م ح ع في مواجهة بقية الشركاء فالحالة عندئذ خاضعة للمادة ثالثا من الفصل 109 م ح ع حتى وإن انحصر الآخذ بالشفعة بين ورثة الشفيع فالأولوية تكون باعتماد النصيب الأوفر أو القرعة.
ثالثـا : المشتركون في الملك الشائع أو في دار السكنى : وفي الصورتين الأخيرتين تقدم صاحب النصيب الأوفر وإلا فالقرعة وتبدو الحكمة من تتيب الفصل 109 م ح ع واضحة في المحافظة هي الوحدة العقارية و نبذ التشتت قدر الإمكان وتقليص الشيوع.
2) تزاحم الشفيع الشريك مع المستفيد من الأولوية في الشراء :
هناك صورتان :
الأولى : تتعلق بالمتسوغ ومن في حكمه : فإذا كان الأمر متعلقا بعقارات التونسين حيث الأفضلية للشفيع على حساب المتسوغ والمتمتع بحق البقاء عملا بالفصل 3 نقطة 2 من القانون عدد 39 لسنة 1978 المؤرخ في 7 جوان 1978 أو بعقارات الأجانب وبالرصيد العقاري الفرنسي حيث تعود الأفضلية لصاحب الأولوية في الشراء متسوغا كان أم شاغلا عن حسن نيـة والعلة في اختلاف الحكمين أن الأحقية في عقارات التونسيين للملكية والحد من الشيوع خلافا لعقارات الأجانب حيث الأسبقية للجنسية ورجوع الرصيد العقاري للتونسيين.
أما الثانيـة : المتعلقة بالوكالات العقارية فليس فيها نص صريح ولكن توجد أحكام وقوانين منظمة خاصة قانون 1973 أن الأولوية تعود للوكالة العقارية لعدة أسباب منها أن منطق الأولويّة يفرض على البائع عرض البيع أولا على الوكالة وإن لم يفعل فالوكالة تطلب إبطال البيع والتعاقد معها والبيع الباطل بهذا المعنى لا تجـوز فيه الشفعة كما أن أولوية الوكالة مؤسسة على فكرة المصلحة العامة لأنها متدخل عمومي ينجز مرفقا عموميا ثم ان أولوية الوكالات ما هي في كنهها إلا ممارسة مبسطة لانتزاع العقار لا يمكن أن يعارضها أي حق مخالف بما في ذلك شفعة الشريك.
والملاحظ أن أولوية الوكالة مشروطة بممارستها في أجل شهر من تاريخ التصريح لديها بالبيع وإلا اعتبـر سكوتها تخليا منها عن الأولوية يحرمها حتى من انتزاع العقار مدة معينـة تحتسب من تاريخ التخلي كما أن أولوية الوكالة الفلاحية خصوصا مشروطة فوق ذلك بكون البيع واقعا لمشتر من غير المالكين بالمنطقة ففي الحالتين يكون للشريك الأخذ بالشفعة لانتفاء التزاحم.
الفصل الثاني: اجراءات الشفعة اثارها ومسقطاتها :
المبحث الأول: إجراءات الشفعة
إذا توفرت صفة الشفيع بالنسبة للشريك فلا بد من الالتزام بالإجراءات القانونية التي ضبطها القانون لممارسة الشفعة حتى يتمكن الشفيع من تملك المشفوع فيه سواء رضائيا أو قضائيا لذلك حدد المشرع هذه الإجراءات كما نص على آجال مضبوطة .
أ- إعلام الشفيع : تخضع الشفعة لإجراءات تسبق عرض الثمن وتأمينه ورفع دعوى الشفعة وأولها هو إخبار المنتفع بوقوع البيع فإذا علم بذلك أي وقوع البيع وجب عليه أن يبدى رغبته في الأخذ بالشفعة بإعلان رسمي لكل من المشتري والبائع وذلك في آجال حددها القانون وإلا اعتبر متخلي عن ممارسة حقه في الشفعة وقد نص الفصل 115 جديد من م ح ع (المنقح بالقانون عدد 29 لسنة 2006 والمتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة الحقوق العينية على أنه “يجب على المشتري إعلام الشفيع بواسطة عدل تنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف ويسقط حق القيام بدعوى الشفعة بعد مضي شهر من تاريخ محضر إعلامه” والجدير بالذكر وأن الصيغة القديمة لهذا الفصل لم تكن توجب على المشتري إعلام باقي الشركاء الذين لهم الحق في ممارسة حق الشفعة فقد كان الإعلام اختياريا وأصبح بعد التنقيح وجوبيا ويتم عن طريق عدل منفذ مع بيان الثمن والمصاريف.
– بالنسبة لحق الشفعة الخاص بالوكالات العقارية فقط اشترط الفصل 86 من قانون 25 ديسمبر 1976 وزير المالية باعتباره شفيعا بان يتوجه بتنبيه المشتري ليعرب له عن رغبته في ممارسة الشفعة في صورة ما إذا تبين له أن ثمن المبيع المضمن بالعقد غير حقيقي ضرورة أن يدفع الثمن والمصاريف والتكاليف القانونية وذلك في طرف ثلاثة أشهر أما الأجل فانه ينطلق من يوم الإعلان في حين حدد قانون عدد 21 لسنة 1973 المؤرخ في 14 أفريل 1973 المتعلق بتهيئة المناطق السياحية والصناعية والسكنية فقد حدد آجال القيام بحق الشفعة بأربعة أشهر ينطلق سريانها من تاريخ نشر أمر إحداث محيط شفعة.
ب- صورة تعـذر إعـلام الشفـيع :
في صورة تعذر إعلام المشتري الشفيع بالطريقة والآجال التي ضبطها الفصل 115 فقد أعطى المشرع إمكانية تمديد آجال القيام بدعوى الشفعة حسب ما ورد بالفقرة الثانية من الفصل 115م ح ع جديد الذي جاء به أنه “في صورة تعذر الإعلام فإن القيام بدعوى الشفعة يسقط بمضي ستة أشهر من يوم ترسيم العقد بالسجل العقاري بالنسبة للعقارات المسجلة الخاضعة للمفعول المنشىء للترسيم ومن يوم تسجيل العقد بالقباضة المالية بالنسبة للعقارات المسجلة غير الخاضعة للمفعول المنشىء للترسيم أو العقارات الغير مسجلة” وتجدر الإشارة ان الصيغة القديمة لهذا الفصل كانت تفرق بين العقارات المسجلة والعقارات غير المسجلة فكان الأجل يبتدأ من تاريخ الترسيم بالنسبة للأولى ومن تاريخ التسجيل بالقباضة المالية بالنسبة للثانية.
أما بالنسبة للعقارات الخاضعة للأثر المنشىء للترسيم فهي تلك التي تم إحداثها بمقتضى حكم تسجيل صادر بعد دخول القانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرخ في 04 ماي 1992 المتعلق بتنقيح واتمام بعض الفصول من م ح ع الذي كرس مبدأ الأثر المنشىء للترسيم والذي دخل حيز التنفيذ في 04 ماي 2001 وقد دأبت إدارة الملكية العقارية على وضع طابع خاص على هذه الرسوم العقارية لإعلام العموم بأنها خاضعة للأثر المنشىء للترسيم وبهذه المقتضيات حاول القانون أن يضبط بكل دقة تاريخ بداية سريان أجل الشفعة معتمدا في ذلك على نوعية العقار المبيـع.
إلا أن الإشكال المطروح هو أن المشرع لم يعرف مصطلح “تعذر الإعلام” ولم يعطي حالات التعذر التي يجوز معها التمديد في آجال القيام وكيف يمكن إثبات التعذر من طرف المشتري وهذا ما من شأنه ان يترك آجال القيام بالشفعة مفتوحة الى أجل غير معلوم.
وبقطع النظر عن وجود الإعلام من عدمه فإن إجراءات القيام بالشفعة تبتدأ بأن يقوم الشفيع بالعرض على المشتري الثمن والمصاريف التي دفعها فإما أن يقبل المشتري العرض فتتم الشفعة بالتراضي وإما أن يمتنع فعلى الشفيع حينئذ أن يؤمن المال على ذمته ثم يقدم دعواه الى المحكمة وهي مرحلة ضرورية وأساسية لثبوت الحق.
– الفقـرة الأولى : عـرض الثمـن :
لقد اقتضى الفصل 111 من م ح ع “على القائم بالشفعة أن يقدم دعواه مصحوبة لما يفيد أنه عرض على المشتري كامل ثمن البيع ومصاريف العقد أو أنه عند إمتناع المشفوع عليه أمن ذلك بصندوق الأمائن والودائع ولا يتوقف هذا التأمين على إذن المحكمة وكل شرط يرمي الى جعل الثمن مجهولا يعد لاغيـا” وبالتالي فقد إشترط المشرع التونسي على المنتفع بالشفعة أن يعرض على المشتري كامل ثمن البيع والمصاريف لكي يتمكن أثر ذلك من رفع دعوى الشفعة وعند عدم القيام بالعرض يبطل الشفعة وقد أقر فقه القضاء هذا المبدأ إذا اعتبرت محكمة التعقيب أن “تأمين الثمن والمصاريف بدون عرضها على المشتري يبطل الإجراءات” وقد قضى الحكم المدني عدد 1213 الصادر في 23 ماي 1978 “تأمين الثمن والمصاريف دون عرضها على المشتري يبطل إجراءات الشفعة” وفي نفس الإتجاه أكدت محكمة التعقيب في قرارها الصادر في 22 فيفري 1983 أن “القيام بالشفعة يتوقف على عرض الثمن مع المصاريف وتأمينه عند الإقتضاء” وقد عرف تطبيق احكام الفصل 111 من م ح ع المشار إليه آنفا تطورا تشريعيا وقضائيا .اذ تضمن تنقيح الفصل 115 م ح ع سنة 2006 إلزاما للشفيع بإعلام المشتري بواسطة عدل منفذ مع بيان الثمن والمصاريف مما يساعد الشفيع على معرفة المصاريف وتجنب الإجتهاد في ضبطها وتأمينها خشية بطلان إجراءات دعواه ومن جهة أخرى عرف فقه القضاء تحولا بخصوص تحديد الثمن الواجب العرض من الثمن المذكور في العقد الى “الثمن الحقيقي” بما يسمح للشفيع بإثبات صورية الثمن المذكور في العقد على أن يتحمل عبء ذلك وترفض دعواه إن لم يفلح وهذا ما أقرته الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب ضمن قرارها عدد 2/63 مؤرخ في 30 مارس 2006.
وما نلاحظه في هذا الإطار أن الفصل 111 م ح ع لم يبيـن الطريقة الواجب اعتمادها للعرض غير أنه بالرجوع للفصل 5 م م م ت يمكن الإستعانة به في هذا الغرض والذي ينص على أن “كل استدعاء أو إعلام بحكم أو تنفيذ يكون بواسطة عدل منفذ ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”.
– الفـقـرة الثانيـة : واجب تأميـن الثمن والمصاريـف :
يعتبر التأمين وتعني بذلك تأمين الثمن والمصاريف في قانون الشفعة إجراء وجوبي يتبع العرض في صورة امتناع المشتري عن الإذعان لطلب الشفعة وهو ضمان لجدية الدعوى إذ أوجب الفصل 111 م ح ع على المتمسك بحقه في الشفعة أو يؤمن الثمن والمصاريف بصندوق الأمائن والودائع في صورة امتناع المشتري من قبول العرض المقدم وقد اعتبر بعض رجال القانون أن معنى الفصل 111 م ح ع لا يستقيم نظرا للصيغة التي ورد عليها بإعتبار وان لفظـة “أو” تفيد الخيار بين حلي العرض على المشتري والتأمين بصندوق الأمائن والوادائع إلا أن البعض الآخر اقترح صيغة أخرى للفصل 111 م ح ع وهي الآتيـة “على القائم بالشفعة أن يقدم دعواه مصحوبة بما يفيد أنه عرض على المشتري كامل ثمن المبيع ومصاريف العقد وأنه عند امتناع المشفوع عليه أمن ذلك بصندوق الأمائن والودائع”.
وما يمكن الإشارة إليه هو أن أجل التأمين يختلف فبالنسبة للشفعة في صورة الإعلام يكون فيها الآجل محددا بشهر أما بالنسبة لحالة عدم الإعلام فيكون لأجل فيها ستة أشهر هذا ولا يتوقف التأمين على إذن المحكمة فللمنتفع بالشفعة في صورة العرض المتبوع بالرفض تأمين المال المطلوب بدون إستئذان الحاكم وهو حل ضروري بالنظر الى اختصار آجال الشفعة ويمكن للإذن بالتأمين وأن يعطل الشفيع عن القيام بدعواه ويمكن أن يفوت عليه آجال القيام فيسقط حقه.
المبحث الثانـي : آثار ممارسـة حق الشفـة
نظم المشرع التونسي ضمن أحكام مجلة الحقوق العينية وتحديد الفصل 112 آثار ممارسة الشفعة إذ نص “يحل المشتري إزاء البائع محل المشتري في جميع حقوقه وإلزاماته”، إذ يترتب عن ثبوت حق الشفيع عند ممارسة حق الشفعة سواء بالتراضي أو بالتقاضي حلول هذا الآخير محل المشتري إزاء البائع في جميع حقوقه وإلتزاماته. فالعلاقة القانونية والتعاقدية التي كانت تربط البائع بالمشتري أصبحت بممارسة هذه الرخصة القانونية تربط الشفيع بالبائع عن طريق دعوى الحلول (الفـرع الأول) على أن الإخلال بإجراءات وشروط الشفعة قد يؤدي إلى سقوط دعوى الشفعة.
– الفـرع الأول : دعـوى الحلـول :
لمناقشة هذا الأثر القانوني لممارسة الشفعة لا بد من تعريف الحلول على أن نتعرض لأثار الحلول :
أ / ماهيـة الحلـول :
أقـر المشرع التونسي ضمن الفصل 223 من مجلة الإلتزامات والعقـود نظريـة “الحلـول” فنظم حلول الغير محل الدائـن ضمن الفصل المذكور الذي جاء فيه “أن حلول الغير محل الدائن في حقوقه يتم بمقتضى العقد أو بقوة القانون” وهذا الحلول هو نفس المتحدث عنه في الشفعة وتمكن الصورتان حلول الشفيع. محل المشري هو الأثر الرئيسي المقصود من هذه الرخصة القانونية (الشفعة) لأن به يتم التملك بالمشفوع فيه (فصل 103 م ح ع) ويشمل هذا الحلول محل كل حقوق المشتري والتزاماته الشرعية المترتبة على البيع وأولها الملكية والقيام بالتسليم والضمان والإلتزام بالثمن وبسائر التزامات المشتري إزاء البائع (فصل 112 م ح ع) فهو حلول في العقد وحلول في الملكية ويترتب على ذلك أن تكون للشفيع علة المشفوع فيه من وقت القيام على المشتري (فصل 113 م ح ع) وأن يتحمل مصاريف العين التي صرفها المشتري ضرورية كانت أم تحسينية (فصل 113 م ح ع) وأن لا يعارض بأعمال التفويت التي يبرمها المشتري قبل إنقضاء أجل القيام بالشفعة فصل (114 م ح ع) ونظرا لأهمية الحلول فقد جعله المشرع معيارا للتعريف بالشفعة فهو جوهرها ذلك ما ورد بالفصل (103 م ح ع) فتضمن أن “الشفعة هي خلول الشريك محل المشتري في التملك بمبيع شريكه”.
نستنتج مما سبق ذكره من أحكام الشفعة ومتى استوفت هذه التقنية القانونية جميع شروطها عناصرها وإجراءاتها وإذا ما تم القيام بها في آجالها القانونية فإن الشفيع يحل محل المشتري ويجعل الشفيع هو المشتري منذ البداية ويخرج المشتري من هذه الرابطة القانونية ويبقى البيع قائما منذ أن إنعقد ولكنه يكون بيعا للمشتري فيه هو الشفيع لا المشتري الأصلي وينتج البيع آثاره فيما بين البائع والشفيع. آما عند العقد المبرم بيه البائع والمشتري فإنه لا يبطل بإعتباره مستوفيا لجميع أركانه القانونية وإنما يترتب عنه الحلول الذي ينشىء آثارا.
ب/ آثـار الحـلــول :
نستنتج مما سبق بيانه وشرحه من أن الهدف والغاية الرئيسية من وراء ممارسة هذه الرخصة الاستثنائية القانونيـة ويعني بذلك مؤسسة الشفعة هي تملك الشفيع بالمبيع أي العقار المشفوع فيه وبالتالي فإن الحلول عمليا يتم فعلا بإنتقال ملكية العقار المشفوع فيه الى الشفيع إلا أن السؤال المطروح هو متى يكون تاريخ الحلول ؟
اختلفت الآراء بخصوص تاريخ حلول الشفيع محل المشتري فقيل من تاريخ العقد لأن الأصل في الأحكام أن تكون كاشفة لا منشئة وقيل من تاريخ القيام بدعوى الشفعة لأنه لا بد أن يعلن الشفيع عن رغبته ويكون ذلك بالقيام كما أن الفصل 113 م ح ع يجعل الغلة للشفيع كأثر للملكية من ذلك التاريخ وقبل أخيرا من تاريخ الحكم بالشفعة لأن به يتحقق الحلول وهو موقف الفقه الاسلامي الذي اخذت منه أحكام الشفعة في مجلة الحقوق العينية ويبدو الرأي الأول احرى بالصواب لقوة حجته على حساب الرأيين الآخرين، وذلك باعتبار أن الشفيع حل محل المشتري فمن المفروض أن ملكية العقار المبيع تنتقل إليه في الوقت الذي كانت تنتقل فيه الى المشتري لو بقي هذا الأخير في الصفقة مشتريا ولم يحل محله الشفيع فالمشتري لا يصبح مالكا للعقار المبيع إلا إذا سجل عقد البيع بالقباضة المالية إذا كان العقار غير مسجل طبق ما نص عليه فصل 581 م ا ع الذي ينص على أنه “لا يجوز الإحتجاج بعقد البيع على الغير إذا سجل بالقباضة المالية مع مراعاة الأحكام الخاصة بالعقارات المسجلة” والمتمثلة أساس في ترسيم العقد بالسجل العقاري الذي من شأنه إنشاء الحق العيني ومواجهة الغير به طبق ما ورد بالفصل 305 م ح ع الذي ينص على أن “كل حق عيني لا يتكون إلا بترسيمه”. وبما أن الأثر الجوهري الحلول بعد بثبوت حق الشفعة هو إنتقال الملكية فإن العلاقة تقوم بين البائع والشفيع وتتضمن بالتالي إلتزامات يلتزم بها الشفيع حتى يتمتع بحقوقه كاملة إزاء البائع وبالتالي فالشفيع ملزم بآداء ثمن المبيع إذا كان مؤجل ولم يدفعه المشتري مما يفترض معه ان البائع لم يقبض الثمن من المشتري. فإذا ما تحصل الشفيع على العقار المشفوع فيه سواء بحكم قضائي أو رضائيا وجب عليه دفع الثمن للمشتري وفي حالة الحكم بالشفعة يكون الشفيع قد أمّن الثمن فما على المشتري المشفوع عليه إلا أن يسحب بإذن من القاضي المختص ما أودعه الشفيع ويكون بذلك الشفيع قد وفى بإلتزامه بدفع الثمن. أما في حالة التراضي على الشفعة فما على الشفيع إلا دفع كل الثمن المتفق عليه البائع.
إضافة الى ذلك يلتزم البائع بتسلم العقار المشفوع فيه إلى الشفيع الذي هو ملزم بدوره بتسلم العقار أي بأن يتحوز به فعلا وما يترتب على ذلك من آثار قانونية إذ من حق الشفيع تسلم العقار على الحالة المادية الذي كان عليها وقت المبيع وبالمقدار الذي عين له في العقد وبالمحلقات التابعة له إضافة الى ذلك ففي صورة هلاك العقار أو تلفه قبل التسليم يكون على عاتق البائع تبعة ذلك فإن كان قد قبض الثمن وجب عليه أن يرده الى الشفيع وإن لم يقبضه بعد فلا تجوز له المطالبة به. أما إذا كان الهلاك جزئيا فإن التبعة تكون على البائع قبل التسليم وعلى الشفيع بعد التسليم ومن حقوق الشفيع أيضا أنه إذا إستحق المشفوع فيه من يده لفائدة غيره فإنه يقع الرجوع بالضمان على البائع دون الشفيع لحلول هذا الأخير محل المشترى آزاء البائع في جميع حقوقه وإلتزاماته طبق ما ورد بالفصل (112 م ح ع) فالبائع يلتزم إذن بضمان التعرض والإستحقاق لصاحب الحق فإذا ما استحق العقار للغير بعد تسلمه من قبل صاحب الشفعة فإن البائع يلتزم تجاهه بالضمان وهو ما ينطبق أيضا بالنسبة لضمان العيوب الخفية.
وبإعتبار وأن من الآثار القانونية للشفعة هي الحلول فإن تصرفات المشتري بين البيع وصدور الحكم بالشفعة قد اقـر حكمها الفصل 114 م ح ع الذي جاء فيه “لا يمضي على الشفيع عمليات التفويت التي قام بها المشتري قبل إنقضاء أجل القيام بالشفعة” وقد اقـرت محكمة التعقيب هذا المبدأ، إذ جاء في نص أحد قراراتها “مشترى الحق المشاع لا يجوز له بيعه للغير ولو لبعض الشركاء قبل انقضاء أجل القيام بالشفعة فيه ممن له الحق في ذلك وإذا ما فوت فيه قبل ذلك الأجل فإن التفويت لا يحول دون الأخذ بالشفعة فيه أي في البيع والأول وبذلك فإن الحكم القاضي بعدم جواز الشفعة بعلة التفويت لشريك فإن الفصل 114 م ح ع لا يقضيه ويكون الحكم خارق للقانون ويستوجب النقض”.
– بالنسبة للمشتري له أن يستغل العقار وله حق إدارته والتصرف فيه خلال الفترة السابقة للأخذ بالشفعة وفي صورة الحلول القضائي فإن الشفيع لا يتملك بالمبيع إلا من وقت صدور الحكم ولا حق له على المشتري قبل ذلك. أما بالنسبة للتصرفات المجراة من قبل المشتري قبل أخذ الشفيع بشفعته فإن الفصل 113 م ح ع نص على أن “غلة المشفوع فيه المشتري إلى وقت القيام بدعوى الشفعة وعلى الشفيع المصاريف الضرورية والتحسينية التي بذلها المشتري”.
الفــرع الثانـي : سقـوط دعـوى الشفعـة
نظرا لصبغتها الإستثنائية كآلية قانونية واعتبار لكونها تمثل قيدا على حرية التصرف والتعاقد -كما أشرنا آنفا- فقد أقر المشرع التونسي على غرار التشاريع المقارنة عدة أحكام للتضييق في ممارستها وذلك محاولة منه لضمان والتوفيق بين مصالح كل من الشفيع – المشتري- الشريك والمصلحة العامة التي تسعى إلى عدم تشتت الملكية وإستقرار المعاملات. وبالتالي فعدم إحترام الشفيع للإجراءات القانونية لممارسة دعوى الشفعة يمثل سببا في سقوط حقه في القيام بهذه الدعـوى وهذا ما سنتناوله في فقرة أولى (أ) على أن نتطرق لسبب آخر تنقض به دعوى الشفعة وهو رجوع الشفيع عن ممارسة حقه في الشفعة في فقرة ثانية (ب).
الفقرة الأولى الإخلال بأحكام القيام بدعـوى الشفعة يسبب سقوطها :
ان حق ممارسة دعوى الشفعة يزول إذا زال سبب التمتع بهذا الحق قبل إتمام الأخذ به أو قبل أن يصدر الحكم قضائيا بثبوته وتسليم المشتري به. وقد تضمن الفصل 115 م ح ع أسباب سقوط دعوى الشفعة والتي ارتبطت بالآجال الواجب الإلتزام بها من قبل الشفيع حتى لا ينقض حقه.
– أ : آجال سقـوط دعـوى الشفعـة : تضمن وكما اشـرنا آنفـا الفصل 115 من م ح ع آجالا وجب إحترامها وإلا تسقط دعوى الشفعة وقد شهد الفصل المذكور تنقيحا بمقتضى القانون عدد 29 لسنة 2006 المؤرخ في 15 ماي 2006 وقد حدد المشرع ضمن هذا الفصل أجلين تسقط عند الإخلال بهما دعوى الشفعـة.
– “يجب على المشتري إعلام الشفيع الشراء بواسطة عدل تنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف ويسقط حق القيام بدعوى الشفعة بعد مضي شهر من تاريخ محضر إعلامه” فنلاحظ أن أجل الشهر يحتسب من تاريخ إعلام الشفيع بمحضر عدلي وذلك لحماية حقوق الشفيع من بعض الحيل التي قد يلجأ إليها المشتري للحيلولة دون وقع إعلام الشفيع بالشراء وإعتبارا لذلك فعلى الشفيع القيام بدعوى الشفعة قبل مضي أجل الشهر المنصوص عليه وقد أقرت محكمة التعقيب هذا المبدأ إذ أكدت أن “حق الشفيع يسقط إذا لم يقع القيام بدعوى الشفعة بعدم مضي شهر من إعلامه بالشراء من قبل المشتري وأن المقصود من كلمة القيام بالدعوى الواردة بالفصل 115 م ح ع هو تقديم الشفيع لدعواه أمام المحكمة المختصة”.
بالرجوع الى نص الفصل 115 م ح ع نجد أن أجل القيام هو ثمانية أيام وبعد التنقيح بموجبها القانون عدد 29 لسنة 2006 مؤرخ في 15 مـأي 2006 أصبح شهر وبالتالي نلاحظ وأنه بالتمديد في الاجل الى شهر للقيام بدعوى فيه ضمان لحقوق الشفيع واعطائه الفرصة لتدبير الثمن ومصاريف العقد إذا كان راغبا في الشفعة وهو تكريس الغاية التي سعى المشرع الى ضمانها وهو توحيد ملكية العقارات المشاعة وتفادي تشتت ملكيتها حتي تلعب دورها إقتصاديا وإجتماعيا.
أما الأجل الثاني المحدد بالفصل 115 م ح ع فقرة 3 “وفي صورة تعذر الإعلام فإن القيام بدعوى الشفعة يسقط بمضي ستة أشهر من يوم ترسيم العقد بالسجل العقاري بالنسبة للعقارات المسجلة الخاضعة للمفعول المنشىء للترسيم ومن يوم تسجيل العقد بالقباضة المالية بالنسبة للعقارات المسجلة غير الخاضعة للمفعول المنشىء للترسيم أو العقارات غير المسجلة” وبالتالي نلاحظ وأن المشرع قد حدد الآجال لسقوط هذه الدعوى الإستثنائية وذلك حماية للشفيع من جهة وللتضييق عليه حتى لا يتسع على حساب مبدأ حرية التعاقد والتصرف وحق الملكية المضمون دستوريا والذي يخول لصاحبه التفويت في ملكه متى شاء ولمن شاء وهو تكريس المبدأ الذي جاء بالفصل 541 م ا ع الذي ينص على أنه “إذ أحوجت الضرورة تأويل القانون جاز التيسيـر في شدته ولا يكون التأويل داعيا لزيادة التضيق أبدا”.
وخلاصة القول فيما يتعلق بالآجال نلاحظ وأن المشرع قد عمد في عدة منابات الى إستنباط الحلول القانونية لمسألة الشفعة من خلال الإجتهادات القضائية فكان بذلك لفقه القضاء دورا خلاقا وبالتالي اعتبر مصدرا من مصادر القانون بالنسبة للشفعة ذلك أن النقض المتسرب الى القانون جعل التأويل القضائي في هذه المؤسسة أمرا لا غنى عنه لتطبيق الأحكام المتعلقة بها.
*ب* تنازل الشفيـع عن حقه في الشفعـة :
يمكن للشفيع والمخول له قانونا ممارسة دعوى الشفعة إذا توفرت شروطها التخلي أو التنازل عن ممارسة هذا الحق وذلك بترك الدعوى المفترض القيام بها والعدول عنها مما يؤدي الى سقوط الآثار المترتبة عن وجود هذا الحق غير أنه لا يمكن للمنتفع بحق الشفعة التراجع عن التنازل الصادر عنه بعد تمسكه به وقد تطرق الفصل 25 م ا ع الى التنازل عن حق الشفعة حيث جاء بها أن “ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله فبعض التنازل عن حق الشفعة ككله”.
اتفقت أغلب المذاهب القفهية الإسلامية على أن الشفيع يحق له التنازل عن الشفعة قبل البيع إذا جاء في مذهبي مالك والشافعي أن ” الشفيع إذا عفا عن الشفعة قبل البيع أو اسقط شفعته أو ماشابه ذلك لم تسقط وله حق المطالبة بها متى وجد البيع” وفي هذا الإطار نلاحظ وأن المشرع التونسي لم يتطرق لمسألة تنازل المنتفع بحق الشفعة عن حقه قبل وقوع البيع. إلا أنه وإن تعرض إلى التنازل عن حق الشفعة إلا أنه لم يبين الصيغة الواجب أن يكون عليها هذا التنازل فهل تكون بصريح العبارة أو يمكن أن ترد بصفة ضمنية وقد أكدت بعض القرارات التعقيبية وجوب أن يكون التنازل بصريح العبارة من ذلك القرار التعقيبي المدني عدد 1496 المؤرخ في 23 جوان 1970. إلا أنه مهما كانت بشكل هذا التنازل ضمنيا أم بصفة صريحة فهو يبقى استثناء ولا يمكن التوسع في تفسيره.
وهذا ما أقره الفقـه “ما دام التنازل على الشفعة يؤدي إلى سقوط الحق فيها فلا يجوز التوسع في تفسيره بحيث يؤخـذ في الحدود التي انتهت إليها الإرادة دون زيادة” كما أكد أن تنازل الشفيع عن حقه في ممارسة الشفعة لا يحتج به عليه إذا ما انتقلت لمالك جديد وفي هذه الصورة يجوز له المطالبة من جديد بحقه في الشفعة ذلك أن تنازله لم يكن موجها لشخص معين وفي صورة تغيير صاحب الحق فإنه يمكن للشفيع أن يتراجع في تنازله.
الخـاتـمـــــة
لقـد استأثرت مسألـة الشفعة كرخصة قانونية استثنائية اهتمام المشرع التونسـي إلا أنه بالرغم من ذلك طرحت عدة إشكالات وصعوبات في التطبيق وهي اليوم في تزايد ملحوظ ولكن الحلول لهذه الإشكاليات منوط بعهدة رجال القانون وفقه القضاء لإيجاد الأطر القانونية لفض هذه الإشكاليات وللبحث عن الحلول المناسبة والممكنة وذلك رهين بمدى النفاذ إلى عمقها من خلال ربطها بإطارها “الشيـوع” وأساسها “دفع الضـرر” – الوظيفة الاجتماعية “ووسيلتها الفنيـة” الحلول وغايتهـا اكتساب الملكيـة.