دراسات قانونيةسلايد 1

بحث عن الوضع الدستوري وتطوراته بدولة العراق

للوهلة الأولى قد ينصرف ذهن المتابع ليقول إن هذه القراءة ستنصب على مفردات الدستور العراقي، ولكن الحقيقة للمتمعن سيلاحظ أن الإشكالية المعروضة للمناقشة تكمن في الدلالة المعجمية والاصطلاحية لعبارة (الوضع الدستوري). وهذي العبارة تشير في الحقيقة لتعاطي السلطات الثلاث مع الدستور في حركتها وفي ممارسة العلاقات والصلاحيات والتوازنات فيما بينها… ومع ذلك فإنه ليهمني هنا أن أبدأ من مدخل آخر ليس بعيدا عن صميم قراءتنا ذلكم ما يتعلق بتعريف الدستور وأنواعه لننتقل من بعد ذلك لفهم علاقة قوى المجتمع به ومقدار حركية الدستور من تطورات الأوضاع الدستورية الخاضعة لسلطته…

والدستور في قراءة لغوية مقارنة بين العربية والفارسية والتركية تشير إلى التأسيس أو التكوين أو النظام وهي في المعجم العربي لغةَ َ تدل على صدر الديوان أو المجلس. وقولك دست الوظيفة أو دست الوزارة: تعني به المنصب المشار إليه.

والدستور لفظ استُخْدِم: بمعنى السجل أو الدفتر لقيد أسماء الجند ومعاشاتهم. وهو دلالة َ َ: قاعدة يُعمَل بمقتضاها؛ كقولك دستوري في الحياة هو كذا وكيت؛ وفي القانون مجموعة القواعد الأساس، الضابطة أو المحدِّدة لشكل الدولة ونظام الحكم فيها وسمات سلطتها وقولنا دستورية القوانين نقصد به مطابقتها لقواعد الدستور وأحكامه.

وجمع لفظ دستور عربيا دساتير… ولأنَّ الدستور يمثل القانون الأساس في البلاد فهو أبو القوانين ومصدرها الشارِع المقعِّد المحدِّد لما يتم وضعه من قوانين تسيير البلاد والمجتمع وتنظيم الوجود الجمعي المشترك. إذ يتحدد في ضوء الدستور – كما أسلفنا – نظام الحكم وطبيعة الدولة واختصاصات سلطاتها الثلاث مع إلزام لجميع أنشطتها بالخضوع التام له عبر التزام شارع القوانين الأدنى، به.

حيث يلزم أن يتوخى المشرّع القواعد الدستورية عند صياغته القانون وتمتد حالة الالتزام باتجاه اللوائح والأنظمة التفصيلية بالقوانين الأعلى منها مرتبة.. وعليه نضع هنا وقفة مهمة يمكننا أن نفكر فيها ونعالجها لاحقا هي }أن كل قانون أو لائحة سيكون غير شرعي عند خروجه على قاعدة دستورية أو مادة واردة فيه (أي في وثيقة الدستور){…

ولمزيد من التعريف وتبيّن الحد الاصطلاحي نجد في المبادئ العامة للقانون الدستوري يكون حدّ الدستور [اصطلاحا]: هو مجموعة المبادئ الأساس التي تنظّم فاعليات سلطات الدولة كافة والتي توضح بله تحدد حقوق كل من الحاكم والمحكوم وواجباته، بوضعها الأصول الرئيسة لتنظيم العلائق بين السلطات العامة؛ والدستور موجز أو إطار عام تعمل الدولة بمقتضاه لتشمل جميع شؤونها الداخلية والخارجية. ولصياغة الدساتير أساليب منها تلك التي تُفرض بطريقة تُبعِد إرادة المجتمع عن صياغته (نترك هنا التعليق والتفصيل) ومنها الأساليب الديموقراطية التي نشأ في كنفها الدستور وتمت عادة بطريقتين هما:

1. طريقة الاستفتاء الدستوري: حيث يتم وضعه بوساطة جمعية نيابية منتخبة من الشعب أو بوساطة هيأة أو لجنة حكومية أو الحاكم نفسه ثم يعرض على الشعب في استفتاء عام ولا يصبح الدستور نافذا إلا بعد موافقة الشعب عليه وإقراره…

2. طريقة الجمعية التأسيسية المنتخبة: وفي هذه الحال ينتخب الشعب ممثليه لينهضوا بمهمة وضع الدستور… وسريعا وباختزال (اختزال القسم النظري البحت) أنتقلُ لعرض موجز لأنواع الدساتير فهي من جهة تدوينها أو عدم تدوينها تنقسم على دساتير مدونة و غير مدونة فالدستور يُعدّ مدونا إذا كانت غالبية قواعده مكتوبة في وثيقة رسمية صاغها وأصدرها الشارع الدستوري.

ويُعدّ غير مدوّن إذا كان عبارة عن قواعد “عرفية” امتد العمل في ضوئها لزمن طويل فأصبحت بمثابة القانون الملزم المحتذى و تدعو هذه الصيغة لتسمية “الدساتير العرفية”، لأنّ العرف هو المصدر الرئيس لقواعدها وأصولها، ويعد الدستور البريطاني أبرز أمثلة هذه الدساتير غير المدونة لأنه يأخذ أغلب قواعده من العرف، ومن أحكام القضاء ولا ينفي هذا وجود أحكام وقواعد مكتوبة. [[ينبغي الإشارة هنا إلى أهمية استقرار النظام العام ومستوى الوعي والتفاعل الجمعي والفردي كيما يمكن اللجوء لهذا النوع من الدساتير]]

والدساتير بتقسيم آخر من حيث طريقة التعديل مرنة وجامدة فالدستور المرن: هو الدستور الذي يمكن تعديله بإجراءات شبيهة بتلك التي يتم بها تعديل القوانين العادية بوساطة السلطة التشريعية تحديدا ومثالنا النظام الإنجليزي البريطاني. فيما الدستور الجامد: هو الدستور الذي يلزم لتعديله إجراءات أشد من تلك التي يمكن بها تعديل القوانين العادية، فبعض البلدان تتخذ نظاما يتطلب موافقة أغلبية مواطني كل ولاية أو إقليم مع الأغلبية على المستوى الوطني سويا كالدستور الأسترالي الفيدرالى. [[قد يكون ذلك تعزيزا لمبدأ سمو الدستور أو لتلافي احتمالات الخروق المغطاة أو الممررة بطريقة مقننة مقعدة دستوريا تحت توصيف بند التعديلات السهلة…]].

إغلاق