دراسات قانونيةسلايد 1
دراسة حول تطويع التعويض في ظل التحولات الاقتصادية بالعراق
ملخص البحث
يعالج هذا البحث مشكلة اثر التحولات الاقتصادية في تقدير التعويض ،فقد حاول الباحث إن يعرض اثر هذه التحولات والوسائل القانونية الكفيلة بمواجهتها ،متوسلا في ذلك بمبدأ التعويض الكامل للضرر في ظل دراسة مقارنة تجسدت نتائجها في نهاية البحث .
المـقــــــــــــدمـة
إن جزاء المسؤولية المدنية هو التعويض ،والأصل في التعويض إن يقدر بالنقد ،ومن المعروف إن للنقد قيمتان : احدهما اسمية والثانية اقتصادية .
وفي ظل نظام اقتصادي مستقر ترتفع فيه معدلات النمو بصورة هادئة ،فان القيمة الاسمية للنقد يفترض إن تتحد مع القيمة الاقتصادية ،وقد كان مثل هذا النظام موجودا في الماضي .
وفي ظل هذا النظام الاقتصادي المستقر كانت قيمة التعويض تقدر يوم وقوع الضرر ،لأنه لم تكن هناك فروق كبيرة بين تقدير التعويض وقت وقوع الضرر وتقديره يوم صدور الحكم . ذلك إن قيمة النقد لم تكن تتغير إلا بصورة بطيئة وغير ملموسة .
ولكن بعد نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية والى حد ألان ،أصبح وجود مثل هذا النظام في اغلب دول العالم ضرب من الخيال ،فقد أخذت تكاليف المعيشة بالارتفاع وأخذت قيمة النقد بالهبوط بسبب ارتفاع معدلات التضخم ،مما أثار مشكلة اختلاف القيمة الاسمية للنقد عن قيمته الاقتصادية وتأثير ذلك على وقت تقدير التعويض .
إن تغير قيمة النقد تبعاً للتحولات الاقتصادية قد تحصل في الفترة بين وقوع الضرر وصدور الحكم الابتدائي ،كما يمكن إن تستمر أو تحدث في الفترة بين صدور الحكم الابتدائي وقبل صدور الحكم النهائي ،كما يمكن إن تستمر أيضا بعد صدور الحكم النهائي .
لذلك أصبح لزاماً على قاضي الموضوع إن يأخذ بنظر الاعتبار وهو يقدر التعويض التغيرات الحاصلة في قيمة النقود ،لان عدم الأخذ بهذه التغيرات يؤدي في معظم الأحيان إلى نتائج تجافي العدالة .
ولكن كيف يستطيع قاضي الموضوع إن يأخذ بنظر الاعتبار هذه التغيرات وما هي الوسائل التي تمكنه من ذلك . بعبارة أخرى هل يستطيع قاضي الموضوع إن يطوع التعويض وصولا ً إلى مبدأ التعويض الكامل للضرر وتفاديا ً لمشكلة اختلاف القيمة الاسمية للنقود عن قيمتها الاقتصادية ؟
إن البحث يحاول إن يجيب على هذا السؤال من خلال دراسة موضوع تطويع التعويض بحيث تتساوى القيمة الاسمية لمبلغ التعويض مع قيمته الاقتصادية وصولا ً إلى مبدأ التعويض الكامل للضرر .
كما يحاول الباحث إن يطرح الوسائل القانونية التي تمكن قاضي الموضوع من مواجهة مثل هذه التغيرات التي تحصل في قيمة النقد في مراحل التقاضي المختلفة وحتى بعد صدور الحكم النهائي .
وبعد التوكل على الله جاءت خطة البحـث في ثلاث مباحــــث ،عالجنا في أولها ماهية التطويع في ظــــــل التحولات الاقتصـــــادية ،وخصصنا ثانيها لتطويع التعويض في ظل التحولات الاقتصادية الحاصلة إلى وقت صدور الحكم النهائي ،إما ثالثها فكان بعنوان تطويع التعويض في ظل التحولات الاقتصادية الحاصلة بعد صدور الحكم النهائي .
المبحث الأول
ماهية التطويع في ظـل التحولات الاقتصادية
لبيان ماهية التطويع في ظل التحولات الاقتصادية ، نقسم هذا المبحث على ثلاث مطالب ،نعالج في المطلب الأول تعريف التطويع ،ونفرد المطلب الثاني لبيان نطاق التطويع ،إما عنوان المبحث الثالث فسيكون للخصائص الواجب توفرها في الضرر لكي يكون التعويض قابلا للتطويع.
المطلب الأول
تعريف التطـويع
يراد بتطويع التعويض إن على القاضي إن يدخل في حسابه عند التصدي لتقدير مقدار التعويض كل تغير يحدث في قيمة الضرر من يوم وقوع الفعل الضار إلى يوم إصدار الحكم -في حالة الضرر الحال- ومن يوم صدور الحكم إلى تمام التعويض في حالة الضرر المستقبل الذي يكون التعويض عنه قابلا للمراجعة أو يكون إيراد مرتب .(1)
إن من مقتضيات مبدأ التعويض الكامل للضرر الذي يعد دعامة أساسية من دعامات نظرية التعويض تحقيق التناسب أو التعادل بين التعويض والضرر ، فإذا لم يطوع التعويض بأن لم يأخذ القاضي بالتحولات الاقتصادية الحاصلة ليس ثمة تعويض كامل عن الضرر لان المضرور سوف يحصل على كمية من النقود لا تكفي لإزالة الضرر .كما إن عدم التطويع يعني إن الضرر يقدر بمقدار التعويض وليس التعويض هو الذي يقدر بمقدار الضرر أو بما يكفي لإزالة الضرر وهذا لايجوز في نطاق المسؤولية المدنية .
ومما لإخلاف فيه إن على قاضي الموضوع إن يأخذ بنظر الاعتبار وهو يقدر التعويض الظروف الملابسة للضرر ،ومن هذه الظروف تغير قيمة الضرر ،والمراد بقيمة الضرر قيمته السوقية نتيجة لانخفاض أو ارتفاع قيمة النقود تبعا ً لتغير عوامل اقتصادية كتغير معدل الأجر الذي كان يستحقه المضرور بإصابة جسدية أقعدته عن العمل أو تغير القيمة السوقية للشيء التالف في حالة الإضرار المادية .(2)
إن التغير في واقع الأمر ليس تغيراً في الضرر ذاته ، فالضرر ثابت في عناصره لكنه متغير في قيمته نتيجة لارتفاع أو انخفاض قيمة النقود ،فالتطويع هنا ينصب على القيمة السوقية مادام الضرر ثابت في عناصره الداخلية ،ويقصد بالقيمة السوقية قيمة الشيء طبقا ً للسعر السائد والمتوسط أي بالنظر إلى شيء متوسط من حيث حالة القدم والاستعمال .
وتختلف القيمة السوقية للشيء عن قيمته الذاتية والتي يراد بها قيمة الشيء في ضوء صفاته الخاصة التي تميزه من مثيله في السوق أو قيمته في وجهة نظر مالكه ولا توجد صعوبة إذا اتحدت القيمة السوقية للشيء مع قيمته الذاتية .
لكن إذا اختلفت القيمتان (السوقية والذاتية ) فبأي قيمة يجب إن يحكم القاضي كتعويض ؟
نصت المادة (207/2مدني عراقي )على انه (تقدر المحكمة التعويض في جميع الأحوال بمقدار ما لحق المتضرر من ضرر …… )(4).
إن قول المشرع إن على قاضي الموضوع إن يقدر التعويض بمقدار ما أصاب المضرور من ضرر، يعني انه اخذ بالاتجاه الشخصي (in concreto ) في تقدير التعويض ، لا بالاتجاه الموضوعي (in abstracto ) الأمر الذي يترتب عليه إن المحكمة يجب إن تأخذ بقيمة الشيء الذاتية يكون مقصورا ً على الأشياء القيمية التي تمثل قيمة خاصة لدى المضرور ،إذ يتعذر استبدالها بأشياء أخرى تحل محلها تماما ً بما يوجب الأخذ بقيمتها الذاتية واستبعاد قيمتها السوقية ،إما الأشياء المثلية فالفرض أنها لا تتمتع بقيمة ذاتية خاصة لذا فان قيمتها تقدر وفقا ً لقيمتها السوقية ،ويتحدد التعويض عنها بثمن شراء شيء مماثل وقت الحكم (5).
وبعد إن عرفنا المقصود بالقيمة السوقية للضرر والقيمة الذاتية نطرح المثال الأتي توضيحا ً لما قلناه :إذا تحققت أركان المسؤولية المدنية وكان الشيء التالف من الأشياء القيمية التي لا يوجد لها مثيل في الأسواق وكانت قيمتها السوقية وقت إتلافه (3000دينار ) ولكن قيمة النقود انخفضت وأصبحت قيمته وقت الحــكم (6000دينار ) إما قيمته الذاتية فكانت (7000دينار ) ، فالمفروض إن يعوض المتضرر بـ(7000دينار) فلو حكم له بـ(3000دينار) فهذا يعني إن التعويض لا يزيل الضرر إلا جزئيا ً وهذا ما يخل بمبدأ التعويض الكامل كل هذا وفقا للاتجاه الموضوعي في تقدير التعويض .
إما المادة (160) من القانون المدني البولوني فقد نصت على انه ( يعتد في تقدير الضرر المادي بقيمة الشيء وفقا ً للسعر الجاري ، فضلا ً عما له من قيمة خاصة لدى المضرور عند توافر سوء النية أو الإهمال الفاحش )(6).
إن هذا القانون عالج مسألة القيمة الذاتية -أو الخاصة كما يسميها المشرع البولوني – للشيء بصورة جزئية فشرط توفر سوء النية أو الإهمال الفاحش دون إن يبين أسس ذلك .
والحقيقة نحن نرى إن الأخذ بالقيمة الذاتية للشيء في تقدير التعويض وبالتالي إلزام المسؤول بدفع مبلغ يزيد عن قيمة الشيء السوقية يرجع إلى تعويض ما أصاب المضرور من ضرر أدبي تمثل بفقدان شيء عزيز عليه وله قيمة خاصة في نظره .فقد آن الأوان -كما نرى – لكي نتوسع في فهم فكرة الضرر الأدبي وان نستفيد منها في تفسير الكثير من الإحكام القانونية في نطاق المسؤولية المدنية دون إن نلجأ إلى الفكرة العقوبة الخاصة التي ترجع بنا إلى الخلط بين المسؤوليتين المدنية والجنائية .
المطلب الثاني
نـطاق التطـــويع
إن تحديد نطاق التطويع يرتبط بتعدد طرق التعويض واختلاف صوره ، ولم يعتد التقسيم التقليدي لطرق التعويض بتقلبات الأسعار لأنها لم تشكل أثرا ً ملحوظا ً ينعكس على تقدير التعويض ، وللاعتقاد بان التوازن الاقتصادي الذي يفترض عند وقوع الفعل الضار لابد إن يظل قائما ً عند إصدار الحكم بالتعويض .من هنا كان تصنيف طرق التعويض يرتبط في نوع المقابل الذي يلزم به المدين (المسؤول) .
ولكن هذا التصنيف التقليدي لطرق التعويض الذي لا يعتد بتقلبات الأسعار لم يعد يستطيع إن يواجه التحولات الاقتصادية العنيفة التي واجهت القضاء المقارن في نهائيات القرن الماضي ، مما جعل من مسألة تقلبات الأسعار وتأثيرها على إحكام التعويض التي تصدرها المحاكم من المسائل العملية المهمة التي لا يمكن تجاهلها .
وإذا كــانت طــــرق التعويض مختلفة فأن الســــؤال الذي يطرح في هذا الصــدد هو :ما هي هذه الطرق وأيا منها يتأثر بتقلبات الأسعار ويكون بالتالي قابلا للتطويع ؟
لقد تكفلت المادة (209 مدني عراقي ) ببيان طرق التعويض تاركة للمحكمة اختيار ما تراه منها ملائما ً لإصلاح الضرر حسبما تقتضيه الظروف الملابسة للنزاع المعروض عليها . فقد قضت هذه المادة بأنه (1- تعين المحكمة طريقة التعويض تبعاً للظروف ويصح إن يكون التعويض إقساطاً أو إيراد مرتبا ً ويجوز في هذه الحالة إلزام المدين بان يقدم تأمينا ً 2- ويقدر التعويض بالنقد على انه يجوز للمحكمة تبعا ً للظروف وبناء على طلب المتضرر إن تأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه أو إن تحكم بأداء أمر معين أو برد المثل في المثليات وذلك على سبيل التعويض )(8).
يتبين مـن هذا النص إن التعويــض قد يكـون عينيا ً (reparation en nature ) وقد يكون بقابل (reparation par equivalent ) والتعويض بمقابل قد يكون نقديا ً (reparation pecuniaier ) وقد يكون غير نقدي (non-pecuniaire )(9) .
ويلاحظ إن مما لاشك فيه إن أجدى الطرق لتحقيق المقصود من التعويض هي إزالة ما أصاب المضرور من ضرر ، وهذا التعويض بإزالة الضرر هو التعويض العيني ، أي إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل الضرر فهذه الطريقة تزيل الضرر عينا ً . على إن التعويض العيني إذا كان هو الغالب في المسؤولية العقدية فهو على النقيض من ذلك قليل الوقوع في المسؤولية التقصيرية(10) وهو مع قلة وقوعه في المسؤولية التقصيرية لا يقبل التطويع لعدم تأثره بتقلبات الأسعار .
ومع هذا قد يعتقد البعض لأول وهلة تأثر هذا النوع من التعويض بتقلبات الأسعار على أساس إن المسؤول إذا كان يلتزم بتسليم شيء معين مثل الشيء الذي أتلفه ، فأن هذا الشيء يتأثر بتقلبات الأسعار كأن يزداد سعره في السوق نتيجة انخفاض قيمة النقود .ولكن الحقيقة غير ذلك ، إذ تبقى قيمة هذا الشيء الاقتصادية ثابتة سواء عند ارتكاب الفعل الضار أم عند إلزام المسؤول مثل الشيء التالف .كل ما هنالك إن مبلغ النقود الذي يعادل هذا الشيء وقت إتلافه هو اقل من المبلغ الذي يعادله وقت إصدار الحكم ، والحقيقة إن الفرق في قيمة الشيء النقدية ما هو إلا عبارة عن المنفعة التي حصل عليها المسؤول من استثمار قيمة الشيء الذي أتلفه في الفترة بين ارتكاب الفعل الضار والحكم عليه برد مثل ما أتلفه .
ولكن ليس دائما يكون الضرر قابلا للإصلاح عينا ً ، لذلك تلجأ المحاكم إلى التعويض بمقابل ، والتعويض بمقابل قد يكون نقديا ً وقد يكون غير نقدي ، والحقيقة إن الطريقة الأخيرة في تعويض الضرر ونقصد به التعويض غير النقدي فهو كسابقه التعويض العيني لايتأثر بتقلبات الأسعار وبالتالي لا يقبل التطويع ، ومثال على هذا النوع من التعويض نشر الحكم الصادر بإدانة المدعى عليه في الصحف في دعاوى السب والقذف(11). يعتبر تعويضا ً غير نقدي عن الضرر الأدبي الذي أصاب المدعي وهو لا يتأثر بالتحولات الاقتصادية وبالتالي لا يخضع للتطويع .
بقي لدينا بعد ذلك التعويض النقدي وهو الأصل في المسؤولية التقصيرية إذ يجب على المسؤول إن يوفي بالتعويض نقدا، لأنه أكثر الطرق ملائمة لجبر الضرر المترتب على العمل غير المشروع حتى ما كان منه أدبيا ً(12) ،وهذا ما أشارت إليه المادة (209 مدني عراقي ) سالفة الذكر .
ويتخذ الحكم بالتعويض النقدي صــورا ً مختلفة فقد يكون التعويض الذي يلزم به القاضي المســــــؤول عبارة عن مبلغ معين يعطى للمضرور دفعــة واحدة .وقد يرى القاضي إن يحكم بهذا التعويض على شكــل إقساط أو إيراد مرتب لمــــدة معينة أو لمدى الحياة كما لو ترتب على حادث من حوادث العمل عجـــز العامل عجزا ً كليا ً وجزئيا ً (13).
والحقيقة إن هذا النوع من التعويض يرتب في ذمة المسؤول التزام نقدي بدفع مبلغ من النقود ولما كانت التحولات الاقتصادية تجعل من هذا الالتزام عرضة للزيادة والنقصان لاختلاف القيمة الاسمية للنقود عن القيمة الاقتصادية ، لذلك صار لزاما ً علينا تطويعه فإذا لم يتم تطويعه فان المدين (المسؤول ) يستفيد من ذلك على حساب المضرور بأن يتخلص من تعويض ما أتلفه بدفع قيمة من النقود ليس لها القوة الشرائية ذاتها عند ارتكاب الفعل الضار .
وفي ذلك إتباع لمبدأ القيمة الاسمية للنقود إذ يأخذ باسم النقد ، كالدينار ، دون البحث عن القيمة الاقتصادية التي يمثلها ، فالدينار هو الدينار كما يقال ، ولكن قيمة هذا الدينار الاقتصادية تتغير ، فإذا اتلف شخص مال مملوك للغير يساوي (1000دينار ) وقت إتلافه إلا انه يساوي وقت صدور الحكم (2000دينار ) لانخفاض قيمة النقود أو إذا دهس شخص أخر بسيارته فأقعده عن العمل فترة معينة ارتفعت فيها الأجور ، فأن على قاضي الموضوع وصول لمبدأ التعويض الكامل للضرر وتأكيداً على تطبيقه إن يأخذ هذه التحولات الاقتصادية سواء في قيمة الشيء أو في أجور العمل بنظر الاعتبار عند تقدير التعويض مما يعني تطويعه .
خلاصة القول إن طرق التعويض تنقسم بحسب تأثرها بالتحولات الاقتصادية إلى:
أولا : تعويــــض غير قابل للتطـــــويع ، ونقصد به التعــــــويض العيني والتعــــويض غير النقدي.
ثانيا : تعويـــــض قابل للتطــــــويع ، ويراد به التعـــــــويض النقدي .
إذا ً التطويع ينحصر نطاقه في التعويض الذي يتخذ صورة مبلغ من النقود والذي يصطلح عليه بالتعويض النقدي فهو تعويض يتأثر بالتحولات الاقتصادية دائما .
المبحث الثالث
الخصائص الواجب توفرها في الضرر لكي يكون التعويض قابلا للتطويع
مما لاشك فيه إن التعويض ومدى قابليته للتطويع يرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بالضرر الذي قام هذا التطويع أصلا ً لجبره ، فيثور التساؤل هنا، ماهي الخصائص التي يجب إن تتوفر في الضرر لكي يكون التعويض عنه قابلا للتطويع .
نستطيع بعد إن عرضنا لتعريف التطويع وتحديد نطاقه ،إن نبين الخصائص التي يجب توفرها في الضرر لكي يكون التعويض قابلا ً للتطويع وهي :-
أولا ً: أن يكون الضرر قابلا ً للتعويض :-
إن الضرر لكي يكون قابلا ً للتعويض وبالتالي يكون هذا التعويض قابلا للتطويع يجب إن يكون الضرر محققا ً (certain ) والضرر المحقق إما أن يكون حالا ً ، أي انه قد وقع فعلا ً كموت المضرور أو إتلاف ماله ، اومستقبلا ً، أي انه سيقع حتما . فالضرر المستقبل ( Dammage Future ) ضرر سيتحقق وقوعه وان لم يقع بعد كإصابة العامل بما يؤكد عجـــــزه عن العــمل ، ولهذا يتعين التعويض عنه .
كما يشترط الفقه في الضرر أن يصيب حقا ً أو مصلحة مشروعة ، فقد يصيب الضرر حقا ً للمضرور كأن يتلف شخص مزروعات شخص أخر أو يحرق منزله أو يصيبه بأذى ، وقد لايصيب الضرر حقا ً ثابت ، وإنما مجرد مصلحة مالية كالمعونة التي يقدمها الشخص لأقاربه الفقراء دون إن تجب نفقتهم عليه وإنما إحسانا ً وفضلاً منه حيث تذهب كثرة الفقه والقضاء إلى إمكانية التعويض عن الأضرار التي تصيب المصلحة المالية على إن تكون هذه المصلحة مشروعة .
وهناك شرط أخير يستفاد ضمنا ً هو إن لا يكون الضرر قد سبق تعويضه .فإذا تحققت هذه الشروط كان الضرر قابلا للتعويض وبالتالي يمكن إن تطرح مسألة إمكانية تطويع التعويض الذي قام جبرا ً له ، أما إذا لم يكن الضرر قابلا للتعويض أصلا ً لتخلف أحد الشروط المذكورة أعلاه فالتطويع لا يكون له محل (14).
ثانيا: إن يكون الضرر ثابت في ذاتيته :-
والمراد بذاتية الضرر العناصر الداخلية المكونة للضرر والتي تعبر عن مقداره وحجمه بعيدا عن قيمته النقدية (15).
إن الضرر إما إن يكون متغيرا في ذاتيته أو متغيرا في قيمته ،ونحن باشتراط إن يكون الضرر ثابت في ذاتيته نكون قد استبعدنا من نطاق البحث مشكلة التغير الذاتي للضرر وقصرنا بحثنا على تغير قيمة الضرر .إذ ليس ثمة ارتباط يذكر بين التغير الذاتي للضرر والتحولات الاقتصادية فهذا النوع من التغير ونقصد به التغير الذاتي للضرر لا علاقة له بارتفاع أو انخفاض الأسعار وإنما هو يرتبط بالإصابة ذاتها مثال ذلك لو ترتبت على إصابة شخص بحادث سيارة وفاة هذا الشخص نتيجة حصول مضاعفات بعد الحادث وقبل صدور الحكم فهنا على القاضي الاعتداد بسائر النتائج المترتبة على الوفاة عند تقدير التعويض .
فتغير الضرر هنا لم يأتي نتيجة ارتفاع أو انخفاض الأسعار وإنما جاء نتيجة عوامل داخلية متمثلة بتفاقم الإصابة ذاتها لحصول مضاعفات ناجمة عن قوة الصدمة أو خطورة المنطقة المصابة أو سوء العلاج ….. الخ .
مع ملاحظة إن الضرر إذا كان متغير في ذاتيته وفي قيمته فأن التعويض المقابل له سيكون قابلا ً للتطويع ولكن ليس على أساس تغير ذاتية الضرر وإنما على أساس تغير قيمته نتيجة لارتفاع أو انخفاض الأسعار .
ثالثا ً : إن يكون الضرر متغير في قيمته :-
إن وقتا ً غير محدد يفصل عادة بين وقوع الخطأ وتحقق الضرر من جهة وبين الحكم بالتعويض من جهة أخرى .
فإذا كان الضرر الذي أصاب المضرور قد ظل ثابت من حيث قيمته لثبات الأسعار وعدم تقلبها انخفاضا ً أو ارتفاعا ً من وقت وقوعه إلى وقت صدور الحكم فأن من السهل إن يتم تحديد التعويض المساوي له .
ولكن الصعوبة تظهر وبالتالي نحتاج إلى التطويع عندما يتغير الضرر لا في ذاتيته وإنما في قيمته ، فقد ترتفع قيمة النقود أو تنخفض بسبب تقلبات الأسعار فإذا لم يطوع التعويض فليس ثمة تعويض كامل عن الضرر الناجم عن خطأ المسؤول .
إذا ً لكي يكون التعويض قابلا ً للتطويع يجب إن تختلف قيمة التعويض الذي يكفي لإزالة الضرر وقت تحققه عن قيمة التعويض الذي يكفي لإزالة ذات الضرر وقت صدور الحكم لانخفاض أو ارتفاع الأسعار ولتوضيح ذلك نقول : إذا تحققت أركان المسؤولية وكان مبلغ (100000دينار ) يكفي لإزالة الضرر عند حدوثه ولكن قيمة النقود انخفضت وأصبح الضرر لا يزال إلا بـ(200000دينار ) فهنا فقط تثور مسألة تطويع التعويض وصولا ً للتعويض الكامل للضرر وبالتالي وجوب تعويض المتضرر بـ(200000 دينار ) وإلا فان التعويض يكون جزئيا ً لا يزيل جميع ما أصاب المتضرر من ضرر .
إما إذا لم تتغير قيمة النقود بحيث بقيت قيمة الضرر (100000 دينار ) منذ حدوثه وحتى صدور الحكم لعدم حصول تقلبات في الأسعار فان مشكلة التطويع لن تثور إمام القضاء .
رابعا : إن يكون التغير في قيمة الضرر غير راجع إلى خطأ المتضرر :-
قد يحدث في بعض الأحيان إن يتعمد المتضرر المماطلة لتأخير صدور الحكم بالتعويض لغرض الحصول على مبلغ أعلى مما كان سيحصل عليه .متذرع بان الالتزام بجبر الضرر يقع على المســؤول وحده وبالتالي فأن الأخير -إي المسؤول – هو من يتحمل تبعة التغير في قيمة الضـــــرر لان التعويض لكي يكون كافيا ً لجبر الضرر يجب إن يراعى في تقديره قيمة الضرر عند الحكم .
إن مسلك المتضرر هذا يدل بما لا يقبل الشك عن القصد السيئ للمتضرر تجاه المسؤول الذي قد يكون غير متعمد في إحداث ما أصاب المتضرر من ضرر . فضلاً عن إن التأخير في حسم الدعوى من شأنه إن يعرقل العمل القضائي ويؤدي إلى تراكم الدعاوى إمام المحاكم (16).
لذلك يجمع الفقه ومن ورائه القضاء ردا ً على القصد السيئ للمتضرر، بأن على المحكمة إن تأخذ بعين الاعتبار عند تقدير التعويض الخطأ الذي صدر من المتضرر والمتمثل بالمماطلة لتأخير صدور الحكم وبالتالي تنقص من مبلغ التعويض الذي تحكم به على أساس إن التعويض يجب إن يقدر لا في وقت صدور الحكم وإنما في الوقت الذي كان يمكن إن يصدر فيه بصورة طبيعية لولا مماطلة المتضرر (17) .
بل إن جانب من الفقه يذهب إلى ابعد من ذلك فيقرر مسؤولية المتضرر عن كل زيادة تحدث في قيمة الضرر إذا كان باستطاعته إن يتوقى هذه الزيادة ببذل جهد معقول فلم يفعل ،على أساس إن هذه الزيادة في قيمة الضرر تعد ضرر غير مباشر وبالتالي لا يلزم المسؤول بها (18).
يتبين لنا من كل ما تقدم إن التعويض لكي يكون قابلا للتطويع يجب إن يكون الضرر المراد جبره يتصف بمجموعــة من الخصائص تتمثل بقابلية الضرر للتعويض ، وان يكون هذا الضرر ثابت في عناصره الداخلية (ذاتيته ) ومتغير في عناصره الخارجية (قيمته) ، وان لا يكون سبب هذا التغير راجعا إلى خطأ المتضرر .
المبحث الثاني
تطويع التعويض في ظـل التحولات الاقتصادية
الحاصـلة قبل صدور الحكم النهائي
قد تتغير قيمة الضرر زيادة أو نقصانا ً تبعا ً لتقلبات الأسعار قبل رفع الدعوى ، كما يمكن إن تتغير قيمة التعويض في الفترة بين رفع الدعوى وصدور الحكم النهائي ، ولكن يلاحظ إن الحكم بالتعويض كأي حكم قضائي لايعد نهائيا ً بمجرد صدوره من محكمة البداءة فهو يخضع لقواعد الطعن بالإحكام سواء بالنسبة لطرق الطعن العادية أو غير العادية ،فإذا طعن به بأحد الطرق الجائزة قانونا ً ،فقد تتغير قيمة الضرر زيادة أو نقصانا ًخلال المدة المحددة للطعن إلى وقت الفصل فيه .
فيثور التساؤل هنا كيف يطوع التعويض في ظل التحولات الاقتصادية الحاصلة قبل صدور الحكم النهائي .للإجابة على هذا التساؤل سوف نوزع هذا المبحث على مطلبين : نتناول في المطلب الأول تطويع التعويض في ظل التحولات الاقتصادية الحاصلة إلى وقت صدور الحكم الابتدائي ،ونعالج في المطلب الثاني تطويع التعويض في ظل التحولات الاقتصادية الحاصلة إلى وقت صدور الحكم ألاستئنافي .
المطلب الأول
تطويع التعويض في ظـل التحولات الاقتصادية
الحاصـلة إلى وقت صدور الحكم الابتدائي
إذا تغيرت قيمة النقود (ارتفاعا ً أو انخفاضا ً ) في الفترة بين تحقق الضرر وصدور الحكم النهائي ، فيثار التساؤل هنا ، بأي القيمتين يجب على قاضي الموضوع إن يأخذ؟ ، بعبارة أخرى هل يجوز له إن يطوع التعويض ؟
للإجابة على هذا التساؤل انقسم الفقه إلى اتجاهين يقتضي التعرض لهما أولا ً ثم بيان كيفية التطويع ثانيا ً ، وأخيرا ً موقف القانون العراقي ، ونرى كل ذلك في الفروع الثلاثة الآتية .
الفرع الأول
تطويع التعويض بين الرفض والقبول
نعرض الموقف الرافض للتطويع أولا ثم نعرج إلى قبوله ثانيا وذلك فيما يلي :
أولا : الموقف الرافض للتعويض :
يذهب الاتجاه الرافض للتعويض وهو يمثل الأقلية ،إلى ضرورة الاعتداد بقيمة الضرر وقت حصوله زادت قيمة الضرر أو نقصت وقت صدور الحكم ،وهو في سبيل تدعيم وجهة نظره يستند إلى الحجج الآتية :-
1- يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى إن تطويع التعويض نتيجة لانخفاض قيمة النقود غير ممكن ، فلكي يسأل المدين عن تعويض الضرر لابد من وجود علاقة سببية بين خطئه وبين هذا الضرر . ولما كان انخفاض قيمة النقود ليس نتيجة لخطأ المدين (المسؤول ) فليس ثمة علاقة سببية بينهما ، من هنا إذا تم تطويع التعويض فهذا يعني تحمل (المدين ) المسؤولية من ضرر لم يكن نتيجة طبيعية لخطئه وهذا لايجوز (19).
2- إن الأصل في الأشياء الإباحة ، كما إن الأصل براءة الذمة ، فلكي تتقرر مسؤولية الشخص لابد من صدور حكم قضائي في بذلك ، فإذا انخفضت قيمة النقود في الفترة بين رفع الدعوى وصدور الحكم بتقرير مسؤولية الفاعل عما أصاب الغير من ضرر ، فأن الفاعل لايسأل عن انخفاض قيمة النقود وبالتالي يجب إن تقدر قيمة الضرر وقت حدوثه ، لان المدين (المسؤول ) لا يد له في تأخر إجراءات المحكمة وبالتالي فهو ليس مسؤولا ً عن انخفاض قيمة النقود الذي يعد ضرر غير مباشر يجب إن لايسأل المدين عن تعويضه وفقا ً لإحكام المسؤولية المدنية (20).
3- كما يحتج أصحاب هذا الاتجاه بحجة مفادها إن من يصاب بضرر عليه أن يبادر إلى إصلاحه حال حدوث الواقعة التي نشأ عنها فأن لم يفعل تحمل ما ينجم عن انخفاض قيمة النقود من ضرر (21).
4- كما يذهب أصحاب هذا الرأي ، إلى إن الحكم بالتعويض من الإحكام الكاشفة للحق وليست من الإحكام المقررة ، وبالتالي فأن حق المضرور في التعويض ينشأ من وقت تحقق الضرر ويجب إن يتم تقديره وفقا ً للعناصر التي كانت موجودة وقت نشوء الضرر ولما كان انخفاض قيمة النقود قد حصل بعد تحقق الضرر أي وقت صدور الحكم ، فأنه لايعد من العناصر التي كانت موجودة وقت نشوء الحق في التعويض وبالتالي يجب على قاضي الموضوع إن لايأخذ بها ويقدر الضرر وقت تحققه لاوقت صدور الحكم (22).
5- ويستند أصحاب هذا الاتجاه أخيرا ً لتدعيم وجهة نظرهم بموقف القضاء الفرنسي الذي كان يتمسك بضرورة مراعاة وقت حصول الضرر لتحديد مقدار التعويض ، وبما صدر عن محكمة النقض الفرنسية بدائرتيها المدنية والجنائية من إحكام تؤكد على ضرورة تقدير التعويض وفقا ً لعناصر الضرر المتحققة وقت نشوء الحق في التعويض ، ذلك الحق الذي ينشأ وقت وقوع الضرر ، بعده الوقت الذي تكتمل فيه أركان المسؤولية (23).
ب- تقويم حجج الاتجاه الرافض للتطويع :
نستطيع القول إن الحجـــــج التي استند عليها أصحاب الاتجـــاه الأول لرفض التطــــــويع على رغم الجهـــود المبذولـة في صياغتها ، إلا أنها لاتصمد إمــــام النقــد ، وكالاتي :-
1- إن الحجة المســـتمدة من عدم وجود علاقة ســببية بين الخطـــأ وانخفاض قيمة النقود ,هي في حقيقة الأمر حجة تقوم على الخلط بين الضرر (dammage ) وبين قيمته (valeur ) أو مقداره .فإذا انخفضت قيمة النقود ليس ثمة تعدد في الضرر كي نطبق إحكام العلاقة السببية لنعرف أي ضرر هو نتيجة لانخفاض قيمة النقود .فالعلاقة السببية قائمة سواء انخفضت قيمة النقود أو لم تنخفض .والقضاء عندما يطوع التعويض إنما يحدد كمية النقود اللازمة لإزالة الضرر .صحيح إن انخفاض قيمة النقود هو ضرر ولكن ليس بالمصطلح المقصود في المسؤولية أي الذي يكون نتيجة لخطأ المدين ويقتضي التعويض وإنما يقتصر دوره في اختلاف القيمة الاسمية للنقود التي تكفي لإزالة الضرر الناجم عن خطأ المسؤول (24).
2- إما عن الحجة الثانية ، فهي منتقدة أيضا ، إذ لايمكن القول إن التعويض يقدر وقت حصول الواقعة والمدين غير مسؤول عن تأخر إجراءات الحكم به ، لأنه إذا كان لايد له في تأخير هذه الإجراءات ، فأن الدائن لا يد له أيضا ً في هذا التأخير بل الدائن هو ضحية الضرر مما يعني انه أولى بالرعاية ، فلماذا إذا ً يتحمل الدائن (المضرور ) اثر انخفاض قيمة النقود خلال تأخر إجراءات المحكمة في حين لم يصدر عنه أي خطأ بل هو ضحية الضرر (25).
3- إما الحجة الثالثة ، فهي الأخرى منتقدة ، لان القول إن على المضرور أن يبادر إلى إصلاح الضرر وقت حصول الفعل الضار يخالف منطق إحكام المسؤولية المدنية .فكيف يسأل المضرور عن إصلاح ضرر ناجم عن خطأ لم يرتكبه . فالمسؤول عن التعويض هو من احدث الضرر وليس من وقع ضحية له . فضلا ًعن ذلك ،فان الدائن (المتضرر ) قد لا يملك من المال ما يكفي لإصلاح الضرر ، فليس ثمة قاعدة يمكن تطبيقها في هذا النطاق.
4- إما عن الحجة الرابعة ، فهي تقوم على الخلط وعدم التمييز بين نشوء الحق في التعويض ووقت تقديره ، فإذا كان الحكم بالتعويض فيه جانب مقرر فهو كذلك فيه جانب منشئ ، فهو مقرر فيما يتعلق بحق المضرور في المطالبة بالتعويض ، منشئ فيما يتعلق بتقدير التعويض ، الأمر الذي يترتب عليه وجوب تقدير التعويض وقت صدور الحكم لا وقت تحققه (26).
5- إما عن موقف القضاء الفرنسي والذي يحتج به أصحاب الاتجاه الرافض للتطويع ، فهو الأخر لا وجه له من الصحة ، صحيح إن القضاء الفرنسي وفي مرحلة من مراحل تطوره كان يعتد بوقت تحقق الضرر لتقدير التعويض ، إلا انه ومنذ وقت ليس بالقصير اخذ يتحول عن موقفه القديم واستقرت إحكامه على تقدير التعويض وقت صدور الحكم لا وقت تحققه ، فقد أصدرت دائرة العرائض (قبل إلغائها عام 1947 ) في محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 24/3/1942 حكما ً جاء فيه ( يتعين النظر إلى يوم صدور الحكم القضائي بتقدير التعويض عند إجراء هذا التقدير ، ذلك إن للمضرور حق التعويض الكامل عن الضرر الذي أصابه ، والتعويض اللازم لجبر الضرر ينبغي إن يقدر على أساس قيمة الضرر يوم الحكم ) .
كما قضت الدائرة المدنية لمحكمة النقض بأن ( التعويض اللازم لجبر الضرر ينبغي تقديره على أساس قيمة الضرر يوم الحكم الذي يحدد حق التعويض للمضرور ).
كما ورد في حكم أخر لذات المحكمة بأن ( التعويض المقدر وفقا ً للقواعد العامة يتم حسابه بالنظر إلى تاريخ الحكم )(27).
واستمر القضاء الفرنسي على هذا الموقف حتى أصبح مبدأ تقدير التعويض وقت صدور الحكم من المبادئ التي لا يرقى إليها الشك ولا يثور بشأنها خلاف .
ثانيا: قبول التطــويع :
بعد إن رأينا إن الحجج التي استند إليها الاتجاه الرافض للتعويض لا تصمد إمام النقد ، استنادا ً إلى المبدأ السائد في المسؤولية المدنية وهو مبدأ التعويض الكامل ” I Indemnisation droit etre complete ” فاذا لم يطوع التعويض ليس ثمة تعويض كامل للضرر ، لأن المتضرر يحصل على كمية من النقود لا تكفي لإزالة الضرر ، كما إن عدم التطويع يعني إن الضرر يقدر بمقدار التعويض وليس التعويض هو الذي يقدر بمقدار الضرر أو بما يكفي لإزالة الضرر وهذا لا يجوز مطلقا ً في نطاق المسؤولية المدنية ولتوضيح ذلك نقول : إذا اتلف شخص مالا ً مملوك للغير وتحققت أركان المسؤولية وقدر الضرر ، فأن المبلغ الذي يدفعه المسؤول يجب إن يقدر حسب الضرر دون اخذ الكم الرقمي لهذا المبلغ أو قيمته الاسمية عند حدوث الضرر . فإذا كان مبلغ ( مئة إلف دينار ) يكفي لإزالة الضرر عند حدوثه ، ولكن قيمة النقود انخفضت وأصبح الضرر لا يزال إلا بـ(مائتين إلف دينار ) فالمفروض إن يعوض المتضرر بـ(مائتين إلف دينار ) فلو حكم له بـ(مئة إلف دينار ) فهذا يعني إن التعويض لا يزيل الضرر إلا جزئيا ً وهذا ما يخل بالمبدأ المذكور مبدأ التعويض الكامل للضرر . وإذا انهينا إلى قبول التطويع فلابد من البحث في كيفية التطويع وهذا ما نطرحه في الفرع الأتي .
الفرع الثاني
كـيفية التطـويع
لمعرفة كيفية التطويع لابد إن نفرق بين فرضين : الأول إذا لم يقم المضرور بإصلاح ما أصابه من ضرر والثاني إذا قام المضرور بإصلاح ما أصابه من ضرر.
أولا ً: إذا لم يقم المضرور بإصلاح ما أصابه من ضرر: فأن القاعدة العامة تقضي بان على القاضي إن يحكم للمضرور بتعويض يكفي لإزالة ما أصابه من ضرر بأن يقدر التعويض وقت صدور الحكم .
ولكن الحالة لا تعرض دائما ً بهذه السهولة ، ففي بعض الحالات يكون للشيء التالف سعر رسمي ( تسعيرة رسمية ) تختلف عن سعره في السوق الحرة ، إلا إن الحصول على شيء بديل بسعره الرسمي غير ممكن من الناحية الواقعية. عرضت هذه المسألة على القضاء الفرنسي إبان الحرب العالمية الثانية وفي إعقابها بسبب فرض تسعيرة جبرية لأغلبية السلع ، مما جعل الحكم بتعويض نقدي محسوب على أساس التسعير الجبري غير كاف لجبر الضرر الحقيقي لتعذر إصلاحه بالأسعار الجبرية ، فجرى القضاء هناك على الاتجاه نحو الحكم بالتعويض العيني أي بإلزام المسؤول بالإصلاح العيني للتلف الذي أحدثه أو بأن يستبدل بالشيء الذي أعطيه شيئا جديدا مماثلا ً أو معادلا ً له ، واستبعاد التعويض لعدم مشروعية تقديره بالسعر الفعلي المعمول به في السوق الحرة ، ويدخل ذلك في سلطة قاضي الموضوع التقديرية ولا يتقيد فيه بطلبات الخصوم (28) .
كما تعرض في بعض الأحيان إن يكون الشيء الذي اتلف معد للبيع ، ثم انخفضت قيمته بعد ذلك ، نحن نرى إن على قاضي الموضوع إن يأخذ بنظر الاعتبار قيمة المبيع وقت تلفه وما فات على المضرور من ربح يتمثل ببيع المبيع بثمن مرتفع واستثمار ثمنه ، ويقضي بالتعويض وفقا ً لذلك .
ثانيا ً : إذا قام المضرور بإصلاح ما أصابه من ضرر :-
إن المضرور قد يقوم بإصلاح الضرر بناءً على مبادرة المسؤول إلى عرض التعويض على المضرور أو من تلقاء نفسه . فيثور التساؤل هنا كيف يطوع قاضي الموضوع التعويض أي هل يعتد بقيمة الضرر وقت إصلاحه أم بقيمته وقت الحكم ؟
الحالة الأولى :إصلاح الضرر من قبل المضرور بناء على عض المسؤول.
تتخذ مبادرة المسؤول بإصلاح الضرر صورة قيام الأخير بتقديم عرض حقيقي للمضرور يكون مساويا ً لقيمة ما أصابه من ضرر ، ويكون المضرور مخيراً بين قبول العرض المقدم له من قبل المسؤول أو رفضه .
فإذا قام المضرور بقبول العرض وإصلاح ما أصابه من ضرر فيجب على قاضي الموضوع الاعتداد بتلك القيمة ولا يجوز للمضرور المطالبة فيما بعد بأكثر من ذلك .
إما إذا رفض المضرور العرض ، فأن قيمة الضرر إما إن تبقى على حالها وفي هذه الحالة يحكم بها القاضي ذاتها أو تختلف إما إن تزيد قيمة الضرر أو تنخفض تبعاً لتقلبات الأسعار .
فإذا زادت قيمة الضرر بعد رفض العرض الذي قدمه المسؤول بسبب ارتفاع الأسعار ، فتكون العبرة في تقدير التعويض بوقت عرض التعويض وليست بوقت الحكم ولا يلزم المسؤول بالزيادة بقيمة الضرر التي ترجع إلى خطأ المضرور نفسه ، أما إذا كان سبب رفض العرض المقدم من قبل المسؤول كونه أقل من قيمة الضرر، فلا يعتد به القاضي ، وتكون العبرة عندئذ في تقـــدير التعويــض بقيمة الضرر وقـــت صدور الحكم .
إما إذا انخفضت قيمة الضرر وقت الحكم عما كانت عليه وقت عـرض التعويض نتيجة لارتفاع القوة الشرائية للنقود ، فالعبرة في هذه الحالة بقيمة الضرر وقت الحــكم ،لان الاعتداد بقيمته وقت عرض التعويض يؤدي إلى إثراء المضرور على حساب المسؤول وهو أمر لا يتلاءم ومبدأ التعادل بين التعويض والضرر .
الحالة الثانية : إصلاح الضرر من قبل المضرور ذاته : –
قد يبادر المضرور في نطاق الإضرار المادية – ومنها نفقات العلاج في نطاق الضرر الجسدي – من تلقاء نفسه إلى إصلاح الضرر الذي أصابه بفعل الغير ، كما لو قام صاحب ســيارة تضررت بفعل الغير بإصلاحــها بمبلغ مليون دينار ، ثم رفع الدعوى بعد مضي سنة كاملة من تاريخ إصلاح الضرر في وقت كانت الأسعار قد تغيرت وكانت أجور الأيدي العاملة قد تضاعفت خلال هذه الفترة بحيث أصبحت مصاريف إصلاح الضرر لا تقل عن ثلاثة ملايين دينار ، فيصح التساؤل عن الوقت الذي يقدر فيه قاضي الموضوع قيمة التعويض ، هل هو يوم إصلاح الضرر أم يوم صدور الحكم ؟
يجمع الفقه على إن مبادرة المتضرر إلى إصلاح الضرر قبل صدور الحكم يعد استثناء خطيرا ً على المبدأ القاضي بأن تقدير التعويض يجري يوم صدور الحكم(29) .
كما أيد القضاء الفقـــه فيما ذهب إليه ، فقد قضت محكــمة النقــض المصرية في حكم لها صدر بتاريخ 23\ديسمبر\1986 بان ( قيمة الضرر- العبرة في تقديره بقيمته وقت الحكم وليس بقيمته وقت وقــــوعه – قيام المضرور بإصــلاح الضرر بمال من عنده – مــــؤداه – عدم أحقيته فــي الرجـــوع بغـــير ما دفعــــه فعــلاً مهــمـا تغيرت الأسعار ) (30) .
كما ورد في قرار لمحكمة التمييز عندنا صدر بتاريخ 9\5\2001 بأن (تقدير التعويض عن الضرر يجب إن لا يزيد عن المبلغ الذي أنفقه المضرور في إصلاح السيارة المتضررة ) (31) .
ولكن اتجاه الفقه والقضاء هذا – كما نرى – لا يتفق مع ابسط قواعد المسؤولية المدنية ، هذه القواعد التي تقضي بأن التعويض يشمل ما أصاب الدائن من خسارة وما فاته من كسب ، فإذا كان الحكم للمتضرر بذات المبلغ الذي أنفقه في إصلاح السيارة يعوضه عما أصابه من خسارة فانه لا يعوضه عما فاته من كسب يتمثل بريع المبلغ الذي أنفقه من وقت إصلاح الضرر إلى وقت صدور الحكم هذا من جهة ومن جهة أخرى إن تغير قيمة النقود يجعل لها قيمتين : احدهما اسمية تتمثل بمقدار ما أنفقه المتضرر لإصلاح ما أصابه من ضرر وثانيهما اقتصادية تتمثل بالسلع والخدمات التي كان المضرور يستطيع إن يحصل عليها بالنقود التي أنفقها لإصلاح ما أصابه من ضرر .
فلكي يكون التعويض عادلا ً و كافيا ً لجبر ما أصاب المتضرر من ضرر فيجب على قاضي الموضوع إن يحكم له بكميه من النقود تكفي للحصول على سلع وخدمات كان يستطيع إن يحصل عليها بذات المبلغ الذي أنفقه على إصلاح ما أصابه من ضرر . ولتوضيح ذلك نقول : إذا انفق المتضرر مئة إلف دينار لإصلاح ما أصاب سيارته من ضرر في وقت كان يستطيع إن يشتري بهذا المبلغ إطارات كاملة لسيارته ، ثم انخفضت قيمة النقود ، بحيث أصبحت قيمة إطارات سيارته مائتان إلف دينار وقت صدور الحكم ، فيجب على قاضي الموضوع إن يحكم له بمائتين إلف دينار ، لأن هذا المبلغ وحده هو الذي يكفي لإزالة ما أصابه من ضرر والقول بخلاف ذلك يعني تحميل المتضرر نتائج خطأ لم يرتكبه مما يتنافى ومبدأ المسؤولية المدنية .
الفرع الثالث
موقف القانون العراقي
نصت المادة (208) من القانون المدني العراقي على انه ( إذا لم يتيسر للمحكمة إن تحدد مقدار التعويض تحديدا ً كافيا ً فلها إن تحتفظ للمتضرر بالحق في إن يطالب خلال مدة معقولة بإعادة النظر في التقدير ) .
ويفهم الفقه العراقي من هذا النص إن العبرة في تقدير التعويض النهائي يكون بوقت صدور الحكم لا بوقت تحقق الضرر (32) .
ولكن إذا كان هذا موقف الفقه ، فأن للقضاء العراقي موقفا ً أخر ، فهو يميل إلى وجهة النظر القائلة بمراعاة وقت حصول الضرر أو وقت رفع الدعوى لا وقت صدور الحكم ، فقد ورد في قرار لمحكمة التمييز (إن تقدير قيمة البناء المهدوم باعتباره قائما ً يكون بالسعر الذي كان عليه عند هدمه ) (33) .
كما ورد في قرار أخر بان (قيمة المغصوب تقدر بتاريخ غصبه ) (34) .
بينما ورد في قرارات أخرى لمحكمة التمييز اعتدادها بوقت رفع الدعوى كوقت لتقدير التعويض حيث قضت في قرار لها صدر بتاريخ 8\11\1981 بأنه ( إذا كان المغصوب من المثليات فعلى الغاصب رده للمغصوب منه عند المطالبة فإذا استهلكه لزم أداء قيمته بتاريخ المطالبة ) (35) .
كما ورد في قرار أخر لها بذات الاتجاه بان ( قيم المغصوب تقدر وقت إقامة الدعوى به لا وقت غصبه ) (36) .
وجاء في قرار أخر لها أيضا بان ( قيمة الذهب المغصوب تقدر بتاريخ إقامة الدعوى باسترداده ) (37) .
إلا إن محكمة التمييز عادت بعد ذلك إلى اتجاهها القديم وقضت في حكم حديث لها بتاريخ 7\4\1999 بان ( التعويض عن الضرر في المسؤولية التقصيرية يقدر بتاريخ حصول الضرر وليس بتاريخ إقامة الدعوى بشأنه ، ولما كان الحادث قد وقع في عام 1991 فان تقدير التعويض بالتاريخ المذكور منسجما ً وحكم القانون ) (38) .
وبالآمكان إن يوجه إلى النهج الذي اخذ به القضاء العراقي اعتراضان :
الأول : إن التوقف في تحديد قيمة الضرر عند تاريخ وقوعه لا يمكـّن القاضي في حالات كثيرة ، بل في معظم الحالات ، من الإلمام بالصورة التي وصل إليها الضرر ، فكثيرا ًما يبدأ الضرر صغيرا ً ثم يكبر مع الأيام ، وعلى العكس من ذلك ، فأن الضرر قد يبدأ كبيرا ً ثم يأخذ بالضمور والانكماش حتى يختفي كليا ً أو جزئيا ً – خاصة في نطاق الإضرار الأدبية – وفي الحالتين ، يبدو من الأولى إن يقدر الضرر بالصورة التي يظهر بها حين إصدار الحكم النهائي .
الثاني : وهو الأهم ، إن تقدير قيمة الضرر عند وقوعه يؤدي غالبا إلى إلحاق الأذى بالمضرور ، فالضرر الذي كانت قيمته عام 1999 عشرة ألاف دينار ، ستكون قيمته عند صدور الحكم النهائي عام 2001 خمسة عشر إلف دينار، وإعطاء المضرور عشرة ألاف دينار لن يكون ، كما هو واضح ، إلا تعويضا ً جزئيا ً . ومن المتصور في ذات السياق ، ومع احتمال انفلات التضخم ، أن يؤدي تقدير الضرر عند وقوعه إلى عدم حصول المضرور إلا على تعويض رمزي ، وهو ما يصعب التسليم به .
وإذا كان نص المادة (208) لم يشر بصورة صريحة إلى وجوب تقدير التعويض وقت صدور الحكم ، فأن مما لا شك فيه انه لم ينص صراحة على وجوب مراعاة وقت حصول الضرر ، لذلك ندعو القضاء العراقي إلى نبذ موقفه الحالي وتبني موقف جديد يعتد فيه في تقدير التعويض بوقت صدور الحكم ، لأن الغاية من المسؤولية المدنية جبر الضرر و إعادة المضرور إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوعه ، وهذه الغاية لا تتحقق إلا إذا روعي وقت صدور الحكم عند تقدير التعويض ، كما إن مضمون مبدأ التعويض الكامل للضرر لا يتحقق إلا بمراعاة وقت صدور الحكم (39).
وإذا كان لابد إن نلجأ إلى مضمار الاقتراحات العملية في نطاق التشريع ، فإننا ندعو المشرع العراقي إلى إيراد نص يحدد وقت تقدير التعويض على الوجه الأتي : (تقـدر المحــكمة التعويـض وقت صدور الحـــكم ما لم يقضي القـانون أو الاتفاق بغير ذلك ) .
المطلب الثاني
تطويع التعويض في ظـل التحولات الاقتصادية
الحاصلة إلى وقت صدور الحكم ألاستئنافي
قد يحدث في بعض الأحيان إن تتغير قيمة الضرر نتيجة لتقلبات الأسعار بعد صدور الحكم بداءة وقبل صدور الحكم استئنافا ً، فيثور التساؤل هنا هل يحق للمتضرر أن يطالب بزيادة قيمة التعويض تبعا ً للتحولات الاقتصادية اللاحقة أم لا ؟
إن مما لاشك فيه إن محكمة الاستئناف تعد محكمة موضوع تملك إذا ما طرح النزاع عليها ، ما كانت تملكه محكمة الدرجة الأولى من سلطة بحث الوقائع وتطبيق القواعد القانونية عليها ، فإذا زادت قيمة الضرر بسبب انخفاض قيمة النقود فان قضاة محكمة الاستئناف لا يستطيعون أن يقضوا بتعويض يزيد على ما طلبه المدعي ، ولهذا كان على المدعي أن يتقدم بطلب جديد عما قد يستجد من تغير في قيمة الضرر (40) .
ولكن ألا يمكن اعتبار طلب المدعي بزيادة مبلغ التعويض طلب جديد لا يمكن إيراده أمام محكمة الاستئناف ما دام انه قد حصل بعد صدور الحكم بداءة أي لم يسبق إيراده بداءة ؟
عرضت هذه المسألة على القضاء الفرنسي ، فقضت محكمة استئناف باريس بقبول زيادة التعويض المدعى به أمام محكمة الدرجة الأولى إذا كانت هذه الزيادة ناشئة عن غلاء تكاليف المعيشة (41) .
بينما رفضت محكمة النقض الفرنسية إعطاء صلاحية تعديل مبلغ التعويض تبعاً لتقلبات الأسعار إلى محاكم الاستئناف ، فقضت بأنه إذا كان الحكم البدائي قد عوض المتضرر بكامل الضرر بتاريخ الحكم فانه لا يحق لمحكمة الاستئناف إن تعدل هذا التعويض تبعا ً للتحولات الاقتصادية اللاحقة ، ولكن إذا وجدت محكمة الاستئناف إن التعويض بتاريخ الحكم البدائي يتناسب مع الضرر الحاصل آنذاك فانه باستطاعتها رفع مبلغ التعويض . كما أكدت محكمة النقض موقفها الرافض في حكم أخر لها جاء فيه ( إن قاعدة منع قبول الطلبات الجديدة في الاستئناف تحول دون زيادة مقدار الطلب الأصلي المقدم إلى محكمة الدرجة الأولى ) (42) .
هذا ويلاحظ إن محكمة النقض رفضت هي الأخرى إن تتمتع بصلاحية تعديل التعويض تبعا ً لتقلبات الأسعار معللة ذلك بان تقدير التعويض من مسائل الواقع لا من مسائل القانون (43) .
إما عن موقف القضاء المصري ، فنجد أن محكمة النقض المصرية وعلى خلاف محكمة النقض الفرنسية أجازت تطبيقا ً لنص المادة (235) من قانون المرافعات المدنية المصري لمحاكم الاستئناف زيادة قيمة التعويض تبعا ً لتقلبات الأسعار الحاصلة بعد صدور الحكم الابتدائي ، فقد جاء في حكم لها بأن ( التعويضات التي أجازت الفقرة الثانية من المادة 235 المطالبة بزيادتها استثناء أمام محكمة الاستئناف هي التعويضات التي طرأ عليها ما يبرر زيادتها عما حددت به في الطلبات الختامية أمام محكمة أول درجة وذلك نتيجة تفاقم الإضرار المبررة للمطالبة بها وإذا التزم الحكم المنطوق فيه هذا النظر واعتبر الزيادة طلبا ً جديداً فانه يكون قد أصاب صحيح القانون ) (44) .
إما عن موقف القانون العراقي ، فقد نصت المادة (192) من قانون المرافعات المدنية على انه ( الاستئناف ينقل الدعــوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور حكــم البداءة بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط ، ولا يجوز إحداث دعوى في الاستئناف لم يسبق إيرادها بداءة و مع ذلك يجوز إن يضاف إلى الطلبــات الأصـــلية ما يتحقق بعد حكم البداءة من الأجور و الفوائد والمصاريف القانونيـة وما يجد بعد ذلك من التعويضــات ) .
يتبين لنا من هذا النص إن الأصل في الطعن بالاستئناف إن الطلبات الجديدة التي لم يسبق إن قدمت إمام محكمة البداءة (محكمة الدرجة الأولى ) لا يجوز إبداؤها لأول مرة إمام محكمة الاستئناف (محكمة الدرجة الثانية) وذلك لاعتبارين :-
الأول : إن السماح بإحداث دعوى جديدة (إبداء طلبات جديدة) إمام محكمة الاستئناف (محكمة الدرجة الثانية) يعتبر إخلالا ً بقاعدة التقاضي على درجتين و تفويتا ً لدرجة من درجات التقاضي على الخصم الأخر .
والثاني : إن قبول الطلبات الجديدة يتنافى مع الاستئناف باعتباره طعنا ً في حكــم محكمة البداءة و تخطيئا ً لعمل قاضـي الموضوع بنسبة الخطأ إليه فيما لم يعرض عليه (45) .
ومع ذلك أورد المشرع على هذه القاعدة استثناء ورد في ذات المادة المشار إليها حيث أجاز إن يضاف إلى الطلبات الأصلية ما يتحقق بعد حكم البداءة من الأجــــور والفوائد و المصاريف القانونية وما يجـد بعـد ذلك من التعويضات. ولكن ما أساس هذا الاستثناء ؟
يعلل الفقه أساس الاستثناء المذكور بفكرة التبعية إذ إن الطلبات المذكورة وان تكن قد حدثت إمام الاستئناف إلا أنها من ملحقات الطلب الأصلي وحكمها في الغالب حكم الطلب الأصلي ، كما انه لم يكن في وسع الخصوم أن يطلبوها أمام محكمة الدرجة الأولى (46) .
ولكن هل يمكن اعتبار زيادة قيمة التعويض تبعا ً لتقلبات الأسعار الحاصلة بعد صدور حكم محكمة البداءة من التعويضات المستجدة التي يجوز إبدائها إمام محكمة الاستئناف ؟
يذهب جانب من الفقه العراقي إلى إن المقصود بالتعويضات الواردة في المادة (192/ مرافعات) أجور المحاماة في محكمة الاستئناف والفائدة القانونية للمبلغ المحكوم به من تاريخ المطالبة القضائية إلى حين التأدية(47) ، بينما يذهب جانب أخر إلى إن زيادة قيمة الضرر تعتبر من هذه التعويضات المستجدة التي يجوز التقدم بها لأول مرة إمام محكمة الاستئناف (48) .
ويبدو إن محكمة التمييز تميل في قراراتها إلى رأي الاتجاه الأول ، فقد ورد في قرار لها جاء فيه ( إذا كان المدعي حدد مقدار الضرر الذي لحق بسيارته فقضت له المحكمة بذلك ، فلا يجوز له الادعاء مجدداً بدعوى جديدة بما يزيد على المبلغ المذكور ) (49) .
ونحن لا نتفق مع ما ذهب إليه جانب من الفقه وما أكدته محكمة التمييز في هذا الصدد وندعو مع الجانب الأخر من الفقه العراقي إلى اتخاذ موقف يجيز للمتضرر المطالبة بزيادة مقدار التعويض عندما يزداد مقدار الضرر تبعا ً لتقلبات الأسعار بعد صدور الحكم بداءة وقبل صدوره استئنافا ًلاعتبارين :-
أولهما : إن الأخذ بما طرحناه يتفق مع منطوق نص المادة (192 مرافعات) الذي جاء مطلقا ً فيما يتعلق بالتعويضات المستجدة ، ومما لاشك فيه إن المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد صراحة أو ضمنا ً .
ثانيهما : إن إعطاء المتضرر الحق بالمطالبة بزيادة قيمة التعويض تبعا ً لزيادة قيمة الضرر يحقق العدالة و يضمن احترام مبدأ التعويض الكامل للضرر .
المبحث الثالث
تطويع التعويض في ظـل التحولات الاقتصادية
الحاصلة بعد صدور الحكم النهائي
سبق منا القول إن التعويض النقدي (reparathon pecuniaire ) هو الأصل في المسؤولية المدنية ، وان المحكمة حرة في تعيين التعويض النقدي على شكل مبلغ معين يعطى للمتضرر دفعة واحدة ، أو على شكل إقساط أو إيراد مرتب مدى الحياة . وكثير ما يفضل المضرور الحصول على التعويض دفعة واحدة ، لان ذلك يمنحه التصرف في المبلغ كأن يشتري به بعد شفائه سيارة أجرة يبدأ بها حياة جديدة .
ولكن إذا كان الضرر الذي لحق بالمصاب يتمثل في عجز جزئي دائم ، فأن أفضل طريقه لتعويضه هو أن لا يحصل المتضرر على مبلغ التعويض دفعة واحدة وإنما يحصل على إيراد مرتب مدى حياته ، ذلك إن الضرر الناشئ عن هذا العجز لا يظهر بهيئته الكاملة مباشرة بل يستمر حتى نهاية حياة المصاب .كذلك إذا تعلق الأمر بقاصر يطالب بتعويض الضرر المادي الذي أصابه نتيجة لفقد معيله ، و قد أجاز المشرع في المادة (209) من القانون المدني إن يكون التعويض مقسطا ً أو إيراد مرتبا ً .
غير انه يخشى ، في فترة الارتفاع المستمر للأسعار و زيادة تكاليف المعيشة وهبوط قيمة النقود إن يصبح الإيراد المقسط أو المرتب تافها ً أو قليلا ً ولا يكفي لسد حاجات المتضرر .
ولهذا فقد ثار التساؤل في الفقه والقضاء الفرنسيين عما إذا كان بإمكان المحاكم إن تجعل الإيراد متناسبا ًمع ارتفاع مستوى المعيشة أو بالأحرى مع مستوى أجور أو رواتب المتضرر ، أو إن تحتفظ للمتضرر بحق طلب إعادة التعويض كما هو الحال عند تفاقم الضرر (50) .
ولغرض بيان سلطة قاضي الموضوع في تطويع التعويض في ظل التحولات الاقتصادية الحاصلة بعد صدور الحكم ، سوف نقسم هذا المبحث على مطلبين : نعالج في أولهما ربط التعويض المحكوم به على شكل إيراد مرتب بمعيار عام ، ونتناول في ثانيهما إعادة تقدير التعويض .
المطلب الأول
ربط التعويض المحكوم به على شكل إيراد مرتب
بمعيار عام
تجيز اغلب التشريعات المدنية إن يتخذ التعويض صورة إيراد مرتب لمدة معينة أو لمدى حياة المضرور بعد إلزام المسؤول إن يقدم تأمينا ً لضمان حصول المتضرر على مبلغ التعويض .
ولكن الفقه ومن ورائه القضاء اختلف حول مدى إمكانية ربط هذا الإيراد بمعيار عام على نحو تبقى به القيمة الاقتصادية لالتزام المسؤول بالتعويض ثابتة .
ولغرض بيان موقف الفقه والقضاء من مسألة ربط الإيراد المرتـب بمعيــار عام ، سوف نقسم هذا المطلب على فرعين ، نتناول في الفرع الأول عرض الآراء الرافضـــة والمؤيدة لربط التعويـــــض المرتـب بمعيار عام لنبين مدى قبول التطـويع ، ونعالج في الفرع الثاني معيار التطويع ، أما الفرع الثالث فسنخصصه لبيان موقف القانون العراقي .
الفرع الأول
تطويع التعويض المحكوم به على شكل إيراد مرتب
بين الرفض والقبول
نعرض الموقف الرافض للتطويع ثم نعرج إلى قبوله فيما يلي .
أولا ً : الموقف الرافض للتطويع :-
ذهب جانب من الفقه الفرنسي يؤيده بعض إحكام القضاء إلى القول بعدم إمكانية ربط مبلغ التعويض المحكوم به على شكل إيراد مرتب بمعيار عام و قد أدلى أصحاب هذا الاتجاه بحجج عديدة مستمدة من المبأدى العامة في المسؤولية المدنية وإحكام السياسة النقدية واهم هذه الحجج هي :-
1- الحجة المستمدة من الوقت الذي يجب إن يقدر فيه التعويض :-
يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى إن التعويض يجب إن يقدر في يوم صدور الحكم دون إن تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية التي يمكن إن تطرى في المستقبل ، وان القول بخلاف ذلك يؤدي إلى إن قاضي الموضوع لا يقدر التعويض يوم صدور الحكم ، وإنما يقدره في المستقبل وهذا ما لا يتفق مع قواعد المسؤولية المدنية ، وإلى ذلك ذهبت محكمة استئناف بواتيه في حكم لها صدر بتاريخ 11/شباط/1949(51) .
2- الحجة المستمدة من فكرة الضرر غير المباشر :-
ليس ثمة خلاف في إن الضرر غير المباشــــر ضرر لا يمكن التعويــض عنه ، لذلك ذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى القول بان التعويض المقدر بصورة إيراد مرتب لا يمكن ربطه بمعيار عام ، لمواجهة التقلبات الاقتصادية لأنه لا توجد في نظرهم علاقة سببية بين الخطأ الذي صدر من المسؤول وبين الضرر الذي لحق بالمصاب بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة ، ولهذا لا يمكن تحميل المسؤول تبعة التحولات الاقتصادية الخارجة عن إرادته . وقد استندت محكمة استئناف اورليان إلى هذه الحجة في حكم لها صدر بتاريخ 25/آذار/1949 قضت فيه برفض ربط الإيراد المقضي به كتعويض بمعيار عام (52) .
3- الحجة المستمدة من فكرة احتمالية الضرر :-
يشترط في الضرر لكي يكون قابلا ً للتعويض إن يكون محقق الوقوع ولو تراخى وقوعه إلى المستقبل ، إما الضرر غير المحقق الوقوع أي الضرر الاحتمالي فان الفقه يجمع على عدم إمكانية التعويض عنه ، لذلك ذهب أصحاب هذا الرأي لرفض ربط التعويض المقضي به كإيراد مرتب بمعيار عام إلى القول بان قاضي الموضوع لا يجوز له إن يأخذ بعين الاعتبار عند تقديره التعويض الظروف الاقتصادية اللاحقة على صدور الحكم لان هذه الإحداث احتمالية وغير محققة الوقوع (53).
4- الحجة المستمدة من السياسة النقدية :-
قيل إن الحكم بإيراد عائم يضعف الثقة بالنقود الوطنية ، ويؤدي إلى خلق جو مناسب لارتفاع تكاليف المعيشة ، لهذا يجب على المحاكم وهي من أجهزة الدولة إن لا تساهم في إضعاف الثقة بالنقود خاصة وإن السياسة النقدية من النظام العام .
وبهذه الحجة دعمت محكمة استئناف باريس في حكم لها صدر بتاريخ 22/نيسان/1950 رأيها الرافض لربط التعويض المرتب بارتفاع تكاليف المعيشة كما استندت إلى هذه الحجة غيرها من المحاكم الفرنسية لرفض ربط التعويض المرتب بمعيار عام لمواجهة التحولات الاقتصادية (54) .
وقد تأثرت محكمة النقض الفرنسية بالحجج التي ساقها أصحاب هذا الاتجاه فقضت في حكمين لها أصدرتهما في (20مارس/مارت) و (20مايو/مايس) من عام 1952 بعدم جواز ربط المرتب بأسعار المعيشة لمواجهة التحولات الاقتصادية .
ثانيا ً : تقويم حجج الرأي الرافض للتطويع :-
على رغم الجهود المبذولة في صياغة الحجج السالفة الذكر ،إلا أنها كما يبدو لنا لاتصمد إمام النقد ،ويمكن تفنيدها على النحو الأتي :
1- تفنيد الحجة المستمدة من الوقت الذي يجب إن يقدر فيه التعويض :-
إن الغرض من إحكام المسؤولية المدنية هو إيصال التعويض للمضرور كاملا غير منقوص ، ولما كان اليوم الذي يحق فيه للمضرور إن يقبض مبلغ التعويض هو يوم صدور الحكم ، فقد اقتضى مبدأ التعويض الكامل للضرر إن يقدر التعويض في هذا اليوم أي يوم صدور الحكم .
ولما كان الإيراد المرتب هو عبارة عن تعويض الضرر المستقبل الذي سيصيب المضرور فان مبدأ التعويض الكامل يقتضي إن يغطي التعويض الضرر لا وقت صدور الحكم فقط وإنما في المستقبل أيضا ً بحيث يكون التعويض معادلاً للأجور التي كان سيحصل عليها المتضرر في كل فترة من فترات حياته كما لو كانت الإصابة التي أدت إلى حصول العجز الجزئي الــدائم لم تقع و بحيث يسهــــــل الإيــــراد على المتضرر في كل يوم من أيامــه المــستقبلة إمكانية الحصول على ما يكفي لسد حاجـــاته (55) .
2- تفنيد الحجة المستمدة من فكرة الضرر غير المباشر :-
إن هذه الحجة التي تستند على فكرة الضرر غير المباشر تبدو لنا غير مقنعة لان الاستناد إلى عدم وجود علاقة سببية بين الخطأ وانخفاض قيمة النقود يعد في حقيقة الأمر خلط بين الضرر (Dammage ) وبين قيمته ( Valeur ) أو مقداره .
إذ ليس ثمة شك بأن على المحكمة وفقا ً للقواعد العامة إذا ما أرادت تقدير التعويض عن ضرر مستقبل إن تأخذ بنظر الاعتبار إن الإيراد الذي ستقضي به سيدفع إلى المتضرر على عدة دفعات متعاقبة بحيث يتناسب التقدير مع الضرر الذي سيتحقق فعلا ً في المستقبل . ولهذا لا يمكن القول بوجود ضررين ، احدهما مباشر ناشئ عن العجز عن العمل مثلا ً ،وثانيهما غير مباشر ناتج عن ارتفاع تكاليف المعيشة ، لأنه لا يوجد في الواقع إلا ضرر واحد هو فقد القدرة على العمل أو بعبارة أخرى فقد مصدر الكسب . إما الرقم المتغير لهذا الكسب ، فهو ليس إلا القيمة المتغيرة للضرر، وهذا الضرر الذي نشأ بأكمله مباشرة عن الإصابة يجب إن بعوض بصورة كاملة مهما كان مبلغ التعويض .
أضف إلى ذلك إن الذي يؤدي بالمصاب إلى التعاسة ليس هو ارتفاع مستوى تكاليف المعيشة ، وإنما هو عجزه عن العمل ، ذلك العجز الذي لولاه لكان بإمكان المصاب إن يحصل على قوته اليومي مهما زادت تكاليف المعيشة (56) .
كما يلاحظ إن فكرة الضرر غير المباشر تستند في ذاتها على تناقض واضح يكفي لاستبعادها ، لان المحكمة عندما تقدر التعويض في يوم صدور الحكم تأخذ بنظر الاعتبار كل التغيرات التي حصلت في الفترة الواقعة بين تاريخ تحقق الضرر وتاريخ صدور الحكم ، فلماذا لا يمكنها إذن أن تأخذ بعين الاعتبار عند تقدير التعويض التغيرات التي يمكن إن تحصل في المستقبل وذلك بربط الإيراد المرتب بارتفاع تكاليف المعيشة أو بارتفاع مستوى الأجور مادامت المشكلة واحدة في الحالتين (57) .
3- تفنيد الحجة المستمدة من فكرة احتمالية الضرر :-
إن القول بربط الإيراد المرتب بمعيار عام إنما يتم على أساس احتمالي ، هو قول لا أساس له من الصحة ذلك إن المبلغ المقضي به كإيراد لا يتغير لمجرد احتمال ارتفاع تكاليف المعيشة أو انخفاض قيمة النقود . وإنما يتغير هذا الإيراد إذا ارتفعت تكاليف المعيشة أو انخفضت قيمة النقود فعلا . ولهذا فان محكمة الموضوع لا تحدد مقدار الزيادة في الإيراد ولا الوقت الذي تبدأ فيه هذه الزيادة ، وإنما تكتفي بالقول بأن مقدار الإيراد يجب إن يتبع التغيرات التي تحصل في مستوى الأجور حتى يضمن المتضرر تعويضا ً كاملا ً للضرر .
4- تفنيد الحجة المستمدة من فكرة السياسة النقدية :-
على الرغم من وجاهة هذه الحجة وجاذبيتها ، إلا أنها يجب إن تستبعد ذلك أن المحاكم وهي تقوم بربط الإيراد المرتب بمعيار عام لا تبني قراراتها على أساس ذات صفة نقدية وإنما على أسس ذات طبيعة اقتصادية بحته حيث يعتبر الإيراد تعويضا عن الكسب المهني الذي كان بإمكان المضرور إن يحصل عليه لولا الإصابة ، وإن هذا الإيراد يجب إن يتبع زيادة الأجور في حالة حصول مثل هذه الزيادة (58) .
ثانيا ً : قبول التطــويع .
بعد إن تبين لنا ، بعد عرض الاتجاه الرافض للتعويض ، إن الحجج التي يستند إليها أصحاب هذا الاتجاه ، لا تصمد إمام النقد ، نرجح قبول التطويع ، استناداً إلى المبدأ العام الذي يحكم المسؤولية وهو مبدأ التعويض الكامل للضرر .
فإذا لم يطوع التعويض ليس ثمة تعويض كامل عن الضرر الناجم عن خطأ المسؤول لان المضرور- وكما سبق القول -يحصل على كمية من النقود و التي هي عبارة عن إيراد مرتب يكون اقل مما يحصل عليه اقرأنه بحيث لا يكفي لإزالة الضرر و لا يضعه في المركز الذي كان سيصل إليه المضرور لولا الإصابة . وقد قبلت محكمة النقض الفرنسية تطويع التعويض بربط الإيراد المرتب بمعيار عام لمواجهة التحولات الاقتصادية ، بعد إن كانت ترفض ذلك، حيث قضت محكمة النقض الفرنسية بمشروعية ذلك في حكمين صدرا من دائرتها المختلطة بتاريخ 6/نوفمبر/1973 .
كما اخذ المشرع الفرنسي بذلك في قانون 27/ديسمبر/1974 فيما يتعلق بتحديد إيراد مرتب تعويضا ً عن الإضرار التي تقع بفعل آلات النقل البري الميكانيكية سواء تم تقدير الإيراد بطريق القضاء أو الاتفاق (59) .
واصدر المشرع الفرنسي كذلك قانون (5 يوليو 1985) إذ عني بالتوسع في تطبيق الإحكام التي تضمنها قانون 27/ديسمبر/1974 الذي جعل تطبيق إحكامه مقتصرا ً على حالة الإصابة التي تسبب عجزا جسديا يزيد على 75% بينما قانون 1985 لم يشترط نسبة عجز معينة فأحكامه تطبق حتى لو كانت نسبة العجز اقل من 75% إما إذا كان الضرر لم ينشأ عن حادثة مركبة فإننا لا نستطيع إن نضع معياراً موحد لذلك نرى ترك تقدير التعويض وإمكانية ربطه بمعيار عام لسلطة قاضي الموضوع (60) .
الفرع الثاني
معيار التطــويع
ذهب جانب من الفقه الفرنـــسي إلى إن معيار التطويع هو سعر الاستهلاك (Ie prix a Ia consomation ) . فقاضي الموضوع يقدر التعويض حسب ارتفاع أو انخفاض سعر الاستهلاك في السوق (61) .
وإذا كان هذا المعيار وسيلة مهمة للتطويع في اغلب الأحيان فان على القضاء في استخدامه إن يلاحظ إن غاية التطويع تكمن في تعويض المتضرر تعويضا ً كاملاً وليس المقصود تجاوز ذلك إلى تحقيق ربح له (أي للمضرور) . عليه إذا كان معيار سعر الاستهلاك باعتباره معيار عام ( L Indexation ) يؤدي إلى مثل هذا الربح فلابد من التخلي عنه والبحث عن معيار أخـــر يحدد تبعا لطبيعة الحــالة التي يجري بشأنها التطويع .
مثال ذلك : إذا التزم المـــــسؤول بتعويض المضـــرور بإيراد مرتب قـــدره (1000 دينار شهريا) وتم ربط هذا الإيراد بسعر الاستهلاك . فإذا ارتفعت الأجور بنسبة 10% إلا إن سعر الاستهلاك ارتفع إلى 12% . ففي هذا الاحتمال إذا تم رفع قيمة التعويض على وفق الارتفاع الحاصل في سعر الاستهلاك فان هذا يحقق ربح للمضرور بنسبة 2% وهذا لا يجوز لأنه يعد إثراء للمضرور على حساب المسؤول بدون سبب .
ونحن بدورنا نرى إن التطويع بهذه الطريقة منتقد لان ربط التعويض بأنموذج خارجي عام ، كسعر الاستهلاك يؤدي إلى إثراء المضرور على حساب المسؤول في كثير من الأحيان أو يؤدي إلى عدم تعويض المضرور تعويضا ً كاملا ً في أحيان أخرى ، وان الأفضل هو ربط التعويض بأنموذج داخلي في إطار العملية ذاتها التي يتعلق بها التعويض ومثاله ، أن تربط أجور العمال في المصنع بسعر بيع الإنتاج وهكذا .
الفرع الثالث
موقف القانون العراقي
سنقتصر في بيان هذا الموقف على تحليل التشريع ، إذ لم نجد في التطبيقات القضائية ما يعبر عن موقف محدد أو اجتهاد في ظل القانون . هذا على رغم اهتمام المشرع الواضح بمبدأ التعويض الكامل للضرر (62) .
فقد نصت المادة (209/1) من القانون المدني على انه ( تعين المحكمة طريقة التعويض تبعا ً للظروف ويصح إن يكون التعويض إقساطا ً أو إيرادا ً مرتبا ً ويجوز في هذه الحالة إلزام المدين بان يقدم تأمينا ً ) .
يتضح من هذا النص إن المشرع يميز بين نوعين من أنواع التعويض النقدي :
النوع الأول : وهو الذي يحكم فيه على انه إصلاح لضرر معين وهذا النوع من التعويض يكون الأصل فيه إجماليا ً يدفعه المسؤول إلى المضرور دفعه واحدة ، أو على شكل إقساط شهرية أو سنوية وهذا معنى نص المادة (209/1مدني) (ويصح إن يكون التعويض إقساطا ً … ) .
وهذا النوع من أنواع التعويض لا يكون قابلا ً للتعديل أو لإعادة النظر لان طلب المضرور إعادة النظــر بالإقســاط المدفـــوعة يصطــدم بمبدأ حجية الأمـــر المقضي فيه ، حيث إن قيمة الضرر قد حددت من قبل المحكمة تحديدا ً نهائياً وبالتالي فليس في إمكان القاضي بعد هذا إدخال تغيير على هذا المبلغ وذلك لان الحكم القطعي أو النهائي (Jugement definitif ) حكم ينهي النزاع ويرفع يد القاضي عن النظر في الدعوى مرة أخرى . وليس هناك من سبيل لإعادة النظر في مقدار هذه الإقساط إلا تدخل المشرع نفسه (63).
النوع الثاني : وهو الذي يحكم فيه على انه نفقه للمصاب أو المضرور . وإذا كان النوع الأول من التعويض ونقصد به التعويض المقسط غير قابل للتعديل أو لإعادة النظر فانه ينبغي ربط الإيراد المرتب بمعيار عام بحيث يسمح بارتفاع قيمة هذا الإيراد كلما تغيرت ظروف المعيشة ومستواها تغيراً يجعل مقدار التعويض غير مناسب إطلاقا ً لمقدار الضرر لان الغاية من التعويض في هذه الصورة إن يمكن المصاب أو المضرور من العيش بمستوى معين ، فإذا صار مقدار التعويض غير صالح لتحقيق هذا الغرض كان التعويض ناقصا ً وهذا ما لا يتفق مع مبدأ التعويض الكامل للضرر . وإذا كان المشرع العراقي قد نص صراحة على إمكانية إن يكون التعويض إيراد مرتب في المادة (209/1 مدني ) ، إلا انه لم يشر صراحة إلى إمكانية أو عدم إمكانية ربط هذا الإيراد المرتب بمعيار عام لمواجهة التحولات الاقتصادية .
ولكننا نرى وتطبيقا ً لمبدأ التعويض الكامل إن لقاضي الموضوع في ظل نصوص القانون المدني العراقي إن يربط الإيراد المرتب بمعيار عام لمواجهة التحولات الاقتصادية وصول إلى التعويض الكامل الذي هو الهدف الأساسي الذي تسعى إلى تحقيقه قواعد المسؤولية المدنية .
المطلب الثاني
إعادة تقدير التعويض
إن الضرر في بعض الأحيان لا يبقى على نفس الحالة التي كان عليها وقت صدور الحكم ، فقد تتغير قيمة الضرر بمرور الزمن زيادة أو نقصانا ً . فإذا حكم بالتعويض على شكل إيراد مرتب وهو جائز كما تبين لنا سابقا ، فيثار التساؤل هنا عن إمكانية إن يعاد تقدير هذا الإيراد كلما تغيرت قيمته ؟
لقد أجاز المشرع الفرنسي إعادة النظر في تقدير التعويض إذا ما اتخذ التعويض صورة (نفقة) ، ذلك إن المادة (301)من القانون المدني تجعل هذه النفقة عرضة للتعديل كلما اقتضت الضرورة ذلك بان أصبحــت لا تفي بحاجات الــزوج الضرورية ، إما في غير هذه الحالة الاستثنائية فقد رفضت محكمة النقض الفرنسية في حكمين لها أصدرتهما في (20/مارس و 20/مايو 1952 ) السماح للمضرور كلما تغيرت الظروف وتبدلت الأسعار ومستوى الحياة برفع دعوى جديدة يطالب فيها بالحصول على حكم جديد على ضوء هذه التبدلات أو التحولات الاقتصادية .
وتواترت بعد ذلك أحكام هذه المحكمة فأصدرت بتاريخ 16/1/1962 حكم رفضت فيه إن تجيز للمحكمة المختصة التي أصدرت حكمها بالتعويض المؤقت (مراجعة) ( Revision ) الإحكام التي أصدرتها في هذا الصدد بصورة دورية إذا كان سبب هذه المراجعة انخفاض قيمة النقود .
إما عن موقف القانون الألماني ، فقد أجازت المادة (323) من قانون المرافعات الألماني للمحاكم إعادة النظر في المرتبات ( Rentes ) التي حكمت بها للمصاب أو المضرور إذا ما اقتضت التحولات الاقتصادية ذلك .
إما عن موقف القانون العراقي ،فقد نصت المادة (208) منه على انه (إذا لم يتيسر للمحكمة إن تحدد مقدار التعويض تحديدا ً كافيا ً ، فلها إن تحتفظ للمتضرر بالحق فيأن يطالب خلال مدة معقولة بإعادة النظر في التقدير ) .
ونحن نرى إن هذا النص لا علاقة له بتغير قيمة الضرر ، وإنما هو يعالج مسألة التغير في ذاتية الضرر لا في قيمته ، فقد يكون الضرر عرضه للتغير في ذاتيته زيادة أو نقصانا ً ، فإذا كان قاضي الموضوع قد اغفل بحث التغيرات المحتملة للضرر ولم يفصل فيها لا سلبا ًولا إيجابا ً ، فأن في إمكان المدعى (المضرور) – في حالة تعاظم الضرر وتفاقمه – إن يتقدم إلى المحكمة نفسها مطالبا ً بإعادة النظر في الحكم لأنه يعتبر في مثل هذا الفرض قد تحمل ضررا ً جديدا ً لم يسبق إن عوض عنه كما لم يسبق للمحكمة النظر فيه سوى احتفظت المحكمة للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معقولة بإعادة النظر في التقدير أم لا .
إما إذا كان الضرر قد تغير في قيمته لا في ذاتيته ، فأن المضرور لا يستطيع دون نص تشريعي خاص ، أن يتقدم بطلب إعادة النظر في الحكم الذي حدد مقدار التعويض بمقولة زيادة الأسعار أو ارتفاع مستوى المعيشة ، إذ إننا لسنا في صدد ضرر متغير ، فالضرر في حقيقته ثابت لم يتغير ولكن الذي تغير هو ( قيمة هذا الضرر ) وقد فصل القاضي في هذه القيمة بحكم حاز قوة الشيء المقضي فيه . فلم يعد من الجائز الطعن في هذا الحكم أو تعديله بأي شكل من الإشكال .
ونحن بدورنا ندعو المشرع العراقي إلى إيراد نص يجيز فيه للمحكمة مراجعة إحكامها بصورة دورية متى اتخذ التعويض صورة إيراد مرتب لمعالجة الإضرار القابلة للتغيير تبعا للتحولات الاقتصادية الحاصلة بعد صدور الحكم .
خلاصــة القـول:
إن إيصال التعويض إلى المضرور كامل غير منقوص هو الغاية أو الهدف من وراء تطويع التعويض ، بل هو الهدف من وراء إحكام المسؤولية المدنية برمتها . فقد تبين لنا من خلال البحث إن قيمة الضرر لا تبقى ثابتة في معظم الأحيان منذ تحققه إلى وقت إيصال التعويض كاملا ً إلى المضرور .
فقد تتغير قيمة الضرر في الفترة بين تحقق الضرر وصدور الحكم ، أو في الفترة بين صدور الحكم الابتدائي وقبل صدور الحكم النهائي ، وقد تتغير قيمة الضرر بعد صدور الحكم النهائي .
إن مبدأ التعويض الكامل للضرر وهو من المبادئ الأساسية التي تحكم المسؤولية المدنية يقتضي تطويع التعويض حتى يتمكن القاضي من إيصال التعويض كاملا ً إلى المضرور .
وقد توصلنا من خلال البحث إلى جملة من المقترحات والتوصيات نرى لزاماً علينا إن نؤكد عليها هنا وندعو إلى الأخذ بها وهي كالأتي :
1- نقترح على المشرع العراقي إيراد نص صريح يعالج وقت تقدير التعويض ويكون على النحو الأتي ( تقدر المحكمة التعويض وقت صدور الحكم ما لم يقض القانون أو الاتفاق بخلاف ذلك ) .
2- ندعو القضاء العراقي إلى تقدير التعويض – في ظل نصوص القانون المدني الحالي – وقت صدور الحكم لا وقت تحققه اخذ بما سار عليه القضاء المقارن لإيصال التعويض كامل إلى المضرور .
3- ندعو القضاء العراقي إلى تبني موقف يجيز فيه النظر في طلبات المضرورين إمام محاكم الاستئناف فيما يتعلق بزيادة قيمة التعويض بعد صدور الحكم الابتدائي تطبيقا لنص المادة 192 من قانون المرافعات المدنية .
4- ندعو القضاء العراقي إلى تبني موقف يجيز ربط التعويــض المقضي به كإيراد مــــرتب بمعــيار عــام لمواجهة التحــــولات الاقتصادية الحاصــلة بعد صدور الحكم النهائي .
5- ندعو المشرع العراقي إلى إيراد نص يجيز فيه للقضاء إن يعيد النظر في تقدير التعويض المحكوم به (كمرتب) تبعا للتحولات الاقتصادية الحاصلة بعد صدور الحكم .
الهـوامـــش :
(1) أستاذنا د. حسن علي الذنون ، المبســـوط في المسؤولية المدنية ،ج 1، الضرر ،بغداد ،1991 ،ص 312 .
(2) انظر:
-Mazeaud et Tunc,Traite theoriaue et pratique de Le respon sabilite délictuelle et contractulle ,Tom III,6 eme ed,paris,1978,P.708.
– حسن حنتوش رشيد ألحسناوي ،الضرر المتغير وتعويضه في المسؤولية التقصيرية ، أطروحة دكتوراه ، جامعة بغداد ،2004 ، ص 134 .
(3) د. محمد حسين عبد العال ، تقدير التعويض عن الضرر المتغير ، دراسة تحليلية مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2000 ،ص 17.
(4) انظر في شرح هذه المادة : د. غني حسون طه ، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، ك 1 ، مصادر الالتزام ، بغداد ،1971 ، ص 484-485 .
(5) انظر في الاتجاهين الشخصي والموضوعي في تقدير التعويض : د. عبد الرزاق احمد السنهوري ، الوسيط ،ج 1 ، مصادر الالتزام ، ط 2 ،القاهرة ،1964 ، ص 1098-1099 .
(6) انظر في ذلك : مجموعة الإعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ، ج 2 ،ص 392-393 .
(7) انظر في موقف القضاء : د. سليمان مرقس ، الوافي في شرح القانون المدني ،2 ،في الالتزامات ، مج 2 ، في الفعل الضار والمسؤولية المدنية ، ط 5 ، 1988 ، ص 553-554 هامش (106) .
(8) انظر في شرح هذه المادة : د. سعدون العامري ، تعويض الضرر في المسؤولية التقصيرية ، بغداد ، 1981 ، ص148 وما بعدها .
(9) د. غني حسون طه ، مصدر سابق ، ص 481 .
(10) انظر : مجموعة الإعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ،ج 2 ،ص 396 .
(11) المصدر والمكان نفسه .
(12) انظر : د. سليمان مرقس ، مصدر سابق ، ص 530 ، د. سعدون العامري ، مصدر سابق ، ص 153 .
(13) انظر في صور التعويض النقدي : د.غني حسون طه ،مصدر سابق ،ص 483 .
-Camilie Jauffret ,Laresponsabilité civil en Matière daccidents dautomoiles étude compare, de droit espanol ,Italien et français ,paris ,1965 ,P.53 .
(14) انظر في الشروط الواجب توفـرها لكي يكون الضرر قابلا للتعـــــــــويض : د. سعدون العامري ،مصدر سابق ،ص 14 ، د. غني حسون طه ، مصدر سابق ،ص 460 ، د. سليمان مرقس ، مصدر سابق ، ص 138 وما بعدها .
(15) انظر : د. حسن علي الذنون ،مصدر سابق ،ج 1، ص 314 .
(16) انظر : حسن حنتوش رشيد ،مصدر سابق ، ص 142 .
(17) انظر : د. سعدون العامري ،مصدر سابق ، ص 206-207 .
(18) انظر : د. سليمان مرقس ،مصدر سابق ، ص 554 .
(19) انظر في عرض هذه الحجة :
-Mazeaud(H-L-J) , Leçons de droit civil, Voll ,II.2 e ed,Paris ,1960 ,P.409.
-Mazeaud(H-L-J) , Op . cit , P.409 . (20)
(21) انظر في عرض هذه الحجة :
-Gendrel(M.),Influence de le dépréciation moneta-
-ire de le responsabilité civil,L.G.D.J,Paris,1961,
P.22.
(22) انظر :
-Starck(B.),Droit civil, Obligation ,L Responsabilité délictuelle, 2e ed , Paris , 1985 ,P.1027 .
(23) انظر : حسن حنتوش رشيد ، مصدر سابق ، ص 125.
-Mazeaud(H-L-J) ,Op.cit , P.409. (24)
-Op.cit ,P.409 (25)
(26)FlouretAubert(J.L),DroitcivilLes Obligation,Vol.II
,Sources,Le fait juridique,1986,P.816.NO.351-353.
-Starck(B.),Op.cit,P.1027.
(27) مشار إلى هذه الإحكام عند : حسن حنتوش ، مصدر سابق ،ص 128-129.
(28) انظر في ذلك وفي موقف القضاء الفرنسي :
-Starck(B.),Op.cit,P.1057.
(29) انظر : د. سعدون العامري ، مصدر سابق ، ص 207 ، عبد الباقي البكري ، إحكام الالتزام ، ج3,بغداد،1971 ص 145 .
(30) نقض مدني 23/ديسمـــــبر/1986 في الطـعن رقم 438 سنة 56 ق أشار إليه : د. سليمان مرقس ، مصدر سابق ، ص 681 .
(31) قرار رقم 404/405/مدنية أولى/2001 في 9/5/2001 . (غير منشور) أشار إليه : حسن حنتوش رشيد ، مصدر سابق ، ص 141 .
(32) انظر : د. سعدون العامري ، مصدر سابق ، ص 205 ، د. عبد المجيد الحكيم ، الموجز،ج 2، إحكام الالتزام ، ط1 ، بغداد ،1960 ،ص 30 .
(33) رقم القرار 492/م1/1975 بتاريخ 9/12/1975 ، منشور في مجلة الإحكام العدلية ،ع4 ، س6 ،ص 27 .
(34) رقم القرار 701/م4/1980 بتاريخ 16/9/1980 ، منشور في مجلة الإحكام العدلية ، ع2 ، س11 ، ص 5 .
(35) رقم القرار 844/م4/1981 بتاريخ 8/11/1981 ، منشور في مجلة الإحكام العدلية ،ع 4 ،س12 ، 1982 ،ص 42 .
(36) رقم القرار 27/م4/82-1983بتاريخ 1/11/1982، منشور في مجلة الإحكام العدلية ،ع 4 ، س13 ، 1982 ، ص 22 .
(37) رقم القرار 2230/م4/1975 بتاريخ 28/11/1976 ، منشور في مجلة الإحكام العدلية ، ع4 ، س7 ، ص 63 .
(38) رقم القرار 5177/م1 منقول/ 1998 بتاريخ 7/4/1999 (غير منشور) ،أشار إليه : حسن حنتوش رشيد ، مصدر سابق ، ص 125 .
(39) انظر في موقف الفقه الإسلامي من وقت تقدير التعويض : د. وهبة الزحيلي،الفقه الإسلامي وأدلته ،ج6 ،دار الفكر ،ط 8 ،دمشق ،2005 ، ص 4803 وما بعدها .
(40) انظر : د. صلاح الدين الناهي ، الوجيز في المرافعات المدنية والتجارية ، دراسة موازنة ، بغداد ، 1962 ، ص 155 .
(41) د. محمد محمود إبراهيم ، النظرية العامة للطلبات العارضة (الدعاوى الفرعية) في قانون المرافعات على ضوء المنهج القضائي ، دار الفكر العربي ,1985، ص 207 .
(42) أشار إليه : د. نزار ألكيالي ، التفرقة بين الطلبات الجديدة ووسائل الدفاع الجديدة في الاستئناف ، مجلة المحامين السورية ، س30 ، ع 7 ، 1965 ، ص 18 .
(43) أشار إليه : حسن حنتوش رشيد ، مصدر سابق ، ص 109 .
(44) حكم محكمة النقض المصرية رقم الطعن 1227 لسنة 47 في جلسة 28/4/1980 ، أشار إليه : سعيد احمد شعلة ، قضاء محكمة النقض ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1980 ، ص128.
(45) انظر : د. صلاح الدين الناهي ، مصدر سابق ، ص 157 .
(46) المصدر نفسه ، ص 161 .
(47) أستاذنا ضياء شيت خطاب ، بحوث ودراسات في قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 ،مطبعة الجبلاوي ،القاهرة ،1970 ، ص310 ، قرب كذلك عبد الرحمن العلام ،قواعد المرافعات العراقي ،ج 2 ،1962 ،ص 394 ،د.صلاح الدين الناهي ،مصدر سابق ،ص 158-159 .
(48) د. حسن علي الذنون ، مصدر سابق ،ج 1 ،ص 320 .
(49) قرار محكمة التمييز ،رقم 1307/مدنية أولى/1992 بتاريخ 2/12/1992 ،أشار إليه : إبراهيم ألمشاهدي ، المختار من قضاء محكمة التمييز ،ج 4 ،مطبعة الزمان ، بغداد ، 2000 ،ص156 .
(50) انظر في ذلك : د. سعدون العمري ،مصدر سابق ، ص 157 وما بعدها .
(51) انظر في عرض هذه الحجة : د. سعدون العامري ،مصدر سابق ، 158 .
-Starck , Op.cit ,P.1107.
(52) انظر في عرض هذه الحجة : د. سعدون العامري ،مصدر سابق ،ص 159.
-Mazeaud(H-L-J) , Op.cit ,P.407.
(53) انظر في عرض هذه الحجة : د. سعدون العامري ،مصدر سابق ،ص 160 .
(54) انظر في ذلك : د.حسن علي الذنون ،مصدر سابق ،ج 1 ،ص 171 .
-Starck(B.), Op.cit ,P.1107.
-Flour et Aubert (J.L), Op.cit ,P.831.
(55) د. سعدون العامري ، مصدر سابق ،ص 158-159 .
(56) -Mazeaud(H-L-J),Op.cit,P.407.
(57) د. سعدون العامري ، مصدر سابق ،ص 160 .
(58) -Flour et Aubert(J-L),Op.cit,P.831.
(59) انظر في موقف القضاء الفرنسي :
-Starck(B.),Op.cit,P.1107,NO.487.
(60) انظر في ذلك : حسن حنتوش رشيد ،مصدر سابق ،ص 96-97.
(61) انظر في ذلك :
-V.Maria,L-S Lopez-Santa Maria,Le droit civil chilien Face a I Inflation étude offertes a Jacques Flour .Rep.not Def,paris,1979,P.326.
(62) لقد منع قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52لسنة 1980 دفع التعويض على شكل إقساط أو إيراد مرتب (انظر الفقرة الثانية من المادة الثانية من هذا القانون) ويلاحظ إن هذا النص منتقد لذلك ندعو المشرع إلى تعديله في ضوء ما قررناه في المتن .
(63) انظر في الإحكام القطعية وغير القطعية : الأستاذ ضياء شيت خطاب ,مصدر سابق ،ص 263 .
(64) انظر في موقـف القانون الفرنســـــــي : د. حسن علي الذنون ،مصدر سابق ،ج 1،ص172.
(65) أشار إليه : د. حسن علي الذنون ،مصدر سابق ،ص 322.
(66) المصدر نفسه ، ص170 .
المصادر
(أولا)باللغة العربية:
1- إبراهيم ألمشاهدي ، المختار من قضاء محكمة التمييز ،ج 4 ،مطبعة الزمان ، بغداد ، 2000 .
2- أستاذنا د. حسن علي الذنون ، المبســـوط في المسؤولية المدنية ،ج 1، الضرر ،بغداد ،1991 .
3- حسن حنتوش رشيد ألحسناوي،الضرر المتغير وتعويضه في المسؤولية التقصيرية ،أطروحة دكتوراه ،جامعة بغداد ،2004 .
4- د. سليمان مرقس ،الوافي في شرح القانون المدني ،2 ،في الالتزامات ،مج 2 ،في الفعل الضار والمسؤولية المدنية ،ط 5 ،1988.
5- د. سعدون العامري ،تعويض الضرر في المسؤولية التقصيرية ،بغداد ، 1981 ، ص148.
6- سعيد احمد شعلة ، قضاء محكمة النقض ، منشأة المعارف ،الإسكندرية ،1980.
6- د. صلاح الدين الناهي ، الوجيز في المرافعات المدنية والتجارية ، دراسة موازنة ، بغداد ، 1962.
7- أستاذنا ضياء شيت خطاب ، بحوث ودراسات في قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 ،مطبعة الجبلاوي ،القاهرة ،1970.
8- د. عبد الرزاق احمد السنهوري ،الوسيط ،ج 1 ،مصادر الالتزام ،ط 2 ،القاهرة ،1964 .
9- د. عبد المجيد الحكيم ، الموجز،ج 2، إحكام الالتزام ، ط1 ، بغداد ،1960 .
10- عبد الباقي البكري ، إحكام الالتزام ، ج3,بغداد،1971.
11- عبد الرحمن العلام ،قواعد المرافعات العراقي ،ج 2 ،1962 .
12- د. غني حسون طه ، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ،ك 1 ،مصادر الالتزام ،بغداد ،1971 .
13- د. نزار ألكيالي ، التفرقة بين الطلبات الجديدة ووسائل الدفاع الجديدة في الاستئناف ، مجلة المحامين السورية ، س30 ، ع 7 ، 1965.
14- د. محمد محمود إبراهيم ، النظرية العامة للطلبات العارضة (الدعاوى الفرعية) في قانون المرافعات على ضوء المنهج القضائي ، دار الفكر العربي ,1985.
15- د. محمد حسين عبد العال ، تقدير التعويض عن الضرر المتغير ،دراسة تحليلية مقارنة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،2000 .
15- د. وهبة الزحيلي،الفقه الإسلامي وأدلته ،ج6 ،دار الفكر ،ط 8 ،دمشق ،2005.
(ثانيا)باللغة الأجنبية :
1-Camilie Jauffret ,Laresponsabilité civil en Matière daccidents dautomoiles étude compare, de droit espanol,Italienet français ,paris,1965
2-FlouretAubert(J.L),DroitcivilLes Obligation,Vol.II
,Sources,Le fait juridique,1986.
3-Gendrel(M.),Influencedele dépréciation moneta-
-ire de le responsabilité civil,L.G.D.J,Paris,1961.
4-Mazeaud(H-L-J),Leçons de droit civil, Voll,II e ed,Paris ,1960.
5-Mazeaud et Tunc,Traite theoriaue et pratique de Le respon sabilite délictuelle et contractulle ,Tom III,6 eme ed,paris,1978.
6-Starck(B.),Droit civil,Obligation ,L Responsabilité délictuelle, 2e ed , Paris , 1985 .