دراسات قانونيةسلايد 1
دور القوانين والأنظمة في ضمان حقوق الأقليات – السعودية
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونشكره ونستعينه ونستغفره، وأصلي وأسلم على رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن مشكلة الأقليات في عالمنا العربي والإسلامي مشكلة الأمس، مثلما هي مشكلة اليوم، ووفق المعطيات وقراءة الواقع فإنها سوف تكون مشكلة المستقبل، لأنها مرتبطة بالإنسان، ولا أقول بوجوده، بل بأهوائه وشهواته وغرائزه، فالإنسان هو من يتحكم بمستوى تأثير هذه المفردة على أرض الواقع، فتجدها بائنة واضحة حين يقرر السياسيون أن تكون كذلك والعكس صحيح، ولكن وفقاً لمصالحهم الشخصية ورغبتهم بنشر العقيدة التي يؤمنون بها.
نحن نؤمن كما يؤمن كل العقلاء أنَّ الحل الأمثل للقضاء على هذه العقدة المفصلية في حياتنا السياسية هو وجود قوانين فاعلة وأنظمة واضحة وصريحة وغير قابلة للتأويل، ثم التزام جميع الأطراف بتطبيقها على أكمل وجه، ومن هذا المنطلق ولكون مشكلة الأقليات تتعلق بانتمائنا لعالمنا الإسلامي؛ فقد كان من المنطق أن تُدرس هذه الحالة لعصرين هما الأساس الذي وضع لنا طريق حل المشاكل، فعصر النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – هو عصر التشريع ونزول الوحي والذي أُمرنا أن نتبعه، يقول تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: ٧]، وأما عصر الخلفاء الراشدين فإنها المرحلة التي سماها وعضد حقوقها وصرَّح بامتيازها نبيُّ الله محمد – صلى الله عليه وسلم -، فهو – صلى الله عليه وسلم – من قال: “فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة “[1].فنحن مأمورون باتباعهم وخاصة في الأمور السياسية.
لقد جاءت هذه الدراسة في مبحثين:
الأول: عصر النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – والتي شرحت واقع حال المسلمين عندما كانوا أقلية في مكة، وكيف كان توجههم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وحالهم حين تمكنوا ودالت لهم الدولة وكانت بيدهم السلطة والقوة، كيف تصرفوا مع الأقليات الأخرى؟.
وأما المبحث الثاني: فقد تناول عصر الخلفاء الراشدين وكيف تعاملوا مع الأقليات. وهي مرحلة مهمة لأنها كانت امتداداً لعصر النبوة، وتُرجمت فيها تشريعات الأقليات على مستوى عملي واسع. أسأل الله أنني وفقت في هذا البحث، والحمد لله رب العالمين.
المبحث الأول
عصر النبي محمد – صلى الله عليه وسلم –
أولاً: المسلمون وهم أقلية في مكة:
مارس المسلمون هذا الدور على اعتبار أنهم (أقلية) دينية في مكة المكرمة لفترة ليس بالقليلة، وعلى الرغم من أن الأقلية الدينية هي من أشد الأنواع على أهلها، فقد مورست ضدهم من قبل الأكثرية أنواع من أساليب التعذيب والقمع والتعسف السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومنعوهم من أبسط حقوق المواطنة بل وحقوق الإنسانية، إلا أن المسلمين ضربوا أروع الأمثلة في الثبات على المبادئ التي آمنوا به، فلم يقوموا بأي عمل يكون فيه من خوارم المروءة شيء، كما أنهم لم يقوموا بعمل ضد الفضيلة أو يؤدي إلى قطيعة رحم، أو عمل ربما أدى إلى إفساد في الأرض تحت أي ذريعة من الذرائع، فمثال ذلك:
• لم يقم النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أو أحد أصحابه بالارتماء في أحضان أي من الدول المجاورة كالدولة الرومية أو الفارسية مثلاً، من أجل نصرتهم على قريش، بل كانوا يعتبرون قريشاً قومهم وأهلهم رغم إيذائهم لهم، وفضلوا بقاءهم بينهم رغم المعاداة والأذى.
• لم يَسعَ رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى عمليات اغتيال أشخاص متميزين أو قياديين في مكة في هذه المرحلة، أو عمليات أخرى كتهديم الأصنام أو السعي للتحريض والتحريش بين قريش وبقية القبائل، لأن ذلك ليس رسالته في الأصل، فالمسلمون أصحاب مبادئ، فما ينفعهم إذا قام الاقتتال بين القبائل العربية المختلفة،(مع العلم أن هذه الأعمال هي حق للمسلمين، وقد مارسوها حين أصبحت لهم دولة وامتلكوا القدرة والسلطة، ولكن حين كانوا أقلية فلا).
• في العام الثالث عشر من البعثة أي بعد سنة واحدة، حضر وفد كبير من يثرب مكون من ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين، وبايعوا رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم -، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرحاً بها وسميت ببيعة (العقبة الكبرى)، فبعد انتهاء البيعة صرخ الشيطان محذراً قريش من اجتماع المسلمين، يقول كعب بن مالك – رضي الله عنه – الذي شهد العقبة، وبايع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بها، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ارفعوا إلى رحالكم” قال: فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلنَّ على أهل منىً غداً بأسيافنا، قال: فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لم أؤمر بذلك “[2].
فالصحابة يطلبون إعلان حالة الحرب على قريش، أو أداء نشاط عسكري معين، وفي وقت معين، ولكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يسمح لهم، فليس من المنطق أن تقوم أقلية بعمليات عسكرية ضد الأكثرية لما في ذلك من فساد بكل معنى الكلمة وفي المناحي كافة، لعل أولها وأهمها اجتثاث هذه الأقلية وضياع رسالتها.
• في السياسة الإسلامية وفي حال كونك أقلية، ليس هناك من حرج من استثمار مواقف أصحاب الشهامة والرجولة من الذين لا يؤمنون بمشروعك السياسي لصالح قضيتك، ولكنهم مستعدون للتعاون معك بشكل أو آخر، وقد فعلها رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – حين كان طيلة فترة مكوثه في مكة بحماية عمه أبي طالب ولم يكن الرجل مسلماً، ودخوله مكة مرة ثانية عند عودته من الطائف تحت حماية المطعم بن عدي اتقاء شر قريش. ومثله فعل صاحبه أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – حين قرر الهجرة، فقد”خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد[3] لقيه ابن الدُّغُنَّة وهو سيد القارة[4]، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي، فقال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج، ولا يخرج مثله، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلدك. فرجع، وارتحل معه ابن الدغنة، وطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟! فلم يكذب قريش بجوار ابن الدغنة”[5].
• إن بعض الصحابة في مكة كانوا يعانون من التعذيب والأذى، فيشتكون لرسول الله فلم يكن يأمرهم إلا بالصبر، فعن خَبّاب بن الأرت – رضي الله عنه -، قال: شكونا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو متوسد بُردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟فقال: ” قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليَتِمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت[6]، لا يخاف إلا الله، والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون “[7].
ومن خلال القراءة السياسية للحديث، وإمعان النظر للوصول لتحليل سياسي يتضمن الأسباب والأهداف التي من أجلها وبموجبها صدر هذا التصريح الكبير والمهم، ففيه إيصال رسالة للمواطنين المنتمين حديثاً للإسلام (الأقلية) تقول: إن المرحلة القادمة مرحلة صعبة وشاقة وخطيرة، سيستشيط خلالها الكفار والمشركون وربما غيرهم غضباً، وسيستخدمون كافة الوسائل المتاحة وربما يستوردون أساليب أخرى، لمنع الفكر الجديد من الاتساع وتحقيق أهدافه، هذا واقع الحال، فمن يرغب بالاستمرار فسيكون على هذا الأساس وقد أحيط علماً وليصبر على ذلك وإلا فليجد له طريقاً آخر.
• على الرغم من أنواع الضغط بكل أنواعه والتنكيل، لم يمونوا ليختاروا إلا الطريق السلمي في المعارضة في تلك المرحلة، فقرروا الابتعاد عن قريش في شعب أبي طالب، ((زادت حيرة المشركين إذ نفدت بهم الحيل، ووجدوا بني هاشم وبني المطلب مصممين على حفظ نبي الله – صلى الله عليه وسلم – والقيام دونه، كائناً ما كان، فاجتمعوا في خيف بني كنانة من وادي المُحَصَّبِ فتحالفوا على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للقتل، وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهوداً ومواثيق ألا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل ))[8]. وقد تم تعليق هذه الصحيفة في جوف الكعبة.
لقد احتوت صحيفة المقاطعة على مجموعة من البنود التي بينت تفاصيل أنواع العقوبات وكانت:
1- المقاطعة السياسية: وذلك بعدم قبول أي صلح بين أي طرف من قريش[9] وبين بني هاشم أو بني عبد المطلب، وكما هو معلوم في السياسة إن إبرام اتفاقيات الصلح والسلم هي أساس قيام علاقات حسن النوايا بين المجتمعات، وانتفاء الصلح (السلم) يعني إعلان حالة الحرب والتأهب الدائم لها.
2- المقاطعة الشخصية: حيث منعت الصحيفة كل فرد من قريش التكلم مع أي فرد من المشمولين في المقاطعة، من بني هاشم أو بني عبد المطلب.
3- المقاطعة الثقافية: ألزمت الصحيفة في ثاني بنودها بعدم جواز مجالسة المشمولين بالمقاطعة أو مخالطتهم، وحيث أن المجالسة والاختلاط تعني تناقل الثقافة والخبرة والأخبار والمعلومات أما عن طريق الشعر الذي هو (ديوان العرب) أو بالحديث شفاهاً، فهي إذاً مقاطعة ثقافية.
4- المقاطعة الاجتماعية: وذلك أن تمنع قريش كل من يحاول أن يمد حبال القرب والوصل سواء بالزيارات العائلية الاعتيادية أو عن طريق النسب والمصاهرة (التي هي قيم اجتماعية) مع بني هاشم أو بني عبد المطلب.
5- الحصار الاقتصادي: وذلك بمنعهم من مزاولة أي نوع من أنواع النشاط الاقتصادي أو التجاري، وإن كان بعيداً عن الربحية أو التجارة الروتينية، وحتى العمل الخيري التطوعي، بمعنى حتى من يحاول تقديم هدية أو عطاء لهم دون مقابل فهو ممنوع.
فقد كانوا إذا قدمت العير مكة يأتي أحدهم السوق ليشتري شيئاً من الطعام يقتاته، فيقوم أبو لهب فيقول: يا معشر التجار غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا شيئاً معكم، فقد علمتم مالي ووفاء ذمتي، فيزيدون عليهم في السلعة قيمتها أضعافاً حتى يرجع إلى أطفاله وهم يتضاغون من الجوع، وليس في يده شيء يعللهم به، فيغدو التجار على أبي لهب فيربحهم.
• إرسال مجموعة من المسلمين إلى الحبشة من أجل الحفاظ على الأقلية من الاجتثاث، وذلك يمثل ضماناً لبقاء بعض منهم يحملون أعباء الرسالة التي آمنوا بها.
• عن ابن عباس، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما أُخرج من مكة: “إني لأخرج منك، وإني لأعلم أنك لأخير بلاد الله عز وجل، وأكرمه عليه، ولولا أن أهلك أخرجوني منك لما خرجت”[10].
• لم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه رضي الله عنهم يطلبون الكثير من أصحاب السلطة والنفوذ السياسي في قريش، فإنهم كانوا يريدون أن يتركوهم مع قريش وبقية العرب ولا يعترضوا عليهم لتليغ ما يؤمنون به، وهم الذين كان لا يدعون إلا إلى حق وإلى فضيلة، يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس”[11].
بعد هذه القراءة نصل إلى أن رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – سعى منذ بداية دعوته إلى أن يضع منهجاً ونظاماً للعمل من أجل أن يحافظ على من معه من الأقلية ولم يدع فرصة للعدو من أن يجتثهم، وذلك بأساليب عملية ألزم بها جميع من معه وقد نجحوا معاً كفريق عمل في ذلك.
ثانياً: حقوق الأقليات بعد قيام الدولة الإسلامية:
رعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين (الأقليات) في العاصمة الإسلامية (المدينة) معظمهم من اليهود الذين كانوا يقطنونها، وهم شريحة كبيرة من المجتمع، وكان سياسة الدولة الإسلامية في أن هؤلاء ما داموا جزءاً من الشعب المسلم فلابد من كسبهم والإحسان إليهم، فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وحُددت وفقاً لهذا المبدأ حقوقهم وواجباتهم، وأثبتت التجربة الإسلامية واقعيتها وصدقها حين وافقت بشكل رائع بين النظرية والتطبيق، فحين تمكن المسلمون أعطوا للأقليات كل الذي كانوا يطلبوه هم يوم كانوا أقلية، فلقد تحقق للأقليات (اليهود) وغيرهم في كنف الدولة الإسلامية كل ما تحلم به أقلية، ومن ذلك:
• المحافظة على هويتهم الخاصة.
• اندماجهم مع الأكثرية كجزء من المجتمع.
• المساواة مع الآخرين في الحقوق الإنسانية وأحياناً السياسية.
• ضمان عدم وجود قوانين التفرقة والتمييز.
• حرية ممارسة العمل الذي يناسبهم.
فمن الحقوق التي كانوا يتمتعون بها:
1- يحق لهم العيش في أرض الدولة الإسلامية بأمان، وأن لا يُعتدى عليهم من قبل المسلمين ما داموا لا يخالفون القانون، فعن النبي – صلى الله عليه وسلم -، قال: ” من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً”[12].
2- لا يحق لأحد الاعتداء على أموالهم وأعراضهم، ومن يسرق أموالهم ويثبت عليه تقطع يده وإن كان مسلماً، وكذلك من يثبت عليه جريمة الاعتداء على العرض سينال ما يستحقه.
3- لهم الحق في أن يزوجوا نساءهم للمسلمين، بمعنى فتح باب المصاهرة والنسب والعلاقات الاجتماعية مع مكونات المجتمع الأخرى.
4- تقدم لهم مظاهر الاحترام والتقدير من قبل بقية مكونات المجتمع في الدولة الإسلامية، فقد: “كان سهل بن حنيف، وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة، فقاماً، فقيل لهما إنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة، فقالا: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: “أليست نفساً”[13].
5- يمارسون حياتهم وأشغالهم من حيث مزاولة الحرف كالصناعة والمعاملات التجارية والزراعة والتملك والتوارث، بشكل طبيعي، فعن عائشة رضي الله عنها: “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل، ورهنه درعاً من حديد”[14].
6- من حقهم أن يبقوا على دينهم، من غير إكراه على تغييره، مع بقاء العلاقات الاجتماعية وتبادل الزيارات، وحليّة الأكل من أكلهم وحليّة أكل المسلمين لهم.
7- إذا أحبوا أن يتنقلوا بين مدن الدولة الإسلامية أو خارجها فلهم الحق في ذلك بعد استئذان رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم -.
أما الواجبات الملقاة على عاتقهم فهي:
1- إن عليهم أن يدفعوا الجزية للحاكم المسلم، وهي مبلغ من المال مقابل حماية الدولة الإسلامية لهم، وإقامتهم على أرضها والانتفاع بما فيها.
2- احترام قوانين الدولة الإسلامية، وصيانتها وتطبيقها عليهم مثلما تطبق على غيرهم، فعن أنس – رضي الله عنه -: “أن يهودياً رضَّ رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك، أفلان أو فلان؟، حتى سُمي اليهودي، فأومأت برأسها، فجيء به، فلم يزل حتى اعترف، “فأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – فرض رأسه بالحجارة”[15].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن اليهود جاءوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ما تجدون في التوراة في شأن الرجم “، فقالوا : نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم -فرجما، قال عبد الله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة “[16]، كما إن عليهم حفظ الأمن الداخلي للدولة الإسلامية وعدم إثارة البلابل والإشاعات التي تزعزع تماسك الصف الداخلي.
3- يشاركون في الدفاع عن الدولة الإسلامية في حالة تعرضها لغزو أو اعتداء خارجي.
ولم يكتف رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – بذلك، بل راح بتثبيت ما جاء في هذه المحاور المذكورة آنفاً بوثيقة عرفت عند عامة الناس بوثيقة المدينة وهي مشهورة عند أهل العلم، ومنهم من سماها (دستور المدينة)، ونرى خطأ هذه التسمية، لأن الدستور في منظور السياسة المعاصرة هو مجموعة الأحكام العامة التي تبين استراتيجية هذه الدولة أو تلك ولا تدخل فيه التفاصيل الفرعية، وإن دستور المسلمين هو الكتاب والسنة وتدخل فيه المدينة وغير المدينة، لذلك فإن الأقرب إلى الصواب والله أعلم أن هذه الوثيقة يمكن تسميتها بـ (النظام الداخلي) للحياة في المدينة، وإن هذا العمل من أروع الإنجازات السياسية بكتابة ما يتم الاتفاق عليه كمنهج عمل للحاضر والمستقبل.
النظام الداخلي للحياة في المدينة
“نص الوثيقة”
” • هذا كتاب من محمد النبي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، فحلَّ معهم وجاهد معهم.
• أنهم أمة واحدة من دون الناس.
…………
• وأنه من تبعنا من اليهود، فإن له المعروف والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
• وأن سلم المؤمنين واحد، ولا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم، وأن كل غازية غزت يعقب بعضهم بعضاً.
• وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه.
• وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش، ولا يُعينها على مؤمن.
• وأنه من اعتبط[17] مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود، إلا أن يرضي ولي المقتول بالعقل، وأن المؤمنين عليه كافة.
• وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، أو آمن بالله واليوم الآخر، أن ينصر محدثاً ولا يؤويه، فمن نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة لا يقبل منه صرف ولا عدل.
• وأنكم ما اختلفتم فيه من شيء فإن حكمه إلى الله وإلى الرسول.
• وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
• وأن يهود بني عوف أمة من المؤمنين.
• لليهود دينهم وللمؤمنين دينهم، ومواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
• وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.
• وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
• وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.
• وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
• وأن ليهود الأوس مثل ذلك.
• إلا من ظَلم، فإنه لا يوتغ[18] إلا نفسه وأهل بيته.
• وأنه لا يخرج أحد منهم إلا بإذن محمد – صلى الله عليه وسلم -.
• على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينكم النصح والنصيحة والنصر للمظلوم.
• وأنّ المدينة جوفها حرم لأهل هذه الصحيفة، وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن أمره إلى الله وإلى محمد النبي.
• وأن بينهم النصر على من دهم يثرب.
• وأنهم إذا دعوا اليهود إلى صلح حليف لهم بالأسوة فأنهم يصالحونه وإن دعونا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين، إلا من حارب الدين.
• وعلى كل أناس حصتهم من النفقة.
• وأن يهود الأوس ومواليهم وأنفسهم مع البَرِّ المحسن منهم من أهل هذه الصحيفة.
• وأن بني الشطبة بطن من جفنة، وأن البر دون الإثم، ولا يكسب كاسب إلا على نفسه.
• وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبر، لا يحول الكتاب عن ظالم ولا آثم.
• وأنه من خرج آمن، ومن قعد بالمدينة أمن أبر الأمن، إلا ظالماً وآثماً، وأن أولاهم بهذه الصحيفة البَرُّ المحسن “[19].
((وردت هذه الوثيقة بهذا النص المطول عن ابن إسحاق مرسلة، كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية، وابن هشام في السيرة، وابن إسحاق هو أول من أورد نص الوثيقة كاملاً، وقد ذكر ابن سيد الناس أن ابن أبي خيثمة أورد الوثيقة في تاريخه بهذا الإسناد، حدثنا أحمد بن خباب أبو الوليد حدثنا عيسى بن يوسف حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار فذكر بنحوه، أي بنحو ما أورد ابن إسحاق.
ويبدو أن الوثيقة وردت في القسم المفقود من تاريخ ابن أبي خيثمة، كما وردت الوثيقة في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد آخر، هو: حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير وعبد الله بن صالح قالا حدثنا الليث بن سعد قال حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كتب بهذا الكتاب وسرده.
كما وردت الوثيقة في كتاب الأموال لابن زنجويه من طريق الزهري أيضاً، هذه هي الطرق التي وردت بها الوثيقة بنصها الكامل، وهي متطابقة إلى حد كبير سوى بعض التقديم والتأخير أو اختلاف بعض العبارات مما لا يؤثر على مضمونها.
ويذكر أحد الباحثين أن الوثيقة موضوعة، وذلك لعدم ورودها في كتب الفقه والحديث الصحيح على الرغم من أهميتها التشريعية، بل رواها ابن إسحاق دون إسناد معتمداً على رواية كثير المزني حاذفاً إسناده، وقد نقلها عنه ابن سيد الناس، وأضاف أن كثير بن عبد الله روى هذه عن أبيه عن جده وقد ذكر ابن حبان أن كثير المزني روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنها إلا على جهة التعجب، وكون كتب الحديث لم ترو نص الوثيقة كاملاً لا يعني عدم صحتها، فكتب الحديث أوردت مقتطفات كثيرة منها تشمل جزءاً كبيراً منها، بأسانيد متصلة وبعضها أوردها البخاري ومسلم، فهذه النصوص من الأحاديث الصحيحة، وقد احتج بها الفقهاء وبنو عليها الأحكام، كما أن بعضها ورد في مسند أحمد، وسنن أبي داود وابن ماجه والترمذي بطرق مستقلة عن الطرق التي وردت منها الوثيقة))[20].
المعاني السياسية المستنبطة من الوثيقة:
1- ترسيخ مفهوم توثيق الاتفاقات الداخلية أو الخارجية، كسياسة عمل بنظام دولة، (التوجه نحو العمل المؤسساتي التنظيمي)، والالتزام بذلك من جميع الأطراف، حتى لا يُفهم أن الاتفاق وقتي أو مرحلي، فوجود الوثيقة تعني أن هذا الذي فيها إنما هو استراتيجية تتضمن سياسة عمل وسياقات وضوابط ملزمة لجميع الأطراف وفي كل زمان ومكان.
2- الإعلان عن تسمية هوية الأمة الجديدة وتحديد من ينتسب لها، فهي إذاً الأمة الإسلامية، ولادة جديدة تتجاوز القطرية والقومية والعرقية، ومن ينتسب لها هم مواطنوها ومنهم مؤسسوها الأوائل ولهم التميز والأفضلية، والأمر مفتوح لمن يرغب بالانتساب لها ويسكن أرضها، ولكن وفق معاييرها، ((المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، فحل معهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس)).
3- منح مواطني الدولة ممن يعتنقون عقائد أخرى مخالفة، والمقصود (اليهود)، حق المواطنة، باعتبارهم (أقليات) وضمان حرية الاعتقاد لهم، والترخيص لهم بممارستهم طقوسهم بطريقتهم، وتحديد ما ينبغي أن يكونوا عليه من التحالفات والمواقف من الآخرين من المواطنين ومن الدولة.
وعلى الرغم من أن ما جاء في الوثيقة يعتبر من أفضل ما جاء لأقليات في دولة عبر التاريخ، إلا إنهم وكعادتهم فإن اليهود لم يكونوا ليعطوا اعتباراً لذلك، ولم يقدروا قيمة ما أعطي لهم من امتيازات، فقد نقضوا هذه الوثيقة ولم يمضِ عليها أكثر من سنة واحدة، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، وفي ذلك درس بليغ في أن كتابة المعاهدات إنما هو لترسيخ منهج واستراتيجية عقدية وفكرية وإنسانية وليس من أجل فئة معينة من الناس.
موقف الدولة الإسلامية
من (الأقليات) الخارجين عن القانون
على الرغم من كل ما مُنح لليهود في المدينة المنورة وخارجها من امتيازات تجعلهم مواطنين في أرض الدولة الإسلامية، إلا أنهم لم يحفظوا ولم يقدروا هذه الامتيازات وأثبتوا غدرهم وتأمرهم على الدولة الإسلامية وتهديد كيانها، ومن تلك المؤامرات:
1- قيامهم بأكثر من محاولة مع سبق الإصرار والترصد، لاغتيال رئيس الدولة الإسلامية تحديداً، متمثلاً بشخص رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم -، ومن تلك المحاولات:
• حين كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – عند بني النظير من اليهود، وكان – صلى الله عليه وسلم – جالساً في ظل جدار، أرادوا أن يلقوا صخرة كبيرة على النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – لقتله، وقد أخبره جبريل عليه السلام فغادر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبل أن ينالوا منه.
“ونهض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بنفسه إلى بني النضير، مستعيناً بهم في دية ذينك القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية – رضي الله عنه -، فلما كلمهم قالوا: نعم، فقعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع أبي بكر وعمر وعلي ونفر من أصحابه إلى جدار من جدرهم، فاجتمع بنو النضير، وقالوا: من رجل يصعد على ظهر البيت، فيلقي على محمد صخرة، فيقتله، فيريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب؛ فأوحى الله تعالى بذلك إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فقام ولم يشعر بذلك أحداً من أصحابه ممن معه، فلما استلبثه أصحابه رضي الله عنهم قاموا فرجعوا إلى المدينة، وأتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأخبرهم بما أوحى الله تعالى إليه مما أرادته اليهود، وأمر أصحابه بالتهيؤ لحربهم”[21].
• إنَّ امرأة من يهود حين كان رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – في خيبر في السنة الخامسة من الهجرة، صنعت له طعاماً بأن أصلحت له ولأصحابه شاة، ودست فيها السم من أجل قتل رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولكن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أُعلم عن طريق جبريل عليه السلام (وفي رواية كلمته كتف الشاة بأنها مسمومة) ففشلت خطة اليهود.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه -، قال : “لما فُتحت خيبر أهديت للنبي – صلى الله عليه وسلم – شاة فيها سم، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “اجمعوا إليّ من كان ها هنا من يهود “فجمعوا له، فقال: “إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقي عنه؟”، فقالوا: نعم، قال لهم النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من أبوكم ؟”، قالوا: فلان، فقال: ” كذبتم، بل أبوكم فلان”، قالوا: صدقت، قال: “فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه؟”، فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم: “من أهل النار ؟”، قالوا: نكون فيها يسيراً، ثم تخلفونا فيها، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا”، ثم قال: “هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟”، فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: “هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟”، قالوا :نعم، قال: “ما حملكم على ذلك؟”، قالوا: أردنا إن كنت كاذباً نستريح، وإن كنت نبيا لم يضرك”[22].
2- تآمرهم على كيان الدولة الإسلامية، من أجل الفت في عضدها واستئصال شأفتها والقضاء عليها نهائياً، وقد كان ذلك في أحلك الظروف، في غزوة الخندق (الأحزاب) والمسلمون بلغ فيهم الجهد ما بلغ حتى بلغت القلوب الحناجر، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وأبتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، وكان للمسلمين عهد مع بني قريظة من اليهود بالدفاع المشترك إلا أنهم هنا وفي هذه الظروف الحرجة بل القاهرة نقضوا العهد وخانوا واشتركوا مع العدو.
يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله: “وَأَمّا قُرَيْظَةُ فَكَانَتْ أَشَدّ الْيَهُودِ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اللّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَغْلَظَهُمْ كُفْرًا، وَلِذَلِك جَرَى عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَجْرِ عَلَى إخْوَانِهِمْ.
وَكَانَ سَبَبُ غَزْوِهِمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَمّا خَرَجَ إلَى غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَالْقَوْمُ مَعَهُ صُلْحٌ جَاءَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى بَنِي قُرَيْظَة فِي دِيَارِهِمْ، فَقَالَ: قَدْ جِئْتُكُمْ بِعِزّ الدّهْرِ جِئْتُكُمْ بِقُرَيْشٍ عَلَى سَادَتِهَا، وَغَطَفَان ُ عَلَى قَادَتِهَا، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الشّوْكَةِ وَالسّلَاحِ، فَهَلُمّ حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا وَنَفْرُغَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ رَئِيسُهُمْ: بَلْ جِئْتنِي وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ جِئْتنِي بِسَحَابٍ قَدْ أَرَاقَ مَاءَهُ فَهُوَ يَرْعُدُ وَيَبْرُقُ فَلَمْ يَزَلْ حُيَيّ يُخَادِعُهُ وَيَعِدُهُ وَيُمَنّيهِ حَتّى أَجَابَهُ، فَفَعَلَ وَنَقَضُوا عَهْدَ رَسُولِ اللّهِ – صلى الله عليه وسلم -وَأَظْهَرُوا سَبّهُ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ – صلى الله عليه وسلم – الْخَبَرُ فَأَرْسَلَ يَسْتَعْلِمُ الْأَمْرَ، فَوَجَدَهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَكَبّرَ”[23].
لقد تعاملت القوانين في كنف الدولة الإسلامية مع الخارجين عليها من رعاياها تعاملاً في غاية الروعة والعدل، حيث جاءت كما يأتي:
1- إنزال العقوبة حسب حجم الجريمة المرتكبة، فمع جريمة بني النظير كان الاقتصار على عقوبة (النفي)، فقد نفاهم النبي- صلى الله عليه وسلم – إلى خارج حدود المدينة المنورة فمنهم من اختار الرحيل إلى خيبر ومنهم من اختار الشام.
2- وأما مع جريمة بني قريظة؛ فلشناعة الفعل وقوته وعظم الخيانة وإنها تتعلق باجتثاث أمة المسلمين ودولتهم، فقد جاء القرار بالمعاملة بالمثل، فاستأصلوا، فقد قتل رجالهم وسبيت نساءهم وذراريهم وغنمت أموالهم، وفي ذلك دلالتان:
الأولى: العقوبة بالمثل وبلغة القوم أنفسهم لأن عقوبة النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن، وردت في التوراة أصلاً، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ * وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٤ – ٤٥].
والثانية: عبرة للآخرين؛ ليصبح تشريعاً للناس أن من يحاول اجتثاث الآخرين بالخيانة فإنه سيُجتث يوماً ما.
3- أن من يسيء ويتجاوز القوانين والأنظمة والتشريعات هو من يعاقب، وأما الآخرون ممن لم تثبت عليهم جريمة التآمر فليس عليهم شيء، والدليل في ذلك بقاء شريحة من اليهود في المدينة يمارسون حياتهم بشكل طبيعي ويتعامل معهم المواطنون في المجتمع وعلى رأس من يتعامل معهم هو رئيس الدولة ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
عن أنس – رضي الله عنه -، قال : “كان غلام يهودي يخدم النبي – صلى الله عليه وسلم -، فمرض، فأتاه النبي – صلى الله عليه وسلم – يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: “أسلم”، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم – صلى الله عليه وسلم -، فأسلم، فخرج النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يقول: ” الحمد لله الذي أنقذه من النار “[24]. والحادثة واضحة لا تحتاج إلى تعليق.
• وعن السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: “توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ودرعه مرهونة عند يهودي، بثلاثين صاعاً من شعير”[25].
وفي هذا دليل على أن رئيس الدولة الإسلامية بنفسه كان يتعامل مع الآخرين (الأقلية) من رعايا دولته حتى آخر يوم في حياته، ولم يعاقبهم بذنب آخرين من جنسهم.
المبحث الثاني
عصر الخلافة الراشدة
كانت فترة خلافة أبي بكر الصديق قصيرة (أكثر من سنتين قليلاً) انشغل فيها المسلمون بحروب الردة وكانت فترة تثبيت الإسلام على هدي النبي محمد – صلى الله عليه وسلم -، ولكن في فترة عمر بن الخطاب كانت هناك تجربة عملية رائعة لتثبيت أسس التعامل مع الأقليات سياسياً واجتماعياً واقتصيادياً،ولعل من أروع فتوحات الدولة الإسلامية وأشهرها في التاريخ الإسلامي فتح فلسطين وتحرير بيت المقدس (القدس)، ذلك أن بيت المقدس هو المكان الذي أُعلن فيه أن الإسلام كدين ودولة وسياسة له العلو والهيمنة على باقي الدول والسياسات.
فقد تقدم رسول الله محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – الأنبياءَ، في الصلاة في بيت المقدس ليلة أسري به، ولمّا كان أنبياء بني إسرائيل يسوسونهم، ففي ذلك استدلال على أنّ السياسة في الإسلام لها العلو والتقدم عليهم، فعن أبي حازم الأشجعي الكوفي قال: “قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، قال: “كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون “قالوا : فما تأمرنا؟قال: ” فو ببيعة الأول فالأول، أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم”[26].
جاء في شرح سنن ابن ماجه رحمه الله:”تسوسهم الأنبياء من السياسة وهي الرياسة والتأديب على الرعية ولا يناقض هذا بقصة طالوت فإنه كان ملكاً لا نبياً ونبيهم كان الشمويل عليه السلام لأن الملوك كانوا اتباعاً لأنبيائهم، فلما أُمروا به أطاعوهم فكانت السياسة حقيقة للنبي والملك كان نائباً منه”[27].
فبعد الانتهاء من فتح غزَّة، توجه القائد عمرو بن العاص رضي الله عنه بجيشه إلى إيلياء وهي (القدس) وكان أميرها الرومي يدعى (الأرطبون)، فقد تحصن مع جيشه داخل مدينة القدس وكانت تمتنع بالحصون التي يضرب بقوتها المثل، وحاصرتهم الجيوش الإسلامية أربعة أشهر، ثم رأى الأرطبون أن يستسلم ولكن لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحديداً، فحضر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكان الحصار، فخرج له الأرطبون وسلمه مفاتيح بيت المقدس، وصالحهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكتب لهم وثيقة صلح جاء فيها:
“بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء[28] من الأمان؛
• أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم،
• ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها؛
• أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم،
• ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم،
• ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود،
• وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن،
•وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص؛
• فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم فإنهم مأمنهم؛
• ومن أقام منهم فهو آمن؛ وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية،
• ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنوا على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم، حتى يبلغوا مأمنهم،
• ومن كان بها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية،
• ومن شاء سار مع الروم؛ ومن شاء رجع إلى أهله،
• فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم ؛
• وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.
• شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان. وكتب وحضر سنة خمس عشرة”[29].
إنها سياسة في غاية العدل مع الآخر، وأي آخر إنه المخالف في العقيدة، فلا يكره على شيء إطلاقاً، وله حرية الاختيار في كل الاحتمالات الواردة والممكنة.
ثم إن هذه السياسة فيها مصلحة للمسلمين أيضاً، فلا معنى لزيادة إراقة الدماء بدون مقابل، فالمسلم عزيز على دولة الإسلام فما دامت أرض تفتح صلحاً، فلا داعي للقتال، وفتح البلاد عنوة يعني قتل الرجال وسبي النساء وغنيمة الأموال وهذا الأمر قد يترك آثاراً سلبية في نفوس من يجبر على الإسلام فيبقى في داخله كافراً وفي ظاهره مسلماً وهذا النوع من أخطر الأنواع على الإسلام.
وقد صنّف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه علاقة الدولة الإسلامية مع اليهود والنصارى في جزيرة العرب وما جاورها إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: وهم اليهود والنصارى الذين يقطنون أرض الدولة الإسلامية بشكل مجاميع وفي أماكن خاصة بهم كيهود خيبر ونصارى نجران والتيماء، وهؤلاء على نوعين:
النوع الأول: من كان يسكن مهم ضمن أرض الجزيرة العربية، وهؤلاء تم إجلاؤهم من أراضي (جزيرة العرب)وترحيلهم خارجها بعد تعويضهم عن كل شيء فقدوه نتيجة الترحيل، فعن ابن عمر رضي الله عنهما : “أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود، والنصارى من أرض الحجاز”[30] ومن هؤلاء يهود خيبر وفدك ونصارى نجران، ولم يكن هذا الإجلاء اجتهادا من عمر بن الخطاب رضي الله عنه بل بنص في دستور المسلمين وتحديداً من سنة رسول الله محمد- صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: ” لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلماً “[31]، وما منع رسول الله محمد- صلى الله عليه وسلم – من إجلائهم هي وفاته – صلى الله عليه وسلم -.
فأجلي يهود خيبر من دون تعويض لأن الأرض التي كانوا يعملون فيها هي أراضي عائدة لمواطني الدولة الإسلامية.
“وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض، لأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان صالحهم على نصف الثمر ونصف الأرض، فأقام لهم عمر رضي الله عنه نصف الثمر ونصف الأرض، قيمة من ذهب وورق وإبل وحبال، وأقتاب ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم منها”[32]. إن إجلاء اليهود والنصارى من الأرض التي تقع فيها عاصمة الدولة الإسلامية أمر في غاية الضرورة السياسية، فاليهود قد عرفوا بغدرهم وخيانتهم ونقضهم للعهود، فوجودهم قرب مصدر القرار في الدولة الإسلامية المتمثل بوجود أمير المؤمنين في عاصمتها المدينة المنورة، من الممكن أن يعود بمردودات سلبية من خلال إمكانية اطلاعهم على بعض القرارات الخطيرة والاستراتيجية ونقلها إلى الأعداء بحكم اتصالهم بهم. كما أنه من الممكن أن يكونوا مصدراً مقلقاً للإشاعات والأقاويل من أجل أن تخور عزائم مواطني الدولة الإسلامية.
النوع الثاني: من كان يسكن منهم خارج حدود أرض الجزيرة العربية، فهؤلاء لم يتم إجلائهم وبقوا حيث كانوا، ومنهم نصارى تيماء، فقد قال مالك بن أنس رضي الله عنه : “عُمَر أجلى أهل نجران، ولم يجلوا من تيماء، لأنها ليست من بلاد العرب”[33].
وهذان النوعان بقيت لهم ذمتهم التي منحت لهم من الدولة الإسلامية.
القسم الثاني: من كان منهم يقطن خارج الجزيرة العربية ولكن ضمن حدود الدولة الإسلامية، وهم من أهل الذمة، فهؤلاء سُنَّ لهم شرط مناسب، بأنهم يدخلون أرض جزيرة العرب لمدة ثلاثة أيام[34] يبيعون تجارتهم ويقضون ما جاءوا لأجله ثم يغادرون.
فعن نافع قال: كان عمر: “لا يدع اليهودي والنصراني والمجوسي إذا دخلوا المدينة أن يقيموا بها إلا ثلاثا قدر ما يبيعون سلعتهم”[35].
القسم الثالث: من أحب منهم من غير أهل الذمة بمعنى أنهم يقطنون في أراضٍ خارج سلطان الدولة الإسلامية، فمن رغب من أولئك الدخول لأراضي الدولة الإسلامية من أجل التجارة فلا مانع بشرط أن يدفعوا (العشر) أي عشر مبالغ تجارتهم كخراج يعود لخزينة الدولة الإسلامية، “إن عمر رضي الله عنه بعث عثمان بن حنيف فجعل على أهل الذمة في أموالهم التي يختلفون بها في كل عشرين درهماً درهماً، وكتب بذلك إلى عمر فرضي وأجازه وقال لعمر: كم تأمرنا أن نأخذ من تجار أهل الحرب؟ قال: “كم يأخذون منكم إذا أتيتم بلادهم؟” قالوا : العشر قال:” فكذلك فخذوا منهم”[36].
القسم الرابع: وهم الذين يقطنون في جزيرة العرب بشكل فردي، ومعروف التاريخ والسيرة والعمل، فهؤلاء لم يمنعوا من البقاء باعتبارهم أهل ذمة ويؤدون الجزية، بل خصص لهذا النوع رئيس الدولة عمر رضي الله عنه راتباً تقاعدياً بعد عجزهم وشيخوختهم، وهو ما يعرف اليوم بالضمان الإجتماعي، فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: “أما بعد، فإن الله سبحانه ، إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن رغب عن الإسلام واختار الكفر عتوا وخسرانا مبيناً، فضع الجزية على من أطاق حملها. وخل بينهم وبين عمارة الأرض؛ فإن في ذلك صلاحاً لمعاش المسلمين، وقوة على عدوهم، وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه. فلو أن رجلاً من المسلمين، كان له مملوك كبرت سنه ، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، كان من الحق عليه أن يقوته أو يقويه، حتى يفرق بينهما موت أو عتق ، وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة، يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك. قال : ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه”[37].
وكان كتاب عثمان رضي الله عنه إلى عماله:
“أما بعد، فإن الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، ولم يتقدم إليهم أن يكونوا جباة، وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة، لم يخلقوا جباة، وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يكونوا رعاة، فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء، ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين فيما عليهم فتعطوهم ما لهم، وتأخذوهم بما عليهم، ثم تثنوا بالذمة فتعطوهم الذي لهم وتأخذوهم بالذي عليهم”[38].
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصيته: (والله الله في ذمة نبيكم، فلا يظلمن بين أظهركم)[39].
كل هذه الأوامر والوصايا بالأقليات من قبل رؤوساء الدولة الإسلامية ثبتت لهم الحقوق الآتية[40]:
1- حفظ النفس، فدم الذمي كدم المسلم، قال علي بن أبي طالب: “من كان له ذمتنا فدمه كدمنا، وديته كديتنا”.
2- القانون الجنائي سواء فيه المسلم والذمي، يتساوى الاثنان.
3- القانون المدني سواء فيه الذمي والمسلم، واموال الذميين كأموالنا، جاء في الدر المختار، ج2، ص 273: ويضمن المسلم قيمة خمره (خمر الذمي وخنزيره إذا أتلفه).
4- حفظ الأعراض: فلا يجوز إيذاء غير المسلم لا باليد ولا باللسان، ولا شتمه ولا غيبته، ورد في الدر المختار : ويجب كف الأذى عنه وتحريم غيبته كالمسلم.
5- ثبوت الذمة إن عقد الذمة يلزم المسلمين لزوماً أبدياً. أي إنه ليس لهم أن ينقضوه بعد عقده، ولكن أهل الذمة لهم الخيار أن يلتزموه ما شاءوا وينقضوه متى شاءوا، ومهما ارتكب غير المسلمك من خطيئة فلا ينقض بذلك عقده.
6- الأحوال الشخصية يقضي بها الذميون بحسب قانونهم الشخصي.
7- لغير المسلم الحق في إظهار شعائره في معابده.
8- لا يجوز في الجزية أن يكلفوا ما لا يطيقون، ومن يفتقر أو يحتج فلا يعفى يعفى من الجزية فحسب بل يجري له العطاء من بيت المال.
وفي ختام البحث نصل إلى حقيقة مفادها أن القوانين الرصينة والأنظمة العملية والواقعية التي تتماشى مع واقع الحال وظروفه والتي تطبق وتسري على الكبير والصغير، وعلى الحاكم والمحكوم لهي الضامن الحقيقي للعيش الآمن لجميع الأفراد، وهذا ما عملت بموجبه الدولة الإسلامية، حيث بلغ التطبيق العملي للقوانين أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين لم يستطع أن يثبت عائدية ترسه أمام خصمه (اليهودي) وهو من الأقلية عندما وقفوا يتخاصمون عند القاضي المسلم ، والحمد لله رب العالمين.
[1] حديث صحيح: رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين – كتاب العلم.
[2] مسند الإمام أحمد – مسند المكيين – بقية حديث كعب بن مالك الأنصاري.
[3] برك الغماد: موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر.
[4] القارة: قبيلة مشهورة من بني الهون بن خزيمة بن مدركة.
[5] السيرة النبوية، أبو الفداء ابن كثير الدمشقي، ج3، ص 81.
[6] جاء في تاريخ حضرموت السياسي، لصلاح عبد القادر ص27: ” وإنما سميت حضرموت لأن عامر ابن قحطان أول من نزل (الأحقاف)، فكان إذا حضر حرباً أكثر من القتل، فصاروا يقولون عند حضوره: حضر موت، ثم صار عليه لقباً، ثم أطلق على البلاد نفسها، وفي التوراة اسم حضرموت: حاضر ميت، ولقد كانت حضرموت موطن عاد وأقوام التبابعة وملوك حمير وكندة”.
[7] صحيح البخاري – كتاب الإكراه – باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر.
[8] الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، المقاطعة العامة ، ص117.
[9] بطون قريش هم بنو عبد مناف وبنو عبد العزى وبنو عبدالدار وبنو زهرة بن كلاب وبنو تيم بن مرة وبنو مخزوم بن يقظة وبنو عدي بن كعب وبنو جمح بن عمرو وبنو سهم بن عمرو.
[10] المطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني – كتاب التفسير- باب سورة القتال.
[11] مسند أحمد بن حنبل – أول مسند الكوفيين – حديث المسور بن مخرمة الزهري.
[12] صحيح البخاري – كتاب الديات – باب إثم من قتل ذمياً بغير جرم.
[13] صحيح البخاري – كتاب الجنائز – باب من قام لجنازة يهودي.
[14] صحيح البخاري – كتاب البيوع.
[15] صحيح البخاري – كتاب الوصايا.
[16] صحيح البخاري – كتاب المناقب – باب قول الله تعالى : يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً.
[17] اعتبطه إذا قتله عن غير جناية يوجب قتله.
[18] يوتغ: يهلك.
[19] الأموال لابن زنجويه – كتاب العهود التي كتبها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه.
[20] الإسلام والدستور، توفيق بن عبد العزيز السديري،ف2، الوثيقة الدستورية التي وضعها الرسول – صلى الله عليه وسلم -، تخريج الوثيقة.
[21] جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى، لابن حزم الأندلسي، ج1، ص181.
[22] صحيح البخاري – كتاب الجزية – باب إذا غدر المشركون بالمسلمين.
[23] زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم الجوزية، ج 3،ص 117.
[24] صحيح البخاري – كتاب الجنائز- باب إذا أسلم الصبي فمات.
[25] صحيح البخاري – كتاب الجهاد والبر- باب ما قيل في درع النبي – صلى الله عليه وسلم -.
[26] صحيح البخاري – كتاب أحاديث الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل.
[27] شرح سنن ابن ماجه، ج1، ص206.
[28] إيلياء : هي القدس.
[29] تاريخ الرسل والملوك، ابن جرير الطبري.
[30] صحيح البخاري – كتاب فرض الخمس – باب ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعطي المؤلفة قلوبهم.
باب ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعطي المؤلفة قلوبهم.
[31] صحيح مسلم – كتاب الجهاد والسير – باب إخراج اليهود.
[32] موطأ مالك – كتاب الجامع – باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة.
[33] سنن أبي داود – كتاب الخراج والإمارة والفيء – باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب.
[34] هذا النظام يعمل به في معظم أنحاء العالم اليوم، وهو ما يعرف بتأشيرة دخول ( فيزا).
[35] مصنف عبد الرزاق الصنعاني – كتاب أهل الكتابين – باب : هل يدخل المشرك الحرم ؟
[36] مصنف ابن أبي شيبة – كتاب الزكاة – في نصارى بني تغلب ما يؤخذ منهم.
[37] الأموال لابن زنجويه – كتاب الفيء ووجوهه وسبيله – اجتباء الجزية والخراج وما يؤمر به من الرفق بأهلها.
[38] مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، محمد حميد الله، ص 528.
[39] تاريخ الرسل والملوك، ابن جرير الطبري، ج 5، ص 147.
[40] العهدة العمرية، د. شوقي خليل، اتحاد الناشرين السوريين، ص 19- 20