دراسات قانونيةسلايد 1
(دراسة قانونية) حماية الحيازة العقارية ضد جريمة التعدي
ملخص:
إذا كان المشرع من خلال الحماية المدنية للحيازة عن طريق دعاوى الحيازة قد أراد حماية المصلحة الخاصة للأفراد وهو الغرض من وضع القانون المدني والقواعد الإجرائية، فإن الاعتداء على الحيازة العقارية قد يهدد المصلحة العامة للمجتمع ويهدد الإخلال بالنظام العام.
لذلك، ولأجل تلك الأسباب لم يكتف المشرع الجزائري أو غيره من التشريعات الأخرى بوضع قواعد الحماية المدنية للحيازة العقارية فقط، بل أناط الحيازة العقارية بعناية وحماية تستمد وجودها من مبدأ المحافظة على النظام العام واستقرار المجتمع، وذلك بواسطة إقرار حماية من نوع خاص تمثلت في الحماية الجزائية.
إن الحديث عن دور المحكمة الجزائية في حماية الحيازة العقارية هو الحديث عن دور القاضي في ذلك، وما يترتب عن تلك الحماية من استصدار حكم قضائي يتضمن إدانة المتهم أو تبرئته.
إن مضمون النصوص العقابية التي أوجدها المشرع الجزائري حماية لحائز العقار من التعدي تقتصر على عقوبة الحبس وتغريم المعتدي، دون النص على إرجاع حيازة العقار للحائز الذي تعرض للاعتداء والغصب، وبالتالي عدم تمكين الحائز من بسط يده على العقار المعتدى عليه وطرد المعتدي إضافة إلى حبسه وتغريمه.
وعليه نهدف من خلال هذه الدراسة إلى تبيان ما إذا كان حكم الإدانة كافيا لحماية الحيازة العقارية أم لا، أم أنه على القاضي الجزائري أن يُبين في حكمه ضرورة إرجاع الحال إلى ما كان عليه على غرار ما أقرته بعض التشريعات العربية كالتشريع المصري والمغربي.
الكلمات المفتاحية: الحماية الجنائية للحيازة، العقار محل الحيازة، جريمة الاعتداء، حكم الإدانة، إرجاع الحال إلى ما كان عليه.
Bas du formulaire
مقدمة:
إذا كان من المسلم به أن النزاع حول الحيازة العقارية هو نزاع مدني، فإن الغاية من حماية الحيازة جزائيا عن طريق حكم جزائي هو إبقاء الحيازة في يد الحائز للعقار حتى تثبت له أو تنتقل إلى غيره بطريقة قانونية، وهذا كله منعا لأي إخلال بالنظام العام واستقرار المجتمع.
إن إضفاء المشرع للحماية الجزائية على العقار بالموازاة مع الحماية المدنية لا يُفهم منه إحداث ازدواجية في وسائل الحماية القانونية للحيازة، إذ أن الحماية المدنية للحيازة الغاية منها الحفاظ على المصالح الخاصة للحائز، أما الغاية من إقرار الحماية الجزائية هو حماية النظام العام وتحقيق الأمن والاستقرار داخل المجتمع.
إن محكمة الجنح والمخالفات المختصة بالنظر في جنحة التعدي على حيازة العقار ينتج عنها حكم قضائي، سواء ببراءة المتهم إذا انعدم الوصف الجزائي، أو لانعدام ركن من أركان الجريمة، أو عدم القدرة على نسب الجريمة له، وحكم البراءة لا يثير أي إشكال، أما إذا ما تم إدانة المتهم بارتكابه لجريمة التعدي، فإن هذا الحكم يثير إشكالية قانونية وعملية تتمثل في مضمونه الذي لا يتعدى النص بإحدى العقوبتين الحبس أو الغرامة، في حين أن الهدف من حماية الحيازة لا يتحقق إلا من خلال إرجاع حيازة العقار لصاحبه وتمكينه منه، والحكم بإرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل جريمة التعدي وطرد المغتصب من العقار المحاز، إضافة إلى حبسه أو تغريمه.
من خلال هذه الورقة البحثية نسعى للإجابة عن إشكالية الدراسة والمتمثلة في: هل يقتصر دور المحكمة الجزائية في حماية الحيازة العقارية على إصدار حكم الإدانة والقضاء بالحبس أو الغرامة فقط؟، أم يجب أن يمتد إضافة إلى ذلك الحكم بتمكين الحائز من العقار المغتصب وطرد المعتدي، أي إرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع جريمة الاعتداء.
للإجابة عن هذه الإشكالية ارتأينا التطرق إلى مبحثين كما يلي:
المبحث الأول: الحماية الجزائية للحيازة العقارية ضد جريمة التعدي في التشريع الجزائري
المطلب الأول: مفهوم الحيازة التي يحميها القانون الجزائي
الفرع الأول: تحديد الحيازة محل الحماية الجزائية
الفرع الثاني: شروط الحيازة محل الحماية الجزائية
المطلب الثاني: جريمة التعدي على الحيازة وأركانها
الفرع الأول: الركن المادي للجريمة
الفرع الثاني: الركن المعنوي للجريمة
المبحث الثاني: دور المحكمة الجزائية في إرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء
المطلب الأول: التنصيص في حكم الإدانة على إرجاع الحال إلى ما كان عليه بين موقف الفقه والتشريع الجزائري
الفرع الأول: موقف الفقه حول التنصيص في حكم الإدانة على إرجاع الحال إلى ما كان عليه
الفرع الثاني: الحكم بإرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء في التشريع والقضاء الجزائري
المطلب الثاني: الحكم بإرجاع الحال إلى ما كان عليه في التشريع والقضاء المقارن
الفرع الأول: الحكم بإرجاع الحال إلى ما كان عليه في التشريع والقضاء المصري
الفرع الثاني: الحكم بإرجاع الحال إلى ما كان عليه في التشريع والقضاء المغربي
الخاتمة:
المبحث الأول
الحماية الجزائية للحيازة العقارية ضد جريمة التعدي في التشريع الجزائري:
من النقاط المهمة الواجب تحديدها والتي تعتبر جوهرية لقيام جريمة التعدي على الحيازة العقارية هي تِبيان الحيازة محل الحماية الجزائية من جهة ( المطلب الأول)، ومن جهة أخرى تحديد أركان جريمة التعدي التي تقع على الحيازة العقارية من جهة أخرى ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: مفهوم الحيازة التي يحميها القانون الجزائي:
لقد نص المشرع الجزائري على جريمة التعدي على الملكية العقارية في القسم الخامس من الفصل الثالث المتعلق بالجرائم ضد الأموال في المادة 386 قانون العقوبات([1])، والتي تنص على:” يُعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 20.000 دج إلى 100.000 دج كل من انتزع عقارا مملوكا للغير وذلك خلسة أو بطريق التدليس، وإذا كان انتزاع الملكية قد وقع ليلا بالتهديد والعنف أو بطريق التسلق أو الكسر من عدة أشخاص أو مع حمل سلاح ظاهرا أو مخبأ، بواسطة واحد أو أكثر من الجناة، فتكون العقوبة الحبس من سنتين إلى عشر سنوات وغرامة من 20.000 دج إلى 100.000 دج”([2]).
قد يبدو من خلال القراءة الحرفية للمادة 386 قانون العقوبات أن المشرع الجزائري قد اقتصر في الحماية الجزائية على العقار محل السند الرسمي دون الحيازة، لكن هذا غير صحيح، حيث امتدت الحماية الجزائية إلى الحيازة العقارية الظاهرة المشروعة وغير المتنازع عليها، وهو ما قضت به عدة قرارات قضائية أهمها قرار المحكمة العليا رقم 70 المؤرخ في 02 فيفري 1988 حول موضوع التعدي والذي نص على:” يُستفاد من صريح نص المادة 386 من قانون العقوبات المحررة باللغة الفرنسية، أن جنحة التعدي تتحقق بانتزاع حيازة الغير لعقار خلسة أو بطريق الغش، وبناءً على ذلك فلا جريمة ولا عقوبة إذا لم يثبت الاعتداء على الحيازة” .
كما جاءت عدة قرارات قضائية أخرى تؤكد أن المشرع لا يقصد بعبارة المملوك للغير الملكية الحقيقية للعقار فحسب، وإنما يقصد أيضا الحيازة الفعلية، ولذا ينبغي أن تُؤخذ هذه العبارة بمفهومها الواسع الذي لا يقتصر على الملكية حسب تعريفها في القانون المدني، بل يتعداها ليشمل الحيازة القانونية([3]).
الفرع الأول: تحديد الحيازة محل الحماية الجزائية:
إن الحيازة هي السلطة الفعلية أو الواقعية يُباشرها الحائز على شيء أو حق عيني، على أن لا تكون الحيازة وفقا لما تقضي به نص المادة 808 من القانون المدني([4]) من قبيل ما يأتيه الغير على أنه مجرد رخصة تُبيح له القيام بها، أو من قبيل ما يتحمله الغير على سبيل التسامح.
وتقسم الحيازة إلى نوعين: الحيازة القانونية ( المكسبة للملكية ) وهي التي تتوفر على الركن المادي الذي يمثل السيطرة الفعلية والمادية على العقار محل الحيازة، والركن المعنوي الذي يُقصد به نية الحائز بأن يحوز الشيء لنفسه باعتباره صاحب الحق، وظهوره بمظهر المالك، أما الحيازة الثانية فتتمثل في وضع اليد فقط، حيث أنها لا تتوفر على الركن المعنوي، وإنما تتوفر على السيطرة المادية والفعلية على العقار فقط، وتسمى بالحيازة المادية وهي حيازة عرضية غير أنها حيازة مشروعة([5]).
من خلال التقسيم السابق للحيازة يمكن القول بصفة عامة أن الحيازة التي هي محل للحماية الجزائية بدرجة أولى، هي الحيازة القانونية، وهذا ما أشارت إليه المحكمة العليا الجزائرية في اجتهادها المؤرخ في 21/05/1995، ملف رقم 17996 :” إن المشرع لا يقصد بعبارة المملوك للغير الملكية الحقيقية للعقار فحسب…بل يتعداها ليشمل الحيازة القانونية”.
أما بخصوص الحيازة المادية فإنه واستنادا لقرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا رقم 70 المؤرخ في 02 فيفري 1988 الذي ينص على:” …من المستقر عليه فقها وقضاء بأنه لا يجوز لأي شخص التعدي على أرض في حيازة شخص آخر، حتى وإن كان له سند ملكية، وأنه يتعين على الشخص الذي يدعي بالملكية اللجوء إلى الجهات القضائية المختصة لاستصدار حكم يرمي إلى الطرد وتنفيذه بالطرق القانونية، وذلك تطبيقا لمبدأ حماية الحيازة…”([6]).
من خلال اجتهاد المحكمة العليا، فإن المالك الذي لا يحوز العقار حيازة مادية على أساس أن هذه الحيازة يُمارسها شخص غيره، لا يمكنه التمسك بنص المادة 386 قانون عقوبات، وذلك لاعتباره غير حائز، وأن الحيازة لدى الشخص الذي له السيطرة الفعلية.
يتضح مما سبق أن الحيازة محل الحماية القانونية والتي يقصدها المشرع حسب اجتهادات القضاء، هي الحيازة بنوعيها، الحيازة القانونية والحيازة المادية.
الفرع الثاني: شروط الحيازة محل الحماية الجزائية:
تتمثل شروط الحيازة محل الحماية الجزائية فيما يلي:
1- يُشترط في الحيازة محل الحماية الجزائية أن تتوفر لدى الحائز السيطرة الفعلية على العقار، أي وضع اليد سواء في الحيازة القانونية أو الحيازة المادية.
2- أن تكون الحيازة هادئة، ذلك أن الحيازة المتنازع فيها لا تكون محل للحماية الجزائية، وفي هذا قضت المحكمة العليا في قرارها الذي نص على:” …حيث إن العبرة كل العبرة في تطبيق المادة 386 قانون عقوبات ليست في تحديد من تعود إليه ملكية الأرض المتنازع عليها كما فهمه خطأ قضاة التحقيق على مستوى الدرجتين في قضية الحال، بل إنها تكمن أساسا في تحديد المعتدي والمعتدى عليه من خلال الإجابة على سؤال بسيط ألا وهو: من الشخص الذي كان يحتل الأرض ويستغلها بطريقة هادئة إلى غاية نشوب النزاع حول مسألة الملكية؟”([7]).
3- شرط الاستمرارية لمدة سنة بالنسبة للحيازة القانونية المكسبة للملكية، حيث نجد المادة 524 قانون الإجراءات المدنية والإدارية([8]) تشترط في الحيازة القانونية المشمولة بالحماية المدنية أن تتوفر على شرط الاستمرار لمدة سنة، وهي المدة التي يستوجب وجودها حتى يُمكن إعمال الحماية الجزائية، في حين أن الحيازة الفعلية والتي تتمثل في وضع اليد على العقار بغرض السيطرة الفعلية عليه، تكون كما أسلفنا محمية جزائيا.
لكن نجد أن هذه الحيازة لا يتوقف إعمال حمايتها على شرط الاستمرارية بمدة زمنية معينة، ذلك أن المهم فيها أن يكون للحائز السيطرة المادية والفعلية وقت نشوب النزاع، وهو الأمر الذي قضت به المحكمة العليا في قرارها: ” …حيث إن قضاة الموضوع قد استبعدوا جرم التعدي على الملكية العقارية المنسوبة إلى (ب،ط) في قضية الحال على أساس فقط أنه لا يوجد بالملف ما يثبت أن الشاكي هو المالك الحقيقي لهذا العقار، وهي المسألة التي يرجع الفصل فيها إلى الجهات القضائية المختصة، وأغفلوا تماما الإجابة على سؤال معرفة من كـان يـستـغل الأرض وقـت النـزاع، وذلك لـتـحديد الـمعتدي والـمعتدى عليه كما تقتضيه المادة 386 قانون العقوبات بمفهومها الصحيح، وعليه فإن التصريح بانتفاء وجه الدعوى دون تبيان ذلك يكون فعلا قد جاء غير مؤسس وبالتالي قابلا للإبطال….”([9]).
فمن خلال اجتهاد المحكمة العليا يتبين أن الحائز ليوم أو يومين قبل نشوب النزاع يُعد الحائز، وهو من تستحق حيازته الحماية الجزائية، ولعل السبب في ذلك هو أن الحماية الجزائية للحيازة هدفها تحقيق الأمن والاستقرار، والمحافظة على النظام العام دون التطرق إلى الملك وأسبابه.
المطلب الثاني: جريمة التعدي على الحيازة وأركانها:
من خلال التشريع العقابي يتضح أن المشرع الجزائري حصر مفهوم التعدي على الملكية العقارية في جريمة واحدة ورد النص عليها في قانون العقوبات، ويتعلق الأمر بالمادة 386 قانون عقوبات، حيث يشترط أن يتوافر في جريمة التعدي الأركان التالية:
الفرع الأول: الركن المادي للجريمة:
بمقتضى المادة 386 قانون العقوبات الجزائري فإن الركن المادي في جريمة التعدي على الحيازة العقارية، يتمثل في كل سلوك من شأنه أن يؤدي إلى نزع عقار من حيازة صاحبه عن طريق التدليس أو خلسة، فالسلوك الإجرامي في هذه الجريمة لا يمكن أن يتحقق من دون أن يؤدي إلى حرمان صاحب الحيازة من حيازته على العقار أو الحق العيني([10]).
وللركن المادي لجريمة التعدي على الحيازة العقارية العناصر التالية:
1- انتزاع حيازة العقار: يستفاد من نص المادة 386 قانون عقوبات أن فعل الانتزاع هو من السلوكيات الايجابية التي يأتيها الفاعل بقصد نزع عقار من الحائز الشرعي له، بدون رضاه وذلك باستعمال القوة، لأن لفظ الانتزاع يدل على أنه يتم بالقوة([11]) أو بطرق احتيالية كالتدليس و الخلسة.
أما المحكمة العليا فقد عبرت عن فعل الانتزاع في قرار لها بقولها:” … إن التسبيب السالف الذكر لا يستقيم ونص المادة 386 من قانون العقوبات، ذلك أن هذه الأخيرة لم تشترط لقيام جريمة التعدي على الملكية العقارية أن يكون مالك العقار المعتدى عليه قد تحصل على حكم مدني بطرد المعتدي، وتم تنفيذ هذا الحكم وعاد المعتدي مجددا إلى العقار كما يرى قضاة القرار، إذ أن المادة المذكورة نصت على عقاب كل اعتداء على العقار المملوك للغير خلسة أو عن طريق التدليس، …وأن المتفق عليه فقها وقضاءً أن ذلك يتحقق بالدخول إلى العقار دون رضا صاحبه، ودون أن يكون للداخل الحق في ذلك مما يجعل القرار مشوبا بالخطأ في تطبيق القانون…”([12]).
يُستنتج من هذا القرار أن المحكمة العليا تشترط في فعل الانتزاع ودخول العقار في حيازة المعتدي حتى نكون أمام جريمة التعدي على الحيازة العقارية، وهذا أمر يؤدي إلى التضييق من دائرة العقوبة وكذا من دائرة الفعل أو السلوك الإجرامي، إذ بهذا المفهوم لا يعد معتديا على حيازة الغير من منع الحائز من دخول العقار الذي يحوزه بوضع حاجز يحول بينهما، أو منع الحائز من استغلال أرضه وحرثها من دون أن يـكون المعتدي واضـعا يـده على العـقار، كـما اشترطت المحكمة العليا وجود حكم قضائي مدني يقضي بالطرد، وهذا كله من شأنه أن يؤدي إلى عدم تحقيق قصد المشرع في المحافظة على النظام العام واستقرار الأمن داخل المجتمع.
2- وقوع الاعتداء على عقار في حيازة الغير: يقصد بذلك أن يكون العقار الذي تم الاعتداء عليه في حيازة صاحبه، وأن هذا الأخير يمارس عليه السيطرة الفعلية([13])، فإذا لم يكن العقار في حيازة شخص ما فلا مجال لتطبيق نص المادة 386 قانون عقوبات، لذا يتوجب على المحكمة المعروض عليها النزاع أن تُبين في حكمها في حالة إدانة المشتبه فيه، أن المجني عليه كان حائزا للعقار قبل الاعتداء على الحيازة التي كانت في يده([14])، وفي كون المشتكي واضع يده على العقار هو الحائز والمشتكي منه شخص آخر، حتى وإن كان هو المالك الحقيقي للعقار، كما يخرج المنقول من دائرة تطبيق المادة 386 قانون عقوبات.
3- اقتران فعل الانتزاع بالخلسة والتدليس: لم يرد في قانون العقوبات الجزائري تعريفا للخلسة والتدليس بالرغم من أهميتهما ضمن العناصر المكونة لجريمة التعدي على الحيازة العقارية، هذا ما جعل المحكمة العليا تلجأ إلى تحديد هذين المصطلحين([15]).
فمفهوم الخلسة ورد في قرار المحكمة العليا الذي نص على:” …تتحقق الخلسة أو طرق التدليس بتوافر عنصرين: دخول العقار دون علم صاحبه ورضاه، ودون أن يكون للداخل الحق في ذلك…”([16]).
من خلال هذا المفهوم فإن الخلسة هي أن يقوم المعتدي بنزع العقار بالاستيلاء عليه خفية ودون علم حائزه، وبالتالي سلب للحيازة في حد ذاتها([17]).
أما فيما يتعلق بالتدليس، فإن الباحث في القرارات السابقة للمحكمة العليا يجد أنها كانت تعتبر أن التدليس في جريمة التعدي على الملكية أو الحيازة العقارية لا يقوم إذا لم تتوفر الشروط التالية:
1- وجود حكم مدني أو قرار يقضي بطرد المعتدي من العقار وتم تنفيذه.
2- عودة المعتدي من جديد لاحتلال العقار بعد التنفيذ.
وهذا واضح من خلال قرار المحكمة العليا الذي ينص على:” حیث أن التدلیس، العنصر المنصوص علیه في المادة 386 یعني شغل ملكیة الغیر بعد إخلائها، وهذا بعد أن تتم معاینة ذلك بواسطة محضر الخروج المحرر من طرف العون المكلف بالتنفیذ”([18]).
أما في الاجتهادات الحديثة للمحكمة العليا فقد تراجعت عن توافر الشروط السالفة الذكر، مُعتبرةً أن جريمة التعدي على الحيازة العقارية تقوم بمجرد حدوث فعل الانتزاع خلسة أو عن طريق التدليس فقط، من دون وجود حكم مدني تم تنفيذه أو اشتراطها له، حيث نص القرار على:” ….. وحيث أن التسبيب السالف الذكر لا يستقيم ونص المادة 386 من قانون العقوبات، ذلك أن هذه الأخيرة لم تشترط لقيام جريمة التعدي على الملكية العقارية أن يكون مالك العقار المعتدى عليه قد تحصل على حكم مدني بطرد المعتدي وتم تنفيذ هذا الحكم، وعاد المعتدي مجددا إلى العقار كما يرى قضاة القرار، إذ أن المادة المذكورة نصت على عقاب كل اعتداء على العقار المملوك للغير خلسة أو عن طرق التدليس ….وأن المتفق عليه فقها وقضاءً أن ذلك يتحقق بالدخول إلى العقار مهما كانت مساحته وحالته دون رضا صاحبه ودون أن يكون للداخل الحق في ذلك، مما يجعل من القرار مشوبا بالخطأ في تطبيق القانون”([19]).
الجدير بالذكر أن التدليس هو كل ما يصدر عن المدلس من أقوال أو أفعال من شأنها أن تؤدي إلى تضليل الغير بإيقاعه في الغلط، وذلك من أجل الاستيلاء على عقاره، ولا يختلف الأمر إن مارس هذه الوسائل الاحتيالية ضد مالك العقار والحائز له في نفس الوقت، أو أن يُمارسها ضد نائبه الذي بيده الحيازة.
الفرع الثاني: الركن المعنوي للجريمة([20]):
يُقصد به انصراف نية الفاعل مرتكب الفعل المجرم قانونا إلى ارتكابه بإرادته وهو يعلم أنه يرتكب فعلا مجرما قانونا ومعاقب عليه بمقتضى هذا الأخير، كون جريمة التعدي على الملكية أو الحيازة العقارية من الجرائم العمدية التي يُشترط لقيامها توافر عنصري العلم والإرادة، فلا يكفي لقيام هذه الجريمة علم الجاني بأن سلوكه يُكوِن جريمة يُعاقب عليها القانون، بل يجب أن تتجه إرادته إلى التعدي على ملكية غيره وهو يعلم بذلك.
وبالتالي يتضح أن جريمة التعدي على الملكية أو الحيازة العقارية من الجرائم العمدية، لذا تستلزم توافر القصد الجنائي العام الذي يتمثل في علم الجاني وقت الفعل واتجاه إرادته الحرة وإدراكه السليم بجميع أركان الجريمة كما وضحها القانون.
كما يتطلب الركن المعنوي في هذه الجريمة إلى جانب القصد العام، القصد الخاص والمتمثل في نية محددة هي نية تملك الشيء محل التعدي، وحرمان حائزه منه نهائيا.
المبحث الثاني
دور المحكمة الجزائية في إرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء:
إن كل دعوى عمومية تٌحال على المحكمة المختصة بخصوص حماية الحيازة العقارية من جنحة التعدي ينتج عنها حكم قضائي، هذا الحكم إما أن يقضي ببراءة المتهم من الجريمة المنسوبة إليه، سواء لانعدام الوصف الجزائي لفعله، أو لعدم القدرة على نسب الجريمة له، وفي كلتا الحالتين لا يُثير حكم البراءة أي إشكال ماعدا ما تعلق بتعويض المتضرر من الجريمة، أو بإدانة المُتهم بارتكابه لجريمة التعدي على الحيازة العقارية، إن مضمون هذا الحكم قد يقتصر على الحبس أو الغرامة، لكن الغرض من حماية الحيازة العقارية ضد جريمة التعدي يتعدى ذلك إلى ضرورة إرجاع حيازة العقار إلى صاحبه وتمكينه من وضع اليد على هذا العقار، أي بعبارة أخرى إرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء.
إن مسألة النص في حكم الإدانة على رد الحيازة إلى الحائز وطرد المعتدي، بالإضافة إلى عقوبة الحبس أو الغرامة تختلف من دولة إلى أخرى بحسب اختلاف السياسة التشريعية والقضائية لكل دولة، ولتوضيح ذلك سوف نتطرق إلى هذه المسألة في كل من التشريع والقضاء المقارن، تم في التشريع والقضاء الجزائري.
المطلب الأول: التنصيص في حكم الإدانة على إرجاع الحال إلى ما كان عليه بين موقف الفقه والتشريع الجزائري
يُعد التنصيص في حكم الإدانة على إرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء مسألة أثارت الكثير من النقاش حول التكييف القانوني لهذا الحكم.
الفرع الأول: موقف الفقه حول التنصيص في حكم الإدانة على إرجاع الحال إلى ما كان عليه:
انقسم الفقه حول مسألة التنصيص في حكم الإدانة على إرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء إلى فريقين وذلك كالآتي:
أ- ذهب الرأي الأول إلى اعتبار إرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء تعويضا مدنيا، ويترتب عن هذا الرأي النتائج التالية([21]):
1- تقديم طلب إرجاع الوضع إلى الحالة في إطار الدعوى المدنية التابعة طبقا للقواعد المنظمة لهذه الأخيرة([22])، أو في إطار الدعوى المدنية المستقلة بعد ثبوت نهائية الحكم القاضي بالإدانة طبقا لما تقتضيه قواعد المسؤولية التقصيرية.
2- أن يتم تقديم طلب إرجاع الحال إلى ما كان عليه من طرف المتضرر صاحب المصلحة أو ممن ينوب عنه، فلا تتدخل المحكمة من تلقاء نفسها في هذا الشأن.
ب- أما الرأي الآخر فيقول بأن إرجاع الحال إلى ما كان عليه يدخل ضمن الرد الذي يجب الحكم به ولو دون طلب باعتباره من العقوبة الزجرية الصادرة في جريمة انتزاع عقار من حيازة صاحبه، دون الحاجة إلى التنصيص على هذا ضمن النصوص القانونية.
ومهما يكن من أمر، فإن اعتبار هذا الرأي يُرتب النتائج التالية:
1- ارتباط هذا الحكم بالنظام العام باعتباره يخضع لمقتضيات الدعوى العمومية، يُمكن للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها دون أي يُطلب منها ذلك، باعتبار أن هذا الحكم من النظام العام.
2- تبقى المحكمة مطالبة بالحكم بإرجاع الحال إلى ما كان عليه كلما توفرت شروطه الضرورية تحت طائلة تبرير قرار الرفض.
الفرع الثاني: الحكم بإرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء في التشريع والقضاء الجزائري:
يقتضي تطبيق النصوص القانونية العقابية التي تحمي الحيازة إرجاع الأمور إلى نصابها بطرد المعتدي من العقار الذي انتُزعت حيازته، وتمكين المتضرر من وضع يده عليه، ومن ثمة فإن الإشكال الذي يطرح نفسه في هذا المقام يتمثل في الآتي: هل للمحكمة الجزائية التي تنظر في جريمة التعدي على الحيازة العقارية أن تكتفي بإدانة المتهم، وذلك بالقضاء بحبسه وتغريمه، أم لها أن تقضي بالإضافة إلى ذلك بإرجاع الحيازة إلى الضحية ؟
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 386 من قانون العقوبات الجزائري أو نصوص قانون الإجراءات الجزائية فإننا لا نجد إطلاقا ما يُشير إلى ضرورة تضمين حكم الإدانة، فضلا عن عقوبة الحبس والغرامة، القضاء بإرجاع الحيازة إلى الضحية بتمكينه من وضع يده على العقار وطرد المعتدي منه.
إن اكتفاء المشرع الجزائري بنصه على إدانة المتهم وفرض عقوبة الحبس والغرامة عليه، ليس الهدف الذي جاء من أجله نص القانون، وإنما هو حماية الحيازة قبل معاقبة الجاني، وهذا بردها إلى أصحابها بعد الاعتداء عليها، وذلك بإسناد سلطة الحكم برد الحيازة إلى المحكمة الناظرة في الجريمة، باعتبار رد الحيازة مسألة جوهرية يجب النطق بها ضمن حكم الإدانة.
غير أن عدم التنصيص على مسألة رد الحيازة في النص الجزائي، وتحققه في النص المدني قد يُفهم منه أن المشرع قد اكتفى بالحماية المدنية دون الجزائية، لا سيما وأن مسألة رد الحيازة مرتبطة برفع الدعوى المدنية فقط، هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد يعطل مقاصد النص الجزائي في تحقيقه للمصالح العامة واستقرار الأمن داخل المجتمع، لأن المجني عليه إذا وجد أن حيازته قد ردت إليه، فإنه يتثاقل إلى اللجوء لتحريك الدعوى المدنية بسبب ما يٌعرف عنها من طول وكثرة إجراءاتها، كما أن اللجوء إلى الدعويين معا من شأنه أن يُثقل كاهل المجني عليه، ويٌلحق به خسائر مالية هو في غنى عنها.
بالرجوع إلى أغلب القرارات القضائية الصادرة عن المحكمة العليا والخاصة بهذه الجريمة، نجدها تؤكد أنه لإثبات الجريمة يجب أن يكون هناك حكم مدني يقضي بالطرد وتم تنفيذه وتسجيل رجوع المتهم إلى العقار بالاعتداء على حيازته([23])، مع الإشارة إلى أن هذا المبدأ تنازلت عنه المحكمة بإصدار قرار يُناقض كل هذه القرارات، ويقضي بعدم اشتراط وجود حكم مدني([24]).
كما لا نجد في كل القرارات الصادرة عن القضاء الجزائري ما يثبت أنه اعتمد على تضمين قراراته بالنص على رد الحيازة إلى الحائز المعتدى عليه، وهذا خلافا لما استقرت عليه بعض التشريعات العربية وما أكده القضاء خاصة في مصر والمغرب، مما يدفعنا للقول أنه كان على المشرع الجزائري النص في قانون العقوبات على أن للمحكمة الجزائية الحق في الحكم برد الحيازة لصاحبها وطرد المعتدي، وبالتالي اعتبار أن عملية رد الحيازة تدخل ضمن العقوبة الزجرية التي يقضي بها القاضي الجزائي إضافة إلى عقوبة الحبس والغرامة المالية.
المطلب الثاني: الحكم بإرجاع الحال إلى ما كان عليه في التشريع والقضاء المقارن:
لقد اهتمت جل التشريعات المقارنة كالتشريع المغربي والمصري بتوفير حماية جزائية للحيازة العقارية، إيمانا منها بأهمية ذلك في المحافظة على النظام العام، وهذا ما يقتضي تعزيز ثقة الحائزين فيما توفره لهم النصوص القانونية والقضائية من حماية تتضمن ليس فقط النص على معاقبة المعتدي بالحبس أو الغرامة، وإنما إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل الاعتداء.
الفرع الأول: الحكم بإرجاع الحال إلى ما كان عليه في التشريع والقضاء المصري:
إن موقف المشرع المصري بخصوص مسألة رد الحيازة إلى صاحبها في منطوق حكم الإدانة يختلف بحسب طبيعة العقار المعتدى عليه وذلك وفق ما يلي:
1- إذا كانت جريمة الاعتداء قد وقعت على عقار تابع للدولة، أو يُعد من قبيل الأموال العامة، فإن نص المادة 372 مكرر من قانون العقوبات المصري([25])منحت القاضي سلطة الحكم برد الحيازة إلى صاحبها والنطق بها في مضمون الحكم بالإدانة.
كما تضمنت المادة 115 مكرر من قانون العقوبات المصري النص على رد العقار المغتصب بحالته التي كان عليها قبل الاعتداء إلى صاحبه، بالإضافة إلى عقوبة الحبس أو الغرامة، وهذا في حالة تعرض العقار إلى التعدي من قبل موظف عمومي.
وعليه نجد أن سلطة المحكمة في القضاء ضمن الحكم الجنائي برد العقار لصاحبه مستمدة من نص قانون العقوبات، الذي لم يسلب المحكمة الجنائية سلطتها في رد حيازة العقار إلى حائزه إذا كان العقار تابعا للدولة أو مُعَدا من الأموال العامة.
2- أما إذا كان العقار يخرج عن الأموال المحددة في المادة 372 مكرر من قانون العقوبات المصري، فإن محكمة الجنح تفصل في الدعوى المتعلقة بحماية الحيازة ضد جريمة التعدي إما بالبراءة أو الإدانة، وفي الحالة الأخيرة فإنها تقتصر على عقوبة الحبس أو الغرامة دون القضاء برد الحيازة لصاحبها([26])، إذ جعل ذلك من صلاحيات النيابة العامة بإصدار قرار مؤقت بعد صدور الحكم من المحكمة الجزائية يتضمن تمكين طرف ضد طرف، أو يكون بمنع تعرض طرف ضد طرف، أو يقضي بإبقاء الحال على ما هو عليه، ويكون هذا القرار واجب التنفيذ بمجرد صدوره من النيابة العامة([27]).
من خلال ما سبق يتضح أن دور المحكمة الجنائية المصرية في حماية الحيازة العقارية ضد جريمة التعدي لا يقتصر على إصدار حكم يتضمن العقوبة بالحبس أو الغرامة، وإنما يمتد إلى الحكم برد العقار المغتصب إلى حائزه.
الفرع الثاني: الحكم بإرجاع الحال إلى ما كان عليه في التشريع والقضاء المغربي:
لم ينص المشرع المغربي على ضرورة تضمين الحكم القاضي بإدانة الجاني المغتصب للعقار من حائزه برد الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء، بل اكتفى بالنص على عقوبة الحبس أو الغرامة، لكن بالرجوع إلى اجتهادات القضاء المغربي الصادرة عن المجلس الأعلى بالمغرب، فإننا نجد عدة قرارات قضائية تقضي برد العقار إلى شاغله وطرد المغتصب منه، وهذه بعض القرارات:
1- قرار صادر عن المجلس الأعلى المغربي بتاريخ 29 فيفري 1968، ملف رقم 25160، ينص على:”…حيث أنه إذا كان من النظام العام أن يبقى كل حائز لمتاع عقاري على حيازته وأن ترد الأشياء إلى الحالة التي كانت عليها قبل وقوع الجريمة إلى أن يصدر قرار مخالف من المحكمة المختصة في الملك، فقد كان يسوغ المحكمة الزجرية بعد أن ثبت لديها انتزاع الحيازة من يد الغير بالقوة أن تأمر برد الأمور إلى نصابها السابق للجريمة، وهي بعملها هذا لم تتجاوز اختصاصها بالفصل في الأصل والاستحقاق، وإنما اتخذت تدبيرا يحمي الحيازة ويضع حدا للحالة المترتبة عن الجريمة”([28]).
2- قرار صادر عن المجلس الأعلى المغربي بتاريخ 09 ديسمبر 1982، ملف رقم 1760، ينص على:”.. يسوغ للمحكمة وهي تبت في انتزاع الحيازة من يد الغير بالقوة أن تأمر برد الأمور إلى نصابها قبل الجريمة، وهي بعملها هذا لم تتجاوز اختصاصها بالفصل في الأصل أو الاستحقاق، وإنما اتخذت تدبيرا يحمي الحيازة ويضع حدا للحالة المترتبة عن الجريمة، وبذلك تكون المحكمة عللت حكمها وبنته على أساس سليم…”([29]).
3- قرار صادر كذلك عن المجلس الأعلى المغربي بتاريخ 21 سبتمبر 2005، ملف رقم 1084/06، ينص على ما يلي:” …وحيث أن العارضين كانا متابعين أمام المحكمة بجريمة الترامي على ملك الغير، وإن المحكمة بعد أن ثبت لديها الإدانة وحكمت عليهما جنائيا، كان مـن حــقـها أن تـرد الأمـور إلى نـصـابـها، وأن تٌـعيد الحـالة إلى ما كانت عليه قبل الجريمة، وهذا ما يجوز للمحكمة أن تأمر به ولو لم يطلبه صاحب الأمر..” ([30]).
من خلال هذه القرارات يتضح أن القضاء المغربي أعطى الصلاحية للمحكمة الجزائية أن ترد الحيازة إلى صاحبها، أو ما اصطلح عليه بإرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل الجريمة، وبالتالي تتحقق الغاية التي أرادها المشرع المغربي من خلال نصوص التجريم والعقاب على جريمة الاعتداء على الحيازة العقارية وهي تحقيق الأمن والاستقرار داخل المجتمع، على الأقل ريثما يتم الفصل في الدعوى أمام المحكمة المدنية في موضوع الحيازة واستحقاقها.
خاتمة:
لقد توصلنا من خلال هذه الدراسة أن الحكم الذي تصدره المحكمة الجزائية في الجزائر يتضمن إما البراءة أو الإدانة فقط، وهذا ما استقر عليه العمل القضائي من خلال فحص مختلف الاجتهادات القضائية، وهذا عكس ما هو معمول به لدى القضاء المغربي والمصري الذي يمنح للمحكمة الجزائية الحق في أن تحكم بإرجاع الحيازة إلى صاحبها، إضافة إلى الحكم بعقوبة الحبس و/أو الغرامة المالية، وهو الإجراء الذي استقر عليه العمل القضائي في المغرب ومصر، والذي اصطلح عليه بإرجاع الحال إلى ما كان عليه.
إن الهدف من وراء هذه الورقة البحثية هو توجيه عناية المشرع والقضاء الجزائري إلى ضرورة إرساء حماية جزائية خاصة بالحيازة العقارية، حيث وقفنا على النقائص التي تشوب النص القانوني والتي لم يتفطن لها المشرع ولم تحض باجتهاد القضاء الجزائري، حيث أعني بالخصوص مسألة الحكم برد حيازة العقار إلى صاحبه وطرد المعتدي منه، وذلك أسوة بالمشرع المغربي أو المصري وبالقضاء في هذين البلدين.
حيث أن النص برد الحال إلى ما كان علية قبل وقوع الجريمة من شأنه أن يساهم في تحقيق الأمن والنظام العام وكذا استقرار المجتمع.
قائمة المراجع:
الكتب:
العایش نواصر، تقنین العقوبات مدعم بالاجتهاد القضائي، مطبعة عمار قرفي، باتنة، 1991.
حسن البكري، الحماية القانونية لحيازة العقارات في التشريع المغربي، حكم وتعليق، مكتبة الرشاد، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، المغرب، 2001.
خالد عدلي أمير، اكتساب الملكية العقارية بالحيازة، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، مصر، 2007
خمار الفاضل، الجرائم الواقعة على العقار، الطبعة الثالثة، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2008.
عمر حمدي باشا، حماية الملكية العقارية الخاصة، الطبعة السابعة، دار هومة، الجزائر، 2009
محمد صبحي نجم، شرح قانون العقوبات الجزائري (القسم الخاص)، الطبعة السادسة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005.
نبيل صقر، قضاء المحكمة العليا في قانون العقوبات، الجزء الأول، دار الهدى، الجزائر، 2009
الأطروحات والمذكرات الجامعية:
جمال قتال، الحماية الجنائية للحيازة العقارية، رسالة دكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة تلمسان، 2015.
حسن حمداوي، ” الحماية الجنائية للعقار على ضوء العمل القضائي، طنجا نموذجا”، مذكرة التخرج من المعهد العالي للقضاء، دفعة 2015-2017، الرباط، المغرب.
عبد الله بن راشد بن محمد التميمي،” الحماية الجنائية والمدنية للحيازة، دراسة تأصيلية تطبيقية مقارنة”، ماجستير تخصص تشريع جنائي، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، المملكة العربية السعودية، 2004.
عون سيف الدين، محمودي لطفي وأخرون، ” الحماية الجزائية للملكية العقارية”، مذكرة تخرج من المدرسة العليا للقضاء، دفعة 2005-2008، الجزائر.
المداخلات والمقالات العلمية:
أبو مسلم الحطاب، “حماية الحيازة العقارية في التشريع الجنائي”، مجلة القضاء والقانون، العدد 149، الرباط، المغرب، 2004.
شكير الفتوح، “انتزاع عقار من حيازة الغير في العمل القضائي المغربي”، مجلة الإشعاع، عدد 37، الرباط، المغرب، 2010.
مقني بن عمار، بوراس عبد القادر، “الحماية الجزائية للحيازة العقارية في التشريع الجزائري”، الملتقى الوطني حول العقار في القانون الجزائري والقانون المقارن، المركز الجامعي بشار، يومي 22-23 أفريل 2008.
النصوص القانونية:
القوانين الجزائرية:
الأمر رقم 66- 156 المؤرخ في 08 يونيو 1966 المتضمن قانون العقوبات المعدل والمتمم، الجريدة الرسمية عدد 49 لسنة 1966
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم، الجريدة الرسمية عدد 78.
القانون رقم 08-09 المؤرخ في 25 فبراير 2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الجريدة الرسمية عدد 21 لسنة 2008.
القوانين الأجنبية:
1- قانون العقوبات المصري، طبقا لأحدث التعديلات بالقانون رقم 95 لسنة 2003.
القرارات والأحكام القضائية:
1- قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العلیا، المؤرخ في 13-05-1986، ملف رقم279، الجزائر.
2- قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا، المؤرخ في 17-01-1989، ملف رقم 52971، المجلة القضائية للمحكمة العليا، عدد الثالث، الجزائر، 1991
3- قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا، المؤرخ في 21 ماي 1995، ملف رقم 117996، نقلا عن الدكتور حسن بوسقيعة، شرح قانون العقوبات مدعم بالاجتهاد القضائي، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2001 .
4- قرار المحكمة العليا المؤرخ 23-11-1997، رقم الملف 152633، مجلة المحكمة العليا، عدد خاص، الجزء الأول، الجزائر، 2002.
5- قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا المؤرخ في 09-12-1998، ملف رقم 179222، مجلة المحكمة العليا، عدد خاص، الجزء الأول، الجزائر، 2002.
6- قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا، بتاريخ 03-09-2003، ملف رقم 246158، المجلة القضائية، العدد الأول، 2003 .
7- قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا الصادر بتاريخ 06-01-2009، الملف رقم 495925، مجلة المحكمة العليا، العدد الثاني، 2009.
8- قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا المؤرخ في 07-10-2010، ملف رقم 504569، مجلة المحكمة العليا، العدد الأول، 2012.
([1]) الأمر رقم 66- 156 المؤرخ في 08 يونيو 1966 المتضمن قانون العقوبات المعدل والمتمم، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية عدد 49 لسنة 1966.
[2])) تم رفع قيمة الغرامات المحكوم بها بموجب المادة 467 من قانون رقم 06-23، المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، المعدل والمتمم للأمر رقم66-156 المتضمن قانون العقوبات، الجريدة الرسمية عدد 84 لسنة 2006.
[3])) قرار غرفة الجنح والمخلفات بالمحكمة العليا، المؤرخ في 21 ماي 1995، الملف رقم 17996، نقلا عن الدكتور حسن بوسقيعة، شرح قانون العقوبات مدعما بالاجتهاد القضائي، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2001، ص 146، وكذلك قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا، المؤرخ في 09 أكتوبر 1999، ملف رقم 112646، نقلا عن: عون سيف الدين، محمودي لطفي وآخرون، ” الحماية الجزائية للملكية العقارية”، مذكرة تخرج من المدرسة العليا للقضاء، دفعة 2005-2008، الجزائر، ص 13.
[4])) الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975، المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، عدد 78 لسنة 1975.
[5])) حسن البكري، الحماية القانونية لحيازة العقارات في التشريع المغربي، حكم وتعليق، مكتبة الرشاد، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، المغرب، 2001، ص 04.
[6])) قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا، المؤرخ في 06-01-2009، الملف رقم 495925، مجلة المحكمة العليا، العدد الثاني، الجزائر، 2009، ص 394.
[7])) قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا، المؤرخ في 03-09-2003، ملف رقم 246158، المجلة القضائية، العدد الأول، الجزائر، 2003، ص 449.
[8])) قانون رقم 08-09، المؤرخ في 25 فبراير 2008، المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، عدد 21 لسنة 2008.
[9]) نبيل صقر، قضاء المحكمة العليا في قانون العقوبات، الجزء الأول، دار الهدى، الجزائر، 2009، ص 257.
[10]) مقني بن عمار، بوراس عبد القادر، الحماية الجزائية للحيازة العقارية في التشريع الجزائري، الملتقى الوطني حول العقار في القانون الجزائري والقانون المقارن، المركز الجامعي بشار، يومي 22-23 أفريل 2008، ص 213.
[11]) عمر حمدي باشا، حماية الملكية العقارية الخاصة، الطبعة السابعة، دار هومة، الجزائر، 2009، ص 86.
[12])) قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا، المؤرخ في 07-10-2010، ملف رقم 504569، مجلة المحكمة العليا، العدد الأول، الجزائر، 2012، ص 333
[13])) خالد عدلي أمير، اكتساب الملكية العقارية بالحيازة، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، مصر، 2007، ص 420.
[14])) أبو مسلم الحطاب، حماية الحيازة العقارية في التشريع الجنائي، مجلة القضاء والقانون، العدد 149، الرباط، المغرب، 2004، ص 79.
[15])) خمار الفاضل، الجرائم الواقعة على العقار، الطبعة الثالثة، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2008، ص 20.
[16])) قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا، المؤرخ في 17 جانفي 1989، ملف رقم 52971، المجلة القضائية للمحكمة العليا، عدد الثالث، 1991، ص 236-237.
[17])) عمر حمدي باشا، المرجع السابق، ص 88.
[18])) قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا، المؤرخ في 13 ماي 1986، ملف رقم 279، نقلا عن العایش نواصر، تقنین العقوبات مدعم بالاجتهاد القضائي، مطبعة عمار قرفي، باتنة، 1991، ص 196.
[19])) قرار غرفة الجنح والمخلفات بالمحكمة العليا المؤرخ في 07-10-2010، المرجع السابق، ص 333.
[20])) محمد صبحي نجم، شرح قانون العقوبات الجزائري (القسم الخاص)، الطبعة السادسة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005، ص 125.
[21])) حسن حمداوي، ” الحماية الجنائية للعقار على ضوء العمل القضائي، طنجا نموذجا”، مذكرة التخرج من المعهد العالي للقضاء، الرباط، المغرب، دفعة 2015-2017، ص 79.
[22])) للتذكير فالأصل أن الدعوى المدنية لا تعنى إلا بالنزاعات المدنية، إلا أن هناك نوعاً من الدعاوى المدنية يرتبط ارتباطا وثيقاً بالدعوى العمومية ويتحد معها في المصدر الذي هو الجريمة التي تسببت في الضرر الخاص، والذي سمح القانون بعرضها استثناء على القضاء الجزائي لينظر في تعويض الضرر إذا توفرت شروطه فتسمى الدعوى المدنية التابعة، وهي تبقى إمكانية متاحة للمتضرر، إذ يُمكنه سلوك الطريق المدني بعيدا عن القضاء الجزائي.
[23])) قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا، المؤرخ في 09-12-1998،رقم الملف 179222، مجلة المحكمة العليا، عدد خاص، الجزء الأول، الجزائر، 2002، ص 153.
كذلك قرار غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا، المؤرخ 23-11-1997، رقم الملف 152633، مجلة المحكمة العليا، عدد خاص، الجزء الأول، الجزائر، 2002، ص 222 وما بعدها.
[24])) قرار المحكمة العليا المؤرخ في 07-10-2010، المرجع السابق، ص 333.
[25])) تنص المادة 372 مكرر من قانون العقوبات المصري على:” كل من تعدى على أرض زراعية أو أرض فضاء أو مبان مملوكة للدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو لوقف خيري أو لإحدى القطاع العام أو لأية جهة أخرى، ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة، وذلك بزراعتها أو غرسها أو إقامة إنشاءات عليها أو شغلها أو الانتفاع بها بأية صورة يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألفين من الجنيهات أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويُحكم على الجاني برد العقار المغتصب بما يكون عليه من مباني أو غرس أو برده مع إزالة ما عليه من تلك الأشياء على نفقته، فضلا عن دفع قيمة ما عاد من منفعة….”
[26])) جمال قتال، “الحماية الجنائية للحيازة العقارية، دراسة تحليلية مقارنة”، رسالة دكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة تلمسان، 2015، ص 246.
[27])) عبد الله بن راشد بن محمد التميمي، الحماية الجنائية والمدنية للحيازة، دراسة تأصيلية تطبيقية مقارنة، ماجستير تخصص تشريع جنائي، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، المملكة العربية السعودية، 2004، ص 111.
[28])) حسن البكري، المرجع السابق، ص 120.
[29])) نفس المرجع، رقم 120.
[30])) شكير الفتوح، انتزاع عقار من حيازة الغير في العمل القضائي المغربي، مجلة الإشعاع، عدد 37، الرباط، المغرب، 2010، ص 229.