دراسات قانونيةسلايد 1
الأساليب الحديثة للإثبات الجنائى في القانون الجزائري
ملخص:
تهدف الدراسة الحالية إلى التعرف عن النظام القانوني لوسائل التحري الجديدة التي جاء بها قانون الإجراءات الجزائية الجزائري لمكافحة الإجرام المنظم، وأهم هذه الوسائل إعتراض المراسلات وعمليات التسرب.
وبينت نتائج الدراسة مدى نجاعة أساليب التحري الحديثة في تمكين سلطة الضبط والتحقيق القضائي من إثبات الجريمة .
مقدمة:
يعتبر الإجرام المنظم أحد أكبر التحديات التي تواجه الدول، فهو أخطر نوع من الجرائم، كما أنه يشمل عدة أشكال أبرزها جريمة غسيل الأموال ، و جريمة المخدرات ، جرائم الاتجار بالبشر و تهريب المهاجرين ،الاتجار في الأسلحة، جرائم المتعلقة بقوانين الصرف وكذا جرائم الفساد . كل هذه الصور الخطيرة تفرض على الدول العمل على مكافحتها.
ونظرا لاعتبار الإجرام المنظم، من الجرائم التي يصعب تتبعها لتعدد مرتكبيها وتميزهم بالاحترافية مستغلين في ذلك التقنيات الحديثة في أنشطتهم الإجرامية إذ لم تعد وسائل التحري العادية قادرة على مواجهة هذا الإجرام الحديث مما دفع المشرع الجزائري إلى ابتكار مجموعة من أساليب التحري الحديثة ،ولعل أهمها أسلوب إجراء إعتراض مراسلات والتسرب.
ومن أجل هذا فعملية إعتراض المراسلات وعملية الترسب لم تعد قاصرة على تأكيد الأدلة الجنائية ضد المتهم لمواجهته بالتهمة المنسوبة إليه، بل أصبحت حقا مشروعا للدولة في قيام حقها في ضمان الأمن والدفاع، مما جعل هذه الوسيلة تستعمل كآلية للتتبع والتصنت على الأفراد.
ولذلك يثور التساؤل حول النظام القانوني لوسائل الإثبات المستحدثة في قانون الإجراءات الجنائية ؟وللإجابة على هذا التساؤل تستدعى دراستنا توضيح التعريف القانوني لإجراء إعتراض المراسلات من طرف رجال الضبطية القضائية (كمبحث أول) وإجراء التسرب (كمبحث ثاني) و بالاعتماد في ذلك على منهج تحليلي للنصوص القانونية .
المبحث الأول : إعتراض المراسلات
لقد أضحت الأساليب التقليدية في البحث والتحري عديمة الجدوى بسبب استغلال منفذي الإجرام التقنيات العلمية الحديثة في تنفيذ أغراضهم الإجرامية. لذلك بات من الضروري الاستعانة بالوسائل الحديثة لكشف الجريمة والبحث عن مرتكبيها أهمها إعتراض المراسلات ، وهو وإجراء أخذ به المشرّع الجزائري و أخضعه لمجموعة من الضوابط لضمان عدم المساس بحرمة الحياة الخاصة. إن هذا الأمر هو الذي يدفع للبحث عن مدى مشروعية هذا الإجراء على المستويين الدولي والداخلي، لما فيه من تعد على الحياة الخاصة، ومدى ضرورة الاستعانة به، وما يترتب على مخالفة ضوابطه.
ولهذا ندرس مفهوم حق المراسلات في القانون الجزائري وفي القانون الدولي والتشريع المقارن (كمطلب أول)، و(كمطلب ثاني) ندرس مفهوم إجراء إعتراض المراسلات وشروط هذه الإجراء وبطلان هذا الإجراء في حالة خرقه سواء من طرف السلطة القضائية المختصة التي تسمح به أو من طرف ضباط الشرطة القضائية القائمين بالتنفيذ وفق قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ، كما يلي :
المطلب الأول: حق المراسلات على المستوى الدولي و في القانون الجزائري
نتعرض لمفهوم حق المراسلات في القانون الدولي والقوانين المقارنة (كفرع الأول)، وندرس حق المراسلات في القانون الجزائري (كفرع ثاني).
كما يلي.
الفرع الأول: حق المراسلات في القانون الدولي و القانون المقارن
في إطار مواثيق القانون الدولي، نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 في المادة (12)على أن (لا يجوز تعريض احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، أو في شؤون أسرته، أو مسكنه، أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من ذلك التدخل، أو تلك الحملات.).
كما نص على حق المراسلات في الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان الصادرة بروما سنة 1950 بموجب المادة الثانية منها على أن (لكل شخص الحق في احترام حياته الخاصة والعائلية ومسكنه ومراسلاته، ولا يجوز للسلطة العامة التدخل في مباشرة هذا الحق، إلا إذا كان هذا التدخل ينص عليه القانون، ويعد إجراء ضروريا في مجتمع ديمقراطي لحماية الأمن الوطني، أو الأمن العام، أو الرفاهية الاقتصادية للدولة، أو لحماية النظام العام، أو لمنع الجرائم، أو لحماية الصحة، أو الآداب، أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم.).
فقد أكدت معظم هذه الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان حرمة الحياة الخاصة وان تقييدها يخضع لضوابط محددة، أهمها أن يقع تحت رقابة القضاء.([1])
ولقد تأكد حق حماية الأمن الشخصي، وحرية المراسلات للأشخاص وكرس في أغلب الدساتير الوطنية، حتى أضحى من الحقوق التي لا يقبل خرقها وانتهاكها سواء في الأنظمة الوطنية أو في الإطار الدولي.
حيث وضعت العديد من القوانين المقارنة نصوصا تحمي حق المواطن في المراسلات، أهمها التشريع الانجليزي من خلال قانون السلامة الصادر سنة 1961 وقانون التآمر وحماية الملكية لسنة 1975، وقد جرم فيه المشرع الانجليزي فعل المراقبة، أو اختلاس النظر على المساكن.([2])
ويشير البعض أن القانون الانجليزي لا يوفر الحماية الأزمة للحق في الخصوصية وانه مازال يحمي الخصوصية ضمن إطار قانون اعقد والملكية، بالإضافة إلى ذلك فإن تمسك القضاء الانجليزي بالسوابق القضائية تمسكا حرفيا جعله متأخرا كثير عن إقرار مبادئ تواجه التطورات العلمية والتكنولوجية والاجتماعية الحديثة.([3])
أما المشرع المصري فقد نص في دستور عام 1971 في المادة (45) على أن (لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون، وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليه، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفقا لأحكام القانون.).
كما تنص المادة (57) منه على أن ( كل اعتداء على الحرية الشخصية، أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء.). مما شك فيه أن هذه الحماية التي كفلها الدستور المصري تعد ضمن الضمانات الدستورية التي انتهجتها دول كثير في تشريعاتها.([4])
كما أورد المشرع المصري في قانون الإجراءات الجنائية حماية إجرائية لهذا الحق، حيث نص في المادة (95) على أن (لقاضي التحقيق أن يأمر بضبط جميع الخطابات، والرسائل والجرائد، والمطبوعات لدى لمكاتب البريد وجميع البرقيات لدى مكاتب البرق، وان يأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية أو إجراء التسجيلات لأحداث جرت في مكان خاص متى كان ذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية، أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.). وبهذا بجد أن المشرع المصري كفل حماية للحق في المراسلات للمواطنين وكفلها من الاعتداء عليها.([5])
أما المشرع الأردني فقد كفل حرمة المراسلات وعد الاعتداء عليها ضمن المادة (18) من الدستور على أن (تعتبر جميع المراسلات البريدية والبرقية، والمخاطبات الهاتفية سرية فلا تخضع للمراقبة، أو التوقيف إلا في الأحوال المعينة للقانون.).
كما نصت المادة (356) من قانون العقوبات الأردني على أن (1- يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة كل شخص ملحق بمصلحة البرق والبريد يسيء استعمال وظيفته هذه بان يطلع على رسالة مظروفه، أو يتلف، أو يختلس، إحدى الرسائل، أو يفضي بمضمونها إلى غير المرسل إليه…).
غير أن هذه الحرية ليست مطلقة فمن حق السلطة القضائية تقييدها ومراقبتها وذلك بالاعتراض على المراسلات وفقا للشروط التي يضعها القانون، حيث يجوز للمدعي العام أن يضبط والطرود، ولدى مكاتب البرق، كافة الرسائل البرقية كما يجوز له مراقبة المحادثات الهاتفية متى كان لذلك فائدة لإظهار الحقيقة.([6])
وفي اعتقادي أن التشريعات المقارنة، قد تفاوتت بنسب معتبرة في حماية حرية المراسلات للمواطنين والحياة الخاصة لهم، وبمقارنة التشريع الجزائري مع هذه القوانين فقد هذا أورد الأخير نصوصا بهذا الخصوص أخذت بعين الاعتبار حق المواطن في حرية مراسلاته وحياته الخاصة من جهة، ومن جهة حق الدولة في حماية أمنها من كل اعتداء يقع على سلامة أراضيها ومجتمعها، خاصة وان الإجرام المنظم يقتضي من الدولة مكافحته باستخدام هذا الأسلوب الحديث، المتمثل في اعتراض المراسلات المشكوك فيها والتي لها صلة بارتكاب هذه الجرائم.
الفرع الثاني: حق المراسلات في القانون الجزائري
يعنى بالمراسلات كافة الرسائل المكتوبة، المرسلة بواسطة البريد أو بطريق رسول خاص، وكذا ينصرف المقصود إلى البرقيات، ويستوي أن تكون الرسالة داخل ظرف مغلق أو مفتوح أو أن تكون في بطاقة مكشوفة طالما أن الواضح من قصد المرسل انه لم يقصد اطلاع الغير عليها بغير تمييز.([7])
و يعد حق الإنسان في الأمن، وحريته في المراسلات من الحقوق الأساسية اللصيقة بشخصه، والتي لا تقبل التنازل عنها، فلكل فرد في المجتمع الحق في أن يعيش آمنا في بلده، فلا يجوز مصادرة حقوقه بشكل تعسفي، إلا على أساس نصوص دستورية وطبقا للإجراءات المقررة قانون الاجراءات الجزائية.
وعلى ذلك، فان حرية المراسلات ليست مطلقة، فالدولة، ولأسباب معتبرة، أن تضع شروط على استعمال هذا الحق.([8])
وما نص عليه الدستور الجزائري لعام 1996، المعدل في المادة (39) على أن (لا يجوز انتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة، وحرمة شرفه ويحميها القانون. سرية المراسلات والاتصالات الخاصة بكل أشكالها مضمونة.)، لدليل واضح على التزام المشرع الدستوري بمبدأ إحترام حق المراسلات للمواطنين، كما ان استعمال هذه التدابير المنصوص عليها في الدستور ودون التقيد بها في أحكام قانون الإجراءات الجزائية، يشكل خروجا عن أحكام الدستور ويصطدم بالحريات العامة.([9])
فالدستور الجزائري يحرص على الحرية الشخصية، فعندما يؤكد أن السلطة القضائية المختصة هي صاحبة الحق في التقييد أو مصادرة حرية المراسلات والمحافظة على امن الشخص والمجتمع، استنادا على مبررات قانونية توجبه وتدعو إليه.
وانسجاما مع نص المادة (39) من الدستور، جاء قانون الإجراءات الجزائية بمجموعة من الضوابط التي كفلت حماية هذه الحرية، فنص في المادة (65) مكرر 5 على أن (إذا اقتضت ضرورات التحري في الجريمة المتلبس بها أو التحقيق الابتدائي في جرائم المخدرات أو الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية أو الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات أو جرائم تبيض الأموال أو الإرهاب أو الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف وكذا جرائم الفساد، يجوز لوكيل الجمهورية المختص أن يأذن بما يأتي: -اعتراض المراسلات التي تتم عن طريق وسائل الاتصال السلكية أو اللاسلكية،…).
وقد تقررت هذه الحماية أيضا في قانون العقوبات الجزائري، فتنص في المادة (107) على أن (يعاقب الموظف بالسجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات إذا أمر بعمل تحكمي أو ماس سواء بالحرية الشخصية للفرد أو بالحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر.).
والواقع انه في إطار مكافحة الإجرام المنظم، استدعت الضرورة أن يخرج المشرع الجنائي على القواعد الإجرائية العامة، وذلك باستحداث إجراءات جنائية تتسم بالخروج الصارخ على هذه القواعد، ولعل أهمها اعتراض المراسلات بناء على أمر صادر من السلطات القضائية يسمح بعملية الاعتراض على مراسلات الأشخاص.
المطلب الثاني : مفهوم عملية اعتراض المراسلات
في (الفرع الأول) نلقي الضوء على التعريف بعملية اعتراض المراسلات وفي (الفرع الثاني) ندرس جريمة الاعتراض غير المشروع للمراسلات، كما يلي:
الفرع الاول : التعريف بعملية اعتراض المراسلات
أجاز المشرع الجزائي الجزائري لأعضاء الضبطية القضائية في إطار التحري في جرائم المخدرات أو الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية أو الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الألية للمعطيات أو جرائم غسيل الأموال أو الإرهاب أو الجرائم المتعلقة بقوانين الصرف وجرائم الفساد، بسلطة اعتراض المراسلات التي تتم عن طريق وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وهذا بموجب إذن صادر عن وكيل الجمهورية.
بيد أن المشرع الجزائي عند تعرضه لتقنية اعتراض المراسلات أورد نصوصا بهذا الخصوص، لكنها غير كافية ولا تشمل كافة جوانب هذه التقنية، ونأمل أن المشرع الجزائي يقرر بموجب تشريعاته الإجرائية والعقابية من جهة توضيح إجراء اعتراض المراسلات بشكل جامع ومانع، ومن جهة ثانية تكريس حماية اكبر للحرية الشخصية والحياة الخاصة للمواطنين، وان يأخذ بعين الاعتبار التقدم والتطور العلمي الهائل، ومستجدات العصر الحديث وأثرها على الحرية الشخصية والحياة الخاصة للأشخاص.
وبالمقارنة مع التشريع الفرنسي، فرغم أن هذا التشريع لم يعرف هذه التقنية، إلا أن القضاء الفرنسي اعتبر أن اعتراض المراسلات هو تقنية لغرض الاعتراض على خط هاتفي لشخص ما والقيام بتسجيل مكالماته في أشرطة مغناطيسية.([10])
نعتقد أن المشرع الجزائي عندما وضع مصطلح “اعتراض المراسلات” وإفراده في فقرة خاصة وفق المادة (65) مكرر 5 من قانون الإجراءات الجزائية، فهو يميزه عن غيره من الإجراءات المستحدثة لمراقبة الأشخاص، كتثبيت وبث وتسجيل المكالمات المتفوه بها، هذه الأخيرة التي وردت بالمادة (65) مكرر 5.
فالمنطق يقتضي التميز بين الأشياء ووضعها في إطارها المحدد، ولهذا فأنا اتفق مع التشريع المصري وكذا الأردني، عندما عبر عن اعتراض المراسلات بمصطلح “ضبط المراسلات” واعتبر هذا الجراء يعنى به ضبط جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود لدى مكاتب البريد وجميع البرقيات لدى مكاتب البرق.
كما أعتقد أن إجراء اعتراض المراسلات ينصرف مفهومه إلى اعتراض صناديق البريد الالكترونية الصادرة والواردة للأشخاص المشتبه فيهم لارتكاب جريمة من الجرائم الواردة في نص المادة (65) من قانون الاجراءات الجزائية السابقة الذكر، هذا ما هو جاري عليه في القانون الأمريكي الذي يسمح بالتنصت على الاتصالات الالكترونية من جانب رجال الضبط القضائي، وذلك بوضع أجهزة لتسجيل الاتصالات الالكترونية إذا توافر خطر حال على حياة شخص ما.([11])
كما يمكن أن ينصرف إجراء اعتراض المراسلات إلى اعتراض عملية البث والإرسال لبيانات الكمبيوتر، كما هو الوضع في اتفاقية بودابست الموقعة في 23نوفمبر 2011، والمتعلقة بالأجرام المعلوماتي، التجسس، والتنصت على المعلومات والبيانات، حيث أشارت المادة (3) منها على أن (يقوم كل طرف من الدول الأطراف في الاتفاقية بإقرار هذه الإجراءات التشريعية وغيرها من الإجراءات الأخرى، كلما كان ذلك ضروريا لإصدار نص قانوني أو تشريعي بأنها تشكل جرائم بموجب القانون الوطني المحلي الخاص بها عند ارتكابها عن قصد وذلك من حيث اعتراض خط سير البيانات دون وجه حق ويتم ذلك بالوسائل الفنية، لقطع عملية البث والإرسال غير عمومية لبيانات الكمبيوتر إلى داخل منظومة الكمبيوتر، بما في ذلك ما ينبعث من منظومة كمبيوتر من موجات كهرومغناطيسية تحمل معها بيانات…).([12])
ويشترط لتنفيذ عملية الاعتراض من طرف أعضاء الضبطية القضائية الحصول على رخصة من طرف وكيل الجمهورية المختص، والذي يأذن لهم بوضع الترتيبات التقنية الأزمة للدخول إلى المحلات السكنية أو غيرها ولو خارج المواعيد المحددة وبغير علم أو رضا الأشخاص الذين لهم الحق على تلك الأماكن.
وتنفذ هذه العملية بوضع وتركيب أجهزة لاعتراض المراسلات ويسخر لهذا الغرض موظفين مؤهلين لدى مصلحة أو وحدة أو هيئة عمومية أو خاصة مكلفة بالاتصالات السلكية أو اللاسلكية للتكفل بالجوانب التقنية لهذه العملية، وهذا حسب ما أشارت إليه المادة (65) مكرر 5 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
الفرع الثاني: جريمة الاعتراض غير المشروع للمراسلات
من خلال ما سبق وروده حول معنى عملية إعتراض المراسلات وإجراءاتها، يثور التساؤل حول الجزاء الجنائي المترتب على الاعتراض غير المشروع للمراسلات في التشريع الجزائي الجزائري.
قد يرتب القانون على الإخلال بضوابط مراقبة المراسلات والاعتراض عليها جزاءات أخرى بالإضافة إلى البطلان الجزائي، كالجزاء التأديبي([13])، والتعويض المدني الذي يلزم مرتكب الجريمة بدفعه نتيجة الضرر الذي أوقعه.
الواقع أن قانون العقوبات الجزائري تضمن أحكاما عامة يمكن الاستناد إليها لقيام جريمة الاعتراض غير المشروع على المراسلات وتحديد شروط قيامها، وأهمها نص المادة (137) عقوبات والتي نصت على أن (كل موظف أو عون من أعوان الدولة أو مستخدم أو مندوب عن مصلحة للبريد يقوم بفض أو اختلاس أو إتلاف رسائل مسلمة إلى البريد أو يسهل فضها أو اختلاسها أو إتلافها يعاقب بالحبس من ثلاثة (3) أشهر إلى خمس(5) سنوات وبغرامة من 30.000 دج الـ 500.00. ويعاقب بالعقوبة نفسها كل مستخدم أو مندوب في مصلحة البرق يختلس أو يتلف برقية أو يذيع محتواها. ويعاقب الجاني فضلا عن ذلك بالحرمان من كافة الوظائف أو الخدمات العمومية من خمس إلى عشر سنوات.).
وتنص المادة (303) عقوبات على أن (كل من يفض أو يتلف رسائل أو مراسلات موجهة إلى الغير وذلك بسوء نية وفي غير الحالات المنصوص علها في المادة (137) يعاقب بالحبس من شهر(1) الـ سنة (1) وبغرامة من 25.000 دج إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.).
وتنص المادة (303) مكرر عقوبات على أن (يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى ثلاث (3) سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 300.000 دج، كل من تعمد المساس بحرمة الحياة الخاصة للأشخاص، بأية تقنية كانت وذلك:1- بالتقاط أو تسجيل مكالمات أو أحاديث خاصة، أو سرية، بغير صاحبها أو رضاه،2- بالتقاط أو تسجيل أو نقل صورة لشخص في مكان خاص، بغير إذن صاحبها أو رضاه. يعاقب على الشروع في ارتكاب الجنحة المنصوص عليها في هذه المادة بالعقوبات ذاتها المقررة للجريمة التامة. ويضع صفح الضحية حدا للمتابعة الجزائية.).
وتنص المادة (303) مكرر1على أن (يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة كل من احتفظ أو وضع أو سمح بان توضع في متناول الجمهور أو الغير، أو استخدم بأي وسيلة كانت، التسجيلات أو الصور أو الوثائق المتحصل عليها بواسطة احد الأفعال المنصوص عليها في المادة (303) مكرر من هذا القانون. عندما ترتكب الجنحة المنصوص عليها في الفقرة السابقة عن طريق الصحافة، تطبق الأحكام الخاصة، المنصوص عليها في القوانين ذات العلاقة، لتحديد الأشخاص المسؤولين. يعاقب على الشروع في ارتكاب الجنحة المنصوص عليها في هذه المادة بالعقوبات ذاتها المقررة للجريمة التامة. ويضع صفح الضحية حدا للمتابعة الجزائية.).
أعتقد انه على الرغم من حرص المشرع الجزائي على تجريم المراقبة غير المشروعة إلا أن الملاحظ أن هذه النصوص مازالت في حاجة ملحة إلى إعادة صياغة، لمواجهة الاعتداء على سرية المراسلات التي تتم بالوسائل والتقنيات التكنولوجية الحديثة، والملاحظ أيضا على هذه النصوص إنها لا تجرم سوى التنصت على المكالمات الهاتفية، فهي لم تشر بطريقة صريحة لجريمة الاعتراض غير المشروع على المراسلات.
المبحث الثاني: إجراء التسرب (الإختراق في القوانين المقارنة)
التسرب هو أسلوب جديد للبحث والتحري في الجرائم الخطيرة ، جاء به قانون الاجراءات الجزائية، و للإلمام بهذا المبحث سنعالج في (المطلب الأول) مفهوم التسرب والجرائم التي يجوز فيها التسرب و في (مطلب الثاني) سنتطرق لشروط التسرب .
المطلب الأول: مفهوم التسرب والجرائم التي يجوز فيها
في هذا المطلب ندرس مفهوم التسرب (الفرع الأول) والجرائم التي أجاز المشرع الجزائي جوازية عمليات التسرب فيها(الفرع الثاني).
الفرع الأول: مفهوم التسرب
نظرا لاعتبار التسرب أو الاختراق لمراقبة الأشخاص اعتداء صارخا على الحياة الخاصة وانتهاكا لحق من الحقوق الأساسية للمواطن فقد اقر الدستور حق الحياة الخاصة وحماه، فنص في المادة (39) على أن (لا يجوز انتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة، وحرمة شرفه، ويحميها القانون…)، كما نصت المادة (47) على أن (لا يتابع احد، ولا يوقف أو يحجز، إلا في الحالات المحددة بالقانون، وطبقا للأشكال التي نص عليها.).
وقد عزز المشرع الجزائي هذه الحماية بموجب قانون العقوبات، غير انه لما كانت ضرورات التحري أو التحقيق في صور الإجرام المنظم الوارد ذكرها في المادة (65) مكرر 5 من قانون الإجراءات الجزائية، فقد أجاز المشرع الإذن بإجراء عمليات التسرب بشروط معينة فصلتها المواد (65) مكرر11 إلى (65) مكرر18 منه.
و يقصد بالتسرب قيام ضابط الشرطة القضائية بموجب إذن صادر من السلطة القضائية بمراقبة الأشخاص محل الشبهة في ارتكابهم إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة (65) مكرر 5 من قانون إ.ج.ج، بإيهامهم انه فاعل معهم أو شريك لهم أو خاف في الجريمة التي يرتكبونه، ويستعمل الضابط هوية مستعارة، حيث نصت المادة (65) مكرر 12 على أن (يقصد بالتسرب قيام ضابط عون الشرطة القضائية، تحت مسؤولية ضابط الشرطة القضائية المكلف بتنسيق العملية، بمراقبة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جناية أو جنحة بإيهامهم انه فاعل معهم أو شريك لهم أو خاف. يسمح لضابط أو عون الشرطة القضائية أن يستعمل، لهذا الغرض، هوية مستعارة وان يرتكب عند الضرورة الأفعال المذكورة في المادة (65) مكرر 14 أدناه، ولا يجوز تحت طائلة البطلان، أن تشكل هذه الأفعال تحريضا على ارتكاب جرائم).
وبالرجوع لنص المادة (65) مكرر14، نعتقد أن ظاهر هذه المادة توضح المحل القانوني لإجراء التسرب والذي يتمثل في : – اقتناء أو حيازة أو نقل أو تسليم أو إعطاء مواد أو أموال أو منتوجات أو وثائق أو معلومات متحصل عليها من ارتكاب الجرائم أو مستعملة في ارتكابها،-استعمال أو وضع تحت تصرف مرتكبي هذه الجرائم الوسائل ذات الطابع القانوني أو المالي وكذا وسائل النقل أو التخزين أو الإيواء أو الحفظ أو الاتصال.
ويتميز الإختراق مع نظام قانوني أخر هو التسليم المراقب، حيث يتفق مع التسليم المراقب في عدة نقط ، أهمها أنهم يعدان من تقنيات البحث الخاصة. كما يتشابهان في كون تنفيذهما يمكن أن يتم على الصعيد الوطني و الدولي وذلك في سرية تامة تحت إشراف ومراقبة النيابة العامة.
هذا فيما يخص أوجه التشابه بين الإختراق والتسليم المراقب ، أما أوجه اختلافهما فتكمن في أن التسليم المراقب تكون فيه مراقبة المجرمين عن بعد بينما في الإختراق فيكون المخترق مندمجا إلى حد التماهي مع المنظمة الاجرامية .
و يختلفان أيضا من حيث الضمانة الحمائية، بحيث أن ضابط الشرطة القضائية في التسليم المراقب يكون أكثر أمانا منه في الإختراق ، باعتباره لا يحتك بالمنظمة الإجرامية مباشرة ، بينما يكون في خطر في كل وقت و حين نظرا لكونه قريب من المنظمة الإجرامية و يتعامل معها كأنه أحد أفرادها إذا تعلق الأمر بالاختراق .
و من الاختلافات أيضا أن الضابط في عملية التسليم المراقب يحتفظ بهويته و يتعامل بصفته الحقيقية، في حين الضابط المخترق يستعير هوية و صفة أخرى يموه بها المنظمة الإجرامية و ذلك لتنفيذ عملية الاختراق .
الفرع الثاني: الجرائم التي يجوز فيها التسرب
لا يصح التسرب إلا إذا كان بصدد الجرائم المحددة بموجب المادة (65) مكرر من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ، واهما ما نحن بصدد دراستها جرائم الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية، حيث نصت المادة (65) مكرر 15 من قانون الإجراءات الجزائية على أن (يجب أن يكون الإذن المسلم تطبيقا للمادة (65) مكرر11اعلاه، مكتوبا ومسببا وذلك تحت طائلة البطلان. تذكر في الإذن الجريمة التي تبرر اللجوء إلى هذا الإجراء…).
والملاحظ أن إجراء التسرب يصح اللجوء إليه كوسيلة من وسائل التحري عن الجرائم، كما يجوز اللجوء إليه في إطار التحقيق، وقد أكدته المادة (65) مكرر 11 من قانون الإجراءات الجزائية على أن (عندما تقتضي ضرورات التحري أو التحقيق في إحدى الجرائم المذكورة في المادة (65) مكرر 5 أعلاه، يجوز لوكيل الجمهورية أو لقاضي التحقيق بعد إخطار وكيل الجمهورية، أن يأذن تحت رقابته حسب الحالة بمباشرة عملية التسرب ضمن الشروط المبينة في المواد أدناه.).
وعليه فقد ترك المشرع الجزائي إطار التحقيق مفتوح([14])، إذ يمكن لقاضي التحقيق الإذن بالتسرب في إطار الإنابات القضائية وهذا ما أشارت إليه المادة (138) على أن (يجوز لقاضي التحقيق أن يكلف بطريق الإنابة القضائية أي قاض من قضاة محكمته أو أي ضابط من ضباط الشرطة القضائية المختص بالعمل في تلك الدائرة أو أي قاض من قضاة التحقيق بالقيام بما يراه لازما من إجراءات التحقيق في الأماكن الخاضعة للجهة القضائية التي يتبعها كل منهم.
ويذكر في الإنابة القضائية نوع الجريمة موضوع المتابعة وتؤرخ وتوقع من القاضي الذي أصدرها وتمهر بختمه. ولا يجوز أن يؤمر فيها إلا باتخاذ إجراءات التحقيق المتعلقة مباشرة بالمعاقبة على الجريمة التي تنصب عليها المتابعة.).
وتنص المادة (139) منه على أن (يقوم القضاة أو ضباط الشرطة القضائية المنتدبون للتنفيذ بجميع السلطات المخولة لقاضي التحقيق ضمن حدود الإنابة القضائية غير انه ليس لقاضي التحقيق أن يعطي بطريق الإنابة القضائية تفويضا عاما. ولا يجوز لضباط الشرطة القضائية استجواب المتهم أو القيام بمواجهته أو سماع أقوال المدعي المدني.).
المطلب الثاني: شروط عملية التسرب
يشرط لصحة التسرب شروط، بعضها شكلي، والبعض موضوعي، وهذه الشروط نوجزها في النقاط الآتية:
الفرع الأول: تسبيب الإذن بالتسرب
أن يكون التسرب بناء على أمر قضائي مسبب ولمدة محددة، حيث نصت المادة (65) مكرر 15 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
على أن (يجب أن يكون الإذن المسلم تطبيقا للمادة (65) مكرر11اعلاه، مكتوبا ومسببا وذلك تحت طائلة البطلان. تذكر في الإذن الجريمة التي تبرر اللجوء إلى هذا الإجراء وهوية ضابط الشرطة القضائية الذي تتم العملية تحت مسؤوليته.
ويحدد هذا الإذن مدة عملية التسرب التي لا يمكن أن تتجاوز أربعة (4) أشهر.
يمكن أن تجدد العملية حسب مقتضيات التحري أو التحقيق ضمن نفس الشروط الشكلية والزمنية. ويجوز للقاضي الذي رخص بإجرائها أن يأمر، في أي وقت، بوقفها قبل انقضاء المدة المحددة. تودع الرخصة في ملف الإجراءات بعد الانتهاء من عملية التسرب.).
ويجب أن يشتمل الأمر الذي يرخص بعملية التسرب على الأسباب التي دفعت لإصداره، وإلا كان باطلا.
وأسباب الإذن هي الوقائع التي دعت إلى إصداره، ويشترط أن تكون جدية وكافية؛ فان فقدت احد الشرطين كان الإذن باطلا.([15])
الفرع الثاني: استعمال هوية مستعارة
أجاز المشرع الجزائي لضابط الشرطة القضائية المتسرب، استعمال هوية مستعارة نظرا للمخاطر المحتمل التعرض لها في إطار قيامهم بهمة مراقبة الأشخاص المشتبه فيهم ارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب أو الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
وقد أحاط المشرع ضابط الشرطة القضائية بجملة من الضمانات تضمن له عدم تعرضه للأخطار، هذا ما نصت عليه المادة (65) مكرر 16 على أن (لا يجوز إظهار الهوية الحقيقية لضباط أو أعوان الشرطة القضائية الذين باشروا عملية التسرب في أي مرحلة من مراحل الإجراءات.
يعاقب كل من يكشف هوية ضباط أو أعوان الشرطة القضائية بالحبس من سنتين (2) إلى(5) سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 200.000 دج. وإذا تسبب الكشف عن الهوية في أعمال عنف أو ضرب وجرح على احد هؤلاء الأشخاص أو أزواجهم أو أبنائهم أو أصولهم المباشرين فتكون العقوبة الحبس من خمس (5) إلى عشر سنوات (5) والغرامة من 200.000 دج إلى 500.000 دج.
وإذا تسبب هذا الكشف في وفاة احد هؤلاء الأشخاص فتكون العقوبة الحبس من عشر (10) سنوات إلى عشرين (20) سنة والغرامة من 500.000 دج إلى 10000.00 دج دون الإخلال، عند الاقتضاء بتطبيق أحكام الفصل الأول من الباب الثاني من الكتاب الثالث من قانون العقوبات.).
كما يجوز للقاضي الذي اصدر الإذن بالتسرب، أن يأمر بوقف عملية التسرب أو بتمديد العملية لمدة أربعة أشهر، حفاظا على امن ضابط الشرطة المتسرب، حيث نصت المادة (65) مكرر 17 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على أن (إذا تقرر وقف العملية أو عند انقضاء المهلة المحددة في رخصة التسرب، وفي حالة عدم تمديدها، يمكن العون المتسرب مواصلة النشاطات المذكورة في المادة في المادة (65) مكرر14 أعلاه للوقت الضروري الكافي لتوقيف عمليات المراقبة في ظروف تضمن أمنه دون أن يكون مسؤولا جزائيا، على إلا يتجاوز ذلك مدة أربعة (4) أشهر.
يخبر القاضي الذي اصدر الرخصة المنصوص عليها في المادة (65) مكرر11،في اقرب الآجال، وإذا انقضت مهلة الأربعة (4) أشهر دون أن يتمكن العون المتسرب من توقيف نشاطه في ظروف آمنة، يمكن هذا القاضي أن يرخص بتمديدها لمدة أربعة(4) أشهر على الأكثر.).
غير أنه وحفاظا على صحة إجراء عملية التسرب، فقد قرر المشرع البطلان لعملية التسرب في حالة تجاوز السلطة مصدرة الإذن بإجراء التسرب أو من طرف ضابط الشرطة القضائية المنفذ للعملية حدودها.
وبطلان عملية التسرب يقع في حالة عدم تضمن الإذن الصادر من السلطة القضائية شرط الكتابة أو شرط التسبيب، فالفقه اشترط أن تكون أسباب ودوافع التسرب مبنية على وقائع جدية وكافية للقول بصحة هذا الإجراء.([16])
أما شرط الكتابة فهو شرط شكلي، ونعتقد انه ضمانة قانونية تمنع إصدار الأوامر الارتجالية دون دراسة وتقييم جدي وكافي للوقائع التي دفعت لقيام عملية التسرب، فالكتابة تعطي لمصدر الإذن وقت للتريث والتفكير الجدي في خطورة هذا الإجراء ومساسه بسلامة منفذ العملية والحريات الخاصة للأشخاص.
الفرع الثالث : إلا تشكل عملية التسرب وسيلة تحريض على ارتكاب جرائم
منع المشرع الجزائي أن يكون استعمال الهوية المستعارة في إطار عملية التسرب من طرف ضابط الشرطة القضائية المنفذ لها، سببا للتحريض على الأفعال الواردة في المادة (65) مكرر 14 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري محل التسرب، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 12على أن (يسمح لضابط أو عون الشرطة القضائية أن يستعمل، لهذا الغرض، هوية مستعارة وان يرتكب عند الضرورة الأفعال المذكورة في المادة (65) مكرر 14 أدناه، ولا يجوز تحت طائلة البطلان، أن تشكل هذه الأفعال تحريضا على ارتكاب جرائم.).
فواضح من نص هذه المادة انه رغم أهمية التسرب في مكافحة جرائم الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية، غير انه لا يمكن أن تكون وسيلة تهديد للحريات الشخصية في حالة التعسف في استعمالها من طرف السلطات القضائية المخول لها تنفيذها.([17])
خاتمة:
يعتبر الإجرام المنظم المعاصر نمط حديث وجسيم لاعتماده على الأسلوب المنظم والمتطور واستخدامه لوسائل تقنية جد متطورة وقد يقتصر نشاطه على حدود الدولة كما قد يزدهر ويتعداه إلى أقاليم أخرى، كما ان مرتكبي هذا الاجرام يستخدمون في الغالب وسائل تقنية متطورة وفي الغالب ما يكونوا منتمين إلى عصابات دولية ويعملون تحت رايتها فإن ذلك جعل من العسر مكافحة الجريمة الحديثة بالقواعد الإجرائية التقليدية لمواجهة كافة الجرائم، ولهذا تحتم أن يكون لمكافحة الجرائم المستحدثة قواعد إجرائية استثنائية وخاصة بالإضافة إلى القواعد العامة.
إن وسائل البحث والتحري الحديثة للأثبات الجنائي والمتمثلة في عمليتي إعتراض المراسلات والتسرب والتي جاء بها المشرع الجزائي الجزائري لها أهمية كبيرة في عملية الردع والمكافحة الفعالة لمختلف أشكال الإجرام المنظم.
وعلى غرار القوانين المقارنة، فان هذه الوسائل الحديثة لاكتشاف خيوط فئة الجرائم الخطيرة الواردة في التشريع الجزائي الجزائري و المتمثلة في جرائم المخدرات، المنظمة العابرة للحدود الوطنية، الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، جرائم تبيض الأموال، الإرهاب، الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف و جرائم الفساد ، فإن هذه الوسائل تعتبر خروجا عن القواعد العامة لما تحمل في طياتها من تدابير استثنائية، ولعل أهمها توسيع صلاحيات رجال الضبطية القضائية وسلطات التحقيق.
كما لم يهمل المشرع الجزائري مسألة حقوق الإنسان في إطار قيام رجال الضبطية القضائية ورجال سلطات التحقيق بتنفيذ هذه الإجراءات الجنائية الاستثنائية حتى لا تخرج هؤلاء عن مبدأ المشروعية.
وكخلاصة لهذه الدراسة نقترح، أن ينص المشرع الجزائي بموجب تشريعاته الإجرائية والعقابية المستقبلية من جهة توضيح إجراء اعتراض المراسلات بشكل جامع ومانع، ومن جهة ثانية تكريس حماية اكبر للحرية الشخصية والحياة الخاصة للمواطنين، وان يأخذ بعين الاعتبار التقدم والتطور العلمي الهائل ومستجدات العصر الحديث وأثرها على الحرية الشخصية والحياة الخاصة للأشخاص.
كما نقترح اعتبار الأدلة المستمدة عن اعتراض المراسلات بمعرفة ضباط الشرطة القضائية كأدلة قاطعة إذا تمت بناءا على إذن من قاضي التحقيق.
قائمة المراجع: تتتبع
أربك هاريمسون، اتفاقية حقوق الإنسان في إطار مجلس أوربا، مجلدات مؤتمر سيرا كوزا، المجلد الثاني، دراسات حول الوثائق العالمية والإقليمية، دار العلم للملاين، بيروت 1989.
محمد الشهاوي، الحماية الجنائية لحرمة الحياة الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة 2005.
د/ مصطفى احمد عبد الجواد جحازي، المسؤولية المدنية للصحافي عن انتهاك حرمة الحياة الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة 2004.
د/ مصطفى احمد عبد الجواد حجازي، المسؤولية المدنية للصحافي عن انتهاك حرمة الحياة الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة 2004.
مأمون سلامة، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، الجزء الأول، دار النهضة العربية، القاهرة 2005.
على عليان أبو زيد، جريمة انتزاع الإقرار والمعلومات في التشريع الأردني دراسة مقارنة مع التشريعين المصري والسوري، رسالة ماجستير، كلية الدراسات القانونية العليا، جامعة عمان العربية للدراسات العليا، الأردن 2006.
حسن الشبلي، الضمانات الدستورية للحرية الشخصية في التفتيش، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1992.
صبري محمد، الاعتقال الإداري بين الحرية الشخصية ومقتضيات النظام العام، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1996.
أمير فرج يوسف، القبض والتفتيش وفقا لقانون الإجراءات الجنائية وأحكام محكمة النقض، مكتبة الوفاء القانونية، الطبعة الأولى، الإسكندرية 2013.
عبد الحكيم ذنون، الحماية الجنائية للحريات الفردية دراسة مقارنة، منشأة المعارف، الإسكندرية 2007.
أحمد حسام طه تمام، الجوانب الإجرائية في الجريمة الإرهابية – دراسة مقارنة بالتشريع الفرنسي، دار النهضة العربية، القاهرة 2007.
مصطفاي عبد القادر، أساليب البحث التحري الخاصة وإجراءاتها، مجلة المحكمة العليا، العدد الثاني 2009.
د/ خالد ممدوح إبراهيم ، فن التحقيق الجنائي في الجرائم الالكترونية، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى، الإسكندرية 2010.
د/ خالد ممدوح إبراهيم، فن التحقيق الجنائي في الجرائم الالكترونية، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى، الإسكندرية 2010.
رواط فاطمة الزهراء، المتابعة الجزائية للجريمة الإرهابية في التشريع الجزائري، مذكرة ماجستير-جامعة الجزائر1، 2012.
د/عوض محمد عوض، المبادئ العامة في قانون الاجراءات الجنائية، منشأة المعارف بالإسكندرية 1997.
قدري عبد الفتاح الشهاوي، الاستخبارات والاستدلالات وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في التشريع المصري، العربي، الأجنبي ، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، القاهرة 2006.
الدستور الجزائري لسنة 1996، المعدل بموجب القانون رقم 16-01، المؤرخ في 06 مارس 2016، يتضمن التعديل الدستوري، ج.ر.رقم 14، السنة الثالثة والخمسون، الصادرة بتاريخ 07 مارس سنة
الأمر رقم 65 – 155، المؤرخ في 8 يونيو سنة 1966، يتضمن قانون الإجراءات الجزائية ج. ر، العدد 48، السنة الثالثة ، المؤرخة في 10 يونيو سنة 1966. المعدل والمتمم.
الأمر رقم 65 – 155، المؤرخ في 8 يونيو سنة 1966، يتضمن قانون العقوبات، ج. ر، العدد 49، السنة الثالثة ، المؤرخة في 11 يونيو سنة 1966. المعدل والمتمم.
القانون رقم 06-01، المؤرخ في 20 فبراير 2006، يتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، المعدل والمتمم، ج. رقم 14، السنة الثانية والأربعون، المؤرخة في 08 مارس سنة 2006.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة لعام 1948.
الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان الصادرة بروما سنة 1950.
([1]) أربك هاريمسون، اتفاقية حقوق الإنسان في إطار مجلس أوربا، مجلدات مؤتمر سيرا كوزا، المجلد الثاني، دراسات حول الوثائق العالمية والإقليمية، دار العلم للملاين، بيروت 1989، ص 46 وما بعدها.
([2]) محمد الشهاوي، الحماية الجنائية لحرمة الحياة الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة 2005، ص 226 وما بعدها.
([3]) د/ مصطفى احمد عبد الجواد جحازي، المسؤولية المدنية للصحافي عن انتهاك حرمة الحياة الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة 2004، ص 32.
([4]) د/ مصطفى احمد عبد الجواد حجازي، المسؤولية المدنية للصحافي عن انتهاك حرمة الحياة الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة 2004، ص 40-41
([5]) مأمون سلامة، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، الجزء الأول، دار النهضة العربية، القاهرة 2005، ص 622-623.
([6]) على عليان أبو زيد، جريمة انتزاع الإقرار والمعلومات في التشريع الأردني دراسة مقارنة مع التشريعين المصري والسوري، رسالة ماجستير، كلية الدراسات القانونية العليا، جامعة عمان العربية للدراسات العليا، الأردن 2006، ص 280. لتفصيل أكثر : حسن الشبلي، الضمانات الدستورية للحرية الشخصية في التفتيش، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1992. صبري محمد، الاعتقال الإداري بين الحرية الشخصية ومقتضيات النظام العام، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1996.
([7]) أمير فرج يوسف، القبض والتفتيش وفقا لقانون الإجراءات الجنائية وأحكام محكمة النقض، مكتبة الوفاء القانونية، الطبعة الأولى، الإسكندرية 2013، ص 218.
([8]) عبد الحكيم ذنون، الحماية الجنائية للحريات الفردية دراسة مقارنة، منشأة المعارف، الإسكندرية 2007، ص 112 وما بعدها.
([9]) أحمد حسام طه تمام، الجوانب الإجرائية في الجريمة الإرهابية – دراسة مقارنة بالتشريع الفرنسي، دار النهضة العربية، القاهرة 2007، ص 77.
([10]) مصطفاي عبد القادر، أساليب البحث التحري الخاصة وإجراءاتها، مجلة المحكمة العليا، العدد الثاني 2009، ص 72.
([11]) د/ خالد ممدوح إبراهيم ، فن التحقيق الجنائي في الجرائم الالكترونية، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى، الإسكندرية 2010، ص 352.
([12]) د/ خالد ممدوح إبراهيم، فن التحقيق الجنائي في الجرائم الالكترونية، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى، الإسكندرية 2010، ص 261.
([13]) تنص المادة (209) من قانون إ.ج.ج على أن (يجوز لغرفة الاتهام دون إخلال بالجزاءات التأديبية التي قد توقع على ضابط الشرطة القضائية من رؤسائه التدرجيين إن توجه إليه ملاحظات أو تقرر إيقافه مؤقتا عن مباشرة أعمال وظيفته كضابط للشرطة القضائية أو بإسقاط تلك الصفة عنه نهائيا.)، وتنص المادة (210) منه على أن (إذا رأت غرفة الاتهام أن ضابط الشرطة القضائية قد ارتكب جريمة من جرائم قانون العقوبات أمرت فضلا عما تقدم بإرسال الملف إلى النائب العام وإذا تعلق الأمر بضابط الشرطة القضائية للأمن العسكري يرفع الأمر إلى وزير الدفاع الوطني لاتخاذ الإجراء اللازم في شانه.)، من هنا يبدو الجزاء التأديبي المتمثل في الفصل المؤقت أو النهائي من الوظيفة لكل ضابط شرطة قضائية تجاوز حدود المراقبة بالاعتراض غير المشروع على المراسلات أكثر جدية وواقعية في احترام الضمانات التأديبية الخاصة بالاعتراض على المراسلات.
([14]) رواط فاطمة الزهراء، المتابعة الجزائية للجريمة الإرهابية في التشريع الجزائري، مذكرة ماجستير-جامعة الجزائر1، 2012، ص 62.
([15]) د/عوض محمد عوض، المبادئ العامة في قانون الاجراءات الجنائية، منشأة المعارف بالإسكندرية 1997، ص 406.
([16]) د/عوض محمد عوض، المرجع السابق، ص 407.
([17]) قدري عبد الفتاح الشهاوي، الاستخبارات والاستدلالات وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في التشريع المصري، العربي، الأجنبي ، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، القاهرة 2006، ص 330 وما بعدها.
الدكتور: داودي منصور
كلية الحقوق والعلوم السياسية
عضو مخبر البحث في تشريعات حماية النظام البيئي