دراسات قانونيةسلايد 1
(دراسة قانونية) الأسهم في نظام الشركات السعودي
ملخص
في هذا البحث تحقيق في الأسهم والشركات المساهمة من حيث هي إطار عقدي مستحدث لعلاقة وحدات العجز بوحدات الفائض. وإذ ترجح معنا القول بمشروعية الشركة المساهمة وأنواع من الأسهم؛ فإننا نلحظ خروج آلية التسهيم في نطاق واسع من تطبيقاتها عن المقاصد والمصالح المعتبرة؛ فبعد أن كان التسهيم آلية لتجهيز حجوم رأس المال الكبيرة صار آلية لتفكيك رأس المال الاجتماعي والمشروعات العامة، وبعد أن كان وسيلة لتمويل الاستثمارات الجديدة، صار محض وسيلة لتداول الأصول الناجزة والمضاربة فيها، بل وأصبح في ظل العولمة آلية كفوءة لتعبئة رؤوس الأموال المحلية وترحيلها إلى الأسواق الدولية في ظل غياب أي إستراتيجية تنموية، وكل ذلك يقتضي ضبط هذه الآلية وربطها بالمقاصد المعتبرة في مجتمع إسلامي.
والورقة تدعو إلى التمسك بموازنة رشيدة بين دور الأسواق المالية، والإدارة الاقتصادية باعتبارها وسيلة لتنفيذ السياسة الشرعية، كما تدعو إلى تمسك الدول المسلمة بموضوعات الاستخلاف الاجتماعي وتحصينها من الخصخصة عبر آليات التسهيم باعتبارها شرائط مادية لأداء الوظائف الاقتصادية والتكاليف الشرعية.
المقدمة
لقد ظل انقسام المجتمع على امتداد التاريخ إلى وحدات عجز تطلب التمويل ووحدات فائض تقدمه، مدعاة لقيام روابط وأطر عقدية بين هذه الوحدات تؤمِّن انتقال الفائض بينهما. وقد مثّل القرض الربوي الإطار الأوسع الذي حكم تداول الفائض في مجتمعات مختلفة، كما هو معروف.
وبالمقابل كان هناك مسعى آخر يرسي علاقة وحدات العجز ووحدات الفائض على أساس المشاركة، التي توحد قاعدة الملكية مع قاعدة المخاطرة محققة بذلك أبرز مزيِّة للمشاركة ترجح بها على العلاقة الدَيْنية فضلاً عن استبرائها من الاستغلال الذي وصم القرض الربوي.
لقد فعّلت المجتمعات الغربية، المشاركة وأطرها المختلفة بعد التحولات الفنية الواسعة في أعقاب الثورة الصناعية التي استدعت مزيداً من رؤوس الأموال تقصر عنها الموارد الذاتية للمشروعات وللمستثمرين.
وإذا كان الفقه الإسلامي في عصور الاجتهاد الأولى قد تحدث عن شركات مختلفة على خلاف بين أعلامه بصدد أحكامها؛ فإن إشكالية هذا البحث تكمن في تقدير صور تلك “الشركات” التي يجزأ رأسمالها إلى حصص متساوية القيمة (أسهم)؛ فنحن إذا بصدد الحديث عن الأسهم، وعن الشركات المساهمة التي تصدرها. على أن الحديث لن يكون منتجاً دون مناقشة آلية التسهيم وحيثياتها ومآلاتها في البلدان النامية، والبلدان الإسلامية منها.
وأحسب أن استنطاق السياسة الشرعية، سيكون له الاعتبار الأهم بعد المرور بالأحكام الفقهية ذات الصلة. والفرضية الأساسية التي يناقشها هذا البحث تتمثل في أن إطلاق آلية التسهيم قد أفضت في جانب كبير من التطبيق، إلى مخالفة المقاصد المعتبرة شرعاً ونظرا، مما يقتضي تقييدها على ضوء ترجيحات السياسة الشرعية دفعا للمفاسد وسداً للذرائع؛ فالبحث يهدف إذاً إلى تجلية الموقف من الأسهم والتسهيم على ضوء المقاصد المعتبرة والمصالح الراجحة، ولإنجاز هذا الهدف؛ فقد توزعت مادة البحث في المحاور الثلاثة الآتية:
أولاً: الشركات المساهمة: مبرراتها ومشروعيتها
حين يعجز المؤسسون لشركة ما عن توفير رأس المال اللازم لتمويل نشاطها، فإن أمامهم طريقين للحصول على الأموال: أولهما الاقتراض من الجمهور عن طريق إصدار سندات المديونية التي تثبت لمن يكتتب بها دَيْناً معلوماً ومضموناً في ذمة الشركة مع الفائدة الربوية التي تستحق على أصل هذا الدين.
أما الطريق الثاني فهو تسهيم رأس مال الشركة أي تجزئته إلى أجزاء متساوية (أسهم) تثبت لمن يكتتب بها حصة شائعة معلومة في المشروع المنوي إقامته، وهذه الحصة تؤهل الشريك للربح حال تحققه، كما أنها ترتب عليه تحمل الخسارة عند حدوثها.
وقد يكون مناسباً أن نميز ابتداءً بين السهم بالمعنى المتقدم كمركز قانوني وعقدي للشريك إزاء الشركة، وبين السهم كورقة توثيقية تثبت هذا المركز وتكتسب صفتها المالية منه.
على أننا لا ينبغي أن نقصر مبرر وجود الشركات المساهمة على حاجة وحدات العجز إلى التمويل؛ ففي الطرف الآخر هناك وحدات الفائض التي لا تستطيع، أو لا تريد أن تستقل باستثمار أموالها بنفسها، فتسعى للانضمام إلى الشركات المساهمة على أساس مبدأ المشاركة، إما لأنها لا تجد فرصة الإقراض المناسبة لانخفاض سعر الفائدة، أو لأنها لا تحبذ شراء السندات أصلاً لاعتبارات مختلفة. إن الأهمية الكبرى للشركات المساهمـة والتي بررت نشأتها وذيوعهـا تتجلى في الآتي([1]):
1- ضخامة رأس المال الذي تستطيع هذه الشركات تعبئته للنشاط الاقتصادي قياساً بما تستطيعه الشركات الأخرى.
2- العمر المفتوح للشركة والذي يتجاوز آماد أعمار المشاركين فيها، وبذلك تكون أطول عمراً وأكثر خلوداً من غيرها.
3- المرونة العالية في إجراءاتها سواء من حيث آلية الاكتتاب بأسهمها، أو بتداول هذه الأسهم في الأسواق المالية بالقيد، أو التظهير أو التسليم. وتتحقق المرونة العالية أيضاً في إدارة نشاط هذه الشركات؛ إذ تعهد بها إلى مجالس إدارة تنوب عن المشاركين.
4- ولعل المزية الكبرى لهذه الشركات تتمثل في أنها مكنت من تعميم مبدأ المشاركة في تحمل المخاطرة على نطاق واسع، وما يمثله ذلك من توحيد لقاعدة الملكية مع قاعدة الاستثمار.
وقد تبلورت صور الشركات التي تطرح أسهمها للجمهور في الشركات المساهمة، وشركات التوصية بالأسهم، وشركات تلقي الأموال، وفيما يلي تعريف وجيز بهذه الشركات وبتقديرها.
الشركات المساهمة:
تعّرف الشركة المساهمة بأنها الشركة التي يقسـم رأسمالها إلى أسهم متساوية القيمة وقابلة للتداول، ولا يكون الشريك المساهم فيها مسؤولاً عن ديونها إلا في حدود الأسهم التي يملكها، ولا تنسب هذه الشركة إلى أي من الشركاء فيها، إنما تشتق اسمها من النشاط الذي تزاوله([2]).
وقد استحسن المرزوقي في تعريف هذه الشركة النص على ماهيتها وهدفها كونها: “… عقد على مال بقصد الربح مقسوم إلى أسهم متساوية القيمة قابلة للتداول…”([3]). ولعل أهم ما يميز الشركات المساهمة بعد ذلك هو ما يلي([4]):
1- استقلال شخصيتها المعنوية والقانونية، واكتسابها أهلية التعاقد بعيداً عن الاعتبارات الشخصية ذات الصلة بالمساهمين.
2- المسؤولية المحدودة للشركاء في حدود قيمة ما يملكونه من أسهم، دون أن تتعدى تبعات الشركة إلى أشخاصهم أو أموالهم.
طبيعة الشركة المساهمة:
وللطبيعة الخاصة للشركة المساهمة، فقد تردد البعض في قبول توصيف هذه المشروعات الاستثمارية على أنها شركات، فقد لاحظ عيسى عبده أن ما درج الناس على تسميته شركة مساهمة هو منظمة تختلف ماهيتها عن ماهية الشركة، فهي من وجهة نظره: “منظمة مالية يلتحق بها من يشاء بإرادته المنفردة حين يكتتب في الأسهم، أو حين يشتريها من سوق الأوراق المالية، فيكون مساهماً، ومن حقه أيضاً أن يبيع الأسهم بإرادته المنفردة فيخرج من جماعة المساهمين بغير إذنهم بل بغير علمهم، وما هكذا الشركات”([5])!.
وينتصر سراج لهذا التوجيه مبرزاً وجوه الاختلاف بين الشركة Partnership، والمنظمة المالية Company التي تنعت بالشركة المساهمة، سواء من حيث حجوم الاستثمار وأعداد المساهمين أو من حيث إجراءات التأسيس وحقوق المشاركين وأسلوب الإدارة([6]).
وأياً يكـن الأمر فقد بات معروفاً أن ما يربـط المساهمين ببعضهم على نحو غير مباشر، هو اشتراكهم في رأسمال الشركة واجتناؤهم أرباحها بنسبة ما يملكون من أسهم. ويتحقق انضمام المساهمين إلى الشركة تحت التأسيس من خلال عملية الاكتتاب، وهو إجراء يحدد بموجبه المساهم عدد الأسهم التي يشترك بها، ولا يصح أن يسمى ذلك الإجراء شراءً للأسهم، لأن الشركة لم تنجز، وذمتها المالية لم تتكون بعد، بينما يصح ذلك في عملية تداول أسهم الشركات القائمة؛ لأنها تمثل حصصا شائعة معلومة في المشروع.
وبصدد تكييف عملية الاكتتاب هذه لاحظ عبده كما تقدم أنها تصرف قانوني بإرادة منفردة يحرز بموجبه المساهم انضمامه للمنظمة المالية محل البحث، وهذا ما قرره أيضاً النبهاني بقوله: “عرف الرأسماليون الشركة المساهمة بأنها عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهما في مشروع مالي بتقديم حصة من مال لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة، ومن هذا التعريف، ومن واقع تأسيس الشركة…، يتبين أنها ليست عقداً… وأن الالتزام فيها ضرب من ضروب التصرف بالإرادة المنفردة”([7]).
وعلى خلاف ذلك لاحظ آخرون، وهو الاتجاه الأظهر في الدراسات الشرعية والقانونية، أن الاكتتاب يمثل قبول المساهم بالإيجاب الموجه إلى الملأ من قبل الشركة تحت التأسيس، فمن حيث هو كذلك، فهو عقد([8]) يعبر عن توافق إرادة المكتتب مع إرادة المؤسسين، بل ومع نظرائه من المكتتبين الآخرين. والأصل في الاكتتاب أنه فعل يدل على الرضا، “والعقود تنعقد بكل ما دل على مقصودهاً من قول أو فعل…”([9]).
وبالنسبة لرأسمال الشركة المساهمة، فإنه يتكون من مساهمات المكتتبيـن النقدية، وهذا هو الأصـل. ويمكن أن تضم إليها حصصاً عينية بعد تقويمها نقدا على نحو متسق مع قيمة الأسهم وعلى نحو لا يثير إشكالات محاسبية أو حقوقية.
وتدار الشركة المساهمة من قبل مجلس الإدارة الذي يتوكل عن عموم المساهمين في توجيه النشاط الاقتصادي للشركة بما يؤمِّن تحقيقها الأرباح المرجوة منها. أما محاسبة الأرباح والخسائر في الشركة المساهمة فتجري على أساس الوحدة التمويلية (السهم).
وتنقضي([10]) الشركة المساهمة بأحد الأسباب التالية: ببلوغ الأجل المسمى لها إن كان هذا مقرراً في عقدها، أو بتحقق الغرض الذي أسست من أجله أو باستحالة ذلك، أو بأيلولة أسهم الشركة إلى مساهم واحد أو عدد من المساهمين أقل مما حدده القانون، أو بهلاك رأسمالها أو تأميمها أو باندماجها في شركة أخرى أو بحلها بحكم قضائي، أو باتفاق الشركاء على ذلك.
مشروعية الشركات المساهمة:
لتقدير الشركات المساهمة لا بد من ملاحظة ما يلي:
1- مبدأ طلاقة المعاملات، إذْ الأصل فيها الإباحة على خلاف العبادات، قال ابن تيمية: “الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصاً أو قياساً…”([11]).
وبناءً على هذا الأصل أجاز قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم 65/1/7 بشأن الأسواق المالية، تأسيس الشركات المساهمة مشترطا مشروعية أنشطتها، وقد تبنى الموقف ذاته القرار الرابع لمجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة بمكة المكرمة 1415ه.
2- وجوب التراضي في دائرة الإباحة الشرعية، وهو جوهر العقود الإسلامية وركنها الركين، فالشرط الضروري لكل العقود الإسلامية هو انعقادها في دائرة الإباحة. أما الشرط الكافي فهو تحقق الرضا؛ فإذا استكمل العقد هذين الشرطين اكتسب المشروعية.
3- إن أنواع الشركات التي تحدث عنها الفقهاء في عصور الاجتهاد – ورسومها محل خلاف عندهم– لا يفترض فيها أن تكون مستوعبة لكل صور العقود والمشاركات الحادثة، ولا ينبغي أن تصادر أهلية فقهاء العصر في الاجتهاد.
4- إن فقه المعاملات يؤكد مبدأ التقابل والتوازن بين الحقوق والالتزامات إذ “الخراج بالضمان”، و”الغرم بالغنم”، وهذه من القواعد الفقهية الأصيلة([12]).
5- إن هذا الفقه يؤكد في مجال شركة المضاربة أن: “الوضيعة على المال، والربح على ما اصطلحوا (اتفقوا) عليه”([13]).
6- إن الشركات المساهمة تقوم على فكرة المسؤولية المحدودة، أي اقتصار مسؤولية الشريك على نصيبه في رأس مال الشركة، وعدم تعديها إلى بقية أمواله في حال الخسارة.
وهذا مبدأ اختلف فيه النظر الفقهي المعاصر؛ فقد لاحظ الخياط أن فقه المضاربة يؤصل ذلك؛ فرب مال المضاربة لا يسأل إلا بمقدار ما قدم للشركة من رأس مال، وهو غير مسئول عن ديون الشركة إذا تجاوزت رأس المال الذي قدمه([14]). وهو ما أكده سراج أيضا مسندا إلى فقه المضاربة وفقه العنان بقوله: “… الواقع أن رب المال في المضاربة والشريك في شركة العنان ينعمان بهذا النوع من المسؤولية المحددة بحدود انصبائهما في رأس مال المضاربة أو المشاركة، بحكم أنه لا حق للمضارب أو للشريك في الاستدانة على المضاربة أو الشركة إلا بإذن رب المال أو الشريك الآخر حتى لا يخاطب بفعل غيره”([15]).
إلا أن الاستنتاج المتقدم لم يلق قبولاً عند آخرين؛ فقد أنكر سمير رضوان على الخياط، سلامة الاحتجاج بمعطيات فقه المضاربة للتدليل على المسؤولية المحدودة، وضم رأيه إلى رأي المرزوقي الذي لم يسلم هو الأخر بفكرة المسؤولية المحدودة([16]).
والحق أن الاحتجاج بكون الوضيعة على المال، لتبرير المسؤولية المحدودة للشركة وعدم متابعة المساهمين عن ديونها تجاه الأغيار، أمر لا يسلم؛ لأن هذا الأصل الصحيح يؤطر علاقة طرفي العقد: رب المال والمضارب تجاه بعضهما، أما ما نتكلم عنه فهو علاقة الشركة هذه (الشخصية الاعتبارية للشركة) تجاه المجتمع، وأرى أن القول بمبدأ المسؤولية المحدودة، فيه اعتداء على الهيئة الاجتماعية، وإضاعة لحقوق معتبرة نقلا ونظرا، وليس ذلك من شرع الله في شيء.
7- إن مشروعية الشركات بمختلف أنواعها رهينة بمشروعية أنشطتها، ولا تكفي سلامة إطارها العقدي لتضفي عليها المشروعية إذا قدح في نشاطها قادح. وللفقهاء تفصيل بصدد التعامل مع الشركة التي يطرأ عليها ما يشوب بعض نشاطها بالحرمة؛ فالبعض([17]) يذهب إلى عدم إجازة اقتناء أسهمها والتعامل بها أسوة بالشركات المحرمة من حيث الأصل، في حين ذهب آخرون([18]) إلى إجازة الاشتراك بها، وتداول أسهمها شريطة استبراء المساهم مما يعتقده ربحا ناجما عن نشاط محرم طرأ على نشاط الشركة على خلاف أصلها، كأن تحصل على فوائد من إيداع أموالها في مصارف ربوية، فإنه يتعين التخلص من العائد الذي يغلب على الظن أنه يعزى إلى الفعل المحرم، بل إنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك، بتبني فتاوى تقضي بمشروعية الإقدام على شراء أسهم الشركات مهما كان غرضها الأصلي، بقصد أسلمة معاملاتها.
8- إن السياسة الشرعية لها بعد كل ما تقدم ما تقوله بصدد إطلاق أنشطة الشركات أو تقييدها للمصلحة التي يقدرها ولي الأمر العدل، وهذا الاعتبار وهو على قدر كبير من الجدية، لم يلق الاهتمام المناسب.
وبعد أخذ ما تقدم بعين الاعتبار يتقرر معنا أن الشركة المساهمة أو المنظمة المساهمة تقع في دائرة الإباحة، وان إخراجها من هذه الدائرة يلزم له دليل يقضي بذلك وهو ما لم ينهض عند البحث والتحري. وفيما يلي بسط ذلك:
لقد اجتهـد المعاصرون([19]) ممن أجاز شركـة المساهمة لتخريج شركة المساهمة على شركة العنان الخالصة أو على شركة العنان والمضاربة معا. أما كونها شركة فلأنه يصدق عليها أنها: اجتماع في استحقاق أو تصرف، كما يعرفها الحنابلة([20]). ولأنها عقد بين المتشاركين في الأصل والربح، أو هي إذن من كل واحد من المتشاركين للآخر في التصرف في مالهما مع بقاء التصرف لأنفسهما، كما يعرّفها المالكية([21]).
وأما كونها عناناً فلأن توصيف شركة العنان في تصورهم ينطبق عليها، قال ابن قدامه في تعريف العنـان: “أن يشترك بدنان بماليهما… ومعناهـا: أن يشترك رجلان بماليهما على أن يعملا فيهما بأبدانهما والربح بينهما. وهي جائزة بالإجماع ذكره ابن المنذر”([22])، قال المرزوقي مؤكدا ومستدركا: “والصحيح من مذهب الحنابلة جواز أن يعمل فيه – مال الشركة – أحدهما، وشركة المساهمة مثلها. فإن قلنا أن مجلس الإدارة يجب أن يكون مساهماً كما هو شرط النظام السعودي، ويأخذ مكافآته نسبة من الربح كانت عناناً ومضاربة”([23]).
ولأن وحدة البناء في الشركة المساهمة هي السهم وليس الشريك، والسهم وحدة (تمويل)، ووحدة تصويت (تصرف)، ووحدة مخاطرة (ضمان)، يفترض المساواة في هذه الاعتبارات ذات الصلة بعقد الشركة المساهمة، وحيث تشترط أحكام الشركة المساهمة توكيلا جزئيا وكفالة جزئية متناسبة لكل سهم تجاه الأسهم الأخرى، فقد بدا لي والله أعلم، القول إن الشركة المساهمة أقرب إلى شركة المفاوضة، لأن الشريك فيها ليس شخص المساهم، ولا مجمل ملكيته من الأسهم، ولا ذمته المالية الإجمالية. وهو رأي قد يستغربه القارئ للوهلة الأولى، بل هو ما استغربه فعلا محكم هذا البحث واستبعده، إذْ إن شركة المفاوضة تشترط، من بين ما تشترطه، المساواة في حصص الشركاء في رأس المال، وواقع الحال أن المساهمين تختلف حصصهم في الغالب، وإبراءً للذمة لزم التنويه.
أما القـول بكون هذه الشركة هي شركة مضاربة فهو أمر ينقضه حقيقة المركز القانوني للمساهم، ففي المضاربة يكون من يملك السهم شريكاً في رأسمال المضاربة فقط، وليس شريكاً في أصل المشروع وكليته، بخلاف المساهم الذي يكون شريكاً ليس في رأسمال المشروع الدائر الخاضع للتنمية فقط، إنما هو يملك حصة شائعة في المشروع كله، وستتضح هذه النقطة على نحو أكبر حينما نتحدث عن شركات تلقي الأموال وصناديق الاستثمار وطبيعة الأسهم التي تطرحها.
وإذاً؛ فشركة المساهمة شكل حادث من أشكال العقود لا يعده البعض شركة، بل منظمة مالية، ولا يهتدي إلى صورةٍ للشركة التي يعتدُّ بها فقهاً، تلحق بها، صرح بذلك عيسى عبده، لكن ذلك لا يعني بالضرورة عدم مشروعية هذه “الشركة” أو “المنظمة” والحكم ببطلانها كما قرر الشيخ النبهاني، الذي أغنى غيره عن نقدها، ونستعرض فيما يلي أبرز ما أثير حول مشروعية الشركة المساهمة وعلى سبيل الإيجاز:
1- نفي صحة العقد، بل ونفي وجوده أصلاً بين المساهمين والهيئة التأسيسية، فضلاً عن وجوده بين المساهمين أنفسهم كشركاء من جهة أخرى، فالمساهم يلتحق بالمنظمة المالية – وهو توصيف عيسى عبده، أو بالشركة الباطلة وهو توصيف النبهاني – بإرادة منفردة([24]) سواء بالاكتتاب بالأسهم الجديدة أو بشراء الأسهم القديمة، ويخرج منها متى شاء وبدون استئذان شركائه أو حتى إعلامهم، وذلك ببيع هذه الأسهم أو نقل ملكيتها بغيره من الأسباب الناقلة الأخرى، ولا إيجاب ولا قبول في آلية الانضمام هذه، ومن ثمَّ فلا مشروعية لهذه الشركة.
ويرد على هذا الاعتراض بأن الاكتتاب بالأسهم هو عقد يتحقق فيه ركن الرضا، غاية ما في الأمر أن الإيجاب وجّه إلى الجمهور ولم يوجّه إلى أحد بعينه، كما تعبر عروض السلع المسعّرة في الأسواق عن إيجاب من أصحابها بشروطهم، وكما تعبر معاطاة شرائها عن قبول المشترين، وليس في ذلك ما يقدح بمشروعية مثل هذا العقد، قال الدسوقي: “… وأما لو عرض سلعته للبيع وقال من أتاني بعشرة فهي له، فأتاه رجل بذلك… فالبيع لازم وليس للبائع منعه”([25]). وترجمةً لهذا الفهم اعتبرت المادة (94) من القانون المدني الأردني عرض السلع وبيان أسعارها إيجاباً من العارضين.
أما إن كان مرد الاعتراض إلى تفرق مجلس الإيجاب ومجلس القبول، فهذا ما لا يشترط في العقود التي تبرم عن بعد، وحيث يكون الإيجاب مفتوحاً لمدة زمنية مسماة([26]).
وأما إن كان السبب في الاعتراض غياب الصيغة اللفظية والاستعاضة عنها بالكتابة أو بالتوقيع، فهذا أمر عرفي حكم فيه الفقهـاء وأهل القانـون بالإجازة([27])، بل الذي أراه والله أعلم، أن الكتابة أصلح من الصيغة اللفظية لأنها تضم إلى التصريح المنضبط بالإيجاب أو بالقبول، تضم إليه توثيق ذلك، والتوثيق قصد معتبر شرعاً كما ثبت في آية الدين، فيكون انعقاد العقد كتابة وتوقيعاً أكمل وأصلح؛ لأنه أبعد عن المنازعة والاختلاف وهي مقاصد رعاها الشرع.
2- إن الشخصية المعنوية للشركة المساهمة تستقل بكل التصرفات العقدية والقانونية وتختفي فيها شخصية الشركاء، والشركات الإسلامية تشترط صدور التصرفات عن الشركاء، وتشترط وجود البدن الذي ينمي المال، وشركة المساهمة لا يوجد فيها بدن مطلقاً… وعلى ذلك تكون التصرفات التي تحصل من الشركة بوصفها شخصية معنوية، باطلة شرعاً([28]).
ويرد على هذا القول بالجزم حقاً باستقلال شخصية الشركة واستقلال ذمتها المالية كذلك، لكن شركـة الأموال هذه تعهد إلى مجلـس إدارة من المساهمين، أو من غيرهم ليديرها وينمي المال ويثمّره؛ فالمساهم يشترك كما تقدم بوحدة تمويلية ووحدة تصويتيـة ووحدة مخاطرة هي السهـم، والشخصية الاعتبارية تتكون من مجمل هذا كله، وليس في الفقه الإسلامي ما ينكر اعتبار الشخصية المعنوية، أو يجحد صحة تصرفاتها، كما يتضح من أحكام الوقف وتصرف ناظره وبيت المال وتصرف القيم عليه([29]).
3- لاحظ النبهاني أيضاً أن عقد شركة المساهمة خالٍ من الاتفاق على القيام بعمل مالي بقصد الربح، وهو أمر مبطل للعقد([30]). ويرد على هذا بأن استهداف الشركة تحقيق الربح لا يكون إلا بعمل، وهو أمر مدرك عقلاً وعرفاً وعدم النص عليه لا يعني عدم وجوده، فضلاً عن أن البعض يصرح به عند تعريف الشركة المساهمة.
4- كما اشترط النبهاني أيضاً صدور التصرفات من الشركاء، وجحد صحة تصرف مجلس إدارة الشركة، لاعتقاده أن الشريك متعين بذاته، وليس له أن يوكل أحداً بأعمال الشركة، ولا أن يستأجر أحداً على تنفيذها، وأن مجلس الإدارة وكيل عن أموال المساهمين لا عن أشخاصهم([31]).
وفي سياق الرد على هذا الاشتراط لاحظ فياض([32]) إن الشركة عند الفقهاء تنطوي دائماً على الوكالة وقد تضم إليها الكفالة، كما فصّل الحصفكي في الدر المختار، وقررته المجلة: “وهي… إما مفاوضة إن تضمنت وكالة وكفالة… وإما عنان إن تضمنت وكالة فقط…”([33]). وجاء في بلغة السالك: “… إنما تصح ممن كان متأهلاً لأن يوكل غيره ويتوكل لغيره؛ لأن العاقدين للشركة كل منهما وكيل عن صاحبه”([34]). وجاء في مغني المحتاج: “… ويشترط فيها لفظ يدل الإذن بالتصرف (أي من كل منها للآخر)”([35]).
أما البهوتي فقد تخفف من هذا الشرط: “ويغني لفظ الشركة عن إذن صريح من كل منهما للآخر في التصرف لتضمنها(الشركة) للوكالة. وينفذ تصرف كل واحد منهما أي الشريكين في جميع المالين بحكم الملك في نصيبه وبحكم الوكالة في نصيب شريكه”([36]).
وإذاً فلا وجه لقبول الرأي الذي يلزم الشريك بالعمل بنفسه، ويحجر عليه التوكيل أو الاستئجار للقيام بأنشطة الشركة، بل إن عقد الشركة لا يقع ابتداءً على ذات الشريك، إنما على الوحدة التمويلية التي يسهم بها، وما تمثله له من نصيب في التصرف من خلال التصويت ومن تحمل للمخاطرة بحدودها.
5- والفهم المتقدم للسهم في الشركة المساهمة، يردُّ به أيضاً على القول بانقطاع الشركة بموت المساهم أو جنونه، وعدم مشروعية الشركة التي لا تنقطع بهما، لأن تعـدد الشركاء وعدم “شخصية” الشريـك، يتيح استمرارها مع موت البعض أو جنونه أو خروجه من الشركة ببيع أسهمه. بل إن بعض الفقهاء نصوا على جواز حلول الوارث غير الرشيد محل مورثه إذا كان في ذلك مصلحة([37]).
6- ولعل المسؤولية المحدودة للشركة المساهمة، وهي أكثر ما يفعّل الشركة المساهمة ويجند لها الأموال، هي بذات الوقت المدخل الذي ترد منه أكثر الاعتراضات وجاهةً على الشركات المساهمة، بسبب عدم التناسب بين الربح غير المحدود الذي يتأهل حامل السهم له، وبين مسؤوليته المحدودة (بحدود قيمة الأسهم التي يملكها). وهو أمر فيه تناشز واضح؛ فالمبدأ القاضي بالتقابل بين الغنم والغرم قائم حقا، لكن سقف الغنم مفتوح (لا حدود للربح الذي يتأهل له حامل السهم)، بينما قاع الغرم (حدود الخسارة القصوى) تنتهي عند قيمة السهم ولا تتجاوزه.
وفي سياق الانتصار لفكرة المسؤولية المحدودة، عرض سراج لتجربة إحدى الولايات الأمريكية التي رأت أن تلغي مبدأ “المسؤولية المحدودة” للمساهمين، وتطلق تبعات الشركة في أموالهم الخاصة، لكنّ ذلك أدى إلى انسحاب الشركاء وتراجع النشاط الاقتصادي، مما حدا بها إلى العدول عن هذه التجربة([38])، وقد تقدم معنا القول بصدد هذا المبدأ.
7- إن أهم ما تنبغي ملاحظته عند الحكم على مبنى الشركات المساهمة، هو قيامها في مبناها على أصلين أصيلين في فقه المعاملات هما: التراضي وهو جوهر فكرة العقد وركنه الركين، والتقابل المتكافئ بين الغرم بالغنم، وهو قاعدة فقهية أصلية، وهذا يكفي والله أعلم، لاكتسابها المشروعية.
8- على أن مشروعية شركة المساهمة رهينة – بعد تصحيح مبنـاها– بنشاطها الذي ينبغي أن يـكون مشروعاً باجتناب المحرمات إنتاجاً واتجّاراً، وباجتناب التعامل الربوي وغيره من أسباب مؤاكلة المال بالباطل، مما سيرد التنبيه عليه عند تقدير الأسهم.
9- إن للسياسة الشرعية ما يمكن أن تقوله بصدد تقييد المباحات أو ضبطها بضوابط تنظيمية، للمصلحة الراجحة دفعا للمفاسد المتيقنة وسداً للذرائع، ولو كانت هذه العقود والمعاملات صحيحة المبنى سليمة النشاط، ذلك أن المصلحة العامة لا تتطابق بالضرورة مع المصالح الخاصة، وهي مقدمة عليها عند التعارض.
شركة التوصية بالأسهم وتقديرها:
شركة التوصية بالأسهم شركة مساهمة من حيث الأصل، إلا أن طائفة من المساهمين تكون مستعدة بالتضامن بين أفرادها لتحمل ديون الشركة تجاه الدائنين، في حين تقتصر مسؤولية المساهمين الآخرين على قيمة مساهماتهم. ولأجل هذا البعد الشخصي فيها، فإن شركة التوصية يشترط أن يكون لها عنوان يتألف من أسماء الشركاء المتضامنين (أو أحدهم على الأقل)، الذين ارتضوا لأنفسهم كفالة ديون الشركة واختصوا بإدارتها، وبذلك ضمّوا إلى توكلهم عن بقيـة المساهمين، كفالة ديون الشركة بأملاكهم الخاصة([39]).
أما حال المساهمين العاديين في شركة التوصية بالأسهم فهو حال المساهمين في شركة المساهمة العادية من حيث محدودية مسؤولياتهم عن تبعات الشركة بحدود قيمة أسهمهم فقط.
وقد رجّح([40]) فياض صحة هذه الشركة مستنداً إلى تصحيح كثير من الفقهاء الكفالة أو ضمان المجهول، وضمان ما لم يجب، وهو قول أبي حنيفة ومالك، صرّح به الحصفكي([41])وابن عبد البر([42]).
والذي أراه والله أعلم أن هذا الضمان الذي تلتزم به طائفة من المساهمين يخل بمبدأ التماثل بين الأسهم، ويجعل طائفة منهم تنوء بتبعات الشركة تجاه الغير، وهذا أمر لا يسنده نظر ويصعب تخريجه على ما قرره الأئمة الأعلام بصدد ضمان المجهول، والتبرع بضمان ما لم يجب؛ فالتبرع في مثل هذه الحالة يصبح من مفردات العقد ولا يعود تبرعاً، فضلاً عن أن الاعتراض يطال أصل اختصاصهم بالضمان لا مجرد كونه مجهولاً.
شركة تلقي الأموال وتقديرها:
أما المظهر الثالث للتسهيم فيتمثل في أسهم شركات تلقي الأموال لأجل استثمارها([43]). وفيما صار يعرف بصناديق الاستثمار الإسلامية([44])، وفي هذه الشركات نلحظ علاقة عقدية بين المساهمين حملة أسهم الشركة التي تمثل أجزاء شائعة من الشركة بحسب نسبة السهم إلى قيمة الشركة، فهي بهذا المعنى شركة مساهمة ينطبق عليها الحديث المتقدم عن شركة المساهمة.
أما العلاقة العقدية الثانية فتتمثل بتلقي هذه الشركة المساهمة الأموال من الجمهور لأجل استثمارها، وذلك عن طريق اكتتابهم بصكوك الاستثمار، أو الأسهم الاستثمارية التي لا تعدو أن تكون في تكييفها العقدي أجزاء من رأسمال المضاربة([45]) لا تخول مالكها حقاً في امتلاك حصة في الشركة، ولا تعطيه حقاً في إدارتها، فمالك السهم هو رب مال مضاربة بحسب نسبة قيمة سهمه إلى مجمل رأسمال المضاربة.
وإذا انضبطت هذه العلاقة العقدية بأحكام القراض أو المضاربة، فلا غبار على مشروعيتها كما هو مقتضى القرار رقم (5) د4/08/88 لمجمع الفقه الإسلامي بجده في دورته الرابعة عام 1988م، الذي عرّف سندات المقارضة بأنها: “أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية رأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة، ومسجلة بأسماء أصحابها بوصفهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه (موضوعات الاتجّار)… مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة”.
وإذاً فالشركة بهذا المعنى شركة صحيحة من حيث إطارها العقدي، ومثل ما يقال عن صكوك هذه الشركـة يقال عن صكوك المضاربة التي تصـدرها المصارف الإسلامية.
ثانياً: الأسهم، صورها وأحكامها
السهم عموماً هو الحصة أو النصيـب، جاء في الحديث: “… قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهما”([46])، والسهم تحديداً هو حصة شائعة يملكها المساهم في محل الشركة، تمثل الحد الأدنى للمشاركة على الأقل نظريا؛ فهي غير قابلة للانقسام، وتوثق ملكية المساهم لها – لهذه الحصة– بوثائق متساوية القيمة، وقابلة للتداول في الأسواق المالية.
وتختلف الأسهم وتتنوع بحسب الأساس المعتمد في تصنيفها، وعلى العموم يمكننا أن نرصد في هذا السياق ما يلي:
1- أسهم نقدية وأسهم عينية:
سبقت الإشارة إلى أن العنصر الأساسي في الشركات المساهمة هو قسمة رأسمالها إلى أجزاء متساوية القيمة وقابلة للتداول. والأصل في ذلك أن تكون هذه الأسهم نقدية، لأن النقد هو وحدة التحاسب وقياس القيم، وهو رأسمال الشركات الذي نص عليه الفقهاء في الشركات المختلفة.
لكن ذلك لا يمنع أن تكون حصص بعض المساهمين المقدمة للشركة حصصاً عينية، شريطة أن تقوّم بالنقد الذي عرفّت به الأسهم، وأن تكون هذه الحصص مساوية لقيمة السهم أو مضاعفاته حتى تسهل محاسبة الأرباح؛ فاختيار البحث هو جواز المشاركة بالعروض لانعقاد الشركة بقيمتها يوم العقد لا بعينها، وهذا هو صريح مذهب مالك([47]). يسند ذلك ما اشتهر في محاسبة الزكاة من اعتبار القيمة، سيما في زكاة العروض، وهو توجيه سيدنا عمر t: “قوِّمها… ثم أدِّ زكاتها”([48]).
2- أسهم اسمية وأسهم لحاملها وأسهم إذنية:
الأسهم الاسمية هي تلك التي يثبت فيها اسم حائزها، كما يدرج السهم ورقمه المتسلسل في دفاتر الشركة، ويسجل التغير الذي يطرأ على ملكيته تباعاً. أما الأسهم لحاملها فلا يلزم فيها ذكر المالك وتكفي حيازتها لإثبات عائديتها.
أما الأسهم الإذنية فهي تقيد ابتداء باسم المكتتب، ولكن يكفي لتداولها مجرد التظهير، أي تأشير التخلي عن ملكيتها بتوقيع المالك دون الحاجة إلى القيد في السجلات.
ولا تواجه الأسهم الاسمية والإذنية من حيث هي كذلك، موانع شرعية لموثوقيتها ولانتفاء الجهالة بمالكها، وهي محاذير تواجهها الأسهم لحاملها، إذ قد تتعرض للغصب أو السرقة، وقد تصير إلى فاقد الأهلية الذي لا يُجاز دخوله في الشركات إلا من خلال وليه أو وصيه، ومن هنا لم يجز البعض إصدار الأسهم لحاملها ومنهم الخياط والمرزوقي([49]) في حين رأى مجمع الفقه الإسلامي أن شهادة السهم هي وثيقة لإثبات الاستحقاق، ولا مانع من إصداره بهذه الطريقة([50]).
3- أسهم عادية وأسهم ممتازة:
الأصل في الشركات المساهمة صدور أسهمها متجانسة ومتماثلة من حيث المغانم والمغارم، ومثل هذا النوع من الأسهم يسمى بالأسهم العادية. إلا أن بعض الشركات تصدر مع الأسهم العادية أسهماً ممتازة تثبت لمالكها مزية تفضل بها الأسهم العادية، مثل ضمان أصل السهم في حال الخسارة، أو إيثاره بالأولوية عند توزيع الربح، أو ترجيح صوته في اجتماعات الجمعية العامة، أو إنها تعطيه الأولوية عند التصفية.
وواضح أن مثل هذه المعاملة التمييزية تخِّل بأحكام الشركة في الإسلام التي تقوم على أساس التقابل بين الغنم والغرم، وعلى مبدأ المغانم المتساوية لمغارم متساوية، ولما تنطوي عليه من ربا. لذا لا يجوز بحال إصدار الأسهم الممتازة([51])، وكل ما له أثرها مثل ما يسمى بحصص التأسيس، وهي أسهم تصدر بغير قيمة اسمية وتمنح أربابها من المؤسسين نصيباً في أرباح الشركة مقابل خدماتهم المقدمة للشركة دون أن تكون هي جزء من رأسمال الشركة ومثلها حصص الأرباح التي تعطى لغير المؤسسين، وهي كذلك باطلة شرعاً ولا يمكن تخريجها لا على أحكام الشركة ولا على أحكام الإجارة أو الجعالة([52]).
4- أسهم رأس المال وأسهم التمتع:
يقصد بسهم رأس المال السهم الذي يدوم بدوام الشركة ولا يسترد المساهم قيمته إلا بتصفيتها، وهذا هو الأصل في أسهم الشركات المساهمة، إلا أن الشركة وبهدف الحصول على تمويل إضافي، أو تجاوز مصاعب مالية قد تلجأ إلى إصدار أسهم تمتع تُسترد قيمتها أثناء حياة الشركة، مع شرط ضمني يقضي بعدم انقطاع صلة حائزها بالشركة.
ووجود مثل هذه الأسهم يخلُّ بالشركة، فهو بكل تأكيد ليس سهما عاديا من حيث المعاملة التمييزية التي يحظى بها، فضلاً عن أن استرداد قيمة السهم ينزع المشروعية عن استمرار مشاركة صاحبه في الشركة واستحقاقه لأرباحها الموزعة، لذا لا يجوز إصدار أسهم التمتع للامتياز الذي يكون لمالكها على حساب حقوق بقية الشركاء.
أما إذا أرادت الشركة أن تردّ أو تطفئ قيمة الأسهم جزئيا قبل انقضائها، فيصح منها ذلك إذا كان الإطفاء يشمل كل الأسهم، وبنسبة واحدة حتى يظل مبدأ التسوية قائما، ولا يجوز إطفاء قيمة بعض الأسهم تحكميا أو بطريق القرعة، لأن في ذلك ميزة لأصحاب تلك الأسهم يُحرم منها بقية المساهمين([53]).
وتنبغي الإشارة هنا إلى أن النبهاني وعبده لم يجيزا الأسهم أصلا تعلية على موقفهما من الشركات المساهمة، في حين نص جمهور المعاصرين على جوازها، ومنهم شلتوت ومحمد موسى وأبو زهرة وخلاف وعبد الرحمن حسن والخالصي والجمال، وقد فصّل الخياط وأصّل لمشروعية الأسهم مبينا رأي الشرع في أنواعها بعد أن رجّح مشروعية الشركة المساهمة إلا إذا انعقدت على القيام بعمل محرم([54]).
تداول الأسهم:
يقصد بتداول الأسهم توالي (تعاقب) بيعها في سوق الأوراق المالية، وحيث أن السهم حصة شائعة معلومة في الشركة، تُرتِّب لمالكها حقا في الربح، وتوجب عليه الخسارة بحسب نسبة هذه الحصة إلى مجموع قيم الأسهم، وحيث أن الشركة المساهمة بطبيعتها لم تقم على أساس العنصر الشخصي في المساهم، إنما قامت على أساس وحدة مالية يتقدم بها هي السهم، لذا فالأصل أن لا مانع من إعادة بيع هذه الأسهم بما تمثله من حصص في سوق الأوراق المالية، وما يعنيه ذلك من حلول المشتري في المركز القانوني للبائع بكل ما يرتبه هذا المركز من مغانم أو مغارم.
وبهذا المعنى جاء القرار الأول لمجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي حول سوق الأوراق المالية والبضائع مؤكدا هذا الأصل: “إن العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات، حين تكون تلك الأسهم في ملك البائع جائزة شرعاً، ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها محرم شرعاً…”، إذ من المقرر فقها، جواز بيع حصة الشريك لشريكه، أو لغير شريكه إذا أمن الضرر، كما تقرر جواز بيع المشاع إذا تم تحديده تحديدا نافيا للغرر والجهالة([55])؛ والسهم كذلك: حصة شائعة معلومة منسوبة إلى رأس مال معلوم.
وجواز تداول الأسهم مقيد هو الآخر، بمشروعية(*) النشاط الذي تمارسه الشركة التي أصدرتها أولا، ثم هو مقيد بمراعاة أحكام الصرف إذا كان رأس المال لم يزل نقدا، ومقيد بمراعاة أحكام الدين إذا كان رأس مال الشركة ديوناً([56]). أما إذا كان خليطا فالحكم للغالب، ويغتفر في التابع مالا يغتفر في الأصل كما هو مقرر فقها(*).
وإذا كان جواز تداول الأسهم هو الأصل، فإن تقييد ذلك يخضع للسياسة الشرعية، وما تراه محققا للمصلحة خاصة في أوقات الأزمات، إذ إن تسهيم رأسمال الشركة لا يشترط بالضرورة وجوب إجازة التداول، أو على الأقل لا يشترط إطلاق هذه الإجازة، لا من الناحية الشرعية، ولا من الناحية الاقتصادية، وهذا يجعلنا أكثر تقبلا لفكرة تقييد هذه الإجازة خاصة في حال حدوث الأزمات في أسواق المال.
ولعل أقوى ما يدفع بهذا الاتجاه هو أن نية المتعاملين في الأسواق المالية قد تحولت من نية تملك حصص في الشركة للحصول على ما توزعه من أرباح، إلى محض نية الاتجّار بهذه الأسهم والارتباح من تداولها، كما هو واضح في صناديق الاستثمار وأهدافها المعلنة، ولنا في أحكام الصرف ما ينصر هذا التوجه إذ إنها قيدت الصرف وضيقته باشتراطات أثبتتها السُنّة تقضي بوجوب التقابض مطلقا ووجوب التماثل قدرا عند اتحاد الجنس، لئلا تتخذ النقود متّجرا فيفسد أمر الناس ويقع الخلف والتظالم، وهذه مقاصد جديرة بالعناية.
ومن ناحية أخرى، خلص تاج الدين([57]) في نموذجه المقترح لسوق إسلامي للأسهم، أن السهم: محل العقد، ليس سلعة عادية، يحسن عموم المتعاملين التعرف عليها، مما يقتضي وجود ضوابط تعالج الغرر والجهالة المتعلقة بتداولها، وإن الحد الأدنى من التقييد الذي لابد منه لسوق الأسهم الإسلامي، يقضي باعتماد بديل سد الذرائع؛ وذلك بتسعير الأسهم من قبل خبراء محايدين على ضوء أداء الشركات، أو اعتماد بديل النصيحة الفنية، من خلال خدمة استشارية مجانية يقدمها جهاز مختص لجمهور المتعاملين، وهذا يعزز فكرة المراقبة الواعية لسوق الأسهم والقوامة الراشدة عليها من قبل السياسة الشرعية.
قيم الأسهم:
يميز عملياً بين قيم مختلفة([58]) للسهم الواحد وكما يلي:
1- القيمة الاسمية التي تثبت على ذات الصك ويعّرف بها السهم عند التأسيس، ويتعين على المساهم دفعها؛ لأنها حصته من رأسمال الشركة الذي يتكون من مجموع قيم هذه الأسهم.
2- قيمة الإصدار، والأصل في الأسهم أن تصدر بالقيمة الاسمية، إلا أن الشركة قد تضيف إلى القيمة الاسمية مصاريف الإصدار والدعاية حتى تستبقي القيمة الصافية المحصّلة مساوية للقيمة الاسمية.
وإذا رغبت الشركة في إصدار أسهم جديدة فينبغي عليها أن تلتزم بمبدأ عدم الإخلال بتجانس القيم الاسمية للأسهم القديمة والجديدة، إذ يشترط لصحة هذه العملية صيانة التماثل، فلا ينبغي أن تقل بحال من الأحوال قيمة الإصدار عن القيمة الاسمية؛ لان في ذلك مضّارة للمساهمين الأصليين، ويمكن أن تصدر الأسهم الجديدة بقيمة إصدار أعلى إذا كان أداء الشركة مربحا، وعندئذ يتعين أن يوجه ما زاد من قيمة الإصدار هذه إلى حساب الاحتياطي الذي يعزز المركز المالي للشركة ككل، ويستفيد منه المساهمون: القدامى منهم والجدد على نحو متساوٍ.
3- القيمة الحقيقية وهي نصيب السهم من صافي قيمة أصول الشركة وموجوداتها بعد خصم ديونها، والذي يحدد هذه القيمة هو الأداء المالي للشركة.
4- القيمة السوقية وهي عبارة عن سعر السهم كما تحدده قوى العرض والطلب وظروف السوق.
ثالثاً: التسهيم وتقدير تطبيقاته
فيما تقدم عرضنا للتسهيم كآلية لحشد الموارد المالية اللازمة للاستثمار، وذلك بتجزئة رأسمال المشروع حتى يسهل على الأفراد الاشتراك بمساهماتهم فيه، ويتحصل من مجموعها رأس المال الذي يتعذر توفيره من شركاء محدودي العدد وبعلاقة عقدية مباشرة بينهم.
وواضح أن التسهيم بهذا المعنى بقدر ما يحل مشكلة نقص رأس المال في وحدات العجز، فإنه يحل مشكلة البحث عن فرص الاستثمار الحقيقي لوحدات الفائض، وبالنتيجة يحقق المكاسب للمجتمع ككل، وقد سبق أن عرضنا لما تنبغي مراعاته في هذه العملية للنأي بها عن دائرة المحظورات الشرعية.
على أن ذلك ليس كل التسهيم الذي نعرفه في أيامنا هذه؛ فالتسهيم المعاصر أصبح يطال موضوعات كثيرة – ستتضح معنا بعد قليل عند الحديث عن أنواع الأسهم أو الصكوك الإسلامية – ومع ذلك فقد ظلت العناصر الرئيسة في هذه الآلية تتلخص في الآتي:
1- تجزئة القيم محل الشركة(*) إلى حصص أو أجزاء متماثلة لا تقبل القسمة تمثل الحد الأدنى للمشاركة على الأقل نظريا.
2- توثيق عائدية هذه القيم عن طريق إصدار وثائق نمطية: أسهم أو صكوك أو سندات، تثبت ملكية حائزها لما تمثله من حصص في محل الشركة.
3- توفير آلية لتداول هذه الوثائق من خلال أسواق الأوراق المالية.
وإذا كان اعتماد مصطلح التسهيم هو اختيار هذا البحث، فإن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى مصطلحات أخرى مجانسة في الدلالة أبرزها: التصكيك، الذي ينصرف غالبا إلى الفعالية الثانية من فعاليات التسهيم، وهي فعالية توثيق ملكية الحصص بوثائق مستندية: “صكوك” معتمدة لدى الجهة المصدرة لها، ولدى السلطات العامة. ومصطلح التسنيد قريب من هذا المعنى.
أما المصطلح الآخر فهو مصطلح التوريق، وينصرف من حيث المبدأ إلى تحويل القيم الحقيقية: الأصول القائمة أو الديون، إلى أوراق مالية عالية السيولة أي قابلة للتداول السريع؛ فالبعد التوثيقي في التصكيك هو الأظهر، واستهداف التسييل في التوريق هو الاعتبار الأظهر، ويبقى مصطلح التسهيم فيما أراه والله أعلم، هو الأدق والأعم دلالة على ما نحن بصدده.
وهذا يعني أنه أصبح لازما أن نتعقب صور التسهيم المختلفة القديمة منها والمعاصرة، وسأعرض لذلك على نحو ما يتناسب ومقصد هذا البحث في تجلية الأهداف والمآلات، ومن ثم التنويه بالسياسة الشرعية المناسبة. وهذه الصور هي:
1- تسهيم القرض، وبموجبه يقسم المبلغ المزمع اقتراضه إلى أجزاء متساوية القيمة (سندات)، وبمقدار ما يملك الفرد منها يكون دائناً للمشروع الذي أصدرت السندات لأجله؛ فالهدف هناك حشد المال بطريق القرض، وغالبا ما كان قرضاً ربوياً يرتب للدائن استحقاق أصل القرض والفوائد المترتبة عليه. ولا يمنع هذا وجود سندات ترتكن إلى القرض الحسن، يمكن للحكومات الإسلامية اعتمادها عند الحاجة إلى المال سواء لأغراض جارية أو تنموية.
2- تسهيـم الديون النقدية، أما تسهيم الديـون أو تصكيكها أو توريقها، فيقصد به جعل الديون الثابتة في ذمة الغير، صكوكاً قابلة للتداول في سوق الأوراق المالية، وبصدده جاء قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي وفيه ما يلي: “لا يجوز توريق (تصكيك) الديون بحيث تكون قابلة للتداول في سوق ثانوية؛ لأنه في معنى حسم الأوراق التجارية”([59]).
وواضح أن هدف هذا الإجراء حصول أصحاب هذه الديون على السيولة، وارتباح المشاركين من المتاجرة بهذه الأوراق المالية، وهذا أمر مختلف عن تسهيم الديون الذي عرف تقليدياً من خلال إصدار السندات، وكان هدفه حشد التمويل بطريق القرض. وغني عن البيان أن التسهيم في الصورتين السابقتين، أمر يخرج عن اهتمامنا لثبوت حرمة الربا التي تدمغ هذه الأوراق المالية إصداراً وتداولاً.
3- تصكيك الديون السلعية(*)، أي جعل الدين السلعي الذي يثبت في الذمة، صكوكا قابلة للبيع، شريطة أن يكون المبيع الموصوف في الذمة، منضبطا ضبطا نافيا للغرر والجهالة، كما سيتضح في التطبيقات الجديدة للتسهيم.
4- تسهيم ملكية مشروعات مزمع إقامتها، بهدف حشد التمويل لها عن طريق اكتتاب المساهمين بأسهمها. وهذه صورة التسهيم التقليدية، وإليها ينصرف معنى التسهيم ابتداء، وقد وجدت هذه الصورة تطبيقاتها في الشركات المساهمة التي مولت بهذه الطريقة أنشطة اقتصادية واسعة في البلدان الصناعية وقادت إلى نماء حقيقي.
5- تسهيم ملكية مشروعات قائمة، وهي صورة معاصرة لتسهيم الملكية، تنصرف إلى: “عملية تحويل جزء أو مجموعة من الأصول -غير السائلة والمدِّرة لدخلٍ يمكن التنبؤ به- التي تمتلكها المؤسسة إلى أوراق مالية قائمة على الشراكة في منافع هذه الأصول خلال فترة معينة. ومن خلال التوريق يمكن للمؤسسات المالية دخول سوق النقد للاستفادة منه في توفير السيولة، إلى جانب إدارة المخاطر بالصورة التي تمكنها من تحقيق أهدافها بدقة”([60]).
وهكذا إذا؛ فالدافع وراء التسهيم لم يعد فقط جمع المال وحشد الشركاء، إنما صار يهدف إلى إيجاد أصول مالية أكثر سيولة من الأصول الحقيقية التي تمثلها، وأكثر مرونة عند إدارة المخاطر، وإلى الارتباح من عملية إصدار هذه الأصول ومن تداولها.
والفرق واضح بين نتائج عملية التسهيم بصورتها التاريخية التي تقدم ذكرها في الفقرة السابقة، وبين عملية تسهيم المشروعات القائمة التي تقتصر على تمثيل الأصول الحقيقية بصور جديدة قابلة للتداول. ومن هنا نجد أن الاهتمام في الأسواق المالية، قد تحول من السوق الأولي الذي كان معنيا بتعبئة المدخرات لاستثمارها في أصول جديدة، إلى السوق الثانوي حيث تتداول فيه الأصول القائمة، حيث تعتبر حجوم هذا التداول أوضح المؤشرات على فاعلية السوق المالي.
إن الاستثمار المالي وإشاعته لا يعني بالضرورة تحقق الاستثمار الحقيقي الذي ترتهن به قدرة الاقتصاد على النماء، ويرتهن به أمل المجتمعات في الرخاء؛ فالتسهيم إذا نتج عنه تمويل مشروعات جديدة أو توسيع ما هو قائم منها، فلا شك أن ذلك سيعكس توسيعا للطاقة الإنتاجية وهو أمر ايجابي ومحمود، لكن آلية التسهيم لم تقف عند هذه الغاية، إنما استهدفت عمليا مقاصد أخرى كما اتضح، ونجمت عنها آثار سلبية، نشير إليها بعد قليل.
تطبيقات جديدة للتسهيم:
زيادة على ما تقدم عرفت الساحة المالية الإسلامية تطبيقات جديدة للتسهيم أبرزها([61])ما يلي:
1- تسهيم رأس مال المضاربة، أي قسمته إلى أجزاء متساوية تمثل بمجموعها رأس مال المضاربة. ويجد هذا التسهيم تطبيقاته في صكوك المضاربة أو صكوك القراض سواء في مجال المصارف الإسلامية أو في مجال صناديق الاستثمار الإسلامية، واليها أشار قرار مجمع الفقه الإسلامي بدورته الرابعة بالإجازة.
2- تسهيم رأس مال السلم، فيما عرف بصكوك السلم، التي تعبر عن حصص متساوية تتيح لحاملها تملك أجزاء شائعة مناظرة من سلعة السلم، وتجد هذه الصكوك تطبيقاتها فيما يعرضه المزارعون أو الوسطاء أو المصارف الإسلامية من هذه الصكوك التي يلتزم مصدرها بتسليم سلعة السلم إلى حامل الصك في الوقت والمكان المحددين.
3- تسهيم قيم الأعيان القابلة للإجارة، وتسفر هذه العملية عن إصدار صكوك الإجارة التي تمثل حصة شائعة لحائز الصك من قيمة عين قابلة للتأجير، فهي إذا مشاركة في ملكية العين وفيما تدره هذه العين من عائد.
4- تسهيم بدل الإجارة، وتنتج هذه العملية صكوكا تمثل حصة شائعة معلومة من خدمة معلومة يلتزم مصدر الصك ببذلها لحامل الصك كما يقضي عقد الإجارة.
5- تسهيم ثمن سلعة الاستصناع، وتسفر هذه العملية عن إصدار صكوك الاستصناع التي تمثل حصصا شائعة من قيمة الأصول التي يلتزم مصدر هذه الصكوك (الصانع) بصناعتها وتسليمها لحامل الصك في الأجل المتفق عليه بمقتضى عقد الاستصناع.
6- تسهيم ثمن سلعة المرابحة (المواصفة)، وإصدار صكوك المرابحة التي تمثل حصة شائعة معلومة من ثمن سلعة المرابحة، وتتيح هذه الصكوك لحائزها الحصول على ثمن السلعة عند بيعها مع نسبة معلومة من الربح، يحددها عقد المواصفة.
7- تسهيم “صناديق الاستثمار”، وينتج عن هذه العملية صورتان من الصكوك أو الأسهم تمثل الأولى حصة شائعة معلومة من رأس مال شركة مساهمة ذات طبيعة خاصة تتاجر بالأسهم (الصندوق)، هذا إذا كانت إدارة الصندوق مشاركة في رأس ماله مع الجمهور، أما الصورة الثانية فيمثل السهم فيها حصة من رأس مال المضاربة إذا كانت الإدارة غير مشاركة في رأس المال وتختص لنفسها بدور عامل المضاربة.
ويتضح مما تقدم، أنه لا يوجد ما يميز هذه الصكوك عن الأسهم سوى ارتباطها وانضباطها بصيغ التمويل الإسلامية؛ فالصكوك الاستثمارية الإسلامية كما عرّفتها المعايير الشرعية: “وثائق متساوية القيمة تمثل حصصاً شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها فيما أصدرت من أجله”([62]). وتقدمت الإشارة إلى كلام حسين حسان بصدد مفهوم التصكيك، وقد استوفى فيه ذكر أنواع الصكوك المعروفة.
آثار آلية التسهيم:
إن آلية التسهيم استطاعت أن تنجز عدة أهداف أبرزها حشد التمويل اللازم، وتيسير السيولة، وتوفير أدوات مالية يجري التعامل فيها بمرونة، واستطاعت أسواق المال أن تروج نفسها من خلال فكر عريض، تقوم عليه مؤسسات محلية وعالمية، إلا أن كل ذلك لا يمنعنا من تسجيل أبرز الآثار السلبية للتسهيم والتنبيه إلى مخاطرها وكما يلي:
1- التسهيم والمضاربة: مكنت آليات التسهيم وتداول الأسهم من استشراء المضاربات المالية على حساب الاستثمار الحقيقي، بكل ما للمضاربة من آثار ضارة على النشاط الاقتصادي جملة. والمقصود هنا هو المضاربة المالية Speculation أي عمليات بيع وشراء الأوراق المالية للاستفادة من فروق الأسعار من وقت لآخر ومن سوق لآخر.
ولسيطرة العقلية الانتهازية على من يزاول هذا النشاط، ولأن تملك هذه الأوراق لا يستهدف في الغالب الاستفادة من غلتها، لذا فقد وصفت عمليات التداول هذه بالصورية، يقول محي الدين في تعريف المضاربة إنها: “بيع أو شراء صوريين لا بغرض الاستثمار، ولكن – بغية- الاستفادة من التغيرات التي تحدث في القيمة السوقية للأوراق المالية في الأجل القصير جداً، حيث ينخفض بشدة معدل الارتباط بين القيمة السوقية للأوراق المالية من ناحية وبين القيمة الاسمية والدفترية الحقيقية من ناحية أخرى”([63]).
وكما هو معلوم فإن المضارب يهتم باتجاهات الأسعار الآنية للأسهم أكثر من اهتمامه بغلتها السنوية (الأرباح التي يتوقع توزيعها)، بل وأكثر من اهتمامه بما تكون عليه قيمة الأسهم على المدى البعيد، وهذا السلوك يترك آثاراً سلبية على كفاءة سوق رأس المال، وعلى الشركات المساهمة ذاتها إذ إن انشغال حملة الأسهم بمتابعة تقلبات أسعار البورصة طوال الوقت، يضعف الشعور الانتمائي للمساهمين تجاه شركاتهم، ويكرس بقاء الإدارات غير الكفوءة بسبب بعدها عن المراقبة والمحاسبة([64]).
وفي المضاربة أيضا تحتل الاستخدامات قصيرة الأجل للموارد المالية (السيولة)، المقام الأول في اهتمام المضاربين بعيدا عن الاستثمار الحقيقي، وهو أمر رآه زعيم المضاربين في عصره – كينز- سببا للآفات التي تعصف بالاقتصاد المعاصر، ولذلك فهو يدعو إلى تحصين الاستثمار منها لتتحقق له الجدية والاستقرار، فيقول:”… إذا جعلت عمليات الاكتتاب دائمة، وغير قابلة للإلغاء، باستثناء حالات الموت أو الأسباب القاهرة الأخرى، فان ذلك سيكون معالجة مفيدة لاتقاء الويلات الاقتصادية المعاصرة؛ لأن ذلك يجبر المستثمرين على تركيز انتباههم على الفرص الاستثمارية طويلة الأجل حصراً”([65])؛ فالمطلوب إذا شركة دائمة تنطوي على استثمار حقيقي طويل الأجل، ويتحقق فيها انتماء المساهمين لشركاتهم، لا مضاربة تتسمر عيون المساهمين فيها والمضاربين على شاشات البورصة، وتجعل المساهم يتبرأ من أسهمه وشركائه عند أول سانحة مضاربية لجني الأرباح.
إن الارتباط بين المضاربة والأزمات المالية والاقتصادية أصبح أمرا مؤكداً ومعللاً، فسلوك السواد الأعظم من المستثمرين المسترسلين، والمستند إلى استقراءات سطحية، يكون عرضة لتحولات شديدة ومفاجئة في اتجاهات متعاكسة، بسبب تبدل قناعاتهم وعدم رسوخها، مما يقود إلى زعزعة النشاط الاقتصادي([66]).
ويتعاظم الخطر أكثر فأكثر كلما تحولت السوق إلى المضاربة وأصبح الاستثمار “الدائم غير القابل للإلغاء” استثناءا من أنشطتها؛ فعندئذ تبلغ المضاربة ذروة خطورتها على الاقتصاد والمجتمع([67])، وبسبب هذه المضاربة لم يكف القطاع المالي، ولن يكف عن تصدير المشكلات إلى القطاع الحقيقي وهو أمر مشهود!!.
فقه الأسواق المالية والمضاربة:
وبرغم كل ما تقدم، فإن الفقه المعاصر للأسواق المالية الإسلامية، يبدو أكثر تسامحاً مع المضاربة من فكر أئمة المضاربة الوضعيين أمثال كينز وسورس؛ فقد اجتهد الدكتور أبو غدة([68]) في بيان محاسن المضاربة وفوائدها، وأشار أن ليس من قائل بتأبيد المشاركة وتقييد تداول الأسهم، كما دافع عن تمحض استهداف ما سماه ربحاً رأسمالياً بتعقب فروق الأسعار، ورأى في ذلك فائدة تتمثل في تحريك الأنشطة المختلفة وأن ذلك مما ينطبق عليه الحديث: “دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض”، وأن ما يخشى وقوعه من ضرر أو ما وقع فعلا، مبعثه إهمال الضوابط الشرعية لبيع الأسهم.
والذي أراه والله اعلم، أن الوصول إلى استنتاجات عفوية وعريضة على هذا النحو الذي يبرر منطق الأسواق المالية، ويضفي عليها المشروعية بعد كل ما تكشف من عبثيتها وأنانيتها، أمر في غاية الخطورة، وفيه افتئات على الولاية الشرعية لأولي الأمر، تلك الولاية التي توجب سياسة الرعية بما يحقق المصلحة العامة، لا مصلحة المساهم أو المضارب وحسب. إن القول بحرية الحركة وهو أصل مشروع، لا يلغي صلاحية ولي الأمر بتقييد السرعة وتعيين اتجاهات السير، وإلزام الناس بنظم المرور، وليس في كل ما تقدم نقضٌ لذاك الأصل!!. ولا احسب أن أحدا يجحد مخاطر المضاربة، ولو التزمت بأحكام الربا وأحكام الدين، ولو ابتعدت عن التضليل والإشاعات.
أما الحديث الصحيح: “دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض”([69])، فيصعب توقيع دلالته على المضاربات، فسياقه النهي عن بيع الحاضر للبادي: أن يكون له سمسارا، وعلته كما أشار الفقهاء هي التوسعة على أهل الحاضرة، وهو يشير إلى عمليات بيع حقيقية تظهر آثارها في محلات العقود، وترتبط بها فعاليات الاستهلاك والتجارة الحقيقية، وليس في المضاربة شي من هذا.
بل إن المتمعن في الحديث يجد فيه تأصيلا لتوجه عام في التشريع الاقتصادي الإسلامي يمنع المضاربة، يتأكد ذلك بالنهي عن السمسرة، وباختزال الوساطة غير المنتجة، ويتعزز هذا التوجه، بتواتر النهي عن بيع الطعام قبل قبضه كما ثبت في مصنفات الحديث، وهو نهي رأى ابن عباس أنه يعم جميع العروض: “ولا أحسب كل شي إلا مثل ذلك – مثل الطعام في حكم بيعه قبل قبضه”([70])، وما قرره حبر الأمة، وأخذ به أئمتها – خلا الإمام مالك الذي قيد النهي بالطعام- ينطبق من باب أولى وآكد، على الأسهم التي اتخذت بذاتها متّجرا.
إن منطق البورصات يفضي إلى أن يأكل الناس بعضهم بعضاً، وهذا ما نشاهده ونتلمس آثاره خرابا في البيوت وانهياراً في الأسواق، يقود إلى انهيارات اقتصادية متوالية، ولا يستفيد من كل ذلك إلا ثلة تنعق على أطلال المنكوبين بهذا الطاعون الذي اسمه المضاربة، ولا احسب أن الشرع يتسامح مع شيء مما تقدم.
وإذا كان الأمر كذلك، فينبغي أن ينزه الحديث عن أن ينزل هذا المنزل؛ فالشريعة الإسلامية تدافع عن المسترسلين؛ فـ “غبن المسترسل حرام”([71])، وتحتاط للمخلوبين؛ فـ “إذا بايعت فقل لا خلابة”([72])، فهي ليست كالقانون الوضعي الذي يتنصل عن حماية المغفلين، ومنطقها ليس كمنطق البورصة الذي يجيز مخاتلة الأغرار، ويجيز التضحية بالمصالح العامة لأجل مكاسب ضيقة تجنيها ثلة المتربصين.
وإذا كان البيع على (الفرد) الضعيف، استدعى تشريعا لحمايته، فكيف يكون الأمر مع الجمهور الضعيف… ألا يستدعي وقفة لحمايته؟؟
ثم إن هذه المضاربة قد تلبست بالمقامرة إلى حد كبير، حتى أن التمييز(*) بينهما أعيى المتخصصين، أفلا يستدعي الأمر، وقد عمت بها البلوى، وقفة للتثبت والتحرز نأيا عن الشبهات وسدا للذرائع وضبطا للأسواق، خاصة وأن خطورتها أدهى وأمر من نوادي القمار والميسر؟؟.
إن المسالة بتوكيد تتعلق بسياسة حكمية وليس بأحكام فقهية، وهذه السياسة هي الحلقة المفقودة في مناقشات الموضوع، وهذا هو المنطق الذي دفع إلى كتابة هذا البحث.
2- التسهيم وتمويل التنمية: ولعل من أبرز الآثار السيئة التي اقترنت بالتسهيم وتطبيقاته في عالمنا العربي والإسلامي، والتي تعزز المنطق المتقدم، هو تحول التسهيم إلى آلية لترحيل رأس المال المحلي والإقليمي إلى السوق الدولية؛ فلقد أفصحت البرامج المعلنة([73]) لكثير من صناديق الاستثمار الإسلامية عن اختصاصها بالمتاجرة بأسهم مشروعات أجنبية: يابانية أو أوربية أو أمريكية.
وما تقدم يعني بكل وضوح أن هذه الصناديق التي أثبتت كفاءة عالية في مجال استقطاب المدّخرات المحلية -بإعلانها الالتزام بالأحكام الشرعية في توظيف هذه المدخرات- صارت آليات كفوءة لترحيل الموارد المالية إلى السوق الدولية في وقت تمس الحاجة إليها في الداخل، فأين نحن من المقاصد الراجحة؟!.
وأين نحن من نظرية التنمية؟!. وحتى تلك الصناديق التي تتعامل بأسهم المشروعات المحلية، لا تمارس عمليا أي دور استثماري حقيقي، إنما يقتصر نشاطها على تدوير ملكية الأصول القائمة بين المتعاملين دون أي إضافة إلى الطاقة الإنتاجية، وقد أحسن عوض الله إذ لفت الانتباه إلى أن ما يسمى بصناديق الاستثمار هذه، ليس لها أي طبيعة استثمارية([74]).
لقد ظلت كل دراسات التنمية تنحي بلائمة التخلف على ندرة رأس المال، واحتلت نظرية حلقة الفقر الخبيثة مكانة مركزية في هذه الدراسات، وفي ضوء هذه القناعة استدرجت جل البلدان الإسلامية إلى فخ المديونية -بالاقتراض- لردم فجوة التمويل!!.
ولما لم تفلح هذه البلدان في إحداث التنمية المنشودة، استدرجت مرة أخرى لتستضيف رأس المال الأجنبي، الذي أوكلت إليه مهمة النهوض بتنمية العالم النامي والعالم الإسلامي، وكان التبرير أيضا ندرة رأس المال المحلي…!!!.
والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: إذا كان هذا هو واقع الحال، فهل يسوغ أن ننتج الآليات ونوفر الوسائل، التي تقوم على ترحيل أموال الأمة إلى السوق الدولية، في وقت تكون فيه الأمة أحوج ما تكون إليها…؟؟.
أيكفي التزام هذه الصناديق بأحكام الصرف، وبعدها عن الربا، وعدم متاجرتها باسهم شركات الخمر والخنزير، ليكسبها المشروعية؟! فماذا عن استمرار نزف موارد الأمة؟؟.
وأين نحن من مقاصد الشريعة التي تغّلب المصلحة العامة على الخاصة، والتي تفترض سلّما لأولويات المجتمع المسلم…؟!، لا شك أن منطق الحسابات الخاصة للمساهمين والمضاربين الذي يستمثل optimize فرص الربح بكفاءة في الداخل والخارج، يتعارض كما هو واضح، مع المصالح العامة للأمم والشعوب، ومطلوب من السياسة الشرعية أن تفصل في هذا التعارض والتضاد، خاصة بعد أن أكد أكابر المضاربين الطبيعة الأنانية وغير الأخلاقية للمضاربة.
3- التسهيم والخصخصة: على أن المسار الأكثر حرجاً في تقديري، لحركة التسهيم أو التصكيك في البلدان النامية عامة وبلدان عالمنا الإسلامي خاصة، هو ذاك الذي دفعت إليه الخصخصة، وما مثلته من إلجاء إلى تسهيم المشروعات والمرافق العامة، وبيعها للقطاع الخاص بدعاوى الكفاءة أو تسوية عجز الموازنات وسداد المديونيات.
وهنا لابد من التفريق بين دور النشاط الخاص ومشروعيته وأهميته -فهذا ليس بمحل خلاف أبدا- وبين الخصخصة باعتبارها توجها جديدا ألزمت بها المنظمات الدولية، حكومات البلدان النامية بهدف تصفية القطاع العام، وتجريد الدولة من مواردها المالية، ولسنا هنا بصدد الحديث عن الخصخصة فذاك موضوع آخر، لكننا نشير هنا إلى موقع التسهيم منها.
لقد شرع الإسلام وظائف حيوية ألزم بها الدولة، منها وظائف سيادية ووظائف اقتصادية ووظائف اجتماعية، ورصد الإسلام لتمويل هذه الوظائف، موضوعات القطاع العام، مثل أصول المنافع العامة والحمى والوقف والموارد المعدنية وأراضي الفتوح، ولم يجز للأفراد الاختصاص بها، وما تريده الخصخصة هو تجريد الدولة من مواردها المالية تلك، ونقلها إلى القطاع الخاص على نحو مخالف لمقاصد التشريع الإسلامي، ووسيلتها لذلك هي آلية التسهيم، وهو أمر يئول إلى انتقاض الوظائف والتكاليف الشرعية التي ارتهنت بها.
التسهيم بين النظر الفقهي والسياسة الشرعية:
وما هو مطلوب الآن، بعد أن مررنا بأخطـر ما آل إليه التسهيم، هو تكوين رؤيا إستراتيجية واعية بصدد مغزى هذه الآلية وخصوصية أدائها في واقع بلداننا الإسلامية، وتنبغي الإشارة ابتداء إلى أن ما يرد في هذه السطور هو اجتهاد يقوم على تقدير المصلحة، ومن ثمّ فهو مما يندرج ضمن ترجيحات السياسة الشرعية والسياسة الاقتصادية.
نعم لقد اقترنت الشركات المساهمة وآلية التسهيم تاريخيا، بالعهد الاستعماري وبتجارة العبيد وشركة الهند الشرقية ونظيراتها، بكل ما ينطوي عليه ذلك من استغلال ونهب، لكن الموقف من هذه الشركات ومن آلية التسهيم ومن الأسواق المالية التي تؤمِّن إصدارها وتداولها، لا ينبني على أساس هذا الارتباط السلبي بين الشركات المساهمة وماضيها، إنما على أساس تشخيص الواقع المعاصر في ضوء المتغيرات الاستراتيجية من حولنا.
إن الدعوة إلى التسهيم وإلى تفعيل الأسواق المالية، وتسويد منطقها ليشمل عموم مفردات حياتنا الاقتصادية لا يرتبط بحكم فقهي جزئي فقط، إنما يرتبط برؤية أوسع ومنطق أعم، ولكي يكون الكلام على قدر كاف من الوضوح والمباشرة، أقول إن التوجهات الاقتصادية الحديثة، وعلى رأسها التسهيم لأجل البيع والخصخصة، قد فرضت على بلداننا بعد تغوّل نظام السوق، وعولمة فلسفته الاقتصادية، فيما عده منظرو النظام الرأسمالي -زهوا واستطالة- نهاية للتاريخ…!!!
وبحسب منطق القوم، فإن ما هو مطلوب من الأسواق عامة، والأسواق المالية بوجه خاص هو تصفية أي أثر للاقتصاد العام، سواء على صعيد الفلسفة الاقتصادية التي تكلف الدولة أدواراً تنموية واجتماعية، أو على صعيد التشكيل المؤسسي، وذلك بتصفية مشروعات القطاع العام باعتبارها “العقبة الكئود” في سبيل النمو الاقتصادي، على حد وصف البنك الدولي، الذي لاحظ أن التدخل الحكومي في الحياة الاقتصادية له كلفة تفوق أي عوائد محتملة([75])!!.
وهكذا استلزمت التوجهات العولمية تحضيراً استباقياً للاقتصادات الوطنية، من خلال الدعوة إلى خصخصة الملكية العامةً([76])، وأقرنت ذلك بإضفاء حكم تقديري على هذه التغيرات الملزمة بنزع قوامة الدولة، وتسفيه إداراتها للملكية الاجتماعية، فعُدّت كل ذلك إصلاحا([77]) اقتصاديا وتصحيحا هيكليا!!.
وكان من ثمار هذه التوجهات التي أملتها المنظمات الدولية أن سُلبت الوظيفة الاقتصادية للدولة، وسُلب معها التشكيل المؤسسي اللازم لأدائها، تلك الوظيفة التي يُنظر إليها من زاوية الفكر التنموي على أنها مسؤولية تاريخية للدول النامية لإخراج شعوبها وبلدانها من وهدة التخلف، وينظر إليها من زاوية المذهب الاقتصادي الإسلامي، وهو الأهم، على أنها تكليف شرعي خالد يتعين على أي دولة راشدة أن تنهض به وتحافظ على شرائطه.
ولأجل كل ما تقدم نلحظ هذا التوجه المدعوم دوليا، لتحرير الأسواق جملة والأسواق المالية تحديداً، ونلحظ التوجه المدعوم دوليا لخصخصة كل مفردات القطاع العام، ونقلها إلى النشاط الخاص، والآلية المعتمدة في كل ذلك هي التسهيم لأجل البيع.
مفارقات صارخة بين الأهداف والمآلات:
وإنها لمفارقة تستوقف المتأمل، أن يكون التسهيم في الغرب آلية لتعبئة الموارد المالية الضخمة التي يعجز عن توفيرها الأفراد، وأن يكون التسهيم عندنا آلية لتفكيك رأس المال الاجتماعي، وشرذمة القطاع العام وعرضه في الأسواق، ليشتريه المتربصون من المواطنين، ومن الأجانب الذين يستترون خلف مواطنين، حيثما تمنع التشريعات تملك الأجانب أسهم المشروعات أو المرافق المُخصخصة، أو تحد من ذلك.
وإنها لمفارقة أيضاً أن يكون التسهيم عندهم وسيلة لتمويل الاستثمار الحقيقي وتوسيعه، ويكون عندنا مجرد وسيلة لتداول ما هو قائم، وربما لبخس قيمته من خلال التواطؤ والفساد الإداري، ومن خلال المضاربات الهدامة وتقلبات الأسعار العشوائية !!.
وإنها لمفارقة أيضاً أن يكون التسهيم عندهم سببـاً لاستقطاب رأس المال ورفد النمو، وان يكون التسهيم عندنا آلية لترحيل رأس المال، وحرمان الاقتصاديات المتخلفة منه.
إن اقتصاد السوق معذور في الترويج لفلسفتـه الاقتصادية، لأنها تحقق مصالحه، بل مصالح رأس المال الخاص، فما بالنا نتعقب خطاهم ونسلم لهم القياد دون تثبتٍ وتحسبٍ للعواقب؟!
إن الملكية العامة أو ما صار يعرف بالقطاع العام الذي انبثق في مرحلة مبكرة من عمر الدولة الإسلامية ممثلا بموضوعات الاستخلاف الاجتماعي: أصول المنافع العامة والحمى والوقف والموارد المعدنية وكثير من الأراضي الزراعية (أراضي الفتوح)، هي ركن ركين من أركان الاقتصاد الإسلامي وشكل أصيل من أشكال التملك([78])، وإذا كان الأمر كذلك، فلا ينبغي لاقتصادات مسلمة حريصة على مصالح شعوبها، وأمينة على تكاليفها الشرعية، أن تنهال عليه شرذَمةً وتجزيئا من خلال التسهيم، لتعده للبيع بحجة تفعيل الأسواق المالية، وبحجة الكفاءة الاقتصادية.
علينا أن ندرك الأهداف الاستراتيجية لنظام المشروع الخاص، ومن خلفه بيوت المال التي تريد أن تستبيح العالم، كل العالم وتمهد لذلك بمنظومة من الإجراءات التحضيرية، وعلى رأسها تفعيل الأسواق المالية على حساب دور الدولة، وعلى حساب الحق الاجتماعي واعتبارات المصلحة العامة.
إن الكفاءة مسألة إدارية صرفة، ويمكننا إذا كنا حريصين عليها -وينبغي أن نكون كذلك- أن نعتمد برنامجاً لإصلاح الإدارة لا أن نعتمد برنامجا لخصخصة الملكية، لكن هذا مالا تريده لنا المؤسسات الدولية وأعمدة نظام السوق التي أغرت بتصفية القطاع العام بل وأملت ذلك في أحيان كثيرة!!
علينا أن ندرك الأهداف الإستراتيجية لنظام المشروع الخاص، ومن خلفه بيوت المال التي تريد أن تستبيح العالم، كل العالم وتمهد لذلك بمنظومة من الإجراءات التحضيرية، وعلى رأسها تفعيل الأسواق المالية على حساب دور الدولة، وعلى حساب الحق الاجتماعي واعتبارات المصلحة العامة.
إن الملكية العامة في الدولة الإسلامية لها أصول شرعية أكيدة، فلا ينبغي التفريط بها وتسهيمها لتلوكها طاحونة الأسواق المالية ولتجعلها نهبا للطامعين، لتقف مجتمعاتنا يوما ما على أرض لا تعود تملكها؛ لأن آلية التسهيم والخصخصة والتدويل قضت بذلك!!، علينا أن ندرك خصوصية النظام الاقتصادي في الإسلام، ونجتهد للحفاظ على الاستخلاف العام؛ لأنه رصيد إشباع الحاجات العامة، ولأنه شرط قيام الدولة بتكاليفها الشرعية… إن بمقدور المرء أن يتفهم أهمية التعايش مع الغير، لكن من العسير أن يتفهم الإصرار على الذوبان في الغير والتوحد معه في نظامٍ اقتصاديٍ قضى على بلداننا بالتهميش والتبعية ولم يزل يفعل…!!
الخاتمة
بمنطق جزئي يبحث في الحكم الفقهي للشركات والأسهم، انتزعت الأسواق المالية منّا، بوعي أو بغير وعي، ترخيصاً بتسويد منطقها في الحياة الاقتصادية، وأخضعت موضوعات كثيرة للتسهيم، وهو ما يؤول في تقديري إلى نتائج غير محمودة، نلفت إلى أبرز مكامنها في ما يلي:
1- أصبح التسهيم في واقعنا الإقليمي مجرد آلية لتداول الأصول القائمة، مع ما يصاحب ذلك من مضاربات ضارة، وقلما اعتمد وسيلة لتمويل استثمارات جديدة توسع الطاقات الإنتاجية الحقيقية.
2- في ظل فلسفة الخصخصة، أصبح التسهيم آليةً لتفكيك المشرعات العامة ورأس المال الاجتماعي ونقله إلى القطاع الخاص، وغالباً ما كان ذلك بأثمان مبخوسة.
3- وفي ظل العولمة أصبح التسهيم آليةً كفوءة لترحيل المدَّخرات والموارد المالية إلى الأسواق الدولية عبر صناديق الاستثمار، في حين تمس الحاجة إليها محلياً وإقليمياً.
4- وحتى التسهيم الهادف إلى تمويل مشروعات جديدة، لم يكن للقائمين عليه فكرة عن سُلّم الأولويات الإسلامية وترتيبها بحسب الأهمية: الضروريات، الحاجيات، التحسينيات. ولا أحسب أن النشاط الخاص بمنطقه الذي تحكمه الربحية التجارية سيلتزم بهذه المقاصد أبداً، لذا وجب وجود القطاع العام، الذي يرعى الحاجات العامة والرفاهية الاجتماعية، إلى جانب القطاع الخاص.
5- في ظل سيادة الأسواق المالية وآليات التسهيم تختفي أية إستراتيجية تنموية جادة، ولا يعود على مجتمعاتنا إلا انتظار رذاذ النمو الذي تكرمنا به مراكز الاقتصاد العالمي.
6- وفي ظل آليات نظام السوق وفلسفته، لن يكون نصيب المنطقة إلا استثماراتٍ لا تمتُّ إلى الطاقة الإنتاجية بصلة، وهي تتركز غالبا في القطاع السياحي وقطاع الاستقبال للاستثمارات الأجنبية.
7- ولكل ما تقدم، نعتقد أن على أولياء الأمور، بما لهم من ولاية شرعية ومدنية، أن يقيدوا ما تقررت إباحته فقها -مشروعية التسهيم ومشروعية تداول الأسهم- درءاً للمفاسد وسداً للذرائع.
8- ويتحقق ذلك ابتداء بتصحيح مبنى الشركة بتوكيد التلازم المتكافئ بين الغنم والغرم بعيدا عن مبدأ المسؤولية المحدودة، إذ لا يتصور شرعا التغاضي عن ضياع حقوق أطراف الهيئة الاجتماعية لمجرد أن خسائر الشركة المساهمة -إن وقعـت- قد استوعبت رأسمالها.
9- كما يتحقق كذلك من خلال منع تداول الأسهم أو تقييد تداولها، كأن يشترط مرور مدة زمنية محددة بين الاكتتاب أو الشراء، والبيع التالي، أو تحديد عدد المرات التي يسمح فيها بتداول السهم مدة حياته، بما يبعد الشركة عن مناخات المضاربة، ويجعلها إطاراً عقدياً لاستثمار حقيقي طويل الأجل.
إن المطلوب موقف لا يتخفى خلف أحكام فقهية جزئية، إنما يستنطق سياسةً شرعيةً رشيدةً، فنحن لا نريد إقصاءً للأسواق المالية، وما قامت عليه من آليات كان التسهيم أبرزها، إنما نريد ضبطها بالأحكام الشرعية أولاً، ونريد ثانيا ضمان عدم طغيانها على الحسابات الاجتماعية والمؤسسات التي ترعاها، فالمطلوب إذاً موازنةً راشدة بين الأسواق المالية، والإدارة الاقتصادية التي تأخذ بنظر الاعتبار المقاصد الشرعية، فتدفع المفاسد وتسد الذرائع وتستجلب المصالح.
الحمد لله رب العالمين
(*) المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، المجلد الخامس، العدد (2/أ)، 1430 ه/2009م
الهوامش:
([1]) أحمد محمد محرز، الشركات التجارية، القاهرة، النسر الذهبي، 2000م، ص397. محمد أحمد سراج، النظام المصرفي الإسلامي، القاهرة، دار الثقافة، 1989م، ص171.
([2]) سميحة القليوبي، الشركات التجارية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1993م، ص130-131. مصطفى كمال طه، الشركات التجارية، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، 2000م، ص171. علي الخفيف، الشركات في الفقه الإسلامي، القاهرة، معهد الدراسات العربية العالية، جامعة الدول العربية، ص96.
([3]) صالح المرزوقي، الشركات المساهمة في النظام السعودي، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، الكتاب التاسع والثلاثون، 1406ه، ص259.
([4]) محرز، الشركات التجارية، 2000م، ص400، سراج، النظـام المصرفي الإسلامي، ص171-172. (المتن والحاشية).
([5]) عيسى عبده، العقود الشرعية، مطبعة النهضة، 1977م، ص18-19.
([6]) سراج، ص173-174.
([7]) تقي الدين النبهاني، النظام الاقتصادي في الإسلام، القدس، 1953م، ص134-135.
([8]) عبد العزيز الخياط، الشركات في ضوء الإسلام، القاهرة، دار السلام، 1989م، ص60. المرزوقي، الشركات المساهمة في النظام السعودي، ص323.
([9]) تقي الديـن أحمد ابن تيميـة، فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب: العاصمي النجدي، الرياض، 1989م، ج29، ص7.
([10]) محرز، الشركات التجارية، ص588. طه، الشركات التجارية، ص388-389.
([11]) ابن تيمية، القواعد النورانية الفقهية، تحقيق: محمد حامد الفقي، بيروت، دار المعرفة، 1979م، ص210. وانظر: زين العابدين ابن نجيم، الأشباه والنظائر، تحقيق وتعليق: عبد العزيز الوكيل، القاهرة، مؤسسة الحلبي وشركاه، 1968م، ص66. محمد بن علي الشوكاني، نيل الأوطار، القاهرة، مطبعة البابي الحلبي، بدون تاريخ، ج8، ص120.
([12]) مجلة الأحكام العدلية، المادة 85، والمادة 87.
([13]) عبد الرزاق الصنعاني، المصنف، دار الكتب العلمية، ج8، باب نفقة المضارب ووضيعته، ص191، رقم 15164.
([14]) عبد العزيز الخياط، الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1983، ج2، ص210.
([15]) سراج، النظام المصرفي الإسلامي، ص172.
([16]) سمير عبد الحميد رضوان، أسواق الأوراق المالية ودورها في تمويل التنمية الاقتصادية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996م، ص320. المرزوقي، ص275.
([17]) علي أحمد السالوس، الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة، الدوحة، دار الثقافة، 1996م، ج2، ص584-585. صفية أبو بكر، “صناديق الاستثمار الإسلاميـة – خصائصها وأنواعهـا”، بحوث المؤتمر السنوي الرابع عشر، كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات، المجلد الثالث، ص844. وسيقتصر تالياً على ذكر كلمة: بحوث…، للإشارة إلى أعمال هذا المؤتمر تحديداً.
([18]) عبد الستار أبو غدة، “صناديق الاستثمار الإسلامية، دراسة فقهية موسعة”، بحوث…، المجلد الثاني، ص670- 673.
([19]) عطية فياض، سوق الأوراق المالية في ميزان الفقه الإسلامي، القاهرة، دار النشر للجامعات، 1998م، ص131. المرزوقي، شركة المساهمة في النظام السعودي، ص299-300. وانظر أيضاً: عبد الستار أبو غدة، “صناديق الاستثمار الإسلامية…”، بحوث…، المجلد 2، ص575.
([20]) منصور البهوتي، كشاف القناع، بيروت، عالم الكتب، 1983، ج3، ص496. ابن قدامة، المغني، الرياض، مكتبة الرياض، 1401ه، ص3.
([21]) أحمد الصاوي، بلغة السالك، وبهامشه الشرح الصغير للدردير، الخرطوم، الدار السودانية، ج3، ص331.
([22]) ابن قدامة، المغنى، ج5، ص14.
([23]) المرزوقي، شركة المساهمة في النظام السعودي، ص300.
([24]) النبهاني، النظام الاقتصادي، ص135. عبده، العقود الشرعية، ص18-19.
([25]) محمد بن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، ج3، ص4.
([26]) انظر في تفصيله: محمد عقلة الإبراهيم، حكم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة، عمان، دار الضياء، 1986، ص50، 53. علي القره داغي، حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1992م، ص55.
([27]) انظر: مصطفى أحمد الزرقا، المدخل الفقهي العام، دمشق، مطبعة جامعة دمشق، 1963م، ج2، ص326. عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، القاهرة، دار الفكر، 1980م، ص153. وانظر: المادة 90 من المدني المصري، والمادة 79 من المدني العراقي.
([28]) النبهاني، النظام الاقتصادي في الإسلام، ص137، 139.
([29]) فياض، سوق الأوراق المالية، ص135. المرزوقي، ص329.
([30]) النبهاني، النظام الاقتصادي في الإسلام، ص136–137.
([31]) النبهاني، النظام الاقتصادي في الإسلام، ص139.
([32]) فياض، سوق الأوراق المالية…، ص136.
([33]) محمد بن علي الحصفكي، الدر المختار، بيروت، دار
الكتب العلمية، 2002م، ص363-364. وانظر: المواد، 1333 و1334 و1335 من مجلة الأحكام العدلية.
([34]) الصاوي، بلغة السالك، ج3، ص332-333.
([35]) محمد الخطيب الشربيني، مغنى المحتاج، دار الفكر، 1978م، ج2، ص212-213.
([36]) منصور البهوتي، كشاف القناع، ص497.
([37]) الشربيني، مغنى المحتاج، ج2، ص213.
([38]) سراج، النظام المصرفي، ص272.
([39]) طه، الشركات التجارية، ص400-401. عزت عبد القادر، الشركات التجارية، القاهرة، النسر الذهبي، 1996م، ص278. محرز، الشركات التجارية، ص387. الخفيف، الشركات في الفقه الإسلامي، ص94.
([40]) فياض، سوق الأوراق المالية…، ص144.
([41]) الحصفكي، الدر المختار، ج2، ص453 وما بعدها.
([42]) ابن عبد البر النمري الأندلسي، الكافي في فقه أهل المدينة، تحقيق: محمود القيسية، أبو ظبي، مؤسسة النداء، 2004م، ج2، ص173 وفيه: “ولا بأس بضمان المجهول عند مالك”.
([43]) القليوبي، ص561-565. عبد القادر، ص469.
([44]) صفوت عبد السلام عوض الله، “صناديق الاستثمار الإسلامية”، بحوث…، المجلد الثالث، ص779، 812. صفية أحمد أبو بكر، “صناديق الاستثمار الإسلامية…”، بحوث…، المجلد الثالث، ص834.
([45]) أبو غدة، “صناديق الاستثمار…”، بحوث…، المجلد الثاني، ص576.
([46]) صحيح البخاري، بيروت، طبعة دار الجيل الأولى، 2005، كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية، رقم الحديث 2276.
([47]) الدردير، الشرح الصغير، ج3، ص459-460.
([48]) القرضاوي، فقه الزكاة، ج1، ص319.
([49]) عبد العزيز الخياط، الشركات في ضوء الإسلام، القاهرة، دار السلام، 1989م، ص63-64. المرزوقي، الشركات المساهمة، ص355.
([50]) مجمع الفقه الإسلامي، الدورة السابعة، قرار رقم 65/1/7 في 1412ه/ 1992م.
([51]) سمير رضوان، ص355-356. فياض، ص188.
([52]) المرزوقي، ص381-382.
([53]) فياض، ص185.
([54]) الخياط، الشركات في ضوء الإسلام، ص60-63.
([55]) أحمد محي الدين، ص183-190. الهداية، ج5، ص93. الشرح الصغير، ج3، ص35. المجموع، ج9، ص312. منتهى الإرادات، ج1، ص344.
(*) قد سبقت الإشارة إلى موقف الفقهاء من التعاطي مع أسهم الشركة، التي يكون الحرام أصل نشاطها، والشركة التي يطرأ على نشاطها طارئ محرم يمكن الاستبراء منه، عند الحديث عن مشروعية الشركة المساهمة.
([56]) حسين حامد حسان، “صكوك الاستثمار”، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المنامة، 2003، ص59-60.
(*) هذه قاعدة فقهية وجدت سندها في مقررات الفقهاء في مواطن عدة من مصنفاتهم؛ فقد تجوز الإمام مالك والإمام الشافعي في المزارعة على الأرض البيضاء، إذا كانت تبعا للشجر، ولم يجيزاها إذا كانت هي الأصل في محل العقد، انظر: الموطأ، م2، ص148. الأم، ج4، ص11. ابن عبد البر، الاستذكار، المجلد 7، ص511، 529.
([57]) سيف الدين إبراهيم تاج الدين، “نحو نموذج إسلامي لسوق الأسهم”، مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جدة، 1405ه/1985م، م3، ع1، ص67، ص83.
([58]) القليوبي، الشركات التجارية، ص245- 246. الخياط، الشركات في ضوء الإسلام، ص42.
(*) عرض الكتّاب في تعاريفهم للتصكيك أو التوريق أو التسنيد، لـ “محل الشركة” الذي يجزأ إلى حصص (أسهم أو صكوك) على نحو غير مستقص، واجمع ما وقفت عليه، هو ذاك الذي عرضه حسان وأدرج فيه كل أنواع الصكوك المعروفة، يقول عن التصكيك: “عملية تقسيم ملكية الأعيان المؤجرة أو منافعها، أو موجودات المشروعات القائمة، أو رأس مال المضاربة، والمشاركة أو الوكالة في الاستثمار، أو ثمن شراء بضاعة المرابحة أو السلم أو الأعيان المصنعة أو تكلفة تصنيعها، أو نفقات زراعة الأرض، أو تكاليف تحصيلها، إلى أجزاء متساوية يمثل كل منها صك أو سند أو ورقة مالية، وذلك بقصد عرض الصكوك التي تمثل هذه الأجزاء للبيع”، حسين حامد حسان، “صكوك الاستثمار”، ص4-5.
([59]) انظر قرارات المجمع الفقهي الإسلامي: القرار الأول بشأن موضوع بيع الدين، الدورة السادسة عشرة لسنة 1422ه، البند ثالثاً: بعض التطبيقات المعاصرة في الديون، الفقرة ج، ص330.
(*) في تفصيل التمييز بين الدين النقدي الذي يحرم توريقه، والدين السلعي الذي يجوز توريقه، انظر: نزيه حماد، “بيع الدين وأحكامه: تطبيقات معاصرة”، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ع11، ج1، 1998م، ص189– 194. وانظر: محمد علي القري، “بيع الدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية”، المصدر نفسه، ص238-239.
([60]) نادية أمين محمد علي، “صكوك الاستثمار الشرعية…”، بحوث…، المجلد الثالث، ص991.
([61]) في تفصيل ذلك انظر: وليد الشايجي وعبد الله الحجي، “صكوك الاستثمار الشرعية”، بحوث…، المجلد الثالث، ص910–914. نادية أمين محمد علي، “صكوك الاستثمار الشرعية – خصائصها وأنواعها”، بحوث…، المجلد الثالث، ص988–991.
([62]) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعيار رقم (17)، صكوك الاستثمار، المنامة، 2003، ص311.
([63]) أحمد محي الدين أحمد، أسواق الأوراق المالية وآثارها الإنمائية في الاقتصاد الإسلامي، سلسلة صالح كامل للرسائل الجامعية، ص484-485.
([64]) سيف الدين إبراهيم تاج الدين، “نحو نموذج إسلامي لسوق الأسهم”، مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جدة، 1405ه/1985م، م3، ع1، ص73-74.
(65) J. M. Keynes. The General Theory of Employment, Interest and Money, Macmillan, U. K, 1973, p. 160.
([66]) J. M. Keynes. Op. Cit, p. 154. دوجلاس س. هيج والفرد وستونير، النظرية الاقتصادية، ترجمة: صلاح الدين الصيرفي، مطبعة المسلة، الإسكندريـة، 1962م، ص617.
([67]) حازم الببلاوي ورائد فهمي، دور سوق الأسهم في الاقتصاد الكويتي، ص221، نقلاً عن أحمد محي الدين، ص490.
([68]) عبد الستار أبو غدة، “صناديق الاستثمار…”، ص666-669.
([69]) صحيح الإمام مسلم، بيروت، طبعة دار الجيل الأولى، 2005م، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي، رقم الحديث 1522.
([70]) موطأ الإمام مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني، القاهرة، لجنة إحياء التراث الإسلامي، 1967، ص270.
([71]) علي بن أبي بكر الهيثمي، مجمع الزوائد، بيروت، دار الكتاب العربي، 1967، ج4، ص76.
([72]) صحيح البخاري، طبعة دار الجيل، باب ما يكره من الخداع في البيع، رقم الحديث 2117. وانظر: طبعة دار إحياء التراث العربي، كتاب الخصومات، باب من باع على الضعيف ونحوه، رقم الحديث 2374.
(*) في متابعة جانب من أراء المختصين حول الموضوع، انظر: أحمد محي الدين أحمد، أسواق الأوراق المالية…، ص 488 – 491.
([73]) انظر عرضا لتجارب بعض البنوك والمؤسسات المالية في مجال صناديق الاستثمار الإسلامية: صفية أحمد أبو بكر، “صناديق الاستثمار الإسلامية…”، بحوث…، المجلد الثالث، ص854 وما بعدها,
([74]) صفوت عبد السلام عوض الله، صناديق الاستثمار: دراسة وتحليل من منظور الاقتصاد الإسلامي، بحوث…، المجلد الثالث، ص782.
([75]) محمد أمين عودة، “المشاريع العامة ومدخل التحول إلى القطاع الخاص: دراسة تحليلية”، المجلة العلمية لكلية الإدارة والاقتصاد بجامعة قطر، العدد السادس، ص154-155.
([76]) عبد الجبار السبهاني، “الخصخصة والتشريكية…”، حولية كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، ع 19، ص424.
([77]) انظر على سبيل المثال: صندوق النقد العربي، الخصخصة والتصحيحات الهيكلية في البلاد العربيـة،
تحرير: سعيد النجار، أبو ظبي، 1988م.
([78]) انظر لتأصيل وجهة النظر هذه: عبد السلام العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية، عمان: مكتبة الأقصى، 1974م (ط1)، ص249-253. محمد فاروق النبهان، الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1984م، (ط2)، ص220-251.
الأستاذ الدكتور عبد الجبار السبهاني/ كلية الشريعة، جامعة اليرموك