دراسات قانونيةسلايد 1

(بحث قانوني) عقود التزامات المرافق العامة وأنواعها

مقدمة
تجد عبارة « البناء والاستغلال والتحويل » مصدرها في القوانين الأنجلوسكسونية من خلال تسمية:
Build, Operate and Tranfer (B.O.T). بينما لا تتضمن قوانين الدول اللاتينية هذه العبارة، وعلى رأسها فرنسا وكذا الدول التي تسير في فلكها وتأخذ بازدواجية القضاء (إداري وعادي). كما هو الحال بالنسبة للقانون الجزائري واللبناني والسوري والتونسي والمغربي وقوانين بعض الدول الإفريقية الفرنكوفونية …إلخ.

فعقود البوت (B.O.T) قد أوردها، إذن، القانون الأنجلوسكسوني الذي لا يعترف بوجود عقود إدارية متميزة عن العقود العادية. وذلك انطلاقا من عدم اعتلرافه وجود قانون إداري وقضاء إداري مستقلين عن القانون الخاص وعن جهات القضاء العادي.

بيد أن مختلف دول المعمورة أصبحت متأثرة بظاهرة العولمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم، خصوصا منذ تلاشي النظام الاقتصادي الموجه في الدول الاشتراكية التي كانت تدور في فلك ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي. ذلك أن هذه العولمة تفرض قواعد على مختلف دول العالم تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها أقوى دولة من من النواحي الاقتصادية والتكنولوجية والحربية.

كان رئيس وزراء تركيا Turgan Ozal هو أبرز من نادى في أوائل الثمانينات من القرن الماضي بتطبيق أسلوب BOT عند اجتماعه بشركات ومقاولات القطاع الخاص في بلده. حيث شرح استراتيجيته في التنمية الاقتصادية والإصلاح الاقتصادي. وذلك من خلال اقتراح إسناد مشاريع البنية التحتية إلى القطاع الخاص على أساس نهج اقتصادي مركب يدعى: إنشاء المشاريع واستغلالها من طرف الخواص، ثم تحويل في مرحلة لاحقة إلى الدولة.

الإشكالية التي تطرحها هذه الدراسة، تكمن في تحديد مفهوم عقد BOT، وإبراز مدى نجاعته كوسيلة للتنمية الاقتصادية في الدول النامية، وفي مقدمتها الدول العربية.

للإجابة على هذين التساؤلين، يجدر بنا تناول الموضوع في المحاور التالية: تحديد ماهية عقودBOT، وذلك من خلال التعريف بها وذكر الصور المختلفة لها(أولا)، ثم اظهار فوائد المشاريع الاقتصادية من نوع BOT على كل من الجولة والخواص (ثانيا). وبعدها تحديد الطبيعة القانونية لعقودBOT (ثالثا). ثم التعرض للالتزامات المتبادلة في عقود BOT ومقارنتها بالعقود المشابهة لها (رابعا). وأخيرا، نلقي الضوء على كيفية حل النزاعات الناتجة عن هذه العقود (خامسا).
تلك هي المحاور الخمسة التي نتوقف عند كل واحد منها بشيء من التفصيل في هذه الدراسة، حسب الترتيب المشار إليه أعلاه.
أولا: تحديد ماهية عقود الأنشاء والاستغلال والتحويل (B.O.T.)
تتحدد ماهية عقود BOT من خلال التعريف بها(أ)، وكذا سرد مختلف صورها(ب).
أ – التعريف بعقود BOT
حسب المختصين في الميدان الاقتصادي، تتمثل عقود BOT في كل من العمليات القانونية وعمليات الهندسة المدنية، المعدة في شكل عقد امتياز يبرم بين سلطة الدولة المضيفة ممثلة في الحكومة (أو إحدى الهيئات العمومية التابعة لها)، من جهة، وأحد المرقين المتمثل في شركة أو مجمع شركات، من جهة أخرى. وذلك بالاتفاق على تكليف الادارة للمتعاقد معه بإنجاز منشأة متعلقة ببنية أساسية واحدة أو أكثر. بحيث تنجز المنشأة بمساعدة تمويلات خاصة. مع استغلال تلك المنشأة المنجزة لمدة معينة. ثم يتم تسليمها بكاملها في نهاية المدة المتفق عليها إلى السلطة المتعاقد معها.( )

جاء في تقرير لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (I.C.D.U.N.C) تعريف لمشاريع BOT بأنها عبارة عن: أشكال لتمويل مشاريع تمنحها حكومة ما إلى مجموعة من المستثمرين أو إلى أحد الكيانات الخاصة يشار إليها بعبارة (الاتحاد المالي للمشروع). وذلك في شكل امتياز لصوغ مشروع معين وتشغيله وإدارته واستغلاله تجاريا لعدد من السنين، تكون كافية لاسترداد تكاليف البناء إلى جانب تحقيق أرباح مناسبة من العائدات المتأتية من تشغيل المشروع. وفي نهاية المدة المتفق عليها، تنتقل ملكية المشروع إلى الحكومة دون تكلفة. أو مقابل تكلفة مناسب، يكون قد تم الاتفاق عليه مسبقا.( )

في نفس السياق، عرّفت من جهتها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (O.N.I.D.O.) عقد BOT بأنه: اتفاق تعاقدي يتولى بمقتضاه أحد الأشخاص من القطاع الخاص إنشاء أحد المرافق الأساسية في الدولة، بما في ذلك عملية التقييم والتمويل والتشغيل والصيانة لهذا المرفق. حيث يقوم هذا الشخص الخاص بإدارة المرفق العام واستغلاله لمدة معينة. ويسمح له خلال هذه المدة بفرض رسوم مناسبة على المنتفعين من هذا المرفق. شريطة ألا يزيد عما هو مقترح في العطاء، وعما هو منصوص عليه في صلب العقد أو في اتفاق المشروع. وذلك لتمكين الشخص من استرجاع الأموال التي استثمرها ومصاريف التشغيل والصيانة، بالإضافة إلى عائد الاستثمار. وفي نهاية المدة الزمنية المحددة يلتزم الشخص المذكور بإعادة المرفق إلى الحكومة أو إلى شخص جديد يتم اختياره عن طريق الممارسة العامة.( )

غير أن تعدد وتنوع الاتفاقات التي تبرمها الدولة مع شركات القطاع الخاص (الوطني والأجنبي) لم تعد مقتصرة على الشكل التقليدي لعقد البناء والاستغلال والتحويل (BOT), بل أن تطور المعاملات الاقتصادية ولّد صورا كثيرة من العقود المشتقة من هذه التسمية.
ب- الصور المختلفة لعقود BOT
صارت الاتفاقات الاقتصادية والتجارية تأخذ اليوم تسميات مختلفة. بحيث أنها تكون منصبة، سواء على مشاريع استثمارية جديدة يتم إحداثها من العدم، أو على مشاريع قائمة من قبل.
1- الصور التعاقدية المنصبة على مشاريع جديدة
يمكن أن نذكر من هذه العقود المشتقة من عقد BOT الصور التالية، على سبيل المثال، لا غير.
ـ عقد البناء والتشغيل والتملك ثم التحويل (T.O.O.B) Operate , Owen and Tranfer Build,
يقصد بهذا العقد: الاتفاق المتضمن إقامة المشروع واستغلاله وتملكه مؤقتا لمدة محددة. ثم تحويله في نهاية تلك المدة إلى الدولة المتعاقدة.( )
ـ عقد البناء والتملك ثم التحويل (O.O.B) Owen and Operate Build,
هو عقد يتضمن شروط بناء المشروع وتملكه واستغلاله، وذلك طيلة مدة انتهاء عمره الافتراضي.
ـ عقد البناء والاستغلال والتجديد (R.O.B) operate and Renewal Build,
يبرم هذا العقد من أجل إنجاز مشروع وتشغيله طيلة فترة متفق عليها مسبقا، تم القيام بتجديده لفترة أخرى.

ـ عقد التصميم والبناء والتمويل والاستغلال (O.F.B.D) Desing, Build, Finance and Operate
يتميز هذا العقد في الاتفاق على عمل مسبق يتمثل في تصميم المشروع ثم إنجازه عن طريق توفير التمويلات اللازمة لتشغيله طيلة مدة محدودة، وتحويل المشروع إثر الدولة إثر انتهاء تلك المدة المتفق عليها.
ـ عقد البناء والتأجير والتحويل (T.L.B) Build, Lease and Transfer
وهو اتفاق يتم بمقتضاه بناء المشروع وتملكه مؤقتا من أجل تأجيره، سواء للمالك الأصلي أو للغير. ثم تحويله في نهاية المدة المتفق عليها في العقد إلى الحكومة.
ـ عقد البناء والاستئجار والتحويل (T.R.B) Build, Rent and Transfer
يتعهد الطرف المتعاقد مع الحكومة في هذا الاتفاق ببناء مشروع معين، على أن يقوم باستئجاره منها لمدة معينة بعد تشغيله. ثم يقوم بتحويله في نهاية العقد المتفق عليه إلى المالك الأصلي (الدولة)، أو إلى جهة محددة في العقد.
ـ عقد البناء والتحويل والتشغيل (O.T.B) Build, Transfer and Operate
يتم بموجب هذا العقد بناء المشروع من قبل المتعامل، ثم يتخلي عنه عن طريق تحويله إلى الحكومة المالكة له. وذلك شريطة أن تتولى هذه الأخيرة إبرام عقد آخر مع ذلك المتعامل، كي يشغل المشروع المنجز ويستغله لفترة امتياز محددة مقابل حصوله على إيرادات يتلقاها. ففي هذه الصورة من التعامل تكون الدولة مالكة للمشروع منذ نشأته، وبعد ذلك تبرم عقد امتياز جديد مع المتعامل، كي يستغل المشروع لفترة يتم الاتفاق عليها.
ـ عقد التأجير والتدريب والتحويل (T.T.L) Lease, Training and Transfer
يتعهد المستثمر التابع للقطاع الخاص في هذا العقد بتمويل المشروع وتدريب العاملين التابعين للدولة. ثم يتولى تأجير المشروع لها فيما بعد، كي تقوم بتشغيله خلال فترة محددة على أن يعود في نهاية تلك الفترة إلى ذلك المالك الخاص.
2- الصور التعاقدية المنصبة على مشاريع قائمة
هذه التعاقدات تلجأ إليها الدولة في حالة حاجتها إلى تجديد مشروع موجود واستخدامه. ونورد فيما يأتي صورا من هذه التعاقدات على سبيل المثال فحسب.
ـ عقد التحديث والتملك والتشغيل والتحويل (T.O.O.M)
Modernize, Operate, Owen and Transfer
يتعهد المتعامل مع الحكومة في هذا العقد على تحديث مشروع قائم من قبل، وذلك بتطويره تكنولوجيا وفقا للمقاييس العالمية مقابل تشغيله وتملكه لفترة متفق عليها. ثم تتم إعادته في نهاية تلك الفترة إلى المالك الأصلي دون مقابل.
ـ عقد الإيجار والتجديد والتشغيل والتحويل (T.O.R.L)
Lease, Renewal, Operate and Transfer
يتولى المتعاقد مع الحكومة في هذه الصورة باستئجار مشروع قائم ويقوم بتجديده وتشغيله خلال مدة إيجار متفق عليها. وفي النهاية يعيد المشروع إلى الجهة المالكة له دون قيد مقابل عن هذا التحويل.( )
ثانيا: فوائد المشاريع الاقتصادية من نوع BOT
لتقنية عقود BOT فوائد كثيرة تنعكس بالإيجاب على الطرفين المتعاقدين. وهما كل من الجهة الرسمية (الدولة) والشركة المنجزة للمشروع المتفق عليه.
ا- فوائد عقود BOT بالنسبة للدولة
تظهر أهمية عقود BOT، بمختلف صورها، عدة فوائد بالنسبة للحكومات. وتتمثل هذه الفوائد فيما يلي:
1-إقامة مشاريع جديدة دون الرجوع إلى الموارد العامة المستمدة من خزينة الدولة. وهي موارد قد تكون محدودة، خصوصا في ظروف معينة ( أزمة اقتصادية، حروب، اضطرابات داخلية، كوارث طبيعية …)
2- مساهمة الرأسمال الخاص (الأجنبي والوطني) في حل مشاكل المديونية الخارجية للدولة المعنية. وذلك باستغناء الحكومة عن الاقتراض، أو تقليصه على الأقل.
3-استفادة الدولة من التحول التكنولوجي والتحكم في التقنيات الحديثة للإنجاز والإنتاج والاستغلال (مصانع، موانىء، طرقات سريعة، مطارات، مركبات رياضية، شبكات توزيع المياه والكهرباء والغاز والاتصالات السلكية واللاسلكية …).
4-خلق مناصب شغل جديدة تساعد على التقليص من ظاهرة البطالة في الدولة.
5-استغلال رأسمال القطاع الخاص، وخاصة الوطني المتكدس في شكل كتلة نقدية ضخمة.
6-تفادي سلبيات الاقتراض التقليدي وما يشوبها من فساد في الحصول على القروض وتهريب للأموال نحو الخارج. ذلك أن الشركات المتعاقد معها بموجب عقود BOT تبقى هي المسؤولة عن عمليات التمويل والانجاز والتشغيل. وبالتالي تكون من مصلحتها اتمام هذه العمليات بأفضل الطرق، من أجل الحصول على أكبر قدر من الإيرادات والفوائد.
7-خلق نوع من المنافسة بين مشاريع عقود BOT والمشاريع التي تتم بواسطة طرق أخرى وتسيرها الدولة (عقود امتياز، صفقات عمومية، شراكة بين القطاعين العام والخاص …). وهو ما يخلق في النهاية تطويرا لمختلف المشاريع التي يستفيد منها المواطنون ومستعملو المرافق العامة.
8-تنشيط وتطوير مجالات اقتصادية كانت في السابق مهمشة، أو عبارة عن مشاريع بيروقراطية متهالكة يحتكرها القطاع العام، ممثلا في الدولة وهياكلها المركزية أو المحلية (الولايات والبلديات).
زيادة على الفوائد التي تجنيها الدول من عقود BOT، فإن هذه العقود تحقق كذلك فوائد للشركات المتعاقد معها في إطار فكرة « رابح / رابح Gagnant / Gagnant ».
اا- فوائد عقود BOT بالنسبة للشركات الخاصة
يترتب عن انجاز مشاريع عقود BOT المختلفة فوائد جمة على الشركات الخاصة (الأجنبية والوطنية). وهي فوائد يمكن جمعها في الآتي:
1- الاستفادة من الضمانات التحفيزية الواردة في قوانين الاستثمار التي تسنها الدولة لصالح المستثمرين الخواص (تشغيل المشروع مقابل عائدات، إعفاء من الضرائب لمدة معينة، …)
2-توجيه المشاريع المنجزة لصالح فئات هائلة من المستهلكين والمنتفعين (شباب، سواح، مرضى، أصحاب المركبات …) . وهو ما يؤدي إلى إقبالهم عليها بشغف. وبالتالي تحقق الشركات أرباحا هائلة في غالب الأحوال من تلك المشاريع (شبكات إنترنت، الهاتف النقال، مركبات سياحية وعلاجية ورياضية وطرق سريعة ومطارات…).
3-إمكانية التفاوض المباشرة مع السلطة المتعاقد معها في حالات كثيرة. وما يترتب عن ذلك من الحصول على تنازلات وامتياز أخرى غير التحفيزات الواردة في التشريعات الداخلية.
4-توزيع مخاطر المشروع التي تحدث أثناء تنفيذ العقد. وذلك بإمكانية القاء جزء من العواقب السلبية لتلك المخاطر على عاتق الدولة، في حالة وجود اضطرابات سياسية. والقاء جزء آخر على عاتق الأطراف الأخرى المتعاقد معها (موردون، مقاولون من الباطن) في حالة وجود مخاطرة تجارية.
ثالثا: الطبيعة القانونية لعقود BOT
يعرف جانب من الفقه عقد BOT بأنه: “عقد إداري حديث، يستهدف القيام بمشاريع ضخمه تعهد بها الدولة إلى إحدى الشركات الوطنية أو الأجنبية، للقيام بإنشاء مرفق عام وتشغيله لحسابها الخاص، مدة من الزمن، على أن تلتزم تلك الشركة بنقل ملكية المشروع إلى الدولة، أو إلى الهيئة العامة، بعد انقضاء المدة المتفق عليه.

من جهته، اعتبرت محكمة القضاء الإداري المصري أن عقد BOT ما هو إلا امتداد لعقد الامتياز. فصرحت بأن: ” التزام المرافق العامة ليس إلا عقد إداري يتعهد أحد أفراد أو الشركات بمقتضاه على نفقته وتحت مسؤوليته بتكليف من الدولة أو إحدى وحداتها الإدارية وطبقا للشروط التي توضع لها، بأداء خدمة عامة للجمهور وذلك مقابل التصريح له باستغلال المشروع لمدة محددة من الزمن واستيلائه على الأرباح.”( )

يرى بعض فقهاء القانون أن نظام BOT ليس بدعة أنجلوسكسونية محضة، وبالتالي ليس نظاما تعاقديا مبتكرا بكامله. بل أن جذوره ترجع إلى ما يعرف بفكرة عقد الامتياز التي كانت مطبقة في أواخر القرن 19 وبداية القرن 20 في كل فرنسا وبعض الدول الأخرى. لذلك فإن نظام BOT هو عبارة عن تطبيق عصري لنظام الامتياز الذي أوجده النظام الرأسمالي في البداية كإطار قانوني يتم من خلاله استغلال ثروات الدولة.( )

أما محاكم التحكيم الدولية، فهي تعتبر العقود التي تبرمها الدولة مع أشخاص أجانب بأنها عقود تابعة للقانون الخاص. حيث رفضت، مثلا، اعتبار عقد الامتياز الذي أبرم بين الدولة السعودية وشركة Aramco بمثابة عقد غير إداري. واستندت في ذلك على أن القانون السعودي الواجب التطبيق في عملية تكييف العقد لا يعرف هذه الطائفة من العقود الإدارية. وهو ما طبق أيضا بشأن النزاع الذي حصل بين الحكومة الليبية وشركة Texaco.( )

بالنسبة للجزائر رغم أن القانون الوضعي لا يعرف تسميته عقود BOT إلا أن هناك نصوصا تشريعية وأخرى تنظيمية قد أوردت ذكر الطبيعة القانونية لبعض العقود المشابهة له على أنها معاملات ذات طابع إداري طالما أن الدولة تكون طرفا فيها.

فرغم أن الجزائر لم تعرف تسمية عقد”BOT” إلا أن صيغة هذا العقد يمكن إيجادها من خلال الاطلاع على عقود الامتياز الموجودة في النصوص التشريعية والتنظيمية السارية المفعول. كما أنه توجد عقود أخرى قريبة من عقودBOT، مثل عقود الأشغال العامة، وعقود الصفقات العامة وعقود تفويضات المرافق العامة. وهو ما سنراه لاحقا في هذه الراسة.

يمكننا القول أنه من الناحية الفقهية تحتل عقود BOT موقعا وسطا بين عقود الامتياز التي تأخذ شكل عقود الأشغال العامة، من جهة، وعقود تفويض المرفق العام، من جهة أخرى. وفي هذا الاطار لجأ المشرع الفرنسي إلى تحديدعقد مقاولات الأشغال العامة عن طريق الاقتباس من النظام الانجليزي المشابه والمسمى PFI حيث أعطاها المشرع الفرنسي تسمية أخرى هي عقود « الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص

Partenariat Public Privé(PPP). غير أنه يعتبرها بصفة أساسية كعقد إداري.
رابعا: الالتزامات المتبادلة بين الأطراف في عقد BOT والعقود المشابهة له
إن العقود التي يبرمها أحد أشخاص القانون العام (الادارة المركزية أو المحلية) مع أحد أشخاص القانون الخاص(شخص طبيعي أو معنوي) ترتب التزامات متبادلة بين الطرفين. غير أن هذه الالتزامات تختلف في عقد BOT عن الالتزامات الواردة في عقود أخرى مشابهة له. مثل عقد الامتياز(1)، وعقد الأشغال العامة(2)، وعقد الخوصصة(3)، وعقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص(4)، وعقد تفويض المرفق العام(5).
1-عقد BOT وعقد الامتياز
يرتكز كل مشروع منصب على صيغة عقد BOT أساسا على عقد امتياز، تبرمه الدولة أو إحدى هيئاتها مع شركة أو مجمع شركات خاصة. وهذا الأسلوب في الامتياز عبارة عن تقنية تبادلية عرفتها التجارة الدولة منذ القدم.

لقد كان أسلوب الامتياز إلى غاية القرن الماضي ممارسا من طرف الدول المنتجة للبترول والشركات الكبرى المتعددة الجنسيات. وقد سمح ظهور نزاعات ناتجة عن قيام الدول النامية بتأميم بعض تلك الشركات مع تعويض الامتيازات التقليدية للمتعاملين بآليات جديدة. تمثلت في اتفاقيات تعاون أخرى، أُبرمت بين الدول المنتجة والشركات البترولية. ثم امتدت تلك الاتفاقيات من أسلوب عقود الامتياز إلى عقود أخرى في ميادين أخرى متعددة للبنى التحتية المتنوعة المظاهر. كانشاء الطرق وبناء المجمعات السكنية والموانئ والمطارات والسدود والكهرباء وشبكات المياه والكهرياء والغاو والاتصالات السلكية واللاسلكية…إلخ.( )

ليس الامتياز هو التقنية الوحيدة المستعملة في مشاريع BOT. ذلك أنه يوجد إلى جانب تقنية الامتياز ما سمى بتقنية: ” المفتاح في اليد Clé en main .” وهي عبارة عن عقود بناء، تقوم فيها مقاولة أو مجموعة مقاولات بإنجاز جميع المهام الخاصة بالمشروع والتي تكلفها بها الدولة صاحبة المشروع. بما في ذلك توريد العتاد ومواد التركيب ومهام أخرى مرتبطة بالإنجاز. والتي من ضمنها تحويل التكنولوجيا إلى الجهة المتعاقد معها. وهذا الأسلوب اتبعته الدول النامية ذات الموارد الطبيعية خلال سنوات السبعينات (مثل دول البترودولار Petrodollars countries).

كان الامتياز في أول مراحله يتضمن أشغالا، لذلك سمي بامتياز الأشغال العامة. ثم أصبح كوسيلة للمشاركة في تسيير المرافق العامة دون أن يتضمن أشغال عامة. وهو ما أصبح يسمى بعقد التزام المرافق العامة. ثم ظهر الامتياز كوسيلة متطورة لإنشاء وإدارة المرافق العامة. وهو ما يسمى بعقد إنشاء وتشغيل وتحويل المرافق العامة (BOT).

لقد استخدمت عقود الامتياز من نوع BOT لتنفيذ مشروعات السكك الحديدية ومحطات الكهرباء والتزويد بالماء الشروب. كما استعمله مصر سنوات الأربعينات من القرن 20 في تزويد مصر الجديدة بالكهرباء والماء وخطوط النقل بالسكك (ترام واي) وقبل ذلك في تشغيل قناة السويس في نهاية القرن 19. ثم اختفى هذا الأسلوب تقريبا، خاصة بالنسبة لمشروعات البنية التحتية. واقتصر تطبيقه في مجال التنقيب عن الثروات الطبيعية (وخصوصا البترول) في منتصف الثمانينات (1984). كما تم العمل بنظام BOT من خلال إبرام اتفاقية تنفيذ نفق المانش بين فرنسا وبريطانيا، من جهة. وشركة Euro chanel، من جهة أخرى.

بالنسبة للنظام القانوني الجزائري، أوردت المادة 18 من دستور 1996، المعدل آخر مرة سنة 2016 النص على ما يلي:” الملكية العامة هي ملك المجموعة الوطنية وتشمل باطن الأرض والمناجم، والمقالع، والموارد الطبيعية للطاقة، والثروات المعدنية الطبيعية والحية في مختلف مناطق الأملاك الوطنية البحرية، والمياه، والغابات. كما تمثل النقل بالسكك الحديدية والصيد البحري والبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، وأملاك أخرى محددة في القانون”( )

من جهتها، عرفت المادة 64 مكرر من القانون رقم 90/30 المؤرخ في 01/12/1990 المتعلق بالأملاك الوطنية، المعدل والمتمم، الامتياز قائلة: “يشكل منح امتياز استعمال الأملاك الوطنية العمومية، المنصوص عليه في هذا القانون والأحكام التشريعية المعمول بها، العقد الذي تقوم بموجبه الجماعة العمومية صاحبة الملك، المسماة (السلطة صاحبة حق الإمتياز)، بمنح شخص معنوي أو طبيعي، يسمى صاحب الامتياز، حق استغلال ملحق الملك العمومي الطبيعي تحويل أو بناء ولأمر استغلال منشآت العمومية لغرض خدمة عمومية لمدة معينة، تعود عند نهايتها المنشأة أو التجهيز، محل منح الإمتياز إلى السلطة صاحبة حق الإمتياز”.( )

من جهتها، نصت المادة 02 من القانون رقم 02-01 المؤرخ في 05/02/2002 المتعلق بالكهرباء وتوزيع الغاز بواسطة القنوات على أن: ” … الامتياز حق تمنحه الدولة لمتعامل يستغل بموجبه شبكة ويطورها فوق إقليم محدد، بهدف بيع الكهرباء أو الغاز الموزع بواسطة القنوات.” وأضافت المادة 7 من القانون ذاته تنص على أنه: “ينجز المنشآت الجديدة لإنتاج الكهرباء والغاز ويشغلها كل شخص طبيعي أو معنوي خاضع للقانون الخاص أو العام، حائز رخصة الاستغلال”.

في نفس السياق، تم تعريف عقد الامتياز بواسطة التعليمة الحكومية رقم842 المؤرخة في07-09-1994 بأنه: ” … عقد تكلف بمقتضاه الجهة الإدارية المختصة فردا أو شركة خاصة بإدارة مرفق عام واستغلاله لمدة معينة من الزمن، بواسطة عمال وأموال يقدمها صاحب حق الامتياز (الملتزم) على مسؤوليته، مقابل رسوم يدفعها المنتفعون من خدماته. وذلك في إطار النظام القانوني الذي يخضع له هذا المرفق.( )
رغم اتفاق غالبية فقهاء القانون العام على أن عقود BOT تجد أساسها في عقود الامتياز، فإنه مع ذلك توجد عدة اختلافات بين هذين النوعين من العقود. ويظهر ذلك في عدة نقاط، أهمها:
– عقود BOT هي عقود تمويلية بينما تكون عقود الامتياز مقترنة بالتسيير. إذ يقوم المستثمر في عقد BOT بتصميم المشروع وبنائه وتحمل تكاليفه من خلال شراء المعدات والآلات المستخدمة فيه. وبذلك يتكفل هذا المستثمر بعبء اقتصادي ضخم.
– الجهة التي تتحمل المخاطر الواقعة في عقود BOT هي مؤسسات التمويل، وبالتالي تكون عائدات المشروع هي الضامنة له. ومن هنا لا يقع العبء على شركة المشروع ولا على السلطة المتعاقدة، مثلما قد يحصل في عقد الامتياز.
– رمزية الرسوم التي يتقاضاها الملتزم في عقد الامتياز من المنتفعين بخدمات المرفق العام. وذلك بالمقارنة مع الرسوم التي تتقاضاها شركة مشروع BOT من أجل تغطية نفقات الإنجاز والتشغيل.( )
توجد بعض النقاط المشتركة بين أسلوب الامتياز وأسلوب BOT في التعاقد بين الدولة والقطاع الخاص (ا). غير أن هاتين التقنيتين تختلفان في جوانب أساسية (ب(.
أ- النقاط المشتركة بين أسلوب الامتياز وأسلوب BOT
تشترك عقود الامتياز وعقود BOT في نقطتين اثنتين هامتين؛ هما:
– اللجوء إلى شخص خاص: حيث تتولى في كل من الأسلوبين مؤسسة خاصة عملية استغلال مشروع عمومي خلال مدة محددة في العقد. وتتولى الدولة ممارسة الرقابة في نهاية العقد. وبالتالي فإن الفوائد الصافية للمشروع تتحقق في منظور مدة العقد.
على المستوى التجاري والتقني، يسمح هذان الأسلوبان للمستفيد من العقد أن يطلب تدخل الدولة لحل مشاكل التنظيم والاستفادة، في بعض الحالات، من امتيازات الاحتكار والحماية من المنافسة خلال مسار اختيار المتعامل معها إلى غاية انتهاء العقد. وهو ما يؤدي إلى عقلنة طرق التسيير الاقتصادي. من الناحية القانونية، يسمح كل من أسلوب الامتياز وأسلوب BOT بتوافق صلاحيات السلطة العمومية تجاه إحدى المرافق العمومية أو فرع معين منها مع المصالح المشروعة للمستغل الخاص، وخاصة فيما يتعلق بحصوله على عوائده مقابل تحمله مخاطر معينة.
تحويل المخاطر إلى المتعامل الخاص صاحب الامتياز: بحيث لا يمكن تطبيق المفهوم التقليدي لتحمل المخاطر والأضرار برمته. بل يتعين التدخل المباشر للمتنازل من أجل المحافظة على بقاء المشروع موضوع الاستثمار في إطار ديمومة المرفق العام.
ب- نقاط الاختلاف بين أسلوب الامتياز وأسلوب BOT
رغم أن تحويل المحاظر يشكل نقطة مشتركة بين أسلوبي الامتياز و BOT، فإن هذا التحول يشكل أيضا نقطة اختلاف بين هذين الأسلوبين، خصوصا فيما يتعلق بكيفية توزيعه للمخاطر بين طرفي كل عقد. كما يوجد فارق آخر متعلق بمردود المشروع، فيما يخص فوائد المتعامل الخاص.

يتم تحقيق الإيرادات والفوائد في أغلب مشاريع عقد BOT. غير أنه يحدث أحيانا أن يتدخل الشخص العمومي في تمويل المشروع، سواء بقبول ضمانات أو منح مساعدات. كما أن عقد الامتياز قبل أن يكون عقدا، فهو يشكل أسلوبا لتسيير المرفق العام. وبالتالي يجب ألا يرتكز العقد فيه سوى على منطق اقتصادي. بينما يكون هدف عقد BOT دائما هو البحث عن أحسن مردود للمرفق العام بغرض تحقيق كل من المصلحة العامة والمصلحة الخاصة في آن واحد.

على أي حال، هناك كثير من التزاحم والمسائل المشتركة بين هذين الأسلوبين من أساليب تقديم الخدمة. لأن هذه الخدمة هي الفضاء الذي تلتقي فيه الأشخاص العمومية والخاصة من أجل تحقيق حاجة ذات مصلحة عامة أو إنجاز ملك له فائدة جماعية. ولهذا السبب أساسا نلاحظ أنه داخل المقاربة التقليدية لعقود BOT توجد تصورات وتطبيقات للقانون العام.
توجد مقاربات أخرى بين عقد BOT وعقود أخرى شبيهة بها. مثل صفقات الأشغال العمومية.
2- عقد BOT وعقد الأشغال العامة
يعرف عقد الأشغال العامة بأنه عبارة عن صفقة عمومية تبرمها الدولة أو إحدى الإدارة العامة مع مقاولة أو أكثر، من أجل قيام هذه الأخيرة بأشغال بناء أو ترميم أو صيانة منصبة على عقار. ذلك بغرض تحقيق مصلحة عامة شريطة أن يتم ذلك على أساس دفتر شروط معد مسبقا لهذا الغرض، مقابل مبلغ مالي تدفعه الجهة الإدارية المعنية

يتفق عقد الأشغال العامة مع عقد BOT في أنهما يتم تنفيذهما لفائدة جهة حكومية (إدارة عامة) مقابل بدل معين يقبضه منجز كل مشروع من المشروعين. .

غير أن هذين العقدين يختلفان في كون صفقة الأشغال العامة يتولى فيها المقاول إنشاء المشروع وتسليمه إلى الجهة الإدارية كي تديره هي بمعرفتها. إذ تنتهي مهمة المقاول في هذا العقد بمجرد إتمام الالتزامات المتفق عليها. أما في عقد BOT، فإن الملتزم يتولى إنشاء المشروع ثم يدير المرفق العام بنفسه لمدة معينة. كما أن مقاول عقد الأشغال العامة يتلقى أتعابه من الإدارة المتعاقد معها ، بينما يتلقى مقاول عقد BOT أتعابه من الرسوم التي يدفعها المنتفعون من المشروع الذي يسيره. وذلك، بطبيعة الحال، لمدة أكبر من مدة إنجاز عقد مقاولة الأشغال العامة.( )

بالإضافة إلى تشابه واختلاف عقد BOT مع العقدين التقليديين وهما عقد الامتياز وعقد الأشغال العامة، يوجد عقدان آخران حديثان يقترب منهما عقدBOT ويختلف عنهما في آن واحد. هوما عقد الخوصصة وعقد الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.
3-عقد BOT وعقد الخوصصة

يعرف الاقتضاديون الخوصصة (أو الخصخصة) (Privatisation) بأنها عملية ترتكز على تحويل ملكية المشروعات وتسييرها من القطاع العام إلى القطاع الخاص

عرفت الخوصصة من الناحية القانونية بأنها عقد إداري تبرمه الإدارة العامة مع طرف آخر ينتمي للقطاع الخاص يتضمن بيع مشروع مملوك للدولة ونقل ملكيته كليا أو جزئيا للطرف المتعاقد معه. وفي حالة النقل الجزئي للملكية، يكون هذا الطرف مساهما في رأس المال مع الطرف الأول (الدولة). بينما في حالة نقل ملكية المشروع كليا تنقطع صلة الإدارة نهائيا بالمشروع.( )

بالنسبة للقانون الجزائري، عرف المشرع الخوصصة بموجب الأمر رقم 01-04 المؤرخ في 20 أوت 2001 المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية وتسييرها وخوصصتها. حيث نصت المادة13 منه على أنه: “يقصد بالخوصصة كل صفقة تتجسد في نقل الملكية إلى أشخاص طبيعيين أو معنويين خاضعين للقانون الخاص من غير المؤسسات العمومية. وتشمل هذه الملكية:
– كل رأس مال المؤسسة أو جزء منه تحوزه الدولة مباشرة أو غير مباشرة و/أو الأشخاص المعنويون الخاضعون للقانون العام، وذلك عن طريق التنازل عن أسهم أو حصص اجتماعية أو اكتتاب لزيادة في الرأسمال.
– الأصول التي تشكل وحدة استغلاله مستقلة في المؤسسات التابعة للدولة.”( )
يتشابه عقد BOT مع عقد الخوصصة في أن الأموال العامة يجري تملكها من طرف القطاع الخاص. غير أن هذين العقدين يختلفان في كون عقد BOT ينصب على تسيير مرفق عام لمدة محددة من طرف الملتزم (شركة المشروع)، مع احتفاظ الدولة بحق السيطرة عليه من خلال وضع شروط مسبقة تتصل بإنشائه، فضلا عن الحق في الرقابة والإشراف حتى انتقال ملكية المشروع إليها في نهاية فترة الامتياز. أما في عقد الخوصصة فيتم نقل ملكية المشروع إلى الشخص المتنازل له.
4- عقد BOT وعقد الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص
يعرف عقد الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص Partonariat Public-Privé (PPP) بأنه عقد طويل المدة تشترك بمقتضاه مؤسسة تابعة للقطاع العمومي مع مؤسسة من القطاع الخاص في إنجاز وتشغيل منشأة عامة، يمكن أن يكون موضوع نشاطها خدمة مرفق عام. وينص في العقد على النتائج المنتظرة من الشراكة، وتحديد مسؤوليات طرفي العقد والاستثمارات وكذا المخاطر والأرباح. ويكون الهدف من هذا العقد هو تحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين.”( )

لقد عرف المشرع الفرنسي هذا النوع من العقود في القانون رقم 2008-735 المتعلق بعقود الشراكة. حيث نصت المادة الأولى (فقرة01) تقول: “عقد الشراكة هو عقد إداري توكل بمقتضاه الدولة أو إحدى المؤسسات العمومية للغير، ولمدة محددة لاستغلال الاستثمار أو كيفيات التحويل المتبعة مهمة شاملة لها موضوع التمويل أو البناء أو التحويل أو الصيانة أو الأشغال أو تسيير المنشآت أو العتاد أو الملكية اللامادية الضرورية للمرفق العام.”( )

تتفق عقود البناء والتشغيل والتحويل (BOT) مع عقود الشراكة العامة والخاصة (PPP) من حيث المهام الواردة في العقد والتي تستهدف تمويل وتسيير مشاريع البنية الأساسية، وكذا من حيث طول المدة التعاقدية. بل أن هناك من يرى أن عقود BOT تعد نموذجا من نماذج عقود الشراكة.

غير أن هذين العقدين يختلفان من حيث تحمل المخاطر المالية والتشغيل والإدارة. إذ نجد أن هذا التحمل يقع في عقود BOT على عاتق شركة المشروع مقابل تلقي كل العائدات التي يديرها المشروع طيلة الفترة التعاقدية من أجل تحقيق الأرباح. أما عقود الشراكة PPP، فهي تتضمن النص على تقاسم المخاطر والاستثمارات والأرباح. بالإضافة إلى أن المقابل المالي في عقود الشراكة يتحدد في شكل ثمن مجزإ، تدفعه الإدارة طوال مدة العقد بصفة دورية (شهرية أو نصف سنوية).( )
5- عقد BOT وعقد تفويض المرفق العام
يعرف المشرع الفرنسي تفويضات المرافق العامة بأنها: ” العقود التي يوكل فيها شخص معنوي تابع للقانون العام تسيير مرفق عمومي هو مسؤول عنه مفوض له عام أو خاص يتلقى أجورا متعلقة باستغلال المرفق.”( )

إن عبارة ” تفويض المرفق العام” تختلف عن عبارة ” الصفقات العمومية”. حيث تبرم هذه الصفقات بين سلطة المناقصة ومتعاملين اقتصاديين (عموميين أو خواص) من أجل تلبية احتياجاتها في مادة الأشغال أو التوريدات أو الخدمات. وعقد تفويض المرفق العام الذي له نظام قانون محدد في المادة 1411-1 وما يليها من القانون الفرنسي العام للمجموعات الاقليمية، يختلف إذن عن مجرد عقد الاستغلال. وذلك من خلال طريقة تمويله المرتبطة بصفة جوهرية بنتائج استغلال المرفق. كما هو الحال بالنئبة لمرافق مياه الشرب والتطهير والنقل. ويعتبر عقد تفويض المرفق العام في فرنسا عقدا إداريا. لأنه يستجيب إلى معايير القانون الاداري. لأن موضوعه تسيير مرفق عمومي. وأن المفوض عبارة عن شخص عمومي. والعقد يحتوي على شروط تسلطية مستمدة من القانون العام.( )

فيما يخص للجزائر، ورد النص على تفويضات المرفق العام في المواد من 207 إلى 210 من المرسوم الرئاسي الصادر سنة 2015 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية وتفويض المرفق العام. حيث نصت المادة 207 على ما يلي: ” يمكن الشخص المعنوي الخاضع للقانون العام المسؤول عن مرفق عام، أن يقوم بتفويض تسييره إلى مفوض له. وذلك ما لم يوجد حكم تشريعي مخاف. ويتم التكفل بأجر المفوض له، بصفة أساسية، من استغلال المرفق العام. وتقوم السلطة المفوضة التي تتصرف لحساب شخص معنوي خاضع للقانون العام بتفويض تسيير المرفق العام بموجب اتفاقية. وبهده الصفة، يمكن السلطة المفوضة أن تتعهد للمفوض له بإنجاز منشآت واقتناء ممتلكات ضرورية لتسيير المرفق العام …”( )

خامسا: طرق تسوية المنازعات الناتجة عن عقود التزامات المرافق العامة (BOT)
صارت الدول المعاصرة اليوم تسير مرافقها العامة ذات الطابع الإداري والاقتصادي والثقافي بطرق عديدة. منها ما يأخذ شكل التسيير المباشر. ومنها ما يأخذ شكل التسيير غير المباشر. وفي هذه الحالة الأخيرة تلجأ إلى عقود BOT، وإلى عقود الامتياز، أو غيرها من المعاملات المتعلقة بتسيير المرافق العامة. وفي هذا المضمار، يمكن أن تنشأ خلافات بمناسبة تنفيذ العقود المبرمة. وهو ما يدعونا إلى التطرق إلى حل نزاعات عقود BOT المعنية بهده الدراسة.

أوردت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي في إحدى توصياتها بأن الجهة المانحة للامتياز تكون حرة في الاتفاق على تسوية النزاعات المتعلقة بتنفيذ مشاريع البينة الأساسية ذات التمويل الخاصة مع أطرافه.

من الطبيعي أن يرافق تنفيذ مشاريع عقود BOT منازعات قانونية وفنية ومالية. لذلك تتفق الأطراف المتعاقدة في غالب الأحوال على وسائل حل تلك النزاعات بطرق مختلفة فيما بينها دون اللجوء إلى المحاكم.

تأخذ تلك الوسائل التفق عليها أشكالا ودية مختلفة مثل التفاوض والوساطة والتوفيق والاستعانة بالخبراء والمحاكمات المصغرة (أ). كما تتفق الأطراف على أنه في حالة عدم التوصل إلى حل بتلك الطرق الودية، يمكنها اللجوء إلى التحكيم الدولي (ب). كما يوجد طريق ثالث يتم اللجوء إليه في حالة عدم الوصول إلى حل ودي بسيط أو حل تحكيمي. ألا وهو طريق التقاضي (ج).
أ – تسوية منازعات عقود BOT بالطرق الودية البسيطة
منذ أن ظهرت مشروعات البنى التحتية (الأساسية) ذات التمويلات الخاثة، أصبحت الدول توفر النصوص القانونية ذات الطابع التشريعي والتنظيمي لتضمن لشركات الانجاز سهولة إبرام العقود وضمان حقوقها وتوفير التسهيلات بما يكفل لها الحصول على عوائد عملها ضمن شكل المشروع المتفق عليه.
وتتبنى الدولة والشركات الخاصة الاتفاق على طرق بديلة تراها مناسبة لحل النزاعات الناشئة بصفة ودية، تأخذ صور عديدة، أبرزها.
1- التفاوض Negociation
التفاوض عبارة عن شكل من الحوار، يجري بين أطراف عقد BOT قد يؤدي في النهاية إلى التصالح، من أجل وضع حد للخلاف القائم بينهما. ويتمثل التفاوض في تبادل وجهات النظر حول مسألة قائمة ذات طابع قانوني أو فني(تقني) أو مالي، بغية التوصل إلى تسويتها بما يؤدي في النهاية إلى ضمان مصلحة كل طرف بالقدر الممكن.

قد يأخذ الاتفاق الناتج عن التفاوض شكلا عرفيا، يحرر بين الأطراف بعيدا عن القضاء. كما يمكن أن يكون رسميا، إذا ما طلب طرفاه من المحكمة التي تتولى النظر في النزاع المصادقة عليه، عند التقدم أمامها.

يمكن التفاوض أن يكون مباشرة بين أعوان الجهات المتعاقدة. كما يمكنه أن يتم بمساعدة الغير الذي يجري الاتفاق عليه. وطالما أن طبيعة الخلافات بين طرقي العقد تكون متعددة ومتنوعة (قانونية، هندسية، مالية، …)، فمن الضروري أن يكون المساعد في المفاوضات خبيرا في المجال المختلف بشأنه، وفي طرق تسوية الاختلافات والاشكالات.( )
2-التوفيق والوساطة Conciliation et Médiation
تستعمل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي هذين المصطلحين كمترادفين. فحسب المادة الأولى (فقرة 3) من القانون النموذجي للجنة المذكورة: ” يقصد بالتوفيق أي عملية، سواء أشير إليها بتعبير التوفيق أو الوساطة أو بتعبير آخر ذي مدلول مماثل. يطلب فيها الطرفان إلى شخص آخر أو أشخاص آخرين (الموفق). مساعدتها في التوصل إلى تسوية ودية لنزاعها الناشئ عن علاقة تعاقدية أو علاقة قانونية أخرى أو المتصل بتلك العلاقة. ولا يكون للموفق صلاحية فرض حل للنزاع بين الطرفين.”

يعني التوفيق في عقود BOT الاتفاق بين الأطراف على اختيار شخص (طبيعي أو معنوي) يطلق عليه الموفق Conciliateur من أجل أن يقترح عليهما حلولا بشأن الخلافات الواقعة بينهما. وهو الأسلوب الذي أخذت به كثير من الدول، مثل بريطانيا ومختلف بلدان أمريكا اللاتينية.

أما الوساطة فهي تعني لجوء طرفي عقد BOT إلى شخص ثالث يطلق عليه الوسيط Mediateur، كي يتولى مساعدتهم في حل الخلافات القائمة بينهم. وتتم هذه الوساطة من خلال قيام الوسيط بتقييم الاقتراحات وتقديمها للأطراف، عساها أن تكون تلك المقترحات عاملا يساعد على التفاهم بشأن مسألة معينة.

يلعب كل من التوفيق والوساطة دورا بتمثيل في بذل عناية حميدة بين المتقاعدين بعيدا عن فكرة التخاصم بينهما وهو ما يمكنهما من المحافظة على العلاقات الودية القائمة بينهما. ويبقى الطرفين حرين في قبول أو رفض مقترحات الشخص الساعي بينهما إلى حل الخلاف مهما كانت تسميته موفقا أو وسيطا.

لقد وضعت لجنة القانون الدولي التجاري (U.N.I.C.I.T.R.A.L.) مجموعة من القواعد النموذجية الخاصة بعملية التوفيق تدعى Unicitral Conciliation Rules وحثت تلك اللجنة الجمعية العامة للأمم المتحدة باستخدامها بموجب توصيتها رقم 52 – 35 لعام 1980. حيث جاء في هذه التوصية ما يلي: ” في حالة تسوية منازعات مشاريع البنية الأساسية ذات التمويل الخاص عن طريق التوفيق، يجب استخدام قواعد الأونسيترال المتعلقة بالتوفيق، والسارية المفعول وقت نشوء النزاع.”

عمليا، يوجد عدد من المركز والمؤسسات العمومية والخاصة تعرض خدمات التوفيق. حيث تحترم هذه الجهات خصوصيات عملية التوفيق التي تتسم بالسرية وبساطة إجراءاتها وسرعة نفاذها، دون تكاليف باهضة قياسا باللجوء إلى إجراءات التقاضي.( )

فيما يتعلق بالجزائر، أورد قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري الصادر سنة 2008 طريق الصلح كطريق بديل لحل الخلافات القائمة بين الأطراف. وذلك في المواد من 990 إلى 993 منه، حيث يمكن سلوك طريق المصالحة سواء قبل اللجوء إلى التقاضي أو خلاله.
في هذا الصدد، نصت المادة 990 على أنه: ” يجوز للخصوم التصالح تلقائيا، أو بسعي من القاضي، في جميع مراحل الخصومة.” وأضافت المادة 991 تنص على أنه: ” تتم محاولة الصلح في المكان والوقت الذي يراهما القاضي مناسبين، ما لم توجد نصوص خاصة في القانون تقرر خلاف ذلك. “وأردفت المادة 992 النص على أنه: ” يثبت الصلح في محضر، يوقع عليه الخصوم والقاضي وأمين الضبط ويودع أمانة ضبط الجهة القضائية.” وختمت المادة 993 بالنص على أنه: ” يعد محضر الصلح سندا تنفيذيا بمجرد إيداعه أمانة الضبط.”
من جهة أخرى، أورد المشرع الجزائري طريقا بديلا يدعى الوساطة، حيث يتم اللجوء إليه لحل النزاعات قبل مواصلة التقاضي. وقد ورد النص على هذا الطريق في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري في المواد من 994 إلى 1005.

نصت المادة 994 (فقرة أولى) على أنه: ” يجب على القاضي عرض إجراء الوساطة على الخصوم في جميع المواد، باستثناء قضايا شؤون الأسرة والقضايا العمالية وكل ما شأنه أن يمس بالنظام العام.” وأضافت الفقرة الثانية من هذه المادة تنص على أنه: ” إذا قبل الخصوم هذا الإجراء، يعين القاضي وسيطا لتلقي وجهة نظر كل واحد منهم ومحاولة التوفيق بينهم، لتمكينهم من إيجاد حل للنزاع.” ونصت المادة 1004 على أنه: ” يقوم القاضي بالمصادقة على محضر الاتفاق بموجب أمر غير قابل لأي طعن، ويعد محضر الاتفاق سندا تنفيذيا.”

في هذا الإطار، نصت المادة 58 من القانون الجزائري رقم 05-07 المؤرخ في 28/04/2005 المتعلق بالمحروقات، المعدل والمتمم على أنه: « يسوى كل خلاف بين الوكالة الوطنية لتثمين مواد المحروقات (النفط) والمتعاقد، ينجم عن تفسير و/أو تنفيذ العقد أو تطبيق هذا القانون و/أو النصوص المتخذة لتطبيقه عن طريق المصالحة المسبقة وفق الشروط المتفق عليها ».
3-الخبرة الفنيةTechnical experience (Expertise technique)
باتت الخبرة من الوسائل الودية البديلة لحل مختلف المنازعات، خصوصا منازعات المشاريع الاقتصادية، والتي من ضمنها مشاريع عقود BOT. حيث يتولى الخبير أو الخبراء المتفق عليهم من أطراف العقد بإبداء الرأي الفني حول مسألة مختلف بشأنها، سواء من الناحية القانونية أو التقنية أو المالية. وكذا تقدير المصاريف والتكاليف المترتبة عن حالة اللجوء إلى مرحلة لاحقة لحل النزاع مثل مرحلة التحكيم الدولي أو مرحلة التقاضي. وفي نهية المهمة التي خلصت لها الحبرة، يمكن طرفي النزاع الاهتداء بما جاء فيها من حلول مقترحة أو تركها جانبا.( )

عند فشل أطراف العقد في الأخذ بالاقتراحات الواردة في تقرير الخبير المتفق عليه، يمكنهما اللجوء إلى وسيلة بديلة أخرى عساهم أن يجدا فيها حلا للاختلافات الواقعة بينهما بطريقة ودية.
4- المحاكمة المصغرة Mini Trial
إن عبارة المحاكمة المصغرة (Mini-Tial) قادمة من التطبيق الاجرائي الأمريكي لحل النزاعات التجارية. وتأخذ المحاكمة المصغرة موقعا بين الوساطة والتحكيم. بحيث تتم إجراءاتها على مرحلتين اثنتين: في المرحلة الأولى، يعرض الخلاف على محكمين وديين يبدون رأيهم الأولي في الخصام دون أن يكون ملزما للأطراف. ثم تأتي المرحلة الموالية للمحاكمة المصغرة. أين تقدم فيها الوثائق والمستندات. وهنا يبدي أعضاء المحكمة المصغرة رأيهم النهائي في بشأن حل النزاع المعروض عليهم. وعندما لا يقبل الأطراف هذا الحل الودي، يمكنهم اللجوء إلى التحكيم أو إلى الجهة القضائية المختصة.( )

عن طريق المحاكمة المصغرة، يتم طرح النزاع على هيئة ثلاثية على الأقل يرأسها شخص محايد. حيث يختار كل طرف في العقد ممثلا أو أكثر عنه من كبار أعوانه ممن لهم خبرة ودراية بشأن النزاع. ثم يختار الرئيس من قبل الأعضاء المذكورين الممثلين لأطراف العقد، وذلك بالاتفاق عليه. وفي حالة عدم الاتفاق على رئيس لجنة المحاكمة المصغرة يتم اختياره من قبل جهة محايدة عن أطراف النزاع، مثل غرف التجارة ومراكز التحكيم. ومن هذه التشكيلة تتكون هيئة المحاكمة المصغرة.

لقد نجح هذا الأسلوب بشكل متميز خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية في حل الكثير من المنازعات المعقدة. حيث يقوم محامو الأطراف بتقديم مقترحات عن الحلول التي يتوصلون إليها إلى المدراء التنفيذيين لأطراف العقد، إذ يتمتع هؤلاء بصلاحية حسم النزاع وفق هذه المقترحات دون اللجوء إلى مرحلة أخرى أكثر تعقيد.( )

أخيرا، يمكننا القول أنه تتفق كل الوسائل الودية لحسم النزاعات التي تنشأ بين أطراف عقود BOT في أنها وسائل تهدف إلى التوصل إلى تسويات ودية وسريعة وغير مكلفة. كما تتفق هذه الوسائل في أنها تبقى ملكا لإرادة أطراف المشروع. لأنها تشكل طرقا يتم تنظيمها حسب إرادتهم المشتركة. وذلك بسبب عدم وجود تنظيم قانوني (داخلي أو دولي) يحكمها بكيفية مدققة. فهي إذن عبارة عن وسائل تعارف عليها المعنيون من أجل تسوية المنازعات التي حصلت في السابق في مجال المشاريع الاستراتيجية ذات التمويل الخاص وغيرها من المنشآت الدولية.

أحيانا، لا تؤدي الطرق البسيطة المذكورة أعلاه إلى حل النزاع بين الأطراف المتعاقدة بشأن مشاريع عقود. لذلك فهم يلجأون إلى طريق آخر له تعقيداته وتكاليفه، وهو ما يسمى طريق التحكيم الدولي.

ب-تسوية نزاعات عقود BOT عن طريق التحكيم الدولي
أصبح اللجوء اليوم إلى طريق التحكيم الدولي أمرأ واقعا بين الأطراف المتعاقدة بشأن مشاريع BOT. حيث يضعون هذه الوسيلة في متن عقودهم الأصلية أو في عقود لاحقة.

لهذا الطريق جدية في حسم النزاع في إطار السرية اللازمة للمعاملات. إذ أنه يأخذ في الحسبان أعراف التجارة والصناعة وقواعدهما من أجل تلاقي تعقيدات اللجوء إلى إجراءات التقاضي المعقدة والطويلة جدا في مثل هذه المسائل، مثل الخبرات الكثيرة وتعدد درجات التقاضي وطرق الطعن العديدة وطرق التنفيذ …).

غير أن مزايا التحكيم الدولة في حسم منازعات عقود BOT لا تجعله طريق يخلو من بعض العيوب والمساوئ. ويأتي في مقدمتها النفوذ الموجود لدى الدول الصناعية للتحكم في قرارات مراكز تحكيم التجارة الدولية وارتفاع تكاليف خدمات هذه المراكز. يضاف إلى ذلك الضغوط التي تمارسها الشركة الدولية العملاقة على الطرف الضعيف في العقد وهو الدولة النامية بصفة هذه الأخيرة هي الطرف الآخر في العقد. فتمارس تلك الشركات المتعددة الجنسيات ضغوط على المحكمين من أجل إصدار قرارات في صالحها.

من الأمثلة على الضغوط المذكورة، نذكر ما عرف بقضية ” الشيخ شخبوط “ بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة. حيث طبق المحكم القانون الإنجليزي بدلا من القانون الإماراتي بدعوى أن القانون الأول يمثل المبادئ العامة للقانون.

نذكر دائما على سبيل المثال ، قضية شركة Aramco الأمريكية. حيث طبق المحكم قواعد القانون الدولي العام رغم اتفاق الجانب السعودي مع الشركة المذكورة على تطبيق القانون السعودي. فقد تحجج المحكم بأن تطبيق القانون السعودي يعني تطبيق الشريعة الإسلامية. وبالتالي فإن أحكام هذه الأخيرة لا تكفي لتنظيم وتسوية منازعات الاستثمارات في عقود البترول.( )

من سلبيات طريق التحكيم، تذكر أيضا عدم تمتع هيئات التحكيم بصلاحية إلزام الشهود بالحضور أمامها أو ردعهم بعقوبة في حالة امتناعهم عن تأدية الشهادة المطلوبة منهم. وهو ما قد يعرقل حسن آداء تلك الهيئات التحكيمية. لمهامها في سبيل تحقيق العدالة الواقعية بين أطراف عقد التحكيم.( )

يضاف إلى ذلك وجود مجال للطعن في أحكام المحكمين بالبطلان أمام القضاء. وهو ما يؤدي إلى فقدان طريق التحكيم لميزته في سرعة حسم المنازعات. وبالتالي ينعكس ذلك سلبا، بطبيعة الحالة، على تنفيذ مشروعات البنية التحتية ومنها مشاريع عقود BOT.( )

لا يزال الجدول الفقهي مستمرا بشأن الأخذ بأسلوب التحكيم في فض النزاعات المتعلقة بالاستثمار. حيث يرى الاتجاه المعارض بأن الحجج التي تبرر التحكيم يمكن الأخذ بها فقط في حالة انصبابه على علاقات القانون الخاص، بخلاف المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها. لأن عقود الدولة لها طابع متميز. إذ أنها تخضع لأحكام القانون الإداري، التي هي في معظمها قواعد قضائية أنشأها القضاء الإداري. وبالتالي فإن المنازعات الادارية لا تخضع للتحكيم.

ذهب كذلك البعض من المعارضين للتحكيم إلى أن عقود الدولة تقوم على أساس المصلحة العامة. وتبعا لذلك فإن اللجوء إلى التحكيم يعني تغليب المصالح الخاصة للشركة المستفيدة من الامتياز، وبالتالي يعني الإخلال بالنظام العام.( )

الواقع أن الأصل في هذا الجدل يرجع للاختلاف بين النظم القانونية المقارنة في تكييف عقود مشروعات البنية التحتية ذات التمويل الخاص، ومنها مشاريع عقود BOT، وتصنيفها ضمن عقود القانون العام أو عقود القانون الخاص.

غير أن هذه الخلافات لم تعد تقف في وجه اللجوء إلى التحكيم لفض منازعات هذه المشاريع. حيث أثبت الواقع العملي أن التحكيم أصبح يفرض نفسه باعتباره الوسيلة الأكثر انتشارا لتسوية المنازعات الناتجة عن المشاريع التي تتطلبها التنمية الاقتصادية الملحة في الدول النامية. وذلك من أجل بث الطمأنينة لدى الشركات المستثمرة لدى الدول وتشجيعها على مواصلة إبرام عقود المشاريع الاقتصادية الاستثمارية التي تعجز ميزانية تلك الدول في تمويلها.

أصبحت الدولة اليوم تتفق مع الشركات الاستثمارية على عدة حلول لفض نزاعاتها بشأن تنفيذ عقود البنى التحتية لإحداث التوازن بين مصالح أطراف العقد وذلك من خلال النص على ضمانات معينة. كاشتراط الدول مانحة الالتزام تطبيق قانونها الوطني على النزاع أو اختيار المحكمين من قبل طرفي عقد التحكيم أو الاتفاق مقدما على قواعد تسوية المنازعات أو اللجوء إلى مركز التحكيم المشهود لها بالجدية والموضوعية والنزاهة. مثل المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بواشنطن الذي أنشئ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المتعلقة بتسوية المنازعات بين الدولة العضوة ومواطني الدول الأخرى.( )

على الصعيد العربي تم إبرام اتفاقية منازعات الاستثمار التي وافق عليها مجلس الوحدة الاقتصادية في 06/12/2000. حيث يقوم هذا المجلس بدور مماثل لدور المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بواشنطن. فيتولى المجلس تسوية منازعات الاستثمار الناشئة بين الدولة المضيفة للاستثمار (أو إحدى مؤسساتها العامة أو الشركات التابعة لها أو مواطنيها) وبين إحدى الدول العربية المنظمة لهذه الاتفاقية (أو إحدى هيئاتها أو مؤسساتها العامة أو الشركات التابعة لها أو مواطنيها)، وذلك عن طريق التوفيق أو التحكيم.( )

بالنسبة للجزائر، أصبح التحكيم في العقود الاستثمارية المبرمة مع شركات الاستثمار الأجنبية واقعا. حيث يتم اللجوء إليه، خصوصا بعدما نص على تدابيره قانون الإجراءات المدنية والإدارية الصادر سنة 2008.

لقد أورد القانون المذكور النص على تدابير التحكيم كطريق بديل لحل النزاعات في الفصل السادس من الباب الثاني من الكتاب الخامس. وذلك في المواد من 1039 إلى 1061 تحت عنوان: ” في الأحكام الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي.”
نصت المادة 1039 على ما يلي: “ يعد التحكيم دوليا، بمفهوم هذا القانون، التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين على الأقل.” وأضافت المادة1051 تنص على أنه: ” يتم الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي في الجزائر إذا أتبت من تمسك بها وجودها، وكان هذا الاعتراف غير مخالف للنظام العام الدولي.” وأردفت المادة 1057 تنص على ما يلي: ” يمكن أن يكون حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر موضوع طعن بالبطلان في الحالات المنصوص عليها المادة 1056 أعلاه.” وهذه الحالات المقصودة عددها ست، وهي: فصل محكمة التحكيم بدون اتفاقية تحكيم، ومخالفة تشكيلة محكمة التحكيم للقانون، وعدم مراعاة مبدأ الوجاهية، وعدم تسبيب حكم محكمة التحكيم أو تناقض أسبابها، ومخالفة حكم محكمة التحكيم للنظام العام الدولي.

لقد أخضع المشرع الجزائري المنازعات التي تثار بشأن أحكام التحكيم الدولي لرقابة جهات القضاء العادي دون القضاء الاداري. وهو ما ذكرته المادة 1059 بنصها على ما يلي: ” يرفع الطعن بالبطلان في حكم التحكيم، أمام المجلس القضائي الذي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصه. ويقبل الطعن ابتداء من تاريخ النطق بحكم التحكيم. يقبل هذا الطعن في أجل شهر واحد من تاريخ التبليغ الرسمي للأمر القاضي بالتنفيذ.”

بناء على ما تقدم ذكره بشأن تدابير التحكيم التجاري الدولي المنصوص عنها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري، نجدها أنها قد أزالت المخاوف لدى المتعاملين الاقتصاديين الأجانب في حل منازعات عقود مشاريع البنى الأساسية ولا سيما فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق، وذلك تماشيا مع المواثيق الدولية وخاصة توصية لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي التي تؤكد على عدم ترك عقبات أو قيود غير ضرورية تحول دون استخدام آليات تسوية المنازعات بطرق ودية خارج النظام القضائي للدولة مانحة الامتياز.
ج – تسوية منازعات عقود BOT عن طريق القضاء
يتجه كثير من فقهاء القانون العام إلى تكييف عقود BOT على أنها عقود إدارية، وذلك على أساس أنها عقود امتياز، وأن التسمية الجديدة هي التي تغيرت فقط من عقد الامتياز إلى عقد BOT. حيث أن اعتبارات كثيرة تفرضها الدولة على المتعاقد معها دون تفاوض معه، مستعملة في ذلك سلطتها الإدارية. وبالمقابل تعطى السلطات العمومية لشركة المشروع امتيازات لا يجدها في القانون الخاص. مثل طلب إعادة التوازن المالي المعروف في القانون الإداري في مادة العقود الادارية. كما أنه إذا لم يتضمن عقد BOT شرطا خاصا بالتحكيم، فإن المنازعات التي تثار بشأنه ينظرها القضاء الإداري.

يجب التمييز بين عقود البوت التي تبرمها السلطة العامة مع الشركات الخاصة الوطنية وتلك التي تبرمها مع شركات المشاريع الدولية. حيث في هذه الحالة الأخيرة، يعتبر العقد الإداري دوليا إذا كانت العناصر القانونية له على إتصال بأكثر من نظام قانوني واحد، وبالعناصر القانونية التي يعول عليها في تحديد صفة العقد الدولي هي: جنسية أطرافه ، ومكان إقامتهم، ومكان إبرام العقد، ومكان تنفيذه، وكذا لغة التعاقد، والعملة المتفق عليها بشأن الوفاء المقابل لأداء الالتزام التعاقدي.( )

يوجد اتجاه فقهي آخر، يعتبر عقود BOT ذات طبيعة مدنية وتجارية تحكمها قواعد القانون الخاص. ويؤسس أنصار هذا الاتجاه موقفهم على أن هذه العقود لا تعرف الشروط الاستثنائية غير المألوفة، وأن شركة المشروعة تصبح مالكة للأرض التي تتنازل عنها الدولة لها، وهي عقود تخضع للتحكيم الذي لا تعرفه العقود الإدارية.

يوجد اتجاه فقهي ثالث يقف موقفا متوسطا بين الاتجاهين المذكورين أعلاه. إذ أنه يعتبر عقد BOT ذات طبيعة خاصة. مفادها أنه رغم وجود جذور تاريخية لهذا العقد مستمرة من عقد الامتياز، فإن عقد BOT لا تملي فيه الحكومة شروطها وفقا لسلطتها بصفة منفردة. وإنما يتم إبرام العقد بعد مفاوضات بين الادارة وشركة المشروع. وفي هذا الصدد تجند شركة المشروع التمويل من القطاع الخاص عن طريق الاتحادات المالية الخاصة. ويضيف أصحاب هذا الاتجاه المتوسط بأن BOT تتطلب وضع قوانين استثمارية جديدة تحكم العديد من الأمور. ومنها كيفية تملك الأرض التي سيقام عليها المشروع، ومدى جواز تحويل الأموال التي يحققها المشروع، وإجراءات تسوية المنازعات وديا، والرسوم التي يحق للمتعاقد الحصول عليها، وكيفية إعادة المشروع إلى الدولة.( )
إن عقود BOT حسب الاتجاه الوسطي غير منصوص عليها في القانون الخاص (المدني والتجاري)، من جهة. وهي من جهة أخرى، تقترب من العقود الإدارية لتعلقها بالمرافق العامة. حيث تظهر فيها الدولة كسلطة عامة. لكن هذه العقود لا تحتوي على شروط استثنائية، وبالتالي فهي تخرج عن نطاق العقود الإدارية.( )

على مستوى التشريع المقارن، يمكننا ذكر قانون BOT السنغالي رقم 2002-550 المؤرخ في 30 ماي 2002 الذي اعتبر عقود BOT بمثابة عقود إدارية بصريح العبارة. حيث نصت المادة 03 منه على ما يلي: “ عقود BOT هي عقود إدارية تحكمها أحكام هذا القانونK وكذا أحكام قانون الإلتزامات الإدارية ، في الحدود التي لا تكون مخالفة لأحكام هذا القانون”.( )

بالنسبة للقانون الجزائري، عرفت البلاد إصلاحات اقتصادية منذ سنة 1986 عندما شرعت في التخلي عن النظام الاقتصادي الموجه وتبني أساليب النظام الاقتصادي المتحرر من هيمنة القطاع العام. وذلك بتحرير المؤسسات العمومية الاقتصادية من التسيير البيروقراطي للدولة، وإخضاعها لقواعد القانون التجاري. وأكد دستور 1996 تبني البلاد النهج الليبرالي من خلال تشجيع الاستثمارات الخاصة (الوطنية والأجنبية) في أغلب القطاعات. حيث نصت المادة 37 من الدستور على أن: “حرية التجارة والصناعة مضمونة وتمارس في إطار القانون.” وفي هذا الإطار كرست الجزائر محتوى النظام الجديد لعقود BOT من خلال المادتين 166 و167 من قانون المالية لسنة 1996 بالنص على امتياز إنجاز الطرق السريعة. وjلي ذلك صدور نصوص تشريعية قطاعية عديدة تؤكد إتباع أسلوب نظام مشاريع BOT في كل من قطاع المياه والكهرباء والمطارات والطرق السريعة والموانئ والفلاحة…إلخ. مع بداية الألفية الثالثة، عرفت الجزائر نوعا من الاستقرار الأمني والسياسي من جهة.

كما عرفت من جهة أخرى، وفرة مالية إثر ارتفاع أسعار النفط. فاتجهت الحكومة نحو تشجيع أكبر للاستثمار بمساعدة الشركات العمومية والشركات الخاصة (الوطنية والأجنبية)، مع إقرار ضمانات وتشجيعات وامتيازات وتحفيزات ذات طابع أمني وجمركي وجبائي. نذكر من المشاريع الاقتصادية عقد إنشاء حدات تحلية مياه البحر المبرم بين السلطات العمومية ممثلة في الوكالة الوطنية للطاقة ABC، من جهة. ومجمع Consortium Geida، الذي يضم 04 شركات اسبانية تدعى COBRA وSADYT وBESESA وCODESA، من جهة أخرى. حيث أبرم العقد من أجل إنتاج مياه البحر الخالية من الإملاح في ولايات بحرية مثل سكيكدة. نفس الاتفاق حصل مع المجمع الاسباني المسمى ENIMA AQULIA لإنجاز واستغلال وصيانة مصنع تحيلة مياه البحر في ولاية مستغانم. وفي نفس الاتجاه وقعت شركة مياه ولاية تيبازة عقدا مع كل من الشركة الكندية SNC laxalin والشركة الإسبانية ACCIONA AGUA من أجل تصميم وإنشاء ثم تشغيل وتملك ونقل الملكية (DBOOT). وهو ما وقع كذلك بشأن وحدة تحلية المياه بمنطقة الحامة بالجزائر العاصمة مع شركة الوكالة الوطنية للطاقة ABC. وحصل ذلك أيضا في ميدان الكهرباء بشأن إنجاز مشروع “حجرة النص” بولاية تيبازة. حيث تم ابرام عقد لمدة 12 سنة قابلة للتجديد بنفس المدة مع الوكالة الجزائرية للطاعة باعتبارها المساهم الوطني برأس مال احتكر مع الشركات الأجنبية المستثمرة في الجزائر.

لقد قررت الحكومة الجزائرية مؤخرا بناء أكبر ميناء لها بوسط البلاد بناجية قورايا بولاية تيبازا وفق نظام البناء والتشغيل التحويل BOT. وستتكفل بالانجاز الشركة الصينية موانئ شنغهاي العالمية Shanghai International port (SIP). وتكون كلفة الميناء حوالي 03 ملايير دولار. وستقوم الشركة الصينية بعملية خلال مدة التعاقد. وقد قررت الحكومة اللجوء إلى صيغة BOT لمواجهة تراجع مواردها المالية بالعملة الصعبة نتيجة انهيار أسعار النفط.( )

يأخذ التنظيم القضائي الجزائري بمبدإ ازدواجية التنظيم القضائي(قضاء إداري وقضاء عادي). وتبعا لذلك، تبنى معيارا عضويا لتحديد الجهة القضائية المختصة في نظر المنازعة. حيث كلما كانت الادارة العامة طرفا في خصومة ما، فهي تؤول إلى جهات القضاء الاداري للفصل فيها. وهو ما ورد النص عليه في المادتين 800 و901 من قانون الاجراءات المدنية والادارية، والمادة 9 من القانون العضوي رقم 98-01 المتعلق بتنظيم مجلس الجولة وسيره وعمله.

أخيرا، يمكننا القول أنه توجد في الجزائر نظم قانونية تنظم المعاملات الاقتصادية بين الدولة والقطاع الخاص. حيث تحصل هذه المعاملات حتى ولو أنها لا تعرف التسمية اللفظية لعقود BOT بكيفية واضحة. إذ يوجد العديد من النصوص التشريعية المتفرقة وكذا تدابير تنظيمية منبثقة عنها، نصت بصريح العبارة على اعتبار عقود الامتياز المبرمة مع الخواص لإنجاز مرافق اقتصادية بأنها عقود إدارية. ونذكر من هذه النصوص ما يأتي:
– المادة 10 من الأمر رقم 08-04 المؤرخ في01 سبتمبر 2008 المحدد شروط وكيفيات منح الامتياز عن الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لإنجاز مشاريع استثمارية. حيث نصت هذه المادة على أنه: ” يكرس الامتياز المذكور في المادة 04 أعلاه بعقد إداري تعده إدارة أملاك الدولة…”
– المادة 76 من القانون رقم 05-12 المؤرخ في 04/08/2005 المتعلق بالمياه، التي ذكرت أنه: ” يسلم امتياز استعمال الموارد المائية التابعة للأملاك العمومية للمياه، الذي يعتبر عقدا من عقود القانون العام لكل شخص طبيعي أو معنوي خاضع للقانون العام أو القانون الخاص.. .”
– المادتان 946 و947 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية اللتان نص فيهما المشروع على تدابير رقابية يمارسها القضاء الإداري الاستعجالي بشأن كيفية إبرام العقود والصفقات التي يكون أحد أطرافها شخص من أشخاص القانون العام (الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية).( )
– المواد من 1039 إلى 1061 من نفس القانون المذكور أعلاه، التي وردت تحت عنوان: ” في الأحكام الخاصة بالتحكيم الدولي التجاري.”
خاتمة
في نهاية هذا العرض، نخلص إلى أن عقد البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T.) رغم أنه عبارة عن تسمية واردة في اللغة الإنجليزية، فهو لا يعد نظاما تعاقديا مبتكرا من قبل الدول الأنجلوسكسونية. لأن جذوره مستمدة من فكرة عقد الامتياز التي كانت مطبقة في أوروبا خلال القرنين 19 و20.

لقد كان الامتياز في أول مراحله يأخذ تسمية عقد الأشغال العامة. ثم أصبح كوسيلة للمشاركة في تسيير المرافق العامة، فصار يطلق عليه اسم عقد التزام المرافق العامة، واسم عقد تفويض المرافق العامة. وفي الأخير ظهر الامتياز اليوم في ثوب جديد كوسيلة متطورة لإنشاء وإدارة المرافق العامة ثم تحويلها.

ما يميز عقد الامتياز هو أنه تحكمه قواعد القانون الاداري في الدول التي تأخذ بنظام ازدواجية القضاء. بينما تعد عقود BOT من طبيعة خاصة. فهي، من جهة، تحكمها قواعد قانون ابرام الصفقات العمومية التي تستند على عنصري المنافسة والشفافية. وهو، من جهة أخرى، يقوم على التمويلات الخاصة لشركة الانجاز. ونظرا لهذه الطبيعة الحاصة لعقد BOT، فإنه كثيرا ما يتفق طرفيه على عدم الاحتكام، في حالة الاختلاف على تنفيذه، إلى محاكم الدولة المانحة للامتياز (المحاكم العادية والادارية على السواء). وإنما يتم الاتفاق على حل الخلافات بالطرق الودية البسيطة. وفي حالة فشل هذه الطرق الودية، يلجأ الطرفان إلى طريق التحكيم الدولي.

قائمة المراجع
أولا: النصوص القانونية الجزائرية
أ – الاتفاقية الدولية التي انضمت إليها الجزائر
– اتفاقية الأمم المتحدة المصوت عليها في نيويورك بتاريخ 10 يونيو 1955 والخاصة باعتماد القرارات التخكيمية الأجنبية وتنفيذها. مصادق عليها بمرسوم رقم 88-233 مؤرخ في 05/11/1988 (الجريدة الرسمية رقم48/1988).
– الاتفاقية الدولية المتضمنة إنشاء الوكالة الدولية لضمان الاستثمار. مصادق عليها بمرسوم رئاسي رقم 95-345 مؤرخ في 30/10/1995.(الجريدة الرسمية 993/66).
– الاتفاقية الدولية لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى. مصادق عليها بمرسوم رئاسي رقم 95-646 مؤرخ في 30/10/1995. (الجريدة الرسمية رقم 66/1999).
ب – النصوص التشريعية التشريعية
– قانون رقم 90-30 مؤرخ في 01/12/1990 يتضمن قانون الأملاك الوطنية، معدل ومتمم. (الجريدة الرسمية 52/1990).
– مرسوم تشريعي رقم 93-12 مؤرخ في 19/10/1993 يتعلق بترقية الإستثمار. (الجريدة الرسمية رقم 64/1993).
– أمر رقم 01-03 مؤرخ في 20/08/2001 يتضمن تطوير الاستثمار، معدل ومتمم. (الجريدة الرسمية رقم 47/2001).
– قانون رقم 01-04 مؤرخ في 20/08/2001 يتعلق بتنظيم وتسيير وخوصصة المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي، معدل ومتمم (الجريدة الرسمية رقم 47/2001).
– قانون رقم 02-01 مؤرخ في 05/02/2001 يتعلق بالكهرباء وتوزيع الغاز بواسطة القنوات. (الجريدة الرسمية 05/2002).
– قانون رقم 05-12 مؤرخ في 04/08/2005 يتعلق بالمياه، معدل ومتمم. (الجريدة الرسمية رقم 48/2005).
– قانون رقم 05-07 مؤرخ في 23/04/2005 يتعلق بالمحروقات، معدل ومتمم. (الجريدة الرسمية رقم 48/2005).
– أمر رقم 08-04 مؤرخ في 01/09/2008 يحدد بشروط وكيفيات منح الامتياز على الأراضي التابعة للأملاك الخاصة الدولة الموجهة لإنجاز مشاريع استثمارية (الجريدة الرسمية رقم 49/2008).
– قانون رقم 08-09 مؤرخ في25/02/2008 يتضّمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية. (الجريدة الرسمية رقم 21/20008).
ج – النصوص التنظيمية الجزائرية
– مرسوم رئاسي رقم 15-247 مؤرخ في 26/09/2015 يتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويض المرفق العام (الجريدة الرسمية رقم 50/2015).
– مرسوم تنفيذي رقم 96-308 مؤرخ 18/09/1996 يتعلق بمنح امتيازات الطرق السريعة. ( الجريدة الرسمية رقم 55/1996)..
– مرسوم تنفيذي رقم 97-475 مؤرخ في 08/12/1997 يتعلق بمنح امتياز المنشآت والهياكل الأساسية للري الفلاحي الصغير والمتوسط. (الجريدة الرسمية رقم 82/1997).
– مرسوم تنفيذي رقم 04-417 مؤرخ في 20/12/2004 يحدد الشروط المتعلقة بامتياز إنجاز المنشآت القاعدية لاستقبال ومعاملة المسافرين عبر الطرقات وتسييرها. )الجريدى الرسمية رقم 82/2004).
– مرسوم تنفيذي رقم 08-98 مؤرخ في 24/03/2008 يتعلق بشكل التصريح بالاستثمار وطلب مقرر منح المزايا وكيفيات ذلك. (الجريدة الرسمية رقم 16/2008).
– مرسوم تنفيذي رقم 08-114 مؤرخ في 09/04/2008 يحدد كيفيات منح امتيازات توزيع الكهرباء والغاز وسحبها. (الجريدة الرسمية رقم 20/2008).
– مرسوم تنفيذي رقم 09-152 مؤرخ في 02/05/2009 يحدد شروط وكيفيات منح الامتياز على الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لإنجاز مشاريع استثمارية. (الجريدة الرسمية رقم 27/2009).
– مرسوم تنفيذي رقم 11-220 مؤرخ في 12/06/2011 يحدد كيفيات امتياز استعمال الموارد المائية لإقامة هياكل تحلية مياه البحر أو نزع الأملاح أو المعادن من المياه المالحة من أجل المنفعة العمومية أو تلبية الحاجات الخاصة. (الجريدة الرسمية رقم 34/2011),
– مرسوم تنفيذي رقم 11-340 مؤرخ في 26/09/2011 يحدد كيفيات منح امتياز استعمال الموارد المائية السطحية والبحيرات لتطوير النشاطات الرياضية والترفيه الملاحي. (الجريدة الرسمية رقم 54).
– مرسوم تنفيذي رقم 11-341 مؤرخ في26/09/2011 يحدد كيفيات منح امتياز استعمال الموارد المائية لإقامة هياكل عند أسفل السدود ونقاط المياه ومنشآت التحويل لتزويد المصانع الهيدروكهربائية. (الجريدة الرسمية رقم 54).
ثانيا: الدراسات الفقهية
I – باللغة العربية
أ) الكتب
1 – جيهان حسن سيد أحمد: عقود BOT وكيفية فض النزاعات الناشئة عنها. دار المنظمة العربية 2002.
2 – نصار جابر جاد: عقود البوت والتطور الحديث لعقد الالتزام. دار النهضة العربية. القاهرة. 2002.
3- محمد الريوي: عقود التشييد والاستغلال والتسليم. دار النهضة العربية. مصر. الطبعة الثانية. 2003.
4 – سلامة بدر: العقود الإدارية وعقد BOT. دار النهضة العربية. القاهرة. 2003.
5 – اسماعيل محمد عبد المجيد: عقود الأشغال الدولية والتحكيم فيها. منشورات الحلبي الحقوقية. بيروت. 2003.
6 – بدر أحمد سلامة العقود الإدارية وعقود البوت. دار النهضة العربية. القاهرة. 2003.
7- إبراهيم الشماوي: عقد امتياز المرافق العامة ( B.O.T ): دراسة مقارنة. القاهرة. الطبعة الأولى. 2003.
8 – ماهر محمد حامد: النظام القانوني لعقد البوت. جامعة الزقازيق. مصر. 2004.
9- مروان محمد الدين القطب: طرق خصخصة المرافق العامة: الإمتياز (الشركات المختلطة – BOT- تفويض المرفق العام ): دراسة مقارنة. منشورات الحلبي الحقوقية. بيروت. 2004.
10- عثمان سعيد عبد العزيز: دراسات جدوى المشروعات ومشروعات BOT بين النظرية والتطبيق. الدار الجامعية الإسكندرية. 2006.
11- حفيظة السيد الحداد: العقود المبرمة بين الدول والأشخاص الأجانب: تحديد ماهيتها والنظام القانوني الحاكم لها. درا المطبوعات الجامعية. لإسكندرية. مصر. 2007.
12- عبد العزيز خليفة: التعليم في منازعات العقود الإدارية الداخلية و الدولية، دار العلم الجامعية لإسكندرية. مصر 2007.
13 – أحمد علاء محي الدين مصطفى: التحكيم في منازعات العقود الادارية الدولية. دار الجامعة الجديدة. الإسكندرية. 2008.
14 – البهجي عصام أحمد: عقود البوت: الطريق لبناء مرافق الدولة الحديثة. دار الجامعة الجديدة. الإسكندرية. 2008.
15 – البهجي عصام أحمد: التحكيم في عقود البوت. دار الجامعة الجديدة. الإسكندرية. 2008.
16- عبد الفتاح البيومي حجازي، عقود البوت في القانون المقارن، دار الكتب القانونية، مصر. 2008.
17- مصطفى عبد المجسن الحبشي: الوجيز في عقود البوت B.O.T. دار الكتب القانونية. مصر. 2008.
18 – الكندري عبد الله طالب: النظام القانوني لعقود الـ BOT. دار النهضة العربية. القاهرة. 2009.
19- حامد ماهر محمد: النظام القانوني لعقود الإنشاء والتشغيل وإعادة المشروع دار النهضة العربية. القاهرة.
20– غانم محمد أحمد: مشروعات البنية الأساسية بنظام الـ BOT . المكتب الجامعي الحديث. الإسكندرية. 2009.
21- إلياس ناصيف: العقود الادارية وعقد البوت في القانون المقارن.. منشورات الحلبي. بيروت. لبنان. 2009.
22- مي محمد عزت علي شرباش: النظام القانوني للتعاقد بنظام البوت. دار الجامعة الجديدة. لإسكندرية. 2010.
23- نادية ضريفي: لتسييرالمرفق العام و التحولات الجديدة، دار بلقيس، الدار البيضاء، الجزائر 2010.
24- وضاح محمود الحمود: عقود البناء و التشغيل و نقل الملكية ( B.O.T ): حقوق الإدارة المتعاقدة و إلتزاماتها، دار التفافة و النشر و التوزيع 2010.
25- كامران حسين الصالحي: وسائل تسوية منازعات عقود BOT بطرق ودية. جامعة الامارات العربية المتحدة. بدون تاريخ.
ب – أطروحات الدكتوراه
1- معاشو عمار: الضمانات في العقود الاقتصادية الدولية في التجربة الجزائرية: (عقود المفتاح والإنتاج في اليد). جامعة الجزائر. 1998.
2- روليت العبود: نظام البناء والتشغيل والنقل، لتشييد مشروعات البنية التحتية. دمشق. سوريا. 2004.
3- حصايم سميرة: عقود البوت في إطار استغلال القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية. دمشق 12 -04-2011.
4- أكلي نعيمة: النظام القانوني لعقد الإمتياز الإدازي في الجزائر. 12-12-2013.
ب – رسائل الماجيستير
1- بوكموش سرور: النظام القانوني للإستثمار في مجال الطيران المدني، كلية الحقوق، جامعة الجزائر 2001/2002.
2- لمقلولي محمد: النظام القانوني لعقود الدولة في مجال الاستثمار ” التجربة الجزائرية نموذجا ” جامعة تيزي وزو الجزائر. 2005/2006.
3- عيبوط محند: الحماية القانونية للإستثمارات الأجنبية في الجزائر. جامعة تيزي وزو. الجزائر. 2005/2006.
4- بدرة هاجر: عقد إمتياز المرافق العامة و تطبيقاته في الجزائر، جامعة أم البواقي 2009/2010.
5- بلقواس سناء: الطرق البديلة لحل منازعات العقود الإدارية ذات الطابع الدولي: التعليم نموذجا، جامعة باتنة، 2010/2011.
6- شماشمة هاجر: عقد البناء و التشغيل و نقل الملكية ( B.O.T ) و تطبيقاته في الجزائر. جامعة أم البواقي 2012/2013.
د – المقالات القانونية
1- البشيشي أمل: نظام البناء و التشغيل و التحويل ( B.O.T )، سلسلة جسر التنمية، المعهد الوطني للتخطيط، الكويت 2004.
2- موسى خليل متري: تحويل المشاريع: هيكلية البوت، مجلة جامعة دمشق للعلوم الإقتصادية و القانونية المجلد 21، العدد الثاني 2005.
3- فيصل عليان إلياس الشديفان: تحويل مشروعات البوت، مجلة جامعة دمشق للعلوم الإقتصادية و القانونية، المجلد 26، العدد الأول 2010.
4- نسرين برجي: الإستثمارات الأجنبية المباشرة و دورها في تنمية و تطوير قطاع المحروقات بالجزائر، مجلة كلية بغداد للعلوم الإقتصادية، العدد 31، 2012.
II- باللغة الإنجليزية
1-K.Berges: Renegotiation and adaptation of international Contacts. 36 Vandle. J. Transnational law. 2000.
2-ALaa Ibraheem Al-Hussainy : The obligation and the rights come from contract build , operate and transfer (B.O.T) : comparative study. Babiylon university , Iraq 2008.
I- باللغة الفرنسية
أ – الكتب
1-SALEM (M) et M-A Sanson: les contrats ” clés en main et les contrats produits en main.” Université de DIJON. Paris. 1979.
2-BENICHOU Ivan et David CORCHIA : Le financement de projets, éd. ESKT. 1996.
3-Tourneau (Ph,): L’ingénierie, les transferts de technologie et de maitrise industrielle, éd. Litec.2002.
4-LYONNET De Moutier (M): financement sur projet et Partenariat Public-Privé. éd, EMS, 2006.
ب – المقالات
1-Doanh ledang : les rapports entre la société Ad-hoc B.O.T et la puissance publique. RDIC. n°4. 1997.
2-Mehdi Harroun : Arbitrage et financement de projet B.O.T. ; Revue Mutations n°44. Février 2003.
3-BENACHENHOU (Abdellatif): les nouveaux investisseurs, Alpha Design, 2006.
4-Abdolhossein SHIRAZI : Cadre juridique et règlementaire du B.O.T en Iraq. EDAI. n°2. 2008.

د. نويري عبد العزيز
مستشار بمجلس الدولة الجزائري

إغلاق