دراسات قانونيةسلايد 1

جرائم الاختطاف والاغتصاب من المنظور الفقهي والقضائي

ظاهرة الاختطاف والاغتصاب من الظواهر الإجرامية الخطيرة ، ولها ضرر جسيم على سلامة وأمن المجتمع ، لأنه يجتمع فيها عدة حالات من حالات العنف ، فهي تشتمل على استخدام القوة، والتهديد ، أو التخويف ، والاعتداء على الأعراض ، والسيطرة على الحريات ، فهي بهذه المثابة من الجرائم المركبة التي تعتمد على مجموعة من الأفعال ينتهض كل فعل منها لأن يكون جريمة بذاته .

وغالب حالات الاختطاف التي يتعرض لها الأحداث سواء من الذكور أو الإناث يكون الغرض منها اغتصاب الضحية المختطفة ، وارتكاب فاحشة الزنا أو اللواط بها .

وفي تقديري أن ظاهرتي الاختطاف والاغتصاب من أكثر الظواهر الإجرامية انتشارا في العالم ؛ فإن الناظر فيالحوادث الإجرامية والملفات القضائية في كثير من الدول يجد أن ظاهرة الاختطافوالاغتصاب تتصدر قوائم الممارسات الإجرامية ضد الإناث أو الأطفال عموما .

وتقوم جرائم الاختطافعلى أيدي أفراد أو جماعات من عصابات الإجرام المنظم ، وغالب الحالات التي تقوم علىأيدي أفراد تكون لأغراض مؤقتة كالابتزاز لجهة ما ، أو المساومة المالية على الفردالمختطفة ، أو لأجل الاعتداء على العرض وانتهاك الحرمة .

أما في حالات الخطف التي تقوم به عصابات الإجرام المنظمة فغالبا ما تكون لأجل أغراض غير مؤقتة وربما يؤدي هذا الاختطاف إلى اختفاءا لمختطف لفترة طويلة أو للأبد ، وغالب الأغراض التي تهدف إليها عصابات الإجرامالمنظم هو استغلال الضحايا المختطفين في الممارسات الجنسية أو تشغيل في دور البغاء والدعارة ، وقد يكون من أهداف الاختطاف على أيدي هذه الجماعات الاتجار بالضحايا المختطفين إما ببيعهم كما يفعل سماسرة الرقيق الأبيض ، أو ببيع أعضائهم .

والمقصود أن ظاهرة الاختطاف والاغتصاب من الظواهر المنتشرة بصورة كبيرة ولها أغراض وأهداف متنوعة ،وهي من الجرائم الجسيمة التي يتعين على المجتمعات وخصوصا ولاة الأمور و المسؤولين عن الأمن والقضاء محاربتها والتصدي لها ، والضرب بيد قاسية على كل من يهدف إلى ترويع الآمنين وتخويفهم وتهديد أمنهم .

تعريف الاختطاف :
الاختطاف في اللغة : اسم مشتق من المصدر (خطف) ، والخطف الاستلاب ، وقيل الأخذ بسرعة ،([1])

قال الطبري : الخطف : السلب ومنه الخبر الذي روي عن النبي: أنه نهى عن الخطفة ([2])

إذا فالاختطافهو أخذ الشيء واستلابه بسرعة ، ويسمى استراق السمع من الشياطين اختطافا لأنهم يأخذونه، فعلى هذا يصح أن تسمى سرقة الشيء بسرعة خطفا أو اختطافا في اللغة، قال فيابن منظور :
واخْتَطَفَه اسْتَرَقَه ([3])

ومن هنا نجد أن العلاقة بين السرقة والاختطاف من الناحية اللغوية هي الأخذ بسرعة .
أما تعريف الاختطاف في اصطلاح الفقهاء أو في اصطلاح الجريمة فليس للفقهاء تعريف يخص الاختطاف كجريمة بالمفهوم الحديث لها ، لكنهم يذكرون مصطلح الخطف ضمن مباحث السرقة ، والمختطف هو المختلس ، لأن الاختلاس والاختطاف عندهم بمعنى واحد ،

وكلاهما يعني : أخذ الشيءعلانية على وجه السرعة ، والفرق بين الاختلاس و الانتهاب : أن المنتهب يأخذ الشيءعلانية وعلى وجه المغالبة والقهر .([4])

ولم أجد في كتبالفقهاء المتقدمين تعريفا لجريمة الاختطاف يتتطابق مع صورتها المعروفة في فقهالجريمة المعاصرة ، ويرجع السبب في ذلك إلى حداثة هذه الجريمة ، حيث لم تكن معروفةعند الفقهاء السابقين بهذا الاسم ، ” وإن كان بعض الفقهاء قد توسع في مفهوم جريمةالحرابة حتى تشمل كل أنواع الجرائم التي تقع في الطريق سواء وقعت بقصد سلب المال ،أو الاعتداء على الأشخاص بالقتل أو انتهاك العرض أو حتى مجرد الجرائم الإخافةوالإرعاب.([5])

وهذايصدق على بعض صور جريمة الاختطاف وخاصة عند من يرى أن جريمة الحرابة يمكن أن تقعداخل المصر أو خارجه ليلا أو نهارا . ([6])

وقد ورد تعريفجريمة الاختطاف في بعض القوانين الوضعية ، في حين أن أغلبها لم يضع تعريفا محددالها واقتصر على ذكر العقوبة المقررة للجريمة .

ومن تعريفات الاختطاف التي ذكرت في بعض القوانينما يلي :
1. نصت المادة (303) من قانون العقوبات السوداني على أنه : كل من يرغم شخص بالقوة أو يغريه بأي طريقة من طرق الخداع على أن يغادر مكانا ما ، يقال عنه : أنهخطف ذلك الشخص .([7])

2. وجاء في المادة (187) من قانون العقوبات القطري : يقال عنالشخص أنه خطف آخر إذا أخذه من المكان الذي كان فيه رغم إرادته أو بغير رضاء وليهالشرعي أو أرغمه بالقوة أو التهديد أو أغراه بأي وسيلة من وسائل الخداع على أنيغادر مكانا ما .([8])

3. وجاء محكمةالنقض المصرية تعريف الاختطاف بأنه : انتزاع الطفل المخطوف من بيئته وقطع صلتهبأهله .([9])

ويرى الدكتورعبد الوهاب المعمري أن التعريف الأشمل لجريمة الاختطاف هو : الأخذ السريع باستخدامقوة مادية أو معنوية أو عن طريق الحيلة والاستدراج لما يمكن أن يكون محلا لهذه الجريمة ، وإبعاده عن مكانه أو تحويل خط سيره بتمام السيطرة عليه .([10])

ونلاحظ على هذه التعريفات خلوها من الإشارة إلى غرض الخاطف ، ولعل السبب فيذلك يرجع إلى أن غرض الخاطف غير معتير في وصف جريمة الاختطاف ، وأن مجرد السيطرة على حرية الفرد وقسره على الانتقال من مكانه المعتاد إلى مكان آخر لأي غرض كانيعتبر داخلا في مفهوم جريمة الاختطاف .

تعريف الاغتصاب .
الاغتصاب في اللغة : اسم مشتق من المصدر(غصب) الغَصْبُ أَخْذُ الشيءِ ظُلْماً . غَصَبَ الشيءَ يَغْصِبُه غَصْباً، واغْتَصَبَه فهو غاصِبٌ، وغَصَبه على الشيءِ قَهَره، وغَصَبَه منه ،

والاغْتِصَابُ: مِثْلُه . قال في لسان العرب : وتكرّر في الحديثِ ذِكْرُ الغَصْبِ : وهو أَخْذُ مالِ الغَيْرِ ظُلْماًوعُدْواناً،وفي الحديث : ( أَنه غَصَبَها نَفْسَها ) أَراد أَنه واقَعَها كُرْهاً فاستعاره للجِماعِ .([11])

فالغصب هو : أخذ الشيء قهرا على وجه الإكراه .
أما الاغتصاب في اصطلاح الفقهاء : فهو الإكراهعلى الفاحشة الزنا ، أو اللواط .

حكم الاختطاف :
أولاً : الاختطاف بالإكراه والقوة مع ارتكاب الفاحشة :
جريمة الفاحشة التي يقترن بها الاختطاف بالإكراه والقوة من الجرائم المركبة بمعنى أنها تشتمل على مجموعة من الأعمال الذي يشكل كلواحد منها عملا إجراميا بذاته .

ففيها التعرض للآمنين وإخافتهم ، والمغالبة على الأنفس والفروج ، واستخدامالقوة في ذلك سواء قوة السلاح أو قوة البدن ، يضاف إلى ذلك كله الوقوع في الفاحشة الموجبة للحد .

ولما كانت جريمة الاختطاف مع انتهاك العرض والوقوع في الفاحشة بهذه المثابة ذهب كثير من الفقهاء إلى أنها ضرب من ضروب الإفساد في الأرض والمحاربة لله ولرسوله.

وهذا قول طائفة من الفقهاء الذين ذهبوا إلى توسيع مفهوم الحرابة ليشمل كل الجرائم التي فيها قطع للسبيل وتخويف للآمنين ، ومغالبتهم على أنفسهم ، وأموالهم ، وأعراضهم ، سواء كانذلك داخل العمران ، أو كان في الصحراء ، وسواء استخدم المحارب في ذلك السلاح ، أوقوة البدن ، فذهبوا إلى أن هذا كله موجب لحد الحرابة لكونه من الإفساد في الأرض .

وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن اعتبار الحرابة في البنيان قول طائفة كبيرة من الفقهاء حيث قال : وهذا قول مالك – في المشهور عنه – والشافعي ، وأكثر أصحاب أحمد ، وبعض أصحاب أبي حنيفة ، بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء ؛ لأن البنيان محل الأمن والطمأنينة ، ولأنه محل تناصر الناس وتعاونهم ، فإقدامهم عليه يقتضي شدة المحاربة والمغالبة ؛ ولأنهم يسلبون الرجل في داره جميع ماله ، والمسافر لا يكون معه-غالباً- إلا بعض ماله . وهذا هو الصواب ([12])

وإذا كان الكثير من الفقهاء يرون أن قطع الطريق للمغالبة على الأموال من صور الحرابة ، فلاشكولا ريب أن قطع الطريق لانتهاك العرض والمغالبة على الفروج ، واستباحة الأعراض أفحش، وأشد ضررا ، وأعظم خطرا .

قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في المحارب ” اللهم إلا أن يريد إخافة الطريقبإظهار السلاح قصدا للغلبة على الفروج، فهذا أفحش المحاربة، وأقبح من أخذ الأموالوقد دخل في معنى قوله تعالى:” وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً”.([13])

وقال القاضي ابن العربي ـ رحمه الله ـ وهو يحكي حكاية وقعت له أيام ولايته القضاء : “ولقد كنتأيام تولية القضاء قد رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة ، فأخذوا منهم امرأةمغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه فيها فاحتملوها ، ثم جد فيهمالطلب فأخذوا وجيء بهم ، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين ، فقالوا : ليسوامحاربين ؛ لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج .

فقلت لهم : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ألمتعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال ، وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهبأموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته ، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج ، وحسبكم من بلاء صحبة الجهال ، وخصوصا في الفتياوالقضاء. ” أهـ([14])
وفي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ( قوله : أو أخذ مال مسلم أو غيره ) والبضع أحرى من المالكما للقرطبي ، وابن العربي ، فمن خرج لإخافة السبيل قصدا للغلبة على الفروج فهو محارب أقبح ممن خرج لإخافة السبيل لأخذ المال .([15])

وبهذا القولصدر قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 85 وتاريخ 11 \ 11 \ 1401هـ
ونصه : ” لقداطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أن الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة علىوجوب حماية الضروريات الخمس , والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة , وهي الدين , والنفس , والعرض , والعقل , والمال , وقدر تلك الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائمالاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم أو أعراضهم أو أموالهم , وما تسببه منالتهديد للأمن العام في البلاد والله – سبحانه وتعالى – قد حفظ للناس أديانهم , وأبدانهم , وأرواحهم , وأعراضهم وعقولهم ؛ بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحققالأمن العام والخاص , وأن تنفيذ مقتضى آية الحرابة , وما حكم بهفي المحاربين , كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان , وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء علىالمسلمين ؛ إذ قال الله تعالى : (إنماجَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِفَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْوَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌفِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة: ٣٣

وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أنس رضي الله عنه قال : « قدم رهط من عكل على النبي, كانوا في الصفةفاجتووا المدينة فقالوا : يا رسول الله أبغنا رسلا . فقال : ما أجد لكم إلا أنتلحقوا بإبل رسول الله. فأتوها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا وسمنوا ؛ وقتلوا الراعي , واستاقوا الذود , فأتى النبيالصريخ , فبعث الطلبفي آثارهم , فما ترجل النهار حتى أتي بهم , فأمر بمساير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهموأرجلهم , وما حسمهم , ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا » .

قال أبوقلابة : سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله . ا هـ .

وبناء على ما تقدم فإن المجلس يقرر الأمورالتالية :
أ- إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرةوالمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فسادا , المستحقة للعقاب الذي ذكرهالله سبحانه في آية المائدة , سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض , أو أحدثإخافة السبيلوقطع الطريق , ولا فرق في ذلك بين وقوعهفي المدن والقرى أو في الصحاري والقفار , كما هو الراجح من آراء العلماء – رحمهمالله تعالى –. … ألخ

والذي أراه ـ والعلم عند الله ـ أن جرائم الاختطاف التي يقترن بها اغتصابوارتكاب للفاحشة بالشخص المختطف سواء كانت فاحشة الزنا أو اللواط أن المتعين في مثلهذه الجرائم هو قتل الجاني حدا ، لأن هذه الجرائم شديدة الخطر ، وهي ـ كما سبق ـأفحش المحاربة ، وأخطر من أخذ المال وخراب البيوت .

وذلك لأن الطفلة بذلك تُسلبأغلى ما لديها وهو عفتها ، وشرفها ، وقد تُـفضل الموت على ذلك ، وكذلك بالنسبةللطفل الذي يجبره الخاطف على ( اللواط ) فإنه من أشنع الجرائم أيضاً ، وقد يصابالمجني عليه بأمراض خطيرة جراء هذه الجريمة ، كما قد يفضل الموت على ذلك ، وتقدم أنعقوبة مرتكب اللواط في الطفل هي القتل بكل حال ، فتكون عقوبة القتل مع الاقترانبالاختطاف أولى .

وهي أنسب عقوبة لمن كان هذا حاله لأن ضرره علىالمجتمع ظاهر وخطير ، فوجب قتله واستئصاله ؛ قطعاً لدابر الفساد والمفسدين ،وتثبيتاً لدعائم الأمن في المجتمع ، وحتى تكون هذه العقوبة رادعة للمجرمين ، الذينيستسهلون الوقوع في مثل هذه الجرائم في سبيل تحقيق شهواتهم ونزواتهم الخبيثة ، كماينبغي إشهار هذه الأحكام وإعلانها للملأ ليعلم حكم الله وليظهر شرع الله الذي بهيأمن الناس على أرواحهم وأعراضهم ومحارمهم ، وأموالهم ، والله المستعان .

ثانياً : الاختطاف بالإغراءوالخديعة مع ارتكاب الفاحشة :
تقدم في المسألة السابقة أن الاختطاف الذي يكونبالقوة والإكراه ويكون فيه ارتكاب للفاحشة يعتبر نوع من المحاربة الموجبة للحد ،وأن الحد في تلك الحالة هو القتل لا غير .

وتبين أن علة هذا الحكم هو تحقق صفة الحرابة فيهذه الجريمة وهي المكابرة والمغالبة على العرض التي هي أشد من المغالبة على المال ،وأضيف إلى هذه العلة علة أخرى موجبة للحد وهي الفاحشة ، فكان الحكم المناسب لهذهالجريمة هو القتل حدا .

أما في حالة الاختطاف الناتج عن إغراء وخديعة فإنها ربما تنتفي علة المكابرةوالمغالبة التي بها تتحقق صفة الأساسية في الحرابة ، لكن بعض الفقهاء عد إغراءالصبي وخديعته لأخذ ما معه نوعا من الحرابة .

جاء في الشرح الكبير للدردير : ( ومخادع الصبي ) أي المميز إذ هو الذي يخدع ( أو غيره ) أي غير الصبي وهو الكبير أيخدعه حتى أدخله مكانا ( ليأخذ ما معه ) ولو لم يقتله وقتله من قتل الغيلة .([16])
وبناءا على هذا فلا فرق بين الاختطاف على سبيل المكابرة والمغالبة والإكراه، وبين الاختطاف بالخديعة والإغراء عند تحقق جريمة ارتكاب الفاحشة ، فإن الحكم فيكلا الطريقتين هو الحد ، إما حد الفاحشة ، وإما حد الحرابة .

والذي يظهر ـ والله أعلم ـ اعتبار جريمة الاختطاف فعلا زائدا على مجردارتكاب الفاحشة ومن هنا وجب أن لا يكون هنا فرق بين الطريقتين … فيعاقب المختطفعلى سبيل المخادعة والإغراء بعقوبة القتل حدا .. وبالله التوفيق .

ثالثاً : الاختطاف دون فعل الفاحشة :
قد يحدثالاختطاف للطفل لأسباب أخرى غير قصد انتهاك العرض ، مثل اختطاف الأطفال حديثي الولادة ـ كما تقدم في الفصل السابق ـ ، وقد يكون الغرض من الاختطاف الابتزاز المالي أو المساومة لأهل الطفل ، ونحو ذلك .

وقد تأصل لدينا أن جريمة الاختطاف ضرب منالحرابة ونوع من أنواعها ، لكن الفقهاء رحمهم الله يفرقون في الحكم بين المحاربالذي يقتل ويأخذ المال ، وبين المحارب الذي لا يفعل شيئا من ذلك .
وقد ذكر الفقهاء أنعقوبة المحارب الذي يأخذ المال هي القطع من خلاف .([17])
وذهب الإماممالك إلى أن المحارب الذي يأخذ المال يخير الإمام في العقوبات الواردة في حدالحرابة بين قتله أو صلبه ، أو قطع يده ورجله من خلاف . ([18])
وهذه العقوبة في حق المحارب الذي يأخذ المال ، فهل الخاطف الذي يأخذ الطفل لأجل المساومة الماليةيكون داخل في حكم المحارب الذي يأخذ المال ، أو لا ؟
في الحقيقة أن الأصل أن تكون العقوبة على أخذالأشخاص أشد من العقوبة على أخذ المال ، وتقدم معنا في مبحث سرقة الحر الصغير غيرالمميز أن ذلك لا يعد سرقة لأن الطفل ليس بمال ، وصفة المالية غير متوفرة في الإنسان .
ويرى الدكتور عبدالوهاب المعمري أن الخاطف إذا قام بأخذ إنسان حي واختطفه فإنه يعاقب بقطع اليدوالرجل من خلاف حداً ، سواء قام بخطف مولود أو طفل أو أنثى أو شخص بالغ ، إلا إذاوقع الخطف على أنثى أو حدث فإن العقوبة تشدد على الخاطف ويعاقب بقطع اليد والرجل منخلاف مع التعزير بما يراه الحاكم مناسبا .([19])

والذي أراه فيهذه الحالة أن الإمام يكون مخيرا في اختيار العقوبة المناسبة لحال الجريمة وحال منوقع عليه الاختطاف ، فيرجع اختيار العقوبة إلى تقدير الإمام ، بعد أن يتحقق من وجود صفة الحرابة ، والله أعلم .

ملخص البحث :
1- جريمة الاختطاف بمفرها تعتبر من جرائمالحرابة والإفساد في الأرض التي تدخل في قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُوَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْتُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌعَظِيمٌ)
2- جريمة الاختطاف بالإكراه والقوة مع ارتكاب الفاحشة عقوبتها القتلحداً.
3- جريمة الاختطافبالتحاليل والإغراء والخديعة مع ارتكاب الفاحشة عقوبتها كذلك القتل حدا .
4- جريمة الاختطاف دونالوقوع في الفاحشة تعتبر حرابة ولكن الإمام مخير في إيقاع أي من عقوبات الحرابةالمنصوص عليها في الآية السابقة .
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلىآله وصحبة وسلم تسليما كثيرا .

([1]) لسان العرب – (2 / 1200) دار المعارف .([2]) أخرجهالبيهقي السنن الكبرى (9 / 334) كتاب الضحايا باب ما جاء في المصبورة رقم 19968([3]) لسان العرب (2 / 1200)([4]) حاشية ابنعابدين (4 / 94) دار الفكر .([5]) جرائم الاختطاف لعبد الوهاب المعمري ص 40([6]) المرجع السابق ص 41 .([7]) جريمة الاختطاف : د علي جبار الحسيناوي ص: 19([8]) المرجع السابق ص 19 .([9]) المرجع السابق ص 20 ([10]) جرائم الاختطاف لعبد الوهاب المعمري ص 29 .([11]) لسان العرب ( 5/ 3262) ([12]) السياسةالشرعية – (1 / 68) ([13]) الجامع لأحكام القران (7 / 447) مؤسسة الرسالة .([14]) أحكامالقرآن لابن العربي – (3 / 159) ([15]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/348) دار إحياء الكتبالعربية .
([16]) حاشية الدسوقي على الشرحالكبير – (4 / 348) ،ومواهب الجليل شرح مختصر خليل (8/428) عالمالكتب .([17]) الهدايةشرح بداية المبتدي للمرغيناني (2/421) ، الاختيار لتعليل المختار – (4 / 121) ،منهاج الطالبين للنووي ص 511 ، المغني لابن قدامة (12/ 475) [18]) بدايةالمجتهد (2 / 455)
([19]) جرائم الاختطاف ص 262

كتبه : حسن بن ناصر الأسلمي .

إغلاق