دراسات قانونيةسلايد 1

الطبيعة النظامية لوظيفة رجال الأمن الوطني (بحث قانوني)

” رجال الأمن يقدمون تضحيات كبيرة،ويعملون ليلا ونهارا،وفي ظروف صعبة،من أجل القيام بواجبهم في حماية أمن الوطن واستقراره،داخليا وخارجيا،والسهر على راحة وطمأنينة المواطنين وسلامتهم،ومن حق المغاربة،بل من واجبهم،أن يفتخروا بأمنهم، وهنا أقولها بدون تردد أو مركب نقص : إذا كان بعض العدميين لا يريدون الاعتراف بذلك،أو يرفضون قول الحقيقة،فهذا مشكل يخصهم وحدهم “.

نص الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، نصره الله، يوم السبت 29 يوليوز 2017، بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين.

مقدمة:

في إطار دولة الحق والقانون، و احترام حقوق الإنسان والحريات العامة؛وإيمانا من جلالة الملك نصره الله وأيده،بما تبدله أسرة الأمن الوطني،للحفاظ على طمأنينة واستقرار الوطن،وتأكيدا لموصول عطف الإرادة الملكية السامية ورضاه وتقديره البالغ لتضحيات رجال الأمن،من مختلف الرتب والمسؤوليات،واقتناعا من جانبه الشريف بضرورة تعزيز وسائل الحماية القانونية لرجال الأمن الوطني،واعتبارا لما تخضع له من التزامات،وما تتحمله من أعباء استثنائية عند أدائها لمهامها،أو بسبب قيامها بها،وما يكتنف مهامها الوقائية والزجرية من إكراهات وصعوبات،تصل في كثير من الأحيان إلى مقارعة الأخطار،حفاظا على الأمن العمومي.

و نتيجة للتطورات و المستجدات التي عرفتها المنظومة القانونية المؤطرة لوظيفة رجل الأمن،بما فيها توسيع ودعم الحقوق والضمانات الممنوحة لرجال الأمن؛في إطار سيادة القانون التي تكفل حقوق الجميع.

ولما كانت وظيفة رجل الأمن وما يحيط بها من مسؤوليات جسيمة بسبب طبيعة الأعمال التي يقوم بها رجال الشرطة من جهة،و من جهة أخرى غموض التدابير المتخذة في إطار العمل الوظيفي وما يستوجبه من إعمال و احترام لمبدأ التسلسل الوظيفي و الإداري،نتساءل عن ماهية الطبيعة القانونية لأوامر وتعليمات الجهاز التسلسلي لرجال الشرطة؟ في محاولة منا إلى إيضاح نوعيات العلاقة الوظيفة التي تربط رجل الأمن برؤسائه المباشرين، فإذا كان لازما على كل رجل شرطة كيفما كانت رتبته في السلك الإداري مسؤول عن القيام بالمهام التي عهد بها إليه،بما فيها رجل الأمن المكلف بتسيير مصلحة من المصالح مسؤول أمام رؤسائه عن السلطة المخولة له لهذا الغرض وعن تنفيذ الأوامر الصادرة عنه،ولا يبرأ في شيء من المسؤوليات الملقاة على عاتقه بسبب المسؤولية المنوطة بمرؤوسيه وكل هفوة يرتكبها في تأدية وظيفته أو عند مباشرتها تعرضه لعقوبة تأديبية زيادة إن اقتضى الحال،عن العقوبات التي ينص عليها القانون الجنائي،الشيء الذي يعكس أهمية وجدية العلاقة الوظيفية لرجال الأمن بمختلف مراتبهم وعلاقاتهم في إطار مبادئ التدرج الوظيفي و التسلسل الرئاسي.

ولئن،كان الاختلاف في التبعية والإشراف على أعمال الشرطة ينعكس يشكل مباشر عن تلك العلاقات الرئاسية وما يمكن أن ينجم عنها،حيث تخـضع أعمـال الـضبط الإداري للرقابة الإدارية لجهاز الشرطة و هو ما يعرف بالتسلسل الإداري او الرئاسي،فان أعمال الـضبط القضائي (الشرطة القضائية ) فتخضع لإشراف ورقابة النيابة العامة،فهي يذلك أعمال لا تدخل نطاق العلاقات الرئاسية بمعناها الواسع،ولا تعد من قبيل التدرج الوظيفي لأعمال رجال الشرطة بقدر ما هي عملية إشراف و مواكبة من جهاز النيابة العامة ودليلنا في ذلك أن جهاز الشرطة القضائية لا يمارس مهامه خارج الولاية الوظيفية لمديرية الأمن الوطني و لا يخضع مباشرة لوزارة العدل من حيث معايير التدرج الوظيفي،إلا انه ومع ذلك،فرجل الشرطة القضائية يلتزم بما تـصدره إلـيهم النيابة العامة من تعليمات بشأن الإجراءات القضائية الواجب مراعاتها،وكذلك بإيداع البلاغات والمحاضر مع بقية أوراق القضية إلى النيابة العامة.

فهل،تلكم التعليمات الصادرة عن النيابة العامة والإجراءات المأمور بها تدخل دائرة الأوامر الرئاسية بمعناها الضيق؟ أم أن الأمر يتعلق بنوع أخر من العلاقة الوظيفية الاستشرافية و التوجيهية في حدود ضيقة من أعمال الضابطة القضائية؟

تلكم إذن،أسئلة سنحاول الإجابة عنها في بحثنا هذا،انطلاقا من دراسة الوضعية القانونية و النظامية لرجال الشرطة مرورا بإبراز أهم الإشكاليات التي تطبع علاقة الرئيس بمرؤوسه من حيث نطاقها و حدود مظاهر التسلسل الإداري في وظيفة رجال الأمن من جهة،ومن زاوية أخرى انعكاس الوظيفة الأمنية القضائية و الإدارية على إعمال التدرج الوظيفي و الرقابي،تطبيقا لأهم المبادئ الوظيفية،ألا وهو احترام مبدأ التسلسل الإداري و الوظيفي كما حددنه التشاريع و القوانين الجاري بها اعمل،وفي نهاية ختمنا لبحثنا حول (الطبيعة القانونية لأوامر وتعليمات الجهاز التسلسلي لرجال الشرطة)،سنحاول قدرا من المستطاع تقييم تلك العلاقة المتبادلة بين ( رجل الأمن الرئيس و رجل الأمن بصفته المرؤوس)وفي وفق معايير موضوعية ووظيفية ،على أساس أن رابطة العلاقة الرئاسية بين الرئيس و المرؤوس،لا يمكن في جميع الأحوال تصورها على أنها ناجحة،بقدر ما يمكن أن يشوبها عدم الاستقرارية في التعامل المتبادل،قد ينجم عنه ضرر يصيب احدهما فيخوله جوازية رفع دعوى أمام القضاء،للحصول على ذلك الحق أو حمايته،”،

ولأن الموظف الأمني قد تصدر في حقه قرارات يراها مجحفة،بأي شكل كان،مصدرها المرفق العام الذي يمارس فيه اختصاصاته،فله أن يتقدم إلى القضاء للفصل في طلبه وادعاءاته،هذا و أن الأمن الوظيفي وطمأنينة الموظف الأمني تعد من أهم الحوافز الباعثة للهمة و الولاء والقيام بالأعباء المسندة له بأكمل صورة ممكنة،لذلك كان لا بد من إعمال مبدأ الضمان بشكل متوازن و متسق مع مبدأ الفعالية،ومن هنا تبرز أهمية البحث الذي نهدف من ورائه،بسط وتسلط الضوء على طبيعة الوضعية النظامية لرجال الأمن،على ضوء التشريع المغربي من جهة،ومن جهة أخرى،إبراز حدود تدابير التسلسل الرئاسي في الوظيفة الأمنية.

وتتكرس أهمية هذا العمل،نظرا للتوسع الكمي و النوعي لعلاقات رجال الشرطة بمخاطبهم الرئاسي وما رافق ذلك من احتمال منازعات وظيفية بين الرئيس و المرؤوس،كما و أن الدراسة التحليلية ذات أهمية ودور في توعية رجال الأمن لحقوقهم إزاء ما تتخذه السلطات الرئاسية في قراراتها،من تعليمات وتوجيهات و أوامر مرافقة ولصيقة بالوظيفة الأمنية يتعرض لها رجال الشرطة ماداموا شاغلين لمنصبهم.

المبحث الاول: الوضعية القانونية و النظامية لرجال الشرطة في التشريع المغربي

يطبق القانون الأساسي للوظيفة العمومية على سائر الموظفين بالإدارات المركزية للدولة وبالمصالح الخارجية الملحقة بها،إلا أنه لا يطبق على رجال القضاء والعسكريين التابعين للقوات المسلحة الملكية وفيما يخص أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي والهيئات المكلفة بتسيير شؤون الأقاليم والعمالات،ورجال التعليم والشرطة،فإن قوانين أساسية خصوصية يمكنها أن تأتي بمخالفات لبعض مقتضيات هذا القانون الأساسي التي لا تتفق والتزامات تلك الهيئات أو المصالح.

المطلب الاول :الاطار القانوني المنظم لعمل رجال الامن

جاء في الفصل الثاني من هذا القانون ما يلي :” يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة”،ونلاحظ أن هذا الفصل يخص فقط الموظفين المرتبين بأسلاك الإدارة التابعة للدولة،لهذا جاء الظهير الشريف رقم 1.09.213 الصادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2010) المتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني،بالإضافة إلى أحكام النصوص التنظيمية المتخذة لتطبيقه المحددة بالمرسوم رقم 2.10.85 الصادر في بتاريخ (26 مارس 2010) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني ليؤكد على نفس التعريف بالنسبة لموظفي الأمن الوطني إذ يتشف منه على انه : ” يخول صفة موظف رجل امن (شرطي) كل شخص يعين في منصب دائم ويرسم بإحدى درجات تسلسل أسلاك إدارة الأمن الوطني”

إلا،إن إعمال النص العام المحدد للإطار القانوني للوظيفة العمومية، لا يعني شموله لجميع أصناف الوظائف العامة في الدولة،ذلك إن هناك نوع اخر من الموظفون يخضعون لأحكام قانون الوظيفة العمومية بصفة أساسية،وقد يعفون من بعض أحكامه،بمقتضى قوانين أساسية خصوصية،إذا كانت تلك الأحكام لا تتفق والالتزامات الملقاة على عاتق الهيئات والمصالح التي يعملون فيها،ومن بين هؤلاء الموظفين كما جاء في نص الفقرة الثانية من الفصل الرابع من قانون الوظيفة العمومية هم :أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي،والهيئات المكلفة بالتفتيش العام للمالية ورجال التعليم،رجال الشرطة .

و بالرجوع إلى النصوص القانونية الخاصة والمنظمة للوظائف الأمنية،فقد نص الظهير الشريف رقم 1.56.115 بشأن الإدارة العامة للأمن الوطني على انه،تحدث إدارة عامة للأمن الوطني تابعة لوزارة الداخلية،توضع تحث النفوذ المباشر للمدير العام للأمن الوطني،ويخول المدير المذكور سلطة اتخاذ المقررات القانونية والشخصية التي كانت منوطة بعهدة مدير مصالح الأمن العمومي،كما تم التنصيص ممارس المدير العام للأمن الوطني لسلطة التعيين وتسيير موظفي ومصالح الأمن الوطني،مع مراعاة أحكام الظهير الشريف رقم 1.99.205 الصادر في 18 من جمادى الآخرة 1420(29 سبتمبر 1999) بتفويض سلطة التعيين،يخضع موظفي الأمن لمقتضيات و نصوص قانونية خاصة،حيث تسري عليهم الأحكام و المقتضيات الواردة في الظهير الشريف رقم 1.09.213 الصادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2010) المتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني،بالإضافة إلى أحكام النصوص التنظيمية المتخذة لتطبيقه المحددة بالمرسوم رقم 2.10.85 الصادر في بتاريخ (26 مارس 2010) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني،إلا أن وجود نظام أساسي خاص بهم،لا تعني عدم خضوعهم لأحكام قانون الوظيفة العمومية،حيث كذلك،تسري عليهم مقتضيات النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة على موظفي الدولة التي لا تتعارض مع مقتضيات الظهير الشريف المتعلق بالنظام الأساسي لرجال الأمن ونصه التطبيقي بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 يبرا ير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية،حسبما وقع تغييره وتتميمه،ذلك أن أحكام الوظيفة الأمنية مستمدة مباشرة من نصوص القوانين واللوائح المنظمة لها،فالعلاقة بين رجل الشرطة والإدارة ليست علاقة عقدية بقدرما هي علاقة تنظيمية،وقرار تعيينه هو قرار شرطي،فأساس العلاقة بين الموظف الأمني والإدارة هي علاقة لائحية تنظيمية،فرجل الشرطة،موظف نظامي تحكم مجالات عمله نصوص قانونية وأنظمة أساسية خاصة،ذلك إن النص التشريعي العام الذي يسند الاختصاص في تطبيق قواعد الوظيفة العمومية على جميع موظفي الدولة ومرافقها العمومية،لا يمكن تفسيره ولا القياس عليه للقول بأنه الأولى بالتطبيق،إذا تعارض مع نص تشريعي خاص يسند الاختصاص إلى أنظمة أساسية خاصة،وإلا اعتبر ذلك تجاوزا لإرادة المشرع،ما دام النص الخاص يقدم على النص العام.

فلئن،كانت مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 يبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية،حسبما وقع تغييره وتتميمه،تحكم مبادئ التنظيم الوظيفي في مرافق الدولة العمومية،وهو نص عام،فإن أحكام الظهير الشريف رقم 1.09.213 الصادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2010) المتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني وكذا مقتضيات المرسوم رقم 2.10.85 صادر في 9 ربيع الآخر 1431 (26 مارس 2010) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني،الذي يسند قواعد التطبيق االنظام الاساسي لرجال الامن الوطني الذي هو نص خاص،وبالتالي فهو الواجب التطبيق مادام لم يطله أي تعديل.

وفي الأخير أود الإشارة إلى أن التعريف بصفة موظف رجل الأمن بشكل خاص الواردة في النظام الأساسي لهم،او بشكل عام كما هي واردة في الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 يبرا ير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية،حسبما وقع تغييره وتتميمه،لا تمت بصلة لما ورد بمقتضيات الفصل 224 من القانون الجنائي المغربي حيث تنص على أنه : ” يعد موظفا عموميا في تطبيق أحكام التشريع الجنائي،كل شخص كيفما كانت صفته،يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر،ويساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام،وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة،ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته،إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها،ويعتبر مبدأ استقلالية الدعوى العمومية عن الدعوى التأديبية من أهم المبادئ القانونية المتعلقة بسير الحياة المهنية للموظف، حيث أن المتابعة الجزائية للموظف من طرف النيابة العامة لا يعني بالضرورة تسريح الموظف نتيجة انقطاعه عن أداء وظيفته بل يجب اتخاذ إجراءات قانونية محددة في المادة 174 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية حيث يتم توقيفه من طرف سلطة التعيين إذا كانت هذه المتابعة الجزائية لا تسمح ببقائه في منصبه،لذلك فهذا المبدأ يعتبر ضمانة أساسية للموظف في الرجوع لوظيفته بعد انتهاء المتابعة الجزائية،

ومن حيث إنه لا يسوغ أن تنبني المسئولية التأديبية مثلها في ذلك مثل المسئولية الجنائية علي الشك والظن والاحتمال والتخمين،بل يتعين أن تستند إلي أدلة كافية وقاطعة في توفير اليقين سواء من حيث وقوع الفعل المؤثم تأديبياً أو نسبته إلي من يجري عقابه تأديبيا وعليه،ومن وجهة نظرنا في الموضوع،فالقاضي الجنائي و هو يبحث عن مفهوم الموظف العمومي،عليه أن يرجع إلى مقتضيات الفصل 224 من القانون الجنائي،و ليس إلى نصوص القانون الإداري،و إلا عرض حكمه للنقض .

فإذا كانت مسؤولية رجل الأمن الجنائية الناتجة عن أمر صادر من لدن رئيسه الإداري،خاضعة لمقتضيات الفصل 258 من القانون الجنائي،فإن مسؤوليته المدنية عن الأعمال التي تتم تنفيذا للأمر رئيسه لا تخضع لأي نص قانوني في التشريع المغربي.

المطلب الثاني :وضعيات رجال الأمن الوطني في التشريع المغربي

الفقرة الأولى: وضعية القيام بالوظيفة

يعد موظفا بالمفهوم الواسع،كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة،و يعتبر الموظف الأمني في وضعية القيام بوظيفته،إذا كان مرسما في رتبة ما،ومزاولته بالفعل مهام أحد المناصب المساوية لرتبته،كما يعتبر قائما بالعمل الإداري طيلة رخص الأمراض وطيلة الرخص الإدارية.

و تنقسم الرخص التي يستفيد منها رجل الأمن إلى نوعين من الرخص الوظيفية وتشمل كل من :

الرخص الإدارية،بما فيها الرخص السنوية والرخص الاستثنائية أو الترخيص بالتغيب.
الرخص لأسباب صحية.
فلكل،رجل امن قائم بعمله الحق في رخصة يتقاضى عنها راتبه،وتبلغ مدتها شهرا عن كل سنة زاول أثناءها مهـامه،وذلك باعتبار أن الرخصة الأولى لا يسمح بها إلا بعد قضاء اثني عشر شهرا في الوظيفة،ويحق أن تحتفظ الإدارة (مديرية الأمن الوطني) بكامل الحرية في تقسيط الرخص كما يجوز لها،إن اقتضت مصلحتها ذلك أن تتعرض لتجزئة هذه الرخص،وللموظفين الأمن ذوى الأولاد حق الأسبقية في اختيار فترات الرخص السنوية،كما يجور إعطاء رخص استثنائية أو الإذن بالتغيب مع التمتع بكامل المرتب دون أن يدخل ذلك في حساب الرخص الاعتيادية :

لرجال الأمن الذين يدلون بمبررات عائلية وبأسباب خطيرة واستثنائية،على أن لا تتجاوز مدة هذه الرخصة عشرة أيام،ولموظفي الإدارة الأمنية ورجال الأمن بمختلف رتبهم الراغبين في أداء فريضة الحج،ولا تعطى هذه الرخصة إلا مرة واحدة في الحياة الإدارية،ولاحق لهؤلاء الموظفين في التمتع بالرخصة المـقررة في الفصل 40 خلال السنة التي ينالون فيها تلك الرخصة الخصوصية،وفي حالة ما إذا أصيب رجل الأمن (الشرطي) بمرض ثابت وجعله غير قادر على القيام بمهامه،تعطى له رخصة قانونية،ويجوز للإدارة أن تقوم بإجراء المراقبات اللازمة،ولا يمكن أن تتعدى مدة الرخصة المعطاة لأجل مرض عادى ستة أشهر يتقاضى فيها رجل الشرطة راتبه كاملا مدة ثلاثة أشهر ونصفه عن الثلاثة الباقية مع بقاء جميع التعويضات العائلية،وإذا ما انتفع رجل الأمن أثناء مدة اثني عشر شهرا متوالية برخص أمراض يبلغ مجموعها ستة أشهر ولم يستطع استئناف عمله عند انتهاء الرخصة الأخيرة،فإما أن يجعل حتما في وضعية التوقيف المؤقت،وإما أن يحال على التقاعد ضمن الشروط المنصوص عليها في التشريع الخاص برواتب التقاعد،هذا إذا ما ثبت نهائيا أنه غير قادر على القيام بعملة،غير أنه إذا نتج المرض عن تضحية للصالح العام،أو إنقاذ روح بشرية أو حادث وقع لرجل الأمن أثناء القيام بعمله،أو بمناسبة مباشرته إياه،فيتقاضى حينئذ مرتبه كاملا إلى أن يتأتى له استئناف عمله أو يحال على التقاعد،وله الحق علاوة على ذلك،في استرجاع الصوائر التي أداها مباشرة من جراء المرض أو الحادث،كما تعطى رخص لمدة طويلة لرجال الأمن الوطني المصابين بداء السل أو بمرض عقلي أو بالسرطان أو بمرض النخاع،ويحتفظ هؤلاء خلال السنوات الثلاث الأولى بكامل مرتبهم وفي السنتين المواليتين لا يتقاضون إلا نصف مرتبهم مع الانتفاع،بجميع التعويضات العائلية،غير أنه إذا تبين للمصالح الطبية الاختصاصية أن المرض الذي استوجب الرخصة لأمد طويل قد أصاب رجل الأمن أثناء القيام بمهامه أو بمناسبة مباشرتها،فإن الآجال المحددة أعلاه ترفع بالتوالي إلى خمس وثلاث سنوات،وفي حالة إذا استحال على رجل الشرطة نهائيا ومطلقا استئناف عمله بعد انتهاء رخصته الطويلة الأمد،فإما أن يحال على التقاعد بطلب منه وإما أن يجبر عليه طبق الشروط المقررة في نظام التقاعد،أما إذا لم يعترف نهائيا بعدم قدرته على العمل،ولم يستطع استئناف عمله بعد انتهاء رخصته الطويلة الأمد،فإنه يوقف حتما عن وظيفته بصفه مؤقتة.

وفي هذا الصدد،نشير إلى أن الشواهد الطبية المدلى بها من طرف رجال الأمن تكون مفترض سلامتها و صحيتها أمام الإدارة الأمنية،مادام لم يتبين عكس سلامتها عن طريق الخبرة المضادة،والتي هي الأخرى يجب آن تتم في الآجال المعقولة حفاظا على سداد قانونيتها،و حماية لرجل المن من اي تعقيد للمساطر التي يقر له بها القانون صراحة،وفي هذا المنوال وفي سابقة للمحكمة الإدارية بوجدة – قسم القضاء الشامل – ملف رقم 17-7 بتاريخ 2018/04/19 حيث قضت بإلغاء قرار السيد المدير العام للأمن الوطني القاضي بنقل عميد شرطة باعتبار المقرر يتضمن عقوبة مقنعة.

(مؤاخذة الطاعن و استبعاد الشهادة الطبية المدلى بها من طرفه رغم صدورها عن طبيب عمومي و دون الطعن فيها و لا تفعيل المساطر المخولة قانونا و من ذلك إجراء الفحص الطبي المضاد يجعل سبب القرار المبني على واقعة الغياب غير مشروع.

اقتران عقوبة التوبيخ بالنقل و صدورهما في وقت واحد بموجب قرار واحد يجعله غير مشروع لتضمنه عقوبة غير منصوص عليها قانونا،بحسبان ان المشرع لم يدرج النقل ضمن قائمة العقوبات التأديبية.إلغاء القرار المطعون فيه…نعم.)

و يعتبر موظفي الأمن،في حالة قانونية ونظامية إزاء الإدارة( مديرية الأمن الوطني) حيث يجب،عليهم في جميع الأحوال أن يحترموا سلطة الدولة والعمل على احترامها،كما أن طبيعة عملهم الوظيفية لا تبيح لهم،أن يمارسوا بصفة مهنية أي نشاط يدر عليه مدخولا،ولا يمكن مخالفة هذا المنع إلا بموجب استثنائي وبموجب مقرر يتخذه،لكل حالة على حدة،وزير الداخلية،بعد موافقة مديرية الأمن الوطني،ويبقى هذا المقرر المتخذ بصفة مؤقتة قابلا للإلغاء لصالح الإدارة،كما انه وفي حالة ما إذا كان زوج الموظف الأمني،بصفة مهنية يقوم بنشاط خاص يدر عليه دخلا يجب التصريح بذلك للإدارة أو المصلحة التي ينتمي إليها،حتى تتمكن السلطة ذات النظر،إن اقتضى الحال، اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على صالح الإدارة،إلا انه لا يشمل المنع المنصوص عليه في الفقرة الأولى إنتاج المؤلفات العلمية والأدبية أو الفنية،على أنه لا يجوز لرجال الأمن الوطني أن يذكروا صفاتهم أو مراتبهم الإدارية بمناسبة نشر هذه المؤلفات إلا بموافقة وزير الداخلية التابعين له وموافقة مديرية الأمن الوطني،وبقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي فيما يخص السر المهني،فإن كل رجل امن يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل ما يخص الأعمال والأخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها،كما يمنع عليه اختلاس أوراق المصلحة ومستنداتها أو تبليغها للغير بصفة مخالفة للنظام،وفيما عدا الأحوال المنصوص عليها في القواعد الجاري بها العمل،فإن سلطة الوزير الذي ينتمي إليه الموظف يمكنها وحدها أن تحرر هذا الموظف من لزوم كتمان السر أو ترفع عنه المنع المقرر أعلاه.

الفقرة الثانية: وضعية الإلحاق

يعتبر رجل الأمن الوطني باعتباره موظف (مديرية الأمن ) في وضعية الإلحاق،إذا كان خارجا عن سلكه الأصلي مع بقائه تابعا لهذا السلك ومتمتعا فيه بجميع حقوقه في الترقية والتقاعد،بحيث يقع الإلحاق بطلب من الموظف الأمني،ويكتسي صبغة تكون في جوهرها قابلة للإلغاء وتطبيقا للمرسوم المتعلق بكيفيات تطبيق الفصول 48 و48 مكرر و50 من الظهير الشريف رقم 1.58.008 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية المتعلقة بالإلحاق وبإدماج الموظفين الملحقين،يقع إلحاق الموظف لمدة أقصاها ثلاث (3) سنوات قابلة للتجديد عند انتهاء مدة الإلحاق، حيث يجوز للموظف الأمني الملحق :

إما إعادة الإدماج في سلكه الأصلي،حيث يشغل أول منصب شاغر،ويباشر من جديد منصبا مماثلا لرتبته في هذا السلك .
أو الإدماج في الإدارة الملحق بها بناء على طلبه.
أو تجديد مدة إلحاقه.
مقال قد يهمك : كربوعة زكرياء : تــــــأمين المنشآت الرياضية و الالتزام بضمان مبدأ السلامة في التشريع الجزائري
كما انه يمكن للموظف الملحق أن يعوض حالا في وظيفته،ما عدا إذا كان ملحقا لمدة تقل عن ستة أشهر أو تعادلها،وكانت هذه المدة لا تجدد وعند انتهاء مدة الإلحاق،ومراعاة لمقتضيات الفصل 52،فإن الموظف الملحق يرجع وجوبا إلى إدارته الأصلية حيث يشغل أول منصب شاغر،و إذا تعذر إعادة إدماجه بسبب عدم وجود منصب شاغر مطابق لدرجته في إطاره الأصلي،يستمر في تقاضي الأجرة المطابقة لوضعيته النظامية خلال السنة الجارية من الإدارة التي كان ملحقا بها وتتحمل الإدارة الأصلية وجوبا الموظف المعني ابتداء من السنة الموالية في أحد المناصب المالية المطابقة.

الفقرة الثالثة:وضعية التوقف المؤقت عن العمل

يعتبر الموظف الأمني في وضعية التوقيف المؤقت،إذا كان خارجا عن سلكه الأصلي وبقى تابعا له،مع انقطاع حقوقه في الترقية والتقاعد،ولا يتقاضى في حالة التوقيف المؤقت أي مرتب،عدا في الأحوال المنصوص عليها بصراحة في القانون الأساسي،و يقع التوقيف بقرار يصدره وزير الداخلية في شخص مدير الأمن الوطني،إما بصفة حتمية وإما بطلب من هذا الأخير،ويحتفظ رجل الأمن بالحقوق التي حصل عليها في سلكه الأصلي إلى اليوم الذي يجري فيه العمل بتوقيفه المؤقت،ويجب الإشارة إلى انه لا يمكن أن يجعل الموظف الأمني حتما في وضعية التوقيف المؤقت،إلا في الحالتين المقررتين في الفصلين 43 و45 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية،بحيث في الحالة الأولى يتقاضى المعني بالأمر طيلة ستة أشهر نصف المرتب المنفذ له في حالة القيام بالعمل،ويبقى متمتعا بجميع التعويضات العائلية،ولا يمكن أن تتعدى سنة واحدة مدة التوقيف الحتمي،ويسوغ له تجديد هذا التوقيف مرتين لمثل المدة المذكورة،وعند انصرام هذه المدة،يجب ،إما إرجاع الموظف إلى أسلاك إدارته الأصلية، وإما إحالته على التقاعد،وإما حذفه من الأسلاك بطريق الإعفاء إن لم يكن له الحق في الإحالة على التقاعد.

غير أنه إذا بقى رجل الأمن غير قادر على استئناف عمله بعد مرور السنة الثالثة على توقيفه،وتبين من نظر المصالح الطبية أنه،يستطيع مزاولة أعماله بصفة عادية قبل انتهاء سنة أخرى،فإن التوقيف المؤقت يجوز تجديده مرة ثالثة،وفي هذا الصدد يجب النبيه إلى انه لا يمكن أن يقع التوقيف المؤقت بطلب من رجل الأمن إلا في الأحوال الآتية:

1–عند وقوع حادثة لزوج الموظف أو لولد له أو إصابة أحدهما بمرض خطير

2–عند القيام بدراسات أو بأبحاث لفائدة الصالح العام

3-لأسباب شخصية.

ولا يجوز أن تفوق مدة التوقيف المؤقت ثلاث سنوات في الحالات المشار إليها في الفقرات 1، 2، وسنة واحدة في حالة الأسباب الشخصية،ولا تجدد هذه الفترات إلا مرة واحدة ولمدة مماثلة لها.

أما بالنسبة للنساء الموظفات في قطاع الأمن الوطني فيمكن لهم أن يطلبوا توقيف مؤقت خاص،إذ لهم الحق في التوقف مؤقتا بطلب منها،إذا كان ذلك لتربية ولد يقل سنه عن خمس سنوات،أو يكون مصابا بعاهة تتطلب معالجات مستمرة،وهذا التوقيف المؤقت لا يجوز أن يفوق سنتين ولكنه يمكن تجديده ما دامت الشروط المطلوبة في الحصول عليه،متوفرة،وإذا كانت المرأة الموظفة تكفل عائلة،فإنها تبقى متمتعة بالتعويضات العائلية طبق الشروط المقررة في النظام الجاري به العمل،هذا و يجوز كذلك توقيف المرأة الموظفة بسلك الشرطة بصفة مؤقتة وبطلب منها،لتتبع زوجها إن اضطر بسبب مهنته إلى جعل إقامته الاعتيادية بعيدة عن المكان الذي تعمل فيه زوجته وحينئذ تكون مدة التوقيف المقررة لسنتين اثنتين قابلة للتجديد من غير أن تتعدى نهاية عشر سنين،ويجب على موظف الأمن الوطني الموقف مؤقتا بطلب منه،أن يلتمس إرجاعه إلى وظيفته شهرين على الأقل قبل انصرام الفترة الجارية،وله كذلك الحق في أن يشغل إحدى المناصب الشاغرة الثلاثة الأولى،وإلى أن يحصل هذا الفراغ،فإن الموظف يبقى في وضعية التوقيف المؤقت،كما إن الموظف الموقف مؤقتا والذي لا يطلب إرجاعه إلى منصبه في الآجال المقررة أو الذي يرفض المنصب المعين له عند رجوعه،يمكن حذفه من الأسلاك بطريق الإعفاء وذلك بعد استشارة اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء،هذا و يحق لإدارة الأمن الوطني إجراء الأبحاث اللازمة،للتيقن من أن أعمال الموظف المعني بالأمر موافقة فعلا للأسباب التي أدت إلى توقيفه المؤقت.

الفقرة الرابعة: الوضع رهن الإشارة.

جاء في المرسوم رقم 422-13-2 صادر في 28 من ربيع الأول 1435 (30 يناير 2014) المتعلق بتحديد كيفيات تطبيق الفصل 46 المكرر مرتين من الظهير الشريف رقم 008-58-1 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية المتعلق بالوضع رهن الإشارة،وتطبيقا،لأحكام الفصل 46 المكرر مرتين من الظهير الشريف المشار إليه أعلاه رقم 008-58-1 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) يحدد هذا المرسوم شروط وكيفيات الوضع رهن الإشارة،حيث تم التنصيص فيه على انه.يتم الوضع رهن الإشارة بطلب من الإدارة العمومية المستقبلة،يوجه إلى الإدارة العمومية أو الجماعة الترابية الأصلية،تبين فيه المواصفات المطلوب توفرها في الموظف المراد وضعه رهن إشارتها،أو تحدد فيه الموظف المراد وضعه رهن إشارتها،ويكون الوضع رهن الإشارة قابلا للتراجع عنه وفق مقتضيات المادة 10 أدناه،ويتم الوضع رهن الإشارة وتجديده،بعد موافقة الموظف المعني بالأمر،بموجب قرار لرئيس الإدارة العمومية الأصلية أو للسلطة المختصة فيما يتعلق بالجماعات الترابية،بناء على اقتراح من رئيس الإدارة العمومية المستقبلة.

و يتم الوضع رهن الإشارة لمدة أقصاها ثلاث (3) سنوات قابلة للتجديد ويجدد الوضع رهن الإشارة تلقائيا إذا تم التنصيص على ذلك في قرار الوضع رهن الإشارة،هذا و يزاول موظف الأمن الوطني الموضوع رهن الإشارة مهاما من مستوى تراتبي مماثل،على الأقل،للمهام التي كان يزاولها بالإدارة التي كان ينتمي إليها،ويخضع لنفس الالتزامات المهنية التي تقتضيها ممارسة المهام المعهود إليه بها بالإدارة العمومية المستقبلة.

المطلب الثالث: حقوق وواجبات رجل الأمن الوطني

القرة الأولى: الحقوق

لاشك أن رجال الأمن الوطني وبصفتهم تلك،يتمتعون كسائر موظفي الدولة في القطاع العام من مجموعة من الحقوق الأساسية،الواردة في نظامهم الأساسي الخاص بهم او تلك المنصوص عليها بشكل عام في مقتضيات قانون الوظيفة العمومية .

الراتب الشهري والترقية والتعويضات :
تتكون الأجرة التي يحص عليها موظف الأمن الوطني،(رجال الأمن=الشرطة) من المرتب والتعويضات العائلية،وغيرها من التعويضات والمكافآت المحدثة بموجب النصوص التنظيمية الصادرة لتطبيق الظهير الشريف،المتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني وكذا مقتضيات المرسوم رقم 2.10.85 صادر في 9 ربيع الآخر 1431 (26 مارس 2010)،بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني،وكذا التعويضات الخاصة المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل،كما يمكن أن تمنح لهم ترقيات استثنائية في الرتبة أو الدرجة( لفائدة موظفي الأمن الوطني )الذين قاموا بأعمال استثنائية أو الذين تعرضوا لإصابات بليغة أو مميتة خلال مزاولة مهامهم أو بمناسبة مزاولتها،حيث جاء في المادة 25 من مرسوم رقم 2.10.85 صادر في 9 ربيع الآخر 1431 (26 مارس 2010) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني، و تطبيقا لأحكام المادة الثامنة من الظهير الشريف السالف الذكر رقم 1.09.213 الصادر في 8 ربيع الأول 1431 ( 23 فبراير 2010)، على انه يمكن للمدير العام للأمن الوطني القيام سنويا بترقية خاصة لفائدة موظفي الأمن الوطني الذين قاموا بأعمال استثنائية أو الذين تعرضوا لإصابات بليغة أو مميتة خلال مزاولة مهامهم أو بمناسبة مزاولتها،و ذلك وفق الشروط التالية:

في الدرجة:

– إلى درجة مفتش شرطة، في حدود ثلاثين منصبا، من بين حراس الأمن.

– إلى درجة ضابط شرطة، في حدود أربعة مناصب،من بين مفتشي الشرطة الممتازين و مفتشي الشرطة.

– إلى درجة ضابط أمن، في حدود أربعة مناصب، من بين المقدمين الرؤساء و المقدمين.

– إلى درجة ضابط شرطة ممتاز،في حدود أربعة مناصب، من بين ضباط الشرطة.

– إلى درجة ضابط أمن ممتاز،في حدود أربعة مناصب، من بين ضباط الأمن.

في الرتبة :

بالنسبة لجميع الدرجات.

و يمكن أن تقرر هذه الترقيات و لو بعد وفاة المعنيين بالأمر.

تمنح هذه الترقية من قبل المدير العام للأمن الوطني،بناء على تقارير تنجز لهذا الغرض من قبل السلطة التسلسلية التابع لها الموظف،خلافا للمقتضيات التنظيمية المتعلقة بالنسب المائوية المنصوص عليها في المرسوم رقم 2.75.897 بتاريخ 20 من ذي الحجة 1395 (32 ديسمبر 1975) بمثابة النظام الأساسي الخاص بموظفي المديرية العامة للأمن الوطني،حيث يمكن لحراس الأمن و المقدمين و المقدمين الرؤساء و ضباط الأمن و مفتشي الشرطة و مفتشي الشرطة الممتازين و ضباط الشرطة و ضباط الشرطة الممتازين و عمداء الشرطة أن يستفيدوا من الترقية عن طريق الاختيار بعد التقيد في جدول الترقي برسم سنتي 2008 و 2009 في حدود 28 % عن كل سنة من عدد المترشحين المستوفين للشروط النظامية المطلوبة. كما أود الإشارة إلى،أن الترقية من درجة إلى درجة ليست آلية وإنما تتم عن طريق الاختيار بعد التقييد في جدول الترقي وقضاء مدة العمل الفعلية اللازمة،وتوفر المناصب المالية الشاغرة،مع مراعاة الشروط الخاصة المقررة للتوظيف في كل درجة،يمكن أن يوظف في أسلاك موظفي الأمن الوطني،بصفة مباشرة وبناء على طلبهم،أزواج أو أبناء موظفي الأمن الوطني المتوفين أثناء ممارسة عملهم،وذلك في حدود خمسة في المائة من المناصب المالية المراد شغلها برسم كل سنة مالية، ونشير في هذا الصدد ان المعايير المتبعة في ترقية رجال الأمن،يجب ان تخضع لمبادئ المساواة و العدالة و تكافؤ الفرص بين موظفي الأمن الوطني وهذا ما كرسته القوانين و ما استقر عنه العمل القضائي حيث جاء في حكم

المحكمة الإدارية بالرباط قسم القضاء الشامل حكم رقم : 1948 بتاريخ : 10/4/2014 ملف رقم : 230/7105/2013

(أن الأصل أن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي،إلا أن الأخذ بهذا الأصل على إطلاقه في مجال المنازعات الإدارية لا يستقيم مع واقع الحال، بالنظر إلى احتفاظ الإدارة في غالب الأمر بالوثائق والملفات ذات الأثر الحاسم في المنازعات،لذا فإن من المبادئ المستقرة في المجال الإداري والتي استقر عليها قضاء محكمة النقض أن الإدارة تلتزم بتقديم سائر الأوراق والمستندات المتعلقة بموضوع النزاع والمنتجة في إثباته إيجابا ونفيا متى طلب منها ذلك من طرف المحكمة،بحيث متى نكلت عن تقديم الأوراق المتعلقة بموضوع النزاع،فإن ذلك يقيم قرينة لصالح المدعي تلقي عبء الإثبات على عاتق الإدارة .

عدم إثبات الإدارة لسبب تجاوز استحقاق المدعي للترقية بالمقارنة مع زملائه ،وبما يفيد احترام معايير المساواة والاستحقاق وعدم التمييز فيما بينهم،وتبريرها فيما يتعلق بالإدلاء بمعايير التقييم والتنقيط المعتمدة رغم توفرهم على الأقدمية المطلوبة لتستطيع المحكمة ممارسة رقابتها على شرعية وملائمة قرارات الترقية،يجعل الطلب مؤسسا لإخلال الإدارة بمبدأ مساواة موظفيها أمام القانون وأمام الفرص المتاحة المكرس دستوريا ولانحرافها في استعمال عناصر السلطة التقديرية التي تتوفر عليها للاختيار بخصوص معالجة وضعية المعني،لاسيما وأن تقلده لمناصب مسؤوليات أمنية عدة وسبق استفادته من ترقيات لاحقة على إيقاع العقوبة التأديبية وحصوله على وسام ملكي سام يجعل اعتباره رد إليه بقوة القانون،مما يتعين معه التصريح بتسوية الوضعية الإدارية والمالية للمدعي )

وفي قرار أخر لمحكمة الاستئناف الإدارية بالربــاط -عدد : 1304 المؤرخ في : 19/11/2008 في مـلفها عـدد : 177/07/8 حيث نصت على مايلي :

(لكن حيث إنه خلافا لما جاء في سبب الاستئناف فإن المحكمة الإدارية اعتبرت أن الترقية المطالب بها ترقية بالاختيار وليست آلية يتطلب للاستفادة منها توفر شرط الأقدمية بالإضافة إلى الشروط الأخرى المتمثلة في توفر المنصب المالي الشاغر والقيمة المهنية للموظف من إنتاجيته وسلوكه وتنقيطه وأراء رؤسائه إلى غير ذلك من الشروط اللازمة للاستفادة من هذه الترقية.وأن المحكمة الإدارية استجابت عن صواب لطلب المستأنف عليه الرامي إلى ترقيته إلى درجة ضابط شرطة ممتاز لتوفره على شرط أقدمية الأربع سنوات المنصوص عليه في الفصل 22 من النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني على اعتبار أنه تمت ترقيته إلى درجة ضابط شرطة ابتداء من فاتح يوليوز 2000، ولتخلف الإدارة المستأنفة عن الإدلاء بالمعايير والاعتبارات المعتمدة من طرفها لترقية زملاء المستأنف عليه اللذين هم في نفس وضعيته وبالتالي بيان أوجه المفاضلة المعتمدة في هذا الشأن، لاسيما وأن الإدارة تقر بأنها قامت بترقية زملاء المستأنف عليه اللذين يتمتعون بنفس أقدميته،مبررة ذلك بكونهم لازالوا يمارسون مهامهم،في حين أن هذا السبب لا يرقى كمبرر للمفاضلة مادامت الإحالة إلى التقاعد أو الاستفادة من المغادرة الطوعية لا تحول دون استفادة الموظف من الترقية إذا كان استحقاقه سبق تاريخ حذفه من الأسلاك، مما يكون معه سبب الاستئناف غير مرتكز على أساس.)

حماية الدولة لرجل الأمن :
يتمتع موظفو الأمن الوطني بحماية الدولة وفقا لمقتضيات القانون الجنائي والقوانين الخاصة الجاري بها العمل،مما قد يتعرضون إليه من تهديدات،أو تهجمات أو إهانات أو سب أو قذف،كما تضمن لهم الدولة التعويض عن الأضرار الجسدية التي يمكن أن يتعرضوا لها خلال أو بمناسبة مزاولة مهامهم والتي لا تشملها التشريعات المتعلقة بمعاشات الزمانة ورصيد الوفاة،وفي هذه الحالة،تحل الدولة محل الضحية في الحقوق والدعاوى ضد مرتكب الضرر،وفي هذا الصدد سبق وان عممت المديرية العامة للأمن الوطني مذكرة مصلحية على كافة المسؤولين الأمنيين في مختلف الولايات والمناطق والدوائر الشرطية،تدعوهم إلى ضرورة تفعيل مقتضيات المادة السابعة من النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني،وتمنح هذه المادة للشرطيين “حماية الدولة” ضد كل التهديدات والاعتداءات والإهانات التي يمكن أن تطالهم أثناء مزاولتهم لمهامهم الوظيفية،والهدف من هذه المذكرة،أولا حماية موظفي الشرطة من مختلف جرائم الإهانة والاعتداءات الجسدية واللفظية التي يرتكبها بعض مستعملي الطريق أو بعض الأشخاص في وضعية خلاف مع القانون،وثانيا تحفيز موظفي الأمن على التطبيق السليم للقانون في حق أي كان،على اعتبار أنهم يعلمون مسبقا بأنهم يتمتعون بحماية الدول،وتشمل هذه الحماية قانون توفير كل وسائل الدعم والإسناد المادي والمعنوي،بما في ذلك تنصيب الدفاع للمؤازرة في جميع القضايا التي يكونوا فيها رجال الأمن ضحايا،وهذا ما كرسه قانون الوظيفة العمومية و النظام الأساسي لموظفي و موظفات الأمن الوطني إذ يتعين على الإدارة أن تحمي الموظفين من التهديدات والتهجمات والإهانات والتشنيع والسباب التي قد يستهدفون لها بمناسبة القيام بمهامهم،وتعوض إذا اقتضى الحال وطبقا للنظام الجاري به العمل،الضرر الناتج عن ذلك في كل الأحوال التي لا يضبطها التشريع الخاص برواتب التقاعد وبضمانة الوفاة،حيث أن الدولة هي التي تقوم مقام المصاب في الحقوق والدعاوى ضد المتسبب في الضرر.

حق رجال الأمن الوطني في تأسيس أي جمعية أو الانخراط فيها وفق شروط مطلوبة
يمكن لموظفي الأمن الوطني تأسيس أي جمعية أو الانخراط فيها،بعد استئذان المدير العام للأمن الوطني بذلك،شريطة التقيد بواجب الحياد والوفاء لمؤسسات المملكة،وذلك طبقا لأحكام الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نوفمبر 1958) بتنظيم حق تأسيس الجمعيات، كما تم تغييره وتتميمه.

الفقرة الثانية: الواجبات والالتزامات

الانضباط :
إن الدقة والأمانة المتطلبة من رجال الأمن الوطني (الشرطة)ا تقتضيهم أن يبذلوا أقصي درجات الحرص علي أن يكون أداؤهم للعمل صادراً عن يقظة وتبصر بحيث يتحرى رجل الشرطة في كل إجراء يقوم باتخاذه ما يجب أن يكون عليه الرجل الحريص من حذر وتحرز،فإذا ما ثبت في حق الموظف الأمني أنه أدي عمله باستخفاف أو غفلة أو لا مبالاة،كان خارجاً بذلك عن واجب أداء العمل بدقة وأمانة،ومن ثم يكون مرتكباً مخالفة تأديبية تستوجب المساءلة ولو كان موظف الامن الوطني حسن النية سليم الطوية،لأن الخطأ التأديبي المتمثل في مخالفة واجب أداء العمل بدقة وأمانة لا يتطلب عنصر العمد،وإنما هو يتحقق بمجرد إغفال أداء الواجب الوظيفي علي الوجه المطلوب “.وارتباطا بمظهر الانضباط و تجلياته،تسري على موظفي الأمن الوطني أحكام القانون رقم 36.04 المتعلق بالأحزاب السياسية وأحكام الظهير الشريف رقم 1.57.119 الصادر في 18 من ذي الحجة 1376 (16 يوليو 1957) حول النقابات المهنية لا يجوز لموظفي الأمن الوطني على وجه الخصوص :

الانتماء إلى أي حزب سياسي أو منظمة نقابية؛
الانقطاع عن العمل المتفق بشأنه.
كما تقتضي طبيعة الأعمال الموكولة إليهم،أن يلتزم موظفو الأمن الوطني بالقيام بمهامهم ولو خارج أوقات العمل العادية،كما يتعين عليهم الالتزام بقواعد الانضباط والتقيد بواجب التحفظ واحترام السر المهني ولو بعد انتهاء مهامهم،قهم مسئولون بجميع مراتبهم في أسلاك الشرطة،عن الإهمال والخطأ والتهاون الذي يقع منهم حال تأدية الأعمال الموكولة إليه،وأن كثرة العمل ليست من الأعذار التي تعدم المسئولية الإدارية،إذ المفروض أن رجل وموظفي إدارة الأمن الوطني عليه أن يتحمل التبعة كاملة عن الأعمال التي يرتضي لنفسه أن يتصدى لمباشرتها،فضلاً عن أنه لو أخذ بها كذريعة لكل من يخل بواجبات وظيفته لأضحي الأمر فوضي لا ضابط له”،كما يجب على كل موظف امن أن يمتثل،في إطار تنفيذ المهام المسندة إليه،لتعليمات رئيسه التسلسلي،ما لم يكن الأمر الصادر إليه مخالف للقانون.

هذا،و يلزم موظفو الأمن الوطني كذلك بارتداء الزي النظامي وبحمل لوازم المهنة،ولاتستثنى من ذلك إلا الحالات التي يمنح ترخيص خاص بشأنها بموجب مقرر للمدير العام للأمن الوطني،إذا كانت طبيعة المهام أو ضرورة المصلحة تقتضي ذلك،و تحدد الخصائص المميزة للزي الرسمي بمقتضى قرار للمدير العام للأمن الوطني.

النزاهة و الوقار و الشفافية الوظيفية:
يمنع على كل رجل امن (شرطة) أن يمارس أي عمل أو تصرف أو سلوك من شأنه أن يمس بوقار وظيفته أو يخل بسمعتها،وللمدير العام للأمن الوطني أن يتخذ ما يراه مناسبا من تدابير لحماية مصالح الإدارة، عندما يكون من شأن نشاط المرشح أو المرشحة للزواج من أحد موظفي الأمن الوطني،المساس أو الإخلال بسمعة الإدارة ومصداقيتها،وفي هذا الصدد صدرت سالفا عن المدير العام للأمن الوطني،في إحدى أهم مذكراته المصلحية الموجهة إلى جميع القيادات الأمنية،المركزية والجهوية،يُشدّد فيها على ضرورة تفعيل إجراءات المراقبة الإدارية،وإرساء قواعد سليمة للشفافية والنزاهة،في سياق تفاعل إدارة الأمن مع القرارات الملكية،لقاضية بإعفاء عدد من الوزراء والمسؤولين من مهامهم،على خلفية تنزيل المقتضى الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة،حيث يمكن اعتبار التوجيهات الملكية في هذا الباب،بمثابة – مدخل يؤسس لمرحلة جديدة قوامها اقتران المحاسبة بالمسؤولية، والنهوض بالواجبات بقدر التمتع بالحقوق”،وهي توجيهات تنصرف إلى جميع القطاعات والمرافق العمومية،بما فيها مصالح الأمن الوطني،التي تعتبر مرفقا عموميا منذورا لخدمة أمن الوطن والمواطن،وجهازا عاما مكلفا بتطبيق القانون-.

نكران الذات:
يلزم موظفو الأمن الوطني بالتدخل،من تلقاء أنفسهم،خارج أوقات العمل العادية،لتقديم العون لكل شخص في خطر،ولمنع وزجر أي عمل من شأنه المساس بالنظام العام،ولحماية الأفراد والجماعات من الاعتداءات على الأشخاص والممتلكات،ويعتبر رجل الأمن الذي يتدخل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أو استنجاد من الغير،بمثابة من يمارس مهام الوظيفة بغض النظر عن الساعة التي تم فيها التدخل ومكانه وظروفه،حيث يلزم موظفو الأمن الوطني بالإقامة في أماكن تعيينهم،أو داخل حدود مسافة يتم تحديدها،بالنسبة لكل منطقة،بمقرر للمدير العام للأمن الوطني،غير أنه،يمكن الترخيص لهم،وبصفة استثنائية،بالإقامة خارج منطقة مقر عملهم.ولا يمكن في أي حال من الأحوال،اعتبار الترخيص الاستثنائي مبررا لأي تغيب أو تأخر عن نوبة عمل،ويمكن دعوة موظفي الأمن الوطني للعمل،مؤقتا،خارج أماكن تعيينهم أو عملهم،كلما تطلبت ذلك ضرورة المصلحة.

بحيث يمكن لمدير الأمن الوطني أن يدعى موظفو الأمن الوطني لمزاولة وظائفهم،سواء بالنهار أو بالليل،ولو خارج أوقات العمل العادية،ويمكن أن تعوض فترات العمل المنجزة خارج أوقات العمل العادية إما بفترات للراحة أو بتعويض يؤدى لهم وفق الشروط المحددة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل،ويخول مسؤولو وأطر وأعوان الأمن تعويضا مناسبا عن السكن أو سكنا وظيفيا في حالة توفره،وذلك وفق شروط وكيفيات تحدد بموجب نص تنظيمي.

المطلب الرابع: التأديب

يعد النظام التأديبي في وظيفة رجال الأمن الوطني،شبيه لحد ما لما تلطمنه بنود قانون الوظيفة العامة ،حيث تستند فيه سلطة التأديب والعقاب على السلطة الرئاسية أو السلطة التي تملك صلاحية التعيين. فالعقوبة التأديبية هي عمل إداري تنفيذي تصدر في مواجهة الموظف العام،ويمكن أن تكون محل طعن أمام الجهة القضائية المختصة،و الواقع أن مبدأ المشروعية في مجال الجريمة التأديبية،لا يطبق بشكل كامل كما هو الحال في القانون الجنائي،وذلك لعدم وجود حصر كامل للمخالفات التأديبية،بل إن الموظف يخضع للمساءلة التأديبية وتوقيع الجزاء إذا ما ثبت أنه ارتكب فعل إيجابي أو سلبي يشكل إخلالا بواجباته الوظيفية،كما انه من المبادئ المعمول بها في هذا الصدد أن إعمال مبدأ التناسب يعد من أهم المبادئ الحديثة المستعملة في المجال التأديبي،فعلى السلطة التأديبية تقدير العقوبة مع جسامة الوقائع التي أدت إلى اتخاذ القرار التأديبي. فإن مناط مشروعية السلطة التأديبية يكون من خلال تقدير التناسب بين الجزاء والمخالفة،كما يجب أن لا يشوبها غلو ومن صوره عدم التناسب بين الخطأ المهني والعقوبة التأديبية،حيث نص القانون الأساسي للوظيفة الامنية،على أن تحديد العقوبة التأديبية يرجع لمدى جسامة الخطأ المهني،حيث صنف القانون الأساسي الأخطاء المهنية إلى أربعة درجات،وكذلك الشأن بالنسبة للعقوبات التأديبية،بحيث لا يمكن للسلطة التأديبية أن تطبق عقوبات أخرى لا تتناسب مع الخطأ أو يتم تطبيق عقوبتين على نفس الخطأ، وارتباطا بذلك،تتوزع العقوبات التأديبية المطبقة على موظفي الأمن الوطني إلى ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى:

الإنذار.
التوبيخ.
تصدر عقوبتا الإنذار والتوبيخ بقرار معلل للسلطة المختصة،دون استشارة المجلس التأديبي،بعد استفسار المعني بالأمر حول الأفعال المنسوبة إليه،كما يمكن للمدير العام للأمن الوطني أن يلزم كل موظف أبان عن نقص في كفاءته المهنية أثناء مزاولته لمهامه بمتابعة دورات تكوينية تقويمية و توجيهية تنظم لهذا الغرض.

أما فيما يخص طبيعة التنبيهات و الاستفسارات الغير المؤثرة في المراكز القانونية لرجال الأمن الوطني لا تعلوا مصاف الفرارات التأديبية الجسيمة و التي تكون موضوع طلبات الإلغاء و هذا ما جاء في حكم المحكمة الإدارية باكادير ملف عدد 2007/117

( التنبيه الذي لم يتجاوز مداه بتأثيره في المركز القانوني للطرف المخاطب به …يبقى مجرد إجراء غير مؤثر لا يعلو إلى مصاف القرار الإداري القابل للطعن يالالغاء)

و تتقادم هاتان العقوبتان بعد مرور فترة ثلاث سنوات من تاريخ إصدارهما وتنمحي آثارهما القانونية تلقائيا، وينقطع التقادم إذا صدرت أية عقوبة أخرى ضده خلال هذه الفترة.

المجموعة الثانية :

الحذف من لائحة الترقي.
الإنزال من الرتبة.
التوقيف المؤقت عن العمل لمدة أدناها 15 يوما وأقصاها6 أشهر؛
الإنزال من الدرجة.
المجموعة الثالثة :

الإحالة إلى التقاعد الحتمي.
العزل.
ونظرنا لكون عقوبات العزل،تعتبر من اشد الجزاءات المغيرة في مراكز القانونية لرجال الأمن الشرطة،فان القضاء والقانون حرص على أن تكون قرارات العزل معللة تعليلا سليما تام،وإلا اعتبرت من قبيل التعليلات الناقصة والتي لا اثر لها من سديد وصحيح القانون وفي هاذ الشأن جاء قرار محكمة النقض عدد 161 الصادر بتاريخ 22 مارس 2012 في الملف الإداري عدد 852/4/2/2011 دعوى الإلغاء – إلغاء قرار إداري – عزل موظف – عدم التعليل.
حيت نص على انه (إذا كان من سلطة الإدارة إعفاء الموظف المتمرن سواء بعد عرضه على المجلس التأديبي أو بدونه،فان هذا الإعفاء يجب أن يكون له سبب من الواقع أو القانون وأن القانون وأن يكون هذا السبب قائما وصحيحا،إفصاح الإدارة عن السبب الذي دفعها لاتخاذ قرار إعفاء الموظف، يخرج قرارها المطعون فيه من دائرة القرارات التي لا يمكن الإفصاح عن سببها بدعوى مساسها بالأمن الداخلي والخارجي للدولة، وبالتالي تصبح ملزمة ليس فقط بإظهار السبب وإنما أيضا بإثباته وهو ما لم تقم به وان المطلوبة إذا كانت قد صرحت بمحضر جلسة البحث بأنها لا علاقة لها بعمها المذكور،ولم يسبق أن تم اعتقاله أو أدين،فان هذا التصريح لا يمكن اعتباره إقرارا بما جاء في السبب الذي بني عليه القرار،ولا يعد مبررا لإعفاء المطلوبة من وظيفتها.وان المحكمة لما عللت قرارها بما جاء فيه والذي يوافق ما أشير إليه أعلاه فان تعليلها جاء مطابقا للواقع والقانون وغير مشوب بفساد التعليل والوسيلة لذلك غير مرتكزة على أساس.

هذا،وللإشارة فإن توقيع العقوبات الواردة في المجموعتين الثانية والثالثة من المادة 20 من الظهير الشريف المتعلق بالنظام الأساسي لرجال الشرطة،يتم دون استشارة المجلس التأديبي،وذلك في الحالتين التاليتين:

الدعوة أو المشاركة في أي عمل جماعي يخل بقواعد الانضباط، أو عمل جماعي مخالف للنظام العام
الانقطاع غير المبرر عن العمل..
و تعتبر المسطرة التأديبية مستقلة عن الدعوى الجنائية المقامة ضد أي موظف من موظفي الأمن الوطني، سواء تعلق الأمر بمخالفته لالتزاماته المهنية أو بجريمة من جرائم الحق العام.حيث لا تلزم الإدارة،في الحالة التي يكون فيها الحكم القضائي سابقا للقرار التأديبي،سوى بالأحكام القضائية الصادرة بصورة نهائية والتي تدحض الوجود المادي للوقائع التي تم على أساسها إجراء المتابعات التأديبية.

وارتباطا بموضوع التأديب الوظيفي في حق رجال الأمن،نود أن نشير وحتى لا تضيع حقوقهم ومضمناتهم في مواجهة وقع أنواع العقوبات المتخذة في حقهم،إلى أصل مستقر في الوجدان الإنساني قبل غدوة القاعدة القانونية،وهي أن الإدانة يجب أن تبني علي اليقين،وأن الشك يفسر لصالح المتهم،إن الخطب عظيم بلا ريب،والمصاب جلل لا مرية،إلا أن ذلك كله لا ينهض مبرراً لأن يؤاخذ إنسان بشبهة أي بمظنة فإن الظن لا يغني من الحق شيئاً،ولكنه يقين الدليل،ودليل اليقين،كالشمس في رابعة نهارها مناطاً للحساب والمؤاخذة،ومن ثم فإن إستقام الدليل مستمداً من هذه التقارير والتحقيقات متساندة متناغمة وإلا طرحت جميعها،أو اصطفي منها ما يسانده القانون،فذلك إيواء إلى ركن شديد ونهج رشيد،ولئن كان غير سائغ التهوين من أمر المخالفات المتعلقة بهذه الكارثة،خاصة وأن الأمر يتعلق بالبحر أو الإبحار فيه،وما ينبغي له من محاذير،مما يدق عليها الحساب،إلا أنه وفي ذات الوقت فليس بمقبول التهويل من أمور لا تخرج عن كونها محض مخالفات إدارية تكاد تكون منبتة الصلة بتلك الفاجعة،بل وقد تكون في معزل عنها زماناً ومكاناً وغير مفضية إليها سبباً،ومن ثم فلا يسوغ أن يحمل هؤلاء أوزار من قارفوها ” أي الفاجعة فلا تزر وازرة وزر أخري،وليس للإنسان إلا ما سعي،وأن سعيه سوف يري،ثم يجزي الجزاء الأوفى هذا قسطاس العدل،وميزان السماء،فأني للأرض أن تعرض عنه ” .

إن انعدام المشروعية اللاصقة بالقرار الإداري التأديبي في بعض الأحيان يكزن لها وقع سيئ على نفسية و مردودية رجل الأمن الوطني ومثاله تخلف شرط التعليل كتابة وفي صلب القرار يجعل هذا الأخير غير مقبول على حالته ولو كانت أسبابه الحقيقية التي لم يتم الإفصاح عنها جدية ومشروع،وهو ما دهب تاليه ،المحكمة الإدارية باكادير في حكمها عدد 63 بتاريخ 2007/07/26 ملف رقم 184/2006غ الإدارات و المؤسسات العمومية ملزمة بعد صدور القانون رقم 01/03 بتعليل قراراتها الإدارية تحت طائلة عدم المشروعية بالا فصاح كتابة وفي صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية و الواقعية الداعية إلى اتخاذها

فإذا كان من سلطة الإدارة المعنية إعفاء الموظف المتمرن سواء بعد عرضه على المجلس التأديبي أو بدونه،فان هذا الإعفاء يجب أن يكون له سبب من الواقع أو القانون وأن يكون هذا السبب قائما وصحيحا، والمحكمة لما تبين لها أن السبب المؤسس عليه الإعفاء غير ثابت في النازلة وألغت القرار المطعون فيها فإنها لم تخرق القانون المحتج به والوسيلة لذلك بدون أساس،كما أن أصل البراءة مفترض في كل متهم،فكيف بعمل رجال الأمن الشرفاء مهم،فقد ولد الإنسان حراً مطهراً من الخطيئة ودنس المعصية،لم تنزلق قدماه إلي شر ولم تتصل يده بجور أو بهتان،ويفترض وقد كان سوياً حين ولد حياً،أنه ظل كذلك متجنباً الآثام علي تباينها،نائياً علي الرذائل علي اختلافها،ملتزماً طريقاً مستقيماً لا يتبدل اعوجاجاً،وهو افتراض لا يجوز أن يهدم توهماً،بل يتعين أن ينقض بدليل مستنبط من عيون الأوراق وبموازين الحق،وعن بصر وبصيرة. فمناط المسئولية التأديبية هو أن يسند للعامل، علي سبيل اليقين،فعل ايجابي أو سلبي يعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية،فإذا انتفي المأخذ الإداري علي سلوك العامل واستبان انه لم يقع منه ما يشكل مخالفة تستوجب المؤاخذة والعقاب وجب القضاء ببراءته”.

حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعون أرقام (26)لسنة 42ق0 جلسة 5/10/1996، (5286)،(5378) لسنة 43ق0 جلسة 23/12/2001،(1793) لسنة 43ق. جلسة 21/3/2003″.

التوقف النهائي عن العمل :
ينتج التوقف النهائي عن العمل المؤدي إلى الحذف من أسلاك موظفي الأمن الوطني وفقدان صفة الموظف عن طريق :

*الاستقالة المقبولة قانونا. و الاستقالة المقبولة ، و لا يمكن تصورها إلا بعد أن يلتزم رجل الأمن كتابة بالبقاء في خدمة مصالح المديرية العامة للأمن الوطني لمدة لا تقل عن ثمان (8) سنوات ابتداء من تاريخ التوظيف،و كل موظف امني يخل بهذا الالتزام يلزم عليه بأن يرجع لفائدة الخزينة العامة مجموع المبالغ والرواتب التي استفاد منها خلال فترات التكوين،إضافة إلى نسبة الثمن (1/8) عن كل سنة أو جزء من سنة من الخدمة غير المنجزة.

* العزل.

وهنا يجب احترام قاعدة توازي الأشكال القانوني، على اعتبار أن الجهة المانحة للتعين او التأديب هي نقسها الجهة المخولة لها حق السحب و الإلغاء وما تم أن صدر عنها حيث جاء في المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها رقم : 1893 الصدر بتاريخ : 27-9-2007 في الملف رقم : 31-07 غ بأن:

1- الموظف المعين بظهير شريف لا يمكن عزله إلا بموجب ظهير شريف …نعم .

– إقدام المدير العام للأمن الوطني على تحريك المتابعة التأديبية باستدعاء المعني بالأمر لحضور المجلس التأديبي وتفعيل عقوبة العزل قبل حصوله على موافقة جلالة الملك ولا صدور ظهير شريف بالعزل…تجاوز الاختصاصات …قرار منعدم …نعم.

2- تجاوز أجل الأربعة أشهر دون أن يصدر أي قرار تأديبي عن صاحب الاختصاص ودون تسوية وضعية الموظف الموقوف …مخالفة للفقرة الثالثة من الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية…نعم…الحكم بتسوية الوضعية الإدارية والمادية منذ تاريخ التوقيف …نعم .

و في الأخير،و بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العم،يتبين أن المشرع ميز بين حالتين :حالة التوقيف غير المقترن بمتابعة زجرية،والتوقيف المقترن بتلك المتابعة ،وأنه في نازلة الحال لما كان التوقيف غير مقترن بوجود متابعة زجرية فإن الموظف تسوى وضعيته طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 73 المذكور التي تنص على أنه:”في حالة توقيف الموظف يجب استدعاء المجلس التأديبي في أقرب أجل ممكن كما يجب أن تسوى نهائيا حالة الموظف الموقوف في أجل أربعة أشهر ابتداء من اليوم الذي جرى فيه العمل بالتوقيف، وإن لم يصدر أي مقرر عند انتهاء هذا الأجل فإن الموظف يتقاضى من جديد مرتبه بأكمله” .

* الإحالة إلى التقاعد: و يحدد سن إحالة موظفي الأمن الوطني إلى التقاعد في ستين (60) سنة.

غير أنه يمكن،بصفة استثنائية،إذا اقتضت ضرورة المصلحة ذلك،تمديد حد السن المذكور لمدة أقصاها سنتان قابلة للتجديد مرتين،وذلك:- بعد استئذان الجانب الشريف صاحب الجلالة،بالنسبة لموظفي الأمن الوطني المعينين بظهير شريف؛- بقرار للمدير العام للأمن الوطني، بالنسبة لباقي موظفي الأمن الوطني.

إن أهم ما قرأته في مجال ضمانات التأديب العادلة هو ما أشار إليه الطعن رقم 676 لسنة 38 ق.ع – جلسة 5-2 -1994المحكمة الإدارية العليا في حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3989لسنة 35ق.عليا الصادر بجلسة 25/3/1995 وحكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2207 لسنة 45ق عليا الصادر بجلسة 2/3/2002 كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن سبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته إيجاباً أو سلباً،وإتيانه أعمالاً من الأعمال المحرمة عليه،فإذا انعدم المأخذ على السلوك الإداري للموظف ولم يقع منه ما يشكل إخلالاً بواجبات وظيفته أو خروجاً على مقتضياتها،فلا يكون هناك ثمة ذنب إداري ومن ثم لا محل للجزاء التأديبي لفقدان القرار في هذه الحالة لركن من أركانه وهو ركن السبب.

المبحث الثاني:الطبيعة القانونية لأوامر وتعليمات الجهاز التسلسلي لرجال الشرطة

مما لا شك فيه و لا جدل بشأنه،أن سلطات الرؤساء تمتد إلى حدود ممارستهم السلطات الإدارية على جميع مرؤوسيهم،وذلك بحسب المهام الموكولة إليهم،كلما تعلق الأمر بتعيين الموظفين في الأقسام والمكاتب والمصالح والفروع التابعة للإدارة المعنية،وفقا لاحتياجات الإدارة وما يستلزم من حكامه تسيرية لها،حيث يمارس الرئيس الإداري السلطة التقديرية،أو ما يسمى في علم الإدارة العامة بالتسيير التقديري للوظائف والكفاءات الذي يتطلب التكيف والملاءمة مع الطلبات الداخلية و الخارجية تماشيا مع مرونة النوعية والكمية،كما أن التوقع والاستشراف أصبح ضروريا لتحضير الإدارة لجميع التغيرات المستقبلية ومواكبة الظروف الراهنة مع وضع حصيلة تتضمن جميع العناصر الأساسية لنشاط الإدارة من وضعية الموظفين والأعمال المنجزة.

فالرئيس الإداري له السلطة التقدير من خلال معرفة احتياجات الإدارة والتنبؤ بالظروف المستقبلية التي تعترض عملية التسيير الإداري،وله سلطة توزيع الموظفين لتحقيق التطابق النوعي والكمي للوظائف والكفاءات،وله أن يقترح على السلطة المكلفة بتعيين المناصب النوعية والوظائف العليا وفقا لتقديره ولمن يراه مناسبا لذلك المنصب.،كما أن له سلطة تقييم أداء الموظفين التابعين له،على أساس أن عملية اتخاذ التدابير والإجراءات الضبطية تخضع للسلطة التقديرية للهيئات الإدارية المختصة،بهدف منع أي عمل من شأنه المساس أو الإخلال بالنظام العام،وتقوم سلطات الضبط بممارسة صلاحياتها من خلال النصوص القانونية والتنظيمية،حيث أقر القانون ممارسة أعمال الضبط الإداري لهيئات محددة سواء على المستوى المركزي أو المحلي وذلك بموجب قوة القانون،لذلك نتساءل عن ماهية وحدود تدابير التسلسل الرئاسي في قطاع الأمن؟وماهي أهم الضوابط القانونية المنظمة لتلك الحدود ؟

المطلب الاول:ماهية التسلسل الاداري وضوابطه في الميدان الأمني

السلطة الرئاسية،هي مجموعة من الاختصاصات التي يباشرها كل رئيس في مواجهة مرؤوسيه،وتجعل هؤلاء المرؤوسين يرتبطون به،برابطة التبعية والخضوع،والسلطة الرئاسية توجد بقوة القانون،ودونما حاجة إلى نص يقررها,بمعنى أنها لصيقة بكل رئيس،فيمارسها الرئيس على إطلاقها،ما لم يوجد نص يحد منها،كما أنها توجد على كافة مستويات التسلسل الإداري،فكل رئيس بمناسبة أداء واجباته،يجب أن يراعي متابعة ومراجعة أعمال مرءوسيه من الخاضعين لإشرافه ورقابته طبقاً للقوانين والنصوص التنظيمية ونظم العمل،والتحقق من سلامة أدائهم لواجباتهم بدقة وأمانة،ومسئوليته في الإشراف عن أدائهم لواجباتهم بصفة عامة،تبعا لما يسلزمه صحيح القانون والسديد من القواعد التنظيمية للعمل،كما أن أبسط ما يتعين على الرئيس الإداري أن يشرف عليه هو مدى مطابقة ما يعرض عليه من تقارير وأوراق رسمية لواقع الحال خصوصاً إذا كان هذا الوضع ظاهراً،و هو ما جرى عليه القضاء المصري في كثير من قراراته و أحكامه( على أنه ما دام أن الرئيس منوط به اعتماد أعمال مرؤوسيه،فهو مسئول عن هذه الأعمال،فإن قصر في ذلك فإنه يُعد مسئولاً شأنه شأنهم”.)حكم المحكمة الإدارية العليا،في الطعن رقم 3315لسنة46ق.جلسة 3/12/2005،كما أن طاعة الموظفين لرؤسائهم من أهم الواجبات الوظيفية لإنجاز المهام المكلفين بها،والحفاظ على سير منظومة العمل،وفقا للقانون واللوائح،لتحقيق الانضباط الوظيفي والالتزام السلوكى،ولكن هل هذا يعنى أن تكون طاعة الموظف الأمني لرئيسه طاعة عمياء ؟أي تنفيذ التعليمات والتكليفات دون تفكير؟وماذا لو كانت هذه التعليمات مخالفة للقانون؟

إن ما تقتضيه مبادئ وحكامة التنظيم الوظيفي واحترام ظاهرة التدرج الوظيفي،أن تأخذ تصرفات الوحدة الإدارية أو الموظف الإداري مكانها في تدرج التصرفات القانونية في الدولة،بحيث يتعين على الموظف الذي يشغل وظيفة دنيا في السلم الإداري الالتزام بقرارات الرؤساء الذين يشغلون الدرجات العليا وأوامرهم،وإلا أصبحت قراراتهم غير مشروعة،فسلطة الرئيس على شخص مرؤوسيه:تتضمن سلطة الرئيس على أشخاص مرؤوسيه الكثير من الاختصاصات،منها ما يتعلق بالحق في التعيين والاختيار،وحق الرئيس في تخصيص مرؤوسيه لأعمال معينة،كما تتضمن سلطة نقل الموظف وترقيته وإيقاع العقوبات التأديبية عليه،والتي قد تصل إلى حد عزله أو حرمانه من حقوقه الوظيفية في حدود ما يسمح به القانون،وتشمل حدود سلطة الرئيس على أعمال مرؤوسيه:في حق الرئيس في توجيه مرؤوسيه عن طريق إصدار الأوامر والتوجيهات إليهم،قبل ممارسة أعمالهم،وسلطة مراقبة تنفيذهم لهذه الأعمال والتعقيب عليها،بما فيها من:

سلطة الأمر: حيث يملك للرئيس المباشر إصدار الأوامر والتعليمات،ويعتبر اختصاصه هذا من أهم مميزات السلطة الرئاسية,ذلك أن إصدار الأوامر عمل قيادي،له أهمية كبرى في سير الأعمال الإدارية،وعلى وجه العموم نجد أن السلطة الرئاسية تتصف أساسا بأنها سلطة آمرة،لكونها تقوم على إصدار أوامر ملزمة للمرؤوسين.

سلطة الرقابة والتعقيب: سلطة الرئيس في الرقابة على أعمال مرؤوسيه،تتمثل بحقه في إجازة أعمالهم أو تعديل قراراتهم أو إلغائها وسحبها،كما يملك أيضا الحلول محلهم إذا إقتضى العمل ذلك.

فالعلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين،لا بد أن تقدم على أساس التعاون والعدالة والإنصاف والموضوعية والمساواة،وذلك من أجل تنظيم العمل وسيره بكفاية وتحقيق فعالية المرفق الإداري,وقياس على هذا فالعلاقة مستمرة ودائمة بين الرئيس والمرؤوس في أداء العمل الإداري,وذلك بإتباع المناهج والأساليب القانونية والدائمة التطور في تسيير وتنظيم المرافق الإدارية وبالتالي فهذا النوع من التعاون يؤدي إلى تطوير وازدهار العلاقات الاجتماعية والمهنية بين الرؤساء والمرؤوسين من جهة,ومن جهة أخرى يؤدي إلى تطوير المرفق الإداري،فمفهوم السلطة الرئاسية في النظام الوظيفي يقصد منه وجود سلطة مختصة قانونا بإصدار الأوامر والتوجيهات،وكذلك بالمقابل وجود من يقوم قانونا بتنفيذ هذه الأوامر,إذن لضمان سير المرافق الإدارية بطريقة تضمن استمرارها،كان لا بد من وجود سلوك العاملين المرؤوسين بانتظام واطراد وفقا لما تقتضيه مبادئ أو أهداف العمل الإداري،وطبقا لما يُحتّمه مبدأ سلامة وشرعية العمل الإداري من الناحية الإيديولوجية والقانونية والاجتماعية،ويمارس الرؤساء الإداريون سلطة الأمر والنهي على مرؤوسيهم بواسطة عملية إصدار الأوامر والتعليمات والمنشورات،وجميع إجراءات التنظيم الداخلي للمرفق، عير انه من الملاحظ في علاقة رجل الأمن برئيسه المباشر بخصوص جودها،الطاعة المرءوس لرئيسه تتمثل أساسا في تنفيذ الأوامر الصادرة من الرئيس،سواء كانت شفوية أو كتابية،غير أن القوانين نجدها إنصبت على الأوامر والتعليمات الكتابية،المشكلة في شكل قرار دون أن تأخذ بعين الاعتبار الأوامر الشفوية التي يصدرها الرئيس للمرؤوس،الشيء الذي و في كثير من الأحوال ما يثير تساؤلات حول إجراءات التنظيم الداخلي,وحقيقة الطبيعة القانونية لهذه الإجراءات أي ” الأوامر والتعليمات والتوجيهات الرئاسية “،وبما أن تنفيذ هذه الأوامر والتعليمات على عاتق المرؤوسين في إطار واجب الطاعة،المنصوص عليه في القوانين المنظمة لأعمال جهاز الأمن الوطني.

و الحقيقة أن عبارة التعليمات،التوجيهات أو منشورات،تصدر من السلطة الرئاسية المختصة،وذلك لإجراءات التنظيم الداخلي،لتعلقها بالعلاقات الداخلية القانونية،القائمة بين الرؤساء والمرؤوسين،من اجل الوصول إلى ما إذا كانت إجراءات التنظيم ترتب آثار قانونية في عالم القانون،عن طريق إنشاء أو تعديل أو إلغاء للمراكز القانونية،ويبرز ذلك من خلال المنازعات الإدارية،مما يشكل رقابة على مدى شرعية هذه الأوامر والإجراءات الرئاسية من الناحية القانونية،وعليه فمخالفة الموظف لهذه الإجراءات والأوامر،ترتب عليه مسؤولية وتحمله عقوبات عن ذلك،لأنها ذات صبغة قانوني،وهذا ما جرى واستقر عليه العمل القضائي المصري في هذا الباب لاعتباره أن: “مخالفة الموظف للتعليمات الإدارية،تشكل مخالفة مسلكية ينبغي مساءلته عنها،ولا سبيل إلى رفع مسئوليته بذريعة أنه لم يكن على بينة منها متى كان بوسعه العلم بها،ذلك أن الأصل أنه يجب على الموظف أن يقوم بالعمل المنوط به بدقة وأمانة،ومن مقتضيات هذه الدقة وجوب مراعاة التعليمات التي تصدرها الجهات الرئاسية لتنظيم العمل،وعلى الموظف أن يسعى من جانبه إلى الإحاطة بهذه التعليمات قبل البدء في العمل،فإن تراخي في ذلك فخرج عليها من غير قصد،فقد حقت مساءلته”.حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1457لسنة32ق جلسة 25/6/1988)

وفي الأخير أشير بأن التعليمات والأوامر وجميع صور إجراءات التنظيم الداخلي،ليست لها طبيعة قانونية،وبما أنها كذلك فلا تعتبر قرارات إدارية،لأنها من وجهة نظرهم, تخلق جديدا في عالم القانون،فهي لا تنشأ آثار قانونية جديدة,حيث أنها لا تمس المراكز القانونية بالخلق والتعديل أو بالإلغاء،فهي مجرد إجراءات وأعمال إدارية تنفيذية داخلية،تتعلق أساسا بتقسيم وتجميد القواعد القانونية التنظيمية،دون أن تُضيف أو تعدل أو تلغي فيها،وفي آثارها القانونية و هذا ما دهب تاليه المحكمة الإدارية بالرباط في حكم لها تحت عدد 914 بتاريخ 27/12/2006 في ملفها عدد 2006/716 حيث أقرت ان الدورية او المنشور كإجراء إداري تصدره سلطة إدارية مختصة للأعوان التابعين لها بهدف تأويل او تفسير التشريعات و التنظيمات القائمة و التذكير بالقواعد الموجودة وكيفية تطبيقاتها لا تعتبر مصدرا من مصادر المشروعية الإدارية وإن أضافت مقتضيات عير موجودة في القانون .. نعم

المطلب الثاني:مدى مسؤولية الموظف الامني على تنفيذ الأوامر الرئاسية غير المشروعة

إن الطاعة فضيلة أخلاقية،عندما يتعلق الأمر بطلب تضحيات شخصية،فيجب أحيانا التنازل عن أراء وقيم متمسك بها والتدريب على السيطرة على الإرادة،وهذا يتم أحيانا بالقسوة(كاترين )

الفقرة الأولى :حدود التسلسل الرئاسي

إن أهمية التزام المرؤوس بإطاعة رئيسه وتنفيذها،استنادا إلى أن طاعة الرؤساء في العمل هي العمود الفقري في النظام الإداري الناجح،وقد راعى القانون التوازن بين هذا الالتزام،وبين حق الموظف المرؤوس في ألا ينفذ تعليمات رئيسه بغير تفكير أو تقدير أو إبداء الرأي من جانبه،ولذلك أورد القانون قيودا على التزام المرؤوس بطاعة رئيسه في العمل،منها «انه لا طاعة لرئيس في أمر يخالف العقد أو القوانين واللوائح ، الشيء الذي يطرح إشكالية حدود واجب الطاعة لما يثار بشأنه من تساؤلات عن مدى التزام الموظف الأمني بواجب الطاعة،إذا صدر إليه أمر غير شرعي من رئيسه،فهل يطيع أمر رئيسه المخالف للقانون أو ينفذ حكم القانون ويخالف أمر رئيسه؟

وفي هذا الموضوع،ذهبت محكمة القضاء الإداري في حكم لها صدر في 10 جانفي 1955 ،أنّه ليس من الجائز في النظم العسكرية الامتناع من تنفيذ الأوامر متى كانت صادرة ممن يملكها،وإنما يتظلم منها بالطريق الذي رسمه القانون،إذ لو أبيح لكل من يصدر إليه أمر أن يناقش مشروعيته و سببه وأن يمتنع عن تنفيذه متى تراءى له ذلك لأختل النظام وشاعت الفوضى،و ففي حكم صادر عن مجلس الدولة المصري جاء فيه ” لا تثريب على الموظف إن كان معتدا بنفسه واثقا من سلامة نظرة شجاعا في إبداء رأيه صريحا في ذلك أمام رئيسه لا يداور و لا يرائي مادام لم يجانب ما تقتضيه وظيفة من تحفظ ووقار وما تستوجبه علاقته برئيسه من التزام الأدب و اللياقة و حسن السلوك…

و هكذا،فبحسب من جاءت به نظرية النظام المعتمدة في مدى تقييم حدود و نطاق التزام المرؤوس لرئيسه التسلسلي،حيث تقوم هذه الأخيرة على ضرورة ضمان السير المنتظم للمرافق العامة،فيجب على المرؤوس أن ينفذ أمر رئيسه مهما كانت شرعيته،فهي تتطلب من المرؤوس طاعة بغير حدود، و لا يكون الموظفون و الأعوان العموميون مسئولين شخصيا عن أفعالهم التي أضرت بالغير،ذا قاموا بها تنفيذ لأوامر صدرت إليهم من رئيس متى كانت إطاعة هذه الأوامر واجبة عليهم،وهناك جانب من الفقهاء الادارين من اعتمد أسس النظرية الشرعية في تحديد نطاق و حدود التسلسل الإداري وسندهم في ذلك تطبيق مقتضيات مبدأ الشرعية،حيث يجب أن يخضع لهذا المبدأ الرؤساء والمسؤولون في أعمالهم,وتصرفاتهم،فشرط الطاعة أن يكون أمر الرئيس غير شرعي،فلا سمع ولا طاعة،لكن من وجهة نظرنا في الموضوع نميل أكثر اتجاه موقف ونظرية الفقه الإداري،في ما جاء به من رأي قويم وسديد في تحديد المسؤولية بين التابع و المتبوع وفق نظرية الوسط او نظرية الخبراء الذكية،فهي في ذات الوقت ترعى مبدأ الشرعية وتحافظ على السير المنتظم للمرافق العامة،فإذا تلقى الموظف أمر غير شرعي من رئيسه،كان أن ينبهه إلى ما فيه من مخالفة،فإذا أسر الرئيس على رأيه،أن يمتنع عن تنفيذ الأمر،إذا تضمن خرق لأي نص في قانون العقوبات أو كانت عدم الشرعية واضحة بجلاء،وهو الاتجاه الذي تبرره أحكام المادة رقم: 167،من القانون المدني المصري،التي تنص على :” أن الموظف لا يكون مسؤولا عن أي خطأ يرتكبه خلال ممارسته لهذا الواجب وهذا ما تقرره المادة رقم: 59 من قانون العاملين المصري،فلو وقع إكراه أدبي على المرءوس أفقده حريته وعجز عن أن ينبه رئيسه إلى المخالفة الواردة فى الأمر الصادر منه، يعفى المرءوس من المسئولية أذا أثبت ذلك ، لأن الإكراه يعدم الإرادة ويوهم واجب الالتزام بالطاعة العمياء،وهى مرض وظيفي خطير يهدم أي نظام ناجح،فالطاعة الواجبة على المرءوس قبل رئيسه، لا تمنعه من إبداء الرأي مع الالتزام بما تستوجبه علاقته برئيسه من التزام حدود الآداب واللياقة وحسن السلوك،كما انه ليس للمرءوس أن يخالف ما أستقر عليه رأى الرئيس نهائيا ، أو يقيم العراقيل في سبيل تنفيذه،إذا أصبحت الطاعة فى هذه الحالة واجبة،بعد خروج الأمر من دور التفكير وإبداء الرأي إلى دور التنفيذ الوظيفي طبقا للوائح والقوانين.

ولكن الإشكالية المطروحة في تحيد علاقة التابع بالمتبوع فيما تتضمنه من توجيهات و اوامر هي،هل أن كل التعليمات التي تصدر عن الأشخاص المؤهلين لذلك قابلة للتطبيق؟ وهل يخضع المرؤوس للمساءلة من طرف رئيسه،في حالة الرفض والإهمال؟حيث هناك أوامر لا يمكن اعتبارها شرعية وكل إصرار على تطبيقها يتحمل مسؤوليتها الموظف الذي صدرت منه هذه التعليمات،والتي قد تكون صدرت كتابة أو شفاهة،فبينما المشرع المصري،نص صراحة في القانون رقم: 58/71،الخاص بنظام العاملين المدنيين بالدولة على انه ” يتعين على العامل أن يلفت انتباه رئيسه كتابة بأن الأمر غير شرعي،وإذا أصر الرئيس على تنفيذه عليه أن يصدر أمرا كتابيا بذلك ،لكن من جهة أخرى،نرى من جهتنا أن الصعوبة في تفسير وإثبات الأوامر التي تعطي من الرئيس إلى المرؤوس،تكمن في الأوامر الشفوية،حيث في حالة النفي من أحد الأطراف سواء الرئيس أو المرؤوس،لا يمكن تحديد من سيتحمل المسؤولية إذا ما حدث أن أدت هذه التعليمات إلى الخطأ والضرر بالمصلحة العامة أو بالغير،فالأوامر التي تعطى شفاهة،هي في الأصل الأوامر الخاصة بالتنظيم وسير العمل اليومي،ولا يمكن أن تعطي لتنظيم أمور قانونية،إذ أن كل خطأ في تفسير هذه الأوامر والتعليمات قد يؤدي إلى مسؤولية من طرف الموظف المشرف على تنفيذها،وهو الرئيس في التسلسل الإداري.ويمكن اتباتها عن طريق الشهادة،حيث جاء في حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 1067 لسنة 36ق عليا الصادر بجلسة 24/8/1993) كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن (الشهادة تعد من أهم الأدلة إثباتاً أو نفياً سواء في المجال الجنائي أو التأديبي ومن ثم تبعاً لذلك يجب أن تكون سليمة ومنزهة عن كل ما يقدر أو يشك في صحتها أو يمنع من قبولها وأن تكون صادرة من شخص ليس له مصلحة من ورائها أو هوى أو بقصد الانتقام أو التشفي أو التحامل على المتهم،مما ينبغي معه توافر العدالة في هذه الشهادة،ولذا فمن المقرر الذي لا جدال فيه،أنه لا يقبل شهادة الخصم على خصمه،أو متهم على أخر كدليل على ثبوت الاتهام دون أدلة أخرى مؤكدة،

إن مسؤولية الرئيس يجب أن تتخذ صورة ارتكاب الخطأ حتى تترتب بعد ذلك،حيث يكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها،

وعليه نستخلص أنه رغم ارتكاب الموظف لأخطاء أدت إلى أضرار بالغير،فإن مسؤولية الإدارة هي التي تحل محل هذا الموظف إذا كان الضرر حدث أثناء تأديته لوظيفته،فكل رجل شرطة مهما كانت رتبته في السلم الإداري،مسؤولية عن تنفيذ المهام الموكلة إليه “،فصاحب الموقع القيادي مسئول عن كل خطأ أو تقصير يثبت أنه وقع من أحد العاملين تحت رئاسته طالما ثبت أنه علم به،ولم يقومه أو كان بوسعه ذلك لكنه قصر في أداء مهمة المتابعة الهادفة إلى تحقيق الانضباط على طريق تحقيق الغايات المستهدفة من الإدارة الرشيدة،ذلك انه لا يعفى رجل الأمن الوطني المسئول من المسئولية استنادا إلى أمر رئيسه،إلا أذا ثبت أن ارتكاب المخالفة كان تنفيذا لأمر مكتوب بذلك/صادرا إليه من الرئيس،بالرغم من تنبيه للرئيس كتابة أيضا بأمر المخالفة،ففي هذه الحالة تكون المسئولية على مصدر الأمر،وهو الرئيس،فهل وضع المشرع نصب أعينه أهمية المحافظة على هيئة السلطة الرئاسية،وبالتالي زودها بسلطة واسعة النطاق في المجال التأديبي؟

إن الجواب على التساؤل المطروح يحيل بنا إلى تحيد محدودية التسلسل الإداري قي قطاع الأمن و انعكاساتها على قيام حالات التأديب الناجمة عن علاقة رجل الأمن برؤسائه و ما يعتريها من لبس وغموض،وهكذا و في الحالة المتعلقة بحالة تنفيذ الأوامر من طرف المرؤوس بعد إصرار الرئيس على تنفيذها،حيث قد يكون الإصرار جاء كتابة إذ أن المسؤولية في هذه الحالة هي مسؤولية الرئيس وهو المصر على التنفيذ،أما في الحالة المتعلقة بحالة عدم تنفيذ الأوامر غير المشروعة،من طرف المرؤوس،مما أدى ذلك إلى اضطراب في التسيير،وفي هذه الحالة تكون المسؤولية على عاتق الرئيس،لعدم مشروعية التعليمات المعطاة إلى المرؤوس،ويحق وبحسب مقتضيات الفصل 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحق لكل مواطن في دعوى فعالة لدى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له الدستور و القانون”وهو ما كرسه،الفصل 14 فقرة الأولى جملة 2 من الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنيّة و السياسية والمؤ ّرخ في 19 ديسمبر 1966 بالنص على أ ّنه “لكل شخص له الحق بأن تسمع دعواه بكل عدل و إنصاف و بصفة علنيّة من طرف محكمة لها أهليّة النّظر…”

وباعتبار رجل الأمن،مواطن مثله كسائر المواطنين،قبل أن يكون موظفا للدولة،فله الحق أن يلج أبواب العدالة لممارسة حقه الدستوري،في الحصول على عدالة سديدة،لما يمكن أن يضر به من جراء العلاقات الرئاسية التي تتجاوز حدود الواجب و الحق و تدوس علاقات القوانين المنظمة متى كان محقا في دعواه.

الفقرة الثانية :ازدواجية مهام رجال الأمن بين الضوابط القضائية و الإدارية وإشكالية التسلسل الرئاسي (ضباط الشرطة القضائية)

فكما هو معلوم أن عمل الضبط القضائي أو البوليس القضائي أو الشرطة القضائية يكون بعد وقوع الجريمة من خلال القيام بالبحث التمهيدي ( جمع الأدلة والاستماع إلى المصرحين وانجاز معاينات والخبرات وغيرها من الأمور التي تساعد على اكتشاف مرتكبي الجريمة ) كل هذه الأبحاث تكون تحت إشراف الضبط السامين للشرطة القضائية،ومن جهة أخرى وفي مجال الضبط الإداري،يمكن أن تقوم الشرطة القضائية ببعض المهام التي هي في طبيعتها مهام من اختصاصات الشرطة الإدارية ومثال ذلك عندما يكون ضابط الشرطة القضائية ينظم حركات السير،فهو يقوم بعمل إداري،وفي حالة قيام سائق بمخالفة لعدم احترامه لقانون السير،فإنه يحرر مخالفة في حقه ليتحول إلى عمل قضائي،وتكمن أهمية التمييز في مهام رجال الأمن ووظائفهم،في الازدواج الوظيفي لجهاز الأمن الوطني وما يترتب عن الاختلاف في المسؤولية من الآثار القانونية،حيث يتفق كل من الفقه والقضاء على أن مسؤولية الدولة عن الأضرار الناجمة عن أعمـال الـضبط الإداري باعتبارها قرارات وأوامر إدارية،تسأل الدولة عـن التعويض عنها،إذا كان الخطأ جسيماً أو فادحاً أما بالنـسبة لأعمال الضبط القضائي أي الشرطة القضائية،كالقبض والتفتـيش والمـصادرة والحبس والحفظ والإحالة،فالأصل عدم مسؤولية الدولة عن الأضرار الناشئة عن هذه الأعمال،حيث القليل مـن التـشريعات،التي رتبت مسؤولية الدولـة عن أعمـال سـلطتها القضائية،وفي نطاق جد محدود يقتصر على الخطـأ الجـسيم فقط.

فإذا كانت الشرطة الإدارية تهدف إلى منع كل ما من شانه أن يشكل إخلالا بالنظام العام،فان الشرطة القضائية قد عهد إليها بمقتضى المادة18 من قانون المسطرة الجنائية التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها.وعلى هذا الأساس فان وظيفة الشرطة الإدارية تتجلى فيما تتخذه الإدارة من تدابير الاحتراز من الأعمال التي من شانها المساس بالنظام العام،وبالتالي فهي مهمة وقائية.

أما ندابير الشرطة القضائية،فتهدف إلى البحث عن مرتكبي الجرائم بأنواعها المختلفة(جنايات،جنح مخالفات) بعد وقوعها،واثبات معالم الجريمة،وجمع الأدلة اللازمة التي يستدعيها التحقيق،وإقامة الدعوى العمومية تمهيدا لمحاكمة المتهمين وتوقيع العقوبة على من ثبتت إدانته،فوظيفتها إذن تهدف إلى تحقيق مهمة علاجية (مساعدة سلطات الاتهام من نيابة عامة وقاضي التحقيق في إثبات التهمة ومعاقبة الجاني)،وهكذا،فان الأعمال التي توم بها الشرطة القضائية في نطاق الاختصاص المخول لها يدخل في اختصاص السلطة القضائية،ويعود النظر في النزاعات التي تثار في هذا المجال إلى القضاء العادي،أما الأعمال الشرطة الإدارية فإنها تدخل في اختصاص السلطة التنفيذية،ويعود النظر فيما يثار بشأنها من نزاعات إلغاء وتعويضا إلى اختصاص القضاء الإداري،ويستفاد من ذلك،أن مهام الشرطة القضائية تبدأ بعد ارتكاب الجريمة أو على الأكثر ظهور أفعال يحتمل أنها جريمة،أما ما يقع قبل ارتكاب الأفعال الإجرامية،فإنها تعتبر من اختصاص الشرطة الإدارية،ويتضح من ذلك،أن هناك اختلافا بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية من حيث وظيفة كل منهما،وان كان كلاهما يهدف إلى صيانة النظام العام،فالشرطة الإدارية تسبق إجراءاتها وقوع الإخلال بالنظام العام،وبالتالي فهي تهدف إلى اتخاذ إجراءات وقائية عن طريق تقييد حريات الأفراد،وتحديد مجالات نشاطهم بهدف وقاية النظام العام من الانتهاك قبل وقوعه،في حين أن الشرطة القضائية لا تتحرك إلا بعد وقوع الإخلال بالنظام العام وذلك لمعالجة آثار هذا الانتهاك،بمعنى إن الشرطة القضائية تتخصص في اتخاذ الإجراءات العلاجية عن طريق ردع الأشخاص الذين ارتكبوا أفعالا يعاقب عليها القانون بعد ارتكابها.

والحقيقة أن طبيعة الازدواجية قي مهام رجال الأمن،تثير أكثر من مشكلة بخصوص تحديد هوية ونوعية الرقابة الإدارية الاستشرفية (supervision)من جهة،و تدابير التسلسل الرئاسي من جهة أخرى hiérarchie administrative))،حيث أن تحديد مسئولية صاحب الوظيفة الإشرافية ليس معناه تحميله بكل المخالفات التي تقع من مرؤوسيه،فليس مطلوبا من الرئيس أن يحل محل كل مرؤوس في أداء واجباته الوظيفية،لتعارض ذلك مع طبيعة العمل الإداري واستحالة الحلول الكامل محل جميع الرؤساء،فإذ كان من واجبات الرئيس المباشر في وظيفة الأمن،أن يتابع أعمال معاونيه للتحقق من دوام سير العمل بانتظام واضطراد،إلا انه ليس مطلوبا منه أن يحيط بكل وقائع العمل الذي يقوم به كل منهم،كما أن إشراف النيابة العامة على أعمال الشرطة القضائية طبقا للمادة 16 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية،لا يمكن أن يرتب مسؤوليتها بصفة آلية عن الخطأ القضائي الذي تتحمله الدولة طبقا للفصل 122،من الدستور،مادامت لم يصدر عنها تعليمات مباشرة كانت سببا في وقوع الخطأ المدعى بشأنه،وهو الاتجاه الذي كرسته المحكمة الإدارية بالرباط قسم قضاء الإلغاء في حكمها رقم : 1976بتاريخ : 24/5/2012ملف رقم : 282/12/2011 بقولها،(أن ضياع المحجوز بين يدي الضابطة القضائية،يعتبر فعلا ماديا يتحمل مرفق الأمن المسؤولية الإدارية المباشرة عنه تبعا للمادة 23 من قانون المسطرة الجنائية )كما أن رفع الدعوى مباشرة في مواجهة الدولة دون إدخال كلا من الجهة الوصية على مرفق الأمن والوكيل القضائي للمملكة في دعوى المسؤولية الإدارية،يجعل الدعوى مختلة شكلا طبقا للفصلين 1 و 515 من قانون المسطرة المدنية وحليفها عدم القبول.

ومن وجهة نظرنا في الموضوع،يمكن القول أن الطبيعة المزدوجة لعمل رجال الشرطة بين إعمال الضبط الإداري وتارة أخرى إعمال الضبط القضائي ،لمن توفرت لهم الصفة الضبطية،يجعلنا نميل لفرضية الاستشراف التدبيري و الرقابة التسلسلية في إطار التسلسل الإداري و هرمية التدرج الوظيفي على أساس أن التسلسل الرئاسي في طبيعة عمل الشرطة يدخل في باب الهرمية الوظيفية،

بمعنى أخر أن التسلسل الإداري،يقتضي رئاسة رئيس على مرؤوسه و هذا دواليك،،أما الاستشراف الرقابي فلا يتضمن خضوع الشرطة القضائية لتسلسل الإداري لجهاز النيابة العامة،على اعتبار أن عملية الرئاسة تتولاها تراتبية الوظيفة الإدارية لجهاز الأمن،أي مديرية الأمن الوطني،في حين التبعية المحدودة لجهاز النيابة العامة تكون للنيابة العامة في حالة الرقابة على تدبير الضبط القضائي،ويخضعون في في حالة الإخلال بها إلى مقتضيات المسطرة الجنائية،دونما المتابعة الإدارية من ذرف الرؤساء المباشرين لهم،في إطار التأديب الرئاسي .

المراجع :

الظهير الشريف رقم 1.09.213 الصادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2010) المتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني
بالمرسوم رقم 2.10.85 الصادر في بتاريخ (26 مارس 2010) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني
الظهير الشريف رقم58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 يبرا ير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية،حسبما وقع تغييره وتتميمه
الأستاذة شايع كهينة(حق الطعن القضائي للموظف العمومي ضد القرارات التأديبية-في القانون الإداري الجزائري)
ذ/بن مازوزية عبد القادر( الموظف العام على تنفيذ الأوامر الرئاسية غير المشروعة)
د/ سعيد مقدم(أخلاقيات الوظيفة العمومية،الحقوق والإلتزامات المهنية،النظام التأديبي الوظيفي, عن دار الأمة للطباعة والترجمة والنشر والتوزيع, 1997.)
د/ فؤاد العطار, (القانون الإداري،دار النهضة العربية،القاهرة،الطبعة الثالثة،الجزء الأول, 1997.)
د/ محمد سليمان الطمّاوي (القضاء الإداري،الكتاب الثاني،قضاء التأديب،دراسة مقارنة،دار الفكرالإسكندرية، 199،.)
كمال رحماوي,( تأديب الموظف العام في القانون الجزائري،دار هومة للطباعة والتوزيع, الجزائر 2003.)
الدكتور عمار عوابدي ( مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية ص415.)
حكم المحكمة الادارية العليا في الطعن رقم٢٣٥٤٤ لسنة ٥٦ ق. ع – الدائرة الرابعة ” موضوع ” جلسة ٢٤\٩\٢٠١٢ ) في مجال المساءلة التأديبية للموظف العام
الضوابط القضائية للسلطة التقديرية للإدارة رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام
عبد الحق دهبي: (المفهوم الإداري و الجنائي للموظف العمومي في التشريع و الفقه و القضاء المغربي – دراسة مقارنة)
محمد الكشبور (لمركز القانوني للموظف في القانون الجنائي والخاص ، مرجع سابق ، ص 55 )
مـليـكة الصـروخ في الـقانـون الإداري  دراسة مـقارنـة ، مطبعة النجاح الجديدة ، الـدار البيضاء ، أكتوبر 2001 ، الطبعة الخامسة ، ص337-338.)
Barthelemy : l’influence de l’ordre hiérarchique sur la responsabilité des agents R.D.P 1914 P 491
Pierre di malta: essai sur la notion de pouvoir hiérarchique, the Alger 1962 p1
سعيد الشتيوري:المساءلة التأديبية للموظف العام، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2008 ،ص.174 . 2 2006 ،ص.258 .
فؤاد محمود معوض:تأديب الموظف العام في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية،
خليفي محمد: الضوابط القضائية للسلطة التقديرية للإدارة رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام
.المصدر:الشرطة الإدارية وإشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام وضمان

الأستاذ : الزكراوي محمد باحث في الشؤون القانونية و الإدارية.

إغلاق