دراسات قانونيةسلايد 1
حماية المستهلك في نطاق التجارة الإلكترونية (بحث قانوني)
مقدمة :
من المعلوم أن عمليات البيع و الشراء عبر شبكة الإنترنت أو ما يعرف بالتجارة الإلكترونية تعتبر من أهم ما ميز القرن الحالي في المغرب وفي غيره من البلدان.
غير أنه يجب ملاحظة أننا بدأنا ننتقل اليوم من مرحلة التجارة الإلكترونية من الجيل الأول إلى مرحلة التجارة الإلكترونية من الجيل الثاني.
ذلك أن المستهلك الإلكتروني بدأ اليوم يقوم بعملية الشراء الإلكتروني من خلال هاتفه النقال ( التجارة عبر الهاتف النقال ) بدل الحاسوب ( التجارة الإلكترونية بالمعنى التقليدي ).
من جهة أخرى لم تعد التجارة الإلكترونية تتم عبر المواقع الإلكترونية التقليدية ( مواقع تابعة لبائع واحد وتبيع سلعة أو خدمة معينة ) بل عن طريق ما يسمى بالمنصات الرقمية ( عدد كبير من البائعين الإلكترونيين يعرضون سلعا وخدمات متنوعة على منصة واحدة ) ومواقع مقارنة الأسعار ( مواقع تساعد المستهلك الإلكتروني باختيار السلعة أو الخدمة الأرخص على شبكة الإنترنت ) والمزادات الإلكترونية.
واقتناعا منه أن إطارا قانونيا يحمي المستهلكين الإلكترونيين يعزز ثقة هؤلاء وانخراطهم في تطور التجارة الإلكترونية، أصدر المغرب القوانين 08-31 المتعلق بحماية المستهلك و 05-53 المتعلق بالتجارة الإلكترونية والقانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية لوضع هذا الإطار القانوني.
حيث يستفيد المستهلك الإلكتروني من خلال هذه النصوص القانونية وغيرها من مجموعة من المقتضيات القانونية الخاصة التي تحميه باعتباره الطرف الضعيف في عقود التجارة الإلكترونية.
وتهم هذه المقتضيات القانونية حماية الحياة الخاصة للمستهلكين الإلكترونيين ( القانون 08-09 ) وحماية هؤلاء من تعسف البائعين الإلكترونيين ( القانون 08-31 ).
أولا : الحماية القانونية من خلال القانون 08-31
من المعلوم أن عقود التجارة الإلكترونية يتم إبرامها عن بعد دون الحضور المادي للأطراف، وبالتالي فإن المستهلك الإلكتروني غالبا ما يبني قراره على الصور التي يضعها البائع الإلكتروني والمميزات التي يقدمها هذا الأخير.
هذا يعني أن المستهلك الإلكتروني يتكون لديه تصور افتراضي فقط عن السلعة أو الخدمة المعنية بالأمر لا يسمح له بإصدار قراره بالتعاقد مع البائع الإلكتروني بإرادة واعية ومستنيرة.
لهذا السبب برزت الحاجة إلى وضع مقتضيات قانونية خاصة تحمي المستهلك الإلكتروني، ويتعلق الأمر على وجه الخصوص بالتزام البائع الإلكتروني بالإعلام وحق المستهلك الإلكتروني في العدول عن العقد الذي أبرمه صحيحا.
أ- التزام البائع الإلكتروني بالإعلام
من بين أهم المقتضيات القانونية التي تحمي المستهلك الإلكتروني نجد إلزام المشرع البائع الإلكتروني بإعلام المستهلكين الإلكترونيين قبل إبرام العقد بالعناصر الأساسية للعقد وتأكيد ذلك بعد إبرام العقد على دعامة ورقية أو دعامة دائمة ( إلكترونية ).
فقد أوجبت المادة 29 من القانون 08-31 أن يتضمن العرض المقترح قبل إبرام العقد مجموعة من المعلومات يعتبرها المشرع أساسية من أجل أن يعطي المستهلك الإلكتروني رضاء مستنيرا ويقوم بإبرام العقد بمعرفة تامة.
أما بعد إبرام العقد فقد أوجب مشرع القانون 08-31 على مواقع التجارة الإلكترونية من خلال المادة 32 منه أن تقوم بتأكيد المعلومات الأساسية والشروط التعاقدية كتابة أو على دعامة دائمة.
وتتجلى أهمية هذا المقتضى القانوني في مصلحتين يجنيهما المستهلك الإلكتروني.
تتجلى المصلحة الأولى في تمكين المستهلك الإلكتروني من القراءة المتأنية للشروط التعاقدية.
ذلك أنه من المعلوم أن المستهلك الإلكتروني في غالب الأحيان لا يطلع على الشروط التعاقدية الموضوعة على مواقع التجارة الإلكترونية ويقوم مباشرة بالنقر على خانة القبول الشيء الذي يدخله في علاقة تعاقدية لا يعلم شيئا عن شروطها.
لذلك فرض المشرع على البائع الإلكتروني أن يرسل إلى المستهلك الإلكتروني بعد إبرام العقد على دعامة دائمة ( مفتاح USB أو بريد إلكتروني أو قرص مدمج أو بطاقة ممغنطة…) هذه الشروط لكي يتمكن من قراءتها على مهل وبترو.
المصلحة الثانية تتجلى في تمكين المستهلك الإلكتروني من الاحتفاظ بدليل العناصر الأساسية للعقد الذي أبرمه مع موقع التجارة الإلكترونية للإدلاء به أمام القضاء عند الحاجة.
ب- الحق في العدول
يعتبر الحق في التراجع عن العقد الذي نصت عليه المادة 36 من القانون 08-31 أحد الآليات القانونية المستحدثة التي لجأ إليها المشرع من أجل توفير حماية فعالة للمستهلك المتعاقد عن بعد.
وقد مكن المشرع المستهلك الإلكتروني بممارسة هذا الحق بإرادة منفردة دون إبداء المبررات ودون الحاجة إلى موافقة البائع الإلكتروني أو الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء.
ويعود هذا الأمر إلى كون المستهلك الإلكتروني ليس لديه في هذا النوع من التجارة الإمكانية الفعلية لمعاينة السلعة أو الإلمام بخصائص الخدمة قبل إبرام العقد.
ثانيا : الحماية القانونية من خلال القانون 08-09
لقد أدى تطور التجارة الإلكترونية أن أصبحت المعطيات الشخصية للمستهلكين الإلكترونيين عرضة للتجميع والمعالجة والتسجيل بملفات معلوماتية وحتى استخدامها في إرسال إعلانات إلكترونية غير مرغوب فيها.
في هذا السياق، قام المغرب بسن القانون 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي لحماية المستهلكين الإلكترونيين من هكذا مخالفات.
أ- حماية المعطيات الشخصية
أعطى القانون 08-09 للمستهلكين الإلكترونيين مجموعة من الحقوق وفرض على مواقع التجارة الإلكترونية مجموعة من الالتزامات.
من بين أهداف القانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية نجد ضمان عدد من الحقوق للأشخاص المعنيين بمعالجة معطياتهم الشخصية ( المستهلكين الإلكترونيين ).
يتعلق الأمر في واقع الأمر بالحق في الإعلام المسبق بتجميع ومعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي والحق في الاعتراض على ذلك والحق في الوصول إلى البيانات الشخصية التي يقوم موقع التجارة الإلكترونية بتجميعها ومعالجتها والحق في تعديلها.
ويتطلب تأمين هذه الحقوق من لدن المسؤولين عن المعالجة (مواقع التجارة الإلكترونية ) احترام عدد من الالتزامات.
يتعلق الأمر باحترام الإجراءات الأولية لأي عملية معالجة ( إخبار اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية ) وتجميع البيانات بوسائل نزيهة ومشروعة والالتزام باحترام الغرض المحدد من المعالجة والامتناع عن حفظ البيانات الشخصية خارج الوقت المسموح به والامتناع عن معالجة المعطيات الحساسة والالتزام بأمن وسرية هذه المعطيات.
ب- البريد الإلكتروني غير المرغوب فيه ( السبام )
من المعلوم أن العديد من مواقع التجارة الإلكترونية تقوم بإرسال رسائل إلكترونية دعائية غير مرغوب فيها ( السبام ) إلى مستخدمي الإنترنت.
حيت منعت المادة 10 من القانون 08-09 إرسال بريد إلكتروني دعائي دون الموافقة المسبقة للمستهلك الإلكتروني.
من جهة أخرى أوجب المشرع على البائع الإلكتروني من خلال الفقرة الثانية من المادة 24 من القانون 08-31 إعلام المستهدفين بالإشهار الإلكتروني بحقهم في التعرض في المستقبل على تلقي الإشهارات الإلكترونية.
نصل إلى أن إرسال بريد إلكتروني ليس في حد ذاته ممنوعا من الناحية القانونية، بل يصبح كذلك عندما يكون غير مرغوب فيه.
لذلك على مواقع التجارة الإلكترونية أن تستخدم في حملاتها الدعائية الإلكترونية فقط العناوين الإلكترونية التي تم تجميعها بطريقة مشروعة بعد الحصول على الموافقة المسبقة من أصحابها، وإعلامهم بحقهم في التعرض على استقبال الرسائل الدعائية الإلكترونية.
خاتمة :
إن انعدام الثقة في التجارة الإلكترونية التي نعاني منه اليوم في المغرب يعود إلى عدم التزام مواقع التجارة الإلكترونية بالمقتضيات القانونية الحامية للمستهلك الإلكتروني التي عرضنا لها.
من جهة أخرى فإن النصوص القانونية الموجودة اليوم والتي وضعت في وقت هيمنت فيه التجارة الإلكترونية من الجيل الأول أصبحت متجاوزة إلى حد كبير وبالتالي يتوجب على المشرع المغربي تعديلها وإضافة نصوص قانونية جديدة تأخد بعين الاعتبار التجارة الإلكترونية من الجيل الجديد التي نعيشها اليوم
الدكتور فؤاد بنصغير أستاذ التعليم العالي/ كلية الحقوق المحمدية و خبير/ مكون / مستشار في القانون الإلكتروني.