دراسات قانونيةسلايد 1

التدخل الإنضمامي للنيابة أمام القضاء المدني (بحث قانوني)

إن الدور الأصيل للنيابة العامة في المادة المدنية هو تدخلها كطرف منضم. وهي بهذه الصفة لا تكون خصما لأحد، وإنما تتدخل من أجل الإدلاء برأيها

لمصلحة القانون و العدالة. لأنها ليست طرفا في الدعوى المدنية في هذه الحالة بالمعنى الحقيقي
والتدخل الانضمامي للنيابة العامة في القضايا المدنية، يجد سنده التشريعي في الفصلين الثامن و التاسع من قانون المسطرة المدنية.
وبتحليل مضمون هذين الفصلين، يتبين أن هناك حالتان لهذا التدخل؛ تدخل انضمامي إجباري و تدخل انضمامي اختياري.
غير أننا سنقتصر في دراستنا هذه على تدخلها الانضمامي الوجوبي. وهو تدخل يجد سنده القانوني في الفصول 9 و 381 و 382 من ق. م . م

المبحث الأول: تدخل النيابة العامة بناء على الفقرة 1 من الفصل التاسع من ق.م.م
: بالرجوع إلى الفصل 9 ق.م.م نجده في فقرته الأولى يلزم المحكمة بوجوب تبليغ النيابة العامة بالدعاوى الآتية
القضايا المتعلقة بالنظام العام و الجماعات الترابية و المؤسسات العمومية و الهبات و الوصايا –
القضايا المتعلقة بالأسرة –
القضايا المتعلقة بفاقدي الأهلية –
القضايا التي تتعلق بالأشخاص المفترضة غيبتهم –
القضايا التي تتعلق بعدم الاختصاص النوعي –
القضايا التي تتعلق بتنازع الاختصاص و تجريح القضاة و الإحالة بسبب القرابة أو المصاهرة –
قضايا مخاصمة القضاة و قضايا الزور الفرعي –
فأول ملاحظة يمكن تسجيلها على هذا الفصل أنه انطوى على عيب شكلي، حينما نص في مستهله على قضايا النظام العام، ثم قام بتعداد بعض القضايا الأخرى، في حين أنها كلها من النظام العام مادام المشرع قد رتب على عدم تدخل النيابة العامة فيها جزاء البطلان. و إن كان قد قصد من وراء ذلك التفريق بين قضايا النظام العام الداخلة في حكم القانون العام (الحالة الأولى)، و قضايا النظام العام الداخلة في إطار القانون الخاص (الحالات الأخرى). لكن كان يجب اعتماد هذا التقسيم بصفة صريحة تلافيا لأي لبس أو إشكال

:و عليه، نعتمد في تحليل هذه الحالات التقسيم الآتي كونه الأنسب
:أولا : القضايا المتعلقة بالنظام العام الداخلة في إطار القانون العام
:من أهم هذه القضايا نذكر
:أ‌- قضايا الدولة
: كثيرة هي القضايا التي تكون الدولة طرفا فيها، مدعية أو مدعى عليها. وسواء كانت هذه القضايا تتعلق بأملاكها العامة أو الخاصة، فإن القانون يوجب على المحكمة قبل البت في القضية المعروضة أمامها أن تبلغها إلى النيابة العامة تحت طائلة بطلان الحكم الصادر في القضية موضوع التبليغ. وهذا ما أكده قرار لمحكمة النقض المغربية (المجلس الأعلى سابقا) في 9/03/1976

جاء فيه : “إذا كانت النازلة تتعلق بالنظام العام أو الدولة أو البلديات… فإنه يجب تحت طائلة البطلان أن تبلغ إلى النيابة العامة”

:ب- قضايا الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية
قد لاتجد اختلافا بين نظام ملكية الدولة و نظام ملكية الجماعات الترابية و المؤسسات العامة في أحكام كثيرة. وذلك لأنها كلها أشخاص اعتبارية أو معنوية تتمتع باستقلالية مالية و إدارية، مع فارق وحيد وهو خضوع الجماعة الترابية و المؤسسة العمومية لوصاية الدولة
وعلى أي، فإنه لما كانت الجماعات الترابية و المؤسسات العامة جزءا من الدولة التي تتمتع بنوع من السيادة و السلطان، فإن القانون أوجب أن تتدخل النيابة العامة كطرف منضم في الدعوى كلما كانت هذه الجماعات و المؤسسات طرفا فيها، و ذلك قصد تقديم طلباتها أو مستنتجاتها كباقي أطراف الخصومة، وإلا تعرض الحكم للبطلان

:ثانيا : القضايا المتعلقة بالنظام العام داخلة في إطار القانون الخاص
:تتمثل هذه القضايا في الآتي
:أ‌- القضايا المتعلقة بالأسرة
: ينص الفصل 9 من ق.م.م على اعتبار النيابة العامة طرفا منضما في القضايا الأسرية، غير أن الإشكال يطرح حينما نستقرء نص المادة 3 من مدونة الأسرة. حيث أن هذه المدونة نحت منحى مغاير لما اعتبرت في المادة المذكورة أن النيابة العامة تعد طرفا أصليا في قضايا المدونة

و هذا يعني أن اعتبار النيابة العامة طرفا أصليا أو رئيسيا في مدونة الأسرة يصطدم مع اعتبارها طرفا منضما في ق.م.م، هذا مع العلم أن الفصل 9 من ق.م.م عدل في نفس اليوم الذي صدرت فيه المدونة
لكن للأسف الشديد تم تجاهل إصلاح هذا التناقض. وبالتالي كيف يعقل أن تكون النيابة العامة طرفا أصليا وطرفا منضما في ذات الوقت في حين أن هناك فروقا جوهرية وواسعة جدا بين الدورين الرئيسي والانضمامي كما سوف نرى. و هو ما يفسر صراحة كثرة الإشكالات العملية التي تصادف تدخل النيابة العامة أمام أقسام قضاء الأسرة
وإن كان الاجتهاد القضائي على صعيد هذه الأقسام حاول أن يجد للمشرع بعض التبريرات، منها أنه حينما اعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في مدونة الأسرة، فقد قصد من وراء ذلك اعتبارها كذلك في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة و اعتبارها طرفا منضما في القضايا الأسرية الأخرى . وهو المبدأ الذي أخذ به قانون المسطرة المدنية

لكن الغريب في الأمر هو أنه حتى لو سايرنا هذا المسلك القضائي، فلن نحل الإشكال، على اعتبار أن قضايا الأسرة الأخرى غير المنظمة بموجب مدونة الأسرة كقضايا الحالة المدنية مثلا، تتدخل فيها النيابة العامة كطرف أصلي وليس كطرف منضم إلا استثناء

و لربما السبب الذي جعل المشرع لا يحسم في هذا الإشكال بصفة صريحة هو رغبته في إعطاء قاضي الأسرة هامشا من الحرية في إنجاز بعض الإجراءات ولو في غياب النيابة العامة، حيث يكون بإمكانه في هذه الحالة أن يعتمد على مقتضيات الفصل 9 ق.م.م و يباشر تلك الإجراءات في حال تعذر حضور النيابة العامة لسبب من الأسباب . ما دام تدخلها في هذه الحالة تدخلا انضماميا، و معلوم أنه في إطار التدخل الانضمامي لا تكون النيابة العامة ملزمة بالحضور أمام محكمة الموضوع

:ب‌- القضايا المتعلقة بالنيابات القانونية
وهذه القضايا تشمل بالإضافة إلى فاقدي وناقصي الأهلية، قضايا الأشخاص المعنوية، كالشركات التي ينوب عنها ممثل قانوني مثلا
و مهما يكن، فإن هذا النوع من القضايا يجب تبليغه إلى النيابة العامة قصد تقديم مستنتجاتها بصفتها طرفا منضما. و لها أن تتدخل فيها تلقائيا في حالات معينة(عندما يثار نزاع قضائي بشأنها)

و إذا كانت النيابة العامة طرفا منضما في مثل هذه القضايا، فإنه تكون لها الكلمة الأخيرة، أي أنه تكون آخر المتكلمين بالجلسة ولا يجوز للأطراف أن يعقبوا عليها

:ج- القضايا المتعلقة بالأشخاص المفترضة غيبتهم
وهي قضايا يحكمها الفصل 263 ق.م.م. وهي ترمي إلى تيسير كل أو بعض الأموال التي تركها شخص افترضت غيبته بسبب انقطاع أخباره دون أن يترك وكالة لأحد، فيكون لكل من له مصلحة مشروعة أن يرفع مقالا بذلك أو يطلب الحصول على الحكم بوفاته إلى المحكمة المختصة، وعلى النيابة العامة أن تقدم مستنتجاتها ضمن أحكام الفصل التاسع

بل إن النيابة العامة يجوز لها أن تتقمص شخصية الخصم العادي و ممارسته حق التقاضي العادي في حالة عدم رفع المقال من لدن من يعنيه الأمر. وفي هذا الصدد جاء في قرار لمحكمة النقض بتاريخ 25/05/1981 أنه : “يكون تبليغ النيابة العامة وجوبيا في الحالة التي تفترض فيها غيبة الشخص بسبب انقطاع أخباره طبقا للفصل 263 ق.م.م” وهذا يعني أنه في حال عدم تبليغها و وصلت الدعوى إلى علمها فلها أن تتدخل تلقائيا

:د- القضايا المتعلقة بالاختصاص تميز في إطار هذه القضايا بين تلك التي تتعلق بعدم الاختصاص النوعي و تلك التي تهم تنازع الاختصاص

1- قضايا عدم الاختصاص النوعي يقصد بالاختصاص هنا، الاختصاص الذي يحدد الجهة القضائية التي يدخل النزاع ضمن ولايتها . وعليه، كلما أثير نزاع حول عدم اختصاص المحكمة نوعيا للبث في الدعوى، إلا ويكون من الجائز إثارة هذا الدفع من طرف أحد المتقاضىين. كما يمكن أن يثار تلقائيا من طرف قاضي الدرجة الأولى عملا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 16 من ق.م.م كذلك يجوز إثارته من طرف النيابة العامة لأنها تعتبر طرفا منضما في مثل هذه القضايا، فتكون آخر من يتكلم. و يترتب على ذلك أنه لا يكون من حق الخصوم تناول الكلام أو تقديم مذكرات جديدة للمحكمة، إذ أن تدخل النيابة العامة يوقف ذلك

2- قضايا تنازع الاختصاص وهي ترمي إلى تحديد محكمة عليا درجة من المحكمتين المتنازعتين في الاختصاص إيجابيا أو سلبا في دعوى التنازع
فلو أن أكثر من محكمة قضت بكونها مختصة في الدعوى، فإننا نكون أمام تنازع إيجابي، أما إذا ذهبت هذه المحاكم إلى عدم اختصاصها في الدعوى المعروضة أمامها، اعتبر ذلك تنازعا سلبيا في الاختصاص. و معلوم أن طلب الفصل في التنازع إما أن يقدم أمام المحكمة الأعلى درجة المشتركة بين المحاكم المتنازعة (محكمة الاستئناف) وإما أن يرفع على أنظار محكمة النقض إذا تعلق الأمر بمحاكم لا تخضع لأية محكمة مشتركة بينها (الفصل 301 من ق.م.م)

و يظهر دور النيابة العامة في هذا الإطار في أنه بمجرد رفع الطلب أمام الجهة المعنية (محكمة الاستئناف أو محكمة النقض) تتدخل النيابة العامة أمام هذه الجهة كطرف منضم من أجل تقديم مستنتجاتها دون أن يكون حضورها أساسيا، سيما وأن الفصل 302 ق.م.م يقضي بوجوب النظر في الطلب دون حضور الأطراف، والنيابة العامة طرف

:ه- القضايا المتعلقة بتجريح القضاة و مخاصمتهم
نظم المشرع قضايا تجريح القضاة بموجب الفصول من 295 إلى 299 من ق.م.م. و الغاية من إثارة التجريح التجريح إنما هي ضمان نزاهة القاضي و حيادة. وهو يقع بسبب وجود قرابة أو مصاهرة بين القاضي أو زوجة و أحد أطراف النزاع حتى درجة ابن العم. أو إذا كانت له أو لزوجته مصلحة شخصية في النزاع، أو إذا كان دائنا أو مدينا لأحد الأطراف أو ثبت وجود علاقة صداقة أو عداوة مشهورة بين القاضي و أحد الأطراف. وهذه الأسباب تطبق على قضاة الحكم كما تطبق على قضاة النيابة العامة

وعليه، فإن كل هذه الأسباب تخول للنيابة العامة التدخل في القضية كطرف منضم، وذلك بعد دراستها لكل ملابسات الدعوى وظروفها، حيث يكون من اللازم تبليغها بهذه القضية حتى تدلي بمستنتجاتها. وإلا اعتبر الحكم باطلا

وبطبيعة الحال فإن النيابة العامة المعنية بالتدخل في هاته القضايا يمكن أن تكون هي النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف أو محكمة النقض، بحسب صفة القاضي المجرح

و- قضايا مخاصمة القضاة
ترفع دعوى المخاصمة بطلب أصلي من أحد الخصوم على القاضي لسبب من الأسباب الواردة في الفصل 391 من ق.م.م والتي يستطيع من خلالها الخصم في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في القانون أن يطالب القاضي بتعويضه عن الضرر الذي لحقه بسبب العقل المنسوب إلى هذا الأخير أثناء مزاولة وظيفته أو بسببها . و بناء على مقتضيات الفصل 9 ق.م.م فإن النيابة العامة تتدخل في هذه الدعوى كطرف منضم. وتدخلها في هذه الحالة يكون أمام محكمة النقض مادامت دعوى المخاصمة ترفع أمام هذه المحكمة بدليل الفصل 395 (الفقرة 1) من ق.م.م. وذلك بعد عملية التبليغ الوجوبي الذي يترتب على عدم حصوله بطلان الحكم الصادر في دعوى المخاصمة بطبيعة الحال

و قد سلكت هذا المسلك أجل التشريعات المقارنة، و من ضمنها التشريع المصري حينما اعترف للنيابة العامة (الادعاء العام) بأحقية التدخل في هاته القضايا وذلك في المادة 89 من قانون المرافعات المعدل سنة 1999

:ي- قضايا الزور الفرعي معلوم أن هذه الدعوى هي التي تنصب على السند المقدم للمحكمة كدليل للإثبات في دعوى مدنية رائجة، قصد الحكم بزوريته

و هذه الدعوى يجب تبليغها إلى النيابة العامة حسب منطوق الفصل 9 ق.م.م لتتدخل فيها كطرف منضم. وفي هذه الحالة تقدم مستنتجاتها شفويا كما كانت الدعوى مرفوعة أمام المحاكم الابتدائية و كتابيا إذا كانت رائجة أمام محاكم الاستئناف

إذن كانت هذه هي القضايا التي تتدخل فيها النيابة العامة تدخلا انضماميا إجباريا. وهي قضايا تعد من متعلقات النظام العام. لهذا أوجب القانون على المحكمة ضرورة إحاطة النيابة العامة بها عن طريق التبليغ

و على هذه الأخيرة الإدلاء بمستنتجاتها الكتابية أو الشفوية، و يشار في الحكم إلى ذلك، و إلا كان باطلا
كما أنه وتطبيقا لمقتضيات الفصل 9 من ق.م.م، فإن تبليغ النيابة العامة بهذه القضايا يجب أن يتم قبل الجلسة بثلاثة أيام على الأقل. كما يمكن إحاطتها علما بذلك خلال الجلسة تفاديا لإبطال الحكم. و لها في هذه الحالة أن تطلب تأجيل القضية إلى جلسة أخرى لعرض مستنتجاتها

وتعد أساسية الإشارة في هذا الإطار إلى أن تبليغ الملف إلى النيابة العامة في هذه القضايا يطبق على قضايا الموضوع دون الدعاوى الاستعجالية، مادامت هذه الأخيرة عبارة عن قرارات وقتية لا تمس جوهر النزاع، و مادامت طبيعتها الاستعجالية لا تقبل تأجيل الفصل في القضية لحين إبداء النيابة العامة رأيها فيها

و هذا ما أكده قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في 9 أكتوبر1989
المبحث الثاني: تدخل النيابة العامة بناء على الفصلين 381 و 382 ق.م.م
أجاز المشرع للنيابة العامة حق الطعن بالنقض في حالتين اثنتين : أولهما لفائدة القانون، و هي مناط الفصل 381 من ق.م.م و ثانيهما الطعن بالنقض بسبب تجاوز استعمال سلطة القضاء، وهي موضوع الفصل 382 من ق.م.م

:أ – الطعن بالنقض لفائدة القانون
نظم المشرع هذا الطعن بموجب الفصل 43 من القانون رقم 11.58 المتعلق بمحكمة النقض . كما تطرق إليه أيضا في إطار قانون المسطرة المدنية. حيث نص في الفصل 381 من هذا القانون على أنه : “إذا علم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أنه صدر حكم انتهائي مخالف للقانون أو لقواعد المسطرة و لم يتقدم أحد من الأطراف بطلب نقضه في الأجل المقرر فإنه يحيله على المحكمة”

ويطابق هذا الفصل من حيث مدلوله ومعناه، الفصل 17 من قانون 3 يوليوز 1967 الفرنسي، و المادة 2 من قانون المرافعات المدنية و التجارية المصري
و بالعودة إلى الفصل 381 من ق.م.م، نجد أن المشرع المغربي يخول للنيابة العامة حق التدخل أمام محكمة النقض من خلال الطعن بالنقض لمصلحة القانون
:و القراءة المتأنية لهذا الفصل -لاسيما الفقرة الأولى منه- يستفاد منها أن هذا الطعن يتوقف على توفر أربع شروط أساسية

1- وجوب ممارسة الطعن من الوكيل العام للملك بمحكمة النقض
إن ممارسة الطعن بالنقض لمصلحة القانون هو من اختصاص الوكيل العام للملك بمحكمة النقض وحده دون غيره. وما على أعضاء النيابة العامة الأقل درجة إذا ما لاحظوا وجود حكم مخالف للقانون يقتضي إعمال مقتضيات الفصل 381 من ق.م.م، إلا تبليغ الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بذلك

كما يكون من حق أطراف النزاع أيضا القيام بهذا التبليغ، مادام أنه ليس هناك أي نص قانوني يمنع ذلك

2- وجوب أن يكون الحكم محل الطعن نهائيا
يجب أن يكون الحكم المطعون فيه انتهائيا، أي جائزا لقوة الشيء المقضي به. أما إذا كانت أمام أطراف النزاع فرصة الطعن في الحكم، فإنه لا يسوغ للوكيل العام للملك والحالة هذه ممارسة الطعن لمصلحة القانون تحت طائلة عدم القبول

3- تأسيس الطعن بالنقض لمصلحة القانون على خرق القانون الموضوعي أو الشكلي
يستفاد صراحة من مقتضيات الفصل 381 من ق.م.م أن الطعن بالنقض لمصلحة القانون لا يكون مقبولا إلا إذا بني على خرق القانون الموضوعي أو الشكلي –أي الإجرائي- دون باقي أسباب الطعن بالنقض الأخرى المنصوص عليها ضمن مقتضيات الفصل 359 من ق.م.م كعدم الاختصاص أو تجاوز السلطة أو انعدام التعليل أو انعدام الأساس القانوني

أما فيما يخص آثار الطعن بالنقض لمصلحة القانون، فقد ذكرتها الفقرة الثانية من الفصل 381 من ق.م.م حينما قالت : “إذا صدر عن المحكمة حكم بالنقض فال يمكن للأطراف الاستفادة منه ليتخلصوا من مقتضيات الحكم المنقوض”

و يفهم من هذا أنه في حالة نقض الحكم من طرف محكمة النقض بناء على طلب النيابة العامة، فإن هذا النقض لن يضر الخصوم و لن ينفعهم، حيث يظل قائما ومولدا لكافة أثاره على اعتبار أن فلسفة هذا الطعن هي مصلحة القانون لا مصلحة الأطراف. وأن هدفه إنما هو تنبيه المحاكم و الكافة إلى مخالفة الحكم اللقانون –بالنسبة للمستقبل- حتى لا يتكرر نفس الخطأ

و قد طرح هذا الأمر نقاشا فقهيا كبيرا حتى وصل الأمر ببعض الفقه إلى حد التشكيك في الطبيعة القانونية لهذا النوع من الطعون و أيضا قيمته العملية بالنسبة للحكم المنقوض. وأنا إلى هذا الرأي أميل

:ب – الطعن بالنقض لتجاوز استعمال السلطة بناء على أمر من وزير العدل و الحريات
نسارع إلى القول في البداية أنه يوجد فرق جوهري بين الطعن بالنقض لمصلحة القانون و الطعن بالنقض من أجل تجاوز استعمال السلطة من حيث غاية كل منهما

فغاية الأول تتمثل في السهر على حسن تطبيق القانون الموضوعي والقانون الإجرائي و بالتالي العمل على توحيد هذا التطبيق من جانب كل محاكم الموضوع بالمملكة. أما غاية الثاني فتتمثل في إجبار السلطة القضائية على التزام حدود اختصاصاتها

و من ثم فإنه لا يعتبر تجاوزا للسلطة مجرد مخالفة نص قانوني موضوعي، أي خرق قاعدة مسطرية

وهذا الطعن الأخير يجد سنده التشريعي في الفصل 382 من ق.م.م و الذي جاء فيه: “يمكن لوزير العدل أن يأمر الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بأن يحيل على هذه المحكمة بقصد إلغاء الأحكام التي قد يتجاوز فيها القضاء سلطاتهم”

و أيضا في الفصل 44 من ظهير التنظيم القضائي. كما أكد العمل القضائي أيضا هذا الطعن، معتمدا في ذلك على روح الفصل 44 من هذا الظهير

على أن الوكيل العام للملك لا يجوز له ممارسة هذا الطعن إلا إذا توافرت ثلاث شروط تستفاد من الفصل المذكور، و أول هذه الشروط، أن يمارس هذا الطعن من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، و ثانيهما أن يحصل هذا الوكيل على أمر صريح من وزير العدل بهذا الخصوص، و ثالثها أن يوجه هذا الطعن ضد الأعمال والقرارات الإدارية و القضائية الصادرة عن القضاة

و إذا كان الشرط الأول والأخير لا يثيران إشكالات، فإن الشرط الثاني أي صدور أمر من وزير العدل و الحريات يثير الإشكال “التقليدي” المطروح و هو استقلالية جهاز النيابة العامة عن الجهاز الحكومي

فجعل حق ممارسة الطعن من طرف النيابة العامة في هذه الحالة متوقفا على ضرورة صدور أمر من الوزير كجهاز تنفيذي، يضرب في العمق مبدأ استقلالية جهاز النيابة العامة عن وزير العدل، وبالتبع استقلالية السلطة القضائية نظريتها التنفيذية

بل الأدهى من ذلك، فإن هذا الشرط من شأنه أن يجعل مجموعة من الأحكام المتسمة بتجاوز استعمال السلطة خارج دائرة هذا الطعن في حال عدم تلقي الوكيل العام للملك لأي أمر من وزير العدل بهذا الشأن، خاصة حينما يتزامن ذلك مع عدم ممارسة الأطراف لهذا الطعن استنادا إلى مقتضيات الفصل 359 من ق.م.م الذي يخولهم هذا الحق. و معلوم أن النيابة العامة لا يجوز لها في هذه الحالة التدخل من تلقاء نفسها، وإن كان تدخلها وجوبيا، لكنه يبقى انضماميا، و هذه الصفة لا تخولها التدخل التلقائي بطبيعة الحال

من جهة أخرى، إذا كنا قد أكدنا على أن الطعن بالنقض لمصلحة القانون يترتب عليه وضع سلبي بالنسبة للأطراف، حيث لا يكون بإمكانهم الإفادة من الحكم المنقوض بناء على هذا الطعن. فإن الطعن بالنقض بسبب تجاوز استعمال السلطة الممارسة من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض يترتب عليه وضع إيجابي، وهو ما تدل عليه القراءة المتأنية لمقتضيات الفقرة الثانية و الثالثة من الفصل 382 من ق.م.م

فالفقرة الثانية ألزمت النيابة العامة في حال ما إذا تقدمت بهذا الطعن بضرورة إدخال الأطراف في الدعوى أمام محكمة النقض. في حين ذهبت الفقرة الثالثة إلى أبعد من ذلك حينما جعلت آثار الحكم المنقوض بناء على الطعن المذكور تسري على الكافة، بما في ذلك أطراف النزاع

بقي أن ينشر في نهاية هذه النقطة إلى الأثر المترتب على عدم تدخل النيابة العامة أمام محكمة النقض. هذا الأثر أورده المشرع في الفصل 379 من .م.م و الذي رتب على عدم مراعاة الفصول التي تقضي بتدخل النيابة العامة أمام هذه المحكمة، الطعن في .الحكم بإعادة النظر

د أنس الشتيوي

باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بطنجة ملحق قضائي بالمعهد العالي للقضاء
إغلاق