دراسات قانونيةسلايد 1
المسؤولية المدنية للموثق (دراسة قانونية)
تعتبر المسؤولية المدنية من أهم المواضيع القانونية التي اهتم بها الفقه و القضاء منذ بداية القرن العشرين ، و ازداد هذا الاهتمام في تصاعد مستمر نتيجة تجدد و تفاقم المخاطر التي يتسبب فيها الإنسان بفعله الشخصي أو بفعل الأشياء أو الأشخاص التي في حراسته
و من تم فالموثق هو الآخر يتحمل تبعات أخطائه و أخطاء من هم في عهدته و تحت إشرافه، فإذا نتج عن تلك .الأخطاء ضرر بالغير و كان مسؤولا مدنيا يكون ملزما بجبر ذلك الضرر
و المسؤولية المدنية قد تكون مسؤولية عقدية أو مسؤولية تقصيرية و ذلك تبعا لمصدر الالتزام الملقى على عاتق الموثق الذي أخل بالتزامه، فالمسؤولية العقدية تنشأ عن الإخلال بالتزام عقدي بينما تنشأ المسؤولية التقصيرية عن الإخلال بالتزام . قانوني
و يتجلى الفرق بينهما في أن الأولى هي إخلال بالتزام ناشئ عن عقد صحيح بين المتسبب في الضرر و المضرور ، بينما تنشأ المسؤولية التقصيرية نتيجة خطأ ارتكبه شخص فسبب ضررا لآخر لا تربطه به أية رابطة تعاقدية ، إلا . أنه رغم الفارق المذكور ، فإن التشابه بينهما كبير إذ أن كلا منهما ناشئة عن مبدأ رئيسي هو الخطأ
و قد اختلف الفقه بصدد تقسيم المسؤولية المدنية إلى مسؤولية تقصيرية و مسؤولية عقدية و الواقع أن كلا المسؤوليتين تعتبران جزاء على الإخلال بالتزام سابق، غير أن المسؤولية التقصيرية جزاء عام يرتبه القانون على من أخطأ و سبب بخطئه ضرراً للغير. فهي إذن الأصل العام الذي يجب تطبيقه كلما ارتكب شخصاً خطأ و نتج عنه ضرراً للغير، أما المسؤولية العقدية فهي استثناء لا يسري إلا إذا كان يربط بين الدائن و المدين عقد أخلّ المدين بأحد التزاماته . و إذا كان هناك إجماع لدى الفقه حول تحميل الموثق مسؤولية مدنية نتيجة الأضرار التي تلحق زبنائه أو الغير بسبب أخطائه المهنية أو أخطاء من هم في عهدته، يثار التساؤل حول الطبيعة القانونية للمسؤولية المدنية للموثق . العصري
وهو الأمر الذي سنتعرض إليه من خلال ملامستنا للتأطير الفقهي و القانوني للمسؤولية المدنية للموثق في المبحث الأول، و الذي سنقوم بتقسيمه إلى مطلبين ، نتناول في المطلب الأول التأطير الفقهي للمسؤولية المدنية للموثق ، ثم نعرج للحديث عن التأطير القانوني للمسؤولية المدنية للموثق في المطلب الثاني ، على أن نتطرق في إطار المبحث الثاني للشروط و الإجراءات المسطرية لدعوى المسؤولية المدنية للموثق و الآثار المترتبة عنها و التي سنقوم بدراستها بشيء من التفصيل في صلب هذا المبحث ، و ذلك من خلال تحديد الشروط و الإجراءات المسطرية لدعوى المسؤولية المدنية للموثق ( المطلب الأول) ، ثم الآثار المترتبة عن دعوى المسؤولية المدنية للموثق ( المطلب . الثاني)
: المبحث الأول – التأطير الفقهي و القانوني للمسؤولية المدنية للموثق
أثارت مسؤولية الموثق جدلا كبيرا حول تحديد ماهيتها و طبيعتها ، و عموما يمكن القول بأن المسؤولية بوجه عام هي تحمل الشخص نتائج و عواقب التقصير الصادر عنه أو عن من يتولى رقابته و الإشراف عليه ، و عليه فالهدف من متابعة الموثقين بالمسؤولية المدنية هو منح تعويض عادل للمتضرر عما لحقه من أضرار و خسارة جراء أعمالهم . و تصرفاتهم الخاطئة
لهذا سنحاول تحليل هذه المسؤولية لمعرفة طبيعتها و أساسها القانوني من خلال مطلبين ، نناقش في (المطلب الأول) . التأطير الفقهي للمسؤولية المدنية للموثق ثم التأطير القانوني للمسؤولية المدنية للموثق ( المطلب الثاني)
:المطلب الأول – التأطير الفقهي للمسؤولية المدنية للموثق
لقد اختلف الفقه في الحكم على الطبيعة القانونية للمسؤولية المدنية للموثق بين قائل بأنها مسؤولية تقصيرية و قائل . بأنها مسؤولية عقدية
و عليه سوف نتناول الاتجاه الفقهي القائل بالمسؤولية العقدية للموثق في ( الفقرة الأولى) ، ثم نتطرق بعد ذلك ( .الفقرة الثانية) للاتجاه الفقهي القائل بالمسؤولية التقصيرية للموثق
: الفقرة الأولى – الاتجاه الفقهي القائل بالمسؤولية العقدية للموثق
يرى جانب من الفقه و القضاء المغربي في ظل غياب تحديد صريح للطبيعة القانونية للمسؤولية المدنية للموثق من قبل القانون المغربي إلى اعتبار أن مسؤولية الموثق عن أخطائه المهنية هي مسؤوليته عقدية أساسها الإخلال بالتزام . عقدي استنادا إلى عدة حجج و مبررات
: أولاً – توجه الزبون إلى الموثق من أجل التعاقد يدخل في إطار الإيجاب و القبول
و في هذا الإطار اعتمد البعض من الفقه المؤيد للطبيعة العقدية لمسؤولية الموثق بأن الزبون عندما يتوجه إلى الموثق من أجل التعاقد ، فإن ذلك يندرج في دائرة الإيجاب و القبول بين الموثق و أطراف العقد ، فالموثق عندما يفتح مكتباً للتوثيق و يضع لوحة إشهارية خارج مكتبه و داخله فإن ذلك يعتبر إيجابا أو دعوة للجمهور أو لمن يرغب في إضفاء الرسمية على عقد من العقود، وأن لجوء أطراف العقد إلى الموثق على هذا الأساس هو بمناسبة قبول لإيجاب أو عرض الموثق و بذلك فإن شروط العقد قائمة كما أن المشرع قد حدد سلفا الأجر و الأتعاب المستحقة عن كل عقد ، فهم مقيدون مسبقا بهذه التعريفة، إذ يكون الزبون على علم بالمقابل الذي عليه أن يؤديه كمقابل لتحرير عقد ما ، ومن تم يمكن القول أن العلاقة التي تربط بين الموثقين و الزبون هي علاقة تعاقدية و لا مجال لتطبيق . المسؤولية التقصيرية بينهما
: ثانياً – مسؤولية الموثق مصدرها عقد الوكالة
يذهب البعض من الفقه إلى تكييف العقد الذي يجمع بين المهني و الزبون على أنه عقد وكالة، وخصوصية عقد الوكالة هنا، تتجلى في طريقة و تقنية التمثيل كما هو الشأن بالنسبة للعلاقة التي تربط الزبناء بالأطباء و المحامون ، فالموثق لا يمثل أيا من زبنائه ، و لكنه يتحدث و يمثل السلطات العمومية حيث يتمتع بصلاحيات بهدف تسيير و إدارة العملية فهو يهتم بإدارة و تسيير أعمال الغير مما جعله في إطار عقد الوكالة مكلف بإدارة جميع المصالح . المترابطة للأطراف
: ثالثاً- مسؤولية الموثق مصدرها عقد المقاولة
يرى اتجاه آخر من الفقه القائل بالمسؤولية العقدية للموثق بأن ارتباط الموثق بزبونه يشكل عقد مقاولة ، و يرجع ذلك أن هذا العقد يتناسب أكثر مع وضعية الموثق و زبونه ، إذ يبذل الأول للثاني جهدا محدداً يتمثل في تحرير عقد فاعل و تقديم كافة التوضيحات و النصائح مقابل أتعاب تحدد بالاستناد إلى المهمة المنجزة بدون أية رابطة تبعية بين الطرفين و يعرف عقد المقاولة بأنه عقد يقصد به ، أن يقوم شخص بعمل معين لحساب شخص آخر في مقابل أجر . دون أن يخضع لإشرافه و إدارته
مؤكدين رأيهم بأن المشرع قد اعتبر مهنة التوثيق مهنة حرة و هذا ما نصت عليه المادة 1 من القانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق و التي جاء فيها ” أن التوثيق مهنة حرة تمارس وفق الشروط و حسب الاختصاصات المقررة في القانون المذكور و في النصوص الخاصة” ، و بناء عليه فالموثق إذن يمارس مهامه بصفة مستقلة في إطار مهنة حرة خوّل له القانون الصلاحيات اللازمة لتلقي العقود ، و إعطاءها الطابع الرسمي بعد استكمال الشكليات المتطلبة قانونا ، فهذا الأخير مكلف بتوثيق العقود كلما اقتضت الحاجة لذلك ، كما أن المشرع حسم في تكييف العلاقة بين أرباب المهن الحرة و الزبائن على أساس العقد
: الفقرة الثانية – الاتجاه القائل بالمسؤولية التقصيرية للموثق
يذهب أنصار هذا الاتجاه المعارض للطبيعة العقدية المسؤولية الموثق إلى القول بأن المسؤولية التقصيرية للموثق تجد . أساسها في الإخلال بالتزام قانوني خارج نطاق الرابطة العقدية مدعمين رأيهم بعدة مبررات و حجج
: أولا – إلزامية الموثق بالقيام بالمهام المنوطة به
حسب نفس الاتجاه يذهب البعض إلى أنه بالرجوع غلى الفصل 29 من القانون 32.09 و الذي ينص على انه : ” إذا امتنع الموثق عن القيام بواجبه بدون سبب مشروع تحمل مسؤولية الضرر المترتب عن هذا الامتناع “، الشيء الذي يؤكد أن القول بأن الزبون تربطه بالموثق علاقة تعاقدية أمر لا يصح التسليم به باعتبار أن الموثق حسب ما نص عليه الفصل المذكور لا يملك حرية التعاقد مع الزبون ، و من تم فالموثقون رهن إشارة زبنائهم لأداء خدمة عامة مصدرها التزام قانوني ، و القانون وحده من ينظم العلاقة التي تربط الزبون بالموثقين و أي إخلال للموثقين بواجبهم يعرضهم للمسؤولية دون الوقوف على حجم الخطأ ووجوده من عدمه ، لأن مسؤولية الموثقين هي مسؤولية مفترضة، و بالتالي لا يمكن للموثق رفض الإشهاد أو إضفاء الرسمية على عقد يدخل في نطاق اختصاصه ، و إلا تعرض للمسؤولية الشئ الذي يوضح أن هذا الأخير لا يدخل في علاقة تعاقدية مع الأطراف بل هو التزام قانوني .
: ثانياً- مسؤولية الموثق عن أخطائه و الأخطاء المهنية لأجرائه و المتمرنين لديه
في هذا الصدد يرى البعض من الفقه القائل بالمسؤولية التقصيرية للموثق بأن الالتزامات التي تقع على عاتق الموثق تجد أساسها في القانون 32.09 و ذلك بقيامه بعمل غير مشروع تجاه الغير انطلاقا من الفصل 26 من نفس القانون الذي يقضي بأن مسؤولية الموثق لا تنتج عن فعله الشخصي فقط بل تمتد إلى فعل مساعديه ،و دون أن يحدد طبيعة هذه المسؤولية ، وفقا لقاعدة مسؤولية المتبوع على أعمال التابع طبقا للفصل 85 من ق.ل.ع ، وعليه فإن الموثق يمكن أن يسأل تجاه زبنائه خارج دائرة التعاقد ، خصوصا في الحالة التي يصل فيها خطأ الموثق إلى مستوى الجريمة فإنه يترتب عنها من الناحية المدنية مسؤولية تقصيرية استنادا إلى الفصل 7 و ما يليه من قانون المسطرة الجنائية ، ومن تم فإن القانون هو الذي نظم الالتزامات الملقاة على عاتق الموثق ، و أن العلاقة التي تربطه بزبنائه . ما هي إلاّ تطبيقا لهذه المقتضيات و لا دخل لإرادة الأطراف فيها
: ثالثاً-التحديد القانوني لأتعاب الموثق استنادا إلى الفصلين 15 و 16 من القانون 32.09
لا يملك الموثق الحرية في تحديد أتعابه بشكل اختياري، انسجاما مع مقتضيات الفصل 15 من القانون 32.09 الذي ينص على أنه ” للموثق الحق في أتعاب يحدد مبلغها و طريقة استيفائها بنص تنظيمي “،
و كذلك الفصل 16 من نفس القانون, و من تم فالموثق ليس حر في تحديد أتعابه بل القانون هو من يتولى تحديدها و لا يحق له أن يتجاوزها تحت طائلة التأديب أو الزجر مما يفيد أن التحديد القانوني لأتعاب الموثق يجعل الزبون على علم بالتزاماته ومجرد لجوئه للموثق في هذه الحالة يجعله موافقا على الارتباط معه وفقا للشكل الذي حدده . القانون و هو الشيء الذي يؤكد إنتفاء الرابطة العقدية بين الزبون و الموثق
من كل هذا أستنتج أن لكل فريق جزء من الصواب فمن قال إنها مسؤولية تقصيرية له أدلة و حجج استند إليها ، و من قال أنها عقدية أبرز حججه و براهينه على ذلك و لكن الأهم أن تحمي حقوق الزبناء و يسود الاستقرار ، بقطع . النظر عن تكييف المسؤولية هل هي عقدية أم تقصيرية
إلا أننا نرجح الرأي القائل بأن مسؤولية الموثق تقصيرية باعتبار أن القانون المنظم لمهنة التوثيق يعد المصدر الأساسي لالتزام الموثق بتحرير العقود وفق شكليات محددة مسبقا من جهة و من جهة أخرى فإن الموثق لا يعتبر . طرفا في العقد لأنه هو الذي يوثق العقد بين طرفيه
أضف إلى ذلك أن مهنة التوثيق العصري أصبحت بمقتضى القانون 32.09 مهنة حرة على خلاف ظهير 4 ماي 1925 الملغى ، ومن تم فإن الممارس المهني الحر و المستقل لا يلتزم إلا بمساطر القانون و أن العلاقة التي تربطه بالزبناء ماهي إلا تطبيق لمقتضيات قانونية لا دخل للأطراف في تحديدها , ومن كل ما سلف ذكره استنتج أنه و لما . كان الموثقون مقيدون بقواعد القانون المنظم لمهنتهم فإن مسؤوليتهم تكون ذات طبيعة تقصيرية
: المطلب الثاني – التأطير القانوني للمسؤولية المدنية للموثق
لا نستطيع أن نقر بمسؤولية الموثق الشخصية ، أو الناتجة عن فعل التابعين له دون أن نستند في ذلك إلى أساس قانوني، يثبت و يؤطر بوجود هذه المسؤولية و من دون إغفال مظاهر و تجليات هذه المسؤولية ،و حتى تصبح الصورة أكثر وضوحا في إطار هذا المطلب ارتأيت أن أقسمه إلى فقرتين : الأولى سنتناول فيها تجليات المسؤولية المدنية للموثق استنادا إلى قانون 32.09 ثم التطرق في الفقرة الثانية إلى تجليات هذه المسؤولية استنادا إلى القواعد . العامة و بعض القوانين ذات الصلة
: الفقرة الأولى – تجليات المسؤولية المدنية للموثق استنادا إلى القانون 32.09
يزاول الموثق المهام المنوطة به و التي تدخل ضمن اختصاصه و في نفوذ الدائرة الترابية للمحكمة التي يوجد بها مقر ديوانه و التي يترتب عليها خضوعه للعديد من الالتزامات تنتج عنها عدة مسؤوليات في حالة الإخلال بها .
هذه الأخيرة تختلف باختلاف المراحل التي يمر منها تحرير العقد ثم توقيعه و انتهاء باكتسابه الصبغة الرسمية ، من خلال كل ذلك يتضح أن مظاهر مسؤولية الموثق استنادا إلى القانون 32.09 هي متعددة : ارتأيت دراستها تباعا . حسب كل مرحلة من مراحل العقد مع طرح الإشكالات العملية المترتبة عنها
: أولاً- مسؤولية الموثق عن التأكد من هوية الأطراف و مطابقة الوثائق المدلى بها إليه للقانون
بتحليل نص الفقرة الأولى من الفصل 37 من القانون المنظم لمهنة التوثيق و التي جاء فيها مايلي : ” يتحقق الموثق تحت مسؤوليته من هوية الأطراف و صفتهم و أهليتهم للتصرف و مطابقة الوثائق المدلى بها إليه القانون .
نصل إلى مقتضى غاية في الأهمية يضاف إلى جملة الضمانات التي منحها المشرع للأطراف المتعاقدة. و بيت القصيد في هذا الفصل هو واجب الموثق في التحقق من هوية الأطراف و صلاحيتهم القانونية لإتيان التصرف المقبلين على توثيقه إلى جانب التأكد من أهليتهم للتصرف و أحكام النيابة القانونية عند الاقتضاء، دون إغفال منه التأكد من . صحة الوثائق المدلى بها لما يقتضيه القانون
فالموثق هو المصفاة ، و الرقابة الأولية على مدى سلطة الأطراف في الإتيان بهذا التصرف ن و لذلك أورد المشرع عبارة تحت مسؤوليتهم.و بالتالي فالموثق ملزم بالتأكد من هوية الأطراف تحت مسؤوليته الشخصية و ذلك عن طريق أي وثيقة قد تفيد هذا التأكد ، كبطاقات التعريف الوطنية أو جوازات السفر أو دفاتر الحالة المدنية أو أي وثيقة إدارية . سليمة تفيد هذا الأمر دون أي وجه للشك
و يطرح هذا الالتزام صعوبة كبيرة من الناحية العملية بحيث قد يلجأ البائع إلى الإدلاء ببطاقة تعريف أو أية وثيقة إدارية أخرى مزورة ليثبت هويته حيث يصعب التشكيك في هذه الوثائق المدلى بها من الناحية الشكلية نظرا لتطور الجرائم الإلكترونية التي امتدت حتى لتزوير الأوراق النقدية و الشيكات نظرا للتقنيات المتطورة و الدقيقة المستعملة في تلك الجرائم .و في هذا الصدد يرى الأستاذ المختار أعمرة أن تحميل مسؤولية الموثق بموجب المادة 37 يعد أمرا مستحيلا و تعجيزيا ، بل و يشكك في مصداقية المرافق العامة التي يتعامل معها لأن وجوب تحققه من هوية الأطراف و مطابقته الوثائق المدلى بها ، تعني أن مصدر هاته الوثائق و الهويات مشكوك فيه ، و حتى لا يقع تحت طائلة هاته المسؤولية يتعين عليه عمليا الانتقال إلى المصدر الأصلي للهوية أو الوثيقة و يقوم بالمقارنة المباشرة ، أي أن مبدأ تقريب الإدارة من المواطن و مبادئ الحكامة الجيدة غير ذات جدوى هنا ، كما أن مبدأ فصل السلط و تحمل كل مرفق لمسؤوليته القانونية في ما يصدر عنه ينعدم ، أي أن الموثق سيجمع بين مهنته ، و بين وظيفة ” المقدم ” و مصحح الإمضاء و ضابط الحالة المدنية و رجل الأمن إلخ ….، و هو ما يستحيل فعله على أي كان .استحالة واقعية و عملية
و الإشكال المطروح أيضا في هذا الإطار هل يمكن للموثق أن يتوفق في تحديد أهلية المتعاملين المعنوية أو النفسية مادامت الأهلية في شقها القانوني أي سن الرشد القانوني واضحة و حسم فيها المشرع في إطار مدونة الأسرة و المتمثلة في ثمانية عشرة ( 18) سنة شمسية طبقا للمادة 209
و حسب جانب من الفقه فإن عبء هذا الالتزام الخطير الملقى على عاتق الموثق بموجب المادة 37 من القانون 32.09 لا بد أن توازيه بعض الضمانات العملية من طرف الدولة و ذلك بأن تضع رهن إشارة الموثق بعضا من وسائلها و إمكانياتها قصد تمكين هذا الأخير من القيام بمهامه في أحسن الظروف ، و إلا فسيصبح مهددا بعمليات تزوير و نصب ، و هو الأمر الذي حدا ببعض الدول كلتوانيا على سبيل المثال التي جندت مهنة التوثيق لرصد مثل هذه الجرائم عن طريق اعتماد نظام الكتروني يسمح للموثقين بالدخول إلى قائمة البيانات و السجلات الرسمية للأمن و السجلات العقارية و الضرائب ، و كل ما يتعلق بالمعلومات الشخصية للمالك و المعلومات القانونية و الجبائية و الطبوغرافية للعقار ، قصد توفير الحماية القانونية اللازمة للموثق و لمصالح الأطراف المتعاقدة و الأغيار.
: ثانياً-مسؤولية الموثق عن إسداء النصح
إن أساس قيام مهنة التوثيق هو الائتمان على حقوق الناس و ضمانها ، ذلك ما جعل المشرع يرفع سقف الضمانات القانونية الممنوحة للمتعاملين مع هذا المرفق ، مكرسا في مواد القانون 32.09 مجموعة من الالتزامات الملقاة على عاتق الموثق ومن بينها التزام الموثق بإسداء النصح للمتعاقدين أثناء التعاقد و إطلاعهم على مضمون العقد و آثاره.
و مسألة الإعلام و التبصرة و إسداء النصح تحمل وجهين مختلفين ، و بذلك تعتبر إلتزامات واقعة على الموثق تترتب عنها مسؤوليته حالة الإخلال بها إذا نظرنا إليها من جانبه ، وإذا نظرنا إليها من جانب الأطراف المتعاملة مع .مرفق التوثيق اعتبرت ضمانة ممنوحة لهم
و يجد هذا الالتزام أساسه في المادة 37 من قانون التوثيق 32.09 و التي جاء في فقرتها الثانية على أنه : ” يجب على الموثق إسداء النصح للأطراف ” كما يجب عليه أن يبين لهم ما يعلمه بخصوص موضوع عقودهم ، و “. أن يوضح لهم الأبعاد و الآثار التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها
فالموثق انطلاقا من هذه المادة لا يقتصر دوره على مجرد التلقي و التحرير فقط ، بل يمتد ليكون أكثر ايجابية و يشمل واجبه بإسداء النصح للأطراف, و أن يبين لهم بشكل جلي كل أبعاد التصرف المقبلين على توثيقه و مختلف . إيجابياته و سلبياته
كما تجدر الإشارة على أن مسؤولية إسداء النصح التي تقع على كاهل الموثق سعى المشرع إلى التنصيص عليها في قوانين مختلفة كقانون التوثيق العدلي 16.03 و قانون المحاماة الجديد 28.08
و الموثق و هو بصدد قيامه بإعلام الأطراف و إسداء النصح لهم يكون أقرب للقاضي الحبي بينهم ، و هذا يمنعه من محاباة طرف على آخر ، بل يجعله متقيدا بتقديم نصائحه لكلا الطرفين في سبيل منه إلى اتفاقهما ، لتحقيق . التوازن العقدي
و رغبة من المشرع في جعل هذا الالتزام فعال على أرض الواقع ، فقد حاول تدعيمه من الناحية العملية، حيث لم يترك هذه المسألة لرغبة الموثق ، إن شاء نصح و أعلم و إن شاء امتنع و كتم ، و إنما ألزمه به تحت طائلة مسائلته تأديبيا ، و لو لم تنص على ذلك المادة 37 صراحة ، و في هذا الصدد نجد القضاء المغربي سار في هذا الاتجاه ، حيث قضى المجلس الأعلى في أحد قراراته بأن مسؤولية الموثقة المشتكى بها قائمة مادامت قد أخلت بالالتزام المفروض عليها بمقتضى الفصل 1 من ظهير 4 ماي 1925، بما كتمت على الأطراف عقد رهن الأسهم . المبيعة و لم تخبرهم بوضعية هذه الأسهم
و إذا عدنا إلى الفصل 1 من الظهير أعلاه ، نجده في فقرته الثالثة ينص على واجب إسداء النصح للأطراف و إرشادهم ، و هذا المقتضى نفسه الذي نصت عليه المادة 37 في فقرتها الثانية من قانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق
و عليه فيدخل ضمن واجب النصح تبيان الواجبات التي يمكن أن تفرض على أطراف العقد مثل الرسوم الجبائية أو رسوم التسجيل و كذا كل عواقب التأخير في الأداء ، مع ما يمكن أن يطالهم من ممارسة الغير لحقوق يخولها لهم القانون ، كالشفعة ، أو حق الأفضلية ، كما يتعين على الموثق توجيههم إلى اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لتأمين الحقوق موضوع المعاملة التي تدخل بشأنها الموثق ، مثل التقييد الاحتياطي في انتظار استكمال الإجراءات ، أو تبليغ . الشركاء بواقعة البيع لاختصار أمد الشفعة
مع العلم بأن الإشكال المطروح في تحميل الموثق عبء توضيح أبعاد و آثار موضوع عقود زبناءه يتمثل في غموض الفقرة الأخيرة من المادة 37 التي ألزمت الموثق بتوضيح هاته الأبعاد ، دون تحديد القصد من هذا التعبير باعتبار أنه يحتمل الشق الاقتصادي ، و هو أمر لا يتوفر إلا في خبراء مختصين بهذا المجال ، مما يفتح المجال أمام زبناء التوثيق في متابعة الموثق في إطار مسؤوليته المدنية باعتباره لم يدلهم على هاته المخاطر في ظل عدم تحديد المشرع . للأبعاد و الآثار التي يتعين على الموثق توضيحها لزبنائه
: ثالثاً-مسؤولية الموثق عن إفشاء السر المهني
يجد هذا الالتزام أساسه في الفصل 24 من القانون 32.09 و الذي جاء فيه : ” يلزم الموثق بالمحافظة على السر المهني ، ما عدا إذا نص القانون على خلاف ذلك ، و يقع نفس الالتزام على المتمرنين لديه و أجرائه” .و نجد المشرع المغربي نص صراحة على هذا الالتزام في مجموعة من القوانين كالفصل 18 من قانون الوظيفة العمومية . و الفصل 446 من القانون الجنائي و المادة 2 من القانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة
و عليه يتضح من خلال ما سبق أن واجب المحافظة على السر المهني من الأسس و الأعمدة التي تقوم عليها مهنة التوثيق ، فالموثق حسب الفصل 24 من القانون 32.09 السالف الذكر ملزم بكتمان السر المهني مع مراعاة الاستثناءات التي ترد عليه و من أهمها ماله علاقة بتبييض الأموال أو حق الإطلاع المخول قانونا لإدارة الضرائب . أو إذا طلب من الموثق ذلك في نطاق ما للقضاء من سلطة في هذا الإطار
كما تجدر الإشارة إلى أن تخصيص المشرع المغربي لمادة مستقلة في قانون التوثيق لواجب كتمان السر المهني ، يجعله مسايرا للمبادئ التي وضعها الإتحاد الدولي للتوثيق ، الذي يلزم الموثق بالسرية المهنية باستثناء ما يتعلق بأوامر . السلطة القضائية و الإدارية أو الواجبات تجاه السلطة العمومية
: رابعاً-المسؤولية التشاركية
طبقا لقانون التوثيق 32.09 فالموثق قد يعمل بشكل منفرد و مستقل ، و قد يعمل في إطار عقد مشاركة مع موثق آخر أو أكثر، فقد نصت المادة 59 من القانون أعلاه على أنه ” يمكن لموثقين أو أكثر إبرام عقد مشاركة في الوسائل اللازمة لممارسة مهنتهم و إدارة و تسيير المكتب إذا كانوا معينين في نفس الدائرة الترابية للمحكمة ….”. الاستئنافية
و يتبين من هذه المادة أن عقد المشاركة بين الموثقين يقف عند حدود الوسائل اللازمة لممارسة مهنتهم و إدارة و تسيير المكتب فقط ، أما بالنسبة للعمل التوثيقي المتجلي في إبرام و تحرير العقود فإن كل موثق يبقى مستقلا عن مشاركيه و يسأل شخصيا عن الأخطاء التي يرتكبها عند تلقي العقود و تحريرها ، إذن فالمسؤولية القانونية للموثق الذي يعمل في إطار عقد مشاركة ، هي مسؤولية شخصية عن أخطائه المهنية في مواجهة زبناءه ، و لا تطال الموثق الذي يرتبط معه بعقد مشاركة ، و هذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 62 من نفس القانون التي جاء فيها “يسأل كل موثق متشارك مسؤولية شخصية عن العقود و المحررات التي ينجزها أو يتلقاها “.
: الفقرة الثانية – تجليات المسؤولية المدنية للموثق استنادا إلى القواعد العامة و بعض القوانين ذات الصلة
بصرف النظر عن القانون المنظم لمهنة التوثيق ، يخضع الموثقون في ممارسة مهامهم التوثيقية لعدة قوانين أخرى يأتي على رأسها قانون الالتزامات و العقود باعتباره الشريعة العامة للقانون الذي يؤطر لطبيعة المسؤولية المدنية للموثق تبعا للعلاقة التي تربطه بالمتعاقدين سواء كانت ناشئة عن القانون أو العقد ، علاوة على بعض القوانين الأخرى ذات الصلة و التي لها علاقة بأعمال الموثق و يتعلق الأمر بمدونة التسجيل و التمبر و مدونة تحصيل الديون العمومية إلى جانب القانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ . العقاري
: أولاً – تجليات المسؤولية المدنية للموثق استنادا إلى القواعد العامة
1 ـ الإطار القانوني للمسؤولية العقدية للموثق بمقتضى قانون الالتزامات و العقود
إذا اعتبرت المسؤولية القانونية للموثق ذات طبيعة عقدية تنشأ عن عقد يربطه بزبنائه ، فإن هذه المسؤولية تجد أساسها القانوني في الفصل 230 من قانون الالتزامات و العقود ، فهذا الفصل يؤطر لطبيعة العلاقة التي تجمع بين المتعاقدين حيث تعتبر الاتفاقات المبرمة بينهما على وجه صحيح بمثابة قانون بالنسبة إليها و من تم فإن أي إخلال منهما بالتزاماته يعرضه للمسائلة القانونية و بالتالي فالموثق ملزم في إطار هذا الفصل باحترام التزاماته التعاقدية حتى لا يكون عرضة للمسائلة ، كما يكون ملزماً بتنفيذ تلك . الالتزامات بحسن النية طبقا للفصل 231 من نفس القانون أعلاه
2 ـ الإطار القانوني للمسؤولية التقصيرية للموثق بموجب قانون الالتزامات و العقود
قد تكون مسؤولية الموثق تقصيرية ناتجة عن الإخلال بالتزام قانوني لا تعاقدي و تجد أساسها في الفصلين 77 و 78 من ق.ل.ع ، وفي هذا الإطار يكون الموثق مسؤولا شخصيا عن الفعل الذي ارتكبه و تسبب في إلحاق ضرر بالغير ، إلا أن مسؤوليته لا تقف عند هذا الحد بل تتجاوز خطأه الشخصي إلى أخطاء الأشخاص الذين هم في عهدته كما نص على ذلك الفصل 85 من ق.ل.ع و هو نفس الأمر الذي كرسته المادة 26 من القانون 32.09
:ثانياً- تجليات المسؤولية المدنية للموثق إستنادا إلى بعض القوانين ذات الصلة
1 – مدونة التسجيل و التمبر :
تخضع مدونة التسجيل بعض الاتفاقات و المحررات لإجراء التسجيل ، و تستوفي بموجبه ضريبة تسمى واجب التسجيل لذلك يفرض هذا القانون التزامات على المهنيين تختلف باختلاف مهامهم و التوثيق الذي يمارسونه فبالنسبة للموثق يتولى وجوباً بمقتضى المادة 137 من مدونة التسجيل و التمبر بتضمين البيانات و التصاريح التقديرية اللازمة لتصفية واجبات التسجيل بالعقود المحررة من طرفه ، و أن يؤدي رسوم التسجيل و التمبر داخل أجل 30 يوماً من تاريخ العقد ، و له عند الاقتضاء استرجاع تلك الواجبات من الأطراف ، و في حالة عدم أداءه تلك الرسوم و في الأجل المحدد يتحمل شخصياً الغرامة
و هو ما كرسه القانون 32.09 حيث أوجب على الموثق في المادة 47 منه و التي ورد فيها ” يجب على الموثق أن يقدم نسخا من المحررات و العقود بعد الإشهاد عليها بمطابقتها للأصل من طرفه، لمكتب التسجيل المختص لاستيفاء إجراء التسجيل و أداء الواجب في الأجل المحدد قانوناً ” و يلاحظ أنه على خلاف التوثيق لم يجعل المشرع أداء الواجبات المستحقة إجباريا من طرف العدل طبقا للقانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة ، و إنما أعطى للأطراف حرية اختيار أدائها بأنفسهم أو بواسطة العدل أو الموظف المكلف بذلك ، وهو ما يتعارض مع مقتضيات مدونة تحصيل الديون العمومية التي تجعل العدل مسؤولا تضامنا مع . أطراف العقد في حالة عدم أداء الضرائب و الرسوم المثقل بها العقار موضوع العقد الذي يحررونه
و بالرجوع إلى نص المادة 47 من القانون 32.09 نجدها ألزمت الموثق بالتسجيل و التقييد دون أن تجعل لمخالفة ذلك جزاء ، غير أنه باستقرائنا لنص الفقرة الثانية من نفس المادة التي نصت على أن الأطراف يمكنهم إعفاء الموثق من إجراءات النشر و التبليغ تحت مسؤوليتهم ، فإنه يستفاد بمفهوم المخالفة على أنه إذ لم يَعْف الأطراف الموثق فمسؤوليته تقوم بخصوص النشر و التبليغ . و يقاس على ذلك التسجيل و التقييد
و أخيرا فإن هذا الالتزام الملقى على عاتق الموثق المتمثل في تصفية واجبات التسجيل يرمي المشرع من ورائه أداء الرسوم على مختلف العقود التي يحررها الموثق العصري بهدف الزيادة من مداخيل خزينة الدولة من جهة و من جهة أخرى لمحاربة التهرب . الضريبي على العقود التي تقوم بها الأطراف المتعاقدة
2 – مدونة تحصيل الديون العمومية
إن هذه المدونة و إن كانت تنظم العمليات و الإجراءات التي تهدف إلى حمل المدينين على أداء ما بذمتهم من ديون لفائدة الدولة و الجماعات المحلية و هيآتها و المؤسسات العمومية ، فإنها لا تعني المدينين فقط بل الأغيار الوارد تعدادهم بها على سبيل الحصر ، و من ضمنهم الموثقون الذين يُسألون تضامناً مع أطراف العقد في حالة عدم مطالبتهم الإدلاء لهم بشهادة مسلمة من مصالح التحصيل تثبت أداء الضرائب و الرسوم المثقل بها العقار موضوع العقد الذي يحررونه كما نصت على ذلك المادة95 من مدونة تحصيل الديون العمومية ، و تبعا لذلك يلتزم الموثق بتسليم العقار المبيع مطهرا من كل ديون أو ضرائب و من جهة أخرى تؤكد المادة 100 من نفس المدونة أعلاه ، على مسؤولية الموثق العصري باعتباره مودعا لديه ، حيث يمنع عليه أداء المبالغ المحروسة المودعة لديه إلا بعد إثبات أداء الضرائب و الرسوم الواجبة على الأشخاص الذين يمتلكون تلك الأموال ، و يعتبر هذا الأداء إجباريا و لو في حالة تعرض من طرف المدين على دائنه ما لم يكونوا أصحاب امتياز وفقا لما نصت عليه المادة 7 من مدونة . تحصيل الديون العمومية
و هو ما سار عليه الاجتهاد القضائي في حكم عدد 278/93 مؤرخ في 24/04/2006 صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء حيث جاء فيه على أن المواد 95 و98 و 100 من مدونة تحصيل الديون العمومية تمنع على الموثقين و غيرهم من الحائزين للأموال المستحقة للغير نتيجة بيوعات أو تفويتات ، أن يسلموا الأموال لمستحقيها إلا بعد الإدلاء بما يفيد أداء الضرائب . الواجبة على الأشخاص الذين يملكون الأموال المفوتة عن السنة التي وقع فيها التفويت أو السنوات السابقة
و عليه فبعد أن يتأكد الموثق من أن البائع قد أدى جميع واجباته يقوم بتحويل الملف إلى القباضة التابع لها العقار قصد الحصول . على شهادة الأداء الضريبي و التي بمثابة الإبراء الضريبي المتعلق بالعقار المبيع
: 3 – ظهير 12 غشت1913 المعدل بمقتضى القانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري
نص المشرع المغربي في الفصول ٬65 66 و67 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري و المعدل بمقتضى القانون 14.07 على وجوب تقييد كل حق عيني متعلق بعقار محفظ لأن هذا الحق العيني يعتبر غير موجود للغير إلا بتقييده ، و يرمي المشرع من وراء ذلك إلى ضمان حماية كافية للملكية العقارية من أي اعتداء أو تشويش قد يطالها ، وفي سبيل ذلك كان لزاما أن . يحيطها بالرسمية و لن يتسنى له ذلك إلا بتوفير قدر هام من الضمانات التوثيقية
و هو الأمر الذي كرسه القانون 32,09 حيث أوجب على الموثق إنجاز الإجراءات الضرورية للتقييد في السجلات العقارية و غيرها لضمان فعاليتها . و عليه فإن العلاقة التي تربط الموثق العصري بمصلحة المحافظة على الأملاك العقارية تعتبر علاقة وطيدة و خطيرة في نفس الوقت، باعتبار أن الشهر العقاري يعطي الحجية المطلقة للتصرفات التي تنصب على العقارات أو الحقوق العقارية الصادرة عن الموثق ، لذلك ألزم الفصل 72 من القانون 14.07 المحافظ عل الأملاك العقارية بالتحقق و مراقبة العقود . التي يحررها الموثق من حيث الشكل و المضمون تحت طائلة مسؤوليته الشخصية
و أخيرا فإن كل هذه الالتزامات الملقاة على كاهل الموثق ، توجب عليه احترامها و تنفيذها تفاديا لأي أخطاء أو مخالفات قد . تترتب عنها مسؤوليته المدنية و التأديبية إلى جانب المسؤولية الجنائية
: المبحث الثاني – شروط قيام دعوى المسؤولية المدنية للموثق و الآثار المترتبة عنها
إن شروط قيام دعوى المسؤولية المدنية للموثق لا تخرج عن نطاق القواعد العامة للمسؤولية المدنية بوجه عام و أحكام القانون المنظم لمهنة التوثيق بشكل خاص و التي تقوم على ثلاثة أركان ألا و هي الخطأ و الضرر و العلاقة السببية مع إضافة الشرط . الخاص المتمثل في وجوب الحكم ببطلان العقد لقيام مسؤولية الموثق المدنية تجاه أطراف العقد بصفة خاصة
و بتوافر الشروط السالفة الذكر يترتب عنها التزام الموثق بتعويض المتضرر عما أصابه من ضرر و في حالة الامتناع عن دفع التعويض يحق للمتضرر رفع دعوى المسؤولية المدنية في مواجهة الموثق أمام المحكمة المختصة مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية. لذلك سنبحث شروط قيام دعوى المسؤولية للموثق في ( المطلب الأول ) على أن نتناول في ( المطلب الثاني ) الآثار . المترتبة عنها
:المطلب الأول – شروط دعوى المسؤولية المدنية للموثق
لما كانت تلتقي المسؤولية المدنية العقدية مع المسؤولية المدنية التقصيرية من حيث المبدأ القاضي بإلزام كل من ارتكب خطأ ترتب عنه ضرر للغير بالتعويض ، و تقومان على نفس الأركان التي سنقوم بدراستها و المتمثلة في الخطأ ( الفقرة الأولى ) ، و الضرر ( الفقرة الثانية) ، و العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر ( الفقرة الثالثة )
: الفقرة الأولى – الخطأ -La Faute –
الخطأ حسب قانون الالتزامات و العقود المغربي هو ” ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه ، و ذلك من غير قصد لإحداث الضرر ” ، أما الخطأ التوثيقي فهو كل خطأ أو إخلال بالتزام قانوني أو إخلال بالتزام ارتكبه الموثق بمناسبة . عمله التوثيقي و أحدث ضرراً للغير أو لأطراف العقد بعد تصريح المحكمة ببطلانه
و من خلال هذا التعريف يمكن أن نميز بين نوعين من الخطأ: الخطأ المضر بالغير بصفة عامة، و الخطأ المضر بأطراف العقد . بصفة خاصة
:أولاً – خطأ الموثق المضر بالغير
إن خطأ الموثق الذي يسبب ضررا للغير بصفة عامة ، و هو ذلك الخطأ الذي لا يمس مصلحة المتعاقدين ، فقد يحدث أن يرد التعاقد على عقار ليس في ملكية المتعاقدين وليس لهما الحق في التصرف فيه و ذلك سواء عن حسن نية أو عن طريق التواطؤ و . التدليس ، وهو ما يعرض مصالح مالك العقار للضرر وهو ليس طرفا في العقد
و تبعا لذلك، فالموثق يتحمل مسؤولية خطئه و تكون مسؤوليته مسؤولية تقصيرية تخضع لأحكام الفصل 77 و ما بعده من قانون الالتزامات و العقود وفقا لما نصت عليه المادة 26 من القانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق ، و غالبا ما تكون المسؤولية المدنية . في هذه الحالة ناتجة عن مسؤولية جنائية
: ثانياً – خطأ الموثق المضر بأطراف العقد
و يتجسد في الخطأ الذي تحدث عنه المشرع في إطار المادة 28 من قانون التوثيق أي الخطأ المهني المنتج لبطلان العقد و سبب . ضررا لأحد أطراف ، و تعتبر مسؤولية الموثق هنا مسؤولية عقدية
و بخلاف المادة 26 من القانون 32.09 السالفة الذكر التي تشترط الحكم ببطلان العقد لقيام مسؤولية الموثق المدنية عن خطأه المهني ، فإن المادة 29 من نفس القانون لم تشترط بطلان العقد لقيام مسؤولية الموثق عندما يمتنع عن القيام بواجبه بدون سبب مشروع ،و اكتفت باشتراط حصول الضرر فقط ، و قد أورد المشرع هذه الحالة دون أن يحدد معنى الامتناع عن الواجب ، هل يقصد بذلك الامتناع عن الاستجابة لتحرير العقد منذ البداية ، أم الامتناع عن الاستمرار في إجراءات تحريره ، و في هذا الصدد يرى جانب من الفقه أنه في كلتا الحالتين إذا كان الامتناع بدون أي سبب مشروع و أحدث ضررا لأحد المتعاقدين فإن مسؤولية . الموثق المدنية تكون قائمة
و باستقرائنا لنص المادة 27 من القانون 32.09 يتضح أن الخطأ المهني للموثق هو خطأ مفترض ، بحيث أن الموثق هو الذي يقع عليه عبء إثبات عدم ارتكاب الخطأ ، و لا يمكنه دفع مسؤوليته عن الخطأ بالإدعاء بأنه بذل كل ما بوسعه لتفادي الخطأ ، كما لا يمكنه الاحتجاج بعدم المعرفة أو الجهل ببعض أصول علم التوثيق و تقنينه لتفادي تحمل تبعات أخطائه ، فالمشرع حمله مسؤولية كل ما يضمنه في العقود و المحررات من تصريحات و بيانات يعلم مخالفتها للحقيقة أو كان بإمكانه معرفتها أو العلم بها .
و في هذا الإطار يذهب بعض الفقه إلى القول بأن شرطي إمكانية الموثق المعرفة أو العلم بزورية البيانات المدلى بها إليه من قبل زبنائه أو تدليسها ، يجعل الموثق مداناً حتى قبل تحريك مسطرة التحقيق و المتابعة لأن مصطلح “إمكانه” هنا فضفاض و عام ، و يحتمل تغيره من موثق إلى موثق آخر ، بحسب عوامل متعددة كنوعية البيوعات و الزبناء و الحقوق نفسها ، وهو الوضع نفسه الذي تفطن إليه المشرع الجنائي قبل ذلك عندما قرر أن الجهل أو الغلط الواقع على أحد العناصر المكونة للجريمة يُعدم القصد . الجنائي ، فيسقط المسؤولية الجنائية
و الوضع هنا لا يختلف عنه بالنسبة للموثق ، لأنه يعتمد بشكل كامل على الوثائق التي يقدمها له الزبناء ، و أن إمكانية تواطؤ . الزبون مع مصدر الوثيقة الإدارية ممكن ، وهو نفسه التعبير الذي تعتمده المادة 27 السالفة الذكر لتحريك المتابعة
كما أن افتراض العلم أو حتى إمكانيته بعدم مطابقة التصريحات للحقيقة ، أمر مستحيل من الناحية الواقعية و المنطقية ، لأن حجم المتدخلين في توفير هاته التصريحات غير قليل ، و ترجيح افتراض العلم و ليس العكس فيه حكم ظني مسبق بسوء نية الموثق ، مما يخرق مبدأ عالمية أن كل شخص مشتبه فيه أو متابع تفترض براءته مادامت إدانته غير مقررة بمقتضى حكم نهائي ، و كل . مساس ببرائته المفترضة مجرّم و معاقب عليه بمقتضى القانون ، و أن الشك يفسر دائما لفائدة المتهم
: و بالرجوع إلى المادة 49 من القانون 32.09 يتضح أن المشرع ميز بين حالتين
+ حالة الأخطاء المرتبة للبطلان و التي لا يمكن للمحكمة أن تصرح بها إلا بناء على طلب كل من له مصلحة أو النيابة العامة ، و هي الحالات المنصوص عليها بالمواد 40و39،32،31،30،12 من القانون المذكور ، و التي سنقوم بتعدادها كما يلي :
مخالفة المنع المفروض على الموثق من تلقي العقد بسبب الزوجية و المصاهرة و القرابة ، سواء بالنسبة للموثق الفرد أو الموثقين المشاركين ( المادة 31 و المادة 32)
عدم التحقق من هوية الأطراف كاملة ( الفقرة الأولى من المادة 37)
عدم إسداء النصح لأطراف العقد ( الفقرة الثانية من المادة 37)
عدم التقيد بأحكام الشهادة و الشروط الواجب توفرها في شاهد العقد عند الاقتضاء ( المادة 32 و المادة 39).
عدم تضمين ما يفيد قراءة مضامين العقد على الأطراف أو إطلاعهم على تفاصيله، و عدم الاستعانة بترجمان في حالة جهل أحد الأطراف بلغة العقد ( المادة 40).
تلقي العقد خارج مكتب الموثق ( المادة 12).
و في هذه الحالات لا يمكن للمحكمة أن تصرح ببطلان العقد إلا بناء على طلب من له مصلحة أو النيابة العامة
+ حالة الأخطاء التي لا يمكن إثارة بطلان العقود بشأنها إلا قبل أي دفاع في جوهر القضية ، و يمكن إثارتها من طرف كل : معني ، و هي الحالات المنصوص عليها بالمادتين 38 و 46 من نفس القانون وتتمثل في
حالة عدم الاستعانة بترجمان عند وجود صعوبة في التلقي ( المادة 38)
حالة عدم إلحاق العقد بالوثائق التي استند عليها الموثق لإبرامه ، و يجب أن تكون هذه الوثائق حاملة لإشارة الإلحاق أو الإضافة
و مذيلة بتوقيع الموثق و الأطراف عند الاقتضاء (المادة 46)
ففي هاتين الحالتين يمكن إثارة البطلان الناتج عنهما قبل كل دفاع في جوهر القضية من طرف أي معني ، هذا بصفة عامة عن الخطأ المهني للموثق كركن من أركان مسؤوليته المدنية ، و ننتقل للحديث عن باقي الأركان و الشروط
الفقرة الثانية – الضرر: -Le préjudice-
إلى جانب الخطأ نجد عنصر الضرر ، فهو الركن الأساسي لقيام المسؤولية المدنية للموثق ، فلا يكفي لتحقق مسؤوليته وقوع الخطأ بل يجب أن ينتج عن هذا الخطأ ضرر و إلا ما استطاع المتضرر المطالبة بالتعويض لانتفاء المصلحة في الدعوى
و الضرر قد يكون معنويا أو ماديا ، و هذا الأخير هو الذي يصيب الزبون أو أحد الأغيار في ذمته المالية و يلحق به خسارة مالية ، و حتى يكون قابلا للتعويض يجب أن يكون حالا و محقق الوقوع بمعنى أنه لابد من حصوله إن كان مستقبلا ، أما الضرر الاحتمالي فلا يصح التعويض عنه و إنما يجب الانتظار إلى غاية وقوعه و المتضرر هو الذي يتعين عليه أن يثبت الضرر اللاحق به و له في ذلك جميع وسائل الإثبات لأن الضرر واقعة مادية ،و من جهة أخرى فإن التحقق من الضرر أمر . تستقل به محكمة الموضوع
و بالنسبة للعمل التوثيقي نجد مهمة الموثق تتمثل في إضفاء الرسمية على العقود و بالتالي قد يمس المعاملات العقارية و التجارية و المالية للأفراد ، الشيء الذي يفيد أن الضرر الذي يمكن أن يتسبب به خطأ الموثق هو ضرر مادي و بالتالي يكون من المستبعد .حصول ضرر معنوي في مجال التوثيق
و عليه يشترط في الضرر المادي أن يمس حقا من حقوق المضرور أو يخل بمصلحة مالية و أن يكون محققا غير محتمل ، و معناه أن يكون قد حدث فعلا و هذا هو الضرر الحال أو يكون مستقبلا و لكنه سيقع حتما ، و هذا ما أقره المشرع في الفصل 98 من ق ل ع
الفقرة الثالثة – العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر: -Lien de causalité-
بالإضافة إلى ركني الخطأ و الضرر فإنه يلزم توافر العلاقة السببية بين العنصرين السابقين ، و التي اختلف الفقه بشأن تعريف مفهومها و ذلك بين نظريتين أساسيتين : نظرية تكافؤ الأسباب و نظرية السبب المنتج ، و بوقوفنا على مقتضيات الفصلين 77 و 78 من ق.ل.ع يتضح أن المشرع أخذ بنظرية السبب المنتج بمعنى أن يكون الخطأ هو السبب المباشر في حدوث الضرر، على غرار الفصل 264 من نفس القانون المذكور الذي أقر أيضا بضرورة الاعتداد بالسبب المباشر للضرر حيث جاء فيه ” الضرر . “هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية و ما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام
و تجدر الإشارة إلى أن عبء إثبات علاقة السببية كقاعدة عامة يقع على عاتق الطرف المتضرر (الزبون) و يقع على المدين ( الموثق ) عبء نفي هذه السببية إذا ادعى عدم قيامها و ذلك بإثبات أن عدم تنفيذه للالتزامات الملقاة على عاتقه يعود إلى سبب أجنبي و عموما يمكن القول بأن الضرر اللاحق بالزبون مرتبط بشكل مباشر بكل إخلال صادر عن الموثق و هكذا ففي حالة ثبوت . إشتراك المتضرر مع الموثق في الخطأ تتوزع المسؤولية بينهما و هو ما يشكل إعفاء جزئيا للموثق من المسؤولية
كما يكون إعفاء الموثق كليا عندما يكون الضرر ناتجا عن خطأ الزبون نفسه ، كما في حالة ما إذا سارع المشتري إلى تسليم الثمن إلى البائع و توقيع العقد بدعوى أنه قام بالتحريات بنفسه و هو ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 25 نونبر 1971
: المطلب الثاني – دعوى المسؤولية المدنية للموثق و الآثار المترتبة عنها
إذا توافرت شروط و أركان المسؤولية المدنية للموثق كما أسلفنا و التي تتمثل في الخطأ و الضرر و العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر فيترتب عن ذلك التزام الموثق بتعويض المتضرر عما لحقه من ضرر و في حالة الامتناع عن أداء التعويض يكون الحق للمتضرر في رفع دعوى المسؤولية المدنية في مواجهة الموثق أمام المحكمة المختصة قصد الحصول على حكم نهائي يقضي بتعويض هذا الأخير ، لأجل ذلك سوف نتناول في ( الفقرة الأولى) المحكمة المختصة بالبت في دعوى المسؤولية المدنية للموثق . ثم أجل التقادم في (الفقرة الثانية )
: الفقرة الأولى – الجهة القضائية المختصة و مسألة الخيار بين دعوى المسؤولية العقدية و التقصيرية
تخضع دعوى المسؤولية المدنية المتعلقة بالموثق في مجملها إلى القواعد العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية و تبعا لذلك ينعقد . الاختصاص كقاعدة عامة في القضايا المدنية للمحاكم المدنية كما أن هذه القضايا تتقادم بمرور مدة معينة
: أولاً – الجهة المختصة بالبت في دعوى المسؤولية المدنية للموثق
انسجاما مع مقتضيات الفصل 18 من قانون المسطرة المدنية ينعقد اختصاص النظر في دعوى المسؤولية المدنية للموثق للمحاكم الابتدائية و عليه يكون الحق للمتضرر في رفع دعوى المسؤولية المدنية للموثق أمام المحكمة الابتدائية ، كما يحق له أيضا ممارسة نفس الدعوى أمام المحكمة الجنائية إذا تضرر مباشرة من فعل يكتسي صبغة جرمية مع مراعاة مقتضيات الفصل 92 من قانون المسطرة الجنائية و مقتضيات الفصل 334 من نفس القانون
و هكذا يكون اختصاص المحكمة الابتدائية عندما تكون مسؤولية الموثق مدنية هدفها تعويض المدعي ، و المحكمة الزجرية عند مطالبة المتضرر بالتعويض عن الضرر من جراء فعل جرمي ، مع العلم أن هذه الأخيرة -أي المحكمة الجنائية- يمكن أن تقام . أمامها دعوى المسؤولية الجنائية و المسؤولية المدنية في دعوى واحدة حسب مقتضيات الفصل 9 من قانون المسطرة الجنائية
و تجدر الإشارة إلى أنه يحق للمتضرر ( الزبون) من حيث الاختصاص المحلي للمحاكم الابتدائية في الخيار بين أن يقيم دعواه أمام المحكمة التي يقطن ضمن دائرتها المدعى عليه ( الموثق) ، و بين أن يقيمها أمام المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الذي . سبب الضرر و ذلك وفقا لأحكام الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية
: ثانياً- الجمع أو الخيار بين دعوى المسؤولية العقدية و التقصيرية
يثار التساؤل في هذا الصدد ، هل يحق للمتضرر أن يرفع دعواه على أساس المسؤوليتين العقدية و التقصيرية في آن واحد ؟ أم له الحق في اختيار إحداهما حسب الأحوال ؟ أم أنه يجبر على سلوك دعوى معينة دون الأخرى ؟
: 1- منع الجمع بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية
من المتفق عليه فقها و قضاءاً أنه لا يجوز للمتضرر الدائن الجمع بين المسؤوليتين ، إذ أنه لا يستطيع الحصول إلا على تعويض . واحد نظرا لعدم جواز التعويض مرتين عن الضرر الواحد
و من جهة أخرى ، قد يعمد المتضرر الذي يوفق في الدعوى الأولى التي أقامها على أساس مسؤولية معينة ، إلى رفع دعوى ثانية على أساس قواعد المسؤولية الثانية ، ففي هذه الحالة يواجه بالدفع بأسبقية البت و هي قرينة قوة الشيء المقضي به . المنصوص عليها في الفصل 151 من ق ل ع
: 2 – مسألة الخيار بين المسؤولية العقدية و المسؤولية التقصيرية
لعل أبرز ما يطرح إشكالية الخيار بين المسؤوليتين العقدية و المسؤولية التقصيرية هو تضارب العمل القضائي من جهة ، و الفراغ : التشريعي من جهة أخرى ، و يشترط لطرح هذا الإشكال توافر الشروط التالية
أن يكون الفعل الضار يشكل في نفس الوقت خطأ عقديا و خطأ تقصيريا ، أما إذا كان الفعلان مستقلين يشكل إحداهما إخلال بالتزام عقدي و آخر يشكل الإخلال بالتزام قانوني فلا خيار للمدعي إلا سلوك الدعوى المناسبة .
أن تجتمع في الفعل الواحد شروط المسؤولية التقصيرية و المسؤولية العقدية أما إذا كان الضرر ناتجا عن إخلال بالتزام عقدي فإن المسؤولية العقدية هي الواجبة التطبيق ،و بالتالي لا يكون للمدعي حرية الاختيار .
و في هذا الصدد لا يرى بعض الفقه مانعا من تنقل المتضرر بين الدعويين العقدية و التقصيرية ، و يرفض الاتجاه القائل بأن المسؤولية العقدية تحجب المسؤولية التقصيرية باعتبار أن هذه الأخيرة من النظام العام و تضمن الحدود اللازمة لحماية حقوق المضرور و ليس هناك ما يمنع من ممارستها متى كانت مصلحته في ذلك ، بشرط أن تتوافر في الفعل الضار عناصر المسؤوليتين . العقدية و التقصيرية
و من تم يرى أحمد الدرويش أن إعطاء الضحية حق الخيرة بين دعوى المسؤولية التقصيرية و بين دعوى المسؤولية العقدية . يعتبر حلا عادلا في ظل نظام يقوم على أساس ازدواجية المسؤولية المدنية
و يستند في ذلك على أنه إذا كانت لشخص واحد من أجل سبب واحد دعويان، فإن اختيار إحداهما لا يمكن أن يحل محل تنازله .عن الأخرى
كما يميل الأستاذ أحمد شكري السباعي إلى الرأي المتعلق بالخيرة اعتمادا على أساس أسباب أهمها تغليب مصلحة المضرور في .التعويض ، و احترام إرادة المتقاضين في اختيار الإطار القانوني لدعواهم ، لأن إرادة المتقاضين تسمو على إرادة المتعاقدين
: الفقرة الثانية : آجال تقادم الدعوى و التعويض
بعدما سنعمل على دراسة أجل تقادم دعوى المسؤولية المدنية للموثق ( أولا ) سنقوم بدراسة التعويض المترتب عن هذه المسؤولية ( ثانيا)
: أولا – آجال التقادم :
يعرف التقادم فقها بأنه سبب لانقضاء الحقوق المتعلقة بالذمة المالية و لاسيما الالتزامات إذا توانى صاحبها عن ممارستها أو أهمل المطالبة بها خلال مدة معينة يحددها القانون
و بخصوص الأجل الخاص لرفع دعوى المسؤولية المدنية ضد الموثقين فتختلف مدة التقادم بشأنها باختلاف طبيعة المسؤولية تقصيرية أم عقدية ففي حالة قيام مسؤولية الموثق التقصيرية، فان التقادم يخضع لمقتضيات الفصل 106 من قانون الالتزامات و العقود و مدته خمس سنوات تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر و في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر، حسب منطوق الفصل المذكور
أما في حالة المسؤولية العقدية فإن التقادم يخضع لمقتضيات الفصل 371 و ما يليه من قانون الالتزامات و العقود ، و نميز هنا بين دعوى المسؤولية أو البطلان و بين دعوى الضمان ، فدعوى المسؤولية أو البطلان تتقادم بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ اكتساب العقد صبغة الرسمية بتوقيع الموثق عليه ، أما دعوى التعويض فهي كذلك بمضي خمس عشرة سنة لكن ابتداء من تاريخ الحكم النهائي القاضي ببطلان العقد. أما بالنسبة لدعوى الضمان التي ترفع ضد صندوق ضمان الموثقين المحدث بمقتضى المادة 94 من القانون 32.09 فهي تتقادم بمرور خمس سنوات على يوم التصريح بثبوت مسؤولية الموثق أو نائبه و هذا ما نصت عليه . المادة 95 من نفس القانون
: ثانيا – التعويض
يعتبر التعويض من أهم الحلول التي أوردها القانون لجبر الضرر الذي يتسبب فيه المدين ، سواء كان هذا الضرر ماديا أو معنويا ، و هذا التعويض قد يكون عينا أو نقدا ، و لكي يستحقه المتضرر لابد من توافر شروطه و انتفاء ركن من أركانه التي تعفي . المدين من أداء التعويض
و عليه إذا ثبتت مسؤولية الموثق عن الضرر كان ملزماً بأداء التعويض لفائدة المتضرر ، مع العلم بأن المحكمة تبت في دعوى التعويض وفقا للقواعد العامة و لها السلطة التقديرية في تقدير التعويض المستحق ، بحسب الظروف الخاصة بكل حالة و جسامة . الضرر الحاصل و لا تخضع في ذلك لرقابة المجلس الأعلى إلا من حيث العناصر التي اعتمدتها في تكييف الضرر
و بالرجوع إلى القانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق يتبين أن المشرع لم يتحدث عن التعويض من حيث شروط استحقاقه و انقضائه إلى غير ذلك ماعدا ما نص عليه بمناسبة الحديث عن صندوق الضمان وفقا لما نصت عليه المادة 94 من القانون المذكور
و في نفس الإطار ألزمت المادة 26 من نفس القانون الموثق بالتأمين على مسؤوليته المدنية و مسؤولية التابعين له ، و قد تبنى المشرع إجبارية التامين حماية لحقوق الزبناء في حالة ثبوت المسؤولية المدنية للموثق أو من هم في عهدته من عسر هذا الأخير.
و هكذا فإذا قضت المحكمة لصالح المتضرر (الزبون) بحقه في التعويض و ثبت عسر الموثق عن أدائه , يستطيع الزبون المضرور إستيفاء التعويض من شركة التأمين
و زيادة في الضمان احتفظ المشرع بصندوق الموثقين الذي كان منظما في إطار الفصل 39 من ظهير 4 ماي 1925 الملغى ، حيث أفرد له القسم السادس من القانون 32.09 و الذي يتمثل دوره في أداء المبالغ المحكوم بها لفائدة الأطراف المتضررة في حالة عجز الموثق عن الأداء ، أو في حالة عدم كفاية المبالغ التي يجب أن تؤديها شركة التأمين محل الموثق ، و كذلك في حالة انعدام التأمين ، لكن مع العلم أن هذا الصندوق يؤدي التعويض في حدود المبالغ المتوفرة لديه حسب ما أشارت إليه المادة 96 من . القانون أعلاه
و في هذا الصدد يذهب قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء إلى التأكيد على أن الأصل في مسؤولية الموثقين العصريين هي مسؤولية يلزمون بموجبها بأداء التعويض جبرا للضرر الذي لحق بالغير و الناتج عن أخطائهم المهنية ، لكن يجوز بصفة احتياطية إحلال صندوق التأمينات ، و الخازن العام محل الموثق بتوفر شرطين هما ارتكاب الموثق خطأ مهنيا و عسر هذا الأخير أو عدم قدرته على الأداء ، و في نفس الإطار يذهب قرار صادر عن محكمة النقض على أنه يحكم على صندوق التأمينات الخاص بالموثقين بما يقضي به الموثق عند عسره ، و ذلك من دون تمييز بين طبيعة الأخطاء طالما أنها ارتكبت بسبب المهنة .
بقلم د المهدي بوي