دراسات قانونيةسلايد 1

الوساطة الجزائية في جرائم البيئة (بحث قانوني)

_في ضوء الأمر 15/02 المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية الجزائري_

ملخص: تعتبر الوساطة الجزائية من بين الوسائل المستحدثة لإنهاء الدعوى العمومية، و قد اعتمدها المشرع الجزائري بموجب الأمر 15/02 المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية، مواكبة منه للسياسة الجنائية المعاصرة التي تسعى لمواجهة أزمة العدالة الجنائية، و تخفيف العبء على القاضي و المتقاضي، و من بين أهم الجرائم التي عنيت بتنظيمها تلك المتعلقة بالبيئة، و بالتالي فإن المساهمة الفعالة في حل الإشكالات التي يمكن أن تصادف تطبيق أحكامها، غاية توخاها المشرع من خلال تبني هذا الإجراء.

مقدمة:

تبنت بعض التشريعات العالمية ظاهرة الانفتاح على الوسائل البديلة لحل النزاعات خاصة في ظل وجود أزمة العدالة، لتخفيف العبء على القاضي و المتقاضي، و تتمثل هذه البدائل في الصلح و التصالح و الأمر الجنائي، و كذا الوساطة، و لقد شاع تطبيق هذه الأخيرة في المواد المدنية و الإدارية، ليتم اعتمادها فيما بعد في المجال مع نوع الخصوصية الإجرائية، المستمدة من طبيعة المصالح الجوهرية المحمية و تباين المراكز القانونية لأطراف الخصومة الجنائية، فنظام الوساطة كأصل عام يقوم على فكرة جوهرية مؤداها إيجاد طرق بديلة لحل النزاعات، إلا أنها تختلف من حيث الشروط و المبادئ بحسب نطاق تطبيقها.

و قد اعتمد المشرع الجزائري نظام الوساطة في المادة المدنية و الإدارية بداية، ثم انتقل إلى المادة الجزائية من خلال تعديل قانون الإجراءات الجزائية 15/02 ، الذي يعتبر الإطار العام الذي تستمد منه أحكام الوساطة في مختلف الجرائم، و سيتم دراسة تلك المتعلقة منها بالجرائم البيئية في هذه الدراسة.

لكل ذلك، فإن الإشكالية التي تطرحها هذه الورقة البحثية تتمثل في الآتي: إلى أي مدى وفق المشرع الجزائري في تفعيل نظام الوساطة الجزائية على جرائم البيئة؟

و بناء على ما تقدم، ستتم الإجابة على الإشكالية المطروحة بالتطرق بداية لمفهوم الوساطة الجزائية و تبيان ذاتيتها، ثم دراسة الوساطة الجزائية في التشريعات المعاصرة، لنختم هذا البحث بموقف المشرع الجزائري من هذا النظام و تقديره.

أولا:مفهوم الوساطة الجزائية:LA MEDIATION PENAL .

إن مقتضيات الدراسة تستوجب التطرق لتعريف الوساطة الجزائية و تحديد أطرافها.

1ـــــ تعريف الوساطة: تعددت تعريفات الوساطة الجزائية؛ إذ عرفها البعض بأنها ذلك الإجراء الذي بمقتضاه يتم البحث عن حل ودي يتم التفاوض بشأنه بين طرفي النزاع في الجريمة في وجود شخص ثالث يسمى الوسيط “LE MEDIATEUR” ، و يتم إنهاء النزاع بالاتفاق على حصول المجني عليه على تعويض كاف عن الضرر الذي أصابه، فضلا عن إعادة تأهيل الجاني.[1]

كما تم تعريفها أيضا على أنها ” نظام يستهدف الوصول إلى اتفاق أو مصالحة أو توفيق بين أطراف النزاع بمساعدة الغير أملا في الوصول إلى حل رضائي بالطرق الودية”[2]، فهي صورة جديدة للعدالة تساعد في تقوية العدالة التقليدية، و ترتكز على فلسفة انه لا يوجد شخصان لا يتفاهمان و إنما يوجد شخصان لا يتفقان.[3]

من خلال هذه التعريفات يتضح أن نظام الوساطة الجزائية يقوم على أساس إنهاء الخصومة بعيدا عن القضاء و لكن تحت إشرافه، بحيث توكل المهمة إلى وسيط ممثلا في النيابة العامة، بحيث تقوم هذه الأخيرة بالالتقاء بأطراف الدعوى في محاولة للتوصل إلى حل اتفاقي منهي للنزاع.[4]

2ـــــ أطراف الوساطة الجزائية: تتمثل أطراف الوساطة الجنائية في: الجاني و المجني عليه، و الوسيط.

أــــ المجني عليه:يقصد بالمجني عليه ذلك الشخص الذي يقع عليه الفعل أو يتناوله الترك المؤثم قانونا سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا.و يمكن تعريفه أيضا بأنه الشخص الذي أوقعت الجريمة به اعتداءا مباشرا على حق من حقوقه، وبالتالي لا يدخل الضرر في هذا التعريف كمعيار رئيسي أو وحيد في تحديد المجني عليه سواء أصابت المجني عليه أو شخصاً آخر.[5]

بــ الجاني: يقصد بالجاني مقترف الجريمة سواء كان فاعلا أصليا أو شريكا، و من حق الجاني رفض الوساطة و ترجيح كفة العدالة القضائية، و هو حق أصيل له امتداد دستوري.

ج ــــ الوسيط: هو ذلك الشخص الذي يتولى مهمة التوفيق بين مصلحتي الجاني والمجني عليه، و تتولى النيابة العامة مهمة الوساطة الجنائية، [6] المستحدثة بموجب الأمر 15/ 02 المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية.

ثانيا:ذاتية الوساطة الجزائية .

الوساطة الجنائية و الصلح الجنائي وجهان للعدالة الجنائية الرضائية، يتفقان في نقاط متعددة الأمر الذي دفع بالبعض إلى القول بأن الوساطة هي إحدى مراحل الصلح[7]، إلا أنهما يختلفان في بعض الجوانب، تحتاج إلى توضيح من خلال الآتي:

1_أوجه الشبه بين الوساطة و الصلح الجنائي:تتماثل الوساطة مع الصلح الجنائي في عدة نقاط نوجزها في الآتي:

_كلاهما من الوسائل غير التقليدية لحل المنازعات الناشئة عن الجرائم البسيطة .

_جوهر كل منهما هو مبدأ الرضائية، و الذي بدونه لا يمكن السير في جهود الوساطة أو المضي في إجراءات الصلح.

_هدف كل من الوساطة و الصلح الجنائي، هو حصول المجني عليه على تعويض عادل و مناسب من الجاني جراء الأضرار التي أصابته من الجريمة المرتكبة.

2_أوجه الاختلاف بين الوساطة و الصلح الجنائي: تتمثل أوجه الاختلاف بين الوساطة و الصلح الجنائي في الآتي:

_الصلح الجنائي لا يوجد فيه وسيط، عكس الوساطة التي تتم بمعرفة النيابة العامة.

_ إن الحق في الوساطة الجنائية يسقط بمجرد تحريك الدعوى العمومية، في حين أن الصلح يجوز طلبه في أي مرحلة كانت عليها الدعوى العمومية.[8]

_ تشترط التشريعات التي أجازت الوساطة قيام الجاني بتعويض كامل الأضرار فضلا عن إعادة تأهيله اجتماعيا، أما بخصوص الصلح فلم تشترط أن يكون في مقابل تعويض كامل الضرر أو إعادة تأهيل الجاني.[9]

_إن نظام الوساطة الجنائية يتيح استيفاء الحقوق المدنية دون تباطؤ أما البدائل الأخرى كالصلح يقتضي

رفع دعوى به أمام المحكمة المدنية.[10]

ثالثا: الوساطة الجزائية في التشريعات الإجرائية المعاصرة .

عرفت أغلب النظم القانونية المعاصرة نظام الوساطة الجنائية، باعتبار أنه لقي نجاحا كبيرا في التطبيق، و سيتم التطرق إلى أبرزها لاسيما منها النظام اللاتيني و الأنجلوسكسوني.

1_الوساطة الجزائية في النظام اللاتيني: يعد النظام الفرنسي الأنموذج الأمثل للتشريعات اللاتينية التي تطبق الوساطة الجنائية، و السبب في ذلك كونه المصدر الأساسي الذي استقت منه أغلب التشريعات اللاتينية نظمها، فضلا عن ذلك فإن تبني هذا النظام كان نتيجة تفشي أزمة العدالة الجنائية الناتجة عن ظاهرة التضخم العقابي.[11]

و تعتبر فرنسا بمعرفة نيابتها العامة مهد نظام الوساطة الجنائية منذ منتصف العقد الثاني من القرن العشرين، حيث كانت أول تجريه للوساطة الجنائية في ماي 1985، في مدينة فالنس، حيث أنشأت جمعيات متعددة مهمتهم الأساسية تحقيق الوساطة الجنائية، كجمعية مساعدة الضحايا و الرقابة القضائية، و جمعية التنسيق على قيد السجناء و مساعدة الضحايا و جمعية مساعدة ضحايا الجريمة.[12]

فنظام الوساطة الجزائية في فرنسا افتقد عند أول ظهور له إلى السند القانوني المنظم له، و قد اصطلح على تسميته بالنظام البديل لحل المنازعاتMARC [13]، و لم تتحدد معالم هذا النظام إلا مع صدور القانون 93/2 الصادر في 4 يناير 1993 ، حيث أجازت المادة 41/7 للنيابة العامة قبل تحريك الدعوى العمومية، و بناء على اتفاق أطراف النزاع إحالة ملف القضية محل الحفظ إلى الوساطة الجزائية ، بشرط أن تقدر بأن هذا الإجراء سيؤدي إلى إصلاح الضرر، و إنهاء الاضطراب الناشئ عن الجريمة، و المساعدة على إعادة تأهيل و إدماج الجاني.[14]

تجدر الإشارة إلى أن نظام الوساطة الجنائية في فرنسا يتم عن طريق التفويض، و مؤداه إرسال ملف الوساطة إلى جمعية أو أشخاص متخصصين، أو عن طريق المسماة الوساطة المحتفظ بها و التي تتولاها الهيئات القضائية.[15]

2_ الوساطة الجزائية في النظام الأنجلوسكسوني: سنتخذ من النظام الأمريكي نموذجا لتطبيق الوساطة في النظام الأنجلوسكسوني، حيث تبنت الولايات المتحدة الأمريكية نظام تسوية المنازعات بالطرق السلمية بعيدا عن الإجراءات التقليدية ، ممثلا في الوساطة بصورتيها:

_الصورة الأولى:هي عبارة عن وساطة تقوم بها جمعيات مساعدة ضحايا الجريمة في استعادة حقوق المجني عليه التي انتهكتها الجريمة، و تأخذ هذه الصورة البعد غير الرسمي، و تتحدد نطاق هذه المنازعات بحالات خاصة تختلط بها صفة الجاني بصفة المجني عليه كقضايا التعدي في المحيط الأسري.[16]

_الصورة الثانية:هي الوساطة القانونية، وفيها يقوم قاضي الصلح عند نظر القضية لأول مرة، فقاضي الصلح في النظام الجزائي الأمريكي يمارس اختصاص مزدوجا، فهو قاضي تحقيق في الجنايات و الجنح، و قاضي حكم في الجرائم البسيطة، فبعد انتهاء الشرطة من التحقيقات الابتدائية ، تقوم بإحالة أوراق القضية إلى النيابة العامة التي تقوم بدورها بإحالتها إلى قاضي الصلح مهما كان نوع الجريمة، و يجوز لقاضي الصلح و قبل السير في الإجراءات في الجرائم التي لا تمس بالنظام العام المكيفة على أنها جنح أو مخالفات ، كالسرقة البسيطة و العنف المتبادل بين الجيران ، أن يقوم بدور الوسيط بين الجاني و المجني عليه ، فبالإضافة إلى تعهد الجاني بإصلاح الضرر الذي ألحقه بالمجني عليه ، يمكن الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية أو فرض تدبير احترازي.[17]

رابعا_موقف المشرع الجزائري من نظام الوساطة الجزائية البيئية و تقديره.

سيتم التطرق في هذه النقطة إلى نظام الوساطة في التشريع الجزائري بصفة عامة، ثم نسقطه على الجرائم البيئية، ليتم تقديره بالتطرق لشروطه و أهدافه.

أ_ موقف المشرع الجزائري من نظام الوساطة الجنائية البيئية: لقد تبنى المشرع الجزائري نظام الوساطة القضائية من خلال القانون 08 – 09 المؤرخ في 25 – 02 – 2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية في الكتاب الخامس وفي الفصل الثاني من الباب الأول[18] ، تحت عنوان الطرق البديلة لحل النزاعات، أما الوساطة الجزائية فقد اعتمدها من خلال الأمر 15/02 المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية [19]، من خلال نص المادة 37 مكرر، و التي نصت على انه “يجوز لوكيل الجمهورية ، قبل أي متابعة جزائية، أن يقرر بمبادرة منه أو بناء على طلب الضحية أو المشتكي منه، إجراء وساطة عندما يكون من شانها وضع حد للإخلال الناتج عن الجريمة أو جبر الضرر المترتب عنه.

تتم الوساطة بموجب اتفاق مكتوب بين مرتكب الأفعال المجرمة و الضحية”.

من خلال هذه المادة نلاحظ أن المشرع الجزائري اقر نظام الوساطة الجزائية بمعرفة وكيل الجمهورية ، إذا ارتأى هذا الأخير أن الوساطة الجزائية هي الأسلوب الأمثل لحل النزاع، و قد تكون بمبادرة من الضحية أو المشتكي منه، إلا أن الأمر الذي يأخذ على المشرع الجزائري هو استبعاد قاضي التحقيق من هذا النظام باعتباره ركيزة أساسية و حيادية في المنازعة الجزائية، و تركيز سلطة إقرار الوساطة من طرف وكيل الجمهورية في الجرائم البسيطة، و في الحضور الاختياري لمحامي الخصوم من اجل دعم حقوق الدفاع و ضمان الحيادية المطلوبة من النيابة العامة، باعتبارها الوسيط الذي تتم في حضوره الوساطة الجزائية.

1_نطاق الوساطة الجنائية: استبعد المشرع الجزائري تطبيق الوساطة الجنائية في الجرائم الخطيرة المكيفة على أنها جنايات باعتبارها تمس بركائز و مقومات الدولة، و من ثم فإن النيابة العامة أو أطراف الخصومة الجزائية يفتقدون سلطة المبادرة لإجراء الوساطة الجنائية، أما الجرائم البسيطة كالمخالفات فيمكن أن تكون محلا لها، أما الجنح فقد قيدها المشرع بطائفة من الجرائم تتمثل في تلك الماسة بالشرف و الاعتبار كالسب و القذف و الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة و التهديد و الوشاية الكاذبة و ترك الأسرة و الامتناع العمدي عن تقديم النفقة و عدم تسليم الطفل و الاستيلاء بطريق الغش على أموال الإرث قبل قسمتها أو على أشياء مشتركة أو أموال الشركة أو إصدار شيك بدون رصيد و التخريب او الإتلاف العمدي لأموال الغير و جنح الضرب و الجروح غير العمدية و العمدية المرتكبة بدون سبق الإصرار و الترصد أو استعمال السلاح، و جرائم التعدي على الملكية العقارية و المحاصيل الزراعية و الرعي في ملك الغير و استهلاك مأكولات أو مشروبات أو الاستفادة من خدمات أخرى عن طريق التحايل.[20]

ما يلاحظ على النطاق الموضوعي للجرائم محل الوساطة الجزائية، أن المشرع قد أصاب عندما استبعد الجنايات منه، لخطورتها و صعوبة جبر الضرر الناتج عنها لاتصاله بالمصالح الجوهرية الماسة بالنظام العام، عكس بعض الجنح الخاضعة لهذا النظام، إذ تتميز بالبساطة و من ثم يمكن جبر الأضرار المترتبة عنها، خاصة إذا تعلقت بالمحافظة على تماسك العلاقات الاجتماعية.

و في المقابل، فإن المعيار الذي اعتمده المشرع الجزائري لتصنيف الجرائم محل الوساطة تنقصه الدقة و الموضوعية الواجب توفرها في القاعدة الجزائية الإجرائية، إذ تفتقد هذه الطائفة من الجرائم إلى قواسم مشتركة سوى اتساقها في تكييفها، و هو أمر يأخذ على المشرع الجزائري إذ كان حليا به أن يضع معايير موضوعية مبنية على دراسة علمية مستفيضة، مناطها وضع حد لأزمة العدالة الجنائية المعاصرة.

2_الوساطة الجزائية في الجرائم البيئية: إن النظرة العادية للجرائم البيئية دفعت بالمشرع الجزائري من خلال قانون العقوبات و مختلف القوانين العقابية الخاصة، إلى تكييف أغلبها على أنها جنح ايكولوجية، و هذه الأخيرة يمكن أن تكون محلا للوساطة الجنائية و هو ما تم تأكيده من خلال نص المادة 37 مكرر 1 المذكورة سالفا،التي حصرت هذه الجرائم في الآتي:

_التخريب أو الإتلاف العمدي لأموال الغير.

_جرائم التعدي على الملكية العقارية و المحاصيل الزراعية و الرعي في ملك الغير.

_جميع الجرائم الإيكولوجية المكيفة على أنها مخالفات.

من خلال التعداد الموضوعي للجرائم محل الوساطة الجنائية، يتبين بأنه كان حليا بالمشرع استبعاد هذا النظام من المخالفات، باعتبار أن الضرر المترتب عليها بسيط يمكن جبره، أما فيما يخص الجنح الايكولوجية فهي من الجرائم المؤثرة، معاقب عليها بالحبس الجوازي أو الوجوبي، ومن ثم فان تحسب الجاني لان تحال الدعوى إلى المحكمة و احتمال الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية سيجعله يلتزم باتفاق الوساطة.

إضافة إلى ذلك، فان معيار التصنيف لهذه الجنح يفتقد للدراسة البيئية المؤثرة، باعتبار إقصاء الكثير من الجرائم ذات الأثر المشابه لتلك محل الوساطة الجنائية، و التي يمكن أن ترتكب بصفة عرضية، دافعها نقص الوعي البيئي.

ب_ أهداف و شروط نظام الوساطة الإيكولوجية:للوساطة الايكولوجية شروط صحة و أهداف مرجوة، يمكن استقصاءها من خلال تحليل اتجاه السياسة الجنائية للمشرع الجزائري.

1_شروط الوساطة الايكولوجية:لتطبيق نظام الوساطة الجنائية على جرائم البيئة ينبغي توافر الشروط الآتية:

_الشرط الأول:أن تكون الجريمة البيئية المرتكبة جنحة من الجنح المذكورة في نص المادة 37 مكرر1 أو مخالفة.

_الشرط الثاني:لا يمكن تطبيق نظام الوساطة الجنائية البيئية إلا إذا كان ملف الدعوى بحوزة النيابة العامة، أما إذا تم التصرف في ملف الدعوى بأن تمت إحالته إلى جهة الحكم أو التحقيق فلا يمكن تطبيقه.

_الشرط الثالث:تقدير النيابة العامة بتناسب نظام الوساطة الجنائية مع الجرم المرتكب.

_الشرط الرابع:موافقة أطراف الخصومة على الأخذ بنظام الوساطة الجنائية.[21]

2_أهداف الوساطة الإيكولوجية:لا يكون إجراء الوساطة الجنائية بوصفه إجراء بديل عن الدعوى العمومية مطلقا، بل يجب تقييده بطائفة معينة من الجرائم، تحقيقا لأهداف معينة يمكن تحديدها فيما يلي:

_إصلاح الضرر الذي لحق بالمجني عليه، و وضع نهاية للاضطراب الناتج عن الجريمة.[22]

_إقرار الجاني بمسؤوليته عن الجريمة المرتكبة ، ينجم عنه الإصلاح التفاوضي للضرر اللاحق بالمجني عليه.[23]

_ التخفيف من أزمة العدالة الجنائية، بجعل الوساطة إجراء بديل عن الطرق التقليدية من خلال ما توفره من شفافية و مصداقية و سرعة فض النزاعات.[24]

_التقليل من التكاليف، فالمتهم قد ينفق على القضية مبالغ تفوق بكثير تلك المترتبة عن اتفاق الوساطة الجنائية.

_تخفيف العب ء على المحاكم ، بتقليص عدد القضايا المحالة على القضاء الجزائي.

_تذليل معوقات تنفيذ الأحكام الجزائية، باعتبار أن الوساطة تبرم بصفة اختيارية.[25]

خاتمة :

إن نظام الوساطة الجنائية الإيكولوجية من الوسائل البديلة للدعوى العمومية ، يقوم على أساس الانتقال من دائرة المؤسسة القضائية إلى دائرة العلاقات الاجتماعية، و هو ما من شأنه رسم سياسة جنائية تقوم على أساس توفيقي، و قد استحدثه المشرع بموجب الأمر 15/ 02 المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية مسايرة منه لنداءات الفقه الجنائي المعاصر، من اجل التقليل من حدة أزمة العدالة الجنائية و تسريع الإجراءات الجنائية، و كذا تخفيف الضغط على القاضي و المتقاضي.

و الجرائم الايكولوجية على غرار نظيراتها في القانون العام أخضعها المشرع لنظام الوساطة الجنائية، وهو ما تم التطرق إليه من خلال هذا البحث، حيث توصلنا إلى جملة من النتائج نابعة من القصور في اعتماد هذا النظام، نوجزها في الآتي:

_غياب اللمسة العلمية في تحديد مختلف الجرائم محل الوساطة الجنائية البيئة.

_عدم وجود سياسة تشريعية واضحة و وعي كامل بمسببات الجرائم البيئية، و من ثم غياب التصنيف التوزيعي للأضرار البيئية التي يمكن جبرها في مقابل تلك المستعصية الإزالة، و هو ما من شأنه إقصاء التفريد الإجرائي التوفيقي لهذه الجرائم محل الوساطة الجنائية.

_ إن المخالفات بصفة عامة و الإيكولوجية خاصة لا يمكن أن تكون محلا للوساطة الجنائية، باعتبار أن الجزاءات المرصودة لمواجهتها غالبا ما تكون غرامات مالية، وهو ما يتنافى و شروط الوساطة.

_تركيز الوساطة بيد وكيل الجمهورية من شأنه الحيلولة دون تذليل أزمة العدالة الجنائية، باعتبار أن النيابة العامة طرف في الدعوى العمومية، و هو ما من شأنه خلق جو من عدم الارتياح لدى الخصوم.

و لمواجهة هذه النقائص أقترح ما يلي:

_إضفاء الدراسة العلمية في تصنيف مختلف الجرائم التي يمكن أن تكون محلا للوساطة الجنائية، بإشراك جميع المتخصصين في المجال القانوني من أساتذة باحثين و قضاة و إداريين.

_تصنيف الجرائم التي يعنى بها نظام الوساطة، من خلال استبعاد تلك التي يمكن جبرها كالمخالفات، و إضافة بعضها كالجنح المعاقب عليها بالحبس الوجوبي أو الجوازي ، مع تضمين قواسم مشتركة في هذا التصنيف، آخذين بعين الاعتبار عمق الروابط الاجتماعية.

_تفتيت سلطة إبرام الوساطة بين كل من وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق ، لعدم تفويت سلطة الأخذ بها من طرف الخصوم في حال إحالة ملف الدعوى إلى قاضي التحقيق.

ـــــ كفالة حقوق الدفاع عند إبرام اتفاق الوساطة بوجوب الاستعانة بمحامي، و هو الأمر الذي يستوجب تعديل المادة 37 مكرر 1 من الأمر 15/02 المتضمن تعديل قانون العقوبات.

[1].إبراهيم عيد نايل، الوساطة الجنائية طريقة مستحدثة في إدارة الدعوى الجنائية، ” دراسة في النظام الإجرائي الفرنسي”، دار النهضة العربية، القاهرة ، مصر، 2001، ص 5.

[2].مدحت عبد الحليم رمضان، الإجراءات الموجزة لإنهاء الدعوى الجنائية في ضوء تعديلات قانون الإجراءات الجنائية “دراسة مقارنة”، دار النهضة العربية، القاهرة ، مصر، 2000، ص 22.

.عمر سالم، نحو تيسير الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 1997، ص 119.[3]

.احمد فتحي سرور، القانون الجنائي الدستوري، دار الشروق القاهرة، مصر، الطبعة الرابعة، 2006، ص 541.[4]

. أمل عبد الهادي مسعود، المجني عليه في القانون و علم الإجرام، 30/09/2015، [5]

http://www.sns.sy/home/view_news

[6]. اشرف رمضان عبد الحميد، الوساطة الجنائية و دورها في إنهاء الدعوى العمومية ” دراسة مقارنة ” ، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 2004، ص. 19

[7].محمد حكيم حسن حكيم، النظرية العامة للصلح و تطبيقاتها في المواد الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2002، ص 40.

[8]. أشرف هلال، الموسوعة الجنائية البيئية من الناحيتين الموضوعية و الإجرائية، دون سنة نشر، 2011، ص 736.

.ا إبراهيم عيد نايل، مرجع سابق، ص 18.[9]

.اشرف هلال، مرجع سابق، 737.[10]

. أحمد فتحي سرور، مرجع سابق، ص 151.[11]

[12]. إبراهيم عيد نايل، مرجع سابق، ص 59.

[13].عادل على المانع، الوساطة في حل المنازعات الجنائية، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، العدد الرابع، ديسمبر 2006، ص 46

[14]. مدحت عبد الحليم رمضان، الإجراءات الموجزة لإنهاء الدعوى الجنائية في ظل تعديلات قانون الإجراءات الجنائية ، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية القاهرة، مصر، 2000، ص 24.

[15]. محمد سامي الشوا، مرجع سابق ، ص 107 و ما بعدها.محمد عبد اللطيف عبد العال، مفهوم المجني عليه في الدعوى الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2006، ص 102_103.

[16].حمدي رجب عطية، دور المجني عليه في إنهاء الدعوى الجنائية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1990، ص 356_357.

[17].أشرف رمضان عبد الحميد، مرجع سابق، ص 110.

.القانون 08/09 المؤرخ في المتضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، ج ر عدد 21 ، لسنة 2008.[18]

[19].الأمر 15/02 المؤرخ في 23 يوليو سنة 2015، يعدل و يتمم الأمر رقم 66/155 ، المتضمن تعديل قانون لإجراءات الجزائية، ج ر عدد 28، لسنة 2015.

. المادة 17 مكرر 1 من الأمر 15/02 المتضمن تعديل قانون لإجراءات الجزائية ، مرجع سابق.[20]

.أشرف هلال، مرجع سابق، 733.[21]

[22].محمد عبد اللطيف عبد العال، مفهوم المجني عليه في الدعوى الجنائية، دار النهضة العربية،القاهرة، مصر، 2006، ص 106، 107.

. عادل علي مانع، مرجع سابق، ص 54، 55.[23]

.عادل علي مانع، مرجع نفسه، ص 55، 56.[24]

[25].أشرف هلال، مرجع سابق، 730.

إغلاق