دراسات قانونيةسلايد 1
تحقيق التوازن بين الملكية العقارية والتجارية (بحث قانوني)
بحث الإنسان منذ القدم عن القانون لتنظيم الحياة والمال، في وقت لم تكن للتجارة والصناعة الأهمية التي لها اليوم، لأن الملكية العقارية والفلاحة كانتا أهم مصدر للثروة.
ومع التطور الذي حصل للإنسانية، واكتشاف المواد الأولية حصلت ثورة فكرية وصناعية كبرى قلبت الموازين وجعلت مصدر الثروة ينتقل من العقار إلى الصناعة والتجارة، الأمر الذي أدى بالتشريعات إلى إعطاء الأولوية لتنظيم هذا المولود الجديد، خاصة وأنه أصبحت الحاجة ملحة لضمان وجود أماكن لاستقرار المشروعات تجارية كانت أو صناعية أو حرفية، فكان السبيل هو كراء العقار من أجل ممارسة التجارة.
هكذا وبعدما برزت أهمية الملكية الصناعية والتجارية، بادر المشرع المغربي إلى تنظيم عقد الكراء والذي عرف منذ عهد الحماية حتى الآن اضطرابا قانونيا في تنظيمه حيث خضع في بداية الأمر لأحكام الفقه المالكي والأعراف المحلية، بيد أنه عند خضوع الدولة المغربية للحماية الفرنسية، صدر قانونا للالتزامات والعقود الذي نظم عقد الكراء في الفصول 627 إلى 722، حيث كانت حرية التعاقد تطبع العلاقة القانونية بين المكري و المكتري كيفما كانت طبيعة محل الكراء، إلا أنه اتضح عجز هذه القواعد عن تنظيم عقد كراء المحلات المعدة للتجارة والصناعة والحرف مما دفع بالمشرع إلى التدخل.
هكذا فقد كان أول تنظيم فعلي لعقد الكراء التجاري هو ظهير 1930 الذي جاء لحماية التجار الفرنسيين المقيمين بالمغرب من تعسف المغاربة أصحاب العقارات، عند إفراغهم وتوالت بعد ذلك عدة ظهائر أبرزها ظهير 1951 وكذا ظهير 1953 و1954،وصولا عند ظهير 1955الذي نظر عقد كراء الأماكن المعدة للتجارة والصناعة والحرف، حيث طغت إرادة المشرع في هذا القانون على إرادة طرفي العلاقة الكرائية.
إلا أن تطبيق مقتضيات هذا الظهير لما يزيد عن سبعين سنة في بيئة اقتصادية وتجارية ومالية وسياسية ودستورية مخالفة جذريا عن البيئة التاريخية التي وضع فيها. أبانت عن الكثير من الثغرات خاصة على مستوى تعقيد الإجراءات وتشعب المساطر الشيء الذي لم يحقق فلسفة المشرع و المتمثلة في حماية الأصل التجاري وتحقيق التوازن بين فئتين متناقضتين تسيطران على الاقتصاد الوطني، هما الملكية العتيقة (العقارية) والملكية المستحدثة (التجارية)، حيث سجل غلو في حماية هذه الأخيرة مقابل إجحاف في حق ملاك العقار.
وعلى إثر هذه الإشكالات تم إصدار قانون 49.16 سنة 2016 الذي قام بنسخ مقتضيات ظهير 1955 وكذلك مقتضيات المادة 112 من مدونة التجارة، فهذا القانون جاء لإيجاد توازن بين تحقيق الاستقرار للمكتري من جهة، والحفاظ على الملكية العقارية وكل ما تخوله للمكري من جهة ثانية، وهذا ما سنحاول معالجته من خلال هذه المقالة.
ويحظى موضوع “قانون 49.16 ورهان التوازن بين الملكية التجارية والملكية العقارية” بأهميتين الأولى نظرية والثانية عملية.
فأما الأهمية النظرية فتتمثل في قانون 49.16 والذي تتجه فلسفته نحو خلق هذا التوازن .
أما على المستوى العملي فتتجلى في مدى مساهمة هذا القانون في تقليص تلك الهوة التي أحدثها ظهير 1955 بين طرفي العلاقة الكرائية وذلك على مستوى المساس باستقرار وثبات الأنشطة التجارية التي أضحت دعامة للاقتصاد المغربي.
إن معالجة موضوع “رهان التوازن بين الملكية التجارية والملكية العقارية في ظل قانون 49.16” يفرض علينا الإجابة على تساؤل غاية في الأهمية من حيث المقارنة بين ظهير 1955 و قانون 49.16، أو بمعنى أخر هل يعتبر هذا الأخير مجرد إعادة تكريس للمقتضيات القانونية التي كرسها ظهير 1955 أم أنه أقر قواعد قانونية جديدة تروم تحقيق التوازن في العلاقة العقدية بين المكري والمكتري.
وللإجابة عن هذا التساؤل، ارتأينا اعتماد التقسيم التالي :
المبحث الأول: الحماية القانونية للملكية التجارية على ضوء قانون 49.16 ومظاهره
المطلب الأول: الحماية القانونية للملكية التجارية عند سريان عقد الكراء التجاري
الفقرة الأولى: حق المكتري في ممارسة أنشطة مكملة أو مرتبطة أو مختلفة عن النشاط الأصلي
الفقرة الثانية: حق المكتري في الكراء من الباطن
المطلب الثاني : الحماية القانونية للملكية التجارية عند انتهاء عقد الكراء التجاري
الفقرة الأولى: حق المكتري في تجديد عقد الكراء
الفقرة الثانية: حق المكتري في التعويض عن انهاء عقد الكراء
المبحث الثاني : الحماية القانونية للملكية العقارية على ضوء قانون 49.16
المطلب الأول:الحماية القانونية للملكية العقارية عند سريان عقد الكراء التجاري
الفقرة الأولى: حق المكري في مراجعة السومة الكرائية
الفقرة الثانية: إعلام المكري
حالة تعتبر المكتري النشاط الممارس بالمحل أو ممارسة أنشطة مكملة أو مختلفة
حالة تفويت الحق في الكراء
المطلب الثاني: الحماية القانونية للملكية العقارية عند انتهاء عقد الكراء التجاري
الفقرة الأولى: طلب المكري الإفراغ
الفقرة الثانية: إعفاء المكري من أداء التعويض للمكتري
المبحث الأول : الحماية القانونية للملكية التجارية على ضوء قانون 49.16
يعتبر عقد الكراء التجاري من العقود التي تجمع بين طرفين لا متكافئين، حيث نجد طرفا يشهد له بالضعف و آخر بالقوة، الأمر الذي سيفرز لا محالة خللا بينهما، مما دفع المشرع المغربي إلى تنظيم هذه العلاقة بمقتضى عدة قوانين، كان آخرها قانون 49.16 لإعادة ذلك التوازن المفقود إلى عقد الكراء الذي طاله في عهد ظهير 1955، إذن فما هي مظاهر هذا التوازن سواء في عند سريان العقد (المطلب الأول) أو عند انتهاءه (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مظاهر الحماية القانونية للمكتري أثناء سريان العقد
منح قانون 49.16 للمكتري أثناء سريان العقد الحق في ممارسة أنشطة مكملة أو مختلفة أو مرتبطة بالنشاط الأصلي (الفقرة الأولى) كما منحه حق مراجعة السومة الكرائية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: ممارسة المكتري لأنشطة مكملة أو مختلفة أو مرتبطة بالنشاط الأصلي
تنص الفقرة الأولى من المادة 22 من قانون 49.16 أنه “يمكن السماح للمكتري بممارسة نشاط أو أنشطة مكملة أو مرتبطة بالنشاط الأصلي متى كانت هذه الأنشطة غير منافية لغرض وخصائص وموقع البناية”
إذن ومن خلال هذه الفقرة نستنتج أنه للمكتري حق ممارسة أنشطة مكملة أو مرتبطة بالنشاط الأصلي شريطة ألا تكون هذه الأنشطة تتعارض مع خصائص وغرض وموقع البناية .
وباستقراء باقي فقرات المادة 22 نجد أن هذا الحق الممنوح للمكتري رهين بتوفر بعض الشروط حيث أن الشرط الأول هو الذي سبق ذكره، أي ذلك المتعلق بعدم معارضة هذه الأنشطة لغرض و خصائص وموقع البناية.
أما الشرط الثاني فيتعلق بتوجيه المكتري طلبا للمكري يتضمن الأنشطة التي يرغب في ممارستها، ومن جهة أخرى وكشرط ثالث يوجه المكري للمكتري إشعارا يتضمن موقفه حول الطلب، و ذلك داخل أجل شهرين من تاريخ التوصل، وإلا اعتبر موافقا على الطلب.
والملاحظ على هذه الشروط أنها في صالح المكتري خاصة فيما يتعلق بتقييد المكري بالرد على طلب المكتري داخل أجل شهرين وإلا اعتبر موافقا على الطلب.
كما أنه وفي حالة رفض المكري لطلب المكتري جاز لهذا الأخير اللجوء إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات، للإذن له بممارسة الأنشطة الجديدة، الأمر الذي يجعلنا أمام حماية من نوع خاص للملكية التجارية ، حيث إن لم يسمح المكري للمكتري بممارسة الأنشطة المكملة أو المرتبطة بالنشاط الأصلي لا يقوم مانعا أمام المكتري لممارسة هذه الأنشطة، حيث خول له قانون 49.16 حق اللجوء لرئيس المحكمة وبثه في ذلك على وجه السرعة ليأذن له بذلك.
إلا أنه إذا رغب المكتري في ممارسة نشاط مختلف عما تم الاتفاق عليه في عقد الكراء عليه الحصول على الموافقة الكتابية للمكري.
بالتالي نستنتج أنه في حالة ما إذا رغب المكتري في ممارسة نشاط مكمل أو مرتبط بالنشاط الأصلي، فرفض المكتري ذلك لا يحول دون ممارسة هذا الحق، بخلاف إذا تعلق الأمر بممارسة نشاط مختلف عن النشاط الذي تم الاتفاق عليه بعقد الكراء.
الفقرة الثانية: حق المكتري في الكراء من الباطن
باستقراء مقتضيات المادة 24 من قانون 49.16 نجد أنها قامت بتنظيم الحق في الكراء من الباطن والذي يمارسه المكتري، حيث يقوم هذا الأخير بإبرام عقد كراء مع طرف آخر يسمى المكتري الفرعي موضوعه تأجير المحل المكتري كلا أو بعضا وذلك مقابل أجرة كراء محددة.
إلا أن هذا الحق مقيد بشروط وهو ألا يتضمن عقد الكراء الرابط بين المكري والمكتري شرطا مانعا من ممارسة هذا الحق، وهنا نلاحظ أنه تم تقرير عكس ما كان منصوصا عليه بالفصل 22 من ظهير 24 ماي 1955 والذي كان يمنع تولية الكراء إلا إذا تضمن العقد شرطا مخالفا أو وافق رب الملك على التولية[1].
كما أنه يجب إخبار المكري بهذا الكراء تحت طائلة عدم سريانه تجاهه، وعندما يتوصل المكري بالإخبار آنذاك يلتزم بأن يشعر المكتري الفرعي بأي إجراء يعتزم القيام به تجاه المكتري الأصلي، لأنه في إطار الكراء من الباطن نصبح أمام معادلة ثلاثية الأطراف توجهها علاقة تأثير وتأثر، فكل ما قد يؤثر على المكتري الأصلي سيمس بالتأكيد المكتري الفرعي.
المطلب الثاني: الحماية القانونية للملكية التجارية عند انتهاء عقد الكراء التجاري
إن المنطق المدني لعقد الكراء يجعله أي العقد ينتهي بمجرد انتهاء مدته، وإذا رغب المكري في استرجاع العين المكتراة، الأمر الذي أدى بالمشرع المغربي إلى التفكير في ضرورة توفير الحماية القانونية للملكية التجارية[2]،وذلك من خلال القوانين المؤطرة للكراء التجاري، و التي كان آخرها قانون 49.16 وهكذا نجد أنه قد تم رصد عدة ضوابط التي يجب على المكري احترامها عند رغبته في إنهاء عقد الكراء، كما أنه يخول للمكتري الحق في التجديد (الفقرة الاولى)، وكذا الحق في التعويض (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حق المكتري في تجديد عقد الكراء
الأصل العام هو أن عقد الكراء ينقضي بانتهاء المدة التي حددها له الطرفان المتعاقدان وهذا ما نص عليه الفصل 687 من ق،ل،ع لكن هذا الأصل لم يقم مانعا من إمكانية تجديد عقد الكراء لمدة أخرى، هذا التجديد الذي قد يكون صراحة أو ضمنيا.
وإذا كان تجديد العقد متروكا في ظل القواعد العامة لإرادة الطرفين، فإنه في نطاق قانون 49.16 محكوم بقواعد تنظمه وتبين حقوق المكتري عند عدم التجديد.
هكذا وباستقراء المادة 6 من قانون 49.16 فإنها تعطي الحق للمكتري في تجديد عقد الكراء متى توفرت مقتضيات الباب الأول.
بالتالي فإنه حسب هذه المادة فإنه يحق للمكتري طلب تجديدعقد الكراء التجاري بعد انتهاء مدته، إلا أن هذا الحق رهين بتوفر مقتضيات الباب الأول من قانون 49.16 هذه المقتضيات تتمحور في إطار ما يسمى بشروط التطبيق، والمتمثلة في ضرورة أن يكون العقار الممارس فيه النشاط التجاري خاضعا لقانون 49.16، حيث تم تحديدها بالمادة الأولى، وألا يكون من ضمن العقارات التي استثنيت من ذلك والمنصوص عليها بالمادة 2، هذا بالإضافة إلى وجوب إبرام عقود للكراء معدة في إطار محرر كتابي ثابت التاريخ، وبهذا الشرط تم تفادي النزاعات التي كانت تعرض على المحاكم بخصوص إثبات وجود العقد، وذلك في ظل ظهير 1955، ومن جهة أخرى وحسب المادة 4 من نفس القانون فإن المكتري يستفيد من إمكانية تجديد عقد الكراء متى أثبت انتفاعه بالمحل بصفة مستمرة لمدة سنتين على الأقل، عكس ظهير 1955 الذي كان يشترط إثبات الانتفاع لمدة سنتين متتابعتين إذا كان عقد الكراء كتابيا أو لمدة أربع سنوات بمقتضى عقد شفوي.
الفقرة الثانية: حق المكتري في التعويض عن إنهاء عقد الكراء
إن من أهم الأهداف التي توخى المشرع المغربي تحقيقها من خلال قانون 49.16 هو إرساء دعائم الاستقرار والتوازن بين حق المكري صاحب الملكية العقارية وحق المكتري صاحب الملكية التجارية.
ولأن تطبيق مقتضيات هذا القانون تقتضي ممارسة النشاط التجاري أو الصناعي أو الحرفي بكيفية مستمرة وداخل مدة معينة، فإنه يترتب على ذلك اكتساب المكتري للحق في الكراء الذي يخول له المطالبة بتجديده أو التعويض عنه متى أراد المكري استرداد العقار الممارس فيه النشاط التجاري[3].
وبالتالي فرفض المكري تجديد العقد يقابله حق المكتري في الحصول على التعويض عن الإفراغ[4] الأمر الذي أكدته المادة 7 من قانون 49.16 – مع إيراد بعض الاستثناءات على هذه القاعدة – ، فبقراءة مضمون هذه المادة نجد أنها أطرت كل ما يتعلق بهذا التعويض ولم تترك الأمر لتقدير السلطة القضائية، حيث جعلت من التعويض معادلا ما لحق المكتري من ضرر ناتج عن الإفراغ، ويجب أن يشمل قيمة الأصل التجاري التي يتم تحديدها اعتمادا على التصريحات الضريبة للسنوات الأربع الأخيرة، بالإضافة إلى ما أنفقه المكتري من تحسينات وإصلاحات وما فقده من عناصر الأصل التجاري، ثم مصاريف الانتقال من المحل.
ï كما أضافت المادة المذكورة أعلاه على أنه يعتبر باطلا كل شرط أو اتفاق من شأنه حرمان المكتري من حقه في التعويض عن إنهاء عقد الكراء.
ï هكذا نلاحظ أن قانون 49.16 قد وفر الحماية اللازمة للمكتري ومن خلاله للملكية التجارية، وهذا ما اكتشفناه في ثنايا هذا المبحث، حيث نجد أن الحماية انطلقت من مرحلة إبرام عقد الكراء التجاري، ثم مرحلة سريانه وأخيرا عند إنهاءه، فالمشرع المغربي استحضر المكتري في كل هذه المراحل وخصه بمقتضيات من نوع خاص تضمن له الأمن والاستقرار وتشجعه على الشروع في أنشطته وهو مرتاح البال.
المبحث الثاني: الحماية القانونية للملكية العقارية على ضوء قانون 49.16
لقد اتضح أن ظهير 24 ماي 1955 والذي مر على تطبيقه أكثر من ستين سنة، جعلت منه قانونامتواجدا في بيئة اقتصادية وتجارية ومالية واجتماعية وسياسية ودستورية مخالفة جذريا للبيئة التاريخية التي وضع فيها، كما أن مقتضياته أبانت عن الكثير من القصور والثغرات ، خاصة تعقيد الإجراءات وتشعب المساطر الشيء الذي لم يحقق فلسفة المشرع المعبر عنها في بيان أسبابه والمتمثلة في حماية الأصل التجاري وتحقيق التوازن بين فئتين متناقضتي المصالح تسيطران على الاقتصاد الوطني، هما الملكية التجارية والملكية العقارية، حيث نسجل غلوا في حماية الملكية التجارية مقابل اجحاف في حق ملاك العقار، الأمر الذي حاول قانون 49.16 تفاديه من خلال إقرار حماية للملكية العقارية سواء عند سريان عقد الكراء التجاري ( المطلب الأول) أو نعد إنهاءه ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: الحماية القانونية المقررة للملكية العقارية عند سريان عقد الكراء التجاري.
راهن المشرع المغربي في إطار قانون 49.16 على إقرار حماية قانونية لصاحب الملكية العقارية، وذلك تشجيعا له على منح محلاته للتجار لأجل ممارسة أنشطتهم التجارية في إطار عقود كراء تطبق عليها مقتضيات خاصة، بعيدا عن عقد الكراء المهني وكذا السكني ، هكذا نجد مقتضيات قانونية في ظل القانون المذكور تكرس عدة حقوق للمكري عند سريان العقد والمتمثلة في حق المكري في مراجعة السومة الكرائية (الفقرة الأولى) بالإضافة إلى إعلامه من طرف المكتري في عدة حالات (الفقرة الثانية).
العمل القضائي
الفقرة الأولى: حق المكري في مراجعة السومة الكرائية
تعتبر السومة الكرائية تكليفا يتحمله المكتري كمقابل لاعتمار العقار العائد للغير وكنفع يجنيه المكري مقابل تخليه عن استعمال عقاره والحصول على منافعه كإحدى المكنات التي يعطيها له حق الملكية، تخضع بدورها لهاجس التوازن، لأنها تعكس مظهرا لتبادل الأداءات في عقد الكراء.
وإذا كان لطرفي العقد لحظة إبرامه كامل الحرية في تضمنيه ما شاءوا من بنوذ، فإن المشرع اقتنع بضرورة تدخله خلال سريان العقد وذلك يتوجبه إرادة الطرفين في الاتجاه الذي يخدم النظام والعدالة الاجتماعية، من خلال القانون رقم 07/03 الصادر سنة 2007 والمتعلق بكيفية مراجعة أثمان كراء المحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي[5].
هكذا وبرجوعنا للمادة 5 من قانون رقم 49.16 نجد أنها تنص في فقرتها الثالثة على أنه ” تطبق على مراجعة الوجيبة الكرائية مقتضيات القانون رقم 07.03″.
إنه وباستقراء مقتضيات القانون رقم 07/03 نجد أنه جعل من المراجعة الاتفاقية للسومة الكرائية هي الأصل، وتدخل القضاء للمراجعة كاستثناء عند تعذر المراجعة الاتفاقية، إذ أن الملاحظ أن المراجعة الاتفاقية ليست ثمرة مفاوضة برضى الطرفين، وإنما إطار لا يمكن تجاوزه وفارضا بعض الضوابط الملزمة.
وهكذا فإن المراجعة الاتفاقية سواء تمت في مرحلة إبرام العقد، أو بمناسبة تنفيذه لأنها تخضع لضابطين أساسين وهما:
ضرورة انقضاء ثلاث سنوات على إبرام عقد الكراء أواخر مراجعة اتفاقية أو قضائية.
عدم تجاوز نسبة الزيادة المحددة بموجب المادة 4 من قانون 07/03 والمتمثلة في 80% من السومة المعمول بها للمحلات المعدة للسكنى و10% بالسنة للمحلات المعدة للتجارة والمحلات المهنية.
وبالتالي يمكن القول أن المشرع أعطى للمكري حق مراجعة السومة الكرائية، حق ليس مطلقا وإنما تحكمه ضوابط قانونية، تم تكريسها بالقانون رقم 07/03، وذلك بحثا عن ذلك التوازن المنشود بين كل من المكري والمكتري، حتى لا يتعسف الأول في استعماله حقه في مواجهة المكتري.
ومن جهة أخرى نجد المادة 24 من قانون 49.16 تمنح الحق كذلك للمكري في مراجعة السومة الكرائية في حالة ما إذا كانت قيمة الكراء من الباطن تفوق قيمة الكراء الأصلي وذلك إما اتفاقا أو قضاء.
هكذا إذن فالقانون خولالمكري حق مراجعة السومة الكرائية سواء في إطار قانون 07/03 كلما توفرت ضوابط تطبيقه، أو في حالة الكراء من الباطن كلما كانت قيمة هذا الأخير تفوق قيمة الكراء الأصلي.
الفقرة الثانية: إعلام المكري
لقد أقر المشرع في قانون 49.16 ضرورة إعلام المكري، وذلك عن طريق إشعاره بمجوعة من الإجراءات التي يعتزم المكتري القيام بها تحت طائلة عدم السماح له بذلك، وكذا اعتبار ما قام به- المكتري – عملا غير مشروعا يوجب مطالبته بالإفراغ.
بالتالي فإنه وإن تم الاعتراف للمكتري بهذه الحقوق فإنها تظل مقيدة بعدة ضوابط منها الإعلام وذلك في عدة حالات نذكر منها:
حالة ممارسة نشاط مكمل أو مرتبط بالنشاط الأصلي فإنه بالرجوع للمادة 22 من قانون 49.16 نجدها تنص على أنه حتى يتمكن المكتري من ممارسة هذه الأنشطة، فلابد له من توجيه طلب للمكري يتضمن الإشارة إلى الأنشطة التي يريد ممارستها وآنذاك يقع على هذا الأخير إشعار المكتري بموقفه بخصوص هذا الطلب داخل أجل شهرين من تاريخ التوصل.
حالة تغيير المكتري للنشاط الممارس، وفي هذا الإطار نجد كذلك الفقرة الأخيرة من المادة 22 تعتبر أنه لا يجوز للمكتري ممارسة نشاط بالمحل المكترى مختلف عما تم الاتفاق عليه في عقد الكراء إلا إذا وافق المكري كتابة على ذلك.
حالة تفويت الحق في الكراء ، باستقراء مقتضيات المادة 25 من قانون 49.16 نجدها تنص على قاعدة مفادها حق المكتري في تفويت حق الكراء مع بقية عناصر الأصل التجاري أو مستقلا عنه دون ضرورة الحصول على موافقة المكري.
وبالتالي، فتفويت هذا الحق لا يتوقف على موافقة المكري، لكن سريان هذا التفويت يبقى متوقفا على إشعاره به من طرف كل من المفوت والمفوت إليه وذلك حسب الفقرة الثانية من هذه المادة.
المطلب الثاني: الحماية القانونية المقررة للملكية العقارية عند انتهاء عقد الكراء التجاري
إن الرهان على حماية الملكية العقارية، بغية تشجيع هؤلاء الملاك على وضع محلاتهم رهن إشارة التجار وذلك في إطار عقد الكراء، كان يفرض على المشرع وكسبا للرهان ضرورة تمديد الحماية حتى مرحلة انتهاء عقد الكراء، هكذا نجد أنه تم منح المكري عدة وسائل وآليات لحماية محله، والمتمثلة في طلب الإفراغ (الفقرة الأولى) ومن جهة أخرى إعفاؤه من أداء التعويض للمكتري وذلك في عدة حالات ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: طلب المكري الإفراغ
كما اعترف المشرع المغربي لأي شخص يتوفر على محلات وعقارات بإمكانية وضعها رهن إشارة التجار الذين يرغبون في ممارسة أنشطة تجارية وذلك في إطار عقد كراء، فإنه اعترف له كذلك بحق طلب إفراغ هذه المحلات، إفراغ بضوابط قانونية تؤطره، باعتبار هذا الأخير كأبرز المشاكل الخطيرة التي تهدد حق المكتري في الاستمرار بالانتفاع بالمحل بكيفية قد تتجاوز التاجر البسيط لتصل إلى المساس بأنشطة اقتصادية بالغة الأهمية متى تعلق الأمر بشركات تجارية أو صناعية كبرى .
ï هكذا إذن تطالعنا المادة 16 من قانون 49.16 بهذا الحق المتاح للمكري، حيث وكلما اعتزم هذا الأخير توسيع أو تعلية البناية، وكان ذلك لا يتأتى إلا بإفراغ المحل المكرى، فإن الإفراغ المؤقت للمكتري يتم لمدة يحددها المكري على ألا تتعدى سنة واحدة ابتداء من تاريخ الإفراغ.
فالملاحظ على مقتضيات هذه المادة أنها وإن مكنت المكري حق طلب الإفراغ من المكتري بهدف توسيع المحل أو تعليته، إلا أنه يبقى حقا مقيدا بضمانات لفائدة المكتري، حيث أنه إفراغ مؤقت يتم لمدة محددة وبعد انصرامها يلزم المكري بإعادة تسليم المحل للمكتري، وإلا كان لهذا الأخير المطالبة بالتعويض الكامل، أو تعويضا يوازي الضرر الحاصل له عن مدة الإفراغ.
ï ومن جهة أخرى نجد المادة 19 من نفس القانون تجيز للمكري المطالبة بإفراغ الجزء المتعلق بالسكن الملحق بالمحل التجاري أو الصناعي أو الحرفي ليسكن فيه بنفسه أوزوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو المستفيد من الوصية الواجبة، إلا أنه واستحضارا لحماية الملكية التجارية يقع على المكري إثبات أن الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته لا يتوفر على سكن في ملكه أو أنه يتوفر عليه لكنه غير كاف لحاجياته العادية، بالإضافة إلى أداء تعويض للمكتري.
الفقرة الثانية: إعفاء المكري من أداء التعويض للمكتري
القاعدة أنه كلما طالب المكري المكتري بالإفراغ، وجب عليه أداء تعويض لهذا الأخير، وذلك حماية للتجار من تعسف المكرين والمساس باستقرار الأنشطة التجارية، إلا أنه لكل قاعدة استثناء، والاستثناء في هذا المقام عنوانه حماية الملكية العقارية ومن خلالها المكري من تعسف المكتري.
هكذا إذن نجد المادة 8 من قانون 49.16 تكرس هذا الاستثناء وتنص على مجموعة من الحالات بتوفرها وحدوثها يعفى المكري من أداء التعويض للمكتري عن الإفراغ.
وتتمثل هذه الحالات فيما يلي:
حالة عدم أداء المكتري الوجيبة الكرائية داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ توصله بالإنذار وكان مجموع ما بذمته على الأقل ثلاثة أشهر من الكراء.
إذا أحدث تغييرا بالمحل دون موافقة المكري بشكل يضر بالبناية ويؤثر عل سلامة البناء أو يرفع من تحملاته.
إذا قام بتغيير نشاط أصله التجاري دون موافقة المالك.
إذا كان المحل أيلا للسقوط.
إذا عمد المكتري إلى كراء المحل من الباطن خلافا لعقد الكراء.
إذا فقد الأصل التجاري عنصر الزبناء والسمعة التجارية بإغلاق المحل لمدة سنتين على الأقل.
إذن وفي نهاية هذا المقال يمكننا القول على أن المشرع المغربي قد كسب الرهان المتمثل في تحقيق التوازن بين الملكية التجارية والملكية العقارية، على أساس أنه لا يمكن ضمان استمرار الأنشطة التجارية سواء تلك الممارسة في إطار فردي، كالأصل التجاري أو الجماعي، -شركة تجارية- إلا إذا تم إقرار وبالموازاة حماية قانونية لملاك المحلات المزاول فيها هذه الأنشطة وتشجيعهم على وضع عقاراتهم رهن إشارة التجار.
[1]-مصطفى بونجة: “الكراء التجاري بين ظهير 1955 والقانون رقم 49.16 ” مطبعة ليتوغراف، طنجة، الطبعة الاولى، 2016، ص: 107.
[2]-خالد السساوي: “حماية الحق في الإيجار بين ظهير 24 ماي 1955 وبين مشروع”، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة المولى اسماعيل، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الموسم الجامعي 2009 -2010 ، ص8
[3]– محمد الكشبور:” الحق في الكراء عنصر في الأصل التجاري” دراسة في إطار ظهير 24 ماي 1955 والمدونة التجارية الجديدة، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى 1998، ص 49.
[4]– نوال فقير: ” إفراغ المحلات التجارية في إطار ظهير 24 ماي 1995″ أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق، امعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، لسنة الجامعية 2004-2005.
[5]– حسابي عبود:” قراءة في قانون 07/03 المتعلق بمراجعة أثمان الكراء” مجلة القضاء والقانون، العدد 158، الصفحة 101، 102.
هجر شوقي
باحثة بسلك الدكتوراه ، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية – السويسي- الرباط، مختبر قانون الأعمال و المقاولات