دراسات قانونيةسلايد 1

مباشرة الدعوى العمومية في جرائم الأعمال (بحث قانوني)

لعل أهم الأجهزة التي تقوم بتحريك الدعوى العمومية في جميع الجرائم نجد جهاز النيابة العامة الذي يجسد المدافع عن المجتمع عند وقوع جرائم يستنكرها هذا و يطالب بإدانة مرتكبيها . غير أنه في جرائم الأعمال فإن دور النيابة العامة يحظى بخصوصيات استثنائية تميزه عن باقي الجرائم خصوصا في ما يخص المتابعة و مباشرة الدعوى العمومية ( الفقرة الأولى ) . وكذا فيما يخص القيود التي ترد عليها و أسباب سقوطها ( الفقرة الثانية)

أولا : إشكالية تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية في جرائم الأعمال :

التابث أن القانون المنظم للمحاكم التجارية المغربي[1] عندما حدد الأجهزة المكونة للمحاكم التجارية ، نص على جهاز النيابة العامة و الذي خوله مجموعة من الاختصاصات ، غير أنها اقتصرت فقط على الخلافات التجارية دات الطابع المدني دون القضايا الزجرية .مما يجعل حضورها هذا يقابله غياب وظيفي في ما يخص المتابعة في جرائم الأعمال [2]. ولعل السبب في ذلك أن المحاكم التجارية تقتصر فقط في البث في النزاعات التجارية المذكورة على سبيل الحصر في المادة 5 من قانون 53.95 المحدث للمحاكم التجارية .

و بالتالي تبقى النيابة العامة لدى المحاكم العادية هي المختصة بتحريك و متابعة الدعوى العمومية المتعلقة بتطبيق النصوص الجنائية للأعمال، ومثل هذا التفسير سنده كون المشرع المغربي لم ينشأ محاكم اقتصادية مختصة في الحرائم الاقتصادية ، على غرار ما فعل المشرع المصري ، أو غرف مختصة كما فعل المشرع الفرنسي[3] .

و غياب التخصص هذا ، لا يقتصر فقط على النيابة العامة . و إنما يمتد إلى التحقيق ، إذ لا يوجد لا بالمحاكم الابتدائية و لا محاكم الاستئناف قضاة تحقيق يختصون في جرائم الأعمال . كل ما هناك هو وجود مؤسسة تحقيق مختصة في جميع الجرائم دون تمييز . و الأكثر من ذلك هناك جرائم يرجع أمر الكشف عنها للنيابة العامة بالمحاكم التجارية ، أو لقضاة الحكم لها . إلا أن تحريكها و البث في الأفعال المنسوبة راجع و بشكل حصري للنيابة العامة بالمحاكم الابتدائية ، و منها جرائم المقاولات التي يتم اكتشافها أثناء مساطر معالجة صعوبات المقاولة

ثانيا : قيود تحريك الدعوى العمومية :

لعل أهم القيود التي ترد على الدعوى العمومية في جرائم الأعمال الطلب او الشكاية ، و كذلك قلب لأهم المبادئ التي يقوم عليها القانون الجنائي و نخص هنا قاعدة ” الجنائي يعقل المدني ” .

1 – الطلب او الشكاية ( جرائم السوق المالية نمودجا ) :

يشترط القانون أحيانا وجوب تقديم شكاية ممن أضرت به الجريمة أو حصول النيابة العامة على إذن من جهة معينة ، او على تقديم طلب مكتوب ممن يعينه القانون ، و لا مناص من القول بأن الشكوى تعتبر بحق من أهم القيود المؤقتة التي تقف حائلا بين النيابة العامة ، و إثارة الدعوى العمومية[4] .

و لم يضع المشرع المغربي تعريفا للشكاية ، و في هذا الصدد حاول الفقه تقديم تعريفا لها و منها أن الشكوى ” إجراء يتولاه المجني عليه او من يقوم مقامه ، و يتقدم بواسطته على السلطات المختصة ليبلغها عن خبر جريمة تعرض لها ” .

و يهدف اشتراط الشكوى لتحريك الدعوى العمومية في جرائم السوق المالية كنمودج لجرائم الأعمال ، حماية مصالح اقتصادية حيوية و السهر على حسن سير السوق المالية على أحسن وجه[5] .

2 – المدني يعقل الجنائي كإستثناء في جرائم الأعمال :

من المبادئ المستقر عليها ، هو ان الدعوى العمومية توقف البث في الدعوى المدنية و هو ما يعبر عنه الفقه بقاعدة ” الجنائي يعقل المدني ” ، إلا أن هذه القاعدة في القانون الجنائي للأعمال تطبق بالعكس ، و لعل أم الأمثلة على ذلك ما جاء في قانون حماية الملكية الصناعية في الفصل 205 الذي ينص على أن وجود دعوى مدنية رائجة أمام القضاء المدني في شخص المحكمة التجارية ، يترتب عنها وقف البث مباشرة في الدعوى العمومية من طرف القضاء الجنائي حتى ولو كان تحريك الدعوى العمومية بناءا على شكوى من المتضرر[6] . و بإقرار القانون الجنائي للأعمال بهذه القاعدة يمكن قد اسس بذلك خصوصية للقواعد المسطرية المنظمة لمجال المال و الأعمال

ثالثا : أسباب سقوط الدعوى العمومية :

1 – المصالحة في قانون المسطرة الجنائية :

لقد نصت المادة 41 ق.م.ج على أنه ” يمكن للمتضرر أو المشتكي به قبل إقامة الدعوى العمومية ، و كلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين سجنا او بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح بينهما في محضر … ” ، كما نصت المادة 372 ق.م.ج ” إذا كان الأمر يتعلق بمتابعة من أجل جنحة من الجنح المنصوص عليها في المادة 41 من هذا القانون ، يمكن للمحكمة المعروضة عليها القضية بناءا على ملتمس تقدمه النيابة العامة في حالة تنازل الطرف المتضرر من الفعل الجرمي عن شكايته أن توقف سير إجراءات الدعوى العمومية ما لم تكن قد بث فيها بحكم نهائي … ”

إذن واضح أن التصالح يمكن أن يتعلق بمجموعة من الجنح التي لا تتجاوز العقاب عليها مدة سنتين او بغرامة تقل عن 5000 درهم . و إجراء الصلح هذا كما هو ملاحظ يتناسب أكثر من الجرائم الاقتصادية التي يكون فيها الضرر جسديا ، و إنما مجرد ضرر مالي يمكن جبره بتعويض الخسارة وجبر الضرر[7] ، و بالتالي فإنها بذلك تمنح خصوصية ضمنية للإجراءات المسطرية لجرائم الأعمال .

2 – المصالحة الجمركية :

أهم الجرائم التي يتم إبرام الصلح بشأنها و يسقط نتيجة له حق الدولة في العقاب ، نجد المصالحة في الجرائم الجمركية التي لها أثر كبير على الدعوى العمومية سواءا قبل تحريكها او بعد تحريكها .

فقبل تحريكها ، و يمكن تسمية هذه المرحلة بالمرحلة الإدارية ، يكون النزاع لم يصل إلى القضاء ، ففي هذه الحالة يمكن للمخالف إجراء مصالحة مع إدارة الجمارك . و ذلك من أجل التحلل من أية متابعة جنائية بخصوص ما ارتكبه ، فمتى قبلت الإدارة الصلح يتم حفظ الملف على مستوى الإدارة ، و لا تتم إحالته على القضاء .

أما بعد تحريكها فيمكن تسمية هذه المرحلة بالمرحلة القضائية لوصولها إلى القضاء ، ففي هذه الحالة فإن للمحكمة أن تحكم بسقوط الدعوى العمومية ، لوقوع الصلح بين المخالف و إدارة الجمارك ، و المحكمة لا يمكنها بأن تقضي بهذا السقوط إلا بناءا على طلب الإدارة المعنية التي تخبر المحكمة بوقوع الصلح حول المخالفة موضوع المتابعة .

خاتمة :

و ختاما يمكن القول أن المشرع المغربي لم يكن موفقا في تنظيم هذه الجرائم لا من جهة توحيدها في قانون مستقل و لا في إقرار العقوبات المستحقة لمرتكبيها و لا من جهة الإجراءات المتخدة لتحريك الدعوى فيها ، و لعل السبب في ذلك ما تمثله هذه الفئة من رجال الأعمال من هيمنة و قوة و سلطة في جميع المجالات و خصوصا مجال المال و الأعمال مما يجعل المشرع أو ان صح القول جميع السلط تتوخى الحظر دائما عندما يتعلق الأمر بها و الأمر راجع لعدة اعتبارات أهمها تشجيع الاستثمار و تشغيل اليد العاملة الوطنية و كذا استخلاص الدولة للضرائب الناتجة عن نشاطاتها.

[1] القانون رقم 53.95 المحدث للمحاكم التجارية ، المنشور بالجريدة الرسمية ، عدد 4488 ، بتاريخ 15 ماي 1997

[2] – هشام الزربوح ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ، تحث عنوان ” خصوصية القانون الجنائي للأعمال بالمغرب ” . السنة الجامعية 2013/2014 ، ص 270

[3] أحدث القانون الفرنسي غرف مختصة في الجرائم الاقتصادية ، و حدد اختصاصاتها ، و ذلك بموجب التعديل الذي أدخلته على قانون المسطرة الجنائية الفرنسية .

[4] – لطيفة الداودي ، القانون الجنائي للأعمال واقع و آفاق ، طبعة 2008 ، ص 292

[5] – لطيفة الداودي، مرجع سابق ، ص 293

[6] – المادة 205 من قانون حماية الملكية الصناعية و التجارية

[7] هشام الزربوح ، مرجع سابق ، ص 304

إغلاق