دراسات قانونيةسلايد 1

عناصر القصد الجنائي والقصد الجرمي وفقاً للقانون (دراسة قانونية)

عناصر القصد الجنائي :

إن منطق التوفيق بين نظريتي العلم والإرادة يؤدي بنا إلى القول بأن القصد الجنائي يقوم على عنصري العلم والإرادة ، وهذان العنصران يمتدان ليشملا كل الوقائع المادية التي تتكون منها الجريمة(1) فإن قصر أحدهما لا يغني انبساط الأخر على سائر ماديات الجريمة ، بل يعتبر القصد متخلفاً في جملته (2)، أي أن كليهما لا غنى عنه بالنسبة لقيام القصد الجنائي ، وإستناداً لذلك سنخصص هذا الموضوع لتناول عنصري القصد الجنائي ، العلم والإرادة على التوالي(3) :

أولاً العلم : نحاول الوصول إلى حقيقة العلم باعتباره أحد عناصر القصد الجنائي من خلال بيان معناه أولاً، ومن ثم بيان محله :

معنى العلم : العلم هو التصور لحقيقة الشـيء على نحو يطابق الواقع(4) ، لذلك فهو صفة يتضح بها الشيء ويظهر علـى ما هو عليه ، وهكذا فالعلم بالشيء عكس الجهل به والذي هو إنعدام العلم كلياً أو جزئياً (5). وتتجلى أهمية العلم باعتباره أساس القصد الجنائي ، إذ بدونه يتجرد الفعل الجرمي وحتى مع توافر الإرادة من الصفة العمدية ، ويقتصر وجوده على المظهر المادي فقط (6) ، لأن القصد إرادة واعية ، لـذلك فهو لا يكتمل إلا إذا تمثل الجاني فـي ذهنه الواقعة الإجرامية بكل عناصرها المعتبرة قانوناً (7) . أما معيار العلم، فقد جاءت النصوص العقابية خالية من تحديد مستوى العلم المطلوب من الناحية الجنائية، لهذا أختلفت آراء الفقهاء بهذا الخصوص (8).

محل العلم : بالإضافة إلى إفتراض علم الجاني بالقوانين العقابية ، يتعين أن يحيط علمه بكل واقعة ذات أهمية قانونية في تكوين الجريمة (9) ، لذا فإن محل العلم يتكون من علم بالقانون بالإضافة إلى علم بالوقائع :

1- العلم بالقانون: من المبادئ الأساسية فـي القانون العقابـي أن كل إنسان مفترض فيـه العلم بالقوانين العقابية علـى وجه لا يقبل إثبات العكس ، ولا يقبل من أحد أن يحتج بجهله أو غلطه فيها (10)، لذلك فـأن احتجاج الفاعل بعدم علمه بكون القتل مجرّم قانوناً لا يعتد به ولا يصلح عذراً لنفي مسؤوليته عن جريمة القتل . وهذا المبدأ تمليه المصلحة العامة ، لأن عدم الأخذ به يتيح الفرصة في فروض كثيرة للاحتجاج بالجهل أو الغلط في القانون مما يترتب عليه تعطيل تنفيذ أحكامه بالإضافة إلى تفويت الأغراض الجوهرية التي تهدف الدولة إليها من وراء مباشرة حقها في العقاب (11) ، لذلك تسلم غالبية القوانين العقابية بهذا المبدأ وإن اختلفت وسيلة تقريره ، فبعضها يذكره صراحة، والأخر يستفاد ضمناً من أحكامها باعتباره من المبادئ العامة التي لا تحتاج إلى النص عليها (12) .

2- العلم بالوقائع: وتشمل الوقائع أو العناصر التي تُعد لازمة من وجهة نظر المشرع لإعطاء الواقعة الإجرامية وصفها القانوني وتمييزها عمن سواها من الوقائع (13) ، وهذه الوقائع هي:

أ- عناصر الجريمة ، ب- الظروف المشددة :

أ- عناصر الجريمة: لكل جريمة عناصرها الخاصة التي يجب أن يحاط علم الجاني بها جميعاً فيترتب على غلطه أو جهله في أحدها عدم توافر القصد الجنائي لديه (14) ، وهذه العناصر هي خطورة الفعل الإجرامي وتوقع النتيجة الجرمية ومحل الحق المعتدى عليه :

– خطورة الفعل الإجرامي: في جريمة القتل العمد يجب أن ينصرف علم الجاني إلى أنه يقوم بنشاط من شأنه أن يودي بحياة إنسان هو المجني عليه (15)، حتى ولو لم يكن هذا النشاط متجهاً مباشرة إلى الإنسان طالما أنه يملك الكفاءة اللازمة لإحداث الوفاة للغير كنتيجة حتمية ولازمة للنشاط ، فمن يفجر قنبلة فـي مكان مزدحم بالناس يعلم بـأن من شـأن هذا النشـاط إحداث الوفـاة للغير كنتيجة حتمية لنشاطه (16) ، وعليه إذا كان الجاني يعتقد نشاطه لا يترتب عليه إنهاء للحياة فان القصد الجنائي ينتفي لديه، كمن يطلق الرصاص إبتهاجاً بفرح ويصيب أحد الحاضرين (17) .

– توقع النتيجة الجرمية: في جريمة القتل العمد يجب أن يتوقع الجاني حدوث الوفاة كأثر لفعله ، أي أن يعلم إن الوفاة سوف تترتب على سلوكه ، فإذا انتفى هذا التوقع وحدثت الوفاة أنتفى القصد ، كمن يعطي لأخر مـادة سامة متوقعاً أن يستعملها كمبيد حشري ، فيتناولها الأخير متوقعاً أنها تشفي مـن مرض ، كذلك لا يسـأل عن قتل عمد مـن لم يكن يقصد بإطلاق النار قتل إنسان ، بـل مجرد التخويف (18) .

– العلم بموضوع الحق المعتدى عليه: يشترط لقيام القصد الجنائي في جريمة القتل العمد أن يعلم الجاني وقت إرتكاب الفعل بأنه يتجه بفعله إلى إنسان حي ، فإن أعوزه هذا العلم تخلف القصد في جانبه ، ولو ثبت من بعد ذلك أن فعله أصاب إنساناً فقضى عليه ، ويتخلف القصد لهذا السبب في حالتين ، أولاهما خلو ذهن الفاعل تماماً من أن لفعله محلاً أصلاً كما لو أطلق شخص أعيرة نارية في الهواء لفض مشاجرة فيقتل أحد الحاضرين ، والأخرى أن يتخذ لفعله محلاً يقر في وهمه أنه غير إنسان كمـن يطلق النار على إنسان فـي الظلام معتقداً أنه حيوان مفترس جــاء لمهاجمته والفتك به (19).

نخلص من كل ما تقدم بيانه إلى أنه يشترط لقيام قصد القتل أن ينصرف علم الجاني إلى محل الجريمة بكونه إنسان على قيد الحياة ، وإن من شأن فعله أن يؤدي إلى الوفاة ، وأن يعلم بأن الأثر المترتب على سلوكه الإجرامي أو أن نتيجة فعله هي الوفاة .

ب -الظروف المشددة: هي عناصر إضافية تابعة، تلحق أو تقترن بأحد العناصر المكونة للجريمة فتضفي عليها وصفاً جديداً يرتب أثراً مشدداً في جسامة الجريمة وعقوبتها (20). ويمكن تقسيم الظروف المشددة حسب طبيعتها إلى ظروف مادية وأخرى شخصية ، فالأولى تتعلق بالركن المادي للجريمة كالترصد أو استخدام طرق وحشية أو السم أو المتفجرات في القتل ، أما الظروف المشددة الشخصيـة فهـي تلك الوقائع أو الأوصاف التـي يتطلب توافرها في شخص الجاني والتـي من شانها أن تزيد من جسامـة الجريمة وعقوبتها كسبق الإصرار أو الباعث الدنيء في القتل (21). وقد رسم المشرع العراقي صورة واضحة بين مـن خلالها موقفه من الظروف المشددة وحكم الجهل والغلط فيـها ، فبالنسبة للظروف المشددة المادية فإنـها وبحسب نـص المادة 51 ق.ع. ع (22) تسري على الفاعل والشريك، سواء علم بها أو لم يعلم ، أما الظروف المشددة الشخصية التي من شأنها تسهيل ارتكاب الجريمة فإنها تسري علـى من توافرت فيـه ولا تسري علـى الشـريك إلا إذا كـان عالمـاً بـها، ثـم أستثنى المشـرع العراقي بموجب نص المادة 36 ق .ع .ع (23) الظروف المشددة التي من شأنها أن تغير وصف الجريمة ، فإنها لا تسري على الفاعل إلا إذا كان عالماً بها .

ثانياً الإرادة : سنتولى بيان الإرادة باعتبارها العنصر الثاني من عناصر قصد القتل من خلال بيان معنى الإرادة، ومن ثم بيان محلها :

معنى الإرادة:

تعرف الإرادة بأنها صفة تخصص الممكن وهي نشاط نفسي يعول عليه الإنسان في التأثير بما يحيط به من أشخاص وأشياء ، إذ هي الموجه للقوى العصبية لإتيان أفعال تترتب عليها آثار مادية مما يشبع به الإنسان حاجاته (24). ورغم تعدد التعريفات التي وصفت الإرادة فإنها لا تعدو عن كونها حركة عضوية واعية مختارة تتم إستجابة لسيطرة الجانب النفسي لتحقيق غرض معين ، وبذلك يتضح لنا إن للإرادة ثلاثة عناصر ، هي الجانب النفسي والجانب العضوي أو المظهر الخارجي ، فضلاً عن حرية متعلقة بالجانب النفسي والعضوي معاً (25) . تتجلى أهمية الإرادة في كونها جوهر القصد الجنائي وأبرز عناصره ، لأن القصد بمفهومه لدى عامة الناس هـو توجيه الإرادة لتحقيق أمر معين ، فإذا كان هذا الأمر إجرامياً كان القصد جنائياً (26). وللإرادة أهمية كبيرة في تحديد نطاق القانون العقابي ، فليس للشارع شأن بغير الأفعال الإرادية ، فالأفعال غير الإرادية لا تعني القانون العقابي وإن أصابت المجتمع بأفدح الأضرار (27) ، وللإرادة أهميتها كذلك فـي بناء النظرية العامة للجريمة من خلال التفرقة بين الجرائم العمدية وغير العمدية ، والتمييز بين القصد المباشر والقصد الاحتمالي وهما أهـم ما يبحث فيه القانون العقابي ومقياسهما الاختلاف فـي كيفية اتجاه الإرادة (28) ، وإذا كان القصد علماً و إرادةً فإن الإرادة هي جوهره، وهي تأثم باتجاهها وجهة تخالف القانون، ثم هي بالعلم تزداد إثماً ، لما هو معروف من أن إثم من يعلم أشد من إثم من يجهل (29) .

محل الإرادة: محل الإرادة في قصد القتل هو السلوك دائماً وكذلك نتيجته :

1 – إرادة السلوك : هذه الإرادة مشتركة فـي الجرائم العمدية وغير العمدية (30) ، واتجاه الإرادة إلى السلوك يفترض علم الجاني بماهية سلوكه وخطورته على الحق الذي يحميه القانون ثم دفعه أعضاء جسمه إلى إتيان الحركة التي يتطلبها ذلك السلوك (31) ، ففي جريمة القتل العمد تنعقد الإرادة علـى إنهاء حياة المجني عليه ، وقد تستقر علـى اختيار وسيلة ما لتحقيق هذا الغرض ، فتصدر الأمر لأعضاء الجسم للقيام بهذا العمل ، ولا ينتهي دور الإرادة عند هذا الحد ، بل تهيمن كذلك على الأعضاء فـي حركتها حتـى تفرغ من مهمتها ، إذا كـان اتجاه الإرادة لازمـاً لقيام القصد ، فأن الفترة التـي تمضي بين انعقادها وبين مباشرة السلوك لهـا أثرها فـي تحديد نوع القصد ، ولكـنها لا تؤثر على أصل القصد ووجوده (32).

2 – إرادة النتيجة : لا تكفي إرادة السلوك وحدها لتحقق قصد القتل ، وإنما ينبغي أيضاً انصراف إرادة الجاني إلى النتيجة الجرمية (وفاة المجني عليه) باعتبارها فيصل التفرقة بين القصد الجنائي والخطأ غير العمدي (33). وتكون النتيجة عمدية متى كانت تمثل الغاية التي يرمي الجاني إلى تحقيقها بسلوكه ، فهي تعبر عن النية التي حركت السلوك الإجرامي لتحقيقها ، غير أن قصد القتل لا يقف فقط عند حد النتائج المتعمدة المعبرة عن النية ، وإنما يشمل أيضاً النتائج الإرادية ، فمما لا شك فيه أن الإرادة تحيط بالنتائج التي وإن لم تكن تمثل الغاية أو الهدف من السلوك ، إلا أنها أكيدة التحقق كأثر للسلوك متى كان الجاني قد تمثلها وتوقعها (34)، كمن يضع قنبلة في طائرة لقتل أحد الركاب ويعلم بصورة أكيدة أن فعله سيؤدي إلى قتل ركاب آخرين ويمضي بفعله رغم ذلك ، لذلك يؤكد الفقه (35) على أن إرادة النتيجة في جريمة القتل العمد لا تتمثل فقط بإرادة إنهاء الحياة ، ولكنها أيضاً توقع الموت كأمر ممكن ، وبكلمة واحدة ، الإرادة والتوقع هما أمران متساويان ويكونان في الحالتين قصد القتل . نخلص من كل ما تقدم بيانه إلى أن قصد القتل بوصفه إرادة متجهة إلى السلوك وإلى النتيجة يتطلب توقع النتيجة الجرمية باعتبارها أكيدة أو محتملة متى ما قبل الجاني تحققها .

______________________________

1- د. ماهر عبد شويش ، الأحكام العامة ، المرجع السابق ، ص301 / د. محمود نجيب حسني ،الاعتداء على الحياة في التشريعات الجنائية العربية ، المرجع السابق ، ص65 .

2- د. مصطفى كامل ، شرح قانون العقوبات العراقي-القسم العام ( الجريمة والعقاب ) ،مطبعة المعارف-بغداد ،1947، ص210

3- لكون العلم يسبق الإرادة في التسلسل الزمني فقد جرى الفقه على بحث عنصر العلم قبل الإرادة على سبيل الأولوية في التدرج وليس على سبيل الأفضلية في القدر والأهمية/ القاضي فريد الزغبي ،المرجع السابق، ص36 .

4- د. فوزية عبد الستار، المساهمة الأصلية في الجريمة، دار النهضة العربية-مصر،1967، ص297 / د. سمير الشناوي ،المرجع السابق،ص722/ د. عبد المهيمن بكر، القصد الجنائي، المرجع السابق، ص179 .

5- د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات-القسم العام، المرجع السابق، ص276 .

6- القاضي فريد الزغبي ،المرجع السابق، ص36 .

7- د. محمد سامي النبراوي ، المرجع السابق ، ص169 / د. عوض محمد ، قانون العقوبات-القسم العام، المرجع السابق ، ص225 0

8- في تفصيلات ذلك أنظر: د. محمد زكي محمود، آثار الجهل والغلط في المسؤولية الجنائية، دار الفكر العربي،1967، ص40 / د. سامح السيد جاد، الوجيز في شرح قانون العقوبات-القسم الخاص، دار الكتاب الجامعي،1977، ص28 / د. عبد المهيمن بكر، القصد الجنائي، المرجع السابق، ص119 .

9- غني عن البيان أن هناك وقائع لا يتطلب العلم بها، وبالتالي لا تؤثر في تحقق العلم كعنصر من عناصر القصد الجنائي وهي الوقائع التي يترتب أثرها، علم بها الجاني أو لم يعلم ، ففي جريمة القتل العمد مثلاً كل ما لا يعد عنصراً في أحد أركانها لا يشترط أن يحيط علم الجاني به ، ولو كان من شأن الواقعة التي لم ينصرف العلم إليها أن تضفي على القتل بعض التحديد أو تعين معالمه . فلا يشترط مثلاً العلم بزمان ومكان القتل، وكذا الحال بالنسبة للظروف المشددة التي ليس من شأنها تغيير وصف الجريمة كظرف العود ، ويسري الحكم نفسه بالنسبة إلى موانع المسؤولية (وهي الحالات التي أوردها المشرع حصراً في المواد 60-65 ق.ع .ع والتي تتجرد فيها الإرادة من القيمة القانونية وينتفي فيها الإدراك أو الاختيار أو كليهما ) ، وإلى الخطأ في الشخصية( وهو أن يتجه الجاني بسلوكه الإجرامي تجاه شخص معين قاصداً إنهاء حياته وتتحقق النتيجة ، بيد أنه يكتشف أن المجني عليه شخص آخر غير المقصود بالسلوك)، وإلـى الخطأ فـي التصويب ( وهو أن يرتكب الجاني فعله مريداً تحقيق نتيجة معينة في موضوع معين ، ولكنه لا يحسن توجيه الفعل فتتحقق النتيجة عينها ولكن في موضوع آخر) .

في تفصيلات ذلك أنظر: د. فخري عبد الرزاق الحديثي ، شرح قانون العقوبات-القسم العام، المرجع السابق، ص281 / د. واثبة السعدي، قانون العقوبات-القسـم الخاص، طبع علـى نفقة جامعة بغداد،1989، ص114 / أحمد موافي ،من الفقه الجنائي المقارن بين الشريعة والقانون، دار مطابع الشعب-القاهرة، 1965، ص247/ د.محمد صبحي نجم، شرح قانون العقوبات الجزائري-القسم الخاص،ط1،دار المطبوعات الجامعية، دون تاريخ ، ص4 / د. عبد الحميد الشواربي، جرائم الإيذاء في ضوء القضاء والفقه، دار المطبوعات الجامعية ، 1986، ص91

10- من المفيد ذكره في هذا المقام أن مبدأ افتراض العلم بالقانون يقتصر نطاقه على القوانين العقابية فقط ، أما الجهل والغلط في سوى ذلك من القوانين ، فإنه يعتد به في نفي القصد الجنائي

11- في تفصيلات ذلك أنظر : د. فخري عبد الرزاق الحديثي ، شرح قانون العقوبات-القسم العام، المرجع السابق، ص284 / د. سعدي بسيسو ،مبادئ قانون العقوبات،ط1،مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية،1964، ص117 / لطيفه حميد محمد، القصد الجنائي الخاص، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون-جامعة بغداد،1994، ص48/

-Wayne R. Lafave and Austin W. Scott” Substantive criminal law”، V.1، West publishing co.، U.S.A.، 1989، p.587

12- نص عليه المشرع العراقي صراحة في المادة (37) ق.ع. ع ، حيث أورد فيها إستثنائين على هذا المبدأ ، الأول في الفقرة الأولى منها إذا تعذر على الشخص العلم بالقانون بسبب قوة قاهرة ، والإستثناء الثاني في فقرتها الثانية في حال كون مرتكب الجريمة أجنبي ولم يمض على قدومه إلى العراق أكثر من (7) أيام وفعله المرتكب لا يشكل جريمة في قانون محل إقامته .

13- د. فخري عبد الرزاق الحديثي ، شـرح قانون العقوبات-القسـم العـام ،المرجع السـابق ، ص276/ د. عوض محمد، قانون العقوبات-القسم العام، المرجع السابق ، ص226 / د.محمد سامي النبراوي، المرجع السابق، ص171 / د. حميد السعدي، شرح قانون العقوبات الجديد، النظرية العامة، دار الحرية للطباعة- بغداد ،1976، ص252 .

14- في الشريعة الإسلامية ينتفي القصد الجنائي أيضاً بسبب الجهل والغلط والخطأ ، ويتبع الخطأ النسيان ، إذ لا قصد فيه كذلك، وقد قرنت الشريعة الغراء النسيان بالخطأ في قوله تعالى في سورة البقرة الآية (286) ( رَبْنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسيْنا أو أخَطأنا ) .

في تفصيلات ذلك أنظر : د. هلالي عبد اللاة أحمد ، شرح قانون العقوبات، المرجع السابق، ص212/ جمعة محمد فرج ، الأسباب المسقطة للمسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، المنشأة العامة للتوزيع والإعلان ، ط1، 1986، ص59 .

15- د. مصطفى العوجي ،القانون الجنائي العام،ج1، النظرية العامة للجريمة ، ط1،مؤسسة نوفل-بيروت،1984، ص578 / د.محمد سعيد نمور، الجرائم الواقعة على الأشخاص في قانون العقوبات الأردني، ط1، دار عمار للطباعة-الأردن ، 1990، ص35 .

16- د. محمد الفاضل ،المبادئ العامـة في قانون العقوبات، ط2، بلا دار للنشر،1963، ص458 / د. مأمون محمد سلامـة، قانون العقوبـات-القسم الخاص،ج2،جرائم الاعتداء علـى الأشخاص والأموال، مطبعـة جامعة القاهرة،1983، ص28 .

17- د. عبد المهيمن بكر، القسم الخاص في قانون العقوبات-جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال ، دار النهضة العربية-مصر ، 1968، ص173 .

18- في تفصيلات ذلك أنظر : د. فخري عبد الرزاق الحديثي ،شرح قانون العقوبات-القسم العام ،المرجع السابق، ص278 / د. محمود نجيب حسني ، دروس في قانون العقوبات-القسم الخاص ، مكتبة النهضة العربية ، 1955، ص49 / د. عمر السعيد رمضان ، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص ، دار النهضة العربية-مصر، 1965، ص194/ د. أدور غالي الدهبي ، شرح قانون العقوبات –القسم الخاص، مكتبة غريب-مصر ، ط2 ، 1976، ص40/ المحامي حسن الفكهاني ، موسوعة القضاء والفقه للدول العربية، ج25، 1978، ص8 / د. فوزية عبد الستار ، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص، دار النهضة العربية-مصر، ط2، 1988 ، ص364 .

19- د. عوض محمد، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال ، دار المطبوعات الجامعية-مصر، 1985، ص41 / أياد حسين العزاوي، قتل الموظف أو المكلف بخدمة عامة أثناء تأدية واجبه أو بسببه، مطبعة عصام-بغداد ،1988، ص22 / د. ماهر عبد شويش ،شرح قانون العقوبات-القسم الخاص ، ط2 ، بلا دار للنشر، 1997 ، ص147.

20- د. علي حسين الخلف ود. سلطان عبد القادر الشاوي، المرجع السابق، ص444 / د. أكرم نشأت إبراهيم، الحدود القانونية لسلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة ( دراسة مقارنة)، دار مطابع الشعب-مصر، 1965 ، ص118 / د. صباح عريس، الظروف المشددة في العقوبة ، ط1 ، المغرب للطباعة والتصميم-بغداد ، 2002 ، ص44 .

21- د. ضاري خليل محمود، البسيط في قانون العقوبات-القسم العام ، ط1،2002 ، ص101و123 / د. أكرم نشأت إبراهيم ، الحدود القانونية لسلطة القاضي الجنائي، المرجع السابق، ص196 / د. صباح عريس ،المرجع السابق، ص51 / د. محمد محي الدين عوض ، نظرية الجهل والغلط في القانون الجنائي، بحث منشور في مجلة إدارة قضايا الحكومة ،ع 1، س 28، مارس 1979، ص14 /

-R. Mérle et A. Vitu “ Traite de Droit criminél، Droit pénal spécial”، par: A. Vitu، Editions Cujas، Paris، 1982، p.1377

22- تنص المادة 51 ق .ع .ع ( إذا توافرت في الجريمة ظروف مادية من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها سرت آثارها على كل من ساهم في إرتكابها فاعلاً كان أو شريكاً ، علم بها أو لم يعلم أما إذا توافرت ظروف مشددة شخصية سهلت إرتكاب الجريمة فلا تسري على غير صاحبها إلا إذا كان عالماً بها، أما ماعدا ذلك من الظروف فلا يتعدى أثرها شخص من تعلقت به سواء كانت ظروف مشددة أو مخففة ) .

23- تنص المادة 36 ق.ع .ع ( إذا جهل الفاعل وجود ظرف مشدد يغير من وصف الجريمة فلا يسأل عنه ، ولكنه يستفيد من العذر ولو كان يجهله ) .

24- د. فخري عبد الرزاق الحديثي ، شرح قانون العقوبات-القسم العام، المرجع السابق، ص287 .

وللإطلاع علـى مزيد مـن التعريفات للإرادة أنظر : د. محمد سامي النبراوي ،المرجع السابق، ص79 /القاضي فريد الزغبي ،المرجع السابق، ص43 / د. محمود نجيب حسني ،القصد الجنائي تحديد عناصره، المرجع السابق ، ص135 / د. جلال ثروت ، نظرية الجريمة المتعدية القصد ،المرجع السابق، ص174/ د. عباس الحسني ،شرح قانون العقوبات الجديد ، ط2 ، مطبعة الإرشاد-بغداد ،1972، ص90 . – ومن المفيد ذكره في هذا الخصوص أنه لا يوجد في الفقه الإنكليزي تعريف محدد للإرادة ، ولكن القضاة عموماً يفترضون أن هذه الكلمة ذات معنى شائع ولا تحتاج إلى تعريف، فضلاً عن كونها العنصر الذي يميز بين الجرائم العمدية عن غير العمدية : Glanvill L. Williams “ The mental element in crime “، ebrew university – Lionei Cohen lectures، 11th series، 1965، p.10

25- في تفصيلات ذلك أنظر : د. مصطفى العوجي ،المرجع السابق، ص578 / د. رؤوف عبيد ، السببية في القانون الجنائي ( دراسة تحليلية مقارنة ) ، مطبعة نهضة مصر ،1959، ص59 / د. عبد الرؤوف مهدي ،الإرادة بين النظرية العامة للجريمة والنظرية العامة للمسؤولية ، بحث منشور في المجلة الجنائية القومية ،ع3، المجلد 19، نوفمبر 1976، ص400 / د. رؤوف عبيد ، في التيسير والتخيير بين الفلسفة العامة وفلسفة القانون ، ط3، دار الفكر العربي ، 1984، ص362 .

26- ندى سالم حمدون ملا علو ، أثر الأمراض النفسية في التصرفات القانونية ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون-جامعة الموصل ، 2001 ، ص40 .

27- د. محمود نجيب حسني، القصد الجنائي تحديد عناصره، المرجع السابق، ص125 /د. هلالي عبد اللاة أحمد، شرح قانون العقوبات-القسم العام، المرجع السابق، ص205 .

28- د. محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، المرجع السابق، ص202 /نفس المؤلف، القصد الجنائي تحديد عناصره، المرجع السابق، ص106 .

29- د. عوض محمد، قانون العقوبات-القسم العام، المرجع السابق، ص216 .

30- د. سليم إبراهيم حربة ، القتل العمد وأوصافه المختلفة، ط1، مطبعة بابل-بغداد ، 1988، ص64 .

31- د. محمد الفاضل ،الجرائم الواقعة على الأشخاص، ط3،مطابع فتى العرب-سوريا، 1965، ص26 / نفس المؤلف، المبادئ العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق، ص471/

– H. L. A. Hart “ punishment and responsibility ”Calarendon press، Oxford، London، 1968، p.90

32- د. ماهر عبد شويش ، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص ، المرجع السابق ، ص148 / د. حميد السعدي ، شرح قانون العقوبات الجديد ، النظرية العامة ، المرجع السابق ، ص249

33- د. ضاري خليل محمود ، البسيط ، المرجع السابق ، ص68 /

– I. G. Carvell and E. Swinfew Green “ criminal law and procedure “، Sweet and Maxwell، London، 1970، p.13

34- في تفصيلات ذلك أنظر : د. مأمون محمد سلامة ، قانون العقوبات-القسم الخاص ،المرجع السابق ، ص29 / د. جلال ثروت ، نظرية القسم الخاص،ج1 ،جرائم الاعتداء على الأشخاص، الدار الجامعية-مصر، دون تاريخ ص146 .

35- د. فخري عبد الرزاق الحديثي ، قانون العقوبات-القسم الخاص ، المرجع السابق ، ص128 / د. حميد السعدي ،النظرية العامة لجريمة القتل ، المرجع السابق ، ص178 / د. محمد سعيد نمور ، الجرائم الواقعة على الأشخاص في قانون العقوبات الأردني ، المرجع السابق ، ص36 / د. محمد الفاضل ، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص ، مطبعة جامعة القاهرة ،1959 ، ص235.

عناصر القصد الجرمي :

يتوافر القصد الجرمي في جرائم الاعتداء على حق الإنسان في التكامل الجسدي العمدية متى ارتكب الجاني الفعل المكون للجريمة(1) عن إرادة وعلم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم الإنسان(2)، سندرس هذين العنصرين:

أولاً: إرادة السلوك الإجرامي ونتيجته الجرمية

الإرادة تتمثل في نشاط نفسي يتجسد في قدرة الإنسان على توجيه نفسه إلى فعل معين أو الامتناع عنه. ويتوافر القصد الجرمي في اتجاه إرادة الجاني إلى انتهاج سلوك إجرامي (فعل أو امتناع) لغرض إحداث النتيجة الجرمية المترتبة عليه، فالإرادة نشاط نفسي يصدر عن وعي وإدراك، وعليه فيفترض علماً بالغرض المستهدف وبالوسيلة التي يستعان بها لبلوغ هذا الغرض. إن الجاني يجب أن يرتكب السلوك الإجرامي بصورة إرادية حرية الاختيار أيضاً مما يترتب عليه أنه فإذا تبين من الوقائع أن الفاعل لم يقترف الفعل المسند إليه عن إرادة حرة مختارة وإنما عن إكراه أو بسب قوة قاهرة أو تحت تأثير التنويم المغناطيسي أو غيبوبة فلا يتوافر القصد الجرمي بسبب عدم توافر إرادة السلوك الإجرامي لدى الجاني(3). فإذا ما توافر القصد فإن الإرادة لا تنصرف إلى تحقيق السلوك المحرم فقط وإنما تتجه كذلك نحو تحقيق النتائج التي تنشأ عن هذا السلوك، ويكفي في ذلك أن يريد الجاني هذه النتائج ولا يهم بعد ذلك أن يعرف ما إذا كان لسلوكه صفة إجرامية أم لا إذ أن الجهل بالقانون ليس بعذر(4).

ثانياً: العلم

لتحقق القصد الجرمي لا يكفي أن يكون الجاني مريداً للسلوك الإجرامي الذي أتاه ومريداً للنتيجة الجرمية التي حصلت منه، وأن إرادته متجهة لاقترافها بالشروط التي ينص عليها القانون لتوافرها، فإذا أعطى شخص لآخر مادة ضارة لإبادة الحشرات متوقعاً أن يستعملها لهذا الغرض ولكن الثاني تناولها فأصيب من جراء ذلك بأضرار صحية، فإن القصد الجرمي لا يتوافر لدى الشخص الأول(5). وهكذا فالعلم بالشيء عكس الجهل به، إن دراسة العلم معناها تحديد الوقائع أو العناصر التي يلزم العلم بها لتوافر القصد الجرمي وهي تشمل العناصر التي تعد لازمة جميعها من وجهة نظر المشرع لإعطاء الواقعة الإجرامية وصفها القانوني وتميزها عن سواها من الوقائع المشروعة وغير المشروعة(6). وقد ينصب العلم على وقائع مادية وقد ينصرف إلى تكييف يستمد من قاعدة قانونية مثل صفة الموظف أو صفة الزوجية أو صفة المكان العام، وبصورة عامة فإن الوقائع التي يلزم العلم بها قد تكون سابقة على الفعل أو معاصرة له أو لاحقة عليه وهو ما يحدده النموذج القانوني للجريمة كما ينص عليه القانون(7). ففي جرائم الاعتداء على حق الإنسان في التكامل الجسدي يلزم أن يعلم الجاني، لتوافر عنصر العلم في القصد الجرمي، أن فعله ينصب على جسم حي إذ أن الحق في التكامل الجسدي لا يتمتع به إلا شخص حي، فمن يبتر عضواً في جسم شخص أغمي عليه معتقداً أنه قد مات لا يعد القصد الجرمي متوافر لديه، ويتعين كذلك أن يعلم الجاني بطبيعة نشاطه وخطورته على عناصر السلامة الجسدية للمجني عليه، وأن من شأن هذا النشاط أن ينال بالاعتداء من عناصر هذه السلامة وتطبيقاً لذلك لا تتحقق المسؤولية الجنائية إذا انعدم علم الجاني بشأن نشاطه وبأن فعله ينال بالمساس من سلامة الجسم للمجني عليه ولذلك فلا يسأل الصيدلي الذي يسلم المجني عليه دواءً معتقداً أنه مقوياً ولا من يتدرب على الرماية فيصادف ذلك وجود شخص لم يره في منطقة الهدف فيصيبه لأن في هذه الأحوال وما شابهها ينتفي القصد الجرمي، ولكن هذا لا يمنع من قيام مسؤولية الجاني عن الإصابة الخطأ إذا انطوى مسلكه عن إهمال أو رعونة أو عدم احتياط.

ولتوافر عنصر العلم في القصد الجرمي ينبغي كذلك أن يتوقع الجاني أن يترتب على فعله المساس بالتكامل الجسدي للمجني عليه، فإذا انتفى هذا التوقع تخلف القصد الجرمي كحالة الأم التي تترك سهواً في متناول أطفالها الصغار مادة ضارة فيتناولها أحدهم ويمرض، ولا يغني عن توقع النتيجة استطاعة توقعها، فهذه الاستطاعة لا يقوم بها سوى الخطأ(8). ولكي يتحقق القصد الجرمي لابد من اتجاه إرادة الجاني لارتكاب الفعل الذي يعلم بأنه يمس سلامة جسم المجني عليه، فإذا لم تتجه إرادة الجاني إلى الفعل كما لو أكره على ضرب المجني عليه أو جرحه أو قذفت به ريح عاتية فوقع على أحد المارة فألحق به أذى فلا يتوافر القصد الجرمي في هذه الحالات. ولابد كذلك من أن تتجه الإرادة إلى تحقيق النتيجة المعاقب عليها أي إحداث الأذى البدني بجسم المجني عليه، وبناءً على ذلك فإن القصد الجرمي ينتفي ولو اتجهت إرادة الجاني إلى الفعل إذا لم يتوقع هذه النتيجة إطلاقاً كحالة من يطلق الرصاص ابتهاجاً فيصيب شخصاً بجراح أو توقع النتيجة ولكنه كان يأمل ألا تقع كحالة الطبيب الذي يجري عملية خطيرة لمريض توقع احتمال أن تفضي إلى عاهة مستديمة إلا أنه أجراها معتمداً على مهارته ورغبته ألا ينال المريض سوء، إلا أن العملية فشلت وأصيب المجني عليه بعاهة مستديمة، وإذا كان القصد الجنائي يتخلف في هذه الحالات فإن ذلك لا يمنع من مساءلة المتهم عن جريمة غير عمدية إذا ثبت في حقه الخطأ(9). الأصل أن يزامن القصد الجرمي الركن المادي للجريمة بعناصرها كلها فتتوافر لدى الجاني الإرادة الإجرامية وقت إتيانه الفعل، وتظل متوافرة حتى تتحقق النتيجة الجرمية، وفي هذا الوضع لا تثور صعوبة إذ لا محل للشك في مسؤولية الجاني عمداً ومحكمة الموضوع تتمتع بسلطة واسعة في تكوين عقيدتها حول توافر القصد الجرمي ومعاصرته للركن المادي، فقد قضي بأن (من المقرر أن لمحكمة الموضوع الحرية كاملة في تكوين عقيدتها مما ترتاح إليه من أقوال الشهود ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها طرحت الاعتبارات جميعها التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة طرحها إياها)(10) متى ثبت أن الجاني ارتكب السلوك الإجرامي المكون للجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة بإرادته وعن علم بأن هذا السلوك يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته فإن ذلك يكفي لتوافر القصد الجرمي في هذه الجرائم وعلى هذا الأساس لا يشترط القانون لتوافر القصد الجرمي أن يتوقع الجاني علاقة السببية التي تربط ما بين فعله والمساس بالتكامل الجسدي للمجني عليه فالغلط في علاقة السببية في جرائم الاعتداء على حق الإنسان بالتكامل الجسدي هو غلط غير جوهري، فكل الوسائل سواءً إذا أراد شخص أن يضرب آخر بوسيلة معينة فإذا به يحدث بوسيلة أخرى فالقصد الجرمي يظل متوافراً لديه.

كذلك لا يؤثر الغلط في الشخص ولا الخطأ في التصويب على قيام القصد الجرمي ويتحقق الغلط في شخص المجني عليه عندما يعمد الجاني إلى إيذاء زيدٍ من الناس فيتربص له ثم يمر بكر فيعتقد الجاني أنه زيد فيجرمه. وفي حالة الغلط تقوم الجريمة كاملة لأن القانون يحمي الحق في سلامة الجسم وصحته للناس كافة ومادام الجاني يعلم بأنه يعتدي على سلامة إنسان وقع الاعتداء فعلاً على سلامة إنسان فلا أهمية بعد ذلك للغلط الواقع منه في الأوصاف التي تميز هذا الشخص عن ذاك(11). وقد قضي بأنه (إذا انتوى المتهم إيذاء شخص معين فأخطأ وأصاب شخصاً آخر سواء كان ذلك لعدم إحكامه تسديد الضربة أم كان لجهله حقيقة ذات شخص غريمه فإنه يحاسب على أنه أحدث الإصابة عن عمد كما لو كانت ضربته قد أصابت من قصد إصابته)(12). أما الخطأ في توجيه السلوك الاجرامي فيتحقق عندما يريد الجاني إيذاء شخص معين ولكنه يصيب شخصاً آخر لم يكن الجاني يقصد مطلقاً إيذاءه، إن الجاني في هذه الحالة يسأل عن النتيجة التي وقعت لأنه وقد ثبت لديه نية المساس بالتكامل الجسدي فإنه يجب أن يسأل عن النتائج التي كان يمكن أو كان يجب عليه أن يتوقعها كما لو كان قد تعمدها(13). إن قانون العقوبات العراقي قد تبنى فكرة القصد الاحتمالي وجعله مساوياً من الناحية القانونية للقصد المباشر بشرط أن يكون الجاني قد توقع نتائج إجرامية لفعله فأقدم عليه قابلاً المخاطرة بحدوثها، إذ نصت المادة (34) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 بأن (تكون الجريمة عمدية إذا توافر القصد الجرمي لدى فاعلها، وتعد الجريمة عمدية كذلك (ب) إذا توقع الفاعل نتائج إجرامية لفعله فأقدم عليه قابلاً المخاطرة بحدوثها). وإذا كان الأصل في جرائم الاعتداء على سلامة الجسم أنها تقع بناءً على فعل جرمي مباشر فإن كثيراً منها قد يقع بناءً على القصد احتمالي الذي نصت عليه المادة (34) من قانون العقوبات العراقي النافذ، وقد لا يحيط الجاني على وجه أكيد بنتيجة نشاطه أو بطبيعة المادة التي يقدمها إلى المجني عليه ولكنه يتصور أن من الممكن أو من (المحتمل) أن يؤدي فعله إلى المساس بجسمه أو بصحته دون أن يكون ذلك داخلاً في هدف الجاني من النشاط أو دوافعه إليه، والقاعدة أنه يعد متعمداً إذا كان مع علمه إمكان حدوث النتيجة الجرمية قد استوى لديه، عند إقدامه على النشاط، حصولها أو عدم حصولها، وهذه هي صورة القصد الاحتمالي(14). وقد عرف الفقه الإيطالي طائفة من الجرائم سماها (جرائم ما وراء القصد) أي الجرائم ذات النتيجة(15) التي تجاوز قصد الجاني، وقد عرفها قانون العقوبات الإيطالي في المادة (43/2) منه بأنها (تعد الجريمة متجاوزة القصد أو متعديته إذا ترتب على الفعل أو الامتناع نتيجة ضارة أو خطرة أشد جسامة من تلك التي أرادها الجاني). ومن الجرائم المتعدية القصد في قانون العقوبات العراقي الإيذاء العمد المفضي إلى عاهة مستديمة (المادة 412/2) وجريمة الضرب المفضي إلى موت (المادة 410) وجريمة الإجهاض المفضي إلى موت (المادة 417، 418) وجريمة الحريق العمد المفضي إلى موت (المادة 324).

__________________

1- الدكتور محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1974، ص10.

2-الدكتور محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم العام، الطبعة الرابعة، دار النهضة العربية، مطبعة جامعة القاهرة، 1977، ص633.

3- الدكتور محمد أحمد المشهداني، شرح قانون العقوبات، القسم العام، 1997، مصدر سابق، ص351.

4- تنص المادة (37) من قانون العقوبات العراقي بأن (ليس لأحد أن يحتج بجهله لأحكام هذا القانون أو أي قانون عقابي آخر ما لم يكن قد تعذر علمه بالقانون الذي يعاقب على الجريمة بسبب قوة قاهرة..).

5- الدكتور محمد عيد الغريب، المصدر السابق، ص459.

6- الدكتور مأمون محمد سلامة، قانون العقوبات، القسم العام، دار الفكر العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1979، ص305.

7- الدكتور أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، مصدر سابق، ص539.

8- الدكتور محمد صبحي نجم، الجرائم الواقعة على الأشخاص، الطبعة الأولى، الأردن، عمّان، سوق البتراء، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2002ـ ص128؛ والدكتور محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، القاهرة، دار النهضة لعربية، 1988، ص452.

9- الدكتورة فوزية عبد الستار، المصدر السابق، ص458.

10- طعن رقم 30 في 22/10/1984 الصادر من محكمة النقض في دولة الإمارات، أنظر مجلة العدالة الصادرة عن دولة الإمارات العربية المتحدة، العدد الثاني والأربعون، السنة الثانية عشر، 1985، تصدرها وزارة العدل، ص85.

11- الدكتور عبد المهيمن بكر، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال، القاهرة، دار النهضة العربية، 32 شارع عبد الخالق ثروت، 1968، ص112.

12- Elliott، D. W..، and Wood، J. C.، A Case Book of Criminal Law، Third Edition، London، Sweet and Maxwell، 1974، p. 302; والدكتور محمد عيد الغريب، المصدر السابق، ص460.

13- فقد قضي بأن (المتهم يسأل عن إصابة شخص آخر غير المجني عليه ولو لم يقصده ابتداءً)، أنظر تمييز رقم 856/ جنايات/ 1974 في 26/5/1974، النشرة القضائية، العدد الثاني، السنة الخامسة، ص336.

14- الدكتور عبد المهيمن بكر، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال، 1968، المصدر السابق، ص114.

15- الدكتور سمير الجنزوري، المصدر السابق، ص444.

المؤلف : حسين عبد الصاحب عبدة الكريم الربيعي
الكتاب أو المصدر : جرائم الاعتداء على حق الانسان في التكامل الجسدي

إغلاق