دراسات قانونية

دراسة موجزة حول الاعتداء على الحق في سرية المراسلات وفقاً لأحكام القانون المقارن

كتبت الاستاذه : مروة ابوالعلا

مــعـنى الـمـراسلات :

أبرز الفقه معنيين لكلمة المراسلات: معنى لغوي، ومعنى اصطلاحي:

أولاً: المعنى اللغوي للمراسلات

إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية، لوجدنا أن كلمة المراسلات عربية الأصل وجذرها رسل وتراسَلوا بمعنى أرسل بعضهم إلى بعض، والرَّسْلهِ هي التي تُراسِلُ الخُطّابَ والرَّسولُ هو المُرْسَلُ، والمُرْسَلات هي الرياح أو الملائكة أو الخيل(1). والرسول بمعنى: الرِّسالة والمرسل، ويقال أرسلت فلأناً في رسالة فهو مرسل ورسول، ويسمى الرسول رسولاً لأنه ذو رسول أي ذو رسالة والرسول: اسم من أرسلت وكذلك الرسالة.(2)وقد ورد في الكتاب الكريم إشتقاقات لفظ رسل في كثير من المواضع إذ يقول الله عز وجل: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”(3). وقوله تعالى: “هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله”(4) وقوله تعالى: “ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله”(5).

ثانياً : المعنى الاصطلاحي للمراسلات:

تباينت الاتجاهات الفقهية بشأن تحديد معنى المراسلات، وتمثلت في اتجاهين رئيسين:

الاتجاه الأول: اتجه جانب من الفقه إلى تبني معناً ضيقاً للمراسلات ، إذ قصرها على الرسائل المكتوبة دون سواها من المراسلات التي يتم التخاطب فيها بوسائل شفوية ، إذ عرّف البعض المراسلات بأنها الخطابات والطرود والبرقيات التي توجد لدى مكاتب البريد والبرق(6).أياً كانت الطريقة التي ترسل بها سواء كانت داخل مظروف مغلق أو مفتوح أو كانت عبارة عن بطاقة مكشوفة طالما أن مرسلها أراد عدم اطلاع غير المرسلة إليه عليها.(7).ويقول الفقيه (جارو) أن المكتوب هو حديث مكتوب بين شخصين تتولى نقله هيئة البريد.(8). وقد وجد هذا الاتجاه تأييد في بعض الدساتير التي نصت على المراسلات من دون الإشارة إلى الاتصالات الهاتفية ومن أمثلة ذلك دستور المملكة المغربية لعام 1972م في الفصل الحادي عشر الذي ينص على أن “لا تنتهك سرية المراسلات” وكذلك دستور تونس لعام 1959م في الفصل التاسع منه حيث نص على أن (حرمة المسكن وسرية المراسلة مضمونتان إلا في الحالات الاستثنائية التي يضبطها…). وسار في ذات الاتجاه دستور كوريا الشمالية في المادة (64) منه إذ تنص المادة المذكورة على أن ” تضمن الدولة للمواطنين حصانة الشخص والمسكن وسرية المراسلة” وينص دستور الصين لعام 1982م في المادة (40) منه على أن ” حرية مواطني جمهورية الصين الشعبية في المراسلة وسريتها يحميها القانون ولا يجوز لأي منظمة أو أي فرد الاعتداء على حرية المواطن في المراسلة وسريتها…”، وأيضاً تنص المادة (128) من الدستور السوفييتي القديم لعام 1936م على أن (حرمة منازل المواطنين وسرية المراسلات محميتان بالقانون). أما الدستور المكسيكي لعام 1917م فقد كان صريحاً في قصر معنى المراسلات على الرسائل المكتوبة، فقد نصت المادة (25) منه على أنه “لا يجوز إخضاع المراسلات المغلقة المرسلة بالبريد لأي شكل من أشكال الفحص ويعاقب القانون على انتهاك السرية في هذا الشأن”.

الاتجاه الثاني: ذهب جانب آخر من الفقه إلى تبني معناً واسعاً للمراسلات، فقد وسع من نطاق المراسلات لتشمل المراسلات المكتوبة البريدية والبرقية، والهاتفية.(9). وقد فسر البعض من الفقه المحادثات بوصفها رسائل شفوية، وأن التنصتات الهاتفية هي نوع من الاطلاع على الرسائل،هذا وتتضمن الرسالة بعض أسرار الحياة الخاصة للمرسل والمرسل إليه أو غيره، وذلك يقتضي امتناع المرسل إليه عن نشر محتويات هذه الرسالة، لأن الراسل قد خصه شخصياً بمعرفة هذه الأسرار ولم يقصد جعلها في متناول الجميع، وبالتالي يمتنع هذا الأخير عن الإعلان عما جاء بمحتويات هذه الرسالة.(10) ويضيف أصحاب هذا الرأي بأن الحماية التي أضفاها القانون الفرنسي على كل من الرسالة الكتابية والاتصال الهاتفي، قد وردت في نص واحد هو نص المادتين (41،42) من قانون البريد والهاتف، كما أن المادة (378) من قانون العقوبات الفرنسي التي تعاقب على إفشاء الأسرار الخاصة بالمهنة ، نصت على معاقبة من يفشي مضمون الرسائل الواردة بالبريد العادي أو بطريق اللاسلكي أو التليفون من دون تفرقه بينهما. ولم يسلم هذا الرأي من النقد ، لأنه يفتقر إلى الأساس السليم، إذ لا يمكن القول أن المكالمة الهاتفية تعد رسالة شأنها في ذلك شأن الخطابات المكتوبة، فإذا كانت هذه الأخيرة مستنداً مثبتاً للتهمة أمام القضاء كما ذهب أنصار هذا الرأي، فهو مستند له كيانه ووجوده يقدم ضمانات افضل للمتهم أما المكالمات الهاتفية فلا تمتع بهذه الصفة المادية، بل هي أقوال شفوية لا تتمتع بمثل تلك الضمانات التي تتمتع بها الرسائل المكتوبة، فضلاً عن أن النص على حماية المكالمات الهاتفية والرسائل البريدية في مادة واحدة لا يعني أن طبيعتها واحدة وأن اتفقتا في نوع الحماية المقررة لكل منهما(11). وذهب اتجاه في الفقه إلى اعتبار الرسائل أياً كان نوعها ترجمة مادية لأفكار شخصية، أو آراء خاصة لا يجوز لغير مصدرها ومن توجه إليه الإطلاع عليها، وإلا كان في ذلك انتهاك لحرمة المراسلات، وبالتالي انتهاك للحياة الخاصة، لذا فإن حرمة المراسلات تعتبر من العناصر الهامة في الحياة الخاصة، لأن الرسالة قد تكون مستودعاً للسر ولخصوصية الإنسان.(12) وينصرف القصد بالمراسلات إلى كافة الرسائل المكتوبة، سواء تم إرسالها بطريق البريد أو بواسطة رسول خاص، وإلى التلكسات والفاكس والرسائل المرسلة بواسطة أجهزة الحاسوب والبرقيات، ويستوي أن تكون ببطاقة مكشوفة، طالما أن الواضح من قصد المرسل أنه لم يقصد إطلاع الغير عليها بدون تمييز.(13). كما تبنت بعض الدساتير المفهوم الواسع للمراسلات إذ لم تقصرها على المراسلات الكتابية والبرقية فقط بل شملت أيضا المراسلات الشفوية مثل الاتصالات الهاتفية والرسائل الأخرى التي يتم إرسالها بواسطة الوسائل التقنية الحديثة. فقد عددت بعض الدساتير العربية أنواع المراسلات في معرض نصها على الحق في حمايتها وقد أوردت الاتصالات الهاتفية من ضمن هذه الأنواع . فالدستور العراقي لعام 1970م وفي المادة (23) منه حدد أنواع المراسلات المكفولة سريتها بأنها المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية إذ تنص المادة المذكورة على (أن سرية المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية مكفولة…). كما نص مشروع دستور العراق الدائم لعام 1990م في المادة (48) منه على أن “سرية المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية مكفولة…” ونجد ذات الاتجاه في الدستور الأردني لعام 1952م إذ أشار في المادة (18) منه إلى صور المراسلات ، إذ نصت على أنه (تعتبر جميع المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية سرية…). كما أورد الدستور المصري لعام 1971م في الفقرة الثانية من المادة (45) منه المحادثات الهاتفية من ضمن أنواع المراسلات المكفولة سريتها حيث نصت على أن ( للمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التلفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة…). وذهب عدد من الدساتير العربية الأخرى(14).في ذات الاتجاه إذ اعتبرت الاتصالات الهاتفية نوع من أنواع المراسلات وكفلت حمايتها . أما الدساتير الأجنبية فقد أخذ بعضها بالمعنى الواسع للمراسلات أيضاً إذ شملت الاتصالات الهاتفية إلى جانب المراسلات الكتابية المرسلة بواسطة البريد والبرق إلي معنى المراسلات. حيث نجد أن الدستور الإسباني لعام 1978م قد نص في الفقرة 3 من المادة (18) على أن ( سرية الاتصالات وبخاصة الاتصالات البريدية والتلغرافية والتلفونية مكفولة،…). وكذلك نص دستور ألمانيا الاتحادية لعام 1949م في المادة (10) على أن (سرية المراسلة والبريد والاتصالات التلفونية مصونة ولا يجوز أن تفرض عليها قيود إلا بمقتضى القانون…). وضمن دستور رومانيا لعام 1991م في المادة (28) (سرية المراسلات الكتابية والبرقية وأي وسيلة اتصالات بريدية وهاتفية…). فيما قررت المادة (57) من الدستور الألباني لعام 1976م على حماية سرية المراسلات سواء كانت كتابية أو بأي وسيلة اتصال أخرى، مما يفهم منها أنها شملت الاتصالات الهاتفية بذلك. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فبالرغم من أن الدستور الأمريكي الصادر في عام 1787م لم يشر إلى مساواة المكالمات الهاتفية بالمراسلات إلا أن التشريع العادي أورد ذلك حيث نص قانون الاتصالات الاتحادي لعام 1934م وفي القسم (605) منه على عدم جواز أن يستولي أي شخص غير مأذون من قبل المرسل على أي مراسلة سواء كانت كتابية أو هاتفية، كما نصت قوانين ولايات فلوريدا وكاليفورنيا وغيرها من الولايات على ذلك(15).أما في فرنسا فقد ساوى القضاء الفرنسي في بعض أحكامه بين المكالمات الهاتفية والرسائل الكتابية، فقد قضت محكمة استئناف بواتيه في حكم لها في يناير سنة 1960م (بأن الاتصال التلفوني لا يعدو أن يكون نوعاً من الرسائل ولما كانت مراقبة الرسائل مشروعة بدورها متى اقتضت مصلحة التحقيق وكان ذلك بناءً على إذن من قاضي التحقيق، ولم ينطو التصرف على افتئات على حق الدفاع، على أن يطرح المستند الذي يتضمن إثبات نتائج المراقبة التلفونية للمناقشة في الجلسة…).كما قررت محكمة جنح السين في 30 أكتوبر سنة 1964م في حكم لها عدة ضمانات لجواز مراقبة الاتصالات الهاتفية وهي نفس الضمانات المقررة لجواز ضبط ومراقبة الرسائل الكتابية ومنها أن يكون في هذه المراقبة فائدة في ظهور الحقيقة ووجود إذن من قاضي التحقيق بالمراقبة.(16).

إغلاق