دراسات قانونية
مسودة الحكم القضائي في بحث قانوني
كتبت / الاستاذه: ايه الوصيف
تعريف مسودة الحكم:
اختلفت تعريفات شراح القانون لمسودة الحكم من حيث ألفاظها ومدها وإن كانت متفقة في مضمونها ومعناها .
فيرى بعض شراح القانون اليمني ان المسودة عبارة عن الورقة التي تحرر عقب انتهاء المداولة وتشمل على منطوق الحكم وأسبابه ويوقع عليها جميع القضاة الذين اصدرو الحكم
الموجز في أصول قانون القضاء المدني
د/ سعيد خالد على جباري ط97 ص 224
كما عرفها بعضهم بتوسع مسودة الحكم هي عبارة عن ورقة تحضير الحكم ويتم كتابتها بخط احد القضاة ولا يجب ان تشتمل الا على منطوق الحكم اي القرار الذي توصلت اليه المحكمة بخصوص الدعوى المعروضة ويسبق المنطوق في المسودة كتابة الأسباب التي بنى عليها القاضي او القضاة الحكم ويوقع عليها القضاة
الوجيز في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية
د/ ابراهيم محمد الشرفي ط97 ص224
اما بالنسبة لشراح القانون المصري فأرى من وجهة نظري انهم كانوا افضل من سابقيهم باضفائهم صفة رسمية بكل نتائجها على المسودة حيث عرفها بعضهم قائلا( المسودة هي ورقة من اوراق الموافعات تشتمل على منطوق الحكم واسبابة وتوقيع جميع القضاة الذين اصدروة وتاريخ ايداعهم ملف القضية والمسودة ورقة رسمية بكل النتائج المترتبة على رسمية الورقة ويتم اعدادها بعد تمام المداولة وهذه الاخيرة تعتبر ممفترض للاولى كما تعتبر ورقة لتحضير نسخة الحكم الاصلية)
قانون المرافعات المدنية والتجارية
د/احمد هندي ط2007م ص487
اهمية المسودة وبياناتها وجزاء مخالفتها
من استقراء نص المادة (225) من قانون المرافعات اليمني لسنة2002م التي تصتعل:
(1- بعد تمام المداولة وقبل النطق بالحكم يجب أن تعد المحكمة مسودة الحكم مشتملة على الأسباب التي بني عليها الحكم ثم المنطوق وأن يوقع القضاة المشتركون في الحكم على هذه المسودة وإلا كان الحكم باطلاً .
2 – يجب أن تحرر مسودة الحكم الصادر من هيئة متعددة القضاة بخط أحد قضاتها وفي كل الأحوال يجب أن تودع مسودة الحكم في ملف القضية وإلا تعرض المتسبب في مخالفة ذلك للمساءلة التأديبية ويراعى عند إيداع مسودة الحكم في ملف القضية حفظ صورة منها في ملف خاص بالمسودات بعد مطابقتها على الأصل بمعرفة رئيس المحكمة .)
يمكننا الحديث …مضمونها من خلال عدة محاور
المحور الاول : اهمية المسودة وتتمنثل في ثلاث امور
اعداد مسودة الحكم
ارى ان المشرع اليمني بداء نص المادة السابقة بجملة (بعد تمام المداولة وقبل النطق بالحكم )
لا اهيمة هذه الجملة فهي تحدد الفترة الزمنية التي تحرر فيها المسودة فلا …. المسودة اكلها ولا تؤدي الغرض المنشود الا اذا كاتبت في هذه الفترة الزمنية التي تحرر فيها المسودة فاشتراط المشرع هذه الفترة لإعداد مسودة الحكم مشتملة على اسبابة ومنطوقة وتوقيع القضاة دليل على أن تكوين الرأي القانوني بالحكم الصادر لم يأتي استجابة لأهواء القضاة أو تلبية لرغباتهم وانما جاء بعد مداولة ودراسة قانونية مستفيضة وفق منهج قانوني ومنطق قضائي أدى إلى تكوين هذا الرأي القانوني واصدار الحكم به.
وكتابة أسباب الحكم ومنطوقه في المسودة دليل على أن هذه الاسباب والتي بني عليها الحكم هي التي اسفرت عنها المداولة واستقرت عليها عقيدة القاضي أو اتفق القضاة عليها.
وهذا هو ما ذكره الدكتور عبدالحكم فوده ندما قال ( والقانون لا يستلزم تسبيب الأحكام فحسب بل هو موجب ايضا أن تكون هذه الاسباب واضحة في ذهن القاضي او متفقا عليها بين القضاة قبل النطق بالحكم وبعبارة أخرى استلزم القانون ضرورة استقرار عقيدة القاضي أو القضاة على ما جاء فيه قبل النطق به ولهذا أوجب ايداع مسودة الحكم في مواعيد قصيرة حتى يضمن أن القضاة قد نطقوا به بعد المداولة في اسبابه واتفقوا عليها واستقرت عقيدتهم على اساس فيها).
مرجع سابق/ عبدالحكم فوده- صـ175.
فالمسودة إلا انعكاس لما تولدت من قناعة لدى القاضي أو القضاة بعد المداولة ودراسة القضية ودراسة جادة وقانونية ادت إلى اصدار حكمها فيها بناء على الاسباب التي اتفق عليها وتم كتابتها في المسودة سابقا والتوقيع عليها.
1- أن تحرير المسودة وايداعها في الوقت المحدد لها قانوناً تعد ضمانة … مفادها أن الأحكام التي صدرت في قضائهم صادرة بعد مداولة ودراسة مسبقة ولاسباب قانونية تولدت قناعة القضاة بها قبل النطق بالحكم والدليل على وجود هذه الضمانة هي المسودة التي تم تحريرها بعد المداولة وقبل النطق بالحكم .
ما جعل المشرع اليمني يشترط أن تكون نهاية الفترة الزمنية لتحرير المسودة وإعدادها هي ( قبل النطق بالحكم) لأن اعداد المسودة بعد النطق بالحكم يؤكد صدور الحكم بدون مداولة وقبل اسباب واضحة في ذهن القاضي او متفقاً عليه يتم القضاة مما يجعله باطلاً وهذا ما طرح به الدكتور سعد الشرعبي بقوله ( يجب ان تتم المداولة…
كما أن توقيع القضاة على مسودة الحكم دليل على وجود الضمانة المتمثلة في صدور الحكم بعد مداولة وهو ما أكده الدكتور عبدالحكم فوده بقوله (صـ178
ملاحظة: وإن كان الواضح من خلال نص المادة السابقة الفقرة الأولى منه إنه يجب على المحكمة قبل النطق بالحكم واعداد مسودة للحكم مشتملة على اسبابه ومنطوقه وبتوقيع القضاة على هذه المسودة والا كان الحكم باطلا إلا أنه من الملاحظ في الواقع العملي أن بعض الاحكام يصدرها بعض القضاة في الجلسة التي تم فيها قفل باب المرافعة مما يطرح تساؤلات عدة هل قاعدة بطلان الحكم بصدوره قبل اعداد المسودة خاص بحالات معينة كما في قانون المرافعات جائز في غيره في القانون ام هو عام ترد عليه بعض الخصوصيات والاستثناءات وهل يعتبر محضر جلسة النطق بالحكم مسودة له في حالة النطق بالحكم في الجلسة وعدم وجود مسودة والتي تأمل ان يتم التوجيه باستكمال البحث للإجابة عنها.
2- بالاضافة لما تمثله المسودة في الأهمية باعتبارها ضمانة كما سبق ذكره تأتي الحاجة الى في الجانب العملي القضائي كضرورة ملحة ومستند قانوني له أهمية بالغة.
فبعض الاحكام تكون واجبة التنفيذ بمجرد صدورها والنطق بها فيتم تنفيذها من واقع المسودة ولا ينتظر لحين صدور النسخة الاصلية من الحكم لما قد يترتب على هذا الانتظار والتأخير من اضرار وهذا ما هو معمول به في المسائل المستعجلة وما نصت عليه المادة (243) من قانون المرافعات بقولها:
( … يصدر الحكم… دون اتباع مقدمات التنفيذ الجبري).
وهذا ايضا ما ذكره الدكتور نجيب أحمد عبدالله بقوله ( الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة يلزم تنفيذها بقوة القانون فور صدورها وبمسودتها ودون اتباع مقدمات التنفيذ الجبري).
د/نجيب أحمد عبدالله- قانون التنفيذ الجبري- صـ 72- ط2005م.
كما هو ورد ايضا في القانون المصري وهو ما أكد عليه الدكتور أحمد هندي بقوله ( كما أن تنفيذ الحكم يتم في بعض الاصول بموجب مسودته وفقا لنص المادة (286) في المواد المستعجلة والاحوال التي يكون التأخير فيها ضاراً).
مرجع سابق –صـ487.
3- كما توجب أهمية أخرى للمسودة تتمثل في انها تتيح للأطراف الفرصة في الاستعداد للطعن في الأحكام الصادرة بحقهم وذلك من خلال اطلاعهم عليها بعد النطق بالحكم ودون الحق في تصويرها لا شئ لها على منطوق الحكم واسبابه كون بعض الاحكام تبدأ فترة الطعن فيها من تاريخ النطق بها بالرغم من تأخر تحرير النسخ الاصلية لهذه الاحكام وتسليمها للخصوم.
وقد ذكر شراح القانون المصري هذه الأهمية للمسودة في حين اغفلها شراح القانون اليمني.
وفيها ما ذكره الدكتور/ أحمد هندي بقولها ( والمقصود من ايداع المسودة هو تمكين الخصوم في الاطلاع عليها واعداد طعونهم المحتملة خاصة أن ميعاد الطعن يبدأ كقاعدة عامة من تاريخ النطق به وقبل تحرير النسخة الاصلية له).
مرجع سابق-د. أحمد هنيدي. صـ 487
أما الدكتور/ عبدالحكم فوده فقد قال بهذا الشأن ( والمقصود من ايداع المسودة تمكين الخصوم فور النطق بالحكم من الاطلاع عليه وعلى اسبابه استعداداً للطعن فيه إذا لهم ذلك (م 177).
عبدالحكم فوده – مرجع سابق- صـ 175.
4- كما رأى بعض شراح القانون اليمني ومنهم الدكتور سعيد الشرعبي ان مسودة الحكم وايداعها يمنع حدوث تزوير وتغيير في الاحكام بعد النطق بها لأنها ستكون مخالفة للمسودة وذكر ذلك بمفهوم المخالفة قائلاً الواقع العملي تغيير في منطوق الحكم بعد النطق به مادام أن المسودة لم تودع في الجلسة).
وأظن أن ما دفعه لأخذ مثل هذا الرأي وعدم اهتمام أمثاله في المصريين يمثل ما قاله المرجع من وجهة نظري إلى الفارق في نزاهة القضاء وبين البلدين ونزاهة موظفيه.
المحور الثاني: بيانات المسودة وجزاء إغفالها :
يتضح من نص المادة (225) مرافعات أنها في الفقرات الأولى منها ذكرت البيانات التي يجب أن تشتمل عليها المسودة وهي ذكر الأسباب التي بني عليها الحكم يليه منطوق الحكم وكذا توقيع القضاة المشتركون في الحكم على هذه المسودة ورتب المشرع على مخالفة هذه البيانات أو أغفال ذكرها.
في مسودة أي حكم جزاء ببطلانه وفق فقرته الثانية أوجبت ان تكون بخط أمين القضاء وإن كان شراح القانون اليمني لم يتطرقوا الذكر هذه البيانات الا ضمناً فمن خلال الاشارة اليها في تعريفهم للمسودة فقط ولم يعطوها حقها من الأهمية بخلاف نظرائهم من المصريين والذين تناولوها تفصيلاً وافردوا لها عناوين خاصة بها ومسائل جزئية متفرعة عنها.
وهذا المحور له تشعبات يطول ذكرها وهي خارجة عن موضوع البحث ولكن نأمل استكمالها لآحقاً.
المحور الثاني : ايداع المسودة ( وقته – وجزاء مخالفته).
أ- وقت الأيداع :
أوجب المشرع اليمني أن تودع المسودة في ملف القضية وفقا لما نص عليه في الفقرة الثانية من المادة (225) مرافعات بقولها (2…. وفي كل الأحوال يجب أن تودع مسودة الحكم في ملف القضية…).
ويلاحظ أن المشرع أغفل ذكر التوقيف الذي …. فيه هذا الإجراء يعتبر صحيحا ومع ذلك كان له مزية لا بد من ذكرها وهو التو… أن يكون هناك ملف خاص بالمس… تحفظ فيه صور منها عند حفظ اصولها بملفات القضايا بنظر المحكمة ومطابقها وهو ما يمكن الرجوع اليه في حال تلف المسودة الاصلية او فقدانها.,
اما بالنسبة للقانون المصري فقد جعل تاريخ ايداع ضمن بيانها وهو ما ذكرنها التعريفات السابقة للمسودة .
وهو ايضا ما ذكره فوده بقوله ( فالمادة 175 تشير إلى أن المسودة تشمتل على اسباب الحكم ويوقع عليها الرئيس والقضاة ويحدد بها تاريخ ايداعها).
فودة – مرجه سابق – صـ176.
والحد الأقصى لإيداع مسودة الحكم في ملف القضية هو عقب النطق بالحكم والا تعرض الحكم وهو ... عليه المشرع المصري قد رأى الدكتور سعيد الشرعبي أنه يجب أن يأخذ القانون اليمني لهذا الحكم ولو لم يرد فيه نص معللاً أن القانون اليمني قد أوجب الا يصدر حكم والا بعد مداولة والتي يستدل عليها بوجود المسودة وهذا في شرحه للموضوع قائلاً ( يجب أن يتلو النطق بالحكم ايداع المسودة ملف القضية… وتنص بعض القوانين الاجرائية كالمصري على أن مخالفة هذا الحكم تؤدي إلى البطلان لأن تأخر الايداع قرينة على أن الحكم قد صدر دون مداولة وأن كتابة اسبابه ومنطوقه قد تمت بعد النطق به ونرى أنه يجب الأخذ بهذا الحكم في القانون اليمني ولو لم يرد فيه نص لأن هذا القانون قد أوجب الا يصدر حكم الا بعد المداولة).
سعيد الشرعبي – صـ 539- مرجع سابق.
وهو ايضا ما اكده الدكتور فوده بقوله ( وحكم بأنه إذا استبان في الاطلاع على مسودة الحكم انها موقع عليها من القاضي الذي اصدر الحكم ومؤرخة في يوم كذا ( وهو يوم النطق بالحكم) فإن الإجراء التي تكون صحيحة ما لم يثبت بطريق رسمي غير ذلك بأن يقدم الخصم شهادة رسمية من قلم الكتاب تفيد أن المسودة لم تودع عقب النطق بالحكم).
فوده- مرجع سابق- صـ177
كما ذكر ايضا في موضع آخر ما نصه ( فقد أوجب في جميع الأحوال – اي سواء نطق بالحكم بعد المرافقة أو في جلسة أخرى حددت للنطق به- أن تودع مسودته المشتملة على اسبابه موقعاً عليها في الرئيس والقضاء عند النطق بالحكم .
م(175) فوده – مرجع سابق- صـ179.
ب) جزاء المخالفة بعدم الايداع أو التأخر عنه:
بالنسبة لما ورد في نص المادة (225) السابق ذكرها.
فقد …. الدكتور / الشرعبي الا أن اجزاء المترتب على عدم الايداع المسودة الحكم في نفس اليوم الذي تم النطق فيه بالحكم هو بطلان هذا الحكم بقوله (يجب أن تتم المداولة قبل النطق بالحكم القضائي ولهذا يجب أن تكتب اسباب الحكم ومسودته وتودع في نفس اليوم الذي تم فيه النطق بالحكم فإذا لم تودع في نفس اليوم الذي تم فيه النطق بالحكم كان ذلك أته على صدور الحكم دون مداولة مما يجعله باطلاً).
الشرعبي – مرجع سابق- صـ534.
إن ما ذكره في هامش نفس الصفحة المشار اليها أكد أن البطلان المذكور غير معمول به في القانون اليمني وأنما استقاه من القانون المصري وذلك عند ما قال في الهامش (إلا أن المشرع اليمني لم ينص على البطلان وإنما نص على المسألة التأديبية).
واظن أن هذا يرجع إلى عدم الوضوح في السابق في القانون اليمني .
هامش صـ 534-535 مردع سابق.
اما القانون المصري فكان موقفه من هذه النقطة واضحاً وجلياً فقد قرر بطلان الاحكام جزاءاً مترتباً على عدم ايداع مسودتها مطلقاً أو لا يداعها بعد فوات وقتها اي بعد يوم النطق بالحكم.
وهو ما أكده الدكتور فوده بقوله ( وإذا لم تودع المسودة على وجه الاطلاق أو اودعت في غير يوم النطق بالحكم ( اي بعده) كأن الحكم باطلاً عملاً بالمادة (175).
فوده – مرجع سابق- صـ 179
وهو ايضا ما اورده د/ ………. عندما قال ( وإذا لم تودع المسودة على الإطلاق في ملف القضية او أودعت في غير الوقت المحدد لها وهو قبل النطق بالحكم اي تم ايداعها بعد هذا النطق كان الحكم باطلا وفقا للمادة (175) من قانون المرافعات .
د. هندي- مرجع سابق- صـ 488
وكما قررت المادة (225) مرافعات يمني بنصها صراحة على تعرض المتسبب في مخالفة ايداع المسودة للمساءلة التاديبية فإن المادة (175) من قانون المرافعات المصري الزمت المتسبب بمخالفة ذلك بالتعويضات وهذا هو ما ذكره الدكتور فوده قائلاً وتنص المادة (175) على أن المتسبب في البطلان المتقدم لعدم ايداع المسودة يوم النطق بالحكم يكون ملزماً بالتعويضات أن كان لها وجه).