دراسات قانونية

دراسة بحثية حول جنحة الوشاية الكاذبة

من إعداد : نجيمي جمال

المستشار بالمحكمة العليا

2009
بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :
اللجوء إلى السلطة العامة لتردع المعتدي و تنتصر للمعتدى عليه ضمانة أساسية للدولة، و ركيزة من ركائز المجتمع المتمدن، فهي تنشر روح الاطمئنان لدى الناس فيستقر المجتمع و ينصرف الأفراد إلى شؤونهم ، و بمجرد اضطراب هذه الوظيفة أو تقصير المصالح العامة في توفيرها على النحو الكامل تظهر الآفات الاجتماعية الخطيرة و يطغى الظلم و تبرز روح الانتقام الشخصي التي تعود بالناس إلى عهود الجاهلية .
و إدراكا منها لأهمية هذه الوظيفة فإن الدول في العصر الحديث أولتها رعاية فائقة و أكدت عليها في المواثيق الدولية و في الدساتير الوطنية، إذ تنص المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( المعتُمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 ) على ما يلي :

« لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون.»
كما ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية – اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدةالمؤرخ في 16 ديسمبر1966 و الذي انضمت إليه الجزائر في 16-05-1989 ( الجريدة الرسمية رقم 20 بتاريخ 17-05-1989 ) – في المادة 2 البند 3 :

« تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد:
( أ ) بأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية،
( ب ) بأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدعى انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة، أو أية سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني، وبأن تنمى إمكانيات التظلم القضائي.»

و جاء في الدستور الجزائري ( 1996 ) :
المادة 24 : الدولة مسؤولة عن أمن الأشخاص والممتلكات …
المادة 139 : تحمي السلطة القضائية المجتمع والحريات، وتضمن للجميع ولكل واحد المحافظة على حقوقهم الأساسية.
و ينص قانون الإجراءات الجزائية الذي يجسد هذه المبادئ ميدانيا بأن الشكاوى و البلاغات تقدم إلى مصالح الضبطية القضائية (المادة 17 منه) أو إلى ممثل النيابة العامة (المادة 36 منه) ، كما يجوز لكل شخص متضرر من جناية أو جنحة أن يتقدم بشكواه أمام قاضي التحقيق (المادة 72 منه) .
و إذا كان المشرع قد ترك الحرية للأشخاص في تقديم شكاياتهم إلى ممثلي السلطة العمومية ، فإنه في بعض الأحيان أوجب عليهم القيام بذلك تحت طائلة العقاب، و من ذلك :
ما تنص عليه المادة 181 من قانون العقوبات التي تقضي :
« فيماعداالحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 91 يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 1.000 إلى 10.000 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يعلم بالشروع في جناية أو بوقوعها فعلا ولم يخبر السلطات فورا. »

و ما تنص عليه المادة 91 منه :
« مع عدم الإخلال بالواجبات التي يفرضها سر المهنة، يعاقب بالسجن المؤقت لمدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تجاوز عشرين سنة في وقت الحرب وبالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 3.000 إلى 30.000 دينار في وقت السلم، كل شخص علم بوجود خطط أو أفعال لارتكاب جرائم الخيانة أو التجسس أو غيرها من النشاطات التي يكون من طبيعتها الإضرار بالدفاع الوطني ولم يبلغ عنها السلطات العسكرية أو الإدارية أو القضائية فور علمه بها. »

و ما تنص عليه المادة 47 من القانون 06-01 الصادر بتاريخ 20-02-2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته:
« يعاقب بالحبس من ستة ( 6) أشهر إلى خمس ( 5) سنوات وبغرامة من 50.000 د ج إلى 500.000 د ج، كل شخص يعلم بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة بوقوع جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ولم يبلغ عنها السلطات العمومية المختصة في الوقت الملائم. »
و ما تنص عليه المادة 32 من قانون الإجراءات الجزائية :
« يتعين على كل سلطة نظامية وكل ضابط أو موظـف عمـومي يـصل إلـى علمـه أثنـاء مباشـرته مهـام وظيفته خبر جنايةٍ أو جنحةٍ إبـلاغ النيابـة العامـة بغيـر تـوان، وأن يوافيهـا بكافـة المعلومـات، ويرسـل إليهـا المحاضـر والمستندات المتعلقة بها.»

و في القانون الفرنسي :
L’article 40 du code procédure pénale français fait obligation à tout fonctionnaire de dénoncer toute infraction dont il a pris connaissance dans l’exercice de ses fonctions ; et l’art. 434-1 Code pénal prescrit à toute personne qui prend connaissance d’un crime en cours de réalisation d’en informer l’autorité publique.
و كل ذلك من باب رعاية المصلحة العامة التي تستوجب قمع الجريمة و حماية المعتدَى عليه و تمكينه من حقوقه.
غير أنه في بعض الأحيان نجد أشخاصًا يستعملون هذه الصلاحية ليس للدفاع عن حقوقهم و لكن بقصد الإضرار بالغير عن طريق تقديم بلاغ غير صحيح ضده حتى تتم معاقبته، أو يقومون بالتبليغ عن جرائم وهمية ، و يكلفون المصالح العمومية عَنَاءَ البحث و التحري ، و قصدهم من وراء ذلك تحقيق أهداف خفية و إشباع رغبات شِرّيرة في نفوسهم، فيتسترون تحت رداء الضحية المظلوم أو المواطن الصالح الذي يساعد السلطة العامة.

من أجل ذلك وضع المشرع نصوصا قانونية لضبط هذا الموضوع و تفادي هذا الانحراف فنص (المادة 145 من قانون العقوبات) على معاقبة كل شخص يبلغ السلطات العمومية بجريمة يعلم بعدم وقوعها، أو يقدم دليلا كاذبا متعلقا بجريمة وهمية، أو يعترف أمام السلطة القضائية بأنه مرتكب جريمة لم يرتكبها أو لم يشارك في ارتكابها، و حتى لو لم يكن هناك نص خاص فإن هذه التصرفات تبقى مجرمة على أساس أنها تشكل إهانة للهيئات النظامية من خلال استعمالها لتحقيق مآرب دنيئة.

كما جرّم المشرع في المادة 300 من قانون العقوبات الوشاية الكاذبة بالنص على أن :
« كل من أبلغ بأية طريقة كانت رجال الضبط القضائي أو الشرطة الإدارية أو القضائية بوشاية كاذبة ضد فرد أو أكثر، أو أبلغها إلى سلطات مخول لها أن تتابعها أو أن تقدمها إلى السلطة المختصة أو إلى رؤساء الموشى به أو إلى مخدوميه طبقا للتدرج الوظيفي أو إلى مستخدميه، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 500 إلى 15.000 دينار ويجوز للقضاء علاوة على ذلك أن يأمر بنشر الحكم أو ملخص منه في جريدة أو أكثر على نفقة المحكوم عليه.
إذا كانت الواقعة المبلغ عنها معاقبا عليها بعقوبة جزائية أو تأديبية فيجوز اتخاذ إجراءات المتابعة الجزائية بمقتضى هذه المادة عن جريمة الوشاية الكاذبة سواء بعد صدور الحكم بالبراءة أو بالإفراج، أو بعد الأمر أو القرار بأن لا وجه للمتابعة، أو بعد حفظ البلاغ من القاضي أو الموظف أو السلطة الأعلى أو المخدوم المختص بالتصرف في الإجراءات التي كان يتحمل أن تتخذ بشأن هذا البلاغ.
ويجب على جهة القضاء المختصة بموجب هذه المادة أن توقف الفصل في الدعوى إذا كانت المتابعة الجزائية بالواقعة موضوع البلاغ مازالت منظورة . »
و هذه الجريمة ( الوشاية الكاذبة ) هي موضوع هذه الدراسة.

و إذا كان من المفروض أن هذا النص قد جاء لوضع توازن بين حق المضرور في تقديم شكايته و الدفاع عن حقوقه، و حق المشتكى منه في احترام سمعته و اعتباره أمام الناس، فإن هنالك بعض المشتغلين بالقانون يذهبون إلى إعطاء تفسير خاص لجريمة الوشاية الكاذبة بحيث يطبقون هذا النص على كل شخص تقدم بشكاية أو بلاغ ضد شخص ما و كانت نتيجة ذلك حفظ البلاغ أو حصول المشتكى منه على أمر بانتفاء وجه الدعوى أو حكم بالبراءة، و بذلك ظهرت حالات استثنائية تمثلت في كون أشخاص متضررين فعلا من جرائم أبلغوا عنها السلطات المختصة و لم يستطيعوا إثبات تصريحاتهم في تحديد الفاعل فتعرضوا للمتابعة على أساس الوشاية الكاذبة و عوقبوا على ذلك،

و بذلك كانت مصيبتهم مضاعفة ( و أبرز الأمثلة ظهرت في المجتمعات الغربية بالنسبة للنساء اللاتي يتعرضن لأعمال العنف من طرف أزواجهن، أو العاملات اللاتي يتعرضن للتحرش الجنسي في أماكن العمل، و عندما يتقدمن بالشكاية و لا يكون الحكم بالإدانة ضد المشتكى منه فإنهن يتعرضن للعقاب على أساس الوشاية الكاذبة، و هذا ما أدى إلى ظهور حركات جمعوية تطالب بإلغاء جريمة الوشاية الكاذبة).
و في المقابل يرى أصحاب الرأي الثاني بأن حفظ البلاغ أو حصول المُبَلغ عنه على حكم بالبراءة لا يكفي وحده لقيام جريمة الوشاية الكاذبة، بل يرون أنه لا بد أن تكون إرادة الواشي متجهة إلى الإساءة إلى الموشى به و لم تكن تهدف إلى حماية حقوقه.

و لمعرفة أي الفريقين أهدى سبيلا يتطلب الأمر دراسة هذه الجنحة و إبراز عناصرها، و البحث عن هدف المشرع من وراء النص عليها، و الإطلاع عن الاجتهاد القضائي المتعلق بها للوصول إلى التفسير الصحيح.

التعريف اللغوي :
نبدأ بالتعريف اللغوي للوشاية الكاذبة في اللغتين العربية و الفرنسية لأن ضبط معاني الكلمات هو بداية الطريق الصحيح.
جاء في لسان العرب لابن المنظور:
« الوَشْيُ في اللون: خَلْطُ لوْنٍ بلون، وكذلك في الكلام ، والحائكُ واشٍ يَشِي الثوب وَشْياً أَي نسْجاً وتأْليفاً.
ووَشى الثوبَ وَشْياً وشِيةً: حَسَّنَه. ووَشَّاه: نَمْنَمَه ونَقَشَه حَسَّنه.
ووَشى الكَذِبَ والحديثَ: رَقَمَه وصَوَّرَه.
والنَّمَّامُ يَشي الكذبَ: يُؤَلِّفُه ويُلَوِّنه ويُزَيِّنه.
الجوهري: يقال وَشَى كلامَه: أَي كذب.
… ووَشَى به وَشْياً و وِشايةً: نَمّ به. وَوَشى به إِلى السلطان وِشايةً أَي سَعى.
هو من وَشى إِذا نَمَّ عليه وَسَعى به، وهو واشٍ، وجمعه وُشاةٌ .
… والواشِي و الوَشّاءُ: النَّمَّام. »
و جاء في معجم لغة الفقهاء لصاحبيه الدكتور محمد رواس قلعة جي و الدكتور حامد صادق قنيبي :
الوشاية: بكسر الواو مصدر‍ وشى هي النميمة.

و يقول علماء الفقه الإسلامي : النميمة نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم، و يفرقون بين الغيبة و النميمة بقولهم أن الغيبة هي ذكر الغير بما يكرهه من النقائص والعيوب ، و أما النميمة فهي نقل كلام الغير بقصد الوشاية وإفشاء السر والإفساد بين الناس .
أي يستفاد من ذلك أن كلمة وشاية وحدها تكفي للدلالة على كذب الحديث و نيّة الكيد و الخديعة لدى الواشي، و أما صفة كاذبة الواردة في المصطلح القانوني (الوشاية الكاذبة) فهي من باب تأكيد الميزة التي تطبع هذا الفعل.

و من الكتاب و السنة :
قال الله تعالى: { ولا تطع كلّ حلافٍ مَهين هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ، مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } – سورة القلم الآيات 10 و 11 و 12.
و جاء في تفسير الجلالين : (مشّـاء بنميم) ساع بالكلام بين الناس على وجه الإفساد بينهم.

وقال سبحانه: { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } – سورة الهمزة.
و جاء في التفسير الميسر : شرٌّ وهلاكٌ لكل مُغتاب للناس, طعّـان فيهم.
وقال حذيفة سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ” لا يدخل الجنة نَمّام “ – رواه مسلم.

و أما بالنسبة للغة الفرنسية فقد جاء في القاموس الرقمي :
© Hachette Multimédia / Hachette Livre, 1999 :

Dénoncer : Dénoncer (qqn), le signaler, l’indiquer comme coupable à la justice, à l’autorité.
Dénoncer un criminel.
Calomnie : n. f. Accusation mensongère qui attaque la réputation, l’honneur. Etre en butte à la calomnie, aux calomnies.
Calomnier: v. tr. Attaquer la réputation, l’honneur de (qqn) par des accusations volontairement mensongères.

و أما في قاموس القانون الجنائي للأستاذ جون بول دوسي ( Dictionnaire de droit criminel – Professeur Jean-Paul Doucet ) على موقع الإنترنت http://ledroitcriminel.free.fr/ فجاء فيه أن الوشاية الكاذبة تتمثل في الإبلاغ تلقائيا و بسوء نية بأن شخصا قد ارتكب أفعالا من طبيعتها أن تعرضه لعقاب إداري أو تأديبي أو جزائي، و أشار إلى ما قاله الفقيه قارسون Garçon في تعليقه على قانون العقوبات بأن الوشاية الكاذبة تعني البلاغ غير الصحيح المقدم بسوء نية، و من يتهم بريئا يستحق أن يعاقب، و أما من يتهم بريئا و هو يعتقد أنه مذنب فإنه يفلت من قانون العقوبات لأنه ليست لديه النية الإجرامية و لكن يجب عليه أن يعوض الضرر الذي تسبب فيه.

النصوص العقابية :
قانون العقوبات الجزائري في مادته 300 ( و هي من بين المواد التي لم يدخل عليها أي تعديل منذ صدور قانون العقوبات في 08-06-1966 إلى غاية تحرير هذه الصفحات في يناير 2009) ينص على ما يلي:
« كل من أبلغ بأية طريقة كانت رجال الضبط القضائي أو الشرطة الإدارية أو القضائية بوشاية كاذبة ضد فرد أو أكثر ، أو أبلغها إلى سلطات مخول لها أن تتابعها أو أن تقدمه اإلى السلطة المختصة أوإلى رؤساء الموشى به أوإلى مخدوميه طبقا للتدرج الوظيفي أوإلى مستخدميه ، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات و بغرامة من 500 إلى 15.000 دينار، ويجوز للقضاء علاوة على ذلك أن يأمر بنشر الحكم أو ملخص منه في جريدة أو أكثر على نفقة المحكوم عليه.

إذاكانت الواقعة المبلغ عنها معاقبا عليها بعقوبة جزائية أو تأديبية فيجوز اتخاذ إجراءات المتابعة الجزائية بمقتضى هذه المادة عن جريمة الوشاية الكاذبة سواء بعد صدور الحكم بالبراءة أو بالإفراج ، أو بعد الأمر أو القرار بأن لا وجه للمتابعة ،أو بعد حفظ البلاغ من القاضي أوالموظف أو السلطة الأعلى أو المخدوم المختص بالتصرف في الإجراء ات التي كان يتحمل أن تتخذ بشأن هذا البلاغ.
ويجب على جهة القضاء المختصة بموجب هذه المادة أن توقف الفصل في الدعوى إذا كانت المتابعة الجزائية بالواقعة موضوع البلاغ مازالت منظورة .»
و هذه المادة مطابقة حرفيا لنص المادة 373 من قانون العقوبات الفرنسي القديم الصادر بتاريخ 28-06-1945 ، و أما قانون العقوبات الفرنسي الحالي الصادر بالقانون رقم 92-683 المؤرخ في 22-07-1992 فنص عليها في المادة 226-10 منه كالتالي :
« La dénonciation, effectuée par tout moyen et dirigée contre une personnedéterminée, d’un fait qui est de nature à entraîner des sanctions judiciaires, administrativesou disciplinaires et que l’on sait totalement ou partiellement inexact, lorsqu’elle est adresséesoit à un officier de justice ou de police administrative ou judiciaire, soit à une autorité ayantle pouvoir d’y donner suite ou de saisir l’autorité compétente, soit aux supérieurshiérarchiques ou à l’employeur de la personne dénoncée, est punie de cinq ansd’emprisonnement et de 45 000 euros d’amende.
La fausseté du fait dénoncé résulte nécessairement de la décision, devenue définitive, d’acquittement, de relaxe ou de non-lieu déclarant que la réalité du fait n’est pas établie ou que celui-ci n’est pas imputable à la personne dénoncée.
En tout autre cas, le tribunal saisi des poursuites contre le dénonciateur apprécie lapertinence des accusations portées par celui-ci.»

و النص الجديد لم يأت بأي تغيير لأحكام القانون و إنما أكد و رسّخ ما توصل إليه الاجتهاد القضائي بالنسبة لهذه الجنحة ، و من ذلك :

•قيام الجرم أيضا إذا كان الواشي يعلم بأن الوقائع التي يبلغ عنها غير صحيحة جزئيا.
•إن عدم صحة الوقائع المبلغ عنها تستنتج حتما من حكم البراءة أو أمر انتفاء وجه الدعوى أو مقرر الحفظ التي تصرح بأن الوقائع غير مؤكدة أو أن نسبتها للمبلغ عنه غير ثابتة، و ليس للجهة التي تنظر دعوى الوشاية الكاذبة أن تشكك في ذلك أو تناقشه، اللهم إلا في حالة ما إذا كانت الجهة المبلغ لها لم تتخذ أي موقف أصلا.
•المتابعة الجزائية ضد الأفعال المبلغ عنها تمنع من التصدي إلى دعوى الوشاية الكاذبة و توجب تعليقها إلى حين الفصل النهائي في البلاغ.
و يتميز النص الجديد بالوضوح خصوصا التأكيد أن يكون الواشي عالما بعدم صحة الواقعة المبلغ عنها كليا أو جزئيا، مما يسمح بإبراز العنصر المعنوي الخاص المتعلق بسوء النية.
و نجد في قانون العقوبات السويسري تعبيرًا أدقّ، و هو ما جاء في المادة 303 منه التي تنص على أن كل من أبلغ السلطات بأن شخصا ما ارتكب جناية أو جنحة، مع علمه ببراءته، و ذلك قصد متابعته جزائيا ، يعاقب بالحبس أو بالغرامة.

Code pénal suisse. Art. 303 :
Celui qui aura dénoncé à l’autorité, comme auteur d’un crime ou d’un délit, une personne qu’il savait innocente, en vue de faire ouvrir contre elle une poursuite pénale,
celui qui, de toute autre manière, aura ourdi des machinations astucieuses en vue de provoquer l’ouverture d’une poursuite pénale contre une personne qu’il savait innocente,
sera puni d’une peine privative de liberté ou d’une peine pécuniaire.

قانون العقوبات التونسي :

نص القانون التونسي على جنحة الوشاية الكاذبة في المادتين 248 و 249 منه و نصهما كالتالي :
الفصل 248 : « كل من أوشى باطلا بأية وسيلة كانت بشخص أو بأشخاص لدى سلطة إدارية أو عدلية التي من نظرها أن تتبع هذه الوشاية أو أن تتعهد بها السلطة المختصة، أو أن يتعهد بها رؤساء الموشى به أو مستأجره، يعاقب بالسجن مدة تتراوح بين السنتين والخمسة أعوام وبخطية* قدرها 720 ألف فرنك.

ويمكن للمحكمة علاوة على ما ذكر أن تأذن بنشر كامل الحكم أو ملخص منه بإحدى الجرائد أو أكثر وذلك على نفقة المحكوم عليه.
وإذا كان موضوع الوشاية من شأنه أن يترتب عنه عقاب جزائي أو تأديبي فإن التتبعات يمكن أن تجري بموجب هذا الفصل إما بعد الحكم الابتدائي أو الاستئنافي القاضي بعدم سماع الدعوى أو ترك السبيل أو بعد قرار الحفظ ، وإما بعد حفظ الوشاية من طرف الحاكم أو السلطة العدلية أو المستأجر الذين من نظرهم تقرير مآل الوشاية. وعلى المحكمة المتعهدة بموجب هذا الفصل أن تؤجل النظر إذا كانت التتبعات المتعلقة بموضوع الوشاية ما زالت منشورة.

الفصل 249 : لا يمكن الاعتذار بكون المكاتيب والمطبوعات أو الصور التي هي السبب في المحاكمة إنما هي منقولة من منشورات واقعة بالقطر التونسي أو بخارجه.
و يلاحظ أن المحتوى مماثل لمضمون القانون الجزائري مع اختلاف في الترجمة فقط، و بلا شك فإن السبب يعود إلى المصدر المشترك و هو قانون العقوبات الفرنسي، و كلمة “خطية” الواردة بالقانون التونسي هي مفردة عاميّة في دول المغرب العربي و معناها التغريم .

قانون العقوبات المغربي :
إن نص المادة 445 من قانون العقوبات المغربي مطابق حرفيا لنص المادة 300 من قانون العقوبات الجزائري، و بذلك فالنصين مطابقان حرفيا لنص المادة 373 من قانون العقوبات الفرنسي القديم، و بالتالي يصدق عليهما التحليل نفسه.

قانون العقوبات المصري :
قانون العقوبات المصري نص على الوشاية الكاذبة كصورة من صور القذف ، دون استعمال مصطلح ” الوشاية الكاذبة ” ، و ذلك في الباب السابع منه تحت عنوان : {القذف و السب و إفشاء الأسرار}، فنص على جنحة القذف في المادة 302 منه على النحو التالي :
« يعد قاذفا كل من اسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا، أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه .

ومع ذلك فالطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامه لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة وبشرط أن يثبت مرتكب الجريمة حقيقة كل فعل اسند إليه ولا يغنى عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل .
ولا يقبل من القاذف إقامة الدليل لإثبات ما قذف به إلا في الحالة المبينة في الفقرة السابقة .»

ثم أردفها بالمادتين 304 و 305 اللتين تتضمنان حكم الوشاية الكاذبة على النحو التالي :
مادة 304 : « لا يحكم بهذا العقاب على من اخبر بالصدق وعدم سوء القصد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعله .»
مادة 305 : « وأما من اخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة ولو لم يحصل منه إشاعة غير الإخبار المذكور ولم تقم دعوى بما اخبر به .»
و بذلك نلاحظ أن المشرع المصري بدوره قد أشار إلى العناصر الجوهرية لجنحة الوشاية الكاذبة و خصوصا أن تكون الوقائع المبلغ عنها غير صادقة، و أن تكون نية المبلغ أو المخبر سيئة، و لكن نص القانون الجزائري أكثر وضوحا بفعل إفراده لجنحة القذف نصا خاصا خلافا للقانون المصري.

عناصر جنحة الوشاية الكاذبة :
إن العناصر التي تتكون منها جريمة الوشاية الكاذبة تستمد من النص القانوني و من الاجتهاد القضائي النابع من تطبيق أحكام القانون على أرض الواقع، و يتعين على القاضي إبرازها في حكمه عند تسبيبه.
يقول الفقيه قويي Goyet ( Droit pénal spécial ) بأن عناصر هذه الجنحة ثمانية :
1. بلاغ ………….. Une dénonciation
2. تِـلقائي …….. Spontanée
3. كتابي أو شفوي …. la forme écrite ou orale
4. كاذب …………. dénonciation présentant un caractère calomnieux
5. بنية سيئة ……….. une intention frauduleuse
6. يُوجَّه إلى الضبطية القضائية أو الإدارية … à un officier de justice ou de police judiciaire ou administrative
7. ضد شخص معين ……. contre une personne déterminée
8. عن فعل معاقب عنه …..portant sur un fait de nature à donner lieu à des sanctions

و العناصر التي تستحق الشرح و التوضيح هي :
طريقة تقديم البلاغ :
أن يكون البلاغ تلقائيا spontané، ( قرار محكمة النقض الفرنسية في 03-05-2000 )، بمعنى أن يبادر به الواشي من تلقاء نفسه، سواء قام به المعنيّ شخصيا أو عن طريق وكيل ، أما التصريحات التي يُدلى بها بناء على استجواب من أية جهة كانت فلا تشكل وشاية كاذبة مهما كانت درجة صدقها أو كذبها، و من ذلك ما يصرح به المتهم للدفاع عن نفسه أمام القضاء، أو ما يصرح به الشاهد عند استجوابه.
كما أن ما يثيره المتقاضون من دفوع و تصريحات أمام ساحة القضاء في منازعات قائمة بينهم ، و كانت تلك التصريحات مرتبطة بالدعوى المنشورة فإنها لا تعتبر وشاية بل تندرج تحت حق الدفاع المضمون لكل الأطراف، و أما إذا كانت لا تتعلق بالنازلة المنظورة فعندئذ يمكن أن تشكل وشاية.
و من بين القوانين التي أشارت إلى ذلك صراحة قانون العقوبات البلجيكي في المادة 452 منه ، و نصها :
Art.452. Ne donneront lieu à aucune poursuite répressive les discours prononcés ou les écrits produits devant les tribunaux, lorsque ces discours ou ces écrits sont relatifs à la cause ou aux parties.
Les imputations calomnieuses, injurieuses ou diffamatoires étrangères à la cause ou aux parties pourront donner lieu soit à l’action publique, soit à l’action civile des parties ou des tiers.

الجهة المبلغ لها :
و هي الضبطية القضائية أو الإدارية، أو الرئيس الإداري أو رب العمل، أو أية سلطة مخولة بأن تتابع الشكاية و تقدمها إلى هذه الجهات، كمن يقدم الشكاية لمصالح رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة عالما أنها ستوجهها للمصالح المختصة (و يكون لها تأثير أقوى بهذه الطريقة).
و أما إذا لم يقدم البلاغ إلى سلطة ما فلا نكون أمام وشاية كاذبة، و لكن قد نكون أمام جريمة القذف ( Diffamation ) التي تعني الادعاء بواقعة من شأنها المساس بشرف و اعتبار المدعى عليه بها إذا كان هناك نشر لهذا الإدعاء حسبما يتطلبه القانون.

الموشى به :
حسب نص المادة 300 من قانون العقوبات المذكورة أعلاه فإن الموشى به يكون فردا أو أفرادا طبيعيين مُعينين أو قابلين للتعيين مباشرة من خلال الشكاية، و أما إذا كان التبليغ عن وقائع كاذبة دون إسنادها لفرد ما فنكون أمام جرم البلاغ الكاذب أو إهانة السلطات مثلما هو منصوص عليه في المادة 145 من قانون العقوبات التي تنص :
« تعتبر إهانة ويعاقب عليها على هذا الاعتبار قيام أحد الأشخاص بتبليغ السلطات العمومية بجريمة يعلم بعدم وقوعها أو تقديمه دليلا كاذبا متعلقا بجريمة وهمية أو تقريره أمام السلطة القضائية بأنه مرتكب جريمة لم يرتكبها أو لم يشترك في ارتكابها. »

و أما تقديم الوشاية ضد شخص معنوي فإن النص الحالي لا يسمح بها مبدئيا، مع ملاحظة أن المشرع الفرنسي بعد تعديل قانون العقوبات قد أجاز أن يكون الموشى به شخص معنوي و ذلك بذكره عبارة « شخص » في نص القانون الجديد بدلا من عبارة « فرد » في النص القديم، و أكدت ذلك محكمة النقض الفرنسية من خلال قرار أصدرته في 22-06-1999 كان ضحية الوشاية فيه صندوق جهوي للقرض الفلاحي.
و لمزيد من التوضيح فقد أورد قانون العقوبات الفرنسي الجديد نصا خاصا يجرم و يعاقب الوشاية الكاذبة الصادرة من شخص معنوي و ذلك من خلال نص المادة 226-12 منه.

الوقائع موضوع البلاغ :
يجب أن تكون الوقائع المبلغ عنها من شأنها أن تعرض المشتكى منه إلى المتابعة و العقاب الجزائي أو التأديبي، و لا يكفي أن تتعلق بتصرفات غير أخلاقية أو مخالفة للعرف الاجتماعي فقط، و أن تكون كلها أو بعضها غير صحيحة .

و عدم صحة الوقائع المبلغ عنها قد يكون كليا أو جزئيا، و قد تكون صحيحة مبدئيا و لكن يدخل عليها الشاكي تحريفا أو تزييفا بحيث يقدمها على أساس أنها وقائع مجرّمَة، و هو المعنى الحقيقي لمصطلح الوشاية من الناحية اللغوية كما سبقت الإشارة إليه، و هو تزيين الحديث و تلوينه بغرض مخادعة المستمع، و القول الفصل في ذلك هو ما تقرره الجهة المبلغ لها من خلال مقرر الحفظ أو حكم البراءة، و لا يمكن التطرق لدعوى الوشاية الكاذبة إلا بعد الحفظ أو النطق بالبراءة، و هو ما تضمنته الفقرة الثانية من نص المادة 300 من قانون العقوبات، و أكدته المحكمة العليا في قرار لها في الملف رقم 31341 بتاريخ 25/12/1984 الذي جاء في حيثياته :
« حيث أنه يتعين قبل الرد على هذا الوجه الإشارة إلى أن المدعي قد صرح في جلسة ترأسها رئيس الدائرة بأن دركيين قد أجبروه على بيع أغطية لهم, وإلى أن هذا التصريح يعتبر حسب القرار المطعون فيه وشاية كاذبة .

حيث أنه يتعين التذكير كذلك بأنه لا يتابع من أجل هذه لجريمة إلا بعد:
1) بعد صدور الحكم بالبراءة أو بالإفراج.
2) بعد النطق بأن لا وجه للمتابعة.
3) حفظ البلاغ من القاضي أو الموظف أو السلطة العليا أو صاحب العمل المختص بالتصرف في الإجراءات التي كان يحتمل أن تتخذ بشأن هذا البلاغ .
حيث أن رجال الدرك المخاصمين في هذه القضية لم يتابعوا ولم تسلط عليهم أية عقوبة جزائية أو تأديبية .

حيث أن هذا الوجه مؤسس. »
و أكدت المحكمة العليا هذا الموقف في قرار آخر منشور في موقع المحكمة على الإنترنت و هو القرار رقم 123059 بتاريخ القرار21/07/1996 الذي جاء في حيثياته ما يلي :
« حيث أنه يثبت فعلا من القرار المطعون فيه أن الطاعن كتب شكوى ضد الدرك الوطني وأنه قبل التحقيق في محتوى هذه الرسالة ، وقبل التثبت من صحة ما جاء فيها وصدور تدبير من التدابير التي حددتها الفقرة الثانية من المادة 300 من قانون العقوبات ، توبع الطاعن بتهمة الوشاية الكاذبة وهو ما يعتبر خرقا للقانون في مادته المذكورة سابقا وبالتالي فالوجه المثار مؤسس ويؤدي إلى النقض. »

و لكن إذا كانت البراءة قد صدرت لفائدة الشك فالظاهر أن عدم صحة الوقائع ليست مؤكدة و هو ما قضت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 13-10-1982 في الطعن رقم 22262 الذي جاء فيه :
« و حيث إنه بالرجوع إلى القرار المطعون فيه و بالإطلاع على وثائق ملف الطعن يتبين و أن ما قام به الطاعن من تقديم شكوى إلى الدرك الوطني لا يُكوّن في حد ذات خطأ موجبا للمسؤولية لكون السلطات المبلغ لها – حرة في المتابعة أو عدمها – هذا من جهة – و من جهة أخرى فإن تهمة البلاغ الكاذب لا تكون أساسا للمطالبة بالتعويض إلا بعد صدور قرار من السلطة المختصة بعدم صحة الأفعال محل التبليغ، و بما أن القرار الجنحي في حكمه ببراءة المطعون ضده قد بني على الشك فقط فإن الشرط المذكور أعلاه غير متوفر و عليه يجب نقض القرار المتظلم منه دون إحالة . »
كما ذهبت إلى ذلك أيضا محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 19-06-1991 في القضية رقم 82.160 لعام 90 .

كما بَرَزَ رأي ثان يقول بأن مقرر الحفظ لا يعني عدم صحة الوقائع المبلغ عنها، و أنه يتعين على المحكمة الناظرة في دعوى الوشاية الكاذبة أن تـُمَحص صحة الوقائع، و هناك قرار للمحكمة العليا في هذه النقطة ( طعن رقم 23519 قرار بتاريخ 09/11/1982 ) صرح بأن حفظ البلاغ شرط للمتابعة من أجل الوشاية الكاذبة، و أن تقدير صحة الوقائع من بين مسائل الموضوع التي يختص بها قضاة الموضوع، و لكنه لم يقل صراحة بأن مقرر الحفظ لا يكفي ، و جاء في القرار :

« و حيث أن حفظ البلاغ من طرف القاضي يدخل ضمن الحالات التي عددتها المادة المذكورة أعلاه كشرط لإجراء المتابعة .
و حيث أن تقدير الوقائع و الحكم على مدى صحتها مما يختص به قضاة الموضوع و يرجع إلى اقتناعهم الشخصي و لا رقابة عليهم في ذلك من طرف المجلس الأعلى إذا ما اقتنعوا بعدم صحة الوقائع الواردة في البلاغ، و هو ما خرج به القاضي الأول، لذلك يجوز لهم الحكم على الشخص الذي قدم البلاغ طبقا للقانون، و عليه فإن الفرع الأول يكون غير مؤسس. »

و تجدر الملاحظة أن مجرد إعطاء أوصاف ـ ربما مبالغ فيها ـ للوقائع الحقيقية من طرف الشاكي لا يشكل وشاية، وكذا محاولة تضخيم واقعة حقيقية كالمبالغة في ذكر الأشياء المسروقة مثلا، أو القول بأنها وقعت بتوافر ظروف مشددة كالتسلق أو الكسر في حين أنها وقعت بطريقة بسيطة ، فذلك لا يشكل وشاية كاذبة و إن كان يعتبر بكل تحفظ كذبا.

و في حالة انقضاء الدعوى العمومية بشأن الوقائع المبلغ عنها مثل حالة وفاة الموشى به قبْـل المحاكمة ، أو صدور عفو عام، فإن البحث في صحة الوقائع المبلغ عنها يعود للمحكمة الناظرة في الوشاية الكاذبة.
كما أنه إذا كانت الجهة المبلغ لها لم تتخذ أي موقف بشأن الوشاية ففي هذه الحالة يكون للقاضي الناظر في جنحة الوشاية الكاذبة أن يبحث و يتأكد من صحة الوقائع المبلغ عنها.

سوء النية : ( و هو بيت القصيد )
إن القصد العام لا يكفي لقيام هذا الجرم، بل لا بد من قصد خاص و هو سوء النية، و هو من الأركان الأساسية لهذه الجنحة مثلما أكدت ذلك المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 08-06-2005 في القضية رقم 299800 الذي جاء في حيثياته ما يلي :
« حيث إنه من قراءة القرار المطعون فيه تبين منه إن قضاة المجلس و قبلهم قضاة المحكمة قد توقفوا في إدانة المتهمة (م- م- خ) بجنحة الوشاية الكاذبة عند المفهوم الحرفي الظاهري للمادة 300 من قانون العقوبات.

ذلك إنه كون المتهمة سبق أن قدمت شكوى ضد جارها (ق-ج) على أنه هددها بالسلاح الأبيض و تمت متابعته من النيابة على هذا الأساس وانتهت هذه المتابعة بصدور قرار غرفة الاتهام بانتفاء وجه الدعوى.
فان ذلك لا يعني أن المتهمة ادعت بوقائع كاذبة ، وإنما لم تستطع إثباتها أمام الجهات القضائية المختصة ، و من ثم كان على قضاة الموضوع قبل إدانة المتهمة بجريمة الوشاية الكاذبة أن يناقشوا الظروف و الملابسات التي حصلت فيها واقعة التهديد بالسلاح الأبيض، و إبراز سوء نية المتهمةفيها على خلفية ادعائها بذلك، و بما أنهم لم يتطرقوا إلى توضيح و مناقشة هذه العناصر من تهمة الوشاية الكاذبة المنسوبة إلى المتهمة فإن قرارهم المطعون فيه جاء مشوبا بقصور التسبيب مما استوجب معه نقضه و إبطاله .»

كما قضت بذلك أيضا محكمة النقض الفرنسية في عدة قرارات لها ( إجتهاد مستقر) منها القرار الفاصل في القضية رقم 87.510 لعام 90 بتاريخ 09-10-1991 الذي جاء في حيثياته بأنه يجب إبراز عنصر سوء النية الذي يقتضي بأن الواشي يكون عالما يوم تقديمه الوشاية بأن الواقعة التي ينسبها للغير غير صحيحة :
… Mais attendu que ces seules constatations ne peuvent suffire à caractériser la mauvaise foi exigée par l’article 373 du Code pénal, qui implique que le dénonciateur connaisse, au jour de la dénonciation, la fausseté du fait qu’il impute à autrui ; Qu’ainsi l’arrêt encourt la cassation. )

بل لقد ذهبت أبعد من ذلك في قرارها الصادر بتاريخ 11-10-1983 في القضية رقم 93.985 لعام 1982 الذي جاء في حيثياته بأن نية الإضرار بالمشتكى منه لا تكفي للقول بتوافر سوء النية الذي يستوجب علم الشاكي يوم تقديم الوشاية الكاذبة بعدم صحة الوقائع التي ينسبها للغير :

” Mais attendu que l’intention de nuire, a la supposer établie, ne pourrait suffire a Caractériser la mauvaise foi exigée par l’article 373 du code pénal qui implique que le Dénonciateur ait connu, au jour de sa dénonciation, la fausseté du fait qu’il impute A autrui ;
Qu’ainsi l’arrêt encourt la cassation ;

و أكثر من ذلك ما جاء في قرارها الصادر بتاريخ 07-12-2004 في القضية رقم 81.929 لعام 2004 من أنه ليس على الشخص المتابع بجنحة الوشاية الكاذبة أن يثبت حسن نيته عند تقديم البلاغ بل على جهة المتابعة أن تثبت سوء نيته …

… Attendu que, saisi par les appels de la partie civile et du ministère public, la cour d’appel, pour déclarer la prévenue coupable de dénonciation calomnieuse, relève que la fausseté des faits est établie par l’ordonnance de non-lieu rendue sur la plainte de Françoise X…, laquelle “ne peut avoir agi de bonne foi ou apporter la preuve qu’elle ignorait la fausseté des faits dénoncés” ;
Mais attendu qu’en l’état de tels motifs qui mettent à la charge de la prévenue l’obligation de prouver sa bonne foi, les juges n’ont pas donné de base légale à leur décision ;
D’où il suit que la cassation est encourue ;

إن مصطلح الوشاية الكاذبة يتضمن بحد ذاته معنى سوء النية من خلال نعت الوشاية بأنها كاذبة، أي أن الواشي كاذبٌ فيما أبلغ به، و أن غرضه ليس الدفاع على حقوقه المعتدى عليها بل غرضه الإساءة إلى شرف و اعتبار الموشى به، و يستدل عليها من خلال معرفة الشاكي بأن الوقائع التي يبلغ عنها غير صحيحة، أو معرفته بأن الشخص المشتكى منه بريء منها، و قد أحسن المشرع السويسري حين نص على ذلك صراحة كما هو مذكور أعلاه، و يجب توافر سوء النية يوم تقديم الوشاية و ليس بعد ذلك، و سوء النية ليس مفترضا بل يجب التأكد من توافره، كما أن مجرد التسرع في تقديم الشكاية لا يدل بمفرده على سوء النية.

و بالتالي : إذا كانت الواقعة المبلغ عنها قد حصلت فعلا (مثل تعرض الشاكي إلى سرقة حقيقية، أو ضرب أكيد مثبت بشهادة طبية … ) و كان الشاكي يعتقد عن حسن نية أن المشتكى منه هو الفاعل، و لم تكن لديه مقاصد شريرة للكيد و الإضرار بالمشتكى منه، ففي هذه الحالة لا تقوم جنحة الوشاية الكاذبة لأنها بكل بساطة ليست كاذبة، بل هي بلاغ للسلطات المختصة للقيام بواجبها و تمكين الشاكي من حقوقه، و هذه المسألة ـ تقدير صحة الوقائع ـ متروكة للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع حسب معطيات كل قضية.

الخاتمة :
إن الغاية من تجريم الوشاية الكاذبة هو وضع توازن بين حق الضحايا في اللجوء للسلطة العامة لحمايتهم و تمكينهم من حقوقهم، و بين تلاعب بعض المحتالين الذين يستعملون مصالح السلطة العامة للكيد و الإيقاع بخصومهم عن طريق تقديم وشايات كاذبة تعتمد على ذكر وقائع غير صحيحة، أو نسبة وقائع صحيحة إلى الموشى به دون حق، و بذلك يحدث ضرر للموشى به و ضرر أكبر لجهاز العدالة أو للسلطة الرئاسية أو رب العمل الذين يتصرفون بناء على الوشاية فيظلِمون الموشَى به.

و إن التوسع في تفسير جنحة الوشاية الكاذبة و اعتبار أن مقرر الحفظ أو حكم البراءة يؤدي مباشرة و تلقائيا إلى قيام الجرم و من ثمة معاقبة الشاكي الأصلي يؤدي إلى نتائج وخيمة لا يهدف إليها المشرع و لا تحقق المصلحة العامة، إذ يجعل الشاكي مهددا بالعقاب لمجرد أن الجهة المبلغ لها لم تعاقب المشتكى منه، علما بأن حفظ البلاغ أو الحكم بالبراءة قد يكون لأسباب لا يد للشاكي فيها مثل : حفظ الشكاية من طرف النيابة على أساس تقدير ملاءمة المتابعة فقط و ليس بسبب عدم وجود أعباء كافية أو عدم صحة الوقائع المبلغ عنها، و كذلك حكم البراءة قد يكون بناء على الشك فقط أو بفعل التقادم و نحوه، فليس من العدل في هذه الحالات الحكم بمعاقبة الشاكي، و هذا ما يدفع البعض إلى المطالبة بإلغاء هذه الجنحة حتى لا تكون عائقا أمام الضحايا الضعفاء و سلاحا في يد المحتالين .
و من جهة أخرى فإن حذف هذه الجنحة من قانون العقوبات يفتح الباب على مصراعيه أمام الشكايات الكيدية و الانتقامية و يؤدي إلى ضرر كبير لا يخفى على أحد.
و لهذا فإن الصواب ـ حسبما أرى ـ هو الإبقاء على تجريم الوشاية الكاذبة و لكن مع التأكيد على أن قيام الجرم لا يكون إلا بتوافر سوء النية لدى المُوشِي من خلال علمه بأن الوقائع المبلغ عنها غير صحيحة كليا أو جزئيا، أو علمه بأن المشتكى منه بريء مما ينسب إليه، و ذلك بالنص على هذا الركن صراحة في صلب النص العقابي، و من أجل الأخذ بعين الاعتبار مختلف الملاحظات المستمدة من القوانين المقارنة المشار إليها في هذه الدراسة فإنني أقترح تعديل نص المادة 300 من قانون العقوبات على النحو التالي :

{ النص المقترح لجنحة الوشاية الكاذبة } =

« كل من أبلغ بأية طريقة كانت الضبطية القضائية أو الضبطية الإدارية بوشاية كاذبة ضد شخص أو أكثر ، أو أبلغه اإلى سلطات مخول لها أن تتابعها أو أن تقدمها إلى السلطة المختصة أو إلى رؤساء الموشَى به أو إلى رب عمله طبقا للتدرج الوظيفي ، مع علمه بأن الوقائع المبلغ عنها غير صحيحة كليا أو جزئيا، أو علمه بأن الشخص المبلغ عنه بريء مما ينسب إليه ، يعاقب بالحبس … و بغرامة من … إلى … دينار، ويجوز للقضاء علاوة على ذلك أن يأمر بنشر الحكم أو ملخص منه في جريدة أو أكثر على نفقة المحكوم عليه.

و تعتبر الوقائع المبلغ عنها غير صحيحة إذا صرحت بذلك الجهة المبلغ لها من خلال تصريحها بالبراءة أو بانتفاء وجه الدعوى أو بالحفظ على أن يكون ذلك بناء على عدم ثبوت الوقائع أو عدم ثبوت نسبتها للمبلغ عنه.
و أما في باقي الحالات الأخرى فإن على الجهة القضائية الناظرة في دعوى الوشاية الكاذبة أن تتأكد من عدم صحة الوقائع المبلغ عنها.
و لا تعتبر التصريحات أو الكتابات التي تقدم أمام المحاكم في إطار الخصومات القائمة بين الأطراف وشاية كاذبة ما دامت مرتبطة بوقائع تلك الخصومة. »

إغلاق