دراسات قانونية

بحث قانوني حول الإحسان العمومي في النص القانوني

ايت الشيخ محمد كريم

طالب بسلك ماستر العلوم الإدارية و المالية ـ كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ـ السويسي.

يعتبر التبرع بالأموال من الأمور الجميلة التي حث الله سبحانه و تعالي على فعلها، حيث يؤدي ذلك الى زيادة التكافل الاجتماعي و القصاء على الفقر، و قد رغب الاسلام في تقديم العون للمحتاجين بسبب الفقر أو غيره، فالصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.

و لقد ورد في الكثير من الآيات والأحاديث، منها: قول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ (البقرة 274).

و على رغم من كون الغاية من جمع التبرعات هو تحقيق أهداف إنسانية نبيلة و مشروعة، فإن ذلك لم يمنع المشرع من التدخل للتأطير هذا العمل الايجابي و الانساني حتى لا ينحرف عن الاهداف المنشودة.

فتأطير جمع التبرعات قانون تم مع القانون 71ـ004 المتعلق بالتماس الاحسان العمومي الصادر سنة 1971، حيث عمل المشرع من خلال القانون السالف الذكر على تنظيم جميع الجوانب المتعلقة بالتماس الاحسان العمومي باستثناء تفاصيل مسطرة الترخيص ، و ترك الامر للمرسوم التطبيقي الذي لم يصدر الى في حدود سنة 2005 أي بعد مرور أزيد من 34 سنة على صدور القانون المتعلق بالتماس الاحسان العمومي.

و بالنظر للتطورات الاقتصادية و الاجتماعية و الحقوقية التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة طرحنا اشكالية جوهرية بخصوص موضوع التماس الاحسان العمومي، و مفاد هذه الاشكالية الى أي حد تستطيع النصوص القانونية المنظمة للالتماس الاحسان العمومي المواكبة و التفاعل بشكل ايجابي مع التطورات التي أضحت تعرفها عملية جمع التبرعات ؟

و ترتب عن هذه الاشكالية الرئيسة مجموعة من الاسئلة الفرعية:

ما هو مفهوم التماس الاحسان العمومي؟ من هو الجهاز الذي كلفه القانون من اجل ترخيص التماس الاحسان العمومي؟ ما هي المسطرة الواجب اتبعاها للحصول على ترخيص؟ ما هي الاشكالات التي تطرحها النصوص القانونية الحالية المنظمة لعملية التماس الاحسان العمومي؟ وعلى ضوء هذه الاشكالات ما هي ابرز الاصلاحات التي يمكن انتظارها على مستوى تعديل النصوص القانونية المنظمة للالتماس الاحسان العمومي؟

و من اجل معالجة الاشكالية الجوهرية و الاسئلة الفرعية، قررنا الاشتغال بمقاربة تؤدي الى تقسيم الموضوع الى قطبين أساسين، و هما مفهوم الاحسان العمومي و المسطرة المتبعة من أجل الحصول على ترخيص للالتماس الاحسان العمومي(المطلب الاول)، ثم واقع الاحسان العمومي بالمغرب و اشكالية تقادم النصوص القانونية المنظمة للالتماس الاحسان العمومي( المطلب الثاني).

المطلب الاول مفهوم الاحسان العمومي و المسطرة المتبعة من أجل الحصول على ترخيص للالتماس الاحسان العمومي:

حدد المشرع مفهوم التماس الإحسان العمومي من خلال القانون 71ـ004[1]، حيث يراد بالتماس الاحسان العمومي كل طلب يوجه للعموم قصد الحصول بوسيلة ما على أموال أو أشياء أو منتوجات تقدم كلا أو بعض لفائدة مشروع خيري أو هيئة أو أفراد أخرين[2].

و يتضح من خلال التعريف الذي وضعه المشرع للالتماس الاحسان العمومي، ان هذا الاخير يقصد به الطلب برفق الذي يوجه لعموم الناس من اجل التبرع بالأموال او منتوجات أو أشياء اخرى، وذلك بغية التقرب من الله سبحانه و تعالي و طلبا لمرضاته و هروبا من عقابه.

و جعل المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات المقارنة، عملية التماس الإحسان العمومي مقترنة بترخيص من جهاز إداري، و حدد المشرع المغربي هذا الجهاز في الأمانة العامة للحكومة، و ذلك حسب منطوق الفصل الاول من القانون المتعلق بالتماس الاحسان العمومي.

و ذلك على عكس التشريعات المقارنة التي عينت أجهزة أخرى، و كلفتها بمنح رخصة جمع التبرعات من العموم، مثال ذلك الجمهورية التونسية منح اختصاص الترخيص لجمع التبرعات من العموم لرئيس الحكومة[3]، و بالإمارات العربية المتحدة منح اختصاص منح الرخص لجمع التبرعات من العموم على المستوى الاتحادي للهيئة العامة للشؤون الإسلامية[4].

و يرجع بالأساس منح اختصاص ترخيص التماس الإحسان العمومي للأمانة العامة للحكومة، كون هذه الاخيرة من خلال تنظيمها الهيكلي تتوفر على مديرية الجمعيات، و جعل القانون من اختصاص هذه المديرية التابعة للأمانة العامة للحكومة إعداد النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالجمعيات، و منح رخص التماس الاحسان العمومي للجمعيات التي تقدمت بطلب للحصول على رخصة[5].

وبهذا يتضح جليا أن المشرع المغربي جعل ترخيص التماس الإحسان العمومي مقترن بالجمعيات فقط دون غيرها.

و على اعتبار أن المشرع المغربي جعل كل التماس للإحسان العمومي مقترن بالحصول على ترخيص من الأمانة العامة للحكومة، فإن هذه القاعدة تعرف بعض الاستثناءات، و حددت الحالات التي تستني من ترخيص الامين العام للحكومة في نصوص قانونية متفرقة، و بالتالي سنستعرض الحالات التي يمكنن من خلالها مباشرة جمع تبرعات دون الحاجة لترخيص من الأمين العام للحكومة:

بموجب القانون المتعلق بالتماس الإحسان العمومي تستني من نطاق الحاجة الى الحصول على ترخيص السيد الأمين العام للحكومة من أجل جمع التبرعات الحالات التالية[6]:
التماس الاحسان العمومي الذي يقوم به التعاون الوطني؛
التماس و جمع الأموال من العموم بالطرق التقليدية؛
تستفيد الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة و بناء على مرسوم الذي اضفى عليها صفة المنفعة العامة من صلاحية القيام مرة واحدة في السنة بصفة تلقائية دون الحصول على ترخيص مسبق من الأمين العام للحكومة، وهكذا يتم اطلاق عملية جمع التبرعات او تنظيم تظاهرة، لكن شريطة ان يتم التصريح بذلك للأمانة العامة للحكومة 15 يوم قبل تنظيم العملية التي سيتم من خلالها جمع التبرعات او تنظيم التظاهرة[7]؛
يستثني من الحصول على ترخيص الامين العام للحكومة كذلك كل التماس للإحسان العمومي يهدف الى جمع الأموال من أجل بناء أو صيانة المساجد و الزوايا و جميع الأماكن التي يمارس فيها المسلمون شعائرهم دينية، لكن بالمقابل تكون صلاحية الترخيص في يد العامل المعني بالأمر، و ذلك بعد استطلاع رأي وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية[8].
و نظم المشرع المسطرة التي يجب ان تسلكها الجمعية من أجل الحصول على ترخيص، بداية بإيداع الطلب الى الحصول على الرخصة الخاصة بالتماس الإحسان العمومي.

حيث يتم بداية إيداع طلب التماس الإحسان العمومي من قبل الممثل المفوض للجمعية مقابل وصل، و ذلك 15 يوم قبل تنظيم التظاهرة التي من خلالها سيتم جمع التبرعات من العموم، و تحدد الجهة المكلفة بتلقي طلب الحصول على رخصة التماس الإحسان العمومي تبعا للامتداد المكاني للتظاهرة، على ان تقوم السلطة التي تلقت بلعب دور الوسيط و القيام برفع الطلب الذي توصلت الى الأمانة العامة للحكومة.

و مادام أن المشرع قد حدد السلطة المعنية بتلقي طلب حسب الامتداد المكاني للتظاهرة لابد لنا ان نشير الى سلطات المختصة تبعا لطبيعة التظاهرة[9]:

1 إذا كانت التظاهرة تكتسي طابعا محلي، و تقام فوق النفود الترابي للعمالة أو إقليم واحد، فإن السلطة المعنية بتلقي طلب هو عامل العمالة أو الإقليم الذي ستقيم الجمعية التظاهرة فوق تراب العمالة أو الإقليم التي يشرف عليها؛

2 إذا كانت التظاهرة التي تعتزم الجمعية القيام بها من أجل جمع التبرعات ستقام فوق نفود الترابي لأكثر من عمالة أو إقليم، في هذه الحالة تصبح الجهة المختصة بتلقي طلب ترخيص التماس الاحسان العمومي من أجل رفعه للأمانة العامة للحكومة والي الجهة،

3 اذا كانت التظاهرة التي تعتزم الجمعية القيام بها تكتسي طابع وطني، فإن طلب يرفع مباشرة للأمانة العامة للحكومة دون الحاجة للمرور عبر قناة السلطات الإدارية المحلية.

و ما يجب الاشارة اليه كذلك ان الطلب الذي تقدمه الجمعية يجب أن يحدد من خلاله نوع التظاهرة و الغرض المخصص للأموال المراد جمعها و تاريخ التظاهرة و مكان إجرائها[10].

و من خلال المعلومات التي يتضمنها الطلب الذي تقدمت به الجمعية و البحث الإداري تبدي السلطة الإدارية المحلية( الوالي، عامل العمالة/الإقليم) برأيها الصريح بخصوص الطلب، و بعد ذلك يتم رفع الطلب مرفقا براي الصريح للسلطة الإدارية المحلية الى الأمانة العامة للحكومة قصد اتخاذ قرار الترخيص من عدمه.

عند توصل الأمانة العامة بطلب ترخيص التماس الإحسان العمومي سواء المرفوع اليها مباشرة أو عن طريق السلطة الإدارية المحلية، يتم تحويله للجنة معدة لهذا الغرض من أجل الدراسة و إبداء الرأي على غرار الرأي الذي قدمه ممثل السلطة الإدارية المحلية( الوالي، عامل العمالة/الإقليم)، و تتكون هذه اللجنة من ممثلي السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، و السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، و السلطة الحكومية المكلفة بالصحة، و السلطة الحكومية المكلفة بالاتصال، و عند دراسة هذه لجنة لطلب ترخيص تأخذ بعين الاعتبار رأي الذي قدمته السلطة الإدارية المحلية المختصة، و بعد ذلك تبدي اللجنة برأيها و ترفعه للأمين العام للحكومة الذي يعمل بناء على رأي اللجنة باتخاذ قرار منح رخصة من عدم منحها.

و بمجرد اتخاد القرار من قبل الامين العام للحكومة، يتم تبليغ السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية و المالية و الاتصال بالقرار المتخذ، و نفس الأمر بالنسبة للوالي أو العامل الذي رفع طلب للأمانة العامة للحكومة، وذلك قصد تبليغ الجمعية، أو تبليغ مباشرة الشخص الذي تقدم أول يوم بطلب ترخيص(الممثل المفوض للجمعية)[11].

المطلب الثاني واقع الاحسان العمومي بالمغرب و اشكالية تقادم النصوص القانونية المنظمة للالتماس الاحسان العمومي:

ان استعراض واقع الاحسان العمومي يقتضي منا ان نستعرض بداية بعض الإحصائيات المتعلق برخص الممنوحة للجمعيات بخصوص التماس الإحسان العمومي، حيث كشف التقرير الصادر عن الامانة العامة للحكومة الذي تم من خلاله الكشف عن حصيلة نشاط الامانة العامة للحكومة خلال الولاية التشريعية التاسعة، أي الفترة الممتدة من فاتح يناير 2012 الى 31 دجنبر 2016، حيث منح خلال هذه الفترة الأمين العام للحكومة 130 رخصة للالتماس الإحسان العمومي، 79 من اصل 130 رخصة منحت لتظاهرات على المستوى الوطني، و 12 رخصة من أصل 130 للتظاهرات نظمت على مستوى الجهة، و 39 رخصة من أصل 130 للتظاهرات نظمت على المستوى المحلي، و كانت سنة 2015 هي المتصدرة من حيث عدد الرخص التي تم توزيعها بمناسبة التماس الاحسان العمومي ب 36 رخصة[12].

و كشف التقرير كذلك ان الجمعيات التي تم ترخيص لها بالتماس الإحسان العمومي في الفترة الممتدة من فاتح يناير 2012 الى 31 دجنبر 2016 توجد مقارها ب 12 المدينة فقط و هي ( الرباط، الدار البيضاء، فاس، القنيطرة، المحمدية، مراكش، تارودانت، ورززات، بني ملال، إنزكان، سلا ، مكناس.)

بعد استعراض الاحصائيات المرتبطة برخص التي منحها الأمين العام للحكومة من أجل التماس الاحسان العمومي، التي توضح بشكل ملموس ان عدد الرخص التي منحها الامين العام للحكومة من اجل التماس الاحسان العمومي لا تعكس الممارسة، اذ لا يكاد يمر يوم و الا و يتم اطلاق حملات من أجل جمع التبرعات من العموم، مما يدفعنا للتساؤل عن الوضعية القانونية للأشخاص الذين يطلقون هذا النوع من الحملات، و من اجل ذلك لابد لنا ان نكشف عن الاشكالات المرتبطة بالنصوص القانونية الحالية المنظمة للالتماس الاحسان العمومي.

فإذا كانت النصوص القانونية المنظمة لعملية التماس الإحسان العمومي، سواء القانون المتعلق بالإحسان العمومي الصادر سنة 1971، أو المرسوم التطبيقي الصادر بشأن القانون السالف الذكر الصادر هو الأخر سنة 2005، قد عملوا على تنظيم جميع الجوانب المحيطة بعملية التماس الاحسان العمومي، بداية بتحديد مفهوم التماس الاحسان العمومي، و انتقال لتنظيم المسطر الواجب سلكها من أجل الحصول على ترخيص، نهاية بتحديد الجزاءات التي تنتظر كل من أخل بالمقتضيات القانونية المنظمة لعملية إلتماس الاحسان العمومي.

غير أن الواقع و الممارسة اليوم تعكس لنا مدى تجاوز النصوص القانونية المنظمة لعملية التماس الإحسان العمومي، و ذلك راجع بالأساس لتحولات التي يعرفها المجتمع، و باعتبار القاعدة القانونية تعمل على مواكبة التطورات التي تحصل على مستوى المجتمع تظهر الحاجة الماسة في تعديل المقتضيات القانونية المنظمة لعملية جمع التبرعات من العموم، و يمكن إبراز أهم الاختلالات التي تصاحب النص الحالي في فكرتين أساسيتين، و هما حصر الجهة المرخص لها القيام بالماس الاحسان العمومي في الجمعيات، ثم ضعف اليات مراقبة الاموال المحصلة خلال جمع التبرعات.

فالنصوص القانونية المنظمة لعملية التماس الإحسان العمومي جعلت الترخيص القيام بجمع التبرعات مقترن بالجمعيات فقط لا غير، لكن الواقع و الممارسة يعكس تنظيم تظاهرات لجمع التبرعات من قبل اشخاص طبيعيين و بدون ترخيص، و ذلك من خلال استخدام الشبكة المعلوماتية و عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو عن طريق استخدام وسائل الاتصال السمعي البصري من خلال بث برامج لجمع التبرعات لفائدة حالات انسانية تعاني من مشاكل صحية او من عوز مادي و ذلك دون ذكر لرقم إذن الامين العام للحكومة.

و أمام هذه التطور في اساليب جمع التبرعات من العموم تظهر إشكالية جوهرية، و مفادها كيف يمكن ان يتم التوفيق بين متطلبات جمع الاموال لفائدة حالات انسانية تعاني من المرض أو العسر من خلال الاستحضار الجانب الانساني، ومتطلب ضرورة تطبيق و احترام القانون المتعلق بجمع التبرعات من العموم، خاصة و أنه جل الحملات التي يتم إطلاقها لجمع التبرعات سواء عبر الانترنيت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الاتصال السمعي البصري و التي يقودها أشخاص طبيعيون ، تكون بهدف جمع التبرعات لحالات مرضية( اطفال، نساء، مسنين..)، أو جمع التبرعات لفائدة عائلة معسرة لا تتوفر على النفقات اللازمة للعيش، و بالتالي يلعب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي دور الوسيط الالكتروني، و المشرع المغرب لم يواكب الى حد الان هذا التطور الذي اصبح يصاحب عملية التبرع التي أصبحت تتم عبر الانترنيت، و ذلك على عكس ما سار إليه المشرع بالإمارات العربية المتحدة، حيث جاء في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات:

” أن جمع التبرعات عبر وسيط إلكتروني بدون ترخيص يؤدي إلى معاقبة الوسيط بالحبس الذي يصل الى حد 3 سنوات، و غرامة مالية لا تقل عن 000 250 درهم اماراتي دون أن تتجاوز 000 500 درهم اماراتي.”[13]

و مواكبة لتطور عملية التبرع بالإمارات العربية المتحدة التي أصبحت تتم عبر الانترنيت تم إحداث خدمة التبرع الالكتروني، و ذلك تحت إشراف الهيئة العامة للشؤون الإسلامية و الأوقاف، و توفر هذه الخدمة مجموعة من الخيارات للمتبرع، حيث تعطيه فرصة اختيار المجال الذي يريد ان يتبرع فيه بأمواله ( فرش المساجد، طباعة القرآن الكريم، سقيا الماء…)، و عند اختيار المجال يحدد المتبرع قيمة المبلغ الذي سيدفعه، و يؤدي إما عن طريق الدرهم الالكتروني أو عن طريق البطاقة الالكترونية[14].

و تعتبر مسألة مواكبة المشرع المغربي لعملية التبرع عبر الانترنيت مهمة لثلاثة اعتبارات:

1 حماية المتبرع حسن نية الذي تبرع بأمواله دون تأكد من صحة و صدق الحالة موضوع دعوة أو الترويج عبر الانترنيت؛

2 ضرورة تدخل المشرع في تنظيم التبرع عبر الانترنيت تأتي كذلك لاعتبارات أمنية ، حيث من الممكن أن يتم تحويل الأموال المتبرع بها لدعم أنشطة إرهابية؛

3 معاقبة كل من خولت له نفس استغلال حسن نية المتبرعين من اجل الاحتيال، وذلك تحت حجة دعم حالات انسانية حرجة.

إذن فمن خلال ما سبق، سيؤدي تعديل المقتضيات القانونية المنظمة لعملية التبرع، الى حماية مصالح المتبرع و المتبرع عليه، و كذلك الحفاظ على الامن العام من مخاطر التي يمكن تترتب عن تحويل الأموال المحصل عليها خلال جمع التبرعات لدعم الانشطة الارهابية، حيث سيؤدي ذلك الى المس باستقرار الدولة.

و بالنظر لكون كما سبق و الاشارة اليها أصبحت تستخدم وسائل الاتصال السمعي البصري من اجل جمع التبرعات، و ذلك عن طريق بث برامج لجمع التبرعات لفائدة حالات انسانية تعاني من مشاكل صحية او من عوز مادي و ذلك دون ذكر لرقم إذن الامين العام للحكومة، و هنا يجب أن نستحضر الطريقة التي يتم التعامل بها في هذه الحالة، و بالتالي يجب استحضار قرار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري الصادر سنة 2017،و ذلك بوصفها الهيئة المكلفة بضبط و تقنين قطاع الاتصال السمعي البصري، حيث جاء في حيثيات القرار[15]:

‘‘وحيث إنه في إطار التتبع المنتظم للبرامج التي تبثها الخدمات السمعية البصرية، لاحظت الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري أن برنامج “أنت ماشي بوحدك“ يعنى بعرض حالات إنسانية تعاني من مشاكل صحية ومن عوز مادي، كما يوجه نداء من أجل المساعدة والتبرع أو التكفل بمصاريف علاج بعض الحالات المرضية التي يتصل أصحابها بالبرنامج. كما لاحظت كذلك الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري أن مقدمة البرنامج تبدأ، خلال كل حلقة، بالحديث عن المبلغ الإجمالي الذي تم تحصيله خلال الحلقة السابقة لفائدة إحدى الحالات، ثم تشرع في الإعلان عن الحالات الجديدة التي اتصلت بالبرنامج لطلب المساعدة من المحسنين، وتقدم بشأنها شروحات وتوضيحات لملفها الطبي أو لوضعيتها التي تحتاج للمساعدة، بعد ذلك تقوم مقدمة البرنامج في التذكير بالأرقام الهاتفية للبرنامج، وذلك دون الإشارة لرقم أي إذن من الأمين العام للحكومة قصد الإعلان عن التماس الإحسان العمومي.

و بالتالي تكون المادة الإعلامية السالفة الذكر، تعلن وتذيع طلبا موجها للجمهور قصد الحصول على أموال أو أشياء أو منتوجات تقدم لأفراد يعانون حسب البرنامج من مشاكل صحية ومن عوز مادي، دون الإشارة إلى رقم الإذن الصادر عن الامين العام للحكومة.”

و بالنظر للخروقات قضت الهيئة بتوقيع عقوبة الإنذار في حق شركة “إم إف إم إذاعة وتلفزة، و ذلك رغم ان دفتر التحملات يعطي للهيئة الحق في توقيع عقوبة وقف بث الخدمة أو جزء من البرامج لمدة شهر على الأكثر.

و من خلال القرار اعلاه يبدو بشكل جلي أنه لم يتم توقيع أي غرامة مالية في حق الشركة المذكورة، رغم ان القانون المتعلق بالإحسان العمومي قد نص صراحة من خلال الفصل الأول على انه لا يجوز الاعلان أو إذاعة التماس الإحسان العمومي الا اذا تم الترخيص له من قبل الامين العام للحكومة، و حدد الفصل الخامس عقوبة الاخلال بالمقتضيات التي تضمنها الفصل الأول، في أداء غرامة تتراوح ما بين 200 إلى 2000 درهم، و يبدو واضحا أن مبلغ الغرامة كافي للتعبير عن مدى تجاوز و تقادم القانون المتعلق بالتماس الإحسان العمومي.

و من الإشكالات التي طرحناها في بداية الحديث عن واقع ممارسة الاحسان العمومي بالمغربي، هي إشكالية ضعف أليات مراقبة الأموال التي يتم تحصيلها بمناسبة التماس الإحسان العمومي.

حيث أنه لم يتطرق القانون المتعلق بالتماس الإحسان العمومي أو المرسوم التطبيقي الصادر بشأنه للأليات المعتمدة للمراقبة الأموال المحصلة بمناسبة ترخيص التماس الإحسان العمومي، و تم ترك المهمة للمنشور المشترك الصادر عن وزير الداخلية و الأمين العام للحكومة[16]، و جاء في هذا المنشور على أنه تلتزم الجمعيات التي استفادت من ترخيص للالتماس الاحسان العمومي برفع تقرير الى الامين العام للحكومة، و ذلك عن طريق السلطة الإدارية المحلية، و يشمل هذا التقرير معلومات مفصلة حول حصيلة عملية جمع التبرعات أو التظاهرة، إضافة إلى بيان للمداخيل المحصل عليها و طرق صرفها، و يكون بيان المداخيل مدعم بالوثائق المحاسبية التي تشفع صحة المبالغ التي تم تحصيلها.

و من أجل مراقبة الاموال التي يتم تحصيلها لبناء أو صيانة المساجد تلتزم الجمعيات بوضع المبالغ المحصل عليها بالحساب البنكي الخاص بالجمعية.

فالأليات التي وضعها المنشور الصادر بشكل مشترك بين وزير الداخلية و الامين العام للحكومة لن يكون بوسعها بسط رقابة شاملة و مؤمنة على الاموال التي تتلقاها الجمعيات بمناسبة التماس الاحسان العمومي، لدى يجب ان تأخذ التعديلات المرتقبة للنصوص القانونية المنظمة للالتماس الاحسان العمومي، خلق أليات تسمح بتتبع و مراقبة عملية جمع التبرعات و طرق صرف مداخيل التبرعات، و اعتماد وسائل اداء لها قوة إثباتية عند التبرع (التحويل البنكي، الشيك، الاداء بالبطاقة البنكية)، و الابتعاد عن التبرع بالأموال بطريقة التقليدية من خلال تحويل الاموال بطريقة يدوية من يد المتبرع الى يد امين مال الجمعية.

ختاما يمكن التأكيد على انه هناك فجوة بين النص القانوني المنظم للالتماس الاحسان العمومي و الممارسة، وذلك راجع لكون النصوص المنظمة للالتماس الإحسان العمومي صدرت في سياق لم يكن يعرف التطور الذي اصبح يعرفه المجتمع المغربي، لدى أصبح من لازم اجراء التعديلات على مستوى النص من اجل عدم انحراف التبرع عن اهدافه النبيلة و الانسانية، فاذا لم تكن للسلطات رغبة في احتواء الاشخاص الذين يقودون حملات عبر الانترنيت من أجل جمع التبرعات، يجب عليها ان تضع خيار وضع خدمة الكترونية للتبرع تحت اشراف و رقابة جهاز حكومي، و كما يجب وضع اليات للرقابة الفعالة للأموال المتبرع بها، و تمكين المتبرع من تتبع الاموال التي تبرع لتعرف هل حقا تم صرفها للهدف الذي وضع من أجلها.

لائحة المراجع

النصوص القانونية:
الظهير 1.58.376 المتعلق بحق تأسيس الجمعيات كما تم تغييره و تتميمه
الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.84.150 المتعلق بالأماكن المخصصة لشعائر الدين الاسلامي فيها كما تم تغييره و تتميمه.
القانون 71ـ004 المتعلق بالتماس الإحسان العمومي صادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 29 شعبان 1391 ـ 20 اكتوبر 1971.
المرسوم رقم 2.04.970 المتعلق بتطبيق قانون التماس الاحسان العمومي.
المرسوم رقم 2.09.677 المتعلق بتنظيم الأمانة العامة للحكومة الصادر بتاريخ 4 جمادى الاخرة 1431(19 ماي 2010).
المرسوم بقانون اتحادي بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات(الامارات العربية المتحدة).
منشور الوزير الأول عدد 3 بتاريخ 14 جانفي 2010 المتعلق بالاكتتابات العامة(الجمهورية التونسية).
منشور مشترك رقم 1/2010 بين وزير الداخلية و الامين العام للحكومة الصادر بتاريخ 14 يوليو 2010.
تقارير:
تقرير صادر عن الامانة العامة للحكومة بخصوص حصيلة نشاط الامانة العامة للحكومة خلال الولاية التشريعية التاسعة و أفاق عملها.
قرارات:
قرار “م.أ.ت.س.ب”رقم 17-02المؤرخ في 10 ربيع الثاني 1438 (09يناير 2017) المتعلق ببرنامج “أنت ماشي بوحدك” الذي تبثه شبكة الخدمات الإذاعية التابعة لشركة إم إف إم إذاعة وتلفزة.
المواقع الالكترونية:
http://www.sgg.gov.ma
https://government.ae
https://www.awqaf.gov.ae

[1] القانون 71ـ004 المتعلق بالتماس الإحسان العمومي صادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 29 شعبان 1391 ـ 20 اكتوبر 1971.

[2] الفصل الاول من القانون 71ـ004 المتلق بالتماس الاحسان العمومي.

[3] منشور الوزير الأول عدد 3 بتاريخ 14 جانفي 2010 المتعلق بالاكتتابات العامة.

[4] https://government.ae/ar-AE/information-and-services/charity-and-humanitarian-work/ways-of-doing-charity-in-the-uae/donating-and-raising-funds

[5] المادة السادسة من المرسوم 2.09.677 المتعلق بتنظيم الأمانة العامة للحكومة الصادر بتاريخ 4 جمادى الاخرة 1431(19 ماي 2010).

[6] الفصل الثاني من القانون 71ـ004 المتعلق بالتماس الاحسان العمومي.

[7] الفصل التاسع من الظهير 1.58.376 المتعلق بحق تأسيس الجمعيات كما تم تغييره و تتميمه.

[8] الفص 4 مكرر من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.84.150 المتعلق بالأماكن المخصصة لشعائر الدين الاسلامي فيها، كما تم تغييره و تتميمه.

[9] المادة الاولى من المرسوم رقم 2.04.970 المتعلق بتطبيق قانون التماس الاحسان العمومي.

[10] المادة الثانية من المرسوم رقم 2.04.970 المتعلق بتطبيق قانون التماس الاحسان العمومي.

[11] المواد 4 و 5 من المرسوم رقم 2.04.970 المتعلق بتطبيق قانون التماس الاحسان العمومي.

[12] تقرير صادر عن الامانة العامة للحكومة بخصوص حصيلة نشاط الامانة العامة للحكومة خلال الولاية التشريعية التاسعة و أفاق عملها، ص 52ـ53.

[13] المادة 27 من المرسوم بقانون اتحادي بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

[14] https://www.awqaf.gov.ae/ar/edonation

[15] قرار “م.أ.ت.س.ب”رقم 17-02المؤرخ في 10 ربيع الثاني 1438 (09 يناير 2017) المتعلق ببرنامج “أنت ماشي بوحدك” الذي تبثه شبكة الخدمات الإذاعية التابعة لشركة إم إف إم إذاعة وتلفزة

[16] منشور مشترك رقم 1/2010 بين وزير الداخلية و الامين العام للحكومة الصادر بتاريخ 14 يوليو 2010.

إغلاق