دراسات قانونية
علم وارادة الشريك المساعد في ارتكاب الجريمة – بحث قانوني
عنصر علم الشريك بالمساعدة :
العلم هو التصور بحقيقة الشيء على نحو يطابق الواقع(1). فيتعين ان يحيط الشريك المساعد علماً بكافة الوقائع الجوهرية التي تدخل في بنيان جريمته، يشمل ذلك بصفة أساسية ماهية النشاط الإجرامي أياً كانت صورته، وما يترتب عليه من وقوع فعل يتعارض وأحكام التشريع العقابي(2). ونجد ان مشرعنا الجنائي أوجب توافر العلم صراحةً في حالة الاشتراك بالمساعدة في المادة (48) الفقرة (3) فلا يمكن اعتبار الشخص شريكاً بالمساعدة إلا إذا كان عالماً بالوقائع التي يلزم العلم بها(3) والتي يمكن تحديدها من حيث:
أولاً- العلم بماهية الفعل الجرمي للشريك المساعد
فيتعين علم الشريك بمدى خطورة فعله على الحق الذي يحميه القانون، والذي يساهم به في سلوك الفاعل في وقوع الجريمة وبصلاحيته لإحداث النتيجة التي يريدها(4)، على خلاف وسائل الاشتراك الأخرى التي يقتضي علم الشريك بماهية فعله فيها هو علم وجوبي(5)، ولكن قد تتم المساعدة دون علم من يقدمها بأنه يساهم في التحضير للجريمة أو تسهيل ارتكابها أو إتمامها فإذا انتفى لديه هذا العلم وكان معتقداً بان فعله لا يشكل خطورة أو (خطراً فيه) انتفى تبعاً لذلك قصد الاشتراك لديه(6).
ثانياً- العلم بالوسيلة
يقتضي ان يكون الشريك المساعد عالماً بمضمون الوسيلة التي يقدمها الى الفاعل ليرتكب بها الجريمة، فالشريك يعاقب على تقديم هذه الوسيلة، فإذا كان لا يعلم بحقيقتها أو بجهلها أو لا يعلم ان من شأنه إعانة الفاعل ارتكاب الجريمة، فلا تثور مسؤوليته، فلابد ان يعلم بحقيقة الوسيلة التي يقدمها الفاعل، فإذا كانت مثلاً مادة سامة فيجب ان يعلم أنها كذلك، أما إذا اعتقد أنها غير ذلك، فلا يعد هذا العلم متحققاً لديه وبالتالي لا يتوافر لديه القصد(7) ومن باع الى آخر جزءاً من صفقة مخلفات سبق وان اشتراها من القوات المسلحة، فيعثر المشتري على بعض أسلحة صالحة للاستعمال، أو قام هذا الأخير بإصلاحها، واستخدامها في ارتكاب جريمة قتل، فان البائع لا يعد شريكاً له بالمساعدة لتخلف ركن العلم لديه، بان من بين الصفقة بعض الأسلحة صالحة للاستعمال(8).
ثالثاً- علم الشريك بنتيجة نشاطه
يشترط القانون ان يكون الشريك عالماً بنتيجة فعله، والتي هي حصول الجريمة التي ارتكبها الفاعل فينتفي قصد المساهمة بانتفائها ويتطلب القصد الجنائي لمساءلة الشريك المساعد ان يكون عالماً بصلاحية الحق المعتدى عليه فان جهل ذلك انتفى لديه قصد المساهمة، فالمشرع بتجريمه القتل أراد حماية حق المجني عليه في الحياة لذلك يجب ان يكون المجني عليه حياً والشريك المساعد عالماً بأنه حي لكي يسأل عن جريمة القتل العمد(9)، وكذلك في جريمة السرقة يجب ان يكون الشريك عالماً بان فعل الاختلاس الذي يساهم به يقع على مال مملوك للغير فان كان يجهل هذه الصفة في المال معتقداً انه مال مباح أو متروك له أو للمساهم معه انتفى لديه القصد الجنائي(10).
رابعاً- علم الشريك بنوع الجريمة المرتكبة
فالاشتراك في المساعدة لا يتحقق إلا إذا انصب علم الشريك بنوع الجريمة أو الجرائم المرتكبة فإذا لم يثبت اشتراكه في جريمة أو فعل معين، فلا تعتبر الجريمة التي ارتكبها الفاعل نتيجة مباشرة لاشتراك الشريك المساعد وينتفي الاشتراك فيها(11)، ولكن نجد ان الفقه اختلف في وجهة نظره على ما استقر عليه القضاء، فيرى بعض الشراح(12)، انه لا يلزم ان يكون قصد الشريك محدداً أو منصباً على ارتكاب جريمة معينة، وإنما يجوز ان ينصب قصده على جريمة غير معينة فمن يساعد أخر على الانتقام له من شخص ثالث فقتل الثاني للأخير أو ضربه أو حرق مسكنه فان الأول يعد شريكاً للثاني فيما ارتكبه من هذه الجرائم، بينما يرى شراح آخرون(13)، ان الاشتراك لا يتحقق إلا إذا انصب قصد الشريك على ارتكاب جريمة معينة، كقتل أو سرقة أو حريق أو أي من الجرائم الأخرى المنصوص عليها في القانون(14). ونحن نرى بان هذا الرأي أرجح من الرأي الأول وذلك لان القانون يشترط في نص المادة (48) الفقرة (3) ان يكون الشريك عالماً بالجريمة المرتكبة فإذا انتفى العلم بها انتفى القصد الجرمي وانتفى الاشتراك تبعاً لذلك إذاً فلا يتحقق الاشتراك بجرائم لا يعلم بها الشريك لان ذلك مخالف للقواعد السائدة في القانون الجنائي إلا انه من الممكن ان يتجه قصد الشريك الى ارتكاب جريمة دون ان يفصح أو يصرح بذلك قولاً، إلا ان الظروف والقوانين هي التي تفصح عن قصده(15).
خامساً- توقع الشريك وقوع الجريمة
يلزم أيضا ً ان يكون الشريك متوقعاً وقوع الجريمة بناءً على وسيلة المساعدة(16)، أي العلم بواقعة مستقبلية يطلق عليها تعبير التوقع(17)، فإذا علم الشريك انه سيساهم مع الفاعل في فعل يقع على حياة إنسان حي وجب ان يعلم بان من شأن هذه المساهمة ان تؤدي الى نتيجة معينة وهي وفاة هذا الإنسان حتى يسأل عن القتل فإذا لم يتوقع إلا مجرد المساس بسلامة جسم المجني عليه فانه يسأل في هذه الحالة عن جريمة ضرب فحسب ، والعلم قد ينصرف الى واقع متعددة العناصر وبالتالي يقتضي العلم بجميعها فلو أعطى شخصٌ سلاحاً لآخر، فلا ينسب إليه قصد الاشتراك في القتل، إلا إذا توقع ان من تسلم السلاح سوف يستخدمه في الاعتداء على حياة إنسان وان وفاة المجني عليه سوف تتحقق كنتيجة لهذا الفعل. ومن يعطي غيره أداة للكسر لا ينسب إليه قصد الاشتراك في السرقة إلا إذا توقع أي من تسلم هذه الآلة سوف يستعملها في الكسر لاختلاس مال الغير، فإذا انتفى العلم لديه فينتفي القصد تبعاً لذلك(18)، ولا يمنع توافر قصد الاشتراك بالمساعدة أيضاً تنفيذ الفاعل جريمته في ظرف زماني أو مكاني مختلف عما توقعه الشريك طالما ان الأخير كان يعلم بنموذج الجريمة التي قصد التدخل في ارتكابها(19). إذن لا يمكن مساءلة الشريك المساعد عن الاشتراك في الجريمة إلا إذا كان متوقعاً للنتيجة الإجرامية على سبيل الحتم باعتبارها احد العناصر الجوهرية التي يقتضي احاطة الشريك بها علماً. ويترتب على الغلط في النتيجة انتفاء القصد الجنائي(20).
سادساً- ان يكون الشريك المساعد عالماً بالظروف المشددة للعقوبة
لقد نصت أحكام المادة (51) من قانون العقوبات العراقي بقولها(… أما إذا توافرت ظروف شخصية سهلت ارتكاب الجريمة فلا تسري على غير صاحبها إلا إذا كان عالماً بها). من خلال هذا النص يجب ان ينصرف علم الجاني الى الوقائع التي يقوم عليها هذا الظرف لكي تسري بحقه آثاره، فصفة الخادم في جريمة السرقة لبيت مخدومه تعد ظرفاً شخصياً مشدداً من شأنه تسهيل ارتكاب السرقة للفاعل. فمن ساهم مع الخادم في ارتكاب الجريمة وعلم بهذه الصفة امتدت إليه آثارها(21)، ولكن إذا ارتدى شخص معطفاً قد وضع فيه سلاحاً دون علمه وارتكب جريمة سرقة فلا يسأل السارق إلا عن جريمة سرقة بسيطة لانتفاء قصده الجنائي تجاه الظرف المشدد(22).
أما فيما يتعلق لمسؤولية الشريك المساعد عن الظروف المادية المشددة التي تلحق بالجريمة محل المساهمة فالسؤال المطروح هنا، هل يلزم علم الشريك المساعد حتى يكون مسؤولاً عنها أم إنها تسري في حقه ولو كان يجهلها؟ لقد اختلفت التشريعات الجنائية بشأن ذلك فمن التشريعات(23) ما أغفلت تحديد مسؤولية الشريك بموجب نص صريح تجاه الظروف المشددة الأمر الذي أدى الى نشوب خلاف في الفقه(24)، فذهب فريق من الفقه الى ان الظروف المادية المشددة التي تلحق بالجريمة لا تسري في حق الشريك ما لم يكن عالماً بها، والحجة التي يستند إليها هي ان المشرع لم يورد نصاً يبين فيه انصراف إرادته الى سريان الظروف المادية على الشريك حتى ولو كان يجهلها كما هو الحال بالنسبة للظروف الشخصية، مما يقتضي الرجوع الى القواعد العامة التي تحول دون مساءلة الجاني عن الظروف المادية المشددة وما لم يكن عالماً بها لأنها في حكم الأركان المكونة للجريمة(25). في حين ذهب اتجاه آخر في الفقه(26) الى سريان الظروف المادية المشددة، في حق جميع المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أم شركاء سواء علموا بها أو لم يعلموا، ويستندون في ذلك الى ان الظروف المادية تتصل بماديات الجريمة فتصبح جزءاً منها، فإذا كان الشريك في قصد قد شمل الجريمة محل الاشتراك فهذا يعني شمول جميع مادياتها وأجزائها، ولقد اخذ القضاء الفرنسي والمصري بهذا الاتجاه.إذ قضت محكمة النقض المصرية ان ظروف الإكراه في السرقة إنما هي من الظروف العينية المتعلقة بالأركان المادية للجريمة وهو بهذا الوصف لاصق بنفس الفعل وسار في حق كل من ساهم، سواء كانوا فاعلاً أم شريكاً(27).
أما التشريعات التي ورد فيها نص صريح أيضا ً فقد تباينت فيما بينها حول سريان الظروف المادية المشددة فمنها ما تنص على عدم سريانها على الشريك ما لم يشملها بعلمه كقانون العقوبات الجزائري، والأسباني، والمجري، والتركي(28). ولقد تبنى هذا الاتجاه المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات المنعقد في أثينا سنة 1957 إذ أوصى (لا يسأل المساهمون ولا يكونون محلاً لأي جزاء إلا إذا اثبت علمهم بان العناصر المكونة للجريمة أو المشددة لها سوف تتم بواسطة احدهم أو عن الجميع)(29). وهناك تشريعات أصدرت نصوصاً توجب سريان اثر الظروف المادية المشددة على الشريك سواء كان عالماً بها أم لم يعلم، كقانون العقوبات الإيطالي، واللبناني، والسوري، والأردني، والإماراتي، وكذلك قانون العقوبات العراقي(30)، فإذا ارتكب عدة أشخاص من جريمة سرقة وكان احدهم يحمل سلاحاً فان كلاً منهم يسأل عن جريمة السرقة مع حمل السلاح سواء علموا بحمل صاحبهم للسلاح أو لم يعلموا(31). ونظراً لأهمية عنصر العلم في القصد الجنائي واعتباره في بعض الأحيان قرينة على انصراف نية الشريك المساعد الى المساهمة في الجريمة، فلقضائنا العديد من الأحكام التي تؤكد على أهمية القصد الجنائي ويقع عليه عبء إثباته، لان النية الإجرامية هي من الأمور الباطنية يستدل عليها من ظروف كل قضية وملابساتها والعوامل الباعثة على ارتكابها. حيث قضت محكمة التمييز في العراق في قرار لها ((إذا لم يعلم السائق بماهية الأشياء المنقولة من قبله فلا يعتبر شريكاً في جريمة التهريب)) (32).
___________________________
[1]- عبد المهيمن بكر، مصدر سابق، ص197.
2- د.احمد عوض بلال، مبادئ قانون العقوبات المصري، القسم العام، مصدر سابق، ص488. و محمد احمد المشهداني، مصدر سابق، ص172.و عمار محمد ربيع، مصدر سابق، ص172.
3- د. صفية محمد صفوت، القصد الجنائي والمسؤولية المطلقة، دار بن زيدون، بيروت، بدون سنة نشر، ص128.
4- د.عبد العظيم مرسي وزير، مصدر سابق، ص384. و د. محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، مصدر سابق، ص355. و د. مدحت محمد عبد العزيز، قانون العقوبات- القسم الخاص، جرائم المصلحة العامة، مصدر سابق، ص367.
5- د.احمد عوض بلال، مصدر سابق، ص488.
6- جندي عبد الملك، مصدر سابق، ص698.
7- د.هدى حامد قشقوش، مصدر سابق، ص86. و عوض محمد عوض، مصدر سابق، ص385.
8- د. حسام محمد سامي، مصدر سابق، ص272. و د.إبراهيم عيد نايل، اثر العلم في تكوين القصد الجنائي، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، كلية الحقوق، 1989، ص271.
9- فإذا رأى (آ) صديقاً له يجر (ب) بعد ان أغمي عليه ليلقيه في النهر فاعتقد (آ) ان صديقه قتله ويريد إخفاء جثته فتقدم وتعاون مع صديقه على دفع (ب) الى النهر لإخفاء الجثة فان (آ) لا يسأل عن جريمة قتل (ب) عمداً لأنه يجهل توافر الجناة لدى المجني عليه وقت ارتكاب فعله، إنما يسأل عن جريمة القتل خطأ. انظر مؤلف د.حميد السعدي، مصدر سابق، ص110.
10- د. حميد السعدي، مصدر سابق، ص110.
11- طعن رقم (42) لسنة 33 جلسة 25/6/1963 س4، ص578. انظر هامش رقم (2) لمؤلف د.عبد الرحيم صدقي، مصدر سابق، ص367.
12- د.احمد شوقي أبو خطوة، مصدر سابق، ص416. و د. أكرم نشأت إبراهيم، مصدر سابق، ص220.
13- د. محمود محمود مصطفى، مصدر سابق، ص339. و د.مدحت عبد العزيز، المسؤولية الجنائية للشريك بالمساعدة، مصدر سابق، ص84. و د.محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، دارسة تأصيلية مقارنة للركن المعنوي في الجرائم العمدية، مصدر سابق، ص220. و د.علي بدوي، مصدر سابق، ص281.
14- د. أكرم نشأت إبراهيم، مصدر سابق، ص22.
15- فمن يعطي الى الفاعل مادة الزرنيخ السامة في غلاف ذرة ويشير له عن مكان تواجد مواشي خصمه فهذا الشخص من دون شك قصد إبداء المساعدة على تسميم هذه المواشي. انظر مؤلف د.محمود إبراهيم إسماعيل، مصدر سابق، ص318.
16- د.غالب الداودي، مصدر سابق، ص397 وما بعدها.
17- د.احمد عوض بلال، مصدر سابق، ص448. و إبراهيم عيد نايل، مصدر سابق، ص272وما بعدها.
18- د.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام، مصدر سابق، ص466.
19-د.احمد عوض بلال، مصدر سابق، ص490. و د.محمد الفاضل، مصدر سابق، ص388.
20- د. فتوح عبد الله الشاذلي ود. علي عبد القادر القهوجي، مصدر سابق، ص559 وما بعدها.
21- د. فخري الحديثي، مصدر سابق، ص279.
22- نجد ان بعض التشريعات الجنائية كالقانون العقابي الألماني في المادة (59/ أولاً) واللبناني في المادة (224) والسوري في المادة (223) ومشروع قانون العقوبات المصري الأول في المادة (32) منه ومشروع قانون العقوبات المصري الثاني إذ ينص في المادة (29) منه على انه (إذا جهل المجرم وجود ظرف مشدد للعقاب فلا يسأل عنه ما لم ينص على خلاف ذلك). انظر مؤلف د .حسام محمد سامي جابر، مصدر سابق، ص276. وقد اقر مشرعنا صراحةً القاعدة القانونية في نص المادة (36) منه بقولها (إذا جهل الفاعل وجود ظرف مشدد يغير من وصف الجريمة فلا يسأل عنه ولكن يستفيد من العذر ولو كان يجهل وجوده).
23- قانون العقوبات الفرنسي والألماني والبلجيكي والسوداني. انظر مؤلف د. حسام محمد سامي، مصدر سابق، ص276.
24- د.عادل عازر، مصدر سابق، ص352. و د.عوض محمد عوض، مصدر سابق، ص391. و هشام أبو الفتوح، النظرية العامة للظروف المشددة، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة،1982، ص330.
25- د. حسام محمد سامي جابر، مصدر سابق، ص277.
26- د.محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، ، مصدر سابق، ص415. ود.رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام في التشريع العقابي، مصدر سابق، ص478. و د.احمد فتحي سرور، مصدر سابق، ص652. و د.سامي النصراوي، مصدر سابق، ص306. و د.حسام محمد سامي جابر، مصدر سابق، ص278. و د.محمد زكي أبو عامر، مصدر سابق، ص415. والدكتور جلال ثروت، نظم القسم العام في قانون العقوبات، مصدر سابق، ص358.
27- نقض جنائي 17/2/1958- مجموعة أحكام النقض س9 رقم 50، ص177. 8/3/1974 س25 رقم 68، ص311. ونقض 12/6/1985 س36 رقم 136، ص767. انظر هامش رقم (2) لمؤلف د. حسام محمد سامي، مصدر سابق، ص279.
28- قانون العقوبات الجزائري المادة (44/الثالثة) والأسباني في المادة (60) والمجري في المادة (15) والتركي المادة (61). انظر د.احمد المجدوب، الظروف وأثرها على عقوبة المحرض، المجلة الجنائية القومية ، مارس سنة، 1972، المجلد رقم(15)، ص48.
29- لقد اخذ مشروع قانون العقوبات المصري الثاني الصادر عام 1967 بهذا الاتجاه إذ تنص المادة (48) منه على انه (يستفيد جميع المساهمين من الظروف المادية المخففة ولو لم يعلموا ولا يسأل عن الظروف المادية المشددة إلا من علم بها). د. حسام محمد سامي جابر، مصدر سابق، ص288.
30- كقانون العقوبات الإيطالي في المادة (118). انظر مؤلف د. رمسيس بهنام، مصدر سابق، ص312. كما ان المادة (216) عقوبات لبناني والمادة (215) سوري والمادة (79) أردني ونصت بقولها (ان مفاعيل الأسباب المادية من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها أو الإعفاء منها تسري على جميع الشركاء في الجريمة والمتدخلين فيها). ونصت أيضاً على ذلك المادة (130) عقوبات مغربي في فقرتها الأخيرة. وقانون العقوبات الإماراتي في المادة (49) الفقرة الأولى بقولها (إذا توافرت في الجريمة ظروف لصيقة بها أو مكونة لفعل من الأفعال من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها سرت أثارها على كل من اشترك في ارتكابها بالمباشر أو بالتسبيب علم بها أو لم يعلم). ونصت المادة (51) من قانون العقوبات على انه (إذا توافرت في الجريمة ظروف مادية من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها سرت آثارها على كل من ساهم في ارتكابها فاعلاً كان أو شريكاً عالماً بها أو لم يعلم)).
31- د.علي حسين الخلف و د. سلطان الشاوي، مصدر سابق، ص231.
32- قرار رقم 2ك1959 في 13/4/1959- مجلة القضاء، العدد الرابع، تشرين الثاني، السنة السابعة عشر، 1959، بغداد، ص621.
عنصر إرادة الشريك بالمساعدة :
يتعين لتوافر القصد الجنائي لدى الشريك المساعد توافر الإرادة لديه الى جانب العلم وان تتجه الى جميع الوقائع التي يتطلب القانون العلم بها والمتمثلة بنشاط الشريك ووسيلته ونتيجته(1)، ولكن يشترط في هذه الإرادة ان تكون معاصرة لنشاط الشريك، فالقصد الجنائي يتحقق لديه متى أراد الفعل وأراد نتيجته(2)، فالإرادة عنصر مهم في القصد الجرمي وينتفي بانعدامها ويقصد بها في نطاق الاشتراك بالمساعدة هي انعقاد العزم على السلوك والوسيلة وارتكاب الفاعل لجريمته(3)، فالقصد الجرمي في الجرائم العمدية قوامه إرادة النتيجة التي تحققت على يد الفاعل فإذا انتفت لدى الشريك المساعد انتفى قصد الاشتراك في الجريمة(4)، وعلى اثر ما تقدم سوف نبين اتجاه إرادة الشريك المساعد الى فعل الاشتراك ونتيجته، ومن ثم نبين في الأثر المترتب على انتفاء القصد الجنائي لدى الشريك بالمساعدة.
أولاً- اتجاه إرادة الشريك المساعد الى الفعل والنتيجة الإجرامية
لقد أشار مشرعنا العراقي الى إرادة الشريك المساعد لنشاطه وللنتيجة الإجرامية في الفقرة (3) من المادة (48) بقوله (…مع علمه بها….) وهذا يعني ان الاشتراك في المساعدة يقتضي التحقق من إرادة الشريك المساعد على خلاف وسائل الاشتراك الأخرى التي تكون إرادة الشريك فيها واضحة ولمساءلة الشريك المساعد عن اشتراكه في الجريمة يتعين ان يكون مريداً لفعله الذي ساهم في جريمة الفاعل الأصلي، فمن يعطي غيره سلاحاً فيستعمله في جريمة قتل هنا يجب ان تكون إرادة الشريك المساعد اتجهت في التخلي عن حيازته وإدخاله في حيازة الفاعل، أما إذا استولى عليه الأخير من دون علم الأول فلا يكون حائز السلاح شريكاً بالمساعدة. وذلك لان إرادته لم تتجه الى الفعل الذي تقوم به المساعدة في هذه الجريمة(5). وقد قضت محكمة النقض المصرية ((بان القصد الجنائي في الجرائم العمدية يقتضي تعمد اقتراف الفعل المادي وفوق ذلك تعمد النتيجة المترتبة على ذلك الفعل))(6). وقضت أيضاً ((بضرورة تطلب قصد الاشتراك في الجريمة لإمكان مساءلة الشريك عنها، فضلاً عن توافر العلم بها وقت ارتكابها، فإذا خلا الحكم من هذا البيان كان قاصراً مما يستوجب نقضه))(7). أما إذا كان الشريك المساعد غير مريد لفعله بل ان الفعل كان ناجماً عن إهمال أو خطأ بحيث أدى نشاطه هذا الى وقوع جريمة بفعل شخص آخر فلا يسأل عنه باعتباره شريكاً فيه ولكن في الإمكان مساءلته عن جريمة مستقلة(8)، فإذا ترك شخص مسدساً فيه عياراً نارياً في متناول آخر فارتكب فيه جريمة قتل فلا يسأل تارك السلاح عن الاشتراك بالمساعدة في جريمة قتل. وذلك لان الجريمة التي وقعت هي جريمة غير عمدية ولا يتحقق الاشتراك فيها، وهذا وفقاً لما يراه بعض الفقه(9)،والمنكر للاشتراك في الجرائم غير العمدية بل يكون مسؤولاً عن جريمة قتل خطأ بإهماله في ترك السلاح(10). ولا يكفي لمساءلة الشريك بالمساعدة ان تكون إرادته مقتصرة على الجريمة التي يرتكبها الفاعل بناءً على نشاطه، وإنما يتعين ان تمتد الى نتيجته ففي جريمة القتل لكي يسأل عن الاشتراك بالمساعدة، عليه ان يثبت ان إرادته اتجهت الى تمكين الفاعل من إطلاق النار على المجني عليه، وانه كان مريداً تحقيق النتيجة الإجرامية لفعل الفاعل الأصلي وهي الوفاة. فإذا لم تتجه إرادته الى إحداث تلك النتيجة، ينتفي قصد الاشتراك لديه، ومن ثم تنتفي مسؤوليته الجزائية تبعاً لذلك، ولو ثبت العلم بها، فالجرائم العمدية تكون اتجاه إرادة الشريك بالمساعدة فيها وجوبية الى إحداث النتيجة المتحققة على يد الفاعل باستخدام وسيلة المساعدة التي يقدمها إليها الشريك(11). يتضح من ذلك ان عناصر القصد الجنائي في الاشتراك تشترط مع عناصر القصد الجنائي لدى المساهم الأصلي من حيث العلم بالجريمة التي يرتكبها الفاعل واتجاه إرادته الى الفعل الذي تقوم به، والنتيجة التي تترتب عليه وبهذه العناصر تقوم رابطة ذهنية تجمع بينهما و تتحقق تلك الرابطة بمجرد الاشتراك في العلم بوقائع معينة واتجاه إرادته إليها. ولا يعتد بالقصد الجنائي لدى الشريك بالمساعدة، إلا إذا كان معاصراً لقصد الفاعل الذي يصدر عنه ذلك النشاط وان ما ينطبق على الشريك ينطبق على الفاعل(12)، مما يؤدي الى ظهور قصور بعدم الاعتداد بالقصد اللاحق لان الشخص إذا ارتكب الفعل الجرمي وغير عالم به وقت ارتكابه فلا يسأل عنه ولو أدرك حقيقته فيما بعد فالعبرة إذن لتحقق الاشتراك ان يكون نشاط الشريك المساعد معاصراً للجريمة المرتكبة من قبل الفاعل وان القصد اللاحق. للشريك غير كافٍ لمساءلته عن الاشتراك في جريمة الفاعل(13).
ثانياً- الأثر المترتب على انتفاء القصد الجنائي لدى الشريك المساعد
في الواقع لا ينتفي القصد الجنائي بانتفاء العلم والإرادة فحسب بل ينتفي بتوافر غلط جوهري وهو الغلط الذي يرد على احد العناصر المكونة للجريمة أي غلط يرد على عناصر الركن المادي فيها(14)، فقد يكون غلط في سلوك الشريك المساعد، وقد يكون في وسيلته، فالغلط في سلوك الشريك هو غلط نافٍ للمسؤولية الجزائية كونه غلط يرد على أهم الوقائع التي يعتد فيها لتوافر القصد الجنائي. فمن يقدم محرر مزور لآخر غير عالم بتزويره ومن شأنه ان يؤدي الى خداع من يطلع عليه فلا يعد شريكاً بالمساعدة إذا استخدمه في جريمة نصب وذلك لجهله بحقيقة ذلك المحرر وينتفي لديه القصد وتنتفي عنه مسؤوليته، أما من حيث الغلط في وسيلة المساعدة يعد غلطاً جوهرياً essentielle فمن يعطي لآخر حقنة معتقداً انه دواء ليعطيها هذا الأخير لمريض في حين إنها مادة سامة فلا يعد شريكاً بالمساعدة لهذا الأخير لانتفاء قصده بالغلط اللهم إلا إذا كان من قدم تلك المادة السامة قد اخل بواجب الحيطة والحذر أو لم يتخذ الإحتياطات الكافية لتجنب حدوث تلك النتيجة فيعد مسؤولاً عن ذلك مسؤولية غير عمدية(15). أما الغلط غير الجوهري non essentielle الذي لا يقع على العناصر المكونة للجريمة ولا ينتفي فيه القصد الجنائي ويكون المساعد مسؤولاً عن اشتراكه في جريمة الفاعل ويكون الغلط غير جوهري إذا تعلق بشخصية المجني عليه(16)، أو بالبواعث(17)، أما الجهل أو الغلط في القانون أيضاً لا يؤثر في مسؤولية الشريك المساعد لعدم انتفاء القصد الجرمي لديه، إذ ان العلم بالقانون هو علم مفترض لدى كل مواطن، وهذا مبدأ مسلم به في التشريعات الحديثة بوجه عام(18)، ولكن هذا العلم المفترض غالباً ما يخالف الواقع، لأنه يتعذر على أي إنسان ان يحيط علماً بجميع النصوص القانونية، وان يفهمها على الوجه الذي قصده المشرع، والافتراض هو ليس بدعة في القانون بل تمليه الضرورة الاجتماعية لأنه لو أجيز الاحتجاج بالجهل في القانون لأصبح القانون عنصراً في الجريمة ولأصبح الجهل نافياً للقصد الجرمي ومؤدياً للإضرار بالمصلحة العامة، لان الغاية الأساسية التي يهدف إليها المشرع في صياغة هذه القاعدة هو عدم إفلات احد من العقاب بحجة عدم إطلاعه على القانون(19)، لكن الاستثناء الذي يرد على هذه القاعدة والتي يرفع المسؤولية الجنائية هي حالة الاستحالة المطلقة للعلم بالقانون، وحالة الغلط الذي لا يمكن دفعه، ففي الاستثناء الأول تتوافر حالة القوة القاهرة والتي تحول دون علم الجاني بالقانون مهما حاول الوصول الى ذلك والسبب ان تلك الظروف خارجة عن إرادته، أما الاستثناء الثاني فان استحالة العلم فيه ليست راجعة الى أسباب قاهرة وإنما راجعة الى عيوب في الأشخاص بصفة عامة وفي علاقتها ببعضها، تلك العيوب التي تؤدي الى إمكانية حدوث اختلاف بين المعلومات المستقاة من هؤلاء الأشخاص، وحقيقة هذه المعلومات وهذه العيوب لا يمكن دفعها باعتبارها متعلقة بطبيعة الإنسان نفسه وما بها من نواقص سواء في الذاكرة أو في دقة المعلومات(20).
___________________
[1]- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص357.
2- د.محمود محمود مصطفى، مصدر سابق، ص432.
3- د.مدحت محمد عبد العزيز إبراهيم، مصدر سابق، ص89. و د.طارق سرور، قانون العقوبات- القسم الخاص، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال، ط1، دار النهضة العربية بالقاهرة، 2003، ص44.
4- د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص263.
5- د.علي حسين خلف وسلطان الشاوي، مصدر سابق، ص222.
6- نقض 5 يناير، سنة 1979، مجموعة أحكام محكمة النقض، س26، رقم 2، ص5.
7- نقض 27 يناير، سنة 1956، مجموعة أحكام محكمة النقض، س7، رقم 79، ص264.
8- د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص364. و د.محمد سعيد نور، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الجزء الأول، الجرائم الواقعة على الأشخاص، الدار الدولية للنشر والتوزيع، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، ص153.
9- د.محمود محمود مصطفى، مصدر سابق، ص360.
10- د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص264.
11- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص358،359. و د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص265. و د.مدحت محمد عبد العزيز إبراهيم، مصدر سابق، ص92.
12- مدحت محمد عبد العزيز، مصدر سابق، ص95.
13- عبد المهيمن بكر، مصدر سابق، ص191.
14- د.محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، دراسة تأصيلية مقارنة للركن المعنوي في الجرائم العمدية، مصدر سابق، ص89. و د.فتوح عبد الله الشاذلي وعلي عبد القادر القهوجي، مصدر سابق، ص559. ومحمد زكي أبو عامر وعلي عبد القادر، مصدر سابق، ص190.
15- د.مدحت عبد العزيز، مصدر سابق، ص94. و د.احمد فتحي سرور، مصدر سابق، ص361 وما بعدها.
16- د.محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، مصدر سابق، ص361. وقرار رقم 1686/ج ديالى/ 1956 في 4/12/1956 قضت (إذا اخطأ الجاني في إصابة المجني عليه فان هذا الخطأ لا ينفي الفعل عن الجاني ويتعين تجريمه وفقاً لقصده من الجريمة التي ارتكبها)- مجلة القضاء العدد/5/ ت2/ ك1/1956، ص788.
17- نصت المادة (48) عقوبات عراقي (لا يعتد بالبواعث على ارتكاب الجريمة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك)، فإذا كان الباعث لدى الفاعل الانتقام من المجني عليه في حين ان الباعث لدى الشريك حين يقدم المساعدة لدى الفاعل مجرد إرضاء أو تقاضي مكافئة فان ذلك لا ينفي القصد الجرمي لدى الشريك المساعد. انظر مؤلف د.محمد زكي محمود، اثر الجهل والغلط في المسؤولية الجنائية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1967، ص137. وعماد حسن نجم الناصري، أحكام الجهل في قانون العقوبات، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون جامعة بغداد، سنة 1998،ص104.
18- نصت المادة (37/1) عقوبات عراقي بقولها (ليس لأحد ان يحتج بجهله بأحكام هذا القانون أو أي قانون عقابي آخر ما لم يكن قد تعذر علمه بالقانون الذي يعاقب على الجريمة بسبب قوة قاهرة)، من خلال هذا النص يتضح ان على كل شخص ان يكون عالماً بالقانون بمجرد نشره في الجريدة الرسمية وحلول الموعد المقرر لنفاذها ويعتبر النشر قرينة قانونية قاطعة غير قابلة لإثبات العكس.
19- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص137.
20- د. حميد السعدي، مصدر سابق، ص282. و د. عمر الشريف، درجات القصد الجنائي، ط1، دار النهضة العربية بالقاهرة، 2002، ص178 وما بعدها.
المؤلف : تركي هادي جعفر الغانمي
الكتاب أو المصدر : المساهمة بالجريمة بوسيلة المساعدة