دراسات قانونية
دراسة بحثية حول المساواة في الارث ثابت ومتغير
المساواة في الميراث بين الثابت والمتغير
جمال الخمار: دكتور في القانون الخاص
مقدمة
المرأة في الإسلام لها ما للرجل وعليها ما على الرجل، حيث قال تعالى: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”[1]، كما قال تعالى: “أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى”[2]، وكل ما جاء في القرآن الكريم من خطاب نجده موجها إلى المؤمنين والمؤمنات معا سواء في موضوع التكاليف والحقوق والأعمال أو في موضوع المحظورات والتابعين والتابعات والسلوك والآدب، فالآية الكريمة “إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما”[3]، وغيرها من الآيات التي سوت بين الرجل والمرأة، غير أن هناك حالات محدودة يرث فيها الرجل أكثر من الأنثى (أولا)، وهذا على خلاف الاتفاقيات الدولية التي سوت بين المرأة والرجل في كل الحالات ولو في الميراث (ثانيا).
أولا: تقييم المساواة في الميراث
إذا كانت المرأة غير المسلمة في علاقتها مع زوجها المسلم لا ترث شيئا، فإن المرأة في الشريعة الإسلامية وفي حالات محددة ترث كالرجل (1)، وفي حالات أخرى ترث المرأة نصف ما يرثه الرجل (2).
1: حكمة التسوية بين الذكر والأنثى
إن تشريع الإسلام جاء ليعلن أن المرأة إنسان مكلف كالرجل تماما، هي مكلفة بكل درجات الدين، من الإسلام والإيمان والإحسان، ولا شك أن الإسلام عندما كلف المرأة بكل هذه التكاليف وسوى بينهما وبين الرجل في كل ذلك إنما أراد لها التكريم وبلوغ أعلى درجات الإحسان والكمال، وذلك أن التكليف من الله تشريف[4].
وهكذا سوى الله سبحانه بين الإخوة والأخوات والآباء والأمهات في الميراث وغير ذلك من الحالات التي تتكافأ فيها الحقوق والواجبات، ولا ينهض فيها ميزان المفاضلة، مثل أن يرث كل من الأب والأم السدس إذا كان معها فرع ذكر، ومثل التسوية بين ذكور الإخوة للأم وإناثهم في الإرث منفردين ومتعددين ومختلطين، ومثل التسوية بين ذكور الإخوة الأشقاء وإناثهم في فريضة مشتركة، وغير ذلك من الحالات التي تستوي فيها الأعباء والتبعات وتتكافأ فيها الحقوق والواجبات، فحينئذ يسوى بين الذكور والإناث، ويعدل عن قانون المفاضلة لتخلف علته[5]، وقيام علته التسوية والتكافؤ[6].
وقد ذهب البعض[7] إلى أنه “وسوى الله بين الأب والأم في هذا الموضع، لأن الأب، وإن كان يستوجب التفضيل، بما كان ينفق على الابن، (فالأم أيضا حملته كرها ووضعته كرها، وكان بطنها له وعاء، وثديها له سقاء، وحجرها لها قباء، فتكافأت الحجتان من الأبوين فسوى الله بينهما، فأعطاهما السدس”.
ويبدو أن هذه الحجة كانت صالحة لو أن الله سبحانه سوى بين الأب والأم في كل موضع، غير أنه تعالى ذكره فعاد ففاضل بينهما، فجعل للأم الثلث، وللأب الثلثين “فإن لم يكن له ولد، وورثه أبواه، فلأمه الثلث”[8] أي: ولأبيه الثلثان، في حال عدم الولد، كما هو ظاهر من هذا النص، وعدم الإخوة كما هو ظاهر من النص التالي له “فإن كان له إخوة فلأمه السدس”[9].
فعندما يكون حظ الأم فرضا هو السدس 6/1 يكون حظ الأب هو السدس 6/1 أيضا، وعندما يكون حظ الأم فرضا هو الثلث 3/1، يكون حظ الأب هو الثلثين 3/2.
كما جاء عند البعض[10] أن “أولاد الأم ليس للذكر منهم حماية للبيضة، ولاذب عن الذمار، فإنهم من قوم آخرين، فلم يفضل على الأنثى، وأيضا فإن قرابتهم متشعبة من قرابة الأم، فكأنهم جميعا إناث”.
وتجدر الإشارة إلى أن نسب الميراث في القرآن هي 2/1، 4/1، 8/1، 3/2، 3/1، 6/1، فنسبة السدس 6/1 هي أدنى نسبة في السلسلة من هذه النسب، وهي نفس النسبة التي تنظم الحالتين التي تساوى فيهما الذكر والأنثى “ولأبويه لكل واحد منهما السدس”[11]، “وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس”[12]، فالسدس هو حظ الأب وحظ الأم، والسدس هو حظ الأخ لأم وحظ الأخت للأم، ولم نجد هذه النسبة في الحالات التي فيها للذكر مثل حظ الأنثيين[13].
وهكذا فعندما يكون حظ الأم الثلث، فإن حظ الأب يفوق حظ الأم ليبلغ الثلثين، فإذا ما نزل حظ الأم إلى السدس تساوى معه حظ الأب.
أما في حالة الإخوة والأخوات لأم، فليس ثمة نسبتان، كما في حالة الأبوين، وإنما هي نسبة واحدة، ولما كانت هذه النسبة هي السدس 6/1، فقد استوى فيها الذكر والأنثى، فكلما كانت هذه النسبة هي السدس كان التساوي فيها بين الذكر والأنثى، وهذا على غرار قاعدة أهل الفرائض في تعريف العصبة بالغير بأنها كل من كان نصيبها “النصف عند الانفراد، والثلثين عند التعدد”[14].
فهذا هو الموضع الذي يستوي فيه الذكر والأنثى، خلافا للمواضع التي يفضل فيها الذكر على الأنثى بمقدار الضعف، فالسدس هو ضابط التسوية بين الذكر والأنثى، استثناء من الحالات الأخرى التي هي بمثابة الأصل العام في ميراث الذكر والأنثى.
وهكذا ذهب أحدهم[15] إلى أنه “وقد أعطى الله سبحانه الزوج ضعف ما أعطى للزوجة تفضيلا لجانب الذكورية، وإنما عدل عن هذا في ولد الأم (الإخوة والأخوات لأم) لأنهم يدلون بالرحم المجرد، ويدلون بغيرهم، وهو الأم، وليس لهم تعصيب، بخلاف الزوجين والأبوين والأولاد، فإنهم يدلون بأنفسهم وسائر العصبة يدلون بذكر، كولد البنتين، وكالإخوة لأبوين أو الأب، فإعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين معتبرا فيمن يدلي بنفسه أو بعصبة، وأما من يدلي بالأمومة، كولد الأم (الإخوة والأخوات لأم) فإنه لا يفضل ذكرهم على أنثاهم، وكان الذكر كالأنثى في الأخذ، وليس الذكر كالأنثى في باب الزوجية ولا في باب الأبوة ولا البنوة ولا الأخوة، فهذا هو الاعتبار الصحيح والقرآن الكريم يدل عليه كما تقدم بيانه.
أما أن الإخوة والأخوات لأم يدلون بالرحم المجرد ويدلون بغيرهم، وهو الأم، وليس لهم تعصيب، بخلاف الزوجين والأبوين والابنين (الإبن والبنت على التغليب كما في الزوجين والأبوين) يدلون بأنفسهم، وسائر العصبات يدلون بذكر، كأولاد الأبناء، وكالإخوة الأشقاء أو الأب، فهذا كله لا مخالف فيه وهو معروف[16].
أما قول ابن القيم[17] “وليس الذكر كالأنثى في باب الأبوة” فهو قول غير دقيق تماما لأن الأب كالأم في فرض السدس.
والرأي فيما أعتقد بأن بيان حكمة التسوية بين الذكر والأنثى في الأخوة والأخوات لأم، قياس مع الفارق ذلك أنهم يدلون إلى الميت بواسطة أنثى، مما يجعلهم من عائلة أخرى وهم ليسوا كمن يدلون إلى الميت مباشرة، بدون واسطة، أو بواسطة ولكنها ذكر، فلو كانوا كذلك لكان للذكر منهم مثلا حظ الأنثيين، ومن المعلوم أن الذين يدلون إلى الميت مباشرة بلا واسطة، أو يدلون إليه بواسطة ذكر، وهم ورثة من عوائل أخرى.
2: أسس توزيع الفرائض في الميراث
إن توزيع الفرائض في الميراث من وجهة نظر الإسلام هي على أسس ثلاثة، فالأساس الأول يتجلى في القرابة، ولما كانت في حد ذاتها أمرا نسبيا فقد فرق الإسلام بين الفرائض على أساس قدر هذه القرابة، فكلما كانت هذه القرابة أقرب كان نصيب صاحبها من الميراث أوفر، وكلما بعدت هذه القرابة كان نصيب صاحبها من الميراث أقل، وهذا غاية العدل، فالجد مثلا أبعد من الابن والإخوة أبعد من البنت، أما الأساس الثاني، فهو الإسلام[18].
وهذا الأساس الثاني لا ينطبق إلا في حالة الزواج المختلط، حيث إن المسلم لا يرثه إلا مسلم، ولذلك فإن غير المسلم ولو كان قريبا للمورث لا يرث شيئا، حيث إن قواعد الميراث لدى الفقه الإسلامي حسم أمر التوريث فيها وجعل اعتناق الدين الإسلامي أساسا للتوارث .
أما الأساس الثالث فهو متعلق بالحاجة، فالأب والابن تكاد قرابتهما تتساوى بالميت، لأنه مقبل على الحياة فهو في حاجة إلى مزيد من العون، أما الأب فمدبر عنها، وتارك لها، كما رعي الإسلام الحاجة أيضا عندما فرق بين نصيب الذكر والأنثى في بعض الحالات[19] عند تساوي القرابة، فقد أعطى الذكر مثل حظ الأنثيين، فأعطى الرجل حقوقا، وأوجب عليه واجبات وأعفى المرأة من كثير من هذه الواجبات، وبالتالي أسقط عنها بعض الحقوق، فأوجب على الرجل النفقة على زوجته وأولاده[20].
ولما كانت المرأة في تشريع الإسلام لا تجب عليها نفقة لا على نفسها ولا على غيرها، فإن التشريع أعطاها نصف ما يأخذ الذكر في الميراث نظرا لرفع وجوب النفقة عنها، وجبرا للرجل الذي أصبح الإنفاق واجبا عليه وحده[21].
وهكذا فقد تم الاستدلال بأن نصيب الذكر من الميراث ضعف نصيب الأنثى، وذلك نظرا لأن النظام الإسلامي يكلف الذكر بمهمة الكسب والعمل والحصول على المال، ومن ثم يكلفه بمسؤولية الإنفاق والتمويل، وهذا التكليف ينسجم مع ما أودعه الله في الذكر من قدرات بيولوجية تتفوق على الأنثى، كما أن الرجل مكلف شرعا بالإنفاق على زوجته وأولاده القصر، وعلى بناته ما لم يتزوجن وعلى أخواته وأبويه في حالة الفقر والحاجة، أما الأنثى فليست مكلفة شرعا بالإنفاق على أحد، وكذلك فإن الرجل أكثر قدرة في الغالب على توظيف المال واستثماره من المرأة، كما إن حصول المرأة على نصيب مماثل للرجل، معناه تعطيل لجزء كبير من الثروة، لأن المرأة في الغالب لن توجه هذا المال للعملية الإنتاجية[22].
وقد ذهب البعض[23] إن أصول نظام الإرث هي من قطعيات الشريعة، وهي داخلة فيها يسميه الفقهاء بالمقدرات الشرعية التي لا مجال فيها للرأي والاجتهاد، لأن النصوص الشرعية بينتها وفصلتها وقررت أحكامها على وجه لا يختلف فيه عالمان، ولا يتنازع فيه عاقلان، ومن أمهات هذه الأصول التي يقوم عليها نظام الإرث المفاضلة بين الذكر والأنثى، الذي يعتبر من شرع الله تعالى، الذي فرض ذلك وقدره، وأراده وقصده، هو أمر عباده أن يلتزموا به ويقفوا على حدوده، ومعلوم أن شرع الله كله عدل وحكمة، وحق ورحمة، لأنه تعالى هو الذي خلقنا، فهو الذي يعلم ما فيه مصالحنا ومنافعنا، وما فيه مفاسدنا ومضارنا.
وقد استند البعض[24] إلى أنه في عهد النبوة أن بعض المؤمنات جرهن فضولهن إلى التساؤل عن إرث الرجال أكثر من النساء، ولم يكن إرث النساء أكثر، وهن ضعيفات والرجال أقوى، وتمنى بعضهن لو كان أنصباء النساء كأنصباء الرجال، فنزل في ذلك قوله تعالى: حاكما وحاسما وقاطعا: “ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما”[25]. وقد نقل القرطبي عن عبدAncre اله بن عباس أن المراد بذلك: الميراث والاكتساب على هذا بمعنى الإصابة للذكر مثل حظ الأنثيين، فنهى الله عز وجل عن التمني على هذا الوجه، لما فيه من دواعي الحسد، ولأن الله تعالى أعلم بمصالحهم منهم فوضع القسمة بينهم على التفاوت، على من علم من مصالحهم.
وتعد الآية القرآنية التي تقول: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين”[26] مفتاح ومنطلق كل القضايا المتعلقة بأمور الإرث في التشريع الإسلامي، إلا أن تنصيصها على مسألة نيل الذكر ضعف ما تناله الأنثى، جعلها تحظى باهتمام خاص من لدن وسط ذكوري يتحين كل فرصة للإجهاز على حق المرأة في التملك.
ووجد أنصار هذا التوجه ضالتهم في هذه الآية الكريمة التي كيفت وفق منظور ضيق يسعى إلى تكريس النظرة الدونية التي لاحقت المرأة، منذ عصور الجاهلية واستمرت بأشكال أخرى حتى بعد مجيء الإسلام الذي لم يتوقف في اجتثاث التصورات السلبية إزاء الأنثى بشكل نهائي.
لكن هذا التمييز الذي تعرضت له المرأة في مسألة المواريث، الذي يبدو ظاهريا سلبيا بحكم أنه يقضي بأن ترث المرأة نصف ما يرثه الرجل، لا يعدو أن يكون في واقع الأمر، سوى جانب محدود من الجوانب المتعددة لمسألة الإرث في الإسلام.
حيث إن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف ما يرث الرجل، وأضعاف هذه الحالات ترث مثل الرجل تماما، كما أن هناك حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، بمعنى قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين” بناء على ما سبق، ليس قاعدة ثابتة في كل حالات الميراث وإنما هو في حالات خاصة ومحدودة، بحكم أن قاعدة المواريث في الإسلام لا تتحدد بمعايير الذكورة والأنوثة وإنما بمعايير أخرى تتجلى في درجة القرابة بين الوارث والموروث ثم موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال، فمثلا بنت المتوفى ترث أكثر من أمه.
ثانيا: المساواة في الإرث بين قواعد الفقه الإسلامي
والمواثيق الدولية
بعدما سحب المغرب تحفظاته بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، فإنه قد أقر بالمساواة الكاملة بين الجنسين، مما أصبح واقع المساواة في الميراث (1) يطرح بشدة، كما أن التحولات الدولية هذه أصبحت تفرض نفسها من أجل تحيين النصوص القانونية المغربية بالإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (2).
1: واقع المساواة في الميراث
إذا كانت نصوص قطعية في القرآن لا لبس فيها حول الإرث، فإن هناك من يرى[27] بضرورة تعديل أحكام التعصيب في حالة وجود البنات فقط دون الذكور، خاصة أنه ظهرت الأسرة النووية وأصبح عيشها متوقفا بالأساس على الزوجين، ومثال على ذلك وفاة المورث فيها (الوالدان أو الأب فقط)، فوجدت البنات أنفسهن بعد الوفاة مضطرات لتحمل مشاكل اقتسام الإرث مع أقرباء بعيدين جدا من الناحية العاطفية، وأحيانا من حيث التواصل فقط، ومن تلك الحالات المتعددة حالة أسرة مكونة من ثلاثة أفراد (أب وأم وبنت) توفى الأب والأم في حادثة سير وترك ثروة مهمة، لم تأت من ميراث حصل عليه الأب لأنه تنازل لأخيه الشقيق عن الميراث في البداية، أما الآخر فحصلت على ميراث لا بأس به قبل وفاتها ببضع سنين، غير أن الجزء الأكبر من التركة التي خلفاها هي مشتركة بينهما وذلك من خلال تطوير مقاولتهما العائلية، وقد ساهمت ابنتهما الوحيدة أيضا في تنمية هذه الثروة بعد أن كبرت وعملت في المقاولة، لكن بعد وفاة والديها، فوجئت البنت عند القيام بزمام التركة بحق الأخ الشقيق للأب في الإرث باعتباره الوارث بالتعصيب.
إلا أن نظام توزيع المواريث من المسائل القطعية التي فصل الله سبحانه وتعالى بدقة، غير أن عدد كبير من الأسر تتجه نحو توزيع ثروة العائلة بين الأبناء والبنات قبل الوفاة على قاعدة المساواة، ويلجأ البعض إلى إنجاز بيوعات صورية خاصة الأسرة المشكلة من البنات فقط حماية لهن من قاعدة التعصيب، كأن يبيع الأب بالتساوي ما يملكه الابن والابنة، أو يبيعه لبناته في حالة لم يكن هناك ابن ذكر، وذلك من أجل استبعاد أعمامهن من الميراث، وهذا مخالف لشرع الله ورسوله.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب يحتل الرتبة 73 على مؤشر المساواة بين الجنسين في حق الملكية سنة 2009، وما زال وصول المرأة في المغرب حسب هذا التقرير يعاني من الحصول على ملكية الأرض وتحتل بلادنا على هذا الصعيد المرتبة 69 من أصل 115، ولعل هذا يعود بالأساس إلى أن النساء محرومات من امتلاكأراضي الجموع (الأراضي السلالية)، بل تحرم من الإرث في عدة مناطق من البلاد وبسبب التقاليد السائدة فيها، كما أن مؤشر المساواة في الإرث في المغرب يحتل الرتبة 67 عالميا، وهكذا تراجع المغرب من الرتبة 67 سنة 2008 إلى 73 سنة 2009 فيما يخص المساواة بين الجنسين في حق الملكية[28].
2: المساواة في الميراث على ضوء القواعد الدولية
إن احترام العهود والمواثيق واجب إسلامي، لما له من أثر طيب ودور كبير في المحافظة على السلام وأهمية كبرى في فض المشكلات وحل المنازعات وتسوية العلاقات.
بالإضافة إلى مجموعة من المواثيق الدولية ذات الطابع العام، صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تتعلق مباشرة بوضع المرأة منها الاتفاقية الدولية التي تتعلق بجنسية المرأة المتزوجة[29]، واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج[30]، واتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء[31].
كل هذه الاتفاقيات، اهتمت بوضع المرأة داخل العائلة، فإلى جانب تنصيصها على أن لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق الواردة فيها دون أي تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب الجنس، ودون أي تفرقة بين الرجال والنساء، ونصت على تساوي الرجل والمرأة متى بلغ سن الزواج، في حق التزوج وتأسيس الأسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين وكذلك المساواة في الميراث دون تمييز ما بين الذكر والأنثى.
وإذا كانت المواثيق الدولية ذات الطابع العام تنص في موادها على أنه يجب على الدول الأطراف فيها اتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة في الحقوق والمسؤوليات ومنها الميراث، وبوضع تقارير في الإجراءات التي اتخذتها والتي من شأنها أن تؤدي إلى تأمين الحقوق المقررة فيها وعن تقدم الذي تم إحرازه في التمتع بتلك الحقوق.
وإذا كانت اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء تنص في مادتها الثانية بأنه على الدول الأطراف أن تنهج بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة، بتجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة، إدا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وباتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تميزا ضد المرأة.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب رفع تحفظات على مواد الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مما طرح تساؤل حول إمكانية مراجعة بعض قواعد الميراث وخاصة المتعلقة بالمساواة بين الذكر والأنثى[32].
وقد قام المجلس العلمي الأعلى بتوضيح المدى المقصود برفع التحفظات وتأكيده على أن الأحكام التي توجد بشأنها نصوص قطعية كالإرث لا مجال للاجتهاد فيها، وبالتالي لن تعرف أي تغيير رفعا للبس والغموض[33].
وذلك على أساس سمو المرجعية الإسلامية على المواثيق الدولية،
القول أن المواثيق الدولية هي عمل صادر من غير المسلمين ويراد فرضه على المسلمين، وإذا كان الإسلام هو الجزء الأساسي في المشترك الثقافي للمغاربة، فنحن جزء من البشرية يسري عليهن ما يسري عليها، ننفعل بهمومها.
وقد ذهب أحدهم[34] بأنه بالرجوع إلى خمس سنوات قبل دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، كانت تتقدم بعض الجهات على أن نصوص قانون الأحوال الشخصية الملغاة أحكام شرعية لا يمكن مخالفتها أبدا لاستنادها إلى نصوص قطعية كضرورة الولي وواجب الطاعة، ثم جرى اجتهاد عدل هذه القواعد وصودق عليها بالإجماع.
وقد كان أيضا ممارسة الزوجة للتجارة بدون إذن زوجها[35] أو توليها مهام القضاء يدخلان ضمن الأعمال المحظورة استنادا إلى أحكام الشريعة، وقبل قرون من اليوم كان الحق في امتلاك الإماء من الأعمال التي يعتبر منعها مخالفا للنصوص الصريحة في القرآن والسنة[36].
القضية باختصار هي مدى جواز أن تقرأ النص قراءة تاريخية، تجعلنا في حالة طروء ظروف مخالفة لتلك التي جاء فيها النص، تتجاوز حرفيته في اتجاه يرمي والتماس المقاصد السامية والمصالح الكبرى والقيم النبيلة لديننا الإسلامي إذا كان الخلفاء الراشدون قد فتحوا باب تجاوز القراءة الحرفية للنصوص، فكيف نغفله بعد 14 قرنا؟
لا يمكن أن نعتبر ما تتوصل إليه المواثيق الدولية يطابق الفطرة السليمة ويتجاور مع المنجزات الفكرية والعلمية والمعرفية الإنسانية جمعاء قرينة على تطور الظروف التي أصبحت تحتاج إلى اجتهادات جديدة، إن لنا في تراث الأسبقين ما يكفي من المناهج والطرق لأعمال الاجتهاد ومراعاة تطور الأوضاع ومواكبة المستجدات وهنا أيضا في ذات التراث ما يكفي لتبرير منطق الجمود والانتكاص ونحن نختار بين هذين الطريقتين، في إطار شرع الله وعدم تجاوز النصوص القطعية الواردة في القرأن الكريم وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
الهوامش
[1]- سورة البقرة ، الاية: 228.
[2]- سورة ال عمران ، الاية: 195.
[3]- سورة الأحزاب ، الأية: 35.
[4]- سيد محمد مرتضى الزبيدي: تاج العروس، دار لبيب للنشر والتوزيع بنغازي، ليبيا، الطبعة العاشرة 2003،
ص: 20.
[5]- محمد الروكي: المطالبة بالتسوية بين الرجل والمرأة في الإرث تمرد على الشريعة وتطاول على الله، مجلة المجلس العلمي الأعلى بالمملكة المغربية، العدد السادس، فبراير 2009، ص: 51.
[6]- هناك حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما وهي:
1- في حالة وجود أخ وأخت لأم في إرثهما من أخيهما، إذا لم يكن له أصل من الذكور ولا فرع وارث أي لم يحجبهم في الميراث حاجب) فكل منهما السدس، وذلك لقوله تعالى في سورة النساء، الآية 11 “وإن كان رجل يورث كلالة أم امرأة” أي لا ولد له ولا اب (وله أخ أو اخت) أي لأم (فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حكيم” سورة النساء الآية 12.
2- إذا توفي الرجل ولكن له أكثر من اثنين من الإخوة أو الأخوات فيأخذون الثلث بالتساوي.
3- فيما بين الأب والأم في إرثهما من ولدهما إن كان له ولد فصاعدا لقوله تعالى: :ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد: النساء، الآية 11.
4- إذا ماتت أمراة وتركت زوج وأم وأخت شقيقة، فكل منهما النصف.
5- إذا ماتت امرأة وتركت زوج وأخت لأب فلكل منهما النصف.
6- إذا ماتت امرأة وتركت زوج وأم وأخت شقيقة، فللزوج النصف وللأم النصف ولا شيء للأخت.
7- إذا مات امرأة وتركت زوج وأخت شقيقة وأخت لأب وأخت لأم، فللزوج النصف، للأخت الشقيقة النصف ولا شيء للأخت لأب وللأخ لأب.
8- إذا مات الرجل وترك ابنتين وأب وأم، فللأب السدس وللأم السدس ولكل ابنة الثلث.
9- إذا مات الرجل وترك زوجة وابنتين وأب وأم، فللزوجة الثمن وسهمها 3، وللأب الربع وسهمه 4 وللأم الربع وسهمها 4، ولكل ابنة الثلث وسهم كل منهما 8.
10- إذا مات الرجل وترك أما وأختا وجدا، فلكل منهم الثلث، فقد تساوت المرأة مع الرجل.
11- إذا مات الرجل وترك 40000 درهما وابن وابنة وزوجة لها مؤخر صداق (13 ألفا درهما) فستجد ان نصيب الأم تساوي مع نصيب الإبن ويكون التقسيم كالتالي:
الزوجة: 13000درهم + ثمن الباقي (3 آلاف درهم) = 16000 ألف درهم.
الإبن: ثلثي الباقي (ستة عشر ألفا) درهما.
الإبنة: الثلث ويكون (ثمانية آلاف) درهما.
ـ محمد محمد سعفان ومعوض محمد مصطفى: الميراث في الشريعة الإسلامية، نشر دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1946، ص: 65.
[7]- السهيلي عبد الرحمان بن عبد الله: كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية، المكتبة الفيصلية، الطبعة الثانية، 1984، ص: 84.
ـ عمر عبد الله : “أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية”، دار المعارف بالإسكندرية، الطبعة الأولى، 1955،
ص: 10 الهامش 1.
[8]- سورة النساء، الآية: 11.
[9]- سورة النساء، الآية: 11.
[10]- الدهلوسي أحمد شاه ولي الله: حجة الله البالغة، مطبعة دار المعرفة، بيروت، دون ذكر الطبعة وتاريخها، ص: 86.
ـ يوسف قاسم : “الحقوق المتعلقة بالتركة في الفقه الإسلامي”، طبعة 1979، دار النهضة العربية، القاهرة،
ص : 231.
[11]- سورة النساء، الآية: 11.
[12]- سورة النساء، الآية: 12.
[13]- محمد أبو زهرة: الميراث عند الجعفرية، نشر دار الرائد العربي بيروت، 1970، ص: 165.
[14]- عليوان شهيرة وتواق نوال: الميراث في الشريعة الإسلامية وقانون الأسرة الجزائري، مذكرة تخرج لنيل الشهادة الجامعية للأعمال التطبيقية تخصص توثيق، جامعة التكوين المتواصل، مركز البويرة، السنة الجامعية، 2007-2008، ص: 25.
[15]- محمد بن أبي بكر ابن القيم: أعلام الموقعين عن رب العالمين، المرجع السابق، ص: 620.
[16]- محمد علي الصابوني: المواريث في الشريعة الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة، المرجع السابق، ص: 12.
[17]- محمد بن أبي بكر ابن القيم: المرجع السابق، ص: 622.
[18]- أحمد يوسف سليمان: الإعجاز التشريعي لنظام الميراث في القرآن الكريم وأثره الاقتصادي والاجتماعي، منشورات كلية دار العلوم، جامعة القاهرة 2009، ص: 13.
[19]- هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل وهي:
1- في حالة وجود أولاد للمتوفى، ذكورا وإناثا لقوله تعالى في سورة النساء الآية 11: “يوصيكم الله في أولادكم، للذكر مثل حظ الأنثيين”.
2- في حالة التوارث بين الزوجين، حيث يرث الزوج من زوجته ضعف ما ترثه هي منه لقوله تعالى في سورة النساء الاية 12: “ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد= =وصية يوصي بها أو دين، ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين”.
3- يأخذ أبو المتوفى ضعف زوجته هو إذا لم يكن لابنها وارث، فيأخذ الأب الثلثان والأم الثلث.
4- يأخذ أبو المتوفى ضعف زوجته هو إذا كان عند ابنهما المتوفى ابنة واحدة، فهي لها النصف وتأخذ الأم السدس ويأخذ الأب الثلث.
– محمد محمد سعفان ومعوض محمد مصطفى: الميراث في الشريعة الإسلامية، المرجع السابق، ص: 66.
[20]- أحمد يوسف سليمان: المرجع السابق، ص: 14.
[21]- محمود محمد حسن: أحكام المواريث طبقا للشريعة الإسلامية والقانون المصري والكويتي، مؤسسة دارالكتاب الكويتي، الطبعة الثانية، 1984، ص: 36.
[22]- كمال توفيق محمد الحطاب: نظرات اقتصادية في حكمة توزيع الميراث في الإسلام، مجلة جامعة دمشق، المجلد الثامن عشر، العدد الثاني، 2002، ص: 308-309.
– رفعت العوضي: نظرية التوزيع، مطبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1974، ص: 165.
– بدران أبو العينين بدران: الميراث المقارن، مطبعة دار المعارف 1971، ص: 95.
– أحمد يوسف وصلاح سلطان: بحوث في توريث المال وإنفاقه، مطبعة دار الهاني القاهرة، 2006، ص: 120.
[23]- محمد الروكي: المطالبة بالتسوية بين الرجل والمرأة في الإرث، المرجع السابق، ص: 48.
ـ عبد الحق المريني: بعض مظاهر مساواة المرأة بالرجل في الإسلام، أعمال الندوة الدولية بعنوان المرأة في القرن العشرين المنعقد بتاريخ 1ـ2ـ3 شتنبر 1994، منشورات جمعية الفتح الرباط،ص: 66.
[24]- محمد الحسن بن علي بن الحسن الطوسي: تفسير التبيان، نشر مكتبة النجف، الأشرف، العراق، 1996،ص: 288.
ـ محمد ابن معجوز : “الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والقانون المغربي”، طبعة 2008، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، ص : 124.
[25]- سورة النساء، الآية: 32.
[26]- سورة النساء، الآية: 11.
[27]- فوزية العسولي: أحكام الإرث ليست كلها قطعية، الجريدة، العدد 147، الجهة 7 نونبر 2008، ص: 7.
[28]-UNESCO-FAO : « L’éducation pour le développement rural : Vers des orientations nouvelles », Editions UNESCO, IIPE 2010 .
[29]- عرضت للتوقيع والتصديق بقرار الجمعية العامة المؤرخة في 29 يناير 1959.
[30]- عرضت للتوقيع والتصديق بقرار الجمعية العامة المؤرخة في 5 نوفمبر 1962.
[31]- اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها المؤرخ في 18 ديسمبر 1979.
[32] ـ الإعلان عن رفع التحفظات للمملكة المغربية المضمنة في وثائق الإنضمام إلى إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ظهير شريف رقم 1.11.51 صادرفي فاتح رمضان 1432 الموافق ل 12 أغسطس 2011، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5974 بتاريخ 2شوال 1432 موافق ل فاتح سبتمبر 2011، ص: 4346.
[33]- محمد الروكي: المطالبة بالتسوية بين الرجل والمرأة في الإرث تمرد على الشريعة وتطاول على الله، المرجع السابق، ص: 56.
[34]- محمد الساسي: إجماع جديد حول المدونة، جريدة المساء، العدد 703، الخميس 25/12/2008، ص: 15.
[35]- ينص الفصل السادس من القانون التجاري الملغى على أنه “لا يجوز للمرأة أن تكون تاجرة في المغرب بدون رضا زوجها، مهما كانت مقتضيات قانونها للأحوال الشخصية بهذا الصدد”.
[36]- أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: الإمامية في تمييز الصحابة، مطبعة الشهادة، القاهرة، 1313ه، ص: 269.