دراسات قانونية

بحث قانوني في ماهية المعايير المحددة للتعويض عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة

الأستاذ: الحسن أولياس
باحث في العلوم القانونية والادارية

الثابت والمتغير في المعايير المحددة للتعويض عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة من خلال القانون والاجتهاد القضائي
توطئة:

في نطاق القيام بمسؤولياتها في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، تحتاج الدولة والجماعات المحلية والأشخاص الآخرين الجارية عليهم أحكام القانون العام…. الخ، إلى عدد كبير من الممتلكات العقارية،وبهدف الحصول عليها تلجا تلكم الجهات إلى مباشرة مسطرة الاقتناء بالتراضي مع ملاك هذه العقارات أو أصحاب الحقوق العينية عليها، غير انه في حالة تعذر ممارسة هذه المسطرة الأخيرة، يتم اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، التي تتضمن مسطرة إدارية وأخرى قضائية.

ويعتبر القانون رقم 7.81 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.81.254 بتاريخ 11 رجب 1402(6 ماي1982) وكذا المرسوم رقم 2.82.382 بتاريخ2 رجب1403(16 ابريل1983)، الصادر بشأن تطبيق القانون المذكور، الإطار القانوني المخول للجهات الممنوح لها حق نزع الملكية، في مباشرة إجراءات هذه المسطرة في سبيل نقل الملكية لفائدتها مقابل حصول المنزوعة ملكيته على تعويض مناسب وعادل لعقاره الذي افتقده.

وحسب الفصل الأول من هذا القانون، فان نزع ملكية العقارات أو بعضا أو ملكية الحقوق العينية العقارية، لا يجوز الحكم به إلا إذا كان الغرض من النزع هو المنفعة العامة، ولا يمكن إجراؤه إلا طبق الكيفيات المقررة قانونا، مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها بموجب تشريعات خاصة، وهذا ما يميز مسطرة نزع الملكية عن واقعة الاعتداء المادي، وان كان الهدف منهما في نهاية المطاف الحصول على عقار لإقامة مشروع ذا منفعة عامة، فان طريقة اللجوء إلى ذلك تختلف ما بين المؤسستين المذكورتين ، فطابع عدم الشرعية وعدم سلوك المسطرة القانونية للحصول على العقار أو الحق العيني هو الذي يتسم به الاعتداء المادي ، على خلاف مؤسسة نزع الملكية التي تعتمد على الشرعية القانونية في الحصول على العقار. (1)

وحري بالذكر، أن مسطرة نزع الملكية تمر عبر مرحلتين الأولى إدارية وهي مرحلة اشهارية بالأساس، تنتهي باستصدار المرسوم المعلن للمنفعة العامة أو مقرر التخلي( في حالة شمول العقار موضوع نزع الملكية بتصميم للتهيئة) (2) ونشره بالجريدة الرسمية،على أن تبادر الجهة نازعة الملكية بعد النشر المذكور، إلى تحديد قيمة العقار أو الحق العيني موضوع نزع الملكية، عن طريق جمع اللجنة الإدارية للتقييم عملا بمقتضيات الفصل 42 من قانون نزع الملكية، وهو التعويض الذي تقترحه الجهة نازعة الملكية أمام القضاء الإداري بموجب مقالها الاستعجالي الرامي إلى الإذن بالحيازة، ومقالها في الموضوع الهادف إلى نقل الملكية مقابل التعويض ، هذا الأخير الذي يمكن أن يكون موضوع منازعة من قبل المنزوعة ملكيته،

هذا و تجدر الإشارة ، أن التعويض المقرر نتيجة فقد أو نزع الملكية، يجب أن يكون عادلا، باعتبار ان المنزوعة ملكيته يتحمل في هذا النطاق، وزرا وضررا نتيجة تخليه جبرا عن عقاره آو حقه العيني، وبالتالي فان المشرع المغربي سواء من خلال القانون رقم 7.81 السالف ذكره والمتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وكذا من خلال نصوص الخبرة القضائية كما هي منظمة بقانون المسطرة المدنية، أحاط التعويض عموما عن نزع الملكية بمجموعة من الضمانات التي تحقق العدالة والإنصاف للطرفين المعنيين معا أي نازع الملكية والمنزوعة ملكيته،

استنادا لما تقدم ، فان موضوع بحثنا هذا، سيتم تناوله من محورين أساسيين، الأول سيتم التطرق فيه إلى الضوابط المؤسسة لتحديد التعويض خلال المرحلة الإدارية لمسطرة نزع الملكية (عمل اللجنة الإدارية للتقييم)، على أن يتم تناول في محور ثان الموجبات المعتمدة في تأسيس ذات التعويض خلال المرحلة القضائية ( أي خلال مرحلة منازعة المنزوعة ملكيته أصلا في مبلغ التعويض المعروض عليه من قبل الجهة نازعة الملكية) ، ثم كيف تعامل القضاء الإداري بمختلف درجاته مع تلكم الضوابط والموجبات وهل استقر في تحديدها على اتجاه واحد أم أن هناك ثمة معايير مختلفة وغير مستقرة – إن صح التعبير- هي المعتبرة في تحديد التعويض ، وفي الأخير سيتم التطرق ضمن ذات المحور لمدى حجية محضر اللجنة الإدارية للتقييم من وجهة نظرا لقضاء.

وحتى لا يظل هذا البحث منحصرا في جانبه النظري الصرف، وكذا سعيا في توضيح معالمه أكثر، سيتم اغناء الدراسة باجتهادات قضائية في الموضوع.

المبحث الأول: ضوابط تحديد التعويض خلال المرحلة الإدارية لمسطرة نزع الملكية (اللجنة الإدارية للتقييم)

الفرع الأول:تشكيل وعمل اللجنة الإدارية للخبرة أو التقييم.

ا-تشكيل اللجنة الإدارية للتقييم.

بمجرد صدور المرسوم او المقرر المعلن لنزع الملكية لأجل المنفعة العامة ونشره بالجريدة الرسمية، تعمد الجهة نازعة الملكية الى جمع لجنة إدارية للتقويم، ينصب عملها أساسا على تحديد ثمن التعويض عن نزع الملكية بتاريخ صدور المقرر او المرسوم المذكور، وهذا الثمن الذي يتم الانتهاء بتحديده هو المعتبر في تأسيس مطالب تلكم الجهة بنقل الملكية اليها مقابل التعويض.

وفي هذاالسياق،ورد في المادة 42 من قانون نزع الملكية على ما يلي:” إذا اتفق نازع الملكية والمنزوعة ملكيته على الثمن الذي حددته اللجنة بعد نشر مقرر التخلي وعلى كيفيات تفويت العقار او الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها، فان هذا الاتفاق الذي يجب ان يبرم طبقا لمقرر التخلي، يدرج في محضر امام السلطة الإدارية المحلية التابع لها موقع العقار ….”

وبالرجوع الى مقتضيات الفصلين6 و7 من المرسوم رقم 382.82.2 بتاريخ 2 رجب1403(16 ابريل1983)، بتطبيق القانون 81.7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، نجد ان تأليف اللجنة الإدارية للتقييم يختلف باختلاف ما إذا كان النزع يهم حقوقا مائية او ما إذا كان الهدف من ذلك يتعلق بنزع ملكية عقارات او حقوق عينية.

* بخصوص نزع ملكية حقوق مائية: تتكون اللجنة المذكورة مما يلي:
– السلطة الإدارية المحلية، او ممثلها رئيسا
– رئيس دائرة أملاك الدولة الموجودة بها الحقوق المائلة او نائبه.
– ممثل وزارة التجهيز، كاتبا
– ممثل المصالح الإقليمية للفلاحة والإصلاح الزراعي

* بالنسبة لنزع ملكية عقارات او حقوق عينية: فتتكون اللجنة الإدارية، مما يلي:
– السلطة الإدارية المحلية او من يمثلها، رئيسا
– رئيس دائرة أملاك الدولة او من يمثله
– قابض التسجيل والتمبر او من يمثله

– ممثل طالب نزع الملكية، او الإدارة التي يجري نزع الملكية لفائدتها (3)

ويضاف الى اللجنة أعضاء غير دائمين، وهم بحسب طبيعة العقار: مفتش الضرائب الحضرية او منتدبه، مفتش التعمير او منتدبه، اذا تعلق الامر بأراض حضرية مبنية او غير مبنية، الممثل الإقليمي للفلاحة والإصلاح الزراعي او منتدبه، مفتش الضرائب القروية او منتدبه، اذا تعلق الامر بارض قروية، وتتولى السلطة القائمة بنزع الملكية اعمال الكتابة.

ب- اشغال اللجنة الإدارية للتقييم:

إن الدور الأساسي للجنة الإدارية للتقييم المتطرق إلى تركيبتها أعلاه، ينصب أساسا حول تحديد قيمة العقار أو الحق المائي أو الحق العيني موضوع نزع الملكية، اعتبارا بتاريخ نشر مقرر التخلي أو المرسوم المعلن للمنفعة العامة بالجريدة الرسمية، وتستند اللجنة المذكورة في تقييمها هذا إلى مجموعة من العناصر والمؤشرات الأساسية التي تعتبر مرجعا أساسيا وهاما في عملية التعويض، من بينها : موقع العقار، طبيعته( حضري ، شبه حضري، قروي)، استعماله، حدوده، شكله واتجاهه، قربه أو بعدم من التجهيزات العمومية، الارتفاقات الموجودة عليه- ارتفاقات الحق العام او الخاص- إمكانية استعماله بالنسبة للتنظيمات المعمارية المعمول بها…..)، كما ان تحديد التعويض بالإضافة الى ما ذكر، ينبغي ان يتم بناء على عناصر للمقارنة، و تعتمد تلكم اللجنة بحكم عملها على مختلف العناصر المساعدة في تحديد ثمن معقول لموضوع نزع الملكية، من عقود البيع المجراة بشان قطع مماثلة للقطعة الأرضية موضوع نزع الملكية الواقعة بنفس المنطقة أو بمناطق قريبة– في حالة عدم وجود عناصر للمقارنة بعين المكان- ، وكافة العقود والتصرفات الأخرى الموثقة التي من شانها أن تساعد على ذلك.

وفي سبيل بلوغ الغاية المذكورة، تلعب مصالح التسجيل و التمبر وكذا مصالح الضرائب والمحافظات على الأملاك العقارية و الرهون دورا بارزا في أشغال اللحن الإدارية للتقويم، باعتبار المصالح الإدارية المذكورة لها دور كبير في تلقي مختلف التصرفات العقارية ومعرفة الأثمان التي على أساسها تلكم التصرفات….
هذا وان أشغال اللجنة الإدارية للتقييم تبتدئ من تاريخ نشر مقرر التخلي، إلى غاية انتهاء صلاحية هذا المقرر الذي يستمر مفعوله لمدة سنتين من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية، كما ورد بالفصل 17 من القانون81.7 في فقرته الأولى، إذ جاء فيها:” يحدد الأجل الذي يمكن أن تبقى خلاله الأملاك المعنية في مقرر التخلي خاضعة لنزع الملكية، في سنتين ابتداء من تاريخ نشر هذا المقرر في الجريدة الرسمية أو عند الاقتضاء من تاريخ تبليغه.”

ولعل تحديد تلكم الفترة في اجل السنتين، مرتبط بالأساس بكون انه إذا لم يبادر نازع الملكية الى إيداع مقالي الحيازة ونقل الملكية داخل الأجل المذكور، فانه لا يمكن الحكم بنزع الملكية إلا بموجب إعلان جديد لنزع الملكية، وبعبارة اصح فان اجل السنتين من تاريخ نشر مقرر التخلي بالجريدة الرسمية هو اجل سقوط لرفع الدعوى بالحيازة ونقل الملكية، ويكون معه على نازع الملكية-بمرور الاجل المذكور-إعادة المسطرة الإدارية من جديد مع ما يترتب عن ذلك من تغيير في قيمة العقار بفعل عامل الزمن و مباشرة المسطرة من الأول وانتظار مدة زمنية لا يستهان بها من اجل استصدار مقرر للتخلي من جديد.

الفرع الثاني: الآثار المترتبة عن تحديد الثمن من قبل اللجنة الإدارية للخبرة:

بمجرد انتهاء اللجنة الإدارية للتقويم من أشغالها، يتم تحرير محضر من قبلها يتضمن مبلغ التعويض المحدد من قبلها بناء على مختلف العناصر السالف ذكرها أعلاه.
وبترتب عن تحرير المحضر المذكور، ما يلي:
إما الاتفاق بالمراضاة مع المنزوعة ملكيته على الثمن المحدد، ويتم تحرير محضر بذلك، وفي هذا النطاق يجب التمييز بين حالتين، الأولى التي يكون فيها المنزوعة ملكيته مقيما في موقع العقار، والثانية مرتبطة بالحالة التي يكون فيها الشخص مقيما في منطقة خارج موقع العقار(4)، فإذا كان المنزوعة ملكيته يقيم بمكان موقع العقار ، يحرر محضر الاتفاق أمام السلطة الإدارية التابع لها موقع العقار، أما إذا كان يقيم بمكان أخر، فان الاتفاق يبرم وفق مقتضيات القانون الخاص بواسطة عقد وفق الشروط القانونية ويبلغ الى السلطة المحلية وتترتب عليه اثأر مهمة:

* إبرام الاتفاق بالمراضاة وعدم لجوء نازع الملكية الى تقديم المقال ألاستعجالي بالإذن بالحيازة ونقل الملكية أمام القضاء الإداري، ووضع حد للمسطرة القضائية متى تبت عدم اجرائها والخوض فيها أمام المحكمة الإدارية المعنية.

* وحتى في حالة سبقية تقديم الدعوى أمام المحكمة الإدارية في شقيها الاستعجالي( الحيازة) والموضوعي( نقل الملكية مقابل التعويض)، فان الاتفاق بالمراضاة يضح حدا لأثار دعوى التعويض مقابل فقد الملكية، اذ حينئذ يكتفي نازع الملكية بتقديم مذكرة بسحب الدعوى أمام المحكمة ( الذي يقابله مفهوم تقديم مذكرة التنازل عن الدعوى في القضايا الأخرى) ، (5)

* كما انه حتى في حالة عرض القضية على أنظار القضاء الإداري، وعدم لجوء المنزوعة ملكيته للمجادلة في مبلغ التعويض بعدم تقديمه أية مذكرة في هذا الشأن، فان الأمر يترتب عنه صدور حكم وفق مطالب نازع الملكية، وبمفهوم المخالفة وحسب ما درج عليه الاجتهاد القضائي، فان التعويض الذي تقدره اللجنة الإدارية للتقييم، يتوقف نفاده على قبوله من قبل المنزوعة ملكيته.

في حالة رفض التعويض المحدد من طرف اللجنة المذكورة: ويكون عند عدم اقتناع المنزوعة ملكيته بالتعويض المحدد من طرف اللجنة الإدارية للتقييم، كان يبدو له بان التعويض المحدد هزيل أو ضئيل بالمقارنة مع الثمن الحقيقي للعقار أو الحق العيني او المائي موضوع نزع الملكية، فهنا وبعد لجوء نازعة الملكية إلى القضاء للمطالبة بنقل الملكية مقابل التعويض، ينازع المنزوعة ملكيته في الثمن، وتلي ذلك إجراءات قضائية منها صدور امر تمهيدي بإجراء خبرة وتعيين أحد الخبراء لإجراء الخبرة.

المبحث الثاني: معايير تحديد التعويض عن نزع الملكية خلال المرحلة القضائية من خلال الثابت والمتغير

كما سلف الذكر، فانه خلال تقديم نازع الملكية لمقالين الأول استعجالي بالإذن بالحيازة، والثاني في الموضوع بنقل الملكية مقابل التعويض المحدد من طرف اللجنة الإدارية للتقييم، قد يبادر المنزوعة ملكيته في دعوى الموضوع الى المنازعة في مبلغ التعويض، الأمر الذي يترتب عنه إصدار القاضي الإداري لأمر تمهيدي بإجراء الخبرة من قبل احد الخبراء المختصين في الميدان، فما هي الأسس والضوابط المقيدة للخبرة القضائية في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة خلال المرحلة القضائية، وهل تم الاتفاق على اتجاه قضائي موحد في إبراز هذه المعايير أو الأسس آم أن هناك متغيرات في الموضوع ثم ما مدى حجية حضر اللجنة الإدارية للتقييم أمام القضاء؟

إن التطرق للأمر، يستدعي الوقوف على مجموعة من المحطات القانونية، من خلال التعريف بالخبرة القضائية ودورها في قضايا نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، إضافة إلى استحضار الحكم التمهيدي بإجراء الخبرة ومضمون مقتضياته التي يتم توجيهها للخبير قصد التقيد بها ، إضافة إلى ضرورة تقيد هذا الأخير أيضا في تحديد التعويض بما تمليه مقتضيات الفصل 20 من قانون نزع الملكية والنصوص المنظمة للخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية،

الفرع الأول: مفهوم الخبرة القضائية وفي تحديد التعويض في القضايا الإدارية المرتبطة بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة:

التعريف بالخبرة القضائية وطريقة تعيين الخبير:

إن الخبرة القضائية هي وسيلة من وسائل الإثبات يتم اللجوء إليها إذا اقتضى الأمر كشف دليل وتعزيز أدلة قائمة، كما أنها استشارة فنية يستعين بها القاضي أو المحقق في مجال الإثبات لمساعدته في تقدير المسائل الفنية التي يحتاج تقديرها إلى دراية علمية لا تتوافر لدى عضو السلطة القضائية المختص بحكم عمله وثقافته. (6)

كما يمكن تعريفها على أنها المهمة الموكولة من قبل المحكمة أو الهيئة القضائية إلى شخص أو إلى عدة أشخاص أصحاب اختصاص أو مهارة أو تجربة في مهنة ما أو فن أو صنعة أو علم لتحصل منهم على معلومات أو آراء أو دلائل إثبات …. لايمكن لها أن تؤمنها بنفسها وتعتبرها ضرورية لتكوين قناعتها للفصل في نزاع معين.(7)

ومن خلال جملة التعريفات التي أعطيت للخبرة، والتي لا يمكن حصرها يتبين لنا أن الخبرة تهدف إلى التعرف على وقائع مجهولة من خلال الواقع المعلوم، فهي وسيلة تضيف إلى الدعوى دليلا، حيث يتطلب هذا الإثبات معرفة أو دراية لا تتوافر لدى رجال القضاء نظرا إلى طبيعة ثقافتهم وخبراتهم العلمية، كما قد يتطلب الأمر إجراء أبحاث خاصة أو تجارب علمية تستلزم وقتا لا يتسع له عمل القاضي، فالخبرة تقتصر على المسائل الفنية دون المسائل القانونية لأن المحكمة مفروض فيها العلم بالقانون علما كافيا.

وعموما فان الخبرة تعتبر من طرق الإثبات المباشرة، وذلك نظرا لاتصالها بالواقعة المراد إثباتها، وبالتالي فان هذا الإجراء من إجراءات التحقيق، أصبح أكثر من ذي قبل يفرض نفسه بكل قوة في مجال الإثبات، وقد وردت مضامينها بالكتاب الحكيم في قول الله سبحانه وتعالى” فاسأل به خبيرا”.(8)

والجدير بالتذكير، أن المشرع قد نظم الخبرة في الفصول من59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية، وذلك ضمن الباب الثالث المتعلق بإجراءات التحقيق، بالإضافة لذلك نجد قانونا أخر يكملها، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين.

ويتم تعيين الخبير بواسطة حكم تمهيدي، يحدد النقط التي على أساسها سيتم انجاز الخبرة، إذ يجب على الخبير أن لا يتجاوزها أو يتغاضى عن بعضها، وذلك حسب الفقرة الثالثة من الفصل 59 من قانون المسطرة المدنية، أخذا بعين الاعتبار عدم اصطدام الخبرة بأحد عوارضها من قبيل تجريح الخبير في حالات توفر موجبات ذلك، أو استبداله من قبل المحكمة في حالة عدم إنجازه للمهمة الموكولة إليه خلال الأجل المحدد، وهذا ما سيقودنا إلى الحديث عن الحكم أو القرار التمهيدي والنقط المسطرة فيه والتي يتوجب على الخبير الاقتداء والعمل بها أثناء انجاز الخبرة

الحكم التمهيدي وضرورة تقيد الخبير بالنقط المثارة من خلاله:

حينما نتحدث عن الخبرة بصورة عامة، فان أول ما يتبادر إلى الذهن ضرورة صدور حكم تمهيدي بشأنها، والحكم التمهيدي هو نوع من الأحكام الأولية التي تصدر أثناء سير الدعوى مضمونه اتخاذ تدابير من شانها أن تمهد السبيل لإصدار حكم نهائي في الموضوع.

وينبغي أن يشمل الحكم التمهيدي مجموعة من البيانات:
– استدعاء الأطراف للحضور لعين المكان
– تحديد مهمة الخبير والنقط التقنية التي على أساسها سيتم إجراء الخبرة.
– تدوين تصريحات الأطراف وتوقيعها من قبلهم ضمن محضر ملحق بتقرير الخبرة
– تحديد اجل قيام الخبير بمهمته
– تحديد الطرف الذي يتعين عليه أداء صوائر الخبرة.(9)

وفي نطاق الحديث عن الأحكام والقرارات التمهيدية بإجراء الخبرة لتحديد التعويض في مجال نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، نجد أن هذه الأحكام غالبا ما تنص على التالي:

– استدعاء الأطراف ونوابهم برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل
– التعيين في الاستدعاء لتاريخ إجراء الخبرة مع ضرورة استدعاء الأطراف 5 أيام قبل ذلك.
– الاستماع أثناء انجاز الخبرة للأطراف وتضمين تصريحاتهم في محاضر مستقلة وموقعة ترفق بتقرير الخبير، مع الإشارة إلى من رفض فيهم التوقيع
– تحديد قيمة العقار موضوع نزع الملكية بتاريخ صدور مرسوم نزع الملكية (في حالة تقديم مقال نزع الملكية مقابل التعويض داخل اجل6 أشهر من تاريخ نشر مرسوم نزع الملكية بالجريدة الرسمية)
– تحديد قيمة العقار موضوع نزع الملكية بتاريخ صدور المرسوم وتاريخ رفع الدعوى (في حالة تقديم مقال نزع الملكية مقابل التعويض بعد مرور اجل6 أشهر من تاريخ نشر مرسوم نزع الملكية بالجريدة الرسمية وقبل انصرام اجل السنتين من تاريخ النشر)

– الاعتماد في تحديد قيمة العقار موضوع نزع الملكية على أسس وعناصر للمقارنة.

– بإمكان الخبير ان يتلقى على شكل تصريح عادي كل المعلومات الضرورية، كما بإمكانه الانتقال الى مختلف الإدارات العمومية والجهات الخاصة من اجل الحصول على المعطيات الكافية للقيام بالمهمة المسندة اليه في إطار القانون، مع الإشارة الى مصدرها في تقريره.

اجراء الخبرة ودور الخبير في التقيد بالنصوص المؤطرة للخبرة وتحديد التعويض عن نزع الملكية(10)
أولا:التقيد بمقتضيات الفصل 20 من قانون نزع الملكية:
ينص الفصل 20 من القانون رقم 81-7 ينص على انه:
” يحدد التعويض عن نزع الملكية طبقا للقواعد التالية:
يجب ألا يشمل إلا الضرر الحالي والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية، ولا يمكن أن يمتد إلى ضرر غير محقق أو محتمل أو غير مباشر.
يحدد قدر التعويض حسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية دون أن تراعى في تحديد هذه القيمة البناءات و الأغراس والتحسينات المنجزة دون موافقة نازع الملكية منذ نشر أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للأملاك المقرر نزع ملكيتها

يجب ألا يتجاوز التعويض المقدر بهذه الكيفية قيمة العقار يوم نشر مقرر التخلي أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة للأملاك التي ستنزع ملكيتها، ولا تراعى في تحديد هذه القيمة عناصر الزيادات بسبب المضاربات التي تظهر منذ صدور مقرر التصريح بالمنفعة العامة “.

انطلاقا من هذا الفصل، يتضح أن الخبير مقيد بمجموعة من الضوابط التي يحكمها قانون نزع الملكية، فالضرر الواجب التعويض عنه هو الضرر الحالي المحقق مباشرة عن نزع الملكية، كما ان عنصر المضاربات التي تظهر منذ صدور مقرر التصريح بالمنفعة العامة محضور على الخبير الأخذ به في تحديد قيمة العقار….الخ، وفي هذا الإطار ورد في حيثية حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء- قبل دخول قانون المحاكم الإدارية حيز التطبيق- ما يلي:” حيث يستخلص من تقرير الخبرة ومن قرار نزع الملكية ان الأرض موضوع النزاع تعتبر ارضا قابلة للتجزئة سواء بقيت بيد المدعي او تسلمها الطرف المدعى عليه….” وهو تعليل يعتمد على عنصر الاستغلال المستقبلي للأرض، وما يمكن أن تؤول إليه، وهو تعليل مبني على المستقبل المحتمل الذي يمنع الاعتماد عليه بمقتضى الفصل 20 من قانون نزع الملكية…”

وفي مداخلة للأستاذة “ليان كوبيرت” حول موضوع تحديد التعويض الممنوح للمنزوعة ملكيته خلال الندوة المقامة بين محكمة النقض بالمغرب ومحكمة النقض بفرنسا حول موضوع التعمير ونزع الملكية، أشارت المتدخلة المذكورة لمجموعة من الأسس المعتمدة في تقدير التعويض أولها آن يؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد طبيعة العقار السنة ما قبل تاريخ فتح البحث الإداري- منعا للمضاربة-، فتحدد طبيعة العقار هل هو مبني آم عبارة عن ارض عارية آو يستثمر فيه أصل تجاري اعتبارا لهذا التاريخ، والمبدأ الثاني آن التعويض يجب ان يكون كاملا غير انه لا يمكن لقاضي نزع الملكية أن يعوض الأضرار المعنوية ولا الأضرار المستقبلية، بل يأخذ بعين الاعتبار الضرر المباشر الناجم عنه نزع الملكية، وتحدثت الأستاذة مضيفة جردا لمختلف العقارات وكيفية التعويض عنها اعتمادا على عناصر للمقارنة مستمدة بين يدي الموثقين او أحكام قضائية صادرة في قضايا مماثلة شريطة ألا تكون قديمة إضافة لعقود البيع وغيرها من العقود التي توثق لمعاملات أجريت بناء على اثمنة مناسبة. (11)

وفي نفس الإطار دائما، تطرقت المتدخلة الى العقارات المبنية، مشيرة في هذا الخصوص الى انه في بعض المدن الفرنسية وخاصة باريز PARIS، تكون قيمة البناء معادلة لقيمة الأرض او تفوقها فهناك من يرى انه لا حاجة للتعويض عن قيمة الأرض، وتم الوقوف كذلك عند التعويض عن فقدان الأصل التجاري الذي يتكون كما هو معلوم من عناصر مادية ومعنوية، ويحدد التعويض فيه على معايير ثلاثة: رقم الأعمال أولا، الربح السنوي ثانيا، ثم الدخل اليومي ثالتا.(12).

 

هذا وفي نطاق العمل القضائي، حول تطبيق مقتضيات الفصل20 من قانون نزع الملكية، نورد بعض الاجتهادات القضائية، كالتالي:
– قرار محكمة النقض عدد3637 بتاريخ14 دجنبر1976 في الملف المدني عدد 586،الذي جاء فيه:

– ” التعويض عن نزع الملكية، يجب ان يمنح الى المنزوعة ملكيته، يقدر حسب قيمة العقار بتاريخ التصريح بنزع الملكية”(13)
– قرار محكمة النقض عدد 58 بتاريخ 14 مارس1985 الذي أورد ما يلي:
-” يكون القرار غير مرتكز على أساس قانوني، عندما لم يبين قيمة العقار وقت صدور القرار القاضي بنزع الملكية من اجل المصلحة العامة، ولا قيمته يوم نشر مقرر التخلي، مما حرم على المجلس الأعلى من ممارسة رقابته فيما يخص تقدير التعويض” (14)
– قرار محكمة النقض عدد15/58 بتاريخ فاتح يوليوز1958، في الملف الاداري440/58، الذي جاء فيه:
– ” الضرر الذي يمكن لمن نزعت منه الملكية للمنفعة العامة أن يطالب به، هو المبني على العناصر الناتجة عن الاستعمال الحالي والمقرر للأرض المنزوعة ملكيتها، فلا يحق للمالك أن يطالب تعويضه عن أرضه التي تستعمل للفلاحة بالتمسك بأنها كانت ستخصص للبناء” (15)
تلكم هي المعطيات التي يتعين الأخذ بها في تقدير التعويض استنادا للفصل 20 من القانون المذكور

ثانيا: التقيد بمقتضيات الفصول المنظمة للخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية:

الى جانب ضرورة تقيد الخبير بمقتضيات المادة20 من قانون نزع الملكية، فان الخبرة المنجزة من قبله يجب أن تتم في إطار القواعد القانونية التي يؤطرها أيضا قانون المسطرة المدنية، وبالرجوع الى المقتضيات المذكورة، نجد بأنه يتعين على الخبير، احترام أجال استدعاء الأطراف للخبرة، وتحريره لمحضر في الموضوع مرفق بتصريحات الأطراف ، وضرورة قيامه بالخبرة داخل أجال محددة تحت طائلة استبداله( الفصل61 من ق.م.م)، غير أهم ما يرتبط بمهمة الخبير في تحديد الثمن عن نزع الملكية، وكذا مهمة المحكمة في استكشافها لعدم إجابة الخبير عن كل النقط الفنية المطلوبة منه، ما قضت به المادتان59 و64 من قانون المسطرة المدنية،

 

إذ تنص المادة 59 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي:«. يحدد القاضي النقط التي تجرى فيها الخبرة، في شكل أسئلة فنية لا علاقة لها مطلقا بالقانون…

… يجب على الخبير أن يقدم جوابا محددا وواضحا على كل سؤال فني.”
تضيف المادة 64 من نفس القانون على ما يلي:” يمكن للقاضي إذا لم يجد في تقرير الخبرة الأجوبة على النقط التي طرحها على الخبير، أن يأمر بإرجاع التقرير إليه قصد إتمام المهمة…”

الفرع الثاني : الثابت والمتغير في تحديد التعويض عن نزع الملكية من خلال الاجتهاد القضائي:

وحري بالذكر، انه من بين أهم النقط التي يجب على الخبير التقيد بها، ما دام الأمر يرتبط بتحديد مبلغ مالي ستؤديه نازعة الملكية للطرف الذي فقد عقاره أو حقه العيني، مسالة عناصر المقارنة في تحديد ثمن التعويض، اذ يتعين على الخبير ذكر كافة العناصر المهتدى بها في تحديد الثمن، من عقود بيع، أحكام قضائية، وغيرها من أمثلة المقارنة الأخرى، ويمكنه في هذا الإطار وكما تتضمن مختلف الأحكام التمهيدية او القرارات الصادرة عن القضاء الإداري بإجراء الخبرة، الاتصال بمختلف الهيئات أو الإدارات التي يمكن ان تساعده في الأمر، من مصالح للتسجيل والتمبر، مصالح الضرائب، المحافظات على الأملاك العقارية والرهون،…..الخ، لكن السؤال المطروح هل استقر الاجتهاد القضائي المغربي في هذا الشأن على اتجاه موحد فيما يرتبط باعتماد أسس ثابتة ومحددة في تحديد قيمة التعويض؟
مهما يكن من أمر، فان الممارسة القضائية أبرزت اتجاهين في هذا الإطار، كما يلي:

ا – اتجاه محكمة النقض بضرورة ذكر عناصر مقارنة من بيوعات واحكام قضائية والاستدلال بها لتحديد التعويض

اثناء انجاز الخبرة:

في موقف سابق دأبت محكمة النقض على اعتبار كل تقرير للخبرة لم تذكر فيه عناصر المقارنة المعتمدة لتحديد الثمن، من بيوعات عقارية وأحكام قضائية…الخ، هو تقرير ناقص ويتعين عدم الأخذ به، ونقضت تلكم المحكمة مجموعة من الأحكام والقرارات في هذا الاتجاه، ونذكر على سبيل المثال قراراتها التالية:

– القرار عدد 1059 المؤرخ في 24 أكتوبر 2002 ملف إداري عدد 644/4/1/2002 ، الذي جاء فيه:
“حيث يتضح من مراجعة البيانات الواردة في تقرير الخبرة المصادقة عليه من طرف محكمة الاستئناف أنه لم يذكر مراجع البيوعات ومساحتها وخصائصها ومميزاتها لتمكين المجلس الأعلى من بسط رقابته، والحالة أن تحديد التعويض عن نزع الملكية يجب أن يتم في إطار القواعد والضوابط المنصوص عليها في الفصل 20 من قانون 81-7 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة
وحيث إنه من الواضح أن هذه الضوابط الآمرة لا يتأتى احترامها إلا إذا أثبت الخبراء صحة القيمة المحددة من طرفهم عن طريق حالات مماثلة وبيوعات مطابقة للعقار المعني بالأمر.

وحيث إن محكمة الاستئناف المطعون في قرارها بمصادقتها على القرار المذكور رغم الاختلالات الواضحة المشار إليها تكون قد جعلت قرارها ناقص التعليل الموازي لانعدامه وعرضته للنقض. ” (16)

– قرار محكمة النقض عدد492 بتاريخ 25 يوليو2002، في الملف الاداري 816-4-2-2002 الذي جاء فيه:

” لكن بالرجوع الى الخبرة ، يتبين أن الخبير بنى تقديره في تحديد التعويض المناسب للقطعة الأرضية المنزوعة على النسب المطبقة لدى بعض المصالح المالية والإدارية المختصة ومن ذلك القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف بالناظور، بشان عقارات تحمل نفس المواصفات والمميزات وذلك خلال سنة 2002 والسنة التي قبلها، كما هي مضمنة في سجلات محكمة التوثيق وبمصلحة التسجيل والتمبر، ومصلحة الضرائب المباشرة والرسوم التي في حكمها والمحافظة على الأملاك العقارية والرهون فجاءت الخبرة والحالة هذه مبنية على عناصر موضوعية وكافية جعلت المحكمة في غنى عن إجراء خبرة أخرى آخذة بعين الاعتبار التزام الخبير بمقتضيات الأمر التمهيدي واحترامه لجميع النقط الواردة فيه” (17)

– قرار محكمة النقض عدد 210 بتاريخ 24/07/1982 (الدولة المغربية / الأملاك المخزنية ضد نظارة الأوقاف)
، جاء فيه ما يلي:

“إن القرار المطعون فيه بعدم بيان الأسس التي اعتمدها في تحديد التعويض الواجب المطلوب عن نزع ملكية القطع المذكورة، تلك الأسس المذكورة في الفصل 15 من ظهير03/04/1951 (الذي يقابله الفصل 20 من قانون نزع الملكية الحالي) لم يعط لحكمه أساسا قانوني الأمر الذي استوجب نقضه”.

– القرار رقم 13 بتاريخ 15/01/2005، ملف عدد 127/4/2/2003، جاء فيه:

حيث صح ما عابه المستأنف على الحكم المستأنف، ذلك انه اعتمد في الحكم بالتعويض عن الرقبة ما ورد في تقرير الخبرة المنجز من لدن الخبير السيد…بخصوص ثمن العقار موضوع الدعوى، مع أن هذا التقرير لا يتضمن أمثلة للمقارنة تهم عقارات مجاورة للعقار المدعى فيه وتماثله في المواصفات بحيث يبرر الثمن المقترح من لدنه، الشيء الذي كان معه الحكم المستأنف في غير محله يتعين إلغاؤه. (18)

ب– الاتجاه الحديث من حيث الاكتفاء بذكر مميزات العقار في تقرير الخبرة ولو دون الاستدلال بعناصر للمقارنة:

يلاحظ أن محكمة النقض، تجاوزت ما استقرت عليه من خلال قراراتها المتطرق إليها أعلاه، واعتبرت أن مجرد وصف العقار وتحديد مميزاته من قبل الخبير هو في حد ذاته عمل متصل بتقييم العقار ولو دون إيراد عناصر و أسس للمقارنة( أي قواسم لاثمنة عقارات) في تحديد ثمن التعويض، ومن قرارات المحكمة المذكورة في هذا الباب، نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

– قرار محكمة النقض عدد 584/3 بتاريخ 30/04/2015 في الملف عدد 745/4/3/15 إداري، جاء فيه:

” لتحديد القيمة التجارية للقطعة الأرضية موضوع نزع الملكية، اتخذت المحكمة مجمل ما انتهى إليه الخبير أساسا لتقييمها للتعويض لاستجماع تقرير الخبرة لشروطه الشكلية والموضوعية، وما عللت حكمها بما ورد في تقرير الخبرة من مواصفات العقار ومميزاته ، تكون قد أبرزت بما فيه الكفاية عناصر التقييم كما هي واردة في الفصل20 من قانون نزع الملكية، الذي يؤطر عناصر التقييم دون أن تكون ملزمة بإيراد عناصر للمقارنة مطابقة للعقار والتي ان وجدت لا تشكل سوى عنصرا من عناصر التقييم التي لم تغفلها المحكمة والتي تتجلى أساسا في وجه استغلال العقار ومساحته وموقعه وباقي مميزاته، مما تكون معه المحكمة قد احترمت المقتضى القانوني المذكور” (19).

– القرار عدد 623/3 بتاريخ 11/09/2014 في الملف عدد 740/4/3/14، الذي جاء فيه:

” ان تحديد التعويض عن الضرر من صميم السلطة التقديرية لقضاة الموضوع شريطة تأسيس قضائهم على أسباب -القرار عدد 584/3 بتاريخ 30/04/2015 في الملف الإداري عدد 745/4/3/15، ورد فيه:

” لتحديد القيمة التجارية للقطعة الأرضية موضوع نزع الملكية، اتخذت المحكمة مجمل ما انتهى اليه الخبير أساسا لتقييمها للتعويض سائغة لها أصلها الثابت في الملف، والحكمة مصدرة القرار المطعون فيه باخدها بتقرير الخبرة تكون قد اخدت به محمول على أسبابه، الذي بالرجوع إليه يلفى ان الخبير ضمنه معاينة للقطعة الأرضية موضوع النزاع التي هي عبارة عن ارض فلاحية غابوية ، تقع بمعزل عن الطريق العمومية السيارة، مشيرا إلى مقترح اللجنة الإدارية للتقييم في تقريره ومعتمدا تاريخ مقال طلب نقل الملكية كتاريخ لتحدد التعويض مع إشارته لتعذر حصوله على رسوم بيوعات لأراضي ماثلة بنفس المنطقة ، تكون بذلك قد بينت الأسس التي اعتمدتها ومنها مواصفات العقار وتاريخ تحديد التعويض، ولم تكن ملزمة بإيراد عناصر للمقارنة مماثلة ، ما دامت قد اعتمدت عناصر اخرى منتجة وفق مقتضيات الفصل20 من القانون 81/7 المشار إليه” (20).
القرار عدد 90/3 بتاريخ 22/01/2015 في الملف الاداري عدد 3360/4/3/2013، الذي جاء فيه:
” المحكمة باعتمادها على العناصر الواردة في الخبرة مع اعمالها لسلطتها التقديرية ليس فيه اي اغفال للعناصر المعمول بها في تقييم التعويض…..وان عدم الاشارة في تقرير الخبرة الى عناصر للمقارنة لا ينهض سببا للطعن في موضوعيتها” (21)

الفرع الثالث : مدى حجية حضر اللجنة الإدارية للتقييم أمام القضاء الإداري

إن محضر اللجنة الإدارية للتقييم ، لا يعدو أن يكون مجرد اقتراح يتوقف قبوله على موافقة المنزوعة ملكيته، بمعنى أن رضي المنزوعة ملكيته بالثمن المحدد من طرف تلكم اللجنة وعدم مطالبته بإجراء خبرة لتحديد التعويض (بمعنى عدم منازعته في الثمن المحدد في المحضر المذكور)، هو في حد ذاته قبول لعرض الجهة نازعة الملكية، وفي هذه الحالة يمكن للمحكمة آن تحكم بالتعويض المحدد من قبل اللجنة الإدارية المذكورة دون اللجوء الى الخبرة القضائية.
لكن في حالة منازعة المنزوعة ملكيته في التعويض الذي حددته اللجنة المذكورة، ففي هذه الحالة يتم اللجوء إلى تحديد ثمن القطعة موضوع نزع الملكية عن طريق الخبرة القضائية كما سلف الذكر

هذا وفي بادرة فريدة من نوعها، ذهبت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط انه في حالة عدم تضمين الخبير في تقريره لأسس وعناصر للمقارنة المهتدي بها في تحديد الثمن المتوصل إليه من قبله، فانه يبدو من المناسب الأخذ والرجوع إلى محضر اللجنة الإدارية للتقويم باعتباره تضمن تعويضا اتخذ بناء على معطيات واقعية وقانونية، كما انه محضر محرر من قبل عدة جهات يرتبط عملها أساسا بمجال تقييم العقارات وتحديد أثمنتها، وتم بناء على عناصر للمقارنة محددة في الزمان والمكان وهو بذلك –اي محضر اللجنة الإدارية للتقييم-يبقى وثيقة منتجة في الدعوى وجائزا الأخذ به لقرينة الموضوعية، فقد ورد في قرار لها بتاريخ23/10/2013،: ” … حيث صح ما نعاه المستأنف، ذلك أنه بالرجوع إلى أوراق الملف لا يتبين منها وجود عناصــر أو مؤشرات تفيد في تبرير التعويض المحكوم به عن نزع الملكية من خلال رفعه من المبلغ المقترح على أساس 200 درهم للمتر المربع إلى مبلغ 555 درهم، و ان التعويض الذي تحدده اللجنة الإدارية للتقييم – و إن كان نفاده توقفا على قبوله من طرف المنزوعة ملكيته و عدم منازعته فيه- فإنه يبقى جائزا لقرينة الموضوعية و ملائمته مع القيمة الحقيقية للعقار إلى حين أن يثبت من معطيات النازلة ما يفيد عكس ذلك و هو ما لم يقم عليه دليل في الملف، و أن محكمة أول الدرجة لم تبرز مبرراتها في تحديد التعويض في القدر المذكور، الأمر الذي يكون ما أثير في الاستئناف مبني على أساس.

وحيث تبعا لذلك، يتعين تأييد الحكم المستأنف في مبدئه مع تعديله بخفض التعويض المحكوم به من نقل الملكية إلى مبلغ 200 درهم للمتر المربع”، (22).

خاتمة واستنتاج

مهما يكن من أمر، فان حق الملكية حق مقدس دستوريا، ونزعه لأجل المنفعة العامة هو إجراء تستلزمه متطلبات التنمية بالبلاد، وبالتالي فانه الى جانب نقل الملكية لفائدة الجهة المخول لها قانونا ذلك، فانه من المناسب التوفيق بين مصالح المنزوعة ملكيته في الحصول على تعويض عادل من جانب ومصالح نازع الملكية في اكتساب ملكية عقار واستخدامه للمنفعة العامة أخذا بعين الاعتبار أيضا ما يستلزمه مبدأ حماية المال العام من جانب أخر ( عدم أداء تعويضات مبالغ فيها) ، وتحقيق الهدف المذكور موكول لكافة الأطراف المعنية بالموضوع إداريا وقضائيا.

وفي رأيي المتواضع، يبدو مناسبا أثناء تحديد التعويض عن نزع الملكية خلال المرحلة القضائية التقيد بما يلي:

ضرورة بحث الخبير عن عناصر للمقارنة ( بيوعات عقارية ، أحكام إدارية….الخ)، وتضمينها بتقريره، خاصة وانه بإمكانه الاتصال بمختلف الإدارات العمومية والجهات المختصة التي يمكن أن تزوده بالعناصر المطلوبة ( مصلحة التسجيل و التمبر، المحافظة على الأملاك العقارية و الرهون، العدول المكلفون بتوثيق بعض المعاملات العقارية، الموثقون، المحاكم ….الخ)، وبعبارة اصح فان استدلال الخبير باثمنة عقارات مجاورة ومشابهة لموضوع نزع الملكية على سبيل المقارنة يجعل تقريره أكثر حجية.

في حالة تعذر الخبير الحصول على تلكم العقود أو وجود صعوبة في ذلك، يتعين تضمين هذه الصعوبة في تقريره مع الإشارة إلى الأسباب المانعة من الحصول على العناصر المطلوبة.

يمكن لنازع الملكية، أثناء إجراء الخبرة القضائية ودفاعا عن الثمن الذي حددته اللجنة الإدارية للتقييم، ان يدلي بنفسه أمام الخبير بعناصر للمقارنة تعزز العرض المحدد من طرف اللجنة الإدارية المذكورة، ويجب على الخبير أن يدرس تلكم العناصر من حيث مدى مطابقتها من عدم ذلك مع العقار محور نزع الملكية من حيث الموقع والمساحة وتاريخ انجاز المعاملة العقارية وعموما مدى إمكانية استعمالها كعناصر قابلة للمقارنة.

إن موقع العقار ومساحته وشكله ومدى قربه من التجهيزات…هي عناصر مكملة فقط للعنصر الأساسي المتمثل في إيراد عناصر للمقارنة محددة في الزمان والمكان وتعكس قيمة العقار موضوع التعويض عن نزع الملكية، والتي من الممكن أن تجعل الثمن المحدد من قبل الخبير موضوعيا وغير متأثر بعنصر الزيادة بسبب المضاربات التي تظهر منذ صدور مقرر المنفعة العامة.
إن كلا من الخبير أثناء تحديد التعويض والمحكمة كذلك خلال إعمال سلطتها التقديرية، يتعين عليهما استحضار الغرض من نزع الملكية وهو تحقيق المنفعة العامة ( مثلا إنشاء مؤسسة تعليمية لتربية وتعليم النشء الصاعد، بناء مستشفى آو مستوصف للأغراض الصحية، تشييد طريق عمومية أو سد….الى غير ذلك)، ومن ثمة يجب الاخد بعين الاعتبار هذه المعطيات أثناء تحديد التعويض لان الغرض هنا ليس هو المضاربة العقارية أو تحقيق الربح، بقدر ما يتعلق الأمر بمصالح ذات نفع عام على الجميع.

إن السلطة التقديرية للقضاء سيكون لها دور فعال في حماية مصالح وحقوق كل من نازع الملكية والمنزوعة ملكيته، وذلك بخفض مبلغ التعويض المحدد من قبل الخبير إذا ما اتضح انه متجاوز فيه أو الرفع منه إن كان منخفضا ولا يعكس قيمة العقار، ومن ثمة فان القضاء له دور فعال في الموازنة بين مصالح الطرفين في دعوى التعويض عن نزع الملكية، وهنا لا يسعنا إلا الاستدلال بقاعدة قانونية لقرار حديث صادر عن محكمة النقض عدد 328/3 بتاريخ 03 مارس2016 في الملف الإداري عدد 158/4/3/2016، جاء فيه:
” إن تحديد التعويض عن الضرر من صميم السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت في الملف، مستعينة بالآراء الفنية للخبراء، فتأخذ منها ما تطمئن إليه في تكوين قناعتها وتطرح ما عداه….”(23).
تم بعون الله مع قوته.

الهوامش:

الاعتداء المادي هو كل فعل صادر عن الإدارة خارج نطاق الشرعية، قد يمس بحرية الشخص أو الاعتداء على ممتلكاته، فالاعتداء المادي هو الخروج الجسيم عن مبدأ المشروعية، يراجع مقالنا ” دور القاضي الإداري في دعاوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية “، منشور بالموقع الالكتروني https://www.coursdroitarab.com/2017/11/14578.html
يمكن الرجوع في هذا الإطار لمقتضيات الفصل 28 من القانون 90/12 المتعلق بالتعمير

يراجع مقال : الأسس القانونية والواقعية لتحديد التعويض عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة من الجانبين الاداري والقضائي. ذ/ الحسن أولياس، الموقع الالكتروني لمجلة منازعات الأعمال.
انظر الفقرة الأولى من الفصل42 من قانون نزع الملكية.
انظر الفقرة الاخيرة من نفس الفصل (42).
د/ عبد الحميد الشواربي- التزوير والتزييف مدنيا وجزائيا في ضوء الفقه والقضاء ( ب. ط) منشأة المعارف – مصر1996.ص 552.
د/ أميل أنطوان ديراني – الخبرة القضائية – المنشورات الحقوقية الصادرة سنة 1977 ، طبعة1 ، بيروت ، ص 17.
سورة الفرقان الآية 59
مقال ” الحكم التمهيدي و مشتملاته في الخبرة القضائية” ، منتديات ستار تايمز( موقع الكتروني).
هناك مساطر فرعية أخرى يأخذ بها أثناء تحديد التعويض من قبيل تقدير فائض أو ناقص القيمة وكذا طلب اقتناء الجزء المتبقي من العقار موضوع نزع الملكية، يراجع كتاب” المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من اجل المنفعة العامة/ذ أحمد اجعون منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد الخاص رقم3، 2017، ص310 وما بعدها.
دفاتر المجلس الأعلى، العدد الأول ، ندوة التعمير ونزع الملكية، إصدارات محكمة النقض.
قرار منشور في كتاب قضاء محكمة النقض في مجال نزع الملكية لأجل المنفعة العامة ،ص72
قرار محكمة النقض عدد3637 بتاريخ14 دجنبر1976 في الملف المدني عدد 586
منشور بمجلة المحامي العدد7 السنة السادسة،1986
منشور في قرارات المجلس الأعلى في المادة الإدارية طبعة 1997، منشورات المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين، ص7).
منشور في كتاب قضاء محكمة النقض في مجال نزع الملكية لأجل المنفعة العامة الطبعة الأولى 2012 ص 72
قرار منشور بكتاب الدليل العملي في قضايا نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، للأستاذ العربي مياد، منشورات مجلة الحقوق المغربية ص31
منشور بكتاب ابراهيم زعيم الماسي، تقدير التعويض عن الاعتداء المادي على الملكية العقارية، الطبعة الأولى، 2010، ص 250،
قرار منشور في كتاب العمل القضائي للغرفة الإدارية بمحكمة النقض خلال سنتي 2014 و2015،ذ محمد بفقير، ص357 وما بعدها.
المرجع السابق، ص350 وما بعدها
قرار منشور بكتاب الخبرة والخبراء من خلال اجتهادات محكمة النقض، إصدارات محكمة النقض العدد 3 لسنة2017، ص247 وما بعدها
قرار منشور بالموقع الالكتروني للعلوم القانونية: MAROCDROIT
قرار منشور بكتاب الخبرة والخبراء من خلال اجتهادات محكمة النقض، إصدارات محكمة النقض العدد 3 لسنة2017، ص241 وما بعدها

إغلاق