دراسات قانونية

دراسة وبحث قانوني في محدودية الصحة والسلامة المهنية في القطاع الفلاحي

محمد الداودي دكتور في القانون
باحث في قانون الشغل والعلاقات المهنية

مما لاشك فيه أن التقدم التقني في الصناعة الحديثة أدى الى مضاعفة وسائل الانتاج وتعددها مما نتج عنه مضاعفة مخاطر الشغل الذي ينتج عنه ارتفاع في حوادث الشغل والأمراض المهنية، حيث اصبح معه من اللازم اتخاذ تدابير لحماية صحة وسلامة الاجراء.

ويقصد بالسلامة والصحة المهنية بأنها العلم الذي يهتم بالحفاظ على سلامة وصحة الإنسان،وذلك بتوفير بيئة عمل آمنة خالية من مسببات الحوادث أو الإصابات أو الأمراض المهنية[1].

وللأخطار المهنية انعكاسات سلبية سواء على المستوى الاجتماعي أو على المستوى الاقتصادي على حد السواء، حيث تتسبب حوادث شغل في إصابة الضحايـا بعاهــات مستديمة بل أحيانا مميتة.

و يترتب عن هذه الإصابات مآسي اجتماعية تمس ذوي الحقوق وخاصة منهم أبناء الضحية من جهة .

ومن جهة أخرى تتسبب هذه الحوادث للمقاولـــة في أضرار تثقــل كاهلها، حيث تفقدها كفاءات ومهارات يصـعب تعويضـها وإيجاد بديل لها مما ينعكس سلبا على كلفة الإنتاج وعلى القدرة التنافسية للمقاولة.

ووعيا من المشرع المغربي بأهمية الحفاظ على الصحة والسلامة المهنية داخل أماكن العمل فقد سن من خلال مدونة الشغل قواعد قانونية من أجل حماية صحة وسلامة الأجراء في مختلف الأنشطة سواء ذات الطابع الاقتصادي أو التجاري أو الخدماتي وحتى الفلاحي

فكيف تطرقت مدونة الشغل لقواعد الصحة والسلامة المهنية في أماكن العمل؟
وهل يمكن القول أن هذه القواعد تضمن حماية جميع العاملين في مختلف القطاعات سواء في القطاع الصناعي والفلاحي أم أن القطاع الفلاحي يعرف استثناءات من القاعدة العامة تجعل قواعد مدونة الشغل محدودة في حماية اجراء القطاع الفلاحي في مجال الصحة والسلامة المهنية إسوة بباقي القواعد الاخرى المنظمة للأجر ومدة

الشغل في القطاع الفلاحي؟
ذلك ما سنحاول ابرازه في المبحثين التاليين :

المبحث الأول: قواعد الصحة والسلامة المهنية في مدونة الشغل.

تحتل السلامة والصحة المهنية داخل الوحدات الإنتاجية أهمية لامزيد عنها حيث اصبح يحتفل باليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل مند سنة 2003 حيث يتزامن اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل في 28 ابريل من كل سنة وهو حملة دولية سنوية لتعزيز بيئة عمل لائقة وصحية وامنة من أجل الوقاية من الحوادث والامراض المهنية في مكان العمل.
وقد عمل المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل التي دخلت حيز التطبيق في 08 يونيو 2004 على التنصيص على قواعد هامة متعلقة بالصحة والسلامة المهنية في اماكن العمل (المطلب الاول) وعلى ضرورة احدات بعض المؤسسات داخل الوحدات الانتاجية تعنى بجانب الصحة والسلامة المهنية (المطلب الثاني).

المطلب الأول القواعد العامة للصحة والسلامة المهنية في مدونة الشغل.

نظرا لأهمية قواعد الصحة والسلامة المهنية في اماكن العمل فقد اكد المشرع المغربي على المشغل بصفة عامة على ضرورة ان يتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الاجراء وصحتهم وكرامتهم لدى قيامهم بالأشغال التي ينجزونها تحت إمرته ، كما ألزم المشغل على ضرورة أن يقوم بإطلاع الاجراء كتابة لدى تشغيلهم على المقتضيات القانونية والتدابير المتعلقة بحفظ الصحة والسلامة وبالوقاية من خطر الالات وعلى الهيئة المؤمنة ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية [2].

وفي هذا السياق فقد أكدت مدونة الشغل في القسم الرابع من الكتاب الثاني المتعلق بشروط الشغل وأجر الأجير على مجموعة من المقتضيات القانونية المتعلقة بحفظ صحة الاجراء وسلامتهم في المواد من 281 الى 344 من مدونة الشغل[3] حيث جاءت المواد من 281 الى المادة 295 من مدونة الشغل بمجموعة من الشروط والإجراءات الواجب على المشغل التقيد بها في أماكن العمل من أجل المحافظة على صحة الاجراء وسلامتهم .

وعلى اعتبار أن الانشطة الاقتصادية تختلف حسب نوعيتها وطبيعتها وخصوصيتها فان هذا الاختلاف ينعكس كذلك على نوعية الأخطار المهنية التي قد تصيب أجراء تلك المقاولات وهذا مادفع المشرع المغربي يجعل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تقوم بتحديد التدابير التطبيقية العامة فيما يتعلق بالمبادئ المنصوص عليها في المواد من 281 الى 291 من مدونة الشغل والتدابير الخاصة بتلك المبادئ مراعية في هذه الحالة ما تقتضيه خصوصية بعض المهن والأشغال من متطلبات [4] .

وفعلا تم اصدار قرار لوزير التشغيل والتكوين المهني رقم 93.08 متعلف بتحديد التدابير العامة والخاصة المتعلقة بالمبادئ المنصوص عليها في المواد من 281 الى 291 من مدونة الشغل بخصوص الصحة والسلامة المهنية سنة 2008[5] اي بعد مرور أربع سنوات من صدور مدونة الشغل حيز التطبيق لنسجل التأخر الواضح في تفعيل مواد الصحة والسلامة المهنية .

المطلب الثاني : المؤسسات الخاصة بالصحة والسلامة المهنية .

لقد نصت مدونة الشغل على ضرورة احداث بعض المؤسسات داخل المقاولة تعنى بالحفاظ على صحة وسلامة الاجراء وهي لجنة الصحة والسلامة والمصلحة الطبية للشغل و مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية.

أ – لجنة الصحة والسلامة:

تعد لجنة السلامة وحفظ الصحة أداة عمل مهمة للمقاولة عند تبنيها لمنهج السلامة وحفظ الصحة ووسيلة تمكن كل من المشغل والأجراء من اتخاذ القرارات الملائمة في مجال السلامة وحفظ الصحة بهذف التقليص او القضاء على كل أخطار الحوادث او الامراض المهنية [6] .
وقد ألزم المشرع المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها و التي تشغل 50 أجيرا فأكثر بإحداثها.
وتتكون لجنة الصحة والسلامة من :

– المشغل او من ينوب عنه ، رئيسا .
– رئيس مصلحة السلامة ، وعند عدم وجود

إغلاق