دراسات قانونية

بحث قانوني متميز في مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن

باسووي رضوان

بحث لنيل الإجازة في القانون الخاص

السنة الجامعية 2005ــ2006

مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن
مقـــــدمة

يعتبر موضوع “مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن” من المواضيع التي أصبحت تكتسي أهمية بالغة ، وذلك بالنظر إلى التزايد العمراني الكبير والمطرد الذي صرنا نعيشه في السنوات الأخيرة .

خلافا للمشرع الفرنسي والمصري فالمشرع المغربي لم يعرف عقد المقاولة تحت هذا الاسم، وإنما عرفه تحت اسم إجارة الصنعة أو الخدمة، وذلك بقوله في الفصل 723 من ق ل ع ” إجارة الخدمة أو العمل عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للأخر خدماته الشخصية لأجل محدد أو من أجل أداء عمل معين في نظير يلتزم هذا الأخر بدفعه له في الحالتين يتم العقد بتراضي الطرفين “.

وبناء عليه فعقد المقاولة يقصد به قيام شخص- المقاول – بعمل معين لحساب شخص آخر – رب العمل – في مقابل آجر دون أن يخضع لإشرافه وإرادته .

ويفهم من هذا التعريف أن لعقد المقاولة خصائص نجمل أهمها في ما يلي :
– عقد رضائي : لا يشترط في انعقاد شكل معين، فالمقاولة تنعقد بمجرد اتفاق طرفيها وقد يكون ذلك كتابة أو مشافهة أو بمجرد الإشارة الدالة .
– عقد معاوضة : لأن كلا الطرفين يأخذ مقابلا لما يعطيه، فالمقاول يقوم بالعمل وقد يقدم المواد أو الخدمات اللازمة لهذا العمل ورب العمل يتعهد بالأجر .
– عقد ملزم للجانبين :أي أن هذا العقد يرتب منذ نشأته التزامات على عاتق كل من الطرفين تقوم بالنسبة للمقاول على إنجاز العمل المطلوب منه، وتقوم بالنسبة لرب العمل في دفع الأجر المستحق عن هذا العمل.
– عقد وارد على العمل : لأن عقد المقاولة يرد على العمل باعتبار نتيجة هذا العمل، ويتميز عن عقد العمل الذي يرد على العمل بذاته .
فالمقاول حينما يقوم بالعمل المكلف به فهو يفعل ذلك باستقلالية دون رقابة أو إشراف من باقي رب العمل، فالعقد إذن يحدد العمل والنتيجة التي أرادها المتعاقدين .

بعد تعريف عقد المقاولة والإشارة إلى خصائصه، سنتطرق إلى الأحكام التي تنظم المسؤولية المدنية للمقاول والمقاول من الباطن التي تعتبر موضوع بحثنا، فالمشرع قام بتنظيم الجانب العقدي من هذه المسؤولية عن طريق إدراجها ضمن عقود الإجارة على الصفحة والمحددة بالفصول من 759 إلى 780 من ق ل ع .
أما فيما يخص الضمان فقد لوحظ فراغ تشريعي بشأنه مما استوجب الإحالة على القواعد المنظمة لضمان العيوب الخفية في عقد البيع، أما فيما يتعلق بالجانب التقصيري من هذه المسؤولية فيمكننا أن نقول بأن المشرع قد نظمها تقريبا في الفصول 77-78-88-89 من ق ل ع نظرا لغياب نصوص خاصة بها.
ونظرا للديناميكية والتطور اللذان يطبعان موضوع العمران بسبب الكثافة السكانية ، التي يشهدها العالم، والوجه المشرف للحضارة العمرانية التي نسجها الإنسان عبر التاريخ غالبا ما كان يخلق مجموعة من الضحايا البشرية والخسارات المادية وذلك بسبب تهدم البنايات والمنشآت العمرانية نتيجة عدم احترام ضوابط الفن المعماري والإخلال بمبادئه ، سواء في مرحلة البناء أو بعد الانتهاء منه.
ولما كان رب العمل من أهم الضحايا في هذا المجال إضافة إلى الغير (المارة والجيران) كان لا بد من التوفيق بين مطالب رب العمل من جهة والمقاول من جهة أخرى ، خصوصا إذا علمنا أن التعامل في هذا المجال قد يتم بين أشخاص لهم دراية بأصول الحرفة وأشخاص غير ملمين بها .
وحفاظا على سلامة الأموال والأرواح فإن أغلب التقنيات المعاصرة قد شددت في هذا النوع من المسؤولية لخطورتها على سلامة المواطنين.
لذلك تم خلق نظامين قانونين يتحمل بموجبها مقاول البناء المسؤولية وفقا لنظرية العامة وذلك بخصوص الإخلاص بالالتزامات التي تحصل في الفترة السابقة على عملية الإنجاز وتسليم العمل لرب العمل ونظام الضمان العشري الذي يعتبر خير وسيلة لمراقبة مدى جودة العمران وقدرته على تحقيق عنصر السلامة لشاغليه .
لذلك يمكن القول بأن أهمية هذا الموضوع ازدادت وتطورت بتطور وتقدم مجتمعاتنا وعلاقتنا القانونية . لأن تقدم الحضارة وتقدم المجتمع لابد وأن ينعكس بالضرورة على مجمل العلاقات بين أفراد المجتمع بما فيما العلاقات المختلفة التي تنشأ بموجب البناء والتشييد كالعلاقة بين المقاول ورب العمل ، والمقاول والمقاول من الباطن والتي تشكل محور بحثنا وأيضا الوقوف على أوجه الخطأ الذي يمكن أن يسقط فيه المقاول والمقاول من الباطن سواء في المجال العقدي أو التقصيري .
إن المقاول والمقاول من الباطن عند قيامهما بأعمال البناء يمكن أن يصدر عنهما أخطاء، فكان التساؤل المطروح عما إذا كان يكفي لقيام هذه المساءلة الخطأ العادي الذي يأتيانه أم أنه يجب لفرضها أن يكون الخطأ جسيما .

إذن ما هي أسباب وأحكام المسؤولية العقدية قبل التسليم للمقاول والمقاول من الباطن ؟
وما هي الضمانات الخاصة التي يلتزم بها المقاول الأصلي اتجاه رب العمل في المسؤولية العقدية بعد التسليم ؟
وأين تتجلى مظاهر المسؤولية التقصيرية لكل من المقاول الأصلي والمقاول من الباطن ؟
وما هي الأحكام التي تنظمها ؟ .
سنتعرض للمسؤولية العقدية والتقصيرية للمقاول والمقاول من الباطن، اعتمادا على التصميم التالي :

• الفصل الأول : المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن .
• الفصل الثاني : المسؤولية التقصيرية للمقاول والمقاول من الباطن .

الفصل الأول : المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن .

المقاولة عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يضع شيئا أو يؤدي عملا لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر .
فمن خلال هذا التعريف يستشف أن عقد المقاولة ملزم للطرفين وذلك بصناعة شيء أو تأدية عمل ، في هذه النقطة لا مود التطرق إلى أركان هذا العقد وعناصر صحته وشروط انعقاده، بقد ما نود التركيز على جانب من هذه العلاقة وهي المسؤولية في عقد المقاولة من حيث مفهوم الإخلال بالالتزام الموجب لهذه المسؤولية والضرر الذي يمكن تعويضه لرب العمل، متطرقين إلى الضمانات التي يلتزم بها المهندس والمقاول والمقاول من الباطن، وطبيعة هذا الضمان وذلك من خلال قانون الالتزامات والعقود المغربي وبعض القانون المقارن .

لهذا سنركز في هذا الفصل على المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن قبل التسليم ( المبحث الأول) ثم تحديد هذه المسؤولية بعد التسليم ( المبحث الثاني ) .
المبحث الأول : المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن قبل
التسليم.

يعتبر المقاول هو الجهاز التنفيذي لمشروع البناء أو لأي مشروع آخر، لذا يتعين عليه أن يبذل كل الإمكانيات الفنية التي يملكها لإبراز تصاميم المهندس المعماري إلى حيز الوجود، وهو يتقيد في ذلك بمجموعة من الضوابط والمعطيات التقنية والقانونية التي تحكم عقود المقاولات بصورة عامة .
من ذلك على الخصوص احترام بنود الصفقة التي أبرمها مع رب العمل وأن يتقيد بالمواعيد والآجال التي يتعين عليه إنجاز الأشغال خلالها ، وكل تأخير في ذلك إلا ويعرضه لتحمل المسؤولية العقدية .
كما أنه يظل مسؤولا تجاه رب العمل حتى من أخطاء مقاوليه من الباطن والذين يمكن أن يتستعين بهم ما لم يشترط عليه في العقد عدم اسناد تنفيذ الأشغال كليا أو جزئيا إلى مقاول من الباطن ، شريطة أن يرجع المقاول الأصلي على المقاول من الباطن بالمصاريف والتعويضات التي نجملها تجاه رب العمل في إطار القواعد العامة للمسؤولية العقدية أو في إطار المسؤولية العشرية .
وباعتبار المقاول الأصلي رجل حرفة فيتوجب عليه احترام الأصول الفنية التي تمليها عليه طرق التنفيذ العصرية قصد إنجاز أشغال سليمة وصالحة للغرض الذي أعدت له بمقتضى العقد الذي يربطه برب العمل، لكي يتحقق كل ذلك يجب عليه أن يحرص على توفير عنصر السلامة داخل الورش الذي يزاوله فيه مهامه.
ولهذا سنتطرق في هذا المبحث إلى أحكام وأسباب المسؤولية العقدية من خلال مطلبين :

المطلب الأول : أسباب المسؤولية العقدية
المطلب الثاني : أحكام المسؤولية العقدية

المطلب الأول : أسباب المسؤولية العقدية .

يمكن حصر أسباب مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن العقدية عن إخلالهما بالتزاماتهما العقدية المنصوص عليها في عقد المقاولة في التأخر في التنفيذ (فقرة I) التنفيذ المعيب ( فقرة II) ، ثم عدم تحقق عنصر السلامة داخل الورش ( فقرة III) .

فقرة أولى : التأخر التنفيذ :

يلتزم المقاول بإتمام العمل الموكول إليه في المدة المتفق عليها بالعقد، حتى لو أثبت المقاول أن المدة المحددة لم تكن كافية أصلا لإنجاز العمل إذ أنه مخطئا لقبول الالتزام بإنجاز العمل في هذه المدة غير الكافية .
فإذا لم يكن هناك اتفاق على مدة معينة للانتهاء من العمل، وجب أن يتم العمل في المدة المعقولة التي تسمح بإنجازه .
وهذه المدة يراعى فيها طبيعة العمل ومدى ما يقتضيه من دقة، وإمكانيات المقاول المعروفة لرب العمل، وما جرى عليه عرف الحرفة ، والالتزام بإنجاز العمل في المدة المتفق عليها أو في المدة المعقولة التزام بتحقيق غاية وليس التزاما يبذل عناية، فلا يكفي لأعضاء المقاول من المسؤولية عن القيام بالعمل أو عن التأخر في القيام به أن يثبت انه بذل عناية الشخص المعتاد في إنجاز العمل في الميعاد ولكنه لم يتمكن من ذلك .
ولا يعفى من المسؤولية إلا إذا أثبت أن التأخير يرجع إلى سبب أجنبي عنه، كقوة قاهرة أو حادث فجائي أو خطأ رب العمل كما لو تأخر رب العمل في تسليم المقاول المواد الواجب استخدامها في العمل، أو كان قد أدخل تعديلات على المواصفات المنصوص عليها في العفة ، أو لم يقم بدفع الأقساط المتفق على دفعها في مواعيدها.
ولا يستحق رب العمل تعويضا عن التأخير في تنفيذ العمل، إلا إذا أثبت حصول ضرر له من جرائه طبقا للقواعد العامة ، ويعفى رب العمل من عبء إثبات الضرر . إذ كان متفقا في العقد على وجوب دفع تعويض محدد في حالة التأخير ولكن يحق للمقاول في هذه الحالة أن يثبت أنه رغم تأخره في إنجاز العمل فإنه لم يلحق لرب العمل ضرر نتيجة هذا التأخير، أو أن التعويض المتفق عليه مبالغ فيه إلى درجة كبيرة، وعندئذ فلا يستحق رب العمل تعويضا أو يكون من الواجب تخفيض التعويض المتفق عليه .
وأسباب التأخر في التنفيذ كثيرة منها ما يرجع إلى تقصيره الشخصي كاضطرار إلى إعادة النظر في التصاميم المعمارية وتعديلها حتى يكون أقرب إلى إمكانيتها الفنية التي تتوفر عليها ، وفي هذه الحالة قد يشترك معه المهندس المعماري في تحمل جزء من المسؤولية ، إذا كانت مراجعة التصاميم نابعة عن إدارتهما المشتركة .
وقد يرجع السبب في هذا التأخر إلى المقاول من الباطن الذي يكل له المقاول الأصلي تنفيذ العمل في جملته أو في جزء منه، إذا لم يمنعه من ذلك شرط في العقد أو لم تكن طبيعة العمل تفترض الاعتماد على كفايته الشخصية ( ف.736 ف.ل.ع) .

وعلى ذلك، فإن المقاول الأصلي ، وبالتالي المقاول من الباطن يلتزمان بإنجاز العمل في المدة المتفق عليها أو إنجازه في المدة المعقولة، فإذا ما أخل المقاول من الباطن بذلك جاز للمقاول الأصلي أن يطلب التنفيذ العيني ، كما يستطيع طلب فسخ عقد المقاولة من الباطن ، وله أن يطلب التعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء التأخير في التنفيذ عن الموعد المحدد ، ويمكن استخلاص ذلك من الفصل 739 ق ل ع الذي نص على أن أجير العمل يسأل عن فعل وعن خطأ الأشخاص الذين يحلهم محله في أدائه أو يستخدمهم أو يستعين بهم فيه في نفس الحدود التي يسأل فيها عن فعل أو خطأ نفسه.

وفي بعض الحالات قد ينجم التأخير عن اضطرار المقاول إلى إنجاز الأعمال الإضافية لتكملة المشرع، فإذا قام المقاول بإنجاز هذه الأعمال بطلب من رب العمل فإن هذا التأخير يكون مبررا من الناحية القانونية أما إذا تولى تنفيذ هذه الأشغال من تلقاء نفسه فإن المنطق والعدل يفرضان عليه تعويض رب العمل ، عن الأضرار التي لحقته من جراء هذا التأخير .

ومن القضايا التي بثت فيها محكمة النقض الفرنسية وهي بصدد الحكم في قضية مغربية القرار الصادر عنها بتاريخ 1939/5/23 . حيث ذهبت إلى رفض طلب رب العمل ( Appolis) ضد مقاولة ( Esnaults) عندما تبين لها أن تأخر المقاول في تسليم البناء لمالكه كان له ما يبرره من الناحية القانونية وهو قيام المقاول بإنجاز أعمال إضافية بموافقة المهندس المعماري الوكيل عن رب العمل ومما جاء في حيثيات هذا القرار ما يلي “

” إذا كان صحيحا أن الأشغال الإضافية التي أنجزها المقاول لم تكن مشمولة ببنود الاتفاق الذي يربطه برب العمل إلا أنه قد تم إنجازها بإجازة من المهندس المعماري الذي يعتبر بمثابة وكيل عن رب العمل، والحال أنه لم يبدي اعتراضه بخصوصها والاستبعاد طلب التعويض عن التأخر في التنفيذ الذي تقدم به رب العمل ضد المقاول فإن المحكمة ترى بأن هذا التأخر يعود إلى هذه الأشغال الإضافية التي تم إنجازها بترخيص ضمني من المالك”.

ومما نلاحظ على هذا القرار أنه قد كيف عمل المهندس المعماري على أنه من قبيل الوكالة حتى يتسنى له رفض طلب رب العمل بدعوى تقمص المهندس لشخصيات موكله، كل هذا في الوقت الذي يؤكد فيه الاتجاه السائد في الفقه والقضاء بأن عمل المهندس المعماري يندرج ضمن الإجارة على الصنع ، وبالتالي فإن إعلام رب العمل بالأشغال الإضافية التي قام المقاول بإنجازها أمر ضروري مما تستلزمه مقتضيات المنطق والعدالة ، وهذا يعني أن المقاولة والمهندس المعماري يتحملان الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذا التأخير الذي حصل بسبب الأشغال التي قام المقاول بإضافتها دون علم من رب العمل .

والإخلال بالالتزام العقدي لا يتحقق إذا لم يكن الموعد المحدد لتنفيذه قد حل، ولكن تنفيذ العقود يجب أن تتم بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية الفصل 263 ق ل ع )، وحسن النية يوجب على المقاول أن يبدأ في تنفيذ العمل في وقت يسمح له بالانتهاء منه في الموعد المحدد لذلك ، فإذا تأخر في البدء العمل أو تراخي في تنفيذه تراخيا لا يرجى معه إطلاقا بالنظر إلى طبيعة العمل، وإلى إمكانية المقاول أن ينتهي التنفيذ في الموعد المحدد لذلك فإن هذا المسلك من جانب المقاول يعتبر جحودا لعقدة، ويتضمن الإخلال بواجب مراعاة حسن النية في تنفيذه لالتزامه بحيث يستأهل الجزاء المقرر للإخلال بالعقود، فيحق لرب العمل أن يطلب فسخ العقد وتعويض ما أصابه من أضرار، ولو أن الموعد الانتهاء من العمل لم ينتهي بعد .
وقد ذهبت محكمة استئناف الرباط في القرار الصادر عنها بتاريخ 1924/7/29 إلى مساءلة المقاول بسبب أشغال البناء قبل الانتهاء منها ومما جاء في هذا القرار ما يلي :
” وحيث أن المقاولين الذين أهملوا أشغال البناء قبل الانتهاء منه هم الذين يتحملون وحدهم نتيجة الإهمال بصورة شخصية وأنه أمام عدم وجود أي اتفاق صريح بين الأطراف فإنه لا يحق لقضاة الدرجة الأولى تحميل المهندس المعماري جزءا من المسؤولية مع المقاول عن طريق التضامن … “.
ولئن كان هذا الاتجاه في التفسير الذي سلكته المحكمة يبدو منطقيا باعتبار أن مغادرة وإهمال المقاول للورش يعد في حد ذاته خطأ شخصيا يسأل عنه لوحده إلا أن العدالة تفرض أنصاف الطرف المتضرر من هذا التصرف الذي أقبل عليه المقاول، ولن يتحقق ذلك إلا بفتح أكبر عدد ممكن من الطرق القانونية أمام رب العمل للمطالبة بالتعويض ، ومنها على الخصوص متابعة المهندس المعماري في حالة تعذر استيفاء التعويض من المقاول كثبوت إفلاس هذا الأخير أو مغادرته للتراب الوطني، وأساس هذه المتابعة في نظرنا هو وحدة العمل المشترك الذي يهدف إلى تحقيقه كل من المقاول والمهندس المعماري .

وأكبر دليل على ذلك أن المهندس المعماري لا يتأثر في ابتاعه، بسبب إهمال المقاول لأشغال الورش، فهو يظل محقا في طلبها وأن توقف العمل بسبب مغادرة المقاول لأعمال الورش. وهذا ما أقرته المحكمة الابتدائية في قرارها الصادر بتاريخ فاتح ماي 1933.

ونحن نساند هذا الاتجاه لكونه يتوافق مع الأعراف المهنية ومبادئ الإنصاف .

فقرة ثانية : التنفيذ المعيب لأشغال البناء :

لقد اتجه التطور التشريعي إلى تحميل المهندس والمقاول ما يحدث من خلل فيما شيدوه من مبان وما قاموا به من أعمال وسمة هذا التشدد لا تكمن في التبعات التي يتحملونها بسبب مخالفة المواصفات المنصوص عليها في عقد البناء، التي مبناها الرابطة التعاقدية والتي تنتهي بإنجاز العمل مقابل أداء أجر بل تشمل أيضا الانهيار الكلي والجزئي للبناء، أو تواجد خطر واضح بالانهيار بسبب نقص المواد أو عيب في البناء أو في الأرض .
ولهذا فعلى المقاول أن يعمل جهد الإمكان على تعليمات المهندس المعماري، وأوامره سواء بالنسبة للتصميمات المعمارية أو المقاييس المتعلقة بالحسابات ، والمقاول بدوره كالمهندس المعماري ينبغي عليه أن يقوم بتنبيه رب العمل إلى مخاطر المشروع من زاوية التنفيذ وأن يسدي إليه النصيحة والمشورة حتى يكون الزبون على بينة من أمره ويعمل على تفاديها.

وعلى المقاول أيضا أن يلزم المقاول من الباطن، -إن وجد عقد المقاولة من الباطن – بتنفيذ العمل على وجه غير منافي للعقد كما له أن يقوم بإنذاره أثناء تنفيذ العمل بأن يعدل من طريقة التنفيذ المعيبة لأن المقاول الأصلي يبقى مسؤولا تجاه رب العمل عن أخطاء مقاوليه من الباطن .

أولا : المسؤولية المقاول والمقاول من الباطن عن عيوب مواد البناء :

إن تنفيذ العقد يقتضي أن ينتهي في ظروف سليمة وبنتيجة مرضية وهي من أهم التزامات المقاول، فعمله يجب أن يكون مطابقا للمواصفات المحددة في الصفقة وخالية من العيوب ، والمقصود هنا بالعيوب التي وقعت أُثناء التنفيذ.
وقد نص الفصل 767 ق ل م على أن ” أجير الصنعة يلتزم بضمان عيوب ونقائص صنعه “.
وتجدر الإشارة على أن المشرع جعل المقاول ضامنا للصفات الواجبة في المواد التي يستخدمها عندما يقدم المادة أو عندما يقدمها زبونه مع اختلاف بسيط من حيث أساس هذا الضمان إذ انه في الحالة الأولى يكون مسؤولا عنها وفقا لضمان العيوب الخفية ( الفصل 549 وما يلبه من ق ل ع المغربي) وفي الحالة الثانية تثبت مسؤولية بناء على تقصيره في فحص مواد البناء قبل استعمالها وفقا لمقتضيات النظرية العامة للمسؤولية العقدية ( ف766 ق ل ع ).
ويسأل المقاول عن كل الضرر الناجم عن تلك العيوب والنقائص ما لم تكن في طبيعتها أن تخفى على شخص مثله ( الفصل 765 ق ل ع ) وقد سبق لمحكمة النقض الفرنسية أن أيدت حكما أدان المقاول بسبب الخلل الذي حدث لسقف مبنى، والراجع إلى عيب في القرمود المستعمل في السقف، معللة ذلك بكون المقاول الذي يملك من الدراية الفنية والذي كان بإمكانه أن يقوم بفحص عينات القرمود قبل تركيبه قد أخطأ في مواجهة عملية حينما استعمل مادة يفتر ض في علاقته برب العمل أن لديه علم بعيوبها.

وبالإضافة إلى مساءلة المقاول عن عيوب مواد البناء يمكن مساءلته أيضا عن التنفيذ المعيب لأشغال البناء الناتجة عن أخطاء مقاوليه من الباطن ، وفي هذه الحالة يسأل المقاول وفقا للنظرية العامة للمسؤولية العقدية، إذ يلتزم المقاول بتسليم مواد البناء سواء كانت مقدمة من طرف رب العمل أو من طرفه إلى المقاول من الباطن بذاتها ولا يجوز له استبدالها أو التصرف فيها أو إتلافها، فهذا فضلا عن أنه قد يعرض للمسؤولية الجنائية يحمله المسؤولية المدنية أمام رب العمل، أي إلزامه بإحضار مواد من نفس الصنف والجودة مع التعويض عن الضرر إذا ترتب عن ذلك تأخير في تنفيذ الالتزام .

فإذا استحال إحضار مواد من نفس الصنف والجودة، يكون في حالة استحالة تنفيذ الالتزام ويتحمل التعويض كاملا عن عدم التنفيذ، فإذا سلمت إلى المقاول من الباطن فإنه يلتزم أيضا بذات الالتزامات أمام المقاول الأصلي ، ويلزم فضلا عن ذلك بحفظها لتكون دائما في حالة صالحة للاستعمال وأن يستخدمها بذاتها .

وإذا التزم رب العمل بتقديم المواد فعليه أن يقدمها في الوقت المناسب إلى المقاول الأصلي حتى يتمكن من المحافظة عليها وإعدادها وتسليمها إلى المقاول من الباطن ويجب ، أن يقدمها بالكيفية المتفق عليها في العقد سواء دفعة واحدة أو دفعات ، فإذا لم يكن هناك تنظيم لهذا فإنه يجب تقديمها بالكيفية التي يقضي بها العرف فإذا تخلف رب العمل عن تنفيذ التزامه فإن للمقاول الدفع بعدم التنفيذ ، وله أن يطلب الفسخ .

ثانيا : مسؤولية المقاول و المقاول من الباطن بسبب الخطأ في تنفيذ التصميم:

أوضحنا فيما سبق، أنه طبقا لقواعد الاختصاص المهني في مجال التنفيذ والبناء، يختص المهندس المعماري أصلا بوضع التصميمات والمقايسات اللازمة للمشروع في حين يختص المقاول بتنفيذها ، فإذا ما أتت هذه التصميمات معيبة بعيب أو عيوب أدى إلى تهدم العقار المشيد كليا أو جزئيا ، أو هدده في متانته وسلامته، أو جعله غير صالح للهدف الذي أنشئ من أجله، فإن المقاول يكون مسؤولا عن هذه العيوب إذا ما مدى مسؤولية المقاول ، والمقاول من الباطن عن هذه العيوب إلى جانب المهندس المعماري واضع هذه التصميمات ؟

لا يسأل المقاول عن تهدم أو تعيب في البناء الذي شيده ، أو المنشأ الثابت الذي أقامه عندما يكون قد نفذ بكل دقة وأمانة التصميمات ، والمقايسات التي وضعها المهندس المعماري، ولكن الحكم لا يكون كذلك، إذا كانت هذه التصميمات والقياسات واضحة الفساد ظاهرة العيب، كما لو كانت مخالفة لقواعد الفن التي لا يـمكن أن يجهلها مثل هذا المقاول المجرب والتي لا به وأن يلمحها من الوهلة الأولى .

وعيوب التصميم ترجع إلى عدة أسباب ، منها عيوب تشكل مخالفة لأصول الهندسة المعمارية ، كتصميم أساسات غير كافية لحمل البناء أو المنشأ الثابت أو الخطأ في قياس الأبعاد المختلفة ، بحيث تكون غير مناسبة مع ما هو في التصميم.

ومنه إذا تبين أن العيب قد نشأ عن خطأ كل من المهندس والمقاول فإن المسؤولية تقسم عليهما بنسبة مساهمة خطأ كل منهما في إحداث الضرر مع مراعاة درجة جسامة هذا الخطأ. وذلك سواء كان كل منهما قد ارتكب خطأ مستقلا عن الخطأ الذي ارتكبه الأخر، أم كان الاثنان قد ارتكبا خطأ مشترك .
هذا عن المقاول الأصلي، فما هي مسؤولية المقاول من الباطن عن عيوب التصميم؟ إن التزام المقاول من الباطن بالنسبة للتصميم يختلف اختلافا كبيرا عن التزام المهندس المعماري إذ أن التزام هذا الأخير عن سلامة التصميم التزام بنتيجة ، كما أن المقاول الأول يكون متضامنا معه في المسؤولية عن عيوب ذلك التصميم ( بشرط أن يكون المهندس مكلفا بالإشراف على التنفيذ) أما المقاول من الباطن لا يكون متضامنا مع المهندس المعماري في المسؤولية، ويسأل فقط طبقا للقواعد العامة من وجوب تنفيذ العقد بحسن نية (ومسؤوليته عقدية أمام المقاول الأصلي)، ويحاسب فقط إذا كشف عيوب التصميم وكتمها، أو لم يستطيع كشفها بسبب إهماله أو قصور كفايته الفنية، مع توافر الخطأ في جانب المقاول من الباطن في هذه الظروف أرى أن خطأ المهندس يستغرق خطأ المقاول من الباطن .
ومن التطبيقات القضائية في هذا الموضوع قرار استئنافية الرباط الذي جاء فيه :” أن المهندس المعماري يخل التزامه عندما يشيد بناءا على أرض لا يعرفها ولم يفحصها فحصا دقيقا، من الطبيعي نظرا للأضرار الناتج عن هلاك البناء أن يكون التعويض مساويا لقيمة بديل البناء ولا يسأل المقاول إذا نفذ بدقة بيانات الخريطة التي سلمت إليه وكانت عيوب الأرض غير جلية إلى حد يستطيع معه رفض إنجاز الأعمال المطلوبة .

ثالثا: عدم مراعاة المقاول والمقاول من الباطن للقواعد الفنية في التنفيذ.

يتوجب على المقاول اتباع الأصول الفنية المعمارية التي تفرضها قواعد المهنة طالما لم يتبين فيها خطأ أو قصور، أو مخالفة لقواعد الفن أو لما تقضي به القوانين واللوائح ، كل ذلك في حدود إمكانياته وقدراته، فإن تبين شيء من ذلك، كان عليه أن يراجع المهندس المعماري، ليتفقا معا على وجه الصواب في الأمر، على أن يكون مبتغاه في ذلك السعي لتحقيق الصالح العام، وليس مجرد الكيد والتعطيل ليس هذا فحسب بل عليه أيضا أن يراعي في إجراء التنفيذ كل ما تقضي به قواعد الفن وأًصول الصنعة ، وما تفرضه القوانين المنظمة لهذا النوع من النشاط وما تصدره الجهات الإدارية المختصة من تعليمات في هذا الخصوص.

وإلزام المقاول والمقاول من الباطن في ميدان البناء بمسايرة ركب التقدم العلمي في هذا الميدان يحمل معنى المبالغة في القول فهذه المسايرة تتطلب إيجاد معهد لتكوين المقاولين على غرار ما هو موجود في مجال الهندسة المعمارية ، إلا أن ذلك يتنافى مع طبيعة مهنة المقاولة التي تعتمد بالدرجة الأولى على تراكم الرساميل كشرط أساسي لممارسة هذا النشاط ، فضلا على أن الأنظمة القانونية للمقاولات في المغرب تشهد نوعا من الاضطراب وعدم الاستقرار ويرجع ذلك إلى عدم وجود تقنين خاص بمهنة المقاولات على الاقتداء بها حتى يتم تفادي العشوائية في التنفيذ.

وإذا انتقلنا إلى ميدان التشريع والتطبيقات القضائية المغربية بخصوص عدم مراعاة المقاول والمقاول من الباطن لأصول الفن المعماري أثناء التنفيذ فإننا نجد قانون الالتزامات والعقود المغربي يلزم مشيدي البناءات باحترام القواعد الفنية للمهنة التي يزاولونها وهذا ما نستخلصه من نص الفصل 737 ق ل ع الذي ورد فيه ما يلي ” من يلتزم بإنجاز عمل أو بأداء خدمة يسأل ليس فقط عن فعله ولكن أيضا عن إهماله ورعونته وعدم مهارته” فالمقاول يكون مسؤولا أمام رب العمل والمقاول من الباطن يكون مسؤولا أمام المقاول سواء كان مصدر الإخلال هو الخطأ أو الإهمال أو كان بسبب جهله لقواعد الفن المعماري التي يتعين عليه احترامها أثناء تنفيذ الأشغال المقاولة .

وبالرغم من اتساع مضمون ” قواعد الفن المعماري” إلا أن تحديد حالات الإخلال أو عدم الإخلال بهذا التزام الملقى على عاتق المقاول أمر موكول لجهة القضاء التي يتعين عليها البث فيما إذا كان رجل الحرفة قد احترم أو خرق قواعد المهنة أو النشاط الذي يزاوله ، وذلك بالاعتماد على رأي الخبراء وأهل البصر في ميدان البناء.
مما سبق يتبين لنا أن كل خرق أو تهاون من المقاول أو المقاول من الباطن في مراعاة الأصول الفنية المتعارف عليها داخل المهنة التي يزاولها إلا ويستجيب مساءلته سواء كان الإخلال يرجع إلى جهله أو عدم خبرته بتقنيات الحرفة التي يباشرها أو بسبب الإهمال والرعونة في أخذ الاحتياطات اللازمة لإنجاز البناء في حالة جيدة وسليمة .

الفقرةالثالثة : عدم تحقق عنصر السلامة داخل الورش

بالإضافة للالتزامات ذات الطابع التعاقدي الصرف فإن المقاول يتحمل ببعض الواجبات المهنية الأخرى التي تستوجب المساءلة التقصيرية أمام رب العمل أو الغير أو هما معا ، فالمقاول باعتباره رئيسا للورش من حيث التنفيذ يتعين عليه أن يكون يقظا وحذرا في توفير عنصر السلامة والطمأنينة اللازمين لإنجاز البناء في أحسن الظروف .
فما هو مضمون الالتزام بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش؟
وما هي طبيعة المسؤولية التي يتحمل بها المقاول في ظل هذه الحالة؟

أولا : مضمون الالتزام بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش :

لما كان المقاول في البناء غالبا ما يكون مرتبطا بمجموعة من العمال الذين يتولون إنجاز الأشغال تحت أمرته فإنه يتوجب عليه أن يضمن لهم عنصر السلامة داخل مكان مباشرة نشاطهم المهني وذلك تحت طائلة المساءلة وهذا ما أشار إليه الفصل 749 ق ل ع “المعلم أو المخدوم وعلى العموم كل رب عمل يلتزم : …..

ثانيا:

بأن يتخذ كل ما يلزم من الإجراءات الوقائية لكي يؤمن لعماله وخدمه ومستخدميه حياتهم وصحتهم في أدائهم الأعمال التي يباشرونها تحت توجيهه أو لحسابه ويسأل المخدوم عن كل مخالفة لأحكام هذا الفصل وفقا للقواعد المقررة للجرائم وشبه الجرائم “.
مضمون الالتزام بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش يتمثل في مجموع التدابير الوقائية والحمائية التي يلتزم المقاول باحترامها وذلك على الخصوص:

1-تجنب أسباب الحرائق التي من شانها أن تؤدي إلى حصول أضرار مادية أو بشرية ولتفادي مثل هذه الأسباب يتعين على المقاول أن يراعي مقتضيات القرار الوزاري الصادر في 4 نونبر 1952 المحدد لوسائل الحماية من أخطار الحرائق .
2-توفير أدوات الوقاية للعمال أثناء تأدية الأشغال : ويدخل في ذلك كل الوسائل اللازمة لضمان سلامة العمال كإلزامهم بارتداء الخوذات فوق رؤوسهم وكذا الجوارب التي تحفظ أرجلهم وأيديهم من مخاطر مواد البناء، وقد ذهبت المحكمة الابتدائية بمراكش في الحكم الصادر عنها في 23/3/1988 المتعلق بانهيار عمارة بمراكش إلى مساءلة المقاول بسبب عدم توفيره لوسائل حماية العمال ومما جاء في الحكم ما يلي :
“وبخصوص رسائل حماية عماله فإن هذا الجانب هو الآخر لم يعر له انتباها فلا الخوذات لم يوفرها لهؤلاء ولا الجوارب ولا طبيب يضمد جراحهم حال حصول جرح أحدهم … وحيث أن المقاول لم يكن يحترم هذا المقتضى متذرعا بأن البناء ليس منجم ، لكن حيث أن الوسائل المذكورة أقرها المشرع وليس عبثا فعل ذلك، إنما لأجل حماية العمال من الأخطار”.

3-توفير عناصر السلامة الصحية للعمال : وذلك بإيجاد طبيب الشغل داخل الورش الذي يتجاوز عدد عماله عشرة أفراد على الأقل وذلك بهدف تفادي مضاعفات الحوادث التي قد تقع أثناء تنفيذ الأشغال. وأن تتخذ كل ما يلزم من الإجراءات الوقائية الأخرى لكي يؤمن لعماله حياتهم وصحتهم عند أدائهم للعمل الموكول إليهم .

بهذا الالتزام الملقى على عاتق المقاول أمر موكول لجهة القضاء التي يتعين عليها البث فيما إذا كان رجل الحرفة قد احترم أو خرق قواعد المهنة أو النشاط الذي يزاوله وذلك بالاعتماد على رأي الخبراء وأهل البصر في ميدان البناء .

مما سبق يتبين لنا أن كل خرق أو تهاون من المقاول أو المقاول من الباطن في مراعاة الأصول الفنية المتعارف عليها داخل المهنة التي يزاولها إلا ويستوجب مساءلته سواء كان الإخلال يرجع إلى جهله أو عدم خبرته بتقنيات الحرفة التي يباشرها أو بسبب الإهمال والرعونة في أخذ الاحتياطات اللازمة لإنجاز البناء في حالة جيدة وسليمة .

فقرة ثالثة : عدم تحقق عنصر السلامة داخل الورش :

بالإضافة للالتزامات ذات الطابع العقائدي الصرف فإن المقاول يتحمل ببعض الواجبات المهنية الأخرى، التي تستوجب المساءلة والتقصير أمام رب العمل أو الغير أو هما معا فالمقاول باعتباره رئيسا للورش من حيث التنفيذ يتعين عليه أن يكون يقظا وحذرا في توفير عنصر السلامة والطمأنينة اللازمين لإنجاز البناء في أحسن الظروف .
فما هي مضمون الالتزام بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش ؟
وما هي طبيعة المسؤولية التي يتحمل بها المقاول في ظل هذه الحالة ؟

أولا : مضمون الالتزام بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش :

لما كان المقاول في البناء غالبا ما يكون مرتبطا بمجموعة من العمال الذين يتولون إنجاز الأشغال تحت إمرته فإنه يتوجب عليه أن يضمن لهم عنصر السلامة داخل مكان مباشر : نشاطهم المهني وذلك تحت طائلة المساءلة وهذا ما أشار إليه الفصل 749 ق ل ع ” المعلم أو المخدوم وعلى العموم كل رب عمل يلتزم …

ثانيا : الطبيعة القانونية لمسؤولية المقاول والمقاول من الباطن في حالات
الإخلال بعنصر السلامة .

لما كان الالتزام بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش يتدرج ضمن الالتزامات القانونية التي يتوجب احترامها، فإنه أصبح أمرا طبيعيا مساءلة هذا الأخير وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية وليس العقدية لعدم امكانية تصور الخطا العقدي في ظل هذه الحالة .

وسواء كان المضروب العمل أو غير . ممن لا تربطه أية علاقة عقدية بالمقاول فإن لهما الحق في تحريك دعوى المسؤولية التقصيرية ضد المقاول إذا توافرت شروطها بطبيعة الحال، لأن أساس الرجوع على هذا الأخير سيختلف من حالة لأخرى .

فإذا كان المصدر الأضرار بالغير هو تقصيره في حراسة الأ\ياء الخطيرة التي توجد بالورش كالآلات والمواد اللازمة للبناء أو القابلة للأشغال أو الكسر مثلا فإن مسؤولية ستكون مبناة على الخطأ المفترض في حقه بحيث لا يمكن له التخلص منها إلا أثبت أنه قام بما من شأنه منع الضرر وأن الفعل حصل بسبب أجنبي كالقوة القاهرة أو الحدث الفجائي أو خطأ المضرور.

وهكذا فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في أحد القرارات المشهورة الصادرة عنها إلى إقرار مسؤولية المقاول في الإضرار التي أصابت المهندس المعماري باعتماد الأساس التقصيري أثر سقوط هذا الأخير من سلم على ارتفاع ثلاثة أمثار من سطح الأرض وهو بقوة بإحدى الزيارات العادية للورش .
وبعد أن رفضت محكمة (أكس –بروفانس ) طلبه على أساس أنه ليس غير بالنسبة للمقاول فإن محكمة النقض لم توافق على هذا الاتجاه في التفسير ، وإنما اعتبرته داخلا في إطار حلقة الغير بمعناه الواسع وبالتالي محقا في طلبه .

أما إذا كان مصدر الضرر هو الأذى المترتب على علاقات الجوار مثلا بما في ذلك اندلاع الحرائق داخل الورش وانتقال خطرها إلى الجيران أو تعكير الجو وتلويثه من طرف المقاول فإن ذلك يستلزم المساءلة التقصيرية المبنية على خطأ واجب الإثبات إعمالا للمبادئ العامة التي تحكم قواعد المسؤولية التقصيرية التي تتطلب من الطرف المضرور إقامة الدليل على خطأ المنسب في حصول الضرر .

وإذا كان الإجماع حاصلا في كل من الفقه والقضاء المعاصرين على ضرورة تطبيق قواعد المسؤولية التقصيرية فيما يخص الأضرار التي تلحق الغير فإن بعض التردد قد حصل بخصوص الإضرار التي تصيب رب العمل خارج نطاق العلاقة العقدية ( الإضرار الجسيمة والمالية التي تلحقه أثناء تنفيذ الشغل نتيجة التقصير المقاول في تحقيق عنصر السلامة داخل الورش) .

لأن الالتزام بعنصر السلامة إذا لم يوجه كالتزام عقدي فإنه قائم كالالتزام قانوني فكل شخص عندما يملك سلوك اجتماعيا ما يلتزم بأن لا يلحق بالغير ضررا غير مشروع ، يفعله الأشخاص أو الأشياء التي يتحمل مسؤوليتها ، وأحيانا يكون ذلك الالتزام أثقل من الالتزام العقدي إذا كان القانون افتراض الخطأ . والالتزام بعنصر السلامة بين طرفين يربطهما عقد لا يكون الالتزام عقديا،ذلك وفقا لما استقر عليه الرأي من انه بين أطراف العقد لا محل إلا للمسؤولية العقدية، وعلى ذلك فإذا قيل بين المتعاقدين بوجود التزام عقدي بضمان السلامة فإن الهدف من وراء ذلك غالبا هو حماية المخطئ والهرب به من نطاق المسؤولية المفترضة.

ونوضح بأنه إذا قيل في عقد من عقود المقاولة بوجود التزام عقدي بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش لرب العمل فإن هذا الالتزام لا يقوم في العلاقة بين رب العمل والمقاول من الباطن، وذلك لعدم وجود بين رب العمل والمقاول من الباطن وأن هذا الأخير أجنبي عن المقاولة الأصلية .

خلاصة القول أن مسؤولية المقاول عن الأضرار التي تصيب العمل بسبب تقصير في تحقيق عنصر السلامة داخل الورش لئن كان الأصل فيها أنها صورة من الصور التقليدية للمسؤولية التقصيرية إلا أن ذلك لا يمنع إمكانية إدراجها ضمن حالات المسؤولية العقدية إعمالا لشرط ضمان سلامة الزبون الذي يفرض على المقاول تحقيق السلامة داخل الورش إلى غاية تسلم الزبون للبناء وهذا الرأي يوافق الصواب نظرنا لذلك نؤيد فكرة المستشار (فوسرو) التي تعتبر أن الالتزام بتحقيق السلامة في باقي العقود الأخرى ليس بالأمر الغريب ، لذلك بات أمرا طبيعيا اعتناق هذه الفكرة في ميدان المقاولة .

المطلب الثاني : أحكام المسؤولية العقدية :

يذهب الفقه التقليدي إلى أن الأصل العام لتطبيق أحكام المسؤولية العقدية على المقاول والمقاول من الباطن أن تكون أعمالهم واردة على المباني بحيث لا يختلف محل عمل مقاول من الباطن على محل عمل المقاول الأصلي.

لذا سوف نتحدث في أحكام المسؤولية العقدية عن طبيعة الالتزامات التي يتسبب الإخلال بها وجوب مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن ( فقرة أولى) ، حدوث الضرر ( الفقرة الثانية ) ثم تقادم المسؤولية ( فقرة ثالثة ) .

فقرة أولى: طبيعة الإخلال: يبذل عناية أم بتحقيق نتيجة.

لا يكفي لاعتبار المقاول موفيا بالتزامه أن يقوم بتنفيذ العمل المكلف به ، بل يجب أن يكون هذا التنفيذ مطابقا لما هو منصوص عليه في العقد من شروط ومواصفات ، ومتفقا مع توجيه الأصول الفنية المتبعة في القيام بمثل هذا العمل، فإذا أثبت رب العمل عدم مطابقة العمل لما هو متفق عليه، كان المقاول مخلا بالتزامه دون حاجة إلى إقامة الدليل على إهمال أو تقصير في جانبه .

فأحيانا يطلب من المقاول نشاط معين يؤمل من ورائه هدف محدد ، فإذا لم تتحقق النتيجة المأمولة فإن رب العمل يصيبه ضرر وهذا الضرر يكفي لقيام مسؤولية المقاول الذي لم ينفذ الالتزام المحدد الذي تعهد به، أو الذي يفرضه عليه القانون ، وفي هذا النوع الأول من الالتزام بنتيجة لا يملك المقاول القدرة على التحلل من المسؤولية بطرح صعوبات معينة أو عقبات كانت مانعا دون تحقيق النتيجة المرجوة. وتعتبر القوة القاهرة هي السبب الوحيد الذي يمكن للمدين الاعتذار من عدم تنفيذ الالتزام ويهتم الدائن هنا بحصوله على النتيجة أكثر من اهتمامه بسلوك المدين (المقاول) ولا يفيد الأخير التعلل بحسن النية أو السلوك الحريص لإعفائه من نتيجة عدم القيام بالالتزام.
وأحيانا أخرى يتعهد فيها المقاول، أو يطلب منه القانون بذل ما في استطاعته من أجل تحقيق فائدة معينة لرب العمل أو تجنب فعل ضاربه .
ويتصرف في هذا الإطار بعناية وحرص ويبذل الرعاية التي يأتيها رجل معتاد في غاية مصالحه، وبالتالي فإن المقاول إما أن يتعهد في مواجهة رب العمل بأن يحقق له نتيجة محددة أو يقوم بعمل معين، وإما أن يتعهد في مواجهته ببذل العناية المطلوبة لتحقيق المراد دون أن يصل تعهده إلى ضمان النتيجة أو الهدف المطلوب فالعقد يسمح للأطراف بحرية تحديد التزاماتهم وحقوقهم بدرجة تزيد أو تنقص ما دامت هذه الحرية لا تتعارض مع النظام العام أو الآداب، وغالبا ما يصعب على القاضي معرفة ما تعهد به المقاول وفي هذه الحالة فإن عليه مراعاة العدالة المطلوبة للطرفين، وقد تكون إرادة الأطراف ضمنية لا صريحة في العقد ولكن لا ينفي وجود التزام وبذلك يختلف نطاق الالتزام ومضمونه من اتفاق الآخر .

ففي عقد المقاولة الأصلي يلتزم المقاول بأداء العمل ولا يقضي التزامه إلا بتنفيذ هذا العمل، أي لا تبرأ ذمة هذا المقاول إلا بتنفيذ العمل المكلف به بمقتضى عقد المقاولة الأصلي، وعليه نقول أن مسؤولية المقاول الأصلي تجاه رب العمل إنما هي مسؤولية عقدية وليست تقصيرية، ولكن مضمون التزام المقاول في نطاق المسؤولية العقدية إنما هو التزام بتحقيق نتيجة .

مما سبق نجد أن عقد المقاولة الأصلي لا يختلف في طبيعته عن عقد المقاولة من الباطن، حيث يلتزم المقاول من الباطن بنفس التزام المقاول الأصلي ويبقى مسؤول تجاه هذا الأخير مسؤولية عقدية. ومنه فمضمون التزام المقاول من الباطن في نطاق المسؤولية العقدية هو التزام بتحقيق نتيجة . لأن محل التزام المقاول من الباطن هو التزام بإقامة البناء. وهذا ما يتفق مع طبيعة العقد بين رب العمل والمقاول الأصلي.
هذا وقد أيدت محكمة النقص المصرية هذا الاتجاه بقولها ” إن التزام المقاول هو الالتـزام بنتيجة وهي بقاء اللبناء الذي يشيده سليما ومتينا … وأن الإخلال بهذا الالتزام يقوم لمجـرد إثبات عدم تحقـق تلك النتيجة دون حاجة لإثبات خطأ ما .
وعليه فإن المقاول من الباطن مثله مثل المقاول الأصلي يتحمل الالتزامات العامة التي تقع على كل مقاول نحو رب العمل، وهذه الالتزامات إذا أخل بها أو يأخذ منها كل من المقاول الأصلي أو المقاول من الباطن تحققت مسؤوليته وهي كالتالي :

أولا : إخلال بإنجاز العمل أو التأخر في تنفيذ ؟
ثانيا : إخلال بالتزام المحافظة على الأشياء المسلمة إليه .

أولا: إخلال بإنجاز العمل أو التأخر في التنفيذ.

أن الالتزام الرئيسي الذي يترتب في ذمة المقاول ( المقاول الأصلي أو المقاول من الباطن ) هو إنجاز العمل على وجه سليم وغير مناف لشروط ومواصفات العقد، لأن الالتزام بإنجاز العمل التزام بتحقيق نتيجة وليس التزام ببذل عناية ، فلا يكفي لإعفاء المقاول من المسؤولية عن القيام بالعمل أو التأخر في القيام به أن يثبت أنه بذل عناية الشخص المعتاد في إنجاز العمل أو إنجازه في الوقت المحدد ولكنه لم يتمكن من ذلك حتى لم أثبت أن المدة المحددة لم تكن كافية لإنجاز العمل ، بل عليه أن يثبت السبب الأجنبي حتى تنتفي العلاقة السببية وبالتالي لا تتحقق المسؤولية.
إلا أن الالتزام بإنجاز العمل في عقد المقاولة من أجل البناء يختلف عن باقي عقود المقاولة الأخرى، لأن الالتزام بإنجاز العمل كإقامة البناء أو ترميمه أو هدمه أو وضع تصميم لا يبرأ المقاول من التزامه إلا إذا تحققت النتيجة المرجوة وأنجز العمل المطلوب ، ولا يكفي أن يبذل في القيام بهذا الالتزام عناية الشخص المعتاد أو حتى أكبر عناية ممكنة ، ذلك أنه ما دام العمل المطلوب لم ينجز فإن المقاول يكون مسؤولا ولا تنتفي مسؤوليته حتى يثبت السبب الأجنبي .

ويبقى التزام المقاول من الباطن بمعاونة المقاول الأصلي وما يتضمنه من واجب الإعلام والإشارة بالرأي التزاما ببدل عناية أي أنه يكون مجرد التزام بوسيلة .

ويتضح لنا مما سبق ان الالتزام بإنجاز العمل في عقد المقاولة من أجل البناء هو التزام بتحقيق نتيجة لا يبذل عناية .

ثانيا : الإخلال بالتزام المحافظة على الأشياء المسلمة له :

قد يقدم رب العمل للمقاول مواد وأدوات تستخدم في تنفيذ العمل موضوع المقاولة ، وفي هذه الحالة تظل هذه الأشياء مملوكة لرب العمل، وفي ذلك تقول المادة 766 ق ل ع عندما يقدم المقاول المادة ….، عندما يقدم رب العمل المادة يجب على الأجير الصنع أن يستعملها وفق ما تقتضيه أصول الصنعة ومن غير إهمال …. ”
فالمقاول يلتزم بالمحافظة على الأشياء المسلمة إليه لاستخدامها في العمل، سواء كانت هذه الأشياء قيمية أم مثلية، وهذا الالتزام يتطلب منه أن يحرص عليها بان يتخذ الإجراءات والاحتياطات الكفيلة بمنع تلفها أو ضياعها.
وعلى المقاول من الباطن (إن وجد عقد مقاولة من الباطن) إذا قدم له من طرف المقاول الأصلي موادا وأدوات أن يلتزم بالمحافظة عليها لاستخدامها في العمل وإذا احتاج حفظ هذه الأشياء إلى نفقات ، فإن المقاول الأصلي يتحملها ولا يجوز له أن يرجع بها على رب العمل ، لأنها تعتبر جزء من النفقات العامة التي يجب عليه أن يراعيها عن تحديد أجرة ما لم يتفق على غير ذلك .
ولما كان الغرض من تسليم هذه الأشياء إلى المقاول ( الأصلي أو من الباطن ) هو استخدامها في العمل ، فإنه يلتزم بأن يراعي أصول الفن في ذلك.

لأن التزام المقاول بالمحافظة على الأشياء المسلمة إليه التزام بوسيلة فلا يتطلب منه سوى أن يبذل قدرا معينا من العناية في سبيل هذه المحافظة ولما كان التزام المقاول بالمحافظة ليس مقصودا لذاته وإنما هو التزام تابع لالتزامه بالعمل، وكان هذا العمل يتم في مقابل أجر وليس مجانا ، فإن المقاول يلتزم بان يبذل في المحافظة عناية الشخص المعتاد .
فإذا قصر المقاول في بذل هذه العناية ، وترتب على ذلك ان تلفت الأشياء المسلمة إليه من رب العمل، أو أصبحت غير صالحة لاستخدامها في العمل المطلوب أو ضاعت أو سرقت، فإنه يكون مسؤولا عن هذا التلف أو الضياع ، ويلتزم بأن يرد قيمة هذه الأشياء إلى رب العمل ( م 766ق ل ع ) وفضلا عن ذلك يلتزم بتعويضه وفقا للقواعد العامة في المسؤولية العقدية .

ولكن لما كان التزام المقاول بالمحافظة التزام بوسيلة فإن رب العمل الذي يدعي الإخلال به ، يلتزم بإقامة الدليل على ما يدعيه بإثبات أن المقاول لم يبذل فيه عناية الشخص المعتاد، وبعبارة أخرى بإثبات إهمال أو تقصير في جانبه، أو بإثبات قصور كفايته الفنية مما سبب تلف الشيء ، ولكن ظروف الحال قد تسمح باستخلاص قرينة قضائية على هذا التقصير تعفي رب العمل من عبء إثبات الخطأ المقاول ، وتسهل له الوصول إلى حقه، وذلك أن وجود الشيء تحت يد المقاول يجعل من الصعب على رب العمل معرفة السبب الذي أدى إلى تلفه أو ضياعه ، ولكن هذه القرينة إن وجدت فإنها تكون قرينة بسيطة يستطيع المقاول دحضها بإثبات أن التلف أو الضياع لم ينشا عن خطئه وهو يستطيع ذلك بأحد الطريقين : الأول مباشر وهو إثبات انتفاء الخطأ في جانبه، لبذله في المحافظة على الأشياء المسلمة له العناية المفروضة عليه وهي عناية الشخص المعتاد والثاني غير مباشر وهو إثبات أن الهلاك يرجع إلى سبب أجنبي عنه .

فقرة ثانية : حدوث الضرر

إن الضرر في حال المسؤولية المدنية العقدية يعطي لرب العمل الحق في التعويض سواء طبقا للقواعد العامة . أو طبقا لأحكام الخاصة بالضمان العشري .
إلا أن مجرد الإخلال بالالتزام لا يكفي حتى يسأل المقاول عقديا في علاقته برب العمل طبقا للقواعد العامة وإنما يتعين على هذا الأخير إقامة الدليل على ضرر أصابه من جراء هذا الإخلال . ويتمثل الضرر هنا بصفة أساسية في العيب الذي يلحق البناء ، وذلك بصرف النظر عن مدى جسامة هذا العيب أو خطورته .

المسؤولية العقدية السابقة على التسليم، تشمل جميع العيوب حتى ما كان ظاهرا منها ، ما دام رب العمل قد رفض التسليم ، والافتراض فيه بقبول هذا التسليم يكون قد تغاضى عن العيب كما أنه لفظة العيب في البناء تتسع بداهة لتشمل عدم مطابقة الأعمال للتصميمات ، أو مخالفتها للمواصفات المتفق عليها كما يتصور أن يلحق الضرر رب العمل ولو نفذت الأعمال خالية في ذاتها من أي عيب إذا كانت قد أنجزت متأخرة عن الموعد المحدد بالصفقة ، أما إذا كان رب العمل هو نفسه المسؤول عن هذا التأخير لكونه ملزم بتمكين المقاول من البدء بإنجاز العمل قد تأخر ، مثال ما كان يتعين عليه القيام به من الحصول على التراخيص اللازمة لبدء العمل والمضي في تنفيده؟

ولكن ما هو معيار العيب وشروطه الموجبة لمسؤولية المقاول ؟ يقصد بالعيب هنا سواء الخفي أو الظاهر هو العيب الذي يصيب المبنى أو المنشأ والتي تقتضي أصول الصنعة وقواعد الفن خلوها منه، وهذا العيب الذي يلحق بالمبنى يحقق مسؤولية المقاول، وذلك بصرف النظر عن مدى جسامته أو خطورته فالمسؤولية العقدية تشمل جميع العيوب .

فالعيب الظاهر يسلم الفقه والقضاء المغربي بان من شأن تسلم الأعمال من جانب رب العمل بلا تحفظ إعفاء المقاول من مسؤولية عن العيوب التي كانت ظاهرة وقت حصوله وهذا ما يسمى بالأثر الإعفائي للتسليم بخصوص العيوب الظاهرة، والمقصود بذلك أن هذا النوع من العيوب لا يكون مشمولا بالضمان العشري فرب العمل إذا تسلم مصنوعا معينا ولم يبد تحفظاته بخصوص العيوب الظاهرة . فهذا معناه أنه قبل البناء على ما هو عليه ، وهذا ما يسري أيضا في عقد المقاولة من الباطن فإذا ما تم تسليم البناء من جانب المقاول الأصلي ( رب العمل العرضي) بلا أي تحفظ فإنه يترتب على ذلك إعفاء المقاول من الباطن من مسؤولية عن العيوب التي كانت ظاهرة وقت حصوله، لان المقاول الأصلي يمكن له أن يكتشفها لو أنه بدل في فحصها ومراجعتها – مع ما يتمتع به من خبرة في هذا المجال على اعتبار أنه مقاول في الأصل – ما يبذله الشخص المعتاد من نفس طائفته .

أما العيب الخفي: فلا يشترط أن يكون قديما ، أي موجودا وقت قبول رب العمل، فالمسؤولية تتناول العيوب القديمة كما تناول العيوب الطارئة بعد القبول وفي ذلك يبدو خروج أحكام مسؤولية المقاول على القواعد العامة في المسؤولية الناشئة عن عقد المقاولة ، إذ لا يضمن المقاول عيوب عمله وفقا لتلك القواعد إلا إذا كانت قديمة ، أي موجودة في العمل عند تسلمه ، أو على الأقل أن يكون مصدرها موجودا في ذلك الوقت، وبديهي أنه إذا كان العيب طارئا فلا معنى لاشتراط أن يكون خفيا وقت القبول ( أو التسليم) لأنه لم يكن موجودا في ذلك الوقت، أما إذا كان العيب قديما، أي موجودا في المبنى وقت القبول فالمقاول لا يضمن إلا إذا كان خفيا ، غير معلوم لرب العمل في ذلك الوقت، وغير ممكن كشفه ولو بذل عناية الشخص المعتاد في فحصه المبنى ومعاينته .
هذا عن عقد المقاولة الأصلي أما عقد المقاولة من الباطن، فيشترط أن يكون العيب الخفي قائما قبل التسليم أي يجب أن يكون العيب قديما في نشأته كما يجب أن يتصل العيب بنشاط المقاول من الباطن السابق على التسليم ، فلا يضمن هذا المقاول العيب الخفي في عمله إلا إذا كان قديما وسابقا على التلسيم أي مصدره راجعا إلى فترة إقامة المبنى ، بمعنى أن يكون سبب موجودا في العمل عند معاينته وإقراره ولا يلتزم بضمان العيب الخفي ، إذا نشأ بعد التسليم . لأن ذلك هو ما تقتضيه القواعد العامة الواجبة التطبيق على مسؤوليته المقاول من الباطن وذلك على عكس المسؤولية الخاصة بالمقاول الأصلي تجاه رب العمل حيث لم يقتصر المشرع على إلزامه بالعيوب التي تكون في عملهم وقت القبول بل جعلهم ضامنين لما ينشأ من هذه العيوب بعد ذلك في خلال المدة المحددة قانونا .

فقرة ثالثة : تقادم المسؤولية :

إعمالا لمبدأ ” العقد شريعة المتعاقدين ” المنصوص عليه في الفصل 230 ق ل ع ، فإنه يتعين على المقاول من الباطن أن يفي بالتزاماته العقدية التي تعهد بها في صلب العقد وأي إخلال بهذه الالتزامات إلا ويتعرض لتحمل المسؤولية العقدية متى توافرت شروطها .

والمسؤولية هي جزاء الإخلال بالتزام قانوني ودعوى المسؤولية هي رفع طلب التعويض عن الإضرار الناتجة عن هذا الإخلال إلى الجهة القضائية المختصة لذا يتعين على رب العمل أو نائبه القانوني إذا ما وقع اخلال تعاقدي من طرف المقاول أن يقوم برفع دعوى ضد هذا المقاول داخل أجل التقادم المنصوص عليها في الفصل 387 ق ل ع وهي خمسة عشرة سنة تبدأ من تاريخ علم رب العمل بالفعل الموجب للمسؤولية وليس من تاريخ تحقق هذا الفعل .
ومنه فما هي الشروط والعيوب الموجبة لتحقق المسؤولية وفقا للنظرية العامة ؟

أولا : شروط تحقق المسؤولية وفقا للنظرية العامة

الإخلال بالتزام عقدي : والمقصود بالعقد هنا هو عقد المقاولة من أجل البناء، ولا يلزم ضرورة أن يكون الالتزام الذي حصل الإخلال به منصوصا عليه صراحة في العقد فقد يكون مما تقتضيه العلاقة الرابطة بين رب العمل والمقاول كالالتزام بإسداء النصيحة والمشورة الذي يترتب على الإخلال به إلزام هؤلاء بناء على قواعد المسؤولية العقدية لأنه من الشروط التي يقتضيها العقد ولا تنافيه .

وعلى كل حال ، فإن مظاهر الإخلال بالالتزامات العقدية للمقاول قد يكون بسبب التأخر في الوفاء به أو بسبب عدم الوفاء، وهاتان الحالتان قد أشار إليهما الفصل 263 من ق ل ع وهو بصدد تحديد حالات الاستحقاق التعويض ” يستحق التعويض إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام وإما بسبب التأخر في الوفاء به وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدني” وهناك حالة ثالثة تتعلق بالتنفيذ المعيب لمحل الالتزام، كأن تظهر عيوب مخالفته لقواعد الفن المعماري والبناء لا زال في طور الإنجاز ففي مثل هذه الحالة يكون هناك مجال الإصلاح العيوب واستحقاق التعويض عن الأضرار التي تكون قد لحقت رب العمل بسبب ذلك.

– أن يحصل هذا الإخلال قبل تسليم البناء لرب العمل : وهو شر ط أساسي لإعمال دعوى المسؤولية وفقا للنظرية العامة ، لأنه بعد حصول هذا التسليم سيكون هناك مجال الأعمال دعوى الضمان العشري إذا توافرت شروطها الموضوعية المنصوص عليها في الفصل 769 من ق ل ع . وإذا لم تتوفر هذه الشروط فإن دعوى ضمان العيوب الخفية وفقا للنظرية العامة لعقد البيع نجد مكانها الملائم للتطبيق ، وتبدأ فترة ما قبل التسليم من تاريخ وضع التصميم والشروع في الحصول على رخصة البناء القانونية مرورا بطور الإنجاز إلى غاية تسليم المفاتيح لرب العمل والتنازل له عن الحيازة القانونية والمادية معا .

احترام أجل دعوى المسؤولية (التقادم ) : يتعين على رب العمل أو نائبه القانونية أن يرفع دعواها ضد المقاول داخل أجل التقادم المنصوص عليها في الفصل 387 من ق ل ع الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمسة عشرة سنة، فيما عدا الاستثناءات الواردة فيما يعد والاستثناء التي يقض بها القانون في حالات خاصة ) وفي أي الأحوال تسقط الدعوى الناشئة عن العمل غير المشروع بمضي خمسة عشرة سنة من يوم وقوع العمال غير المشروع وإذا كانت الدعوى الناشئة عن جريمة فلا تسقط دعوى التعويض إلا بسقوط الدعوى الجنائية ، أي أنه تتغير مدة سقوط دعوى التعويض الناشئة عن جريمة بنوع الجريمة الواقعة .

أما في المسؤولية العقدية فإنه يجب الرجوع إلى النصوص القانونية التي أبرمت العقود طبقا لأحكامها القاعدة العامة هي أن يتقادم الالتزام بانقضاء خمسة عشرة ستة فيما عدا الحالات التي قرر لها القانون حكما خاصا .
ويبدأ سريان التقادم من الوقت الذي يحل فيه الالتزام ويستطع فيه الدائن (رب العمل ) المطالبة بدينه وليس من وقت نشوء دعوى التعويض على ما هو الحال في المسؤولية التقصيرية .

ضرورة إثبات رب العمل لخطأ المقاول : لقبول دعوى المسؤولية العقدية وفقا للنظرية العامة فإنه يتعين على رب العمل أن يقدم الدليل على خطأ المقاول أثناء مزاولته لمهامه والتزاماته التي تعهد بها في صلب العقد وكذا التي تعد من مقتضياته إذا جرى التعامل على إجازتها .
ويرجع ذلك إلى أن أساس هذه المسؤولية يكمن في فكرة الخطأ الواجب الإثبات ، بالرغم من الصعوبات التي تعوق رب العمل وهو بصدد تقديم الدليل على خطأ شخص محترف كالمقاول إلا أن المحاكم المغربية لا زالت تتمسك بضرورة تقديم هذا الدليل في الوقت الذي ذهب فيه الاتجاه السائد في الفقه والقضاء الفرنسي إلى التخفيف عن عبء هذا الإثبات خصوصا بالنسبة الأخطاء الصادرة عن المقاول لأن الفقه والقضاء يميل إلى اعتبار التزامات هذا الأخير من قبيل الالتزامات بغاية التي يترتب على الإخلال بها تحميله المسؤولية من غير التزام رب العمل بإثبات خطائه .

ثانيا :العيوب الموجبة لتطبيق المسؤولية وفقا للقواعد العامة :

إن العيون التي توجب تطبيق قواعد المسؤولية العقدية ، وفقا للنظرية العامة هي التي لا تتوفر فيها شروط العيب الموجب للضمان العشري المنصوص عليه في المادة 17925.مدني فرنسي المقابلة للفصل 769 من قانون الالتزامات والعقود ، وهكذا يدخل ضمن هذا النطاق كل العيوب الظاهرة التي لم يتحفظ بشأنها أثناء التسليم .
لكن هل يمكن لرب العمل أن يستفيد من دعوى المسؤولية العقدية وفقا للنظرية العامة في الفترة الموالية للتسليم ؟ هذا السؤال تردد على ألسنة الفقهاء حيث استفسروا حول ما إذا كان بإمكان رب العمل أن يستفيد من مقتضيات دعوى المسؤولية العقدية وفقا النظرية العامة في الفترة الموالية للتسليم عندما يتعلق شرط من شروط الضمان العشري؟ فما هو موقف هؤلاء الفقهاء من فكرة تمديد نطاق هذه المسؤولية لما بعد التسليم .

لقد تضاربت الآراء الفقهية حول إمكانية أو عدم إمكانية تمديد نطاق المسؤولية العقدية لتشمل الفترة الموالية للتسليم أيضا، ومرد هذا الاختلاف يرجع بالدرجة الأولى إلى تمسك خصوم هذا التمديد بفكر ة الأثر ألإعفائي المطلق للتسليم بحيث يتحلل المقاول من تحمل المسؤولية العقدية في الفترة الموالية للتسليم إلا ما كان داخل ضمن نطاق الضمان العشري أما بالنسبة لأنصار هذا التمديد فإنهم يرون في ذلك متنفسا جديدا لرب العمل يمكن له من خلاله تدارك الحالات التي لا يسري عليها الضمان الخاص حتى ولو انتقلت الملكية إلى رب العمل بتسليم البناء إليه .

وإذا كان هؤلاء الأنصار يرون في إجازة هذا التطبيق إعمالا بمقتضيات العدالة التي تفرض إنصاف الطرف المتضرر في عقد المقاولة فإن خصومهم يعكس ذلك يرون في ذلك تطاولا على قواعد غير قابلة للتطبيق ويستدلون على ذلك بعدم قابلية انتقال هذه الدعوى مع العقار وبهشاشة هذه المسؤولية وعدم اتباتها أمام الاشتراطات الاتفاقية نظرا لكون هذه المسؤولية ليست من النظام العام، فهذا يعني إمكانية الاتفاق على مخالفتها باستبعادها أصلا أو التقليص من فعاليتها ، بالإضافة إلى عدم ملائمة مهلة تقادم المسؤولية العقدية للتطبيق في ميدان البناء لأنه لا يعقل أن تتقادم دعوى المسؤولية العقدية الناشئة عن العيوب والإخلالات البسيطة خلال خمسة عشر سنة في الوقت الذي تقادم فيه دعوى الضمان العشري خلال 10 سنوات وبالرغم من جسامة العيوب الموجبة لهذا الضمان الأخير .

المبحث الثاني : المسؤولية العقدية للمقاولة والمقاول من الباطن بعد التسليم.

حسب الدراسات والأبحاث التي أعدها الفقه حول المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن يتبين لنا أن معظمها كان يتمحور حول نظام الضمان والمسؤولية الموالية بعد التسليم وقد سال من الحبر الكثير بخصوص الضمان العشري حتى أن المتصفح لمقالات وتعليقات الفقهاء ليعتقد أن المسؤولية في ميدان البناء تنحصر في نطاق الضمان العشري لا غير .
إلا أنه عند التعمق لا يخفى بأن جعل أسباب استحقاق الضمان والمسؤولية يرجع إلى المرحلة التي تسبق التسليم أو تواكب عملية إنجاز العمل وقبل أن يسلم إلى صاحبه وبما أننا تعرضنا لمظاهر هذه المسؤولية العقدية في الفقرة السابقة على التسليم فإننا سنعالج ضمن هذا المبحث الوجه الآخر للمسؤولية العقدية ويتعلق الأمر بالضمان العشري وبيان خصائصه والأساس القانوني الذي ينبني عليه ، والذي أقرته معظم التشريعات المعاصرة في الوقت الذي يخلو منها قانون الالتزامات والعقود المغربي .

ونظرا لكون واقعة التسليم هي الفصيل بين ما هو قبيل للضمان وما هو من قبيل للمسؤولية . فإننا ارتأينا أن نخصص للتسليم مطلبا مستقلا وذلك قصد التعريف به وإجلاء الغموض الذي أثاره الفقه بخصوصه، وفي المطلب الآخر الضمان العشري ..
إذن سنعالج هذا المبحث على الشكل التالي :

المطلب الأول : الالتزام بتسليم للأعمال
المطلب الثاني : الضمان العشري .

المطلب الأول : تسليم للأعمال :

-سوف نتطرق في هذا المطلب للطبيعة القانونية للتسليم وأنواعه ( الفقرة الأولى ) تم نتناول أثاره في الفقرة الثانية ) .

فقرة أولى: الطبيعة القانونية للتسليم الأعمال وأنواعه :

أولا : الطبيعة القانونية للتسليم :

بالرجوع إلى القانون الالتزامات والعقود المغربي نجد هذا الأخير لم يعرف التسليم وإن كان يشير له من حين لآخر في المناسبات مختلفة مثل الفصل 763 من ق.ل.ع بخصوص المماطلة في التسليم التي تؤدي إلى فسخ لإجارة والفصل 768 من ق.ل.ع بخصوص رفض تسليم المصنوع من طرف رب العمل، والفصل 769 من ق.ل.ع بخصوص اعتبار التسليم كمنطلق للاحتساب مهلة الضمان العشري وكذلك الفصل 771 من ق.ل.ع بشأن تسلم المصنوع المعين من غير تحفظ ومن ذلك أيضا ما ورد في الفصل 774 ق ل ع الذي جاء فيه :” يلتزم رب العمل بتسلم المصنوع إذا كان مطابقا للعقد كما يلزم بنقله على نفقته إذا كان من شأنه أن ينقل “

ومن القرارات القضائية في هذا المجال القرار رقم 97 بتاريخ 22/1/1969 الذي جاء فيه أن محكمة الدرجة الثانية التي أيدت الحكم الصادر عن قضاة الدرجة الأولى تبنت ضمنيا تعليلهم الغير المخالف ، وأنه لا يمكن لذلك الطعن في الحكم المذكور بعد تعليل الحكم الابتدائي الذي رفض الدفع بمرور الأجل الذي أثاره استنادا على الفصلين 767 و 553 ق ل ع لعلة أن الفصل 769 من نفس القانون هوالوجب التطبيق نظرا لتهديد النيابة بالسقوط تكون قد بينت قضاء ها على أساس سليم ” .

وكذلك القرار الصادر في ابتدائية الدار البيضاء بتاريخ 26/1/1956 التي أقرت بأن رب العمل يكون قد جانب الصواب إذا لم يخطر المقاول بالعيوب التي ظهرت داخل الأجال المنصوص عليها في الفصلين 767 و 768من ق ل ع ، والحال أنه لم يثبت لدى المحكمة أن رب العمل أبلغ رغبته للمقاول بضرورة إصلاح عيوب البناء ” .

وفي مقابل هذا السكوت الذي التزمه ق ل ع المغربي نلاحظ أن المشرع الفرنسي قد عرف التسليم في المادة 1792 المعدلة بمقتضى ق 4 يناير 1978 وقد جاء فيها ما يلي :” التسلم هو تصرف الذي يقرر بموجبه رب العمل قبوله للأشغال مع إبداء تحفظاته أو بدونها ” . وبذلك يكون المشرع الفرنسي قدوضع حدا للمنافسات الفقهية الحادة التي حصلت بخصوص الطبيعة القانونية للتسليم فيما إذا كان تصرفا قانونيا أو واقعة قانونية أومجرد اتفاقا منفصل عن عقد المقاولة ، وهذه بعض التعاريف الفقهية .

مالنفواجوستاز : يعرفانه بأنه ” التصرف الذي يوافق بمقتضاه رب العمل على تقبل الأشغال مع الاعتراف للمقاول بحسن تنفيذه للالتزاماته العقدية .
كاسطون : يرى بأن التسليم هو ” التعبير عن الإرادة ولو بصورة ضمنية من رب العمل المتمثل في انصراف قصده لقبوله للأشغال بعد الانتهاء منها ”
سوانا برنار : التسلم هو قبول العمل من قبل رب العمل بعد أن يمكنه المقاول من ذلك ” ويترتب عن ذلك في نظر سوزان أن التسلم ذو طبيعة قانونية وأنه صورة من صور التصرف القانوني الذي نادت به المدرسة التقليدية .

وانطلاقا من التعاريف السابقة يظهر أن الخلاف الحاصل داخل أوساط الفقه المغربي احتد بخصوص الطبيعة القانونية لهذا التسليم فيما إذا كان صورة من التصرف القانوني ، أو الواقعة القانونية لا دخل للإدارة الأطراف في حصوله .
ويرجع مصدر الخلاف في نظرنا إلى كون التسليم من المؤسسات القانونية التي يختلط فيها الواقع بالقانون لذلك بات الأمر طبيعيا ان نفصل النقاش الذي دار حول هذه النقطة قصد إجلاء الغموض الذي يكتنفها .
فما هو الطرح الذي تقدم به كل من انصار التصرف القانوني والواقعة القانونية ؟
وما هو التكيف الأقرب إلى الصواب هذا ما سنحاول إبرازه في ما يلي :

أ‌- التسليم اتفاق منفصل عن عقد المقاولة :

تذهب هذه النظرية إلى أن التسليم هو اتفاق مستقل ومتميز عن العقد الأصلي ( عقد المقاولة من الباطن ) وهو المنعقد بين المقاول الأصلي وبين المقاول من الباطن وكذا عن عقد المقاولة الأصلي المبرم بين رب العمل والمقاول الأصلي ” فنكون أمام عقدين متعاقبين ومستقلين ومتميزيين عن بعضهما حيث يقوم الأول أي عقد التسليم على انقضاء الثاني وهو عقد المقاولة الأصلي ، وأن اتفاق التسليم الذي يقوم بين ذات الأطراف وأن كان يترتب عليه انقضاء الالتزامات التعاقدية وفق القانون العام للعقود ويستند أنصار هذا الاتجاه في تأيد رأيهم إلى أن قيام المقاول من الباطن بتسليم الأعمال للمقاول الأصلي يعتبر بمثابة إيحا بالوفاء ما دام أن هذا الأخير هو تنفيذ قصدي للالتزام وهو ما يحدث عند انتهاء المقاول من الباطن للعمل ويجب أن يكون هذا الوفاء مقبولا ، وهو نفس اللالتزام للمقاول الأصلي بعد الإنهاء من العمل المطلوب منه، أن يسلمه إلى رب العمل ويكون هذا التسليم بوضع العمل تحت تصرف رب العمل ، بحيث يستطيع أن ينتفع به دون عائق وعيب هذا الاتجاه انه يجعل من عملية التسليم عملية حضورية تتم بين المقاول من الباطن والمقاول الأصلي ، وكذا بين رب العمل والمقاول الأصلي .

إلا أن هذه النظرية لا تخلوا من الانتقادات سواء بالنظر إلى موقف المقاول الأصلي أو المقاول من الباطن، بخصوص المقاول من الباطن عند ما يمنع المقاول الأصلي دون سبب مشروع من تسلم الأعمال التي تمت وانتهت رغم إنداره رسميا حيث يعتبر العمل هنا قد سلم إليه في حين أنه واقعيا لم يظهر رضاه، بالأعمال المنجزة ونفس الأمر بالنسبة للمقاول عندما يتم التسلم عن طريق القضاء أو يكون ضمني بناء على رغبة رب العمل فإن مساهمة المقاول لا تكون ضرورية ، وأن محضر التسلم والتسليم يكون ملزما له رغم أنه لم يكن طرفا فيه وغير موقع عليه متى كان قد أعلن عليه بالطريقة القانونية .

ب‌- التسليم مجرد واقعة مادية أو عمل مادي :

تذهب هذه النظرية إلى أن التسليم مجرد واقعة مادية أو عمل مادي أي أنه واقعة قانونية وليس عملا قانونيا أي أنه مجرد وسيلة فنية عادية للتبت من إعطاء الأعمال للمقاول الأصلي وقد استند هذا الاتجاه لتعزيز رأيه على تفسير معنى الوفاء باعتباره وسيلة من وسائل انقضاء اللالتزام في القواعد العامة ، حيث يرتب المشرع أثرا على الوفاء هو إبراء” للمدين المقاول الأصلي أو “المقاول من الباطن ” تجاه رب العمل طالما أن المدين قد وفى بإلتزامه مطابقا تماما لما تعهد به في مواجهة الدائن وبذلك لا يعتبر الوفاء مبرئا لذمة المدين مجرد القيام بالعمل ولكن لا بد أن يكون هذا العمل مستوفيا للشروط والمواصفات المنصوص عليها في العقد وبل تلك التي تقتضيها طبيعته ولو لم ينص عليها صراحة .

نجد أن أصحاب هذا الرأي يرون أن عملية التسليم ليست هي التي تعفي المدين ( المقاول من الباطن في مواجهة المقاول الأصلي وهذا الأخير في مواجهة رب العمل ) لأنها لا تثبت سوى مجرد تنفيذه للالتزامه وليس المطابقة وبالمقابلة فإنه حتى بدون تسليم الأعمال يكفي مجرد ثبوت هذه المطابقة حتى تبرأ ذمة المدين لأن هذه الأخيرة كافية لأحداث الأثر وذلك بإرادة المشرع نفسه ، مما يعني أن إعلان إرادة المقاول الأصلي عن الأعمال المنفذة من قبل المقاول من الباطن وكذا إعلان رب العمل عن الأعمال المنفذة من قبل المقاول للأصلي ، ولا يضيف جديدا بل يقتصر دورهم على مجرد السماح للقانون بإنتاج أثاره إلا إذا قرر الرفض أو تقرير بعض التحفظات فهنا فقط نرى أن إرادة المدين قد تدخلت للأحداث أثار قانونية تتمثل في إرجاء النتائج القانونية للتسلم .

” الاتجاه الغالب ” في الفقه يعتبر الوفاء من قبيل التصرفات القانونية حتى ولو كان هذا الوفاء في أصله ينطوي على بعض الأفعال المادية كتمكين رب العمل من شغل العقار محل الإنجاز و الدليل على ذلك أن جل التشريعات بما فيها ( ق ل ع ) المغربي تستلزم إقامة الدليل الكتابي متى كان الدين محل الوفاء يتجاوز في قيمته 250 درهم ( الفصل 443) ق ل ع ، مما يعني أن الوفاء لا يكون إلا تصرف قانوني .
وبالتالي فإن اعتبار التسليم من قبيل التصرفات الإرادية المنفردة لا ينفي الطابع المادي الذي يصاحب تسلم المقاول للأصلي للأشغال المنجزة من قبل المقاول من الباطن وكذا تسلم رب العمل الأشغال من قبل المقاول للأصلي عن طريق تمكينه منها بالوسائل المتعارف عليها هذا الميدان .

ج-التسليم والتسلم عمل انفرادي من كلا الطرفين

استقر غالبية الفقه على اعتناق هذا الرأي الذي يعتبر التسليم ما هو إلا تعبير عن إرادة منفردة لمقاول البناء من الباطن بعد إنجاز العمل وفقا للمواصفات المطلوبة في حين أن تسلم المقاول للأصلي للأعمال المنجزة ما هو أيضا إلا تعبير عن إرادة منفردة من جانبه على موافقته على هذه الأعمال إقرارا منه على أنها أنجزت بشكل مطابق للشروط المطلوبة ويرى أنصار هذه الاتجاه أن الطابع الإنفرادي لكل من عملية التسليم والتسلم لا يتعارض مع ما اقتضاه المشرع الفرنسي من أن التسليم يجب أن يكون حضوريا وبناءا على طلب الطرف الأكثر حرصا .

اعتمادا على المادة 1792 /6 من القانون المدني الفرنسي تنص على أن ” التسلم هو العمل الذي عن طريقه يقرر رب العمل بقبوله للأعمال” وصياغة النص تحي التسلم عمل قانوني صادر عن إدارة رب العمل ( المقاول الأصلي )المنفردة ولا دخل للإدارة المقاول من الباطن في ذلك والعكس صحيح بالنسبة للمقاول للأصلي في علاقته برب العمل .

إن هذا التكيف ينسجم مع مضمون الفصل 774 ق ل ع الذي يضع التزاما مستقلا على عاتق رب العمل هو تسلم أشغال المقاولة، إذا كانت مطابقة للشروط المنصوص عليها في العقد .” يلتزم رب العمل بتلسم المصنوع إذا كان مطابقا للعقد ” ويتم تنفيذ هذا ولو بالإرادة المنفردة للزبون من غير ان يتدخل المقاول في هذه العملية، ويعتبر انصراف إرادة رب العمل إلى مثل هذه التصرفات دليل قاطع على تسلم الإرادي للأشغال البناء .

وعلى ذلك يمكن لنا القول بعد العرض السابق لتوضيح رأي الفقه في الطبيعة القانونية للتسلم بان هذا الأخير وإن كان عمل قانوني وليس واقعة قانونية إلا انه ليس صادر عن إرادة منفردة وإنما هو صادر عن التزام تعاقدي بمقتضى عقد المقاولة من الباطن ” المبرم بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن” ونجد أساسه طبقا لما اتفق عليه أطرافه أي انه عمل قانوني صادر عن إدارة مشتركة انصبت في عقد المقاولة من الباطن .

ثانيا : التسليم وأنواعه :

-قد يكون التسليم صريحا، أو ضمنيا (أ) وقد يكون مؤقتا أو نهائيا (ب) كما قد يكون كليا أو جزئيا (ج).

1- التسليم الصريح Réception expresse

لا يشترط في التسليم شكل معين وإنما يتم عن طريق توقيع الأطراف المعنية على محضر التسليم الذي يسهر المقاول من الباطن على إعداده قصد إيجاد دليل على تسليمه للأعمال محل المقاول من الباطن للمقاول للأصلي حيث جرت العادة أن يحرر محضر التسليم ويوقع عليه مقاول البناء للأصلي، وفي هذه الحالة يقال أن التسليم قدتم صراحة ، وبما أن التسليم الصريح ليس من النظام العام فإنه يحق للأطراف للاتفاق على مخالفة قواعد التسليم الصريح بإدراج شروط خاصة ، والأصل في التسليم الصريح أنه غالبا ما يكون بدون تحفظات رب العمل إلا أنه قد يكون مرتبطا ببعض التحفظات الوجيهة وهذا ما جاء في الفصلان ( 768 و 771) حيث جاء في للأول ” يسوغ لرب العمل أن يرفض تسلم المصنوع أو إذا كان قد تسلمه أن يرده خلال أسبوع الثاني لتسلمه مع تحديد ميعاد معقول …” بينما جاء في الثاني ” أن تسلم رب العمل مصنوعا معيبا أو تنقصه الصفات المطلوبة مع علمه بعيوبه ولم يرده ولم يتحفظ بشأن حقوقه على نحو ما هو مذكور في الفصل 768 من ق ل ع كان هناك محل لتطبيق الفصل 553 المتعلق بالعيوب الأشياء المنقولة التي بيعت وسلمت للمشتري “

وفي نفس الاتجاه جاء في قرار ابتدائية الدار البيضاء الصادر في 21/8/1945 ” لا يكون هناك محالا لتطبيق الفصلين 768 و 771 من ق ل ع إلا إذا كان رب العمل قد أطلع على عيوب الشيء المصنوع ونتيجة لذلك إذا كان العيب أو الخلل لا يتعذر الوصول إليه بالكشف العادي فإن دعوى الضمان حسب الفصل 543 من ق ل ع وما يليه ” . وسواء كان التحفظ كليا أو جزئيا للأشغال البناء فإنه يتعين تسجيل ذلك في محضر التسليم وإذا كانت فكرة المدة المعقولة التي يتوجب فيها على المقاول إصلاح العيوب تترك لتقدير القضاة فيما تختلف حسب إمكانية المقاول وجسامة العيب، ذلك أن العيوب الخفيفة التي تستعصي عن الظهور سوف تكون مشمولة بالضمان العشري ولرب العمل المهلة الكافية للوقوف عليها أما العيوب الظاهرة فإن التسليم قد يحجب ضمانها إذا لم يتم التحفظ بشأنها خلال مهلة أسبوع الموالية للتسليم والتي نراها غير كافية لكشف بعض العيوب حتى بالنسبة للظاهر منها والبالغة الخطورة لدى فإننا نتحفظ بخصوص إحالة المشرع على مقتضيات الفصل (553) ق ل ع المتعلقة بيع المنقول فمهلة أسبوع إذا كانت كافية للإبراز عيوب المنقولات البسيطة فإنها غير كافية للوقوف على عيوب العقارات .

2-التسليم الضمني Reception tacite.

-التسليم الضمني هو اتخاذ موقف معين يفهم منه بدون شك أنه يعبر عن إرادة واعية لمتخده في تسليم العمل محل المتعاقد وتقبله ، والتسليم الضمني قد يستخلص من بعض الوقائع ما دامت تكشف بوضوح عن نية مقاول البناء الأصلي في قبوله للأعمال” وهي مسألة تخضع السلطة التقديرية للقاضي وعلى ذلك فالتسليم الضمني يستخلص من وقائع تبين معها بالضرورة موافقة رب العمل مثال: الحيازة الفعلية للعقار أو استعماله مدة طويلة حين يضع المقاول الأصلي يده على العمل أو يستعمله مدة طويلة قبل تسليمه إليه من جانب مقاول البناء من الباطن طالما أنها تكشف بوضوح عن نية لا شك فيها من جانب مقاول البناء الأصلي في قبوله للأعمال وهي لا تكون كذلك إلا إذا كانت الأعمال قد أنجزت وكان وضع اليد بلا تحفظ من جانب مقاول للأصلي أو قيام مقاول أصلي بتسليمه لرب العمل الأصلي الأعمال وقبول هذا الأخير بلا تحفظ كما أن التسليم الضمني قد يتمثل في إقبال رب العمل على تصرف في العقار الذي تم إنجازه ،وذلك بأوجه التصرف القانونية بما في ذلك الاستعمال الشخصي والاستغلال عن طريق التنازل عن منفعة العقار للغير .

وخلاصة القول أن لجوء المقاول الأصلي أو رب العمل لهذه للأساليب يعد قبولا منه للأشغال ورضاه بها، وبالتالي تترتب عليه للإثار القانونية التي تترتب على التسليم الصريح .

ب-التسليم المؤقت والتسليم النهائي :

عرف الفقه التسليم المؤقت بأنه تعبير عن إرادة مقاول البناء من الباطن في تسليم العمل بصفة مؤقتة حتى يتم اتخاذ الإجراءات الأزمة لرفع الملاحظات التي يضمنها مقاول البناء للأصلي محضر التسليم والتسلم أو العكس يكون الإفصاح على التسليم المؤقت حتى يتم رفع كل أسباب التحفظات التي ضمنها هو محضر التسليم والتسلم، ونفس الشيء بالنسبة لرب العمل عند تسلم للأشغال المنجزة من طرف المقاول قصد فحصها داخل أجل معين للإكمال النقائص وإزالة الشوائب وبالتالي فهو نوع من الحيازة المادية للبناء لا غير ، وقد جرت العادة وخاصة في المقاولات البناء أن تتضمن الصفقة المبرمة بين مقاول البناء للأصلي، -ومقاول البناء من الباطن – شرطا يتم بمقتضاه التسليم على مرحلتين يكون أولهما تسليما مؤقتا يستمر في العادة لمدة سنة يعلن بعدها التسليم النهائي .

أما التسليم النهائي: إقرار لرب العمل بتسلم العمل وتقبله بصفة نهائية بعد انقضاء المدة المتفق عليها، وبعد إصلاح العيوب المتحفظ بشأنها حيث يقر مقاول البناء للأصلي أو رب العمل للأصلي بتسلمه للعمل وتقبله له.
بصفة نهائية دون أية تحفظات ويثبت ذلك في محضر التسليم والتسلم الذي يحرر بمناسبة التسليم النهائي ويترتب على التسليم النهائي أن عملية التسليم وإن كانت تبرئ ذمة المقاول من الباطن من العيوب الظاهرة فإنها لا تبرئه من العيوب الخفية التي قد تظهر بعد عملية التسليم والتسلم .

والتسليم النهائي لا بد من تمامه سواء ثم للأخذ بمبدأ وحدة التسليم بحيث لا يسبقه تسلم مؤقت أو الأخذ بمبدأ ازدواجية التسليم فيكون مسبوقا به .

ج-التسليم الكلي والتسليم الجزئي

+التسليم الكلي : يكون في الغالب مؤقتا أو نهائيا متى أتم المقاول من الباطن الأعمال ووضعها في مجموعها تحت تصرف المقاول للأصلي وخاصة إذا كان العمل متكامل لا يقبل التجزئة ، حيث لا سبيل للمقاول للأصلي إلا أن ينتظر تمام إنجازه كاملا حتى يتسنى له تسلمه وهنا يكون للتسليم والتسلم كليا واحدا بتاريخ واحد ومحضر واحد كما يكون التسليم كليا إذا نص على ذلك عقد المقاولة من الباطن ، وجوب أن يتم التسليم مرة واحدة ، حتى ولو كانت للأعمال تقبل التجزئة أو الانقسام بطبيعتها فلا يتم التسليم إلا إذا أنجزت كل الأعمال محل المقاولة من الباطن حتى وإن أنجزت الأعمال الفرعية منها ، وعلى ذلك لا يلزم مقاول البناء للأصلي (رب العمل) يدفع مبلغ المقاولة بناء على طلب مقاول البناء من الباطن الذي أنجز بعض الأعمال مما يعتبر جزءا مستقلا من المقاولة .

+ التسليم الجزئي : يتصوره في الأعمال التي تقبل التجزئة إلى مجموعة من المراحل أو الهياكل كما لو انصبت المقاولة على مجموعة من الأعمال المختلفة المستقلة عن بعضها البعض بحيث يمكن تجزئتها و تسليمها مرحلة تلو أخرى أو هيكل بعد آخر حسب ما تم إنجازه مثل أن يتكون هذا العمل من مراحل متعددة كمرحلة وضع الأساسات التي تقوم به شركة متخصصة (من الباطن) في دق الأساسات الخرسنة ثم مرحلة هيكلة الهياكل الخرسانية وتختص بها شركة غير السابقة . شريطة أن ينتفي المانع القانوني أو الاتفاقي عن تجزئة التسليم .
ويمكن استخلاص ذلك من الفصل 755 ق ل ع الذي جاء فيه ” لا يستحق الوفاء بالتمن إلا بعد إنجاز العمل أو الفعل الذي هو محل العقد وإذا حدد هذا أداء الثمن على أساس وحدة زمنية أو جزء من العمل يستحق الوفاء بعد انجاز كل وحدة من العمل ” فهنا الثمن يكون محددا بسعر الوحدة . فإذا تم التسليم كان للمقاول أن يستوفي من للأجر بقدر ما أنجز من العمل ومما تجدر الإشارة إليه أن تسليم للأشغال إذا حصل في فترات متتالية فإن بدى سريان الضمان العشري لم يكن واحد بل يختلف من حالة لأخرى بحسب الوقت الذي حصل فيه تسليم كل واحدة على حدى .

الفقرة الثانية : أثار التسليم :

يضع التسليم حدا للالتزامات العقدية التي تفرض بطبيعتها أن يكون تنفيذها ممتدا في الزمان ، إذ يترتب على تسلم الأعمال والأشغال مجموعة من الأثار القانونية باعتباره فصيلا بين مرحلتين مختلفتين هما مرحلة ما قبل الإنجاز ومرحلة ما بعد الإنجاز حيث يتوجب على المقاول من الباطن أن ينقل حيازة المصنوع إلى المقاول الأصلي وهذا الأخير بدوره إلى رب العمل وفق للمسطرة الجاري بها العمل بما أن للتسليم أثر إعفائي بخصوص العيوب الظاهرة بحيث يضع حدا لها فإن التسليم كذلك اثر ثالثا يتمثل في أنه يفتح باب حساب فهل الضمان وبالتالي فدراسة التسليم ترتكز على ثلاث نقاط .

أولا : التسليم ينقل الحيازة – المصنوع- من المقاول من الباطن إلى المقاول الأصلي إلى رب العمل :

إذا كانت الحيازة المنقولة سند الملكية فإن الحيازة في العقار وحدها لا تكفي لتملكه إلا ذا كانت مصحوبة بأدلة اخرى تعزز المدخل القانوني للحائز ويرجع ذلك إلى أن الحيازة للعقار لها وضع قانوني خاص باعتبارها لا تكون إلا حيازة حكيمة ، ويتمثل ذلك بتمكين مالكه بوضع اليد عليه والانتفاع به والتصرف فيه، أي السيطرة الفعلية على الشيء ، وهنا يجب التمييز بين انتقال الحيازة وانتقال الملكية فإذا كانت الحيازة لا تنتقل إلا بالتسليم فإن الملكية قد تنتقل قبل هذا التاريخ وهذا ما يتحقق إذا كانت المواد المقدمة من قبل رب العمل أما إذا كانت المواد المقدمة من طرف المقاول الأصلي فإن الانتقال الملكية لرب العمل يتزامن مع انتقال الحيازة إليه وبما أن هذه الحيازة عن طريق التسليم تستلزم بالضرورة نقل الحراسة أي أن مخاطر البناء التي تلي التسليم تكون من نصيب رب العمل باعتباره حارسا لها .

ثانيا: التسليم يعفي المقاول من العيوب الظاهرة

يعتبر هذا المبدا من جملة القواعد القارة في باب المسؤولية عن المباني حيث ان الفقه والقضاء يكادان يستقران عليه، ومعلوم أن هذه العيوب لا تكون مشمولة بالضمان بعد تسليم العمل المصنوع للمقاول الأصلي وموافقته هذا الأخير دون تحفظ فإنه يترتب على ذلك إعفاء المقاول من الباطن من المسؤولية عن العيوب التي كانت ظاهرة وقت حصول التسليم ونفس الشيء بالنسبة للمقاول الأصلي تجاه رب العمل حيث إذا تسلم هذا الأخير مصنوعا دون إبداء أي تحفظ عن العيوب الظاهرة فذلك معناه انه قد قبل المصنوع على ما هو عليه وذلك على اعتبار أن رب العمل المقاول أو المقاول من الأصلي قد بذل في فحصه ما يبذله الشخص المعتاد من نفس طائفته ويشترط القضاء الفرنسي لإعمال هذا الأثر أن يكون العيب ظاهرة في سببه وأثره عند السليم إذا كانت أثاره لا تظهر بعد التسليم فلا يعتبر ظاهرا ولا يعفي المقاول من الباطن تجاه المقاول الأصلي وكذا هذا الأخير تجاه رب العمل وحيث يسقط الضمان عن العيوب الظاهرة قياسا على أحكام عقد البيع ، ذلك أن قبول المقاول الأصلي للأعمال المسلمة له من قبل المقاول من الباطن وكذا قبول رب العمل الأصلي للأعمال المسلمة له من طرف المقاول والأصلي بدون تحفظ يعتبر من قبيل النزول عن حقه في الضمان .

وهذا جائز لأن الإعفاء أو الحد من الضمان يعتبر باطلا إذا كان سابقا على تحقيق سبيه وحسب الفصل 769 من قانون الالتزامات والعقود المغربي ” أن المقاول من الباطن لا يضمن التهدم والعيوب الظاهرة إلا في حدود القواعد العامة لأحكام عقد المقاولة “.
وذلك انه إذا حدث وتهدم أو ظهرت عيوب في مدة الضمان رجع رب العمل على المقاول الأصلي بدعوى المسؤولية وشروطها طبقا لأحكام عقد المقاولة .
وللمقاول الأصلي الرجوع على المقاول من الباطن طبقا للقواعد العامة للمسؤولية العامة .

ثالثا: التسليم كمنطلق لحساب مهل الضمان :

للتسليم اثر قانوني إجرائي يتمثل في أنـه منطلق لحسـاب مهل الضمـان – الضمان العشري- ضمان إتمام العمل على الوجه الأكمل ” . وقد ع ل م ينمي سوى على الضمان الأول في الفصل 769/ق ل ع المغربي الذي ورد فيها ” تبدأ مدة العشر سنوات من يوم تسلم المصنوع ” ولا تسري هذه المادة على ما قد يكون للمقاول من حق الرجوع على المقاولين من الباطن ومعنى ذلك أن التزامات المقاول من الباطن نحو المقاول الأصلي، يبقى المقاول الأصلي مسؤولا عنها نحو رب العمل ولا يكون المقاول من الباطن مسؤول مباشرة أمام رب العمل، حيث إذا أخل المقاول من الباطن بالتزامه بضمان العيوب الخفية كان مسؤولا عن هذا العيب نحو المقاول الأصلي وهذا الأخير يبقى مسؤول نحو رب العمل ومسؤولية المقاول من الباطن يعمل مستقلا عن المقاول وللأصلي ولا يعتبر تابع له ، إنما هي مسؤولية عقدية تنشأ عن عقد الإيجار للأصلي وتقوم على افتراض أن كل الأعمال التي تصدر من المقاول من الباطن تعتبر بالنسبة لرب العمل أعمال صادرة عن المقاوم الأصلي وعلى هذا التكييف ينتهي التزام المقاول من الباطن بمجرد ان يتسلم المقاول الأصلي للأعمال بعد فحصها والكشف عنها .
ولهذا فالتسليم بداية لحساب مهل الضمان هذا ما سنراه وسنرجي الإجابة عنه في النقطة الموالية ( المطلب الثاني ) .

المطلب الثاني : الالتزام بالضمان العشري :

-لاشك أن العلاقة بين صاحب البناء الأصلي والمقاول من الباطن علاقة غير مباشرة ، أي لا تربطهم علاقة تعاقدية ، وبالتالي فإن مسؤولية مقاول البناء من الباطن اتجاه رب العمل ليست مسؤولية عقدية ، ولكنها مسؤولية تقصيرية إذا ما لحق رب العمل ضرر إذ يستطيع أن يرجع عليه بدعوى غير مباشرة ، على اعتبار أن المقاول من الباطن مدينا للمقاول الأصلي والذي يعتبر مدنيا بدوره لرب العمل بمقتضى عقد المقاولة . على عكس علاقة صاحب البناء ( رب العمل) بمقاول للأصلي فهي علاقة مباشرة تنبني على أساس مسؤولية عقدية يتحمل بمقتضاها المقاول للأصلي تجاه رب العمل مسؤولية خاصة تسمى المسؤولية العشرية حيث نص عليها المشرع المغربي في الفصل 769 ق ل ع ” المهندس المعماري والمقاول المكلفان مباشرة من رب العمل يتحملان المسؤولية إذا حدث خلال 10 سنوات التالية للإثمام البناء أو غيره من الأعمال التي نفذها أو أشرف على تنفيذها …. “.

ونص عليها كذلك المدني المصري في الفصل 651 ـ والمشرع الفرنسي في المادة 1792 جاء فيها ” المهندس المعماري والمقاول ومسؤولين عن … خلال عشر سنوات ” وحسب المادة 1792 نلاحظ أن المشرع الفرنسي أخضع المسؤولية العشرية لجميع مؤاجري العمل سواء كانوا المهندسين معماريين أو لا مقاولين أو غير مقاولين أيا كانت صفاتهم ، ما داموا باشروا المهنة ومرتبطين بعقد المقاولة .
فتقدير التشريعات المعاصرة لمدة عشر سنوات المخصصة للضمان ، نرى أنها كافية للاختبار مثانة البناء وصلابته للأداء الغرض الذي أنشئ من أجله رغم ما فيه من خروج عن القاعدة العامة في عقد المقاولة ، والتي تقضي بانتهاء بتمام عملية التسليم دون بداء أي تحفظ إلا أنه خروج اقتضته المصلحة العامة والخاصة.
لهذا سنركز في هذا المطلب على الطبيعة القانونية للضمان وشروط أعماله ( فقرة الأولى ) ثم نتناول دعوى الضمان العشري ( فقرة ثانية )

الفقرة الأولى : الطبيعة القانونية للضمان العشري وشروط أعماله

أولا : الطبيعة القانونية للضمان العشري :

في معرض دراستنا للطبيعة القانونية لمهلة الضمان العشري ، نتساءل بداية عن علاقة ، أو مدى تعلق الضمان العشري بالنظام العام، أ- ومدى تأسيس هذا الضمان على قرينة افتراضه المسؤولية المسؤولية (ب)
.
أ-مدى تعلق الضمان العشري بالنظام العام .

-القاعدة العامة في ميدان العقود وفقا ل ق ل ع المغربي أن الضمان فيها لا يعتبر من النظام العام إلا أن لهذه القاعدة استثناءات يكون للضمان فيها علاقة بالنظام العام بحيث نجد معظم التشريعات المدنية تتفق حول علاقة الضمان العشري بالنظام العام، ومنها ق ل ع المغربي الذي نص على هذه العلاقة في الفصل 772 الذي جاء فيه ” ليبطل كل شرط موضوع إنقاص أو إسقاط ضمان أجير الصنع لعيوب صنعه وعلى الأخص إذا كان قد أخفى هذه العيوب ناشئة في تفريطه الجسيم” وكذا المادة 653 من القانون المدني المصري.

فالغاية من جعل الضمان العشري من النظام العام، يكمن في خطورة المنشآت المعمارية وما تخلفه من مآسي تفاحي في حجمها حوادث السير وحوادث الشغل، إذ أن مخاطر البناء لا تقتصر على رب العمل وحده بل تمتد أيضا إلى الغير الذي لم يكن طرفا في عقد المقاولة (الجيران المارة ) بالرغم من الخلاف الحاصل حول المصلحة المقصودة في المادة 1792 من القانون المدني الفرنسي والتي تقابل نص الفصل 769 ق ل ع فيما إذا كانت تقتصر على رب العمل وحده أم أنها تشمل مصالح الغير بمعناه الواسع فإن الرأي الراجح يذهب إلى أن مضمون هذا الفصل يستوجب المصلحتين معا، كما أن الغاية من جعل الضمان العشري من النظام العام تتجلى في كون المشرع انتبه إلى خطورة التفاوت المعرفي في ميدان تشيد البناءات الموجودة فقرر بطلان كل شرط يقصد به إعفاء المقاول من الضمانات أو يخفف أو يحد أو يضيق من نطاقه وكذلك كل اتفاق يقصر الضمان على أحد دون الآخر من ذلك المادة 1792 من القانون المدني الفرنسي تنص :” كل شرط في العقد يكون موضوعه استبعاد أو تحديد المسؤولية المنصوص عليها في المواد 1712 للفقرة 1 – 2 … كأن لم يكن ” وليس هناك ما يمنع الأطراف المتعاقدة من الاتفاق بتشديد الضمان العشري باعتباره لا يؤثر في الغاية التي أدرج من أجلها ومن الأمثلة على ذلك الاتفاق على زيادة مدة الضمان للأكثر من عشر سنوات ان يشمل الضمان العيوب الظاهرة …. إلا أنه من الناحية الواقعية والعملية تعتبر هذه الإشراطات منعدمة في ميدان البناءات المنجزة لصالح الخواص نظرا لعجز رب العمل عن فرضها بسبب ضعف مركزه الإقتصادي عكس القطاع العام الذي يشهد هذا النوع من الاشتراطات لأن الإدارة تملك من الإمكانيات ما يؤهلها لذلك .

ب-تأسيس الضمان العشري على قرينة افتراض المسؤولية ..

أمام خطورة المسؤولية الحرفية للمعمارين، فإن معظم التشريعات بما في ذلك ق ل ع المغربي قد أسست هذه المسؤولية على افتراض الخطأ في جانب هؤلاء المحترفين إذا حصل التهدم أو التعيب بفعل أحد الأسباب المشار إليها في الفصل 769 ق ل ع المغربي أو ما يقابله من التقنينات الأخرى ، الأمر الذي يعني أن التزامات المقاول والمهندس المعماري في إطار الضمان العشري هو التزام بتحقيق نتيجة وليس ببدل عناية، وأن الإخلال به يقوم بمجرد اثبات عدم تحقيق تلك النتيجة دون حاجة الإثبات خطا ما . لذلك فإننا سنحاول عرض هذه الفقرة في نقطتين قصد الوقوف على موقف كل من المشرع القضاء المغربي (1) ونظيره الفرنسي (2) من أساس الضمان العشري .

(1) موقف المشرع والقضاء المغربي من أساس الضمان العشري :

المشرع المغربي لم يتطرق لمسألة تميز الالتزامات بنتيجة والالتزامات ببدل غاية كما هو الشأن لبعض التشريعات المعاصرة ، أي أن الأصل في هذه الالتزامات هو تحقيق غاية معينة ، وهذا ما نستخلصه من قراءة مضمون الفصل 769 “ق ل ع ” فهذا النص يتضمن قرينة مقتضاها أن مجرد حصول التهدم أو الانهيار بسبب نقص المواد أو عيب في طريقة البناء أو الأرض … يعد دليلا على قيام الخطأ ولا يتأتى دفع هذه القرينة إلا بإثبات السبب الأجنبي أو الخطأ رب العمل وافتراض المسؤولية والخطأ في جانب هؤلاء المحترفين يرجع سببه إلى تعاقده مع فئات غير فنية وغير ملمة بأصول الحرفة ، وبالتالي أية محاولة لتبرأته (المقاول ، المهندس ) بدعوى عدم ثبوت الخطأ بعد واقعة تهدم العقار أو على وشك الانهيار تعتبر دعوى عديمة بالنسبة للقضاء المغربي، وذهبت محكمة استئناف الرباط في أحد القرارات القديمة الصادرة بتاريخ 29/7/1924 إلى التميز بين نوعين من الالتزامات :
الالتزامات المستخلصة من الفصل 769 ق ل ع المغربي ، حيث يتعين على المقاول والمهندس تحقيق الغاية التي أنشئ من أجلها عقد المقاولة رغم أن الحكم صدر في حق المهندس فإنه يمكن تطبيق مقتضياته على المقاول، وهناك التزمات خارج عن نطاق الفصل 769 ق ل ع ، الملقاة على عاتق المهندس استنادا إلى الواجب العام اتجاه العمل ويدخل ضمن هذه الالتزامات كافة الوجبات المهنية وغيرها .

2-موقف المشرع والقضاء الفرنسي من أساس الضمان العشري :

عرف الفقه والقضاء الفرنسي مجموعة من الاختلافات في مسألة التميز بين الالتزام بنتيجة الالتزام بعناية في ميدان البناء والسبب في ذلك يعود للتداخل بين مهام كل من المقاول والمهندس ، وأول إشارة لقرينة افتراض الخطأ في جانب هؤلاء المحترفين كانت في المادة 1792 من مدونة نابليون الصادرة سنة 1804رجاء فيها ” المقاولون المهندسون والمعماريون يكونون مسؤولين خلال عشر سنوات الإتمام البناء المتعاقد عليه بثمن جزافي متى كان التهدم ناتجا عن عيب في الأرض أو في البناء، سواء كان التهدم كليا أو جزئيا” غير أن شرط الثمن الجزافي أثار مجموعة من الاختلافات الفقهية ، لأن التعاقد وفقا لهذه الطريقة لا ينطبق في الأصل سوى على المقاول اما المهندس فإنه يتعاقد في معظم الحالات على ثمن محدد في شكل أتعاب، وهذه الاختلافات عجلت بالمشرع الفرنسي للتعديل المادة السابقة بمقتضى قانون 1978 /1/4 الذي ألغى شرط الثمن الجزافي كعنصر أساسي للأعمال قرينة افتراض الخطأ ، وجعلها شاملة للصفقات الجزافية والغير الجزافية وهذا التمديد أصبح يمس أشخاص أخرين غير المهندس المعماري والمقاول ) كبائع العقار المورد المنعش العقاري”
ومن بين القرارات القضائية الصادرة بخصوص قرينة افتراض المسؤولية حيث ذهبت في أحد القرارات المشهورة إلى إلزام رب العمل بإثبات خطأ المقاول لكون هذا الأخير تعاقد على أساس الوحدة ) Marhe au Metre) كما ذهبت في أحد القرارات الأخرى إلى استبعاد هذه القرينة في حق المهندس إذ نقضت الحكم الصادر عن محكمة ” جرونوبل” . مبررة قرارها بأن المهندس لم يتعاقد بطريقة جزافية مع رب العمل وبالتالي فلا مجال لتطبيق القرينة المنصوص عليها في المادة 1792 نظرا لتخلف شرط الثمن الجزافي إلا أن هذه التفرقة تنحى عنها المشرع الفرنسي حيث أصبح كل من المهندس والمقاول ملزمين بتحقيق الغاية الأمر الذي يعني أن المسؤولية التي يتحملانها اتجاه رب العمل تقوم على افتراض الخطأ في حالة حصول التهدم أو التعيب داخل المهلة المخصصة للضمان بعد فترة التسليم حيث أقرت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 19/03/1986 بأن المهندس والمقاول يتحملان بالتزام تحقيق نتيجة وهي تشيد بناء خال من العيون التي من شأنها أن تؤتر على صلاحيته لما أعد له .

ثانيا : شروط إعمال الضمان العشري

لتطبيق أحكام الضمان العشري لزم توفر مجموعة من الشروط الأساسية المتمثلة في ضرورة تشييد البناء أو غيره من الأعمال الأخرى ” من طرف المقاول ثم أن يتعرض هذا البناء للتهدم أو التعيب بسبب أحد الأسباب المنصوص عليها في الفصل 769 ق ل ع (ب)وأخيرا أن يقع هذا التعيب أو التهدم خلال فترة عشر سنوات المقررة للضمان (ح) .

أ‌- أن يتعلق الأمر بتشييد البناء أو غيره من الأعمال الأخرى .

طبقا لمقتضيات الفصل 769 ق ل ع المغربي نرى أن المشرع ربط استحقاق الضمان العشري بضرورة وجود بناء أو غيره من الأعمال الأخرى ” التي نفدها المقاول أو أشرف عليها المهندس المعماري .

البناء هو كل ما شيده يد الإنسان ليتصل بالأرض اتصال قرار . وسواء كان مشيدا بالطوب أو الحجارة أو من الخشب وسواء كان معدا للسكن أو لممارسة أعمال أخرى “محل بيع البضائع مثلا “…
الأعمال الأخرى – تشمل كل الأشغال التي ينجزها المقاول بمفرده أو بمعية المهندس( كالأبار) ،(تركيب المصاعد) يدخل في ذلك أيضا العقارات بالتخصيص .
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي الذي حصر الضمان العشري على المنشآت ” L edifice ” ذات الأهمية الكبرى ” Les gros ouvrages ” لكن استجابة منه للتطور العمراني وتعقد العمليات المعمارية وضع حدا لهذه التفرقة واستبدال لفظ ” L édific ” بلفظ ” Ouvrages” ليشمل المنشآت الكبيرة والصغيرة .

ب‌- حصول التهدم أو التعيب يفعل أحد الأسباب المنصوص عليها في 769 ق ل ع .

الهدم لغة من باب ضرب (فانهدم ) وتهدم وهدموا بيوتهم وتهدم البناء أي تفككه وانفصاله عن الأرض كليا أو جزئيا متى كان ذلك خارج عن إرادة الإنسان المباشرة ، إذ لو انصرفت الإرادة إلى تحقيق هذه النتيجة فإننا نكون أمام واقعة الهدم وليس التهدم ، وهذا الأخير قد لا يكون بسبب عيب في عملية التشييد والبناء وإنما بأحد العوامل والأسباب المشار إليها في نص الفصل 769 ق ل ع ، وهي نقص المواد وعيب في طريقة البناء ، عيب في الأرض مما يعني أن كل تهدم خارج نطاق الأسباب التقليدية ،الثلاثة المذكورة كالحريف اهتزاز أرضي ….) لا يستوجب الضمان العشري وإنما يستلزم إقامة دعوى وفقا للقواعد المسؤولية العقدية . وبما أن هذا القيد يشكل عائق أمام الطرف الضعيف مما حمل أغلب التشريعات إلى التلطيف منه أو إلغائه من ذلك مثلا : المشرع المصري في المادة (651) المشرع الجزائري ( 554) حيث اعتدا بسبب واحد هو عيب الأرض ، أما المشرعان الفرنسي والتونسي فقد استغنا عن المعيار التقليدي واستبداله بمعيار أكثر ديناميكية وهو معيار الضرر الذي يستوعب كل الحالات .

بالرجوع للمادة 769 ق ل ع فالضمان العشري لا يقتصر على البنايات والأعمال التي تهدمت وإنما يشمل تلك المهددة بالخطر حيث سوى المشرع بينهما في الحكم وهذه بعض القرارات القضائية التي طبقت هذه الفقرة من الفصل أعلاه “….. أو هدده خطر بالانهيار بسبب نقص المواد أو عيب في الأرض أو عيب في طريقة الإنشاء ” .
– محكمة سلا الرباط ، 1930 /7/23 فسرت الخطر بالانهيار بأنه كل خلل أو اعوجاج من شأنه أن يؤثر على صلابة البناء وقد يتسبب في انهياره مستقبلا وهكذا فالمحكمة قررت مساءلة مشيدي البناء بسبب ميلان وتصدع هذا الأخير نتيجة عيب في الأرض ،( الفيلا)
-محكمة الصلح مكناس 1938 /10/11 اعتبرت الخطر الذي يهدد البناء بالانهيار في كل الحالات التي يكون فيها البناء معرض للخطر بسبب عدم تنفيذ بعض الأشغال الضرورية متى كان ذلك يهدد صلابة البناء أو الغرض الذي أنشأ من أجله .
المجلس الأعلى : فسر الخطر الذي يهدد البناء بالانهيار بأنه يتمثل في العيوب التي تعتري البناء متى كانت على قدر من الجسامة بحيث تجعله أيل للسقوط أو غير صالح لما أعد له وهكذا جاء في القرار ” … لكن حيث ان قضاة الاستئناف لما تتبتوا من أن العيوب قد أدت إلى وجود خطر بالانهيار فإن الفصل 769 ق ل ع الذي لا تتفق مقتضاية الخاصة مع مقتضيات المادة 553 هو وحده القابل للتطبيق في النازلة ” . ولا يشترط أن يكون خطر التهدم متحققا وداهما أو وشيك الوقوع بل يكفي أن يثبت قاضي الموضوع أن الخلل أو العيب المكتشف في البناء قد بلغ حدا من الجسامة تجعله يعرض مثانة البناء أو سلامته للخطر .
وسواء كان العيب في المواد المستعملة في البناء أو في أصول الصنعة أو في الأرض فإنه يجب أن يتوفر فيه شرطان :
*شرط خفاء العيب : يشترط لتحقق الضمان المنصوص عليه في المادة 749 ق ل ع أن يكون العيب خفيا بحيث لا يكون في استطاعة رب العمل اكتشافه وقت التسلم أما إذا كان ظاهرا ومعروفا فلا يساءل عنه المقاول ما دام رب العمل قد تسلم البناء من غير تحفظ بحق له . عكس المقاول من الباطن لا يضمن العيب إلا إذا كان قذيما وسابقا على التسليم ، أي أن مصدره راجع إلى فترة إقامة البناء ولا يلتزم بالضمان للعيب الخفي إذا نشأ بعد التسليم.
لا شك أنه إذا كانت عيوب العمل ظاهرة وقت قبوله بحيث أنه كان في استطاعة رب العمل أو من أنابه أن يكتشفها لو بذل في فحص العمل ما يبذله الشخص المعتاد .
*شرط خطورة العيب : Cravite de vice” يجب أن يكون من شأن العيب تهديد مثانة البناء وسلامته ويصعب حصر العيوب التي يتوفر عليها هذا الوصف نظرا لتعقد وتداخل العمليات المعمارية في العصر الحديث. لهذا نرى ترك الأمر لقاضي الموضوع ليقدر طبيعة العيب مستعينا بأهل الخبرة . ويجب ألا يقتصر الأمر على العيوب التي تهدد البناء بل يجب أن يمتد الضمان للعيوب التي تهدد حفظ البناء .مثل العيوب التي تظهر في توصيلات المياه والصرف ولا يشرط بطبيعة الحال أن يهدد العيب البناء بأكمله بل يكفي أن يقتصر الأمر على جزء منه، ويمد القضاء الفرنسي الضمان العشري إلى العيوب التي من شأنها أن تجعل البناء غير صالح للغاية التي أعد من أجلها .
أما ما عدا ذلك من العيوب فلا تدخل في دائرة الضمان كتلك التي تتعلق بدهان الأبواب وأعمال الزينة ، دهان النوافذ، فتسري في شأنها القواعد العامة.
الأمر الذي يقلص من نطاق الضمان العشري على اعتبار أنه لم يكون العيب مؤثرا إلى حد الجسامة والخطورة على البناء فإنه لا يسري عليه الضمان الخاص وإنما يخضع للقواعد العامة لضمان العيوب الخفية المنصوص عليها في عقد البيع ، هذا ما نستخلصه من الفصل 767 ق ل ع الذي يحيل بخصوص هذه العيوب على الفصول 549-553-556 ق ل ع وهي تتعلق كلها بضمان العيوب الخفية في عقد البيع .

ج-حصول التهدم داخل مهلة الضمان العشري :

-الإعمال مقتضيات الضمان العشري يجب أن يحصل التهدم في مدة معينة ،إذا انقضت ولم يكن سبب الضمان قائم ولم يكن هناك محل للرجوع بالضمان فيشترط إذن لإعمال هذه المسؤولية إن يحدث الضرر خلال عشر سنوات تبتدأ من وقت قبول العمل وذلك ما نصت عليه الفقرة الثانية في الفصل 769 ق ل ع جاء فيها “…. تبدأ مدة عشر سنوات من يوم تسلم المصنوع … ” أي الوقت الذي تبتت فيه الحيازة المادية للعقار وهذا يعني أن الحيازة في حد ذاتها لم تكن مقرونة بالتسلم والقانوني الأشغال فإنها لا تنتج نفس الأثر ، والمقصود هنا التسلم النهائي لا المؤقت لأن هذا الأخير ما هو إلا حيازة ما دية بناء قد يواكبها التسلم النهائي مباشرة وقد يعقبها .أما الوضع في القانون الفرنسي فإننا نجد المادة 111 الفقرة 24 من قانون البناء والسكن المعدلة بمقتضى مرسوم 22/2/1967 تجعل من التسلم منطلقا لحساب هذه المدة ولا يعتد بالتسلم من الناحية القانونية إلا إذا كان مسبوقا بتحفظات رب العمل لكن جاء قانون 4/1/1978 ليعدل الوضع وبالتالي أصبح تاريخ بداية مدة الضمان من وقت حصول التهدم سواء كان مسبوقا بتحفظ أو لا من قبل رب العمل . وهو نفـس النهج الذي اعتمدته المحاكـم المغربية وهي بصدد تفسير نص الفصل 769 ق ل ع وهكذا دهبت في قرار لها بتاريـخ 1930 /7/23 إلى القول بأن الضمان الخمسي وفقا للفصل 769 ق ل ع تسري مدته من تايخ التسلم النهائي لأشغال البناء ” إن المحكمة قبلت دعوى رب العمل عند ما تين لها أنها رفعت داخل مهلة الضمان الخمسي . الذي تسري مدته من تاريخ التسلم النهائي وليس المؤقت وبذلك رفضت طلب المقاول الذي نتج بسقوط دعوى رب العمل لكونها رفعت خارج الأجل القانوني .

الفقرة الثانية : دعوى الضمان :

تثبت مسؤولية المقاول اتجاه رب العمل عندما يكون البناء في طور الإنجاز وقد تتحقق كذلك هذه المسؤولية في الفترة الموالية للتسليم عندما يكون البناء بين يدي رب العمل وهو ما يعرف بالضمان العشري.
فدعوى الضمان العشري التي ورد النص عليها في الفصل 769 ق ل ع بالرغم من أن التقنيات المعاصرة تميل إلى تشديد هذا النوع من الضمان وبتوسيع نطاق الأشخاص الملزمين بتحمله، وكذا الأضرار المشمولة به، إلا أنه في المغرب لا يزال مقصورا على الأشخاص التقليديين ” المقاول والمهندس” ولا تتعدى الأضرار المغطات ” التهدم أو التهديد بالتهدم ” لذلك سنحاول تحديد الجهة المختصة بالنظر في هذه الدعوى ( أولا ) ثم تحديد النطاق الشخصي لهذه الدعوى ( أطراف الدعوى ثانيا) ونتناول أخيرا المهلة التي يتعين فيها على رب العمل إقامة الدعوى ( ثالثا ) .

أولا : الجهة المختصة بالنظر في دعوى الضمان العشري :

خروجا عن القاعدة العامة في ميدان الاختصاص المحلي، وكما هو معلوم فهو ليس من النظام (أن يكون الدفع ) لمن له مصلحة في دلك شرط أن يتم قبل المرافعة في جوهر القضية ، حيث تكون محكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه هي المختصة للنظر في الدعوى المقامة من طرف المدعي ( الفصل 27من المسطرة المدنية ) فإن دعوى الضمان العشري التي تعتبر جزء لا يتجزأ من دعاوي الإجارة على الصنع، حيث لا تنطبق عليها مقتضيات القاعدة العامة السابقة وإنما هي تدخل ضمن الاستثناءات الواردة في الفصل 28 م م ) الذي جاء فيه ما يلي :
” داعاوي التجهيز والأشغال والكراء وإجارة الخدمة أو العمل أمام محكمة محل تعاقده أو تنفيذ العقد إذا كان هو موطن أحد الأطراف وإلا فأمام محكمة موطن المدعى عليه ” باعتبار المحكمة الابتدائية لها الولاية العامة للنظر في جميع الدعاوى سواء المدنية منها أوالتجارية، إدارية ،جنحية ، فإن دعوى الضمان العشري تكون من اختصاصها أيضا وفقا لما قضى به الفصل 18 من قانون المسطرة المدنية الجديد ما لم يوجد نص يخالف ذلك الفصل السابق ” .
وبما أن دعوى الضمان العشري ما هي إلا جزء لا يتجزأ من دعوى المسؤولية المدنية إلا أنه لا يمنع أن تكون تابعة لدعوى جنائية وفي هذه الحالة يتعين التقيد بما يلي :

1-صــاحب المصلحة في دعوى الضمان العشري له الخيار بين رفع الدعوى الضمان إلى محكمة زجرية أثناء تحريك الدعوى العمومية وهنا تكتسي القضية صبغة الدعوى المدنية التابعة الفصل 9 من ق.م.ج أو رفعها إلى القضاء المدني بصورة منفصلة عن الدعوى العمومية الفصل 10 من ق م ج المغربي .
2- الحالة التي تكون فيها دعوى الضمان العشري تابعة لدعوى زجرية فإن المحكمة تطبق بشأنها قواعد المسطرة الجنائية : مثال قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 15/4/ 1977 جاء فيه ” الدعوى المدنية المعروضة على محكمة زجرية بحكم تبعيتها لدعوى عمومية لا تخضع إلا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية دون سواها .
3-عملا بالمبدأ القائل بأن الجنائي يعقل المدني فإنه يتعين على المحكمة المدينة أن ترجئ البث في دعوى الضمان العشري إلى أن يتم إصدار الحكم في الجانب الجنائي .

ثانيا : أطراف دعوى الضمان العشري :

سوف نتناول في هذه النقطة الأشخاص الدين لهم حق الاستفادة من دعوى الضمان (أ) ثم الأشخاص الملزمين به ( المدعى عليهم ) (ب) .

أ‌- من له الحق في رفع دعوى الضمان العشري :

الالتزام بالضمان الذي تقرره المادة 769 ق ل ع على المهندس والمقاول مقرر لصالح رب العمل المتعاقد معهما سواء أبرم العقد بنفسه أو بواسطة ممثله فإن دعوى الضمان يمكن ممارستها من قبله وعن طريق نائبه وليس هناك ما يمنع قانونا أن يكون رب العمل من الأشخاص الاعتبارين ( شركة، وزارة، هيئة … ) . ما دامت دعوى الضمان العشري تعد في الأصل من الحقوق اللصيقة بالعقار وليس بشخص رب العمل، مما يعني إمكانية انتقالها إلى الورثة في حالة وفاة مورتهم وذلك لانتقال العقار عن طريق الإرث ، وأيضا فإنها تنتقل للخلف الخاص لرب العمل في حالة انتقال العقار إليه بالبيع أو غيره من التصرفات الناقلة للملكية “الوصية المقايضة ” لكن قبل انقضاء مدة عشر سنوات التي يقوم خلالها الضمان يجوز للمشتري أن يرجع على بائعه بضمان العيب وفي هذه الحالة يكون البائع هو رب العمل أن يرجع بدوره على المهندس والمقاول بالضمان وله أن يدخلهما في دعوى العيب التي رفعها عليه المشتري وير جع الخلف الخاص على المهندس والمقاول حتى ولو لم يكن له الحق في الرجوع بالضمان على الواهب فإنه يرجع بالرغم من ذلك بالضمان على المهندس أو المقاول لأن دعوى الضمان قد انتقلت إلى الموهوب له مع العقار الموهوب بعقد هبة طبقا لنظرية الاستخلاص ” .

وبما أن الضمان يرتبط في الأصل بحق الملكية مما يعني أن الدائن الشخصي لرب العمل لا يحق له رفع دعوى الضمان العشري لكونه ليس خلفا خاصا لرب العمل غير أنه يجوز له رفع دعوى غير مباشرة، هذا بالنسبة للتشريعات التي تجيز ذلك مثل المشرع التونسي والمصري أما قانون ل. ع. المغربي فإنه لم ينص على هذه الدعوى لكن السؤال الذي يطرح كثيرا من له حق رفع دعوى الضمان إذا كان البناء في شكل ملكية الطبقات أو الشقق ؟

-هنا يجب التمييز بين الأجزاء المشتركة المخصصة للاستعمال الجماعي السلالم، الدهاليز ، الأبواب، مرآب السيارات … ) حيث يسهر الاتحاد أو النقابة على رعايتها فإنها تدخل ضمن مهام السنديك أو المدير الذي له رفع دعوى ضد المعماريين أما بالنسبة للأجزاء المقررة التي تدخل ضمن الملكية الخاصة لكل صاحب شقة أو طبقة على حدة له حق رفع الدعوى داخل المدة المحددة لذلك .

ودعوى الضمان العشري تقتصر على المالك أو رب العمل ضد المقاول والمهندس ولا يستطيع ممارستها ضد المقاول من الباطن، نظرا لكونه عادة لا يكون ملما بأصول الحرفة أما المقاول الأصلي والمقاول من الباطن فهما من الناحية الفنية متساويان فليس هناك حاجة لاستحداث مسؤوليته الاستثنائية فيما بينهما . إذ يمكن الاكتفاء بالقواعد العامة الشيء الذي يقضي بانتهاء التزام المقاول من الباطن بمجرد أن يتسلم المقاول الأصلي العمل مع فحصه لها والكشف عما فيها من عيوب ولا يكون المقاول من الباطن مسؤولا إلا بالقدر والمدة التي يقتضيها عرف الحرفة .

ب-الأشخاص المدعى عليهم في دعوى الضمان العشري :

طبقا للنصوص التشريعية المدينة الفصل 769 ق ل ع المغربي 651 من القانون المدني المصري ، فإنها تلقي عبء الضمان على كل من المهندس المعماري والمقاول للأصلي وتكون المسؤولية بينهما بالتضامن إلا أن الأمر تغير مع مرور الزمن ونظرا لتطور العمليات المعمارية وتزايد أعداد المشاركين فيها، لذلك نلاحظ أن الاتجاه التشريعي المعاصر أصبح يبيح لرب العمل بالرجوع على هؤلاء سواء كانوا معماريين أصليين أو شبه معماريين .

أما بالنسبة للمشرع المغربي فإنه لا يزال محافظا على حصر الضمان في الأشخاص التقليديين دون غيرهم، ( مهندس، المقاول ) المادة 749 ق ل ع التي جاء فيها ” المهندس المعماري أو المهندس والمقاول مكلفات مباشرة من رب العمل ….” . وهناك بعض التشريعات لا زالت تقتصر على الأشخاص التقليديين رغم التعديل الذي مس بعض بنود المقاولة من ذلك 651 المصري الجديد 554 من المدني الجزائري الصادر في 1975 عكس المشرع الفرنسي الذي حاول تمديد هذا الضمان ليشمل أشخاص آخرين المرتبطين برب العمل بمقتضى عقد المقاولة ، هذا ما اعتمدته في التعديل3/1/1967 وكذا التعديل الأكثر تفصيلا 4/1/1978 الفصل 1792.

يتبين لنا أن الاتجاه التشريعي الحالي يميل إلى توسيع حلقة الملزمين بتحمل الضمان العشري بحيث أصبح يحق لرب العمل أو من انتقلت إليه الملكية (العقار) أن يرفع دعوى الضمان ضد أشخاص لم يكونوا أطرفا في عقد المقاولة كالصانع ) سواء كان البناء جاهز أو في طور الإنجاز .

ثالثا : تقادم دعوى الضمان العشري :

-طبقا للمادة 769 من ق ل ع فإن دعوى الضمان العشري يلزم رفعها داخل الأجل القانوني المحدد لها ” الفقرة الأخيرة للفصل السابق فنجد المشرع قد حدد هذه المهلة في 30 يوما المولية للتسلم ، وذلك تحت طائلة عدم قبول هذه الدعوى عكس المشرع الفرنسي الذي سوى بين هذه المهلة ( الدعوى) ومهلة الضمان المخصصة لاختبار متانة البناء حيث جعلها 10 سنوات بدءا بتاريخ التسلم عكس التشريعات الأخرى مثل المشرع المصري الذي جعلها 3 سنوات من وقت حصول التهدم أو انكشاف العيب المادة 654 المدني المصري ، أي أنه يقر مدة تقادم دعوى الضمان تختلف عن مدة الضمان ذاته يعني انه إذا حدث التهدم أو العيب في السنة العاشرة فإن رب العمل يستطيع رفع الدعوى خلال 3 سنوات الموالية، عكس المشرع الفرنسي إذ ظهر العيب في الأيام الأخيرة من المهلة العشرية فإن رب العمل لا يحق له رفع الدعوى إلا داخل الفترة المتبقية فحسب .

وإذا كان الأصل لدى المشرع المغربي أن مهلة 30 يوم المخصصة لتقادم الدعوى الضمان العشري لا يجوز للإنقاص منها أو الاتفاق على إسقاطها أعمالا بالفصل 772 من ق ل ع المغربي الذي يجعل قواعد الضمان العشري من النظام العام .
وبالتالي يتعذر الاتفاق على مخالفة هذه القواعد لكن يجوز تمديد مهلة (30) يوما ما دام هذا لا ينافي النظام العام، بالنسبة لمصلحة التقادم المخصصة لدعوى الضمان التي تبدأ من تاريخ ظهور الواقعة الموجبة للضمان فإن القضاء المغربي عرف 3 اتجاهات على الشكل التالي:

+الاتجاه الأول: هو الغالب حيث يجعل من واقعة اكتشاف العيوب الموجبة للضمان منطلقا لسريان مهلة الضمان فهو بذلك يعتد بالعلم الشخصي لرب العمل هذا ما ذهبت إليه محكمة استئناف الرباط” حسب مقتضيات الفصل 769 ق ل ع فإنه يتعين على رب العمل أن يرفع دعواه خلال مهلة 30 يوما الموالية للاكتشاف العيوب أو الاعوجاجات”

الاتجاه الثاني : حيث لا يعتد بالعلم الشخصي لرب العمل وإنما يعتد بالعلم الرسمي ولا يتم ذلك إلا بإيداع تقرير الخبرة للعيب أو السبب الموجب للضمان لدى محكمة مختصة وإخبار رب العمل بنتائج هذه الخبرة وتطبيقا لذلك ذهبت محكمة استئناف الرباط في أحد قراراتها بتاريخ 23/7/1930 ” تبدأ مدة 30 يوما المخصصة لدعوى الضمان العشري في السريان من اليوم الذي يتوصل فيه رب العمل بنتائج الخبرة المؤكدة بالسبب الموجب للضمان .

الاتجاه الثالث: إلا انه ضعيف حاول ربط منطلق هذه المهلة بتاريخ التسليم النهائي لأشغال البناء أو حصول الحيازة المادية للعقار وهذا ما ذهبت ابتدائية الدار البيضاء الحكم الصادر بتاريخ 10/4/1935 جاء فيه ” تبتدأ مهلة 30 يوم المنصوص عليها في المادة 769 ق ل ع من تاريخ حيازة العقار أو تسلمه النهائي”.
لكن هذا الاتجاه الأخير ينافي الصواب ويخالف القاعدة العامة في عقد المقاولة ونلاحظ أن المشرع المغربي أصبح يعتمد بالعلم الرسمي كمنطلق لهذه المدة والتي يحصل بإشعار رب العمل بالنتائج الفعلية التي تؤكد العيب الموجب للضمان وهذا الموقف منطقي وعادل في حد ذاته .
والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد ما إذا كانت هذه المدة للتقادم أم لسقوط الحق بالرغم من الخلط الذي وقعت فيه بعض المحاكم المغربية عندما اعتبرت مهلة 30 يوم لإسقاط الحق في الضمان فإن كل الدلائل تشير أن المدة للتقادم وليست للإسقاط الحق ودليلنا على ذلك ما يلي :
+القاعدة في مهل الإسقاط لا تنقطع ولا تتوقف خلاف لما هو متعارف عليه في مدة التقادم مما يسري عليها الانقطاع التوقف وهنا عدة اجتهادات صادرة عن القضاء المغربي يقر بسريان هذه الأحكام على مهلة 30 يوم الواردة في الفصل 769 ق ل ع منا ذلك مثلا إجازة قطعها بسبب المفاوضات الدائرة بين المقاول والمهندس من جهة ورب العمل من جهة أخرى .
+الأصل في مهل الإسقاط انه لا يجوز الاتفاق على تعديلها بالزيادة أو النقصان، أما مهل التقادم فهي تقبل ذلك حيث نرى أن المحاكم المغربية قد أجازت العقود التي تتضمن شروط تمدد المهلة لأكثر من 30 يوم .
+نلاحظ أيضا أن صيغة المشرع تدل على أن القصد من هذه المدة هو التقادم وليس الإسقاط ويتجلى ذلك في ” يلزم رفع الدعوى … وإلا كانت غير مقبولة ” وبالتالي فالتعبير يفيد التقادم لا الإسقاط .

الفصل الثاني : المسؤولية التقصيرية للمقاول والمقاول من الباطن :

فضلا عن المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن ، قد تثار مسؤوليتهما أيضا في نطاق المسؤولية التقصيرية ، لهذا سنحاول في هذا الفصل أن نناقش هذه المسؤولية في نقطتين

مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن في مواجهة الأغيار (مبحث أول ) ثم نتطرف لمسؤوليتهما في مواجهة رب العمل ( مبحث ثاني )

المبحث الأول : مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن تقصيريا في
مواجهة الأغيار

يمكن الغير أن يكون أجنبيا لا صلة له بعملية البناء ، كما يمكن أن يكون طرفا في هذه العملية أي على صلى بها وبأطرافها إلا أنه قد يأخذ حكم الغير بالنسبة للأضرار التي قد تلحقه ويعوض عنها طبقا لأحكام المسؤولية التقصيرية ، وهذه الأضرار قد تصيب العاملين في مجـال البناء كما قـد تصـيب الأجـانب ( الأغيار) عن هذه العملية كالمارة والجيران .
ولإعمال مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن تقصيريا في مواجهة الأغيار سواء كانوا جيرانا أو مارة، يجب توافر عنصر الخطأ في جانب كل من المقاول والمقاول من الباطن ، هذا الخطأ قد يكون واجب الإثبات من طرف المتضرر من الأغيار ( مطلب أول) وأما مفترضا من جانب المقاول ( مطلب ثان) .

المطلب الأول : المسؤولية المبنية على الخطأ الواجب الإثبات :

للمارة والجيران باعتبارهم أجانب وأغيار عن عمليات البناء الرجوع بالتعويض على المقاول والمهندس، ولكن شريطة إثباتهم في جانب المسؤول خطأ تقوم عليه المسؤولية التقصيرية وليس له الرجوع على رب العمل حيث أن هذا الأخير بدوره يرجع على المقاول والمهندس بدعوى الضمان شريطة حصول التهدم خلال العشر سنوات التالية لتسليم وأن يرفع دعوى الضمان خلال ثلاث سنوات من وقت التهدم .

وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض المصرية بأنه لا يجوز لصاحب بناء اعترى بناء خلل بسبب تقصير المقاول في أعمال البناء المجاور أن يوجه دعواه بالتعويض إلى مالك هذا البناء بمجرد كونه مالكا ، إذ ما دام التقصير قد وقع من المقاول وحده فإن المسؤولية عن ذلك تتعداه .
في الغالب يشمل خطأ المقاول العقدي خطأ تقصيريا أيضا في مواجهة الغير المضرور فالمقاول يخطئ خطأ تقصيريا إذا أهمل في مراقبة أعمال المقاول من الباطن ، أو في فحص المواد المستعملة في البناء إذا كان من شأن هذا الإهمال أو ذاك أن خرج المبنى مشوبا بالعيب الذي أذى إلى الأضرار بالغير، ويشمل هذا الإهمال نفسه إخلال عن جانبه بالتزاماته العقدية في مواجهة رب العمل أيضا .

المطلب الثاني : المسؤولية المبنية على الخطأ المفترض :

تتمثل هذه المسؤولية أساسا في مسؤولية المقاول عن الأخطاء المرتكبة من قبل المقاولين من الباطن في مواجهة الأغيار (فقرة أولى ) وعن خطئه في حراسة البناء ( فقرة ثانية )

الفقرة الأولى : مسؤولية المقاول عن أخطاء مقاوليه من الباطن في مواجهة الأغيار

يرجع الأغيار المضرورين بالتعويض على المقاول الأصلي باعتباره متبوعا عن الأضرار التي تصيبهم من جراء أخطاء ارتكبت من طرف المقاولين من الباطن الدين يستعين بهم في أداء العمل محل المقاولة وخاصة أن معظم البناء والتشيد في العصر الحديث تتم عن طريق مقاولي البناء من الباطن ما دام أن هذه الأخطاء قد تمت منهم حالة تأدية لعملهم أو بسببه .
وإذا كان الفصل 780 من ق ل ع وخاصة في فقرته الثانية قد أجاز للمقاول أن يستعين في تنفيذ العمل في جملته أو جزء منه إلى مقاول من الباطن حيث نص على أن ” …. والمقاولون الفرعيون الذين يستخدهم المقاول الأصلي … ” فالمقاول في هذه الحالة يبقى مسؤولا من الباطن قبل رب العمل الأمر الذي يطرح تساؤلا عما إذا كان المقاول يعتبر مسؤولا عن أخطاء مقاوليه من الباطن باعتبارهم تابعين له ؟
يمكن القول أن الأمر يتوقف على ما يملكه المقاول من سلطة فعلية في الرقابة والإشراف والتوجيه على المقاولين من الباطن في تنفيذهم الأعمال الموكولة إليهم أو بعبارة أوضح مدى توافر علاقة التبعية والخضوع .

ومن التطبيقات القضائية في هذا الإتجاه نجد قرار المحكمة الاستئناف بالرباط رقم 2718 الصادرة بتاريخ 5/5/1945 يقضي بأن المقاول مسؤول عن الأغلاط التي ارتكبها الاختصاصي في الإسمنت الذي أختاره ، التي إلى إلحاق الضرر بالغير .
فغالبا إذا رفعت دعوى المسؤولية المفترضة على شخص معين بسبب عمل غير مشروع وقع من شخص ممن تجب عليه رقابتهم تعين وقوع ذلك العمل أثناء خصوع فاعله لرقابة ذلك الشخص الذي يراد جعله مسؤولا مدنيا عن هذا العمل .

بقي أن نشير في هذا الصدد أن المشرع المغربي مثل نظيره الفرنسي إرتأى أن يفترض هذا الخطأ في جانب المتبوع بقربته قاطعة لا يستطيع معها إثبات العكس بإثبات أنه لم يعمل ولم يخطئ في رقابة تابعيه وتوجيههم ، بل يبقى له فقط التخلص من هذه المسؤولية بإثبات كل ما من شأنه أن ينفي مسؤولية التابع كقوة قاهرة أو حادث فجائي أو خطأ المضرور .

الفقرة الثانية : مسؤولية المقاول والمقاول الباطن المبنية على حراسة البناء .

بالرجوع إلى نص الفصل 89 من ق ل ع المغربي نجد أن المشرع نهج منهج نظيره الفرنسي في المادة 1386 حيث ربط المسؤولية عن الضرر الناجم عن التهدم الكلي أو الجزئي للبناء بملكية هذا الأخير وليس بحراسته .
بقرائتنا الواسعة لنص هذا الفصل ( 89 من ق ل ع) يمكننا القول أن المشرع المغربي توخى من خلال عبارة رعاية البناء أن يمدد المسؤولية لتشمل أيضا حارس البناء خاصة عندما أقر في الفقرة الثانية من نفس الفصل ( 89 من ق ل ع ) على أنه ” التزم شخص غير المالك برعاية البناء إما بمقتضى عقد أو بمقتضى حق انتفاع أو أي حق عيني آخر ، تحمل هذا الشخص المسؤولية ” فالحراسة هنا مرتبطة بالالتزام برعاية البناء بمقتضى عقد بمعنى آخر أن المقاول يسأل عن كل خطأ أدى إلى إلحاق الضرر بالغير ولكن نتساءل عن الوقت الذي تعتبر فيه هذه الحراسة انتقلت من المقاول إلى رب العمل .
بالرجوع إلى الفقه الفرنسي ” نجد أن الآراء اختلفت بشأنه ، فهناك من قال بالتسليم المؤقت وهناك من يفضل بقاء هذه الحراسة على عاتق المقاول إلى حين التسليم النهائي ، لكن يظل الرأي الثاني هو الأرجح ، لان المقاول لا يسأل تقصيريا عن خطأ تسبب فيه المبنى الذي يوجد تحت حراسته ، إلا إذا كانت هذه الحراسة فعلية بحيث عند التسليم المؤقت يصبح مالك البناء أو رب العمل حارسا للجزء الذي تسلمه وفي هذه الحالة يمكن للمالك الرجوع على المقاول بما دفعه من تفويض الغير المتضرر .

أما عن أساس هذه المسؤولية – في ضوء الاتجاه الغالب فقها وقضاء – فيقوم على خطأ مفترض في جانب الحارس المتمثل في إهمال صيانة البناء على الرغم من قدمه أو خطأ في تشييد البناء، أن أكثر من ذلك أنه خطأ مفترض بقرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس كل ما هناك أن الحارس – المقاول – لا يبقى له فقط سوى إثبات أن سببا أجنبيا كان وراء حصول ذلك الضرر كالقوة القاهرة أو حادث فجائي أو خطأ – الغير – المضرور .أما الحالة التي يكون فيما المقاول من الباطن هو حارس البناء فإنه هو المسؤول عن الأضرار التي تصيب الأغيار من جراء التهدم الكلي أو الجزئي ، ولكن تنتهي مسؤوليته بمجرد تسليمه العمل للمقاول الأصلي الذي تؤول إليه مكنات الرقابة والتوجيه والرعاية بمجرد تسلمه العمل من قبل المقاول من الباطن .

استنتاجا مما سبق أن أساس رجوع الأغيار المضرورين على المقاول والمقاول من الباطن قد يكون على أساس مسؤولية حارس البناء المقررة في الفصل 89 من ق ل ع ورجوعه بالتعويض على المقاول الأصلي باعتبار متبوعا ومسؤولا عن أخطاء مقاوليه من الباطن .

المبحث الثاني : مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن تقصيريا في
مواجهة رب العمل .

بعد أن تطرقنا للمسؤولية التقصيرية للمقاول والمقاول من الباطن في مواجهة الأغيار سنتطرق في هذا المبحث لمسؤوليتهما في مواجهة رب العمل وذلك في نقطتين :
المسؤولية التقصيرية للمقاول الأصلي في مواجهة رب العمل ( مطلب أول) ثم مسؤولية المقاول من الباطن تقصيريا في مواجهته ( مطلب ثاني ) .
يأخذ رب العمل موضع أو حكم الغير في حالات متعددة بحيث تكون مسؤولية المقاول اتجاهه مسؤولية تقصيرية التي سنناقشها من خلال دراسة حالة مجانية الخدمة المقدمة من طرف المقاول ( فقرة أولى ) وحالة الخطأ التدليسي في جانب المقاول ( فقرة ثانية ) ثم حالة الضرر المدني الذي يصيب رب العمل في شخصه ( فقرة ثالثة ).

الفقرة الأولى : حالة مجانية الخدمة المقدمة من طرف المقاول :

إن إثارة المسؤولية العقدية للمقاول تقتضي وجود عقد مقاولة ما بين هذا الأخير ورب العمل ، كما أن خضوع المقاول لأحكام الضمان العشري يستلزم توافر مجموعة من الشروط.

ويعني ذلك أن الخطأ الذي يرتكبه المقاول في إطار علاقته برب العمل، والذي لا تتوافر فيه أركان وخصائص عقد المقاولة بالمعنى القانوني لا يرتب مسؤولية عقدية ولا ضمانا عشريا حتى ولو اتصل هذا الخطأ بعملية التشيد أو كان هو السبب في العيوب التي اعترت البناء وإنما يمكن أن ترتب مسؤولة المقاول التقصيرية طبقا للقواعد العامة .
فالمشرع المغربي عرف عقد المقاولة أو ما يصطلح عليه بإجارة الصنعة في الفصل 723 من ق ل ع بأنها ” عقد بمقتضاه يلتزم أحد الطرفين بصنع شيء معين في مقابل اجر يلتزم الطرف الأخر بدفعه له ” معتبرا الأجر أحد الأركان الأساسية لهذا العقد الذي يقوم بدونه .

وبناء عليه فإذا كان المقاول قد قدم خدمته لرب العمل مجانا فإن خطأه في هذه الحالة لا يمكن أن يرتب إلا المسؤولية التقصيرية.

وفي دعوة شهيرة تتعلق بمقاول كان قد وضع بالمجان تصميمات لإقامة بناء عمد رب العمل بتنفيذ ها إلى مقاول آخر وتبين بعد ذلك أنها كانت تصميمات معيبة ، بحيث كانت السبب في الخلل الذي اعترى البناء قضت خلالها محكمة النقض الفرنسية مؤيدة في ذلك الحكم الاستثنائي بمسؤولية المقاول تقصيريا في مواجهة رب العمل عن خطئه المتمثل في التصميم ، استنتاجا مما سبق ، أن كل عمل يقدمه المقاول إلى رب العمل بالمجان وترتب عن ذلك عيب في البناء أدى إلى إلحاق الضرر بالغير فإن مسؤوليته في هده الحالة تتجاوز المسؤولية العقدية إلى المسؤولية تقصيرية لتخلف ركن أساسي في عقد المقاولة ( إجارة الصنعة ) وهو الأجر .

الفقرة الثانية : حالة الخطأ التدليسي من جانب المقاول :

قد يرتكب المقاول غشا أو تدليسا في تنفيده للالتزاماته كحالة إخفائه للعيب الموجود في الجنب عن رب العمل سواء عند التسليم أو إخلال مهلة الضمان العشري حتى لا ينكشف هذا العيب إلا بعد انتهاء مدة التقادم يرى بعض الفقه أن التدليس ينشئ على عاتق مرتكبه التزاما جديدا يختلف عن التزام الناشئ عن عقد المقاولة، وفي هذا يقول جوسران ” إن النظام العقدي هو النظام يقوم على الثقة ومن ثم فلا تبقى معه حياة بعد الخيانة من جانب من أقاموه .

واستنادا على ما سبق فمسؤولية المقاول في علاقته برب العمل متى اقترنت بتدليس فهي تتجاوز الإطار التعاقدي الخاضع لأحكام الضمان العشري منه إلى المسؤولية التقصيرية في إطار القواعد العامة .

وخلاف ذلك فقد ذهب مازو ( MAZ EAUD) على أن الغش أو التدليس لا يغير من طبيعة المسؤولية التي تبقى معه مسؤولية عقدية ، وكل ما ترتب عليه إذا تبت هو استبعاد بعض أحكام العقد المقررة أساسا لمصلحة من ارتكب هذا النوع من الخطأ وهذا يعني أنه لم يعد بإمكان المقاول الذي غش رب العمل أودلس عليه أن يغير من التحديد القانوني لمسؤوليته أو بعبارة أخرى أن يغير من التقادم العشري ، أكثر من ذلك يرى ( مازو) أن تسلم الأعمال المصحوب بتدليس لا يبدأ منه سريان المدة العشرية ، فالغرض فيه انه موافقة ضمنية من جانب رب العمل ، حيث إذا كان هذا الأخير مدفوعا على إثر غش أو تدليس ، فإن التسليم نفسه يكون معيبا ومن ثم لا تكون هناك مدة قد بدأت في السريان أصلا .

الفقرة الثالثة: حالة الضرر المدني الذي يصيب رب العمل في شخصه.

في هذا الحالة يمكن تصور الضرر الذي يصيب رب العمل في شخصه في الفترة السابقة على التسليم وإما في الفترة الموالية له، ففي الفترة الأولى الفقه الفرنسي ينكر وبجلاء وجود التزام تبعى بسلامة الذي يصيب رب العمل في شخصه سبب عملية التشديد على قواعد المسؤولية التقصيرية .

وهذه المسؤولية يمكن القول على أنها قد تكون مستندة على خطأ واجب الإثبات من جانب المقاول وقد تكون مفترضة وذلك حسب الأحوال التي يقع فيها المضرور ( رب العمل) .
وفي حكم لمحكمة النقض الفرنسية حيث نصت أن ” الضرر الذي يصيب رب العمل في شخصه لا يمكن أن يكون ناتجا عن إخلال بتنفيذ التزام عقدي ومن تم ينبغي إعمال قواعد المسؤولية التقصيرية عليه ” .
أما في الفترة الثانية ( بعد التسليم) فإن هذا النوع من الضرر يكون على أساس عقد المقاولة نفسه ما دام أن المقاول يلتزم بضمان سلامة رب العمل أو صاحب البناء خلال العشر سنوات التي تلي التسليم بمعنى أن هذا الأخير لا يمكنه أن يتمسك بمحتوى عقد المقاولة في حدود أحكام الضمان العشري .

المطلب الثاني : مسؤولية المقاول من الباطن تقصيريا في مواجهة رب العمل .

إن العلاقة في رب العمل والمقاول من الباطن ليست علاقة عقدية كما هو الحال بالنسبة للمقاول الأصلي ولهذا يعتبر رب العمل بالنسبة للمقاول من الباطن غير ولا تقوم مسؤولية اتجاهه إلا على أساس المسوؤلية التقصيرية المبنية على الخطأ المفترض من جانب المقاول من الباطن.
إذن سنناقش هذه المسؤولية في نقطتين .
مسؤولية المقاول من الباطن تقصيريا في مواجهة رب العمل عن عدم تنفيذ عقد المقاولة من الباطن ( فقرة أولى ) ثم نتطرق لمسؤوليته التقصيرية في مواجهة رب العمل عن الخطأ غير العقدي .

الفقرة الأولى: مسؤولية المقاول من الباطن تقصيريا في مواجهة رب العمل عن تنفيذ عقد المقاولة من الباطن .

يعتبر مقاول البناء من الباطن أجنبيا عن العلاقة التي تربط رب العمل بالمقاول الأصلي ولهذا فليس مسؤولا عن أحكام العقد الأصلي تجاه رب العمل الخاضعة لأحكام الضمان العشري ، ولكن إذا ما أخل بواجبه المتمثل في حقوق رب العمل المتولدة عن العقد الأصلي فإنه يسأل عن هذا الإخلال في نطاق المسؤولية التقصيرية وهنا يجب على رب العمل إثبات الخطأ التقصيري في جانب المقاول من الباطن ، وهذا لا يمنع من قيام رب العمل بالرجوع على المقاول الأصلي على أساس المسؤولية العقدية على اعتبار أن المقاول الأصلي مسؤول عن أعمال مقاوليه من الباطن تجاه رب العمل وهنا ما تمت الإشارة في المادة 771 من القانون المدني المصري في فقرتها الثانية :
فإذا كان هناك تضامن في المسؤولية بين المقاول الأصلي والمهندس المعماري تجاه رب العمل فإنه لا يمكن تصوره في مسؤولية المقاول من الباطن كما لا يمكن أن يكون مقاول البناء من الباطن كفيلا لمقاول البناء الأصلي لأن الكفالة لا تجوز إلا باتفاق رب العمل والمقاول من الباطن ، وفي هذه الحالة نكون أمام علاقة مباشرة بين المقاول من الباطن ورب العمل وبالتالي نكون أمام حالة تعدد المقاولين .
وبناء عليه فمقاول البناء من الباطن لا تكون له علاقة مباشرة برب العمل ، وإنما يسأل عن تنفيذ عقد المقاولة من الباطن تجاه المقاول الأصلي على أساس المسؤولية العقدية ، ولا يسأل من عدم تنفيذ أمام رب العمل لأنه يعتبر عن الغير بالنسبة له .

وإذا كان رب العمل يستند في دعواه المباشرة على المقاول الأصلي والخاضعة لأحكام الضمان العشري لما أشار إليه سابقا فإن دعواه ضد مقاول البناء من الباطن تكون على أساس المسؤولية التقصيرية ، ولذا فعلى رب العمل إثبات ارتكاب المقاول من الباطن لخطأ سبب له ضرر والمتمثل في عدم تنفيذ مقاول البناء الأصلي للالتزاماته نتيجة خطأ المقاول من الباطن وذلك بعدم تنفيذ التزامه تجاه المقاول الأصلي.

إذن فرب العمل يرجع بالتعويض عن الأضرار التي تصيبه من جراء تنفيذ عقد المقاولة من الباطن على المقاول الأصلي لاعتبار الضرر الذي لحقه ناتج عن عدم تنفيذ المقاول الأصلي الالتزاماته وذلك نتيجة خطأ مقاول البناء من الباطن لعدم نتيجة اللالتزاماته تجاه المقاول الأصلي.

الفقرة الثانية : مسؤولية المقاول من الباطن عن الخطأ غير العقدي .

قد يرتكب المقاول من الباطن تجاه رب العمل خطأ بعيدا عن المسؤولية العقدية ومستقلا عن عدم تنفيذ عقد المقاولة من الباطن وترتب عليه إلحاق الضرر برب العمل الأمر الذي يرتب المسؤولية التقصيرية لمقاول البناء من الباطن وذلك كأن تحدث مشاجرة بينهم .
فالأضرار التي تصيب رب العمل والخارجة عن نطاق تنفيذ عقد المقاولة من الباطن قد تحدث قبل تسليم العمل للمقاول الأصلي أو بعده .
فإذا حدث الضرر قبل التسليم فإن مقاول البناء من الباطن يعتبر حارسا للبناء في هذه الحالة باعتباره هو الذي يملك حق الرقابة والتوجيه وبالتالي يحق لرب العمل المضرور في شخصه أن يرجع عليه بالتعويض باعتباره حارسا للبناء بموجب المسؤولية التقصيرية الناجمة عن حراسة البناء وهذا ما ثم استنتاجه من القراءة الواسعة والمستفيضة لنص الفصل 89 من ق ل ع .

كما يحق أيضا لرب العمل المضرور الرجوع على المقاول الأصلي باعتباره رب العمل بالنسبة للمقاول من الباطن شريطة ان يثبت في جانب المقاول من الباطن الخطأ الذي تقوم عليه المسؤولية التقصيرية وفقا للقواعد العامة .

أما إذا حدث الضرر بعد التسليم فتثار المسؤولية التقصيرية لرب العمل وخلفه الخاص ، حيث يرجح بالمسؤولية على مقاول البناء الأصلي باعتباره حارسا للبناء في هذه الحالة ، فالمسؤولية هنا تخضع للقواعد العامة التي تحكم المسؤولية التقصيرية وخاصة أحكام مسؤولية حارس البناء ولا تخضع لأحكام الضمان العشري لأن الخطأ هنا خارج نطاق الالتزام العقدي .

وعليه فلرب العمل الرجوع بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به خارج نطاق عقد المقاولة من الباطن على حارس البناء سواء كان المقاول الأصلي أو المقاول من الباطن. حيث أن الحراسة تؤول إلى المقاول الأصلي بمجرد تسلمه للعمل من قبل المقاول من الباطن ، في حين أن المقاول من الباطن يظل هو المسؤول تقصيريا عن الأضرار التي لحقت برب العمل وفي شخصه قبل التسليم

خـــــاتـــــمـــــة :

بعدما تطرقنا لمسؤولية المقاول والمقاول من الباطن بشقيها العقدية والتقصيرية، نرى نختم بحثنا هذا بأهم الاستنتاجات التي يثيرها، فضلا عن مجموعة من الاقتراحات التي نأمل أن يضعها المشرع المغربي نصب أعينه .
هكذا فقد تبين أن المشرع قد قام بتنظيم الجانب العقدي من هذه المسؤولية عن طريق إدراجها ضمن عقود الإجارة على الصنعة والمحددة في الفصول من 759 إلى 780 من ق ل ع ، اما فيما يخص الضمان فقد لوحظ فراغ تشريعي بشأنه مما يستوجب الإحالة على القواعد المنظمة لضمان العيوب الخفية في عقد البيع.

أما فيما يخص الجانب التقصيري من هذه المسؤولية يمكننا أن نقول بأن المشرع قد نظمها تقريبا في الفصول 77-78-88-89 من ق ل ع نظرا لغياب نصوص خاصة بها بالرغم من الأهمية التي تثيرها مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن فما زال يلاحظ أن الأنظمة القانونية للمقاولات في المغرب تشهد نوعا من الإضطراب وعدم الاستقرار، وذلك راجع بالأساس إلى ما يلي :
1-غياب نصوص خاصة تنظم مهنة المقاولة من اجل البناء مما أدى إلى تفشي الفوضى والاضطراب في هذا القطاع على عكس مهنة الهندسة المعمارية.
2- غياب معايير وضوابط إلزامية موجودة تساعد المقاولات على الاقتداء به حتى يتم تفادي العشوائية في التنفيذ.
3-عدم وجود هيئة وطنية لتصنيف المقاولات والمشروعات التي تزاول النشاط العمراني ، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه امام المنافسة غير الشريفة.
هذه فقط بعض الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من موضوع بحثنا ، والتي تقودنا إلى طرح مجموعة من الاقتراحات كالآتي :

من أبرز الاقتراحات التي يمكن أن نثيرها بهذا الخصوص ما يلي :
*-يتوجب على المشرع المغربي تفريد المقاولات البناء بتشريع خاص تحت اسم عقد المقاولة بدل إجارة الصنعة ومن خلالها التنصيص على العيوب الخفية التي تعتري البناء بمقتضى نصوص خاصة بدل الإحالة على عقد البيع نظرا للاختلاف الواضح بين العقدين .

*-ضرورة توسيع نطاق الضمان العشري من حيث العيوب التي يغطيها هذا الضمان ، ليشمل إلى جانب تلك التي من شأنها تهديد متانة البناء وسلامته ما يمكن أن يوجد في البناء من عيوب تجعله غير صالح للغرض الذي أنشئ من أجله، ولو لم تصل في خطورتها إلى هذا المستوى .

*يجب توسيع حلقة الأشخاص الملزمين بالضمان ، وذلك بتمديد إلى الفئات الأخرى لمهندس الإسمنت والحديد ومهندس الكهرباء والمجزئين العقاريين وصانعي مواد البناء المستعملة في البناء وموردي هذه المواد وبصفة عامة إلىكل من له علاقة بمجال البناء .

*كما يتعين على المشرع أيضا تقرير المسؤولية التضامنية لكافة المتدخلين في عملية البناء، حتى يتأتى للمضرور الرجوع عليهم متى حصل الضرر ولو إن القضاء المغربي قد عهد منذ أمد طويل إلى تفسير سكوت المشرع عن هذه المسؤولية بمثابة إجازة ضمنية لها .

*على المشرع المغربي إعادة النظر مرة أخرى في نص الفصل 769 من ق ل ع ، من خلال تمديد مدة الضمان إلى أكثر من عشر سنوات التي يبدو أنها قصيرة إذا ما نظرنا إليها من زاوية أن البناء خلال هذه المدة لا يزال جديدا ، وبالتالي لا يمكن أن تكشف على عيوب خفية فيه.

*كما يجب أيضا على المشرع تمديد مدة تقادم دعوى الضمان التي حصرها حفظ في ثلاثين يوما بغلاف المشرع المصري الذي حددها في ثلاث سنوات.

*وأخيرا يتعين تنظيم نوع من الرقابة التقنية الفعالة والمسؤولة تكفل الوقاية من تعيب الجنائي خلال إنشائها، ذلك أن العديد من البنايات غير مؤمن عليها ضد مخاطر التهدم وغيرها من الكوارث المرتبطة بالبناء وزلزال الحسيمة الأخير لدليل على انعدام التأمين في المباني المنهارة .

لائــحــة المــراجــع

المراجع العامة :

– عزت عبد القادر المحامي / عقد المقاولة / السنة 2001.
– محمد عزمي البكري / العقود المدنية الصغيرة / م 3 عقد المقاولة/ 2004
– محمد لبيب شنب / شرح أحكام المقاولة في ضوء الفقه والقضاء/ 2004
– رأفت محمد أحمد حماد / المسؤولية المدنية لمقاول البناء من الباطن في القانون
المدني / 1995.
-قانون الالتزامات والعقود المغربي
– فتيحة قرة /أحكام عقد المقاولة / 1992
-مصطفى عبد السيد الجارحي / عقد المقاولة من الباطن / 1988
-عبدالرزاق حسين يس / المسؤولية الخاصة للمهندس المعماري ومقاول البناء/
1987
-محمد عبد الرحيم عنبر / عقد المقاولة دراسة مقارنة / 1977
-عبد الرزاق السنهوري / الوسيط في شرح القانون المدني الجديد / المجلد الأول
ج 7 – 1998
-مأمون الكزبري / نظرية الالتزامات في ضوء ق ل ع/1970
-محمد حسن منصور / المسؤولية المعمارية / 2002.
– عبدالعزيز توفيق / التعليق على قانون الالتزمات والعقود المغربي بقضاء
المجلس الأعلى ومحاكم النقض العربية / 1999
-ناجي ياقوت/ المسؤولية المعمارية/ 1984
– محمد أبي بكر الرازي/ مختار الصحاح / 1989
-سليمان مرقس / الفعل الضار والمسؤولية المدنية / 1985
– محمد الشرقاني/ القانون المدني / 2003.
-محمد شكري سرور / مسؤولية مهندس ومقاولي البناء / 1985

-المراجع الخاصة :

-أطروحة عبدالقادر العرعاري / المسؤولية العقدية للمقاول والمهندس المعماري/
1991
– مجموعة قرارات محكمة الاستئناف بالرباط / المجلد السابع /1945
– مجموعة قرارات محكمة الاستئناف الرباط/المجلد الثالث /1982
المجلات :
-مجلة الملحق القضائي العدد 20 فبراير/1998
-مجلة المحاكم المغربية عدد 90 أكتوبر/2001
– مجلة المحامات عدد 13 /2002

الـفــــــهــــــرس

مقدمة عامة : 2
الفصل الأول : المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن . 6
المبحث الأول :المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن قبل التسليم 6
المطلب الأول : أسباب المسؤولية العقدية 7
الفقرة الأولى: التأخر في التنفيذ 7
الفقرة الثانية : التنفيذ المعيب لأشغال البناء 12
+أولا : مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن عن عيوب مواد البناء 12
+ثانيا : مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن بسبب خطأ في تنفيذ التصميم 14
+ثالثا: عدم مراعاة المقاول والمقاول من الباطن للقواعد الفنية في التنفيذ 16
الفقرة الثالثة : عدم تحقق عنصر السلامة داخل الورش 17
أ-مضمون الالتزام بتحقيق عنصر السلامة داخل الورش 20
ب-الطبيعة القانونية لمسؤولية المقاول والمقاول من الباطن في حالات الإخلال بعنصر السلامة
20
المطلب الثاني : أحكام المسؤولية العقدية . 23
الفقرة الأولى : طبيعة الإخلال ببذل عناية أم بتحقيق نتيجة 24
أولا : إخلال بإنجاز العمل أو التأخر في تنفيذه 26
ثانيا : إخلال بالتزام المحافظة على الأشياء المسلمة إليه 27
الفقرة الثانية : حدوث الضرر 29
الفقرة الثالثة : تقادم المسؤولية 31

أولا : شروط تحقق المسؤولية وفقا للنظرية العامة 32
ثانيا : العيوب الموجبة لتطبيق المسؤولية وفقا للقواعد العامة 34
المبحث الثاني : المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن بعد التسليم 36
المطلب الأول : تسليم الأعمال 37
الفقرة الأولى : الطبيعة القانونية لتسليم الأعمال وأنواعه 37
أولا: الطبيعة القانونية للتسليم 37
أ-التسليم اتفاق منفصل عن عقد المقاولة 39
ب-التسليم مجرد واقعة مادية أو عمل مادي 40
ج-التسليم والتسلم عمل انفرادي من كلا الطرفين 41
ثانيا : التسليم وأنواعه 42
أ-التسليم الصريح والتسليم الضمني
1- التسليم الصريح 4
2- التسليم الضمني 4
ب-التسليم المؤقت والتسليم النهائي 45
1- التسليم المؤقت
2- التسليم النهائي
ج-التسليم الكلي والتسليم الجزئي 46
1-التسليم الكلي 46
2-التسليم الجزئي 46
الفقرة الثانية : أثار التسليم 47
أولا : التسليم ينقل الحيازة – المصنوع – من المقاول من الباطن إلى المقاول الأصلي إلى رب العمل
47
ثانيا : التسليم يعفي المقاول من العيوب الظاهرة 48

ثالثا : التسليم كمنطلق لحساب مهل الضمان 49
المطلب الثاني : الالتزام بالضمان العشري 50
الفقرة الأولى : الطبيعة القانونية للضمان العشري وشروط أعماله 51
أولا : الطبيعة القانونية للضمان العشري 51
أ‌- مدى تعلق الضمان العشري بالنظام العام ب‌-
ت‌- تأسيس الضمان العشري على قرينة افتراض المسؤولية ث‌-
1-موقف المشرع والقضاء المغربي من أساس الضمان العشري 53
2-موقف المشرع والقضاء الفرنسي من أساس الضمان العشري 54
ثانيا : شروط إعمال الضمان العشري 55
أ-أن يتعلق الأمر بتشييد البناء أو غيره من الأعمال الأخرى 55
ب-حصول التهدم والتعيب بفعل أحد الأسباب 56
المنصوص عليها في ق ل ع المغربي
ج-حصول التهدم داخل مهلة الضمان العشري 59
الفقرة الثانية : دعوى الضمان . 60
أولا : الجهة المختصة بالنظر في دعوى الضمان العشري 61

ثانيا : أطراف دعوى الضمان العشري 62
أ-من له الحق في رفع دعوى الضمان العشري 62
ب- الأشخاص المدعى عليهم في دعوى الضمان العشري
ثالثا: تقادم دعوى الضمان العشري 64
الفصل الثاني : المسؤولية التقصيرية للمقاول من الباطن 68
المبحث الأول : مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن تقصيريا في مواجهة الأغيار 68

المطلب الاول : المسؤولية المبنية على الخطأ الواجب الإثبات 68
المطلب الثاني : المسؤولية المبنية على الخطأ المفترض 68
الفقرة الأولى: مسؤولية المقاول من أخطأ مقاوليه من الباطن
في مواجهة الأغيار
الفقرة الثانية : مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن المبنية 71
على حراسة البناء
المبحث الثاني : مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن تقصيريا في مواجهة 72
رب العمل
المطلب الأول : مسؤولية المقاول تقصيريا في مواجهة رب العمل
الفقرة الأولى: حالة مجانية الخدمة المقدمة من طرف المقاول 73
الفقرة الثانية : حالة الخطأ التدليسي من جانب المقاول 74
الفقرة الثالثة: حالة الضرر المدني الذي يصيب رب العمل 75
في شخصه
المطلب الثاني : مسؤولية المقاول من الباطن تقصيريا في مواجهة
رب العمل
الفقرة الأولى : مسؤولية المقاول من الباطن تقصيريا في 76
مواجهة رب العمل عن عدم تنفيذ عقد المقاولة من الباطن
الفقرة الثانية : مسؤولية المقاول من الباطن عن الخطأ غير 77
العقدي .
خاتمة 79
لائحة المراجع 82
الفهرس 84

إغلاق