دراسات قانونية

بحث ودراسة قانونية حول خصوصية مسطرة التقاضي في المادة الجبائية

ذ نجيب البقالي محام بهيئة البيضاء

وباحث بسلك الدكتوراه كلية الحقوق بالمحمدية

إن مسطرة التقاضي في المادة الجبائية تخضع للقواعد العامة المسطرية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، باعتبارها الشريعة العامة لإجراءات التقاضي أمام جميع المحاكم بالمغرب بما فيها المحاكم الإدارية .

من حيث أهلية التقاضي، كيفية تقييد الدعوى والجلسات، إجراءات التحقيق، الأحكام، طرق الطعن، تنفيذ الأحكام، وهو الأمر الذي أكده المشرع في القانون المحدث للمحاكم الإدارية في المادة السابعة منه حيث نص على ما يلي: ” تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك. “

كما أن العمل القضائي للمحاكم الإدارية بجميع درجاته أكد هذا الاختيار في العديد من الأحكام و القرارات .(1)

غير أن القانون المحدث للمحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية، نصا على بعض الخصوصيات من قبيل كون المسطرة أمامهما كتابية، وترفع أمامهما الطلبات بواسطة عرائض موقع

عليها من طرف محام مسجل بجدول إحدى هيآت المحامين بالمغرب، وتتميز بكونها تحقيقية، مع ضرورة احترام الاختصاص النوعي و المحلي للمحاكم الإدارية .

بيد أننا لن نغوص في الحديث عن مسطرة التقاضي وفقا لقانون المسطرة المدنية وقانون المحاكم الإدارية، فيكفي الرجوع إلى الكتب العديدة التي تنازلت هذا الموضوع .

وإنما سنركز على الخصوصيات الإجرائية أو مميزات الاستقلالية المسطرية في المنازعات الضريبية بشكل عام والمنازعات الجبائية في المادة العقارية بشكل خاص .

ونخص على سبيل الذكـر :
مسطرة التبليغ التي تتميز ببعض الخصوصيات كما سبق بيانه في الفقرة الخاصة بها وفقا للمادة 219 من مدونة الضرائب.
ضرورة احترام المرحلة الإدارية أي التظلم الإداري واللجن الضريبية، لكون النزاع الضريبي، نزاع على مراحل، ولا يمكن اللجوء رأسا إلى القضاء إلا في حالات خاصة. (1)
أداء الرسوم القضائية لكون القضاء الإداري استقر على أن النزاع الضريبي يدخل في باب قضاء الشأمل وليس قضاء الإلغاء المعفى من الرسوم .
غير أننا سنركز على إشكالين أثارا عدة نقاشات أمام القضاء الجبائي، أدى الأمر بسبب الجهل بهما إلى التصريح بعدم قبول العديد من الطعون، و بالتالي ضياع حقوق الملزمين لأخطاء مسطرية ونخص بالذكر آجال رفع الدعوى ( الفقرة الأولى ) والصفة والسند القابل للطعن، علاوة على الجهة التي يجب أن توجه ضدها الدعوى (الفقرة الثانية ).

الفقــرة الأولــى : الآجـــال

إذا كان حق اللجوء إلى القضاء الاداري حق مقدس ودستوري، فانه ليس بحق مطلق في أي زمان و لأي سبب، بل إن هذا الحق يجب أن يمارس في إطار الشروط القانونية و المسطرية التي نظمها المشرع أو استقر الإجتهاد القضائي على العمل بها .
وأن الإخلال بأي شرط من هذه الشروط سيكون مآل الطعن الجبائي عدم القبول.
وفي هذا الإطار، فان أجال ممارسة الطعون القضائية تحتل أهمية خاصة، حيث رتب المشرع على عدم احترامها سقوط الحق، وهو ما يعرف في القانون والفقه بآجال السقـوط.
وبالنظر لتعدد المساطر الجبائية فان الآجال تتعدد، وبالتالي على الملزم والمتدخل في الحقل الجبائي معرفتها وضبطها، لكي لا تضيع حقوق الملزمين بالجبائية العقارية.
وعند الرجوع إلى النصوص الجبائية وخاصة المدونة العامة للضرائب ومدونة الجبايات المحلية نجدهما نصا على الآجال التالية لرفع الدعاوى أمام القضاء الإداري :

* أولا-بالنسبة لمسطرة الفرض التلقائي : أجل الثلاثين يوما

نصت المادة 43 من المدونة العامة للضرائب على ما يلي : ” إذا لم يقبل الخاضع للضريبة القرار الصادر عن الإدارة عقب بحث مطالبته، جاز له أن يرفع الأمر إلى المحكمة المختصة داخل أجل الثلاثين يوما الموالية لتاريخ تبليغ القرار المذكور” .
أي أن الملزم إذا تقدم بتظلمه إلى الإدارة الضريبية، وبعد بحث مطالبته أبلغته بقرارها الرافض لطلبه، فانه يحق له رفع النزاع إلى القضاء داخل أجل الثلاثين يوما من تاريخ التوصل.

أما إذا لم تجبه داخل أجل الستة أشهر الموالية لتاريخ المطالبة، جاز له رفع طلبه إلى المحكمة المختصة داخل أجل الثلاثين يوما الموالية لتاريخ انصرام أجل الجواب.
وأن هذا الأجل موحد بالنسبة للضرائب الجبائية العقارية المنصوص عليها المدونة العامة للضرائب أو الجبايات والرسوم العقارية المنصوص عليها في مدونة الجبايات المحلية في المادة 165.

*ثانيا- بالنسبة لمسطرة التصحيح و المراقبة الجبائية : أجل الستين يوما

بالرجوع إلى المادتين 242 من م.ع.ض و 164 من م. ج. ج. م :
نجدهما قد حددا أجل الطعن أمام المحكمة الإدارية المختصة في أجل الستين يوما في الحالات التالية:
تحتسب من تاريخ صدور الأمر بالتحصيل أو قائمة الإيرادات أو الأمر بالاستخلاص فيما يتعلق بالضرائب المفروضة على إثر المقررات الصادرة عن اللجان المحلية لتقدير الضريبة التي أصبحت نهائية، أو اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة.

من تاريخ تبليغ المقرر الصادر عن اللجان المحلية لتقدير الضريبة أو اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة والقاضي بالتصريح بعدم الاختصاص.
من تاريخ تبليغ المقرر الصادر عن اللجان المحلية لتقدير الضريبة الذي أصبح نهائيا أو اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة الذي لم يترتب عنه إصدار جدول تحصيل أو قائمة إيرادات أو أمر بالاستخلاص. ومما تجب الإشارة إليه أن المشرع بصدور كتاب المساطر الجبائية وبعده المدونة العامة للضرائب وكذا مدونة الجبايات المحلية عمل على توحيد الآجال فيما سبق بيانه، حيث في السابق كانت الآجال تتعدد بتعدد الضرائب و الرسوم .

وأن مختلف هذه الآجال هي آجالا كاملة، حيث لا يحتسب اليوم الأول ولا الأخير، و إذا صادف اليوم الأخير عطلة أو عيد تم إرجاع حلول الأجل إلى اليوم الأول من تاريخ بداية العمل. ويعتبر أجل الطعن من النظام العام الذي يتمسك به ويثيره القاضي من تلقاء نفسه وبدون طلب من الأطراف، وعند عدم احترامه فان المحكمة الإدارية تصرح بعدم قبول الطلب. (1) وفي هذا الإطار أصدرت إدارية البيضاء حكما بتاريخ 7/02/1996 جاء فيه : ” وحيث أنه في هذه الحالة تكون الخاضعة للضريبة قد مارست حقها في المطالبة وفق أحكام المادة 47 من قانون 85/30 بفرض الضريبة على القيمة المضافة إلا أن لجوءها إلى رفع القضية إلى المحكمة كان قبل انصرام الأجل الممنوح للإدارة للجواب على مطالبة الخاضعة للضريبة وفق مقتضيات الفقرة الأخيرة من نفس

المادة الشيء الذي يجعل دعواها هاته سابقة لأوانها…” (1)
وفيما يتعلق بأجل الطعن في الضرائب المفروضة على اثر قرار اللجنة الوطنية فان نفس المحكمة أصدرت الحكم التالي القاضي بعدم القبول والذي جاء فيه : ” حيث بمقتضى المادة 47 من قانون الضريبة على القيمة المضافة فان الطعن في الضرائب المفروضة على اثر قرار اللجنة الوطنية يجب أن يتم داخل أجل شهرين من تاريخ وضع الأمر بالتحصيل موضوع التنفيذ، وحيث أن الدعوى لم تقدم إلا بتاريخ 10/10/2000 أي خارج الأجل المنصوص عليه أعلاه الأمر الذي يتعين معه التصريح بعدم قبولها”. (2)

وفي نفس السياق صرحت إدارية فاس على أنه بغض النظر عن مدى صحة باقي الدفوع المقدمة حول إلغاء الضريبة الحضرية وضريبة النظافة و الضريبة العامة على الدخل، فان تقديم الطلب خارج الأجل القانوني كفيل بعدم قبوله، حيث جاء فيه: ” إنه بعد تفحص المحكمة للدفوع المثارة أعلاه تبين لها حقا أن الجهة المدعية قد تقدمت بشكايتها إلى الإدارة الجبائية بتاريخ 11/9/2002، وأنها توصلت بجواب في الموضوع من هذه الأخيرة بتاريخ 29/11/2002، ورغم ذلك لم تتقدم بالطعن أمام هذه المحكمة إلا بتاريخ 16/7/2004، أي خارج الأجل القانوني الشيء الذي يكون معه الدفع المثار بهذا الصدد مرتكز على أساس ويتعين اعتماده ” .(3)

لكن القضاء الإداري وعلى رأسه محكمة النقض حاليا أو المجلس الأعلى سابقا لا يتوانى في التصريح بقبول الدعوى وإلغاء الضريبة المفروضة حيادا عن القانون، إذا تبث له عدم تبليغ مقرر اللجنة أو الضريبة.

ومما جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا ما يلي: “حيث صح ما نعاه المستأنف على الحكم المستأنف، ذلك أنه ليس بالملف ما يفيد تبليغ مقرر الأمر بالفرض إلى المستأنف عليه في تاريخ معين ليبدأ أجل رفع الدعوى ساريا في حقه، وما دام النزاع يتعلق بمشروعية فرض الضريبة فهو غير ملزم بسلوك مسطرة التظلم الإداري التي يجب إتباعها في دعاوى الإلغاء، مما يكون معه الحكم القاضي بغير ذلك مجانبا للصواب وواجب الإلغاء “. (1)

وهذا القرار أكد على أمرين اثنين أساسيين أولهما عدم إلزامية التظلم الإداري عند الاستناد إلى عدم مشروعية الضريبة، ثم ضرورة إثبات الإدارة الضريبية لتبليغ قراراتها إلى الملزمين لفتح أجل الطعن.
وفي نفس السياق أكدت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا بأن أجل الطعن يبقى مفتوحا ما دام العلم بتاريخ وضع الأمر بالتحصيل لم يثبت بأي وسيلة، وألغت حكما ابتدائيا قضى بعدم قبول الطعن لوقوعه خارج الأجل.(2)

و القانون التونسي لا يختلف هو الآخر عن القانون المغربي، حيث نصت المادة 55 من مجلة الحقوق و الإجراءات الجبائية على أن ” ترفع الدعوى ضد مصالح الجباية لدى المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرتها المصلحة الجبائية المتعهدة بالملف في أجل أقصاه ستون يوما من تاريخ تبليغ قرار التوظيف الإجباري للأداء أو من تاريخ الأجل المحدد للرد على مطلب الاسترجاع ” .
واعتبر الفقه التونسي هذا الآجل هو أجل سقوط وليس تقادم، لكون أجل السقوط لا يقبل القطع أو التعليق في حين أن أجل التقادم يقبل ذلك. (3)
والمقرر في قضاء النقض االمصري أن قبول الطعن الضريبي يشترط فيه رفعه داخل الثلاثين يوما من تاريخ الإعلان بالقرار الصادر عن لجنة الطعن، حسب الفقرة الأولى من المادة 123 من قانون الضريبة على الدخل. (1)
لكن محكمة النقض تشترط أن يكون الإعلان بكتاب موصى عليه بعلم الوصول، وإعلان الممول بهذا الطريق، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة إجراء لازم ولا يغني عنه إجراء آخر وبغيره لا ينفتح ميعاد الطعن، والغرض من اشتراط أن يكون الإعلان بكتاب موصى عليه بعلم الوصول إنما هو ضمان وصول الإعلان للممول وأن يكون علم الوصول هو سبيل إثباته عند الإنكار.
بحيث إذا لم يعلن بهذا الطريق الذي رسمه القانون يفترض عدم علمه بالقرار، وعلى العموم فان قضاء النقض الضريبي يقرر أن الطعن في القرار الصادر من لجنة الطعن الضريبية له مواعيده و إجراءاته، وعدم إتباع الإجراءات المنصوص عليها في المادتين 160 و161 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون 107 لسنة 1981, وأثره صيرورته نهائيا غير قابل للطعن فيه.(2)
فإذا كان مآل عدم احترام آجال الطعن أمام القضاء في الجبايات المفروضة على اثر منازعة هو عدم القبول وحرمان الملزم من مناقشة موضوع دعواه، فكيف هو الأمر بالنسبة لمن لم يحترم باقي الشروط الشكلية الأخرى ؟

الفقــرة الثانيــة : السند التنفيذي والجهة التي يجب أن توجه ضدها الدعوى

سنتناول في هذه الفقرة السند التنفيذي القابل للطعن أمام القضاء وكذا الجهة التي يجب أن يوجه الطعن ضدها، خاصة وأن تأسيس الضريبة وتحصيلها يختلف باختلاف نوع الجباية والجهة الإدارية المكلفة بذلك.

أولا – السند التنفيـذي :

أثيرت إشكالية السند الضريبي القابل للطعن، وذلك بمناسبة تقديم العديد من الملزمين لطعونهم ضد الإشعارات التي يتوصلون بها قبل صدور الجدول الضريبي أو السند التنفيذي الذي له تأثير على المركز المالي للملزم، وكذلك الطعن في قرارات اللجان الضريبية قبل صدور الضرائب التكميلية.

قبل الحديث عن السند القابل للطعن، نعيد التذكير بأن المشرع حسم في قابلية مقررات اللجان التي لها صيغة نهائية للطعن أمام القضاء، بعد أن كانت مواقف المحاكم الإدارية متضاربة في هذا الباب إلى أن حسم المجلس الأعلى سابقا في ذلك، تم تلاه المشرع.
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن الجباية العقارية تصدر بناء على سند تنفيذي محدد، فبعد استنفاد المرحلة الإدارية من الحوار بين الملزم والإدارة الضريبية، يصدر الأمر بالتحصيل في جداول أو قوائم منتجات أو أوامر بالاستخلاص حسب نوع الجباية.

و الوثيقة الحاملة للأسماء المذكورة فقط هي التي تجسد عمل الإدارة الضريبية، وبالتالي هي التي تحتمل الطعن فيها سواء من حيث شكلياتها أو مضمونها.(2)
لكون هذه الوثائق هي التي تعتبر سندا تنفيذيا، تحصل الضرائب على إثرها وتصبح واجبة التنفيذ، وبالتالي لها تأثير على وضعية الملزم.
أما باقي الإشعارات و الإعلانات التي يتوصل بها الملزمين فهي لا تعتبر سندات تنفيذية، وإنما تدخل في باب الأعمال التمهيدية الإداريــة .

ونخص بالذكــر :

رسالة التبليغ الأولى و الثانية في مسطرة التصحيح الضريبي، أو الدعوة إلى إيداع أو تتميم الإقرار أو العقد أو دفع المبالغ المحجوزة في مسطرة فرض الضريبة بصورة تلقائية.
جميع هذه الأعمال الإدارية فهي غير قابلة للطعن، لكونها تعتبر جزءا من الإجراءات التمهيدية. وأن الفقه الإداري المغربي مجمع على عدم قبول هذه الأعمال للطعن طالما أنها لا تحدث أثارا قانونية تتمثل في إنشاء مركز قانوني معين، أو تعديل مركز قانوني قائم، أو في إلغاء هذا المركز أو ذاك. و الذي يميز هذه الأعمال التمهيدية عن السند التنفيذي، هو التأثير في المراكز القانونية وخاصة المركز المالي للملزم. (1)

وإذا كان القضاء الإداري في بدايته متدبد على هذا المستوى، حيث أبطل إشعارا بالأداء بالرغم من عدم صدور بيان التصفية، وبالرغم من كون الإشعار لا يعتبر سندا تنفيذيا وإنما عملا تمهيديا من أعمال الادارة الجبائية .
حيث جاء في هذا الحكم الصادر عن إدارية الرباط بتاريخ 17/10/1995 ما يلي: ” إن المطالبة برسوم التسجيل يتم بموجب بيان التصفية يحرره العون المكلف بالتحصيل ويصير أمرا تنفيذيا بالمصادقة عليه من طرف رئيس القسم أو مندوبه طبقا للفصل 51 من مدونة التسجيل و التنبر ولا يرقى الإشعار بالأداء الصادر عن إدارة التسجيل إلى بيان التصفية، مما يتعين بالتالي التصريح بإبطاله “.(2)
فانه فيما بعد، وخاصة مع نضوج تجربة المحاكم الإدارية واشتد عودها فإنها استقرت على عدم قبول الطعن في جميع الأعمال التمهيدية لصدور الضريبة، لانعدام أثارها التنفيذي، ومن ضمن ذلـك قرارا

للمجلس الأعلى سابقا صادر بتاريخ 25/4/2007 جاء فيه ” لكن حيث إنه بالرجوع إلى صورة المراسلة المدلى بها من طرف المستأنف، يتبين أنها تتضمن مجرد إشعار على سبيل الإخبار من مدير الضرائب إلى القابض بشأن اقتراح تخفيض الضريبة بمبلغ 148.624,80 درهم، ولا تقوم هذه المراسلة مقام قرار التخفيض المكسب لصيغة الأمر بالتخفيض فكان بذلك الطلب الرامي إلى الإشهاد على الإدارة بإلغائها للملزم المبلغ المذكور في غياب القرار النهائي بهذا التخفيض سابقا لأوانه وأن الحكم المستأنف لما نحى هذا المنحى كان صائبا وواجب التأييد”.(1)

وفي حكم لإدارية الرباط صادر بتاريخ 19/1/2006، صرحت فيه بعدم قبول الطعن المقدم ضد تقرير المفتش المحقق المكلف بتصحيح الضريبة، لكونه مجرد حلقة من حلقات مسطرة مراجعة وتصحيح الضريبة، وأن الطعن فيه باستقلال عن الطعن في الضريبة التي لم تصدر بعد، غير مقبول لانعدام المصلحة مادام أن التقرير ليس عملا نافذا بحد ذاته.(2)

ثانيا – الجهة التي يجب ان توجه ضدها الدعوى :

من قواعد شروط التقاضي أن توجه الدعوى من ذي صفة ضد ذي صفة، وهي قاعدة لا تتحقق بيسر عندما يتعلق الأمر بمنازعة تكون الدولة طرفا فيها، ذلك أن انشطار هذه الأخيرة إلى عدة مرافق عمومية قد واكبه نوع من التبعيض الذي طال صفتها القانونية في التقاضي.
وإن تفتت المرجعية التشريعية للصفة في مجال المنازعات الخاصة بالدولة و انشقاق الرأي القضائي بشأنها، يحيطان شروط الدعوى الإدارية بإبهامات كثيرة من شانها أن تحد من ممارسة طرفي الخصومة لحقهم في اللجوء إلى القضاء أو في الدفاع .(3)
وإذا كان هذا الأمر ينطبق على المنازعات الإدارية بصفة عامة فهو في المجال الضريبي يظهر بشكل واضح، بالنظر لتعدد المرافق الضريبية ونخص بالذكــر:

وزارة المالية .
الإدارة العامة للضرائب .
الخزينة العامة للمملكة .
إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة .
الجهة.
العمالة أو الإقليم
الجماعات الحضرية والقروية.

علاوة على العون القضائي للمملكة الذي يجب إدخاله في جميع الدعاوى التي تستهدف التصريح بمديونية الدولة أو إدارة عمومية، أو مكتب أو مؤسسة عمومية طبقا للفصل 514 من ق.م.م وكذلك رئيس الحكومة بصفته ممثل الدولة أمام القضاء طبقا للفصل 515 من ق.م.م ورئيس السلطة التنفيذية و الإدارة طبقا للدستور. أضف إلى ذلك المتدخلين في الضرائب على المستوى المحلي: القابض، الخازن الإقليمي…، أمام هذا التعدد المرفقي فان تحديد الطرف التي يتعين إدخاله في الدعوى ليس بالأمر اليسير، ويتعين الإلمام بجميع النصوص الجبائية .

وقد أثبتت الممارسة العملية أن دفاع الملزمين مع الإدارة الجبائية يكون مضطرا إلى تضمين مقاله الافتتاحي أو الإصلاحي، قائمة بأسماء المرافق والسلطات الإدارية التي يوجه ضدها دعواه تحسبا لعدم القبول الذي قد يطال دعواه.
مما يؤدي إلى تعدد الجهات المدعى عليها وتعقد إجراءات التبليغ واحتساب أجل الطعن و المطالبة بالإخراج من الدعوى.

هنا يطرح سؤال ما هي الجهة التي يجب أن توجه ضدها الدعوى المتعلقة بالمنازعة في تأسيس الجباية العقارية ؟
للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من التمييز أولا بين المنازعة في الوعاء و المنازعة في التحصيل.

فالمديرية العامة للضرائب (1) في شخص المدير العام للضرائب تمثل بكيفية صحيحة أمام القضاء، مطالبة كانت أم مطلوبا ضدها، في منازعات الفرض و الوعاء الضريبي، وذلك تبعا للمادة 244 من المدونة العامة للضرائب، بالإضافة إلى المادة 515 من ق.م.م، وكذلك المرسوم رقم 955-07-2 الصادر بتاريخ 23 أكتوبر 2008 بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة المالية والاقتصادية.(2)
أما المنازعة في التحصيل فان الدعوى ترفع ضد الخزينة العامة في شخص الخازن العام طبقا للفصل 515 من ق.م.م، وكذلك نفس المرسوم السابق الإشارة إليه المتعلق باختصاصات وزارة المالية.

وبالتالي عند المنازعة في وعاء الضرائب الرئيسية المنظمة بمقتضى المدونة العامة للضرائب فيكفي توجيه الدعوى ضد المديرية العامة للضرائب في شخص ممثلها القانوني، ولا حاجة لإدخال باقي الأطراف المشار إليهم في أول هذه الفقرة .
وإذا تم إدخال جميع الأطراف إلا المديرية العامة، فان مصير الدعوى عدم القبول لعدم إدخال الجهة التي لها حق تمثيل الدولة في المادة الجبائية على مستوى المنازعة في الوعاء.
وهو الأمر الذي أكده القضاء غير ما مرة وفي مناسبات متعددة، منها حكم إدارية الرباط رقم 135 صادر بتاريخ 10 فبراير 2004 في الملف رقم 372/02 جاء فيه ” حيث إن المدعي لم يوجه دعواه ضد مديرية الضرائب في شخص مديرها، مما يجعل منازعته مخالفة لمقتضيات الفصل 515 من
ق.م.م كما وقع تعديله، ويتعين الحكم بعدم قبول الطلب”.(1)
بل إن المجلس الأعلى سابقا صرح بعدم قبول الاستئناف المقدم من:
المديرية الجهوية للضرائب.(2)
وزارة المالية والخوصصة .(3)
الوكيل القضائي للمملكة .(4)
لانعدام صفتهم في النيابة عن الدولة في المنازعات الجبائية . أما فيما يتعلق بالرسم الجبائية العقارية المحلية المنظمة بمدونة الجبايات المحلية، فان الدعوى يجب أن توجه ضد :

الوالي باعتباره الممثل القانوني للجهات فيما يخص الرسوم المستحقة لفائدة الجهات.

العامل بالنسبة للعمالات والأقاليم فيما يخص الرسوم المستحقة لفائدتها.
رئيس المجلس الجماعي فيما يخص الرسوم المستحقة لفائدة الجماعات الحضرية والقروية، وذلك طبقا للمادة 515 من ق.م.م.
كما يمكن أن توجه ضد مدير الضرائب في جميع هذه الحالات.(5) وإذا كانت الرسوم المستحقة للعمالات والأقاليم لا يمكن تصور المنازعة فيها لكونها تستخلص عن طريق الدمغات التي توضع على بعض الخدمات التي تقدمها الإدارات العمومية ( رخصة السياقة –الفحص التقني)، وهو نفس الأمر بالنسبة لرسم رخصة الصيد بالنسبة للجهات.

أما الرسوم التي تخضع للتصريح أو الأداء التلقائي فيمكن أن تقع المنازعة فيها مثل رسم الخدمات الجماعية ( رسم النظافة سابقا)، ورسم السكن، الرسم على عمليات تجزئة الأراضي التي يتم أداؤه لفائدة الجماعات الحضرية والقروية طبقا للمادة 2 من قانون رقم 06-47 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية.
ولا يفوتنا التذكير هنا بأن العون القضائي للمملكة لا يتعين إدخاله في الدعاوى الضريبية، لكون المادة 516 من ق.م.م واضحة في هذا الباب، حيث استثنت إدخاله في كل ماله علاقة بالضرائب.
ولتجاوز مختلف هذه الإشكالات والصعوبات نرى أن جميع الإجراءات ذات الطبيعة المسطرية و الشكلية يجب أن تتضمنها قوانين الشكل، وخاصة قانون المسطرة المدنية أو القانون المنظم للمحاكم الإدارية، لا أن تتضمنها قوانين الموضوع كما هو الأمر الآن : كمدونة الضرائب، أو قانون جبايات الجماعات المحلية أو غيرها من القوانين الأخرى.
و إذا تم تعديل جديد فانه يجب أن يدرج في القوانين المسطرية، حتى يسهل الاطلاع عليه ومعرفته، لكي لا تضيع الحقوق بين ردهات النصوص الكثيرة والمتعددة التي يصعب حتى على المختص في القانون الإحاطة بها علما، ومسايرة للتعديلات التي تطرأ عليها في زمن ” التضخم التشريعي “.

————————————————-
*1. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر حكم إدارية فاس جاء فيه ” وحيث إن المدعي لم يثر في صحيفة طلبه للضرائب المعنية بهذا التقادم ونوعه على وجه التحديد ولا لرقم جدولها الضريبي وبياناتها مكتفيا بارفاق مقاله ببيان الوضعية الجبائية متضمن للعديد من الضرائب، وحيث يكون لذلك طلبه غير محدد مخالفا بذلك الفصل 32 من ق.م.م الذي يوجب بيان موضوع الدعوى و الوقائع والوسائل المثارة بصدده “.
حكم عدد 2003/04/1 صادر بتاريخ 11 مارس 2003 في الملف 284/2002، ذكرته حياة البجداني بمقال لها تحت عنوان ” خصوصية الإجراءات المسطرية في المنازعات الضريبية ” منشور بمجلة القضاء و القانون 2012.

*1. لاحظ عبد الغني خالد في أطروحته أن المحاكم الإدارية المغربية خلال السنوات الأولى لدخول القضاء الاداري حيز التنفيذ وخاصة من 1995 إلى 1998، أن من بين 344 حكم صرحت المحاكم في 190 ملف ضريبي بعدم القبول بسبب خروقات شكلية في رفع الدعاوى أي بما يتجاوز النصف، ومنها عدم احترام أجل الطعن، مرجع سابق ص 398 .

*1حكم عدد 52 بالملف 252/95 ذكره، عبد الغني خالد، م . س، ص 401 .
*2.حكم رقم 66 بالملف 444/2000 بتاريخ 7/2/2001 ذكرته، عزيزة هنداز، م . س، ص 183 .
*3. حكم عدد 52 بالملف 217/2004 ش.ض بتاريخ 24/2/2005 منشور بمجلة الحقوق المغربية، الجزء الأول، م.س ، ص 126.

*1. قرار 342 صادر بتاريخ 4/4/2007 ملف إداري عدد 1012/4/2/2005، منشور بمجلة الحقوق المغربية، الجزء الثاني، م.س ، ص 23.
*2. قرار عدد 731 بتاريخ 2/12/2001 ملف إداري عدد 440/4/7/2001 دكرته عزيزة هنداز، م .س .ص 185 .
*3. كمال العماري، م .س ، ص 174 .

*1. نقض 3/6/1196 الطعن رقم 2550 لسنة النظامية 59، ذكره ابراهيم المنجي، م س، ص 209 .
*2. نفس المرجع، ص 213.

*2. عبد الغني خالد، م . س، ص 387.

*1. انظر مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة ، الطبعة الثانية، 1992، ص 296-297.
واحمد سنيهجي، الوجيز في القانون الإداري المغربي و المقارن، الطبعة الثانية 1998، ص 224 .
*2. حكم رقم 292 بالملف 220/94 ذكره عبد الغني خالد، م .س، ص 387 .

*1.قرار عدد 412 بالملف الإداري عدد 473/4/2/2005 منشور بمجلة الحقوق المغربية، م .س ، ص 79.
*2. حكم عدد 76 بتاريخ 19/1/2006 بالملف رقم 233/3/2005، نفس المرجع، ص 184.
*3. الجيلالي أمزيد، إشكالية تطبيق قانون المسطرة المدنية في مجال المنازعات الإدارية، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد 36، يناير –فبراير2001، مطبعة المعارف الجديدة –الرباط، ص 12-14 .

*1. عوضت عبارة مديرية الضرائب بعبارة المديرية العامة للضرائب بمقتضى البند 7 من المادة 7 من قانون المالية لسنة 2009، الجريدة الرسمية عدد 5695 بتاريخ 31 ديسمبر 2008 ص 4577 .
*2. منشور بالجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 6 نونبر 2008 .

*1. ذكرته حياة البجداني، م .س ، ص 61.
*2. قرار عدد 632 صادر بتاريخ 27/6/2007 في الملف 931/4/2/2007.
*3. قرار عدد 670 صادر بتاريخ 4/7/2007 في الملف 1713/4/2/2005 .
*4. قرار عدد 601 صادر بتاريخ 13/6/2007 ، القرارات الثلاث بنفس المرجع ،ص 62 .
*5. حسب ما نصت عليه المادة 164 من القانون المنظم لجبايات الجماعات المحلية حيث جاء فيها ” يمثل الإدارة بكيفية صحيحة أمام القضاء مطالبة كانت أو مطلوبا ضدها، بمدير الضرائب أو الآمر بالصرف للجماعة المحلية المعنية أو الأشخاص المفوضين من لدنها لهذا الغرض “

إغلاق