دراسات قانونية
بحث متميز في استقلال القضاء و مدى تأثيره على دور الدفاع
لا يجادل أحد في كون القضاء هو ركن من أركان الدولة إذا انهار انهارت معه هذه الأخيرة بالتبعية.
فالقضاء هو الساهر على فرض احترام القانون من طرف الجميع و دون تمييز بين الأشخاص سواء من حيث العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء أو المنشأ الوطني والاجتماعي أو الأصل العرقي أو الملكية أو المولد أو الحالة الإقتصادية أو أي وضع آخر. والقضاء هو حامي الأفراد و الجماعات من التعسف و الشطط والظلم و هو الذي يحد من التجاوزات و يوفر ما استقر عليه الجميع أنه عدل و هو الذي يوفر المناخ السليم للنمو الإقتصادي والحافز على تشجيع الإستثمار.
وأن المساواة أمام القانون و افتراض البراءة و الحق في محاكمة عادلة و علنية أمام محكمة مستقلة و نزيهة، هي من بين المبادىء التي لا مناص منها لتعزيز و احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
و يتبوأ القضاء منزلة كبيرة في الدولة نظرا لما يقوم به من وظيفة من شأنها بت الأمن ومحاربة الفوضى في المجتمع. إلا أن القضاء لا يمكنه أن يحقق المكانة الجديرة به إن هو لم يحض بثقة المواطنين عامة و بثقة المتقاضين خاصة. و أن ثقة هؤلاء و أولائك لن تتحقق إلا من خلال برهنة القضاة أنفسهم على تجردهم و نزاهتهم و استقامتهم و استقلالهم عن أي تدخل أو تأثير.
قال رئيس فرنسا السابق فانسان اورويل عند نهاية رئاسته سنة 1955 :” يوم يفقد المواطنون ثقتهم في العدالة تتعرض الدولة كما يتعرض نظام الحكم لأشد الأخطار” .
ولا خوف على أمة بها قضاء كفؤ ونزيه و مستقل. قيل لتشيرشيل رئيس برطانيا العظمى السابق بأن الفساد ظهر في أجهزة الحكومة والإدارة. فسأل : و كيف القضاء؟، فقالوا : “القضاء البريطاني ممتاز جدا”، فقال : “لا خوف على بريطانيا”.
و لكي يكون للقاضي دور فعال فإنه على المجتمع أن يوفر له هذه الإستقلالية و الإستقلالية التامة لأداء مهمته على أحسن وجه و في أحسن الظروف. و الاستقلال يعني حرية القاضي في إصدار الأحكام دون تدخل أو تأثير، و هذا الاستقلال لا يجب أن يقتصر على السلطتين التشريعية والتنفيذية و لكن عليه أن يمتد لسلطة الرأي العام و سلطة الإعلام و سلطة المال و سلطة النفس الأمارة بالسوء التي تحاول دائما استتباعه وتدجينه.
و من تم وجبت دراسة استقلال سلطة القضاء عن باقي السلط و استقلال القضاة كأفراد يمثلون السلطة القضائية عند قيامهم بمهام وظائفهم ومدى تأثير هذا الإستقلال أو انعدامه على دور الدفاع والمحاكمة العادلة.
وسأقتصر في هذه الدراسة على قضاء الحكم نظرا لأن الكل يعرف انعدام استقلال القضاء الواقف وقضاء التحقيق الذي سأكتفي بخصوصهما ببعض الاشارات لاغير.
أولا – استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية و التنفيذية
بالرجوع مرة ثانية إلى الفصل 82 من الدستور نجده ينص على أن “القضاء مستقل عن السلطة التشريعية و عن السلطة التنفيذية”. و من هذا المنطلق و من منطلق دراسات فقهية متعددة يمكن القول بأن المغرب لا يعتبر القضاء سلطة بل وظيفة. إلا أن ديباجة الدستور تنص على أن المملكة المغربية تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية من مبادىء و حقوق وواجبات.
والمغرب عضو في منظمة الأمم المتحدة الذي اعتمد مؤتمره السابع لمنع الجريمة والمجرمين على توصية تنص على أن “الدولة تكفل استقلال السلطة القضائية و ينص عليه دستورالبلد و قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية و غيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية” . ولا مجال للحديث الآن عن سمو هذه الاتفاقيات عن التشريع الوطني أو عدمه، لأن المطلب الذي يفرض نفسه الآن بإلحاح هو التنصيص على كون القضاء سلطة وليس مجرد وظيفة لذلك نتمنى أن يتم رفع اللبس و التنصيص على القضاء كسلطة قائمة الذات بمناسبة أقرب تعديل للدستور المغربي ليتبوأ القضاء في المغرب المكانة التى يجب أن يحظى بها.
و باعتبار أن الدستور المغربي لا يتكلم سوى عن السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية فسنتناول بالدرس هذه السلط قبل التطرق للسلط الأخرى التي لا تقل خطورة على القضاء.
أ – استقلال القضاء عن السلطة التشريعية
تسهر السلطة التشريعية على وضع القوانين العامة المجردة دون نظر إلى حالة معينة و لا إلى شخص بذاته، و النظام الديموقراطي يقتضي فصل هذه السلطة التي تسن القوانين عن السلطة القضائية التي تطبق القوانين.
و استقلال القضاء، كسلطة أو كوظيفة، عن السلطة التشريعية تبرره حماية المتقاضين أنفسهم إذ لا يتصور في العصر الحديث أن يقوم القاضي الذي يفصل في المنازعات على سن قوانين تساير ميوله و نزواته حسب نوع القضايا أو حسب نوع المتقاضين.
كما أن استقلال القضاء يقتضي أن يمنع على السلطة التشريعية أن تفصل في منازعة تدخل في اختصاص القضاء أو أن تنزع عن الجهات القضائية جزء من اختصاصاتها لتمنحها لجهات غير قضائية لتنظر فيها بصورة مستقلة.
كما يتعين على السلطة التشريعية تفادي خلق ما يعرف بالقضاء الإستثنائي لتتحرر السلطة التنفيذية من سلطة القضاء و استقلاله. فالقضاء الإستثنائي يرتبط ويتأثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالسلطة التنفيذية التي تجد فيه مجالا خصبا لتنفيذ سياستها.
وهذا الإرتباط يبدد استقلال القضاء الذي يشكل الدعامة الأساسية لإقرار العدل. ويشكل القضاء الاستثنائي خطرا على مهنة المحاماة، إذ يقتصر دور المحامي على أداء شكلي أو إلى مساجلات في غير صالح الموكلين الشىء الذي يحول المحاماة من رسالة للدفاع عن المتهم الى الدفاع عن ذات المحامي أمام هدر كرامته وتهميش دوره، إذ تأتي الأحكام جاهزة من السلطة التنفيذية، ويقتصر دور القضاة على النطق بها. ويمكن القول بأن الجميع يشارك في مسرحية سخيفة لا تمت للعدالة و لاستقلال القضاء بصلة وخير دليل على هذا القول ما كان يجري أمام محكمة العدل الخاصة التي تم إلغائها مؤخرا.
و من جهة أخرى فإنه لا يجوز للسلطة التشريعية عند استعمالها حق ترتيب الجهات القضائية وتحديد اختصاصاتها أن تسلب حق التقاضي على شخص أو أشخاص معينين. كما لا يجوز لها إلغاء الأحكام القضائية أو تعطيل أو وقف تتفيذها.
و إذا كان لا يحق للقضاة التدخل في العمل التشريعي بصفة عامة فإنه بإمكانهم تفسير القوانين بخصوص الحالات المعروضة عليهم إلا فيما يتعلق بدستورية القوانين التي يمنع النظر فيها لمحاكم الموضوع وتبقى من اختصاصات الغرفة الدستورية.
وإذا كان استقلال القضاء عن السلطة التشريعية يدخل ضمن الرهان الديموقراطي فإن الرهان الحقيقي و الصعب المنال هو استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.
ب – استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية
لا يجادل أحد في أن السلطة التشريعية لا تشكل خطرا حقيقيا على القضاء، إلا إذا وجهت من قبل السلطة التنفيذية على شكل مشاريع قوانين تهدف نسف استقلال القضاء. ولكن الخطر الحقيقي والمباشر هو الذي يأتي من السلطة التنفيذية التي تمارس الحكم الفعلي في الدولة، و تجمع بين أيديها كل القوى المادية. فبعض رجالات هذه السلطة و ما لهم من إمكانات و من قوة النفوذ يميلون إلى الاستئثار و التسلط حتى في المنازعات التي تكون السلطة التنفيذية طرفا فيها. بل هناك امثلة كثيرة تذهب أبعد من ذلك، و تفيد تعنث السلطة التنفيذية في تنفيذ احكام السلطة القضائية مما يفقد المصداقية في الأحكام، و من تم في القضاء.
و أحسن مثال على ذلك هو قرار المحكمة الاتحادية في الولايات المتحدة الامريكية القاضي بقبول طالب زنجي سنة 1962، و تعصب حاكم ولاية تكساس و منع تنفيذ الحكم حيث تدخل الرئيس ريشار كنيدي و أرسل جيشا يتكون من 3000 جندي، و تم إدخال الطالب الزنجي للجامعة تحث أسنة الحرب، و يدل هذا على أن الرئيس الأمريكي فطن إلى “وجوب المحافظة على سيادة القانون و استقلال القضاء و احترام الحكم القضائي” .
فاستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية لا يقتضي من هذه الاخيرة عدم التدخل في أعمال القضاء فحسب و لكن يقتضي منها السهر على توفير جميع الموارد والوسائل المادية الضرورية للجهاز القضائي للقيام بمهامه. وهنا لابد من الوقوف قليلا للتساؤل حول ما يمكن للقاضي أن يفعله أمام جهاز تنفيذي – الذي هو وزارة العدل – لا يوفر له الموارد المادية الضرورية ليكون فعالا و يقوم بمهامه على أحسن وجه؟. ولن أدخل في تفاصيل يعرف الكل جزئياتها إذ يمكن التساؤل كيف استمر القضاء المغربي من الاستقلال إلى الآن رغم بؤس امكاناته و محاكمه المتساقطة وأدوات عمله المتجاوزة. ويمكن الجزم على أن الأمة نسيت قضائها، وكانت و منذ فجر الاستقلال لا توفر له حتى الحد الأدنى الذي يضمن له الكرامة وبقيت السلطة التشريعية وكذا السلطة التنفيذية تستهين بعمل القضاة و لا تعيره الأهمية التي من الواجب أن يحظى بها.
وكان الجميع تقريبا ينظر إلى أن بناء الطرق و المدارس والمستشفيات أهم بكثير من تطوير القضاء و تحصينه وتحديثه، متناسين بأنه لا مكانة لمجتمع بدون قضاء ولا مكانة لاستقرار بدون قضاء ولا مكانة لاقتصاد بدون قضاء. ويمكن قول نفس الشىء عن رجال السياسة. وقد سبق للأستاذ محمد السماحي أن كتب ما يلي “أما رجال السياسة فيكفي أن أسجل أن أية هيأة سياسية لم تجعل القضاء ضمن أولويتها ولا هو يتبوأ صدر برامجها” .
ولم يستوعب المشرع المغربي وكذا الجهاز التنفيذي ( وكذا رجال السياسة عامة ) هذا المعطى إلا مؤخرا – وبايعاز من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاروبي – باعتبار أن القانون والقضاء يكونان جزء لا يستهان به من البنية التحتية الضرورية لكل مجتمع.
ورغم هذا الفهم فإن تحديث القضاء في المغرب مع كل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ورغم المساعدات الدولية الضخمة ، يبقى خجولا محتشما نظرا لبعض العقليات الصلبة المتحجرة من جهة و نظرا لقلة الكفاءات في هذا الميدان من جهة أخرى و نظرا لتداخل السلطات بعضها البعض من جهة ثالثة. وإذا كان الجميع يعرف بأن السياسة هي عدو القضاء وأن القضاء لا يجب أن يخضع للضغوط السياسية فإنه يمكن التساؤل عن إمكانية تقليد مهام وزير العدل الذي يشغل في نفس الوقت منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء لرجل منتمي سياسيا ؟.
إن قلة الإمكانات التي يعاني منها القضاة تحد من استقلالهم بصفة مرهبة، وعلى القضاة أنفسهم أن يلحوا و يقنعوا باقي السلط لتمكينهم من الموارد والوسائل الضرورية للقيام بمهامهم. وفي جميع الأحوال فإن بقاء الوضعية المادية للقضاء بصفة عامة وللقضاة بصفة خاصة بين يدي السلطة التنفيذية يفقد القضاء ككل جانبا مهما من استقلاله.
والملاحظ كذلك هو ما يواجه القاضي يوميا من تراكم الملفات التي يتعين عليه دراستها والبت فيها وتحرير الأحكام بشأنها. فبغض النظر عن قلة الوسائل التي يتوفر عليها القاضي المغربي للبحث والدراسة فإن العدد الهائل من النوازل التي تطرح عليه لا تسمح له بإصدار أحكام في المستوى المطلوب منه. ثم إن العدد المهول من الملفات المعروضة في الجلسات الجنحية أو الجنائية لا تبيح للمحكمة ولا للمحامين القيام بدورهم في ظروف مريحة تسمح للقضاة باستقصاء الحقيقة. ويمكن القول هنا أن العدد الهزيل من القضاة المغاربة الذي لا يتعدى الثلاثة آلاف فرد ما بين قضاء جالس و قضاء واقف وقضاة ملحقين بالوزارة أو بالمعهد العالي للقضاء أو بدول صديقة لا يكفي لثلاثين مليون نسمة ولثلاثة ملايين قضية معروضة على المحاكم الآن .
ان القضاء رهين بالتريث وعدم التسرع في تجهيز الملفات وإصدار أحكام بشأنها خصوصا تلك التي تتعلق بحرية الأشخاص. ويمكن للمهتم أن يلاحظ عن قرب المهازل التي تقع سواء على مستوى التحقيق أو على مستوى محاكم الجنايات نظرا للضغط الذي تمر فيه المحاكمات وعدم إعطاء الوقت الكافي للمحامين للقيام بمهامهم في ظروف تسودها روح المسؤولية.
و من جهة أخرى، ودائما في إطار استقلال القضاء، على السلطة التنفيذية عدم التدخل في الشؤون القضائية بفصلها في مسائل من اختصاص المحاكم، وفي هذا الإطار فقد نص المشرع المغربي في الفصل 239 من القانون الجنائي على معاقبة “كل عامل أو باشا أو قائد أو أي حاكم إداري آخر فصل في مسألة من اختصاص المحاكم وذلك في غير الحالات التي ينص عليها القانون”.
و يجب الإلحاح على ضرورة أن تعمل السلطة التنفيذية على احترام أحكام و قرارات المحاكم و الحرص على تنفيذها و لو بالقوة إن اقتضى الأمر ذلك، إذ لا معنى لبناء المحاكم و تجهيزها و تكوين القضاة وتجنيد عدد هائل من الفاعلين في المحيط القضائي إذا كانت الأحكام ستبقى حبرا على ورق بدون تنفيذ. وعلى الإدارة نفسها أن تعطي المثال على تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة ضدها من قبل المحاكم الإدارية أو غيرها إذ لا يعقل أن تبقى الأحكام بدون تنفيذ و ” لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له ” .
وكما يمنع على السلطة التنفيذية التدخل في القضاء، فإنه يمنع على هذا الأخير التدخل في شؤون السلطة التنفيذية أو عرقلة أعمالها أو إلغاء قراراتها. إلا أنه يبقى دائما أن القضاء الإداري يتمتع بحق مراقبة شرعية الأعمال الإدارية و بحق إلغاء القرارات المتسمة بتجاوز السلطة أو بالشطط في استعمال السلطة، و للقضاء الإداري سلطة الحكم على الإدارة بتعويض المصابين بالأضرار التي تسببت لهم فيها حسب القواعد المعمول بها في المجال. .
ثانيا – استقلال القضاء عن الرأي العام وعن سلطة الاعلام
تعتبر وسائل الإعلام المرآة الحقيقية التي تعكس وضعية المجتمع من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية و الثقافية. ولا أحد ينكر الدور الهام الذي يلعبه الإعلام : المرئي أو المسموع أو المكتوب (…)، في تنوير الرأي العام و بث الوعي وتدعيم الثقافة وتكريس الحياة الديمقراطية و فضح التجاوزات وغرس المواطنة و نقل الرأي و الرأي الآخر.
وحيث إنه أمام جسامة مسؤولية الصحفيين في التصدي لخرق الحقوق فقد أدى منهم الكثير الثمن غاليا نظرا لما تعرضوا له من مضايقات و عمليات اختطاف واغتيالات واعتقالات ومحاكمات إذ أصبح الإعلام يعتبر سلطة رابعة إلى جانب السلط الثلاثة المتحدث عنها سابقا لما له من تأثير مباشر على الجماهير.
وللإعلام دور خطير كذلك في تشكيل وجدان المواطنين و في إعطاء الأخبار أهميتها أو تهميشها أو تمييع أهدافها، وإذا كان الكل قد نادى و منذ فجر الاستقلال بحذف الرقابة الرسمية على وسائل الإعلام فإن على رجل الإعلام أن يوظف الرقابة الذاتية لكي لا يزرع البلبلة داخل المجتمع أو يؤثر سلبا على القضاء: فالإعلام بإمكانه أن يكون حاجزا ضد إقبار بعض الملفات وهنا يلعب الإعلام دورا إيجابيا في تعزيز المساءلة والمحاسبة إلا أن الإعلام بإمكانه أن يؤثر و يوجه القضاء بعناوين ومضامين مقالات أو تصريحات أو صور تعبر عن انفعال أو هوى أو شهوة الرأي العام، كما أن وسائل الإعلام تكون أحيانا وسيلة في يد السلطة السياسية أو الاقتصادية تستعملها للتأثيرعلى القضاء لمعاقبة اعدائها و التستر على أصدقائها، ولا يقتصر الأمر هنا على ما يعرف بالإعلام الحر أو الحزبي أو الاقتصادي بل يشمل كذلك وسائل الإعلام الرسمية.
فالإعلام على عكس ما كان عليه بالأمس أصبح اليوم كالغذاء فيه الملوث الذي يسمم الأفكار ويلوث الدماغ ويتلاعب بنا ويفسدنا ويحاول أن يزرع في “لا وعينا” أفكارا ليست بأفكارنا.
ولن أدخل في جزئيات ضرورة تنقية البيئة الإعلامية من أجل تنظيفها و إزالة الأوساخ العالقة بها ولكنني أقتصر على مطالبة القاضي أن يكون شديد الحذر حتى لا يصبح لعبة في يد الرأي العام و في يد بعض وسائل الإعلام أو في يد السلطة السياسية أو في يد سلطة المال “يرقصونه” متى شاءوا و يملون عليه الأحكام بطريقة غير مباشرة، لأنهم متسرعين عادة في تعيين “أعداء الأمة” وفي إدانتهم حيث لا يبقى للقاضي إلا تضمين الرأي العام في الأحكام، فبإمكان وسائل الإعلام أن تجعل من القاضي بطلا لبضعة أسابيع أو لبضعة شهور وتدفعه إلى ارتكاب الخطأ القضائي.
والمعروف أن هم بعض الصحفيين وبغض النظر عن الخلفيات السيئة للغاية إذ يقتصر دائما على السبق في نشر الخبر، ومرارا تنشر أخبار لم يتم تعميق البحث بشأنها و يبقى المواطن فريسة للمولوعين بالفضائح وينسى الجميع بأن البراءة هي الأصل وتستمر الضغوطات من قبل الجميع إلى أن يتم الاعتقال ثم ربما الإدانة؟، والأمثلة كثيرة و متنوعة لأشخاص عانوا من القضاء المغربي سواء على مستوى الضابطة القضائية أو على مستوى النيابة العامة أو على مستوى التحقيق أو على مستوى الحكم. و قد اعتقل الكثير منهم بإيعاز من الرأي العام أو بإيعاز من السلطة السياسية عبر وسائل الإعلام و قضوا شهورا بالسجون على ذمة التحقيق ليتم فيما بعد الإعلان عن عدم متابعتهم و إطلاق سراحهم.
كما قضى الكثير منهم شهورا و أعوام بالسجون لتتم إدانتهم في الدرجة الأولى نظرا لضغط وسائل الإعلام، و كان ولابد من انتظار درجة ثانية من التقاضي حيث لم يعد الرأي العام ووسائل الإعلام تهتم بالقضية لأنهما منهمكين في “فضائح” أخرى ليتم التقصي من جديد، و بنوع من الهدوء، ويتم ربما إنصاف من رمي ظلما في السجون و شوهت سمعته و سمعة أسرته وعائلته، و ما ينتج عن هذا التشويه من عواقب على نفسيته و على سمعته وسمعة أسرته وعلى عمله.
و الغريب في الأمر أن وسائل الإعلام التي أدانته مسبقا لا تبقى مواكبة لملف “الفضيحة” والضجة التى أثارتها حين عدم المتابعة و إطلاق سراح المعني بالأمر أو حين الحكم ببرائته أو إلغاء الحكم بإدانته و حينما تهتم فإنها تقتصر على مجرد خبر ينشر في أسفل صفحة لا تقرأ وبحروف صغيرة لا تثير الانتباه.
فعلى القاضي إذن أن يكون حذرا من بعض وسائل الإعلام التي تتخصص في إطلاق النار على كل من يتحرك امامها وان يقتصر حين يخلو للمداولة على عناصر الملف و على ما راج امامه في الجلسة و ألا يكترث برأي الجمهور وبانتقادات الآخرين ليعبر من تم على أنه فعلا قاض مستقل عن ضغوطات الرأي العام ووسائل الاعلام.
و يمكن القول بأن المشرع واع بخطورة التأثير على القضاة، بحيث أنه نص في الفصل 266 من مجموعة القانون الجنائي على معاقبة الأقوال والأفعال أو الكتابات العلنية التي يقصد منها التأثير على قرارات رجال القضاء قبل صدور الحكم غير القابل للطعن في قضية ما. إلا أن الأبحاث التي أجريناها لم تسمح لنا بالحصول على اجتهادات في هذا المضمار.
ويمكن القول بأن تأثير الرأي العام ووسائل الإعلام يكون له وقع سلبي كذلك على مهنة الدفاع، ودور الدفاع إذ تتم المحاكمة في جو من الضغوط النفسية إذا كان القاضي منحازا إلى ما تورده وسائل الإعلام، ويمكن القول بأن المحامي يفطن منذ أول جلسة لتأثير أو عدم تأثير الرأي العام ووسائل الإعلام على القاضي مما يجعل المحاكمة تمر في جو هادئ، أو في جو من التوثر، الشيء الذي لا يسمح للدفاع بالقيام بمهامه بحرية واستقلال.
واستقلال القاضي عن الرأي العام ووسائل الإعلام واقتصاره على الأدلة و المناقشة التي تمت أمامه من الشروط الضرورية للمحاكمة العادلة، ومن الشروط الضرورية كذلك للدفاع للقيام بمهامه دون ضغط الشارع لأن المحامي المدافع عن الشخص الذي أشارت إليه الأصابع عادة ما ينظر إليه كالشريك، ومن تم تكون مهمته صعبة للغاية، إلا إذا وجد نفسه أمام قضاء مستقل يكفل لموكله جميع حقوق الدفاع.
ثالثا – استقلال القضاء عن سلطة المال و عن سلطة النفس الأمارة بالسوء
قال صلى الله عليه و سلم “كاد الفقر أن يكون كفرا”. و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه “لو كان الفقر رجلا لقتلته “، ومن تم وجبت محاربة العوز المادي داخل الجهاز القضائي برمته و تمكينه من جميع الإمكانات التي تصون كرامة أفراده و كرامة ذويهم، و قد عمل المغرب في هذا الاتجاة منذ سنوات خلت حيث أصبحت وضعية القضاة وضعية مريحة بالمقارنة مع رجالات من نفس المستوى الجامعي يعملون في قطاعات أخرى إلا أن الملاحظ هو الخطر الذي يهدد هذه المؤسسة برمتها من خلال داء الرشوة الذي تفشى و بشكل مهول داخل جهاز العدل. و قد جاء في تقرير ترانسبارانسي المغرب ليوم 6 يناير 2004 أن البحوث الميدانية حول النزاهة تؤكد “المستوي المرتفع الذي بلغته الرشوة في بلادنا و مدى الابتذال الذي وصلت إليه هذه الظاهرة، إذ لم يعد بإمكان أحد أن يدعي أن هذه الظاهرة غير معروفة في بلادنا أو أنها بمثابة انحراف يمكن تقويمه بإجراءات ظرفية”.
و الرشوة في القضاء هي ما يعطى لمن لا يستحق على حساب من يستحق وذلك بغية كسب قضايا ما كان لها ان تكسب دون مقابل والراشي لا يدفع رشوته إلا لأنه يعلم أن هناك حق لغيره يرغب هو في هدره.
والرشوة آفة اجتماعية تنخر الجسد الاجتماعي لأنها إعانة على الظلم و العدوان و هدر لكرامة الإنسان لما يترتب عنها من ضياع للحقوق و فساد للمجتمع. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم “لعن الله الراشي و المرتشي و الرائش” أي الوسيط بينهما .
والرشوة داخل الجهاز القضائي دلالة على فساد القضاء و موت الضمير و ترك الأخلاق والتنافس على تقديم الرشوة بدل التنافس على تقديم البينة، و الرشوة تربك القانون و تضعف المدافعين عنه بل هي تقتل القانون المتعارف عليه و تبرز قانون المال وتزيل كل وقار على القضاء.
وإذا كانت الرشوة في المجتمع تعبر عن فساد دوائر الدولة وغياب الرقابة و موت الضمير وترك الأخلاق واعتبار المادة دون غيرها فإن تفشيها في الجهاز القضائي هو مؤشر على هلاك الدولة برمتها باعتبار ان السلطة القضائية التي من المفروض أن تحارب الرشوة هي نفسها مرتشية.
حقيقة أن المشرع واع بمرض المجتمع هذا وقننه بالنسبة للقضاة حيث يمنع على هؤلاء أن يباشروا إلى جانب مهامهم أي نشاط بأجر أو بدونه باستثناء التعليم إذا رخص لهم بذلك وزير العدل، وإذا كان زوج القاضي يمارس نشاطا خاصا يدر عليه نفعا صرح القاضي بذلك لوزير العدل ليتخذ أو يأمر باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على استقلال القضاء و كرامته ( الفصل 15 من النظام الاساسي لرجال القضاء )، كما يلزم المشرع القاضي بالتصريح كتابة بما يملكه من عقار و قيم منقولة وكذا ما يملكه منها زوجه وأبناؤه القاصرون ويقدم تصريحا إضافيا فورا كلما حدث تغيير في وضعيته المالية (الفصل 16)، و يتتبع وزير العدل ثروة القضاة وأعضاء عائلتهم ويمكنه بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء أن يقدر ثروة القضاة بواسطة التفتيش (الفصل 17).
إلا أن الملاحظ هو أن هذه النصوص بقيت منذ أزيد من ثلاثة عقود حبرا على ورق، إذ الكل يعرف الثروات الهائلة لكثير من القضاة لم يكونوا يملكون شيئا عند التحاقهم بمهامهم، وأصبحوا بين عشية وضحاها من أصحاب الفيلات والضيعات والعمارات والسيارات الفخمة، ناهيك عن مستواهم المعيشي اليومي المرتفع جدا، ودون أن تقوم الوزارة المكلفة بالتدقيق في مصدر هذه الثروات.
ولا يمكن لأحد أن يجادل في تفشي آفة الرشوة لدى الكثير من القضاة ومن يدور في فلكهم، فتقارير ترانسبارانسي المغرب في متناول الجميع للاطلاع على هذا الورم الخبيث الموجود في جسم القضاء. وأمام السيل الذي بلغ الزبى في جميع أنحاء المغرب فإن صحافيا كتب “إن النار قريبة من الحطب بأكثر ما تتحمله سلامة البلاد ” . ولا يمكن القضاء على هذه الآفة إلا بالإرادة السياسية المنعدمة في بلادنا، والتي إن هي تحركت أعيدت الثقة للمواطن في إدارته و في قضائه ومن تم في وطنه.
حقا إن المشرع أدخل تعديلا جوهريا على القانون الجنائي عن طريق تشديد العقوبات الخاصة بجرائم الاختلاس والغدر واستغلال النفوذ والارتشاء، وذلك بالتشديد في العقوبات السالبة للحرية والرفع من العقوبات المالية كما تمت إضافة عقوبة المصادرة لفائدة الدولة كعقوبة إضافية، وتمديدها لتشمل الأموال والقيم المنقولة والممتلكات والعائدات المتحصلة من ارتكاب الجريمة أيا كانت هذه الأموال، وأيا كان المستفيد منها. كما أضيف لمجموعة القانون الجنائي فصل جديد يتمتع بموجبه الراشي المبلغ عن الجريمة للسلطات القضائية بعذر معف من العقاب، وذلك لتشجيع التبليغ عن جريمة الرشوة. إلا أن الإرادة السياسية لا زالت تتردد في هذا المجال وربما أنها تنتظر الضوء الأخضر من جهة معينة لتنطلق في دق الطبول كعادتها.
و ملخص القول أن القاضي إذا لم يستطع التحرر من جذب المال الحرام فإنه يقضي على الثقة في القضاء وعن وقار القضاء ومن تم يقضي على مصداقية الدولة.
ولا يمكن للمحامي مهما بلغت درجة كفاءته وحنكته أن يقوم بمهامه وهو غير مطمئن لقاض مرتش إذ بدل التنافس على الأدلة والأدلة المضادة فإن المنافسة تنتقل إلى من سيعطي الأكثر من المال.
ولا بد من الوقوف هنا على الدور الذي تلعبه بعض العناصر الفاسدة من المحامين كذلك في نشر الرشوة في عالم القضاء، إذ أصبح البعض منا “سماسرة” لبعض القضاة يشاركونهم و يقتسمون معهم المال الحرام، فانعدام الشعور بالمسؤولية أدى إلى سريان حالة من الاستهتار لدى البعض منا، استهتار بالقوانين واستهتار بالمتقاضين واستهتار بمهنة الدفاع وبالقضاء ككل والنتيجة هي ما آلت إليه مهنة المحاماة من عدم ثقة المجتمع في الأفراد المكونين لها إذ عاد هذا المجتمع ينظر للكثير منا نظرة احتقار لما نقوم به من مساعدة على هدر الحقوق.
ولابد من تقويم العناصر الفاسدة أو استئصالها إن لم تنفع فيها عملية التقويم سواء تعلق الامر بالقضاة أو بالمحامين الذين يشاركونهم في تخريب عالم القضاء لتعود الثقة في هذا الأخير من طرف المتقاضين وتصح مقولة العدل أساس الملك.
ومن جهة أخرى، فإن الاستقلال فضيلة لا تمنح فقط بالقوانين بل يجب استحقاقها على أرض الواقع. والقاضي بطبيعة الحال فرد من أفراد المجتمع ينتمي لعائلة معينة وينتمي لمنطقة معينة أو لقبيلة معينة أو لعرق معين، كما يمكن للقاضي أن يكون له تعاطف مع جهة سياسية معينة بالرغم من أن المشرع يمنع عليه كل نشاط سياسي وكل موقف سياسي ( الفصل 13 من النظام الأساسي لرجال القضاء ). فلا يكفي القاضي الابتعاد عن سلطة المال، بل عليه أن يتحدى تنازع المصلحة الشخصية أو العائلية أو العرقية أو القبلية أو السياسية ليبرهن للجميع على أنه فعلا محايدا مستقلا وقورا.
ويشعر المحامي أمام هذا القاضي بنوع من الارتياح لأنه في قرارة نفسه مؤمن باستقلاله عن سلطة المال وعن سلطة النفس الأمارة بالسوء.
رابعا – استقلال القضاة عند اداء مهامهم
لا أحد يجادل في الدور الذي يقوم به القضاة في المجتمع، و جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم. وإذا كان القاضي بشر مثلنا فاننا ننتظر منه نحن جميعا أن يكون فوق البشر رغم وضعيته الفردية عند أدائه لمهامه وقلة الإمكانات وتراكم الملفات ورغم عدم استقلاله عن باقي السلط وخصوصا عن السلطة التنفيذية. غير أن الاستقلال الفعلي للقاضي رهين بضميره و بحياده و بنزاهته، ففض النزاعات بكل أمانة وموضوعية دون التحيز لفائدة أحد الخصوم يقتضي من القاضي أن يكون محايدا ونزيها. ومن تم وجبت دراسة الوضعية الفردية للقضاة و حصانتهم قبل دراسة بعض الصفات المطلوبة في القاضي.
—
أ- الوضعية الفردية للقضاة وحصانتهم
يعين القضاة في المغرب من طرف الملك باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء طبقا للفصل 33 و الفصل 84 من الدستور إلا أنه قبل هذا التعيين فإن المرشح الحاصل على الإجازة في الحقوق يجتاز مباراة لولوج المعهد العالي للقضاء – الذي هو مؤسسة عمومية بصريح الظهير المحدث له – حيث يقضي سنتين من الدراسة و التمرين في هذا المعهد و في المحاكم تتوج بامتحان نهاية التدريب ولا دخل للمجلس الأعلى للقضاء في الإنتقاء وفي التأطير وفي التكوين بل يقتصر دوره على المباركة لاغير باقتراح من أتم تدريبه على الملك.
ويمكن للمجلس الأعلى للقضاء أن يقترح على الملك أيضا تعيين بعض الأشخاص في السلك القضائي. ومن تم فإنه يسمح بولوج سلك القضاء لأساتذة التعليم العالي الذين قضوا عشر سنوات في تدريس مادة اساسية و للمحامين الذين لهم أقدمية لا تقل عن خمسة عشر سنة في مهنة المحاماة.
أما بالنسبة للمحاكم الإدارية فإنه يسمح بإلحاق موظفين منتمين إلى درجة مرتبة في سلم الأجور رقم 11 أو درجة في حكمها بشرط أن يكونوا قد قضوا عشر سنوات في الخدمة العامة وحاصلين على الإجازة في الحقوق أو ما يعادلها (الفصل 3 من النظام الأساسي لرجال القضاء كما غير وتمم بظهير 10 شتنبر 1993 ).
وتجدر الملاحظة هنا إلى أن المعهد العالي للقضاء ورغم أنه مؤسسة عمومية فإن هيمنة الجهاز التنفيذي، أي وزارة العدل، عليه سواء من حيث الولوج أو من حيث التأطير أو من حيث البرامج أو من حيث امتحان نهاية التدريب يحد شيئا ما من استقلاله، كما يمكن القول بأنه لا دخل للمجلس الأعلى للقضاء – الذي يمثل بواسطة وزير العدل و كاتب المجلس – في المعهد العالي للقضاء. ومن تم فإن القاضي يشعر دائما بشعور التبعية لهذه الوزارة ويصعب عليه أن يحس بالتجرد نحوها رغم ان الدستور يضمن استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وإذا كان تعيين قضاة الحكم يتم من قبل الملك بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء فان الأمر على عكس ذلك بخصوص قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق. واذا كان وزير العدل يشرف على السياسة الجنائية طبقا للمادة 51 من قانون المسطرة الجنائية فٍان المادة 38 من قانون المسطرة الجنائية تلخص وضعية قضاة النيابة العامة الذين يخضعون” للتعليمات التي يتلقونها”.
اما قضاة التحقيق فٍانهم كذلك لا يتوفرون على أدنى استقلالية من خلال النصوص الحالية. فتعيينهم واعفاؤهم من مهامهم يتم بقرار لوزير العدل بدل المجلس الاعلى للقضاء طبقا للمادة 51 ق.م.ج. بل ان رئيس المحكمة وبناء على طلب النيابة العامة بٍامكانه اصدار قرار نظامي بتعيين قاض للتحقيق من بين قضاة او مستشاري المحكمة في حالة الاستعجال والظروف المنصوص عليها بالمادة 53 ق.م.ج. واكثر من هذا وذاك فٍان النيابة العامة هي التي تعين من يحقق في كل قضية اذا تعدد قضاة التحقيق طبقا للمادة 90 من نفس القانون. وان دل هذا على شىء فانما يدل على عدم استقلال قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق على هيمنة وزير العدل وهو ما يضر بالعدالة ككل.
وبالرجوع الى قضاء الحكم ، فإن استقلال القضاة رهين بتحصين القاضي من النقل والعزل دون الكلام عن تحصينه ماديا. و من تم فإنه لا يجوز إبعاد القاضي من منصبه سواء بطريقة الفصل أو الإحالة على التقاعد أو الوقف عن العمل أو النقل إلى وظيفة أخرى إلا في الأحوال وبالكيفية المنصوص عليها بالقانون.
وينص الفصل 83 من الدستور على ما يلي: “لا يعزل قضاة الاحكام و لا ينقلون إلا بمقتضي القانون”. وتأكيدا على الحصانة فإن الفصل 69 من النظام الأساسي لرجال القضاء ينص على عدم إمكانية ترقية القضاة المنتخبين بالمجلس الأعلى للقضاء من درجة لأخرى و لا نقلهم و لا انتدابهم مدة انتخابهم.
و ينص الفصل 33 من النظام الأساسي لرجال القضاء على ما يلي : “يمكن لقضاة الأحكام أن يعينوا في مناصب جديدة بطلب منهم أو نتيجة ترقية أو إحداث محكمة أو حذفها” و يمكن القول بأن النقل إذا كان موضوعيا مجردا مبني على الفصل 33 هذا لا يطرح مشاكل كثيرة باعتبار أنه يتم بظهير باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء. أما ما يسمى بالانتداب القضائي المنصوص عليه بالفصل 57 من النظام الأساسي لرجال القضاء، فإن المشرع أدخله في اختصاصات وزير العدل وأعطاه صلاحية انتداب أحد القضاة لتغطية النقص الحاصل في عدد القضاة بمحكمة معينة تفاديا لتعطيل المرفق العمومي أثناء عدم انعقاد دورات المجلس الأعلى للقضاء، ويتم الانتداب لمدة ثلاثة أشهر في السنة يمكن تجديدها بموافقة القاضي المعني بالامر. إلا أن الانتداب القضائي يستغل أحيانا كإجراء تأديبي لا يمث بصلة للمصلحة العامة الشىء الذي يجعل جل القضاة تحت التهديد و تحت رحمة وزير العدل.
إن استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية بمقتضى الفصل 82 من الدستور الذي يعتبر بحق هو القانون الأسمى للبلاد يجعلنا نشك شيئا ما في دستورية الفصل 57 من القانون الأساسي لرجال القضاء وكنا نتمنى ومنذ سنة 1974، أن تكون لبعض القضاة الشجاعة والجرأة لطرق باب المجلس الدستوري إلا أن بعضهم اقتصر على اللجوء للمحاكم الادارية لإلغاء قرار وزير العدل باعتباره قرارا إداريا يمكن الطعن فيه بالالغاء للشطط في استعمال السلطة .
ولا تقتصر حصانة القاضي على النقل، بل تمتد إلى العزل وهو أخطر من النقل لأنه يضع حدا لمهام القاضي، لذا فإن الدستور نص في الفصل 85 على أن قضاة الأحكام لا يعزلون و لا ينقلون إلا بمقتضى القانون.
إلا أن لوزير العدل وطبقا للفصل 62 من النظام الأساسي لرجال القضاء الصلاحية في ايقاف القاضي حالا إذا ارتكب خطأ خطيرا. وكان على المشرع أن يحدد طبيعة “الخطأ الخطير” لا أن يتركه عبارة فضفاضة يصعب حصرها. حقيقة أن الأمر لن يطرح صعوبة إذا تعلق بجريمة لا لبس فيها إلا أن ترك تقدير الامر للسلطة التنفيذية يمس باستقلال القضاء لأنه ولو قضى المجلس الأعلى للقضاء ببراءته وأعاده لمنصبه فإن قراره لن يعيد لهذا القاضي كرامته.
وفي نفس السياق، وبخصوص ترقية القضاة، فإن الدستور المغربي نص في الفصل 87 منه على أن المجلس الأعلى للقضاء يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم. إلا أنه وباستقراء الفصول 23، 24 و 25 من النظام الأساسي لرجال القضاء وكذا مرسوم 8 أبريل 1975 المحدد لترتيب درجات ورتب الترقي والأرقام الاستدلالية و الفصل 7 من مرسوم 23 ديسمبر 1975 المتعلق بتحديد شروط كيفية تنقيط القضاة وترقيتهم يظهر الدور المحوري مرة ثانية لوزير العدل باعتبار هذا الأخير هو المكلف بإعداد لائحة الأهلية للترقي ولا يمكن ترقية أي قاض إلى الدرجة الأعلى في حدود المناصب الشاغرة إن لم يكن مسجلا في لائحة الأهلية التي يعدها وزير العدل.
و يعتبر تدخل وزير العدل في إعداد اللائحة المذكورة ضربة أخرى لاستقلال القضاء. وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ويعارض في تفاوت الرتب والدرجات بالنسبة للقضاة. قال بالزاك: “مهما يكن أمر القضاء فإن تنظيمه على أساس تفاوت الدرجات والترقية محفوف بالمخاطر ومن شأنه أن يهدد القضاء” لأن الترقية توحي بأن القاضي موظف عادي يطمح من خلالها في تحسين وضعيته المادية بينما المفروض أن يكون جميع القضاة على قدم المساواة بعيدين عن الحاجة كما هو الشأن تقريبا بالنسبة للقضاء البريطاني مثلا.
ولا بد هنا من الإشارة كذلك لمسطرة التنقيط التي يسهر عليها رئيس المحكمة ويبقى التنقيط سريا لا يحق للقاضي الاطلاع عليه. والتنقيط من قبل رئيس المحكمة يجعل القاضي تابعا لرئيس المحكمة يوجهه كيفما شاء ويعطيه التعليمات التي يشاء ويفقده استقلاله وتجرده وحياده.
وتعتمد الترقية كذلك على عدد الملفات التي بت فيها القاضي خلال السنة دون التعمق فيما بذله من مجهود في مضمون هذه الأحكام حيث أصبح الصراع والمنافسة يقتصران على العدد ( الهائل غالبا من أحكام عدم القبول ) حتى إنني اقترحت في ندوة من الندوات أن تزال اللام عن وزارة العدل لتصبح التسمية “وزارة العد”.
و يمكن لقائل أن يقول بأن تدخل وزير العدل في إعداد لائحة الترقي المذكورة يأتي بوصفه نائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء بناء على الفصل 86 من الدستور.
وفي الواقع ونظرا لمهام الملك المتعددة فإن الرئاسة الفعلية للنظر في الوضعية الفردية للقضاة أي وضعيتهم الإدارية والمالية ترجع للرئيس بالنيابة أي لوزير العدل الذي يمثل في الواقع السلطة التنفيذية، من جهة ويمثل اتجاها سياسيا معينا من جهة أخرى الشيء الذي يتنافى مع استقلال القضاء. و الحل ربما هو استبداله دستوريا بالرئيس الأول للمجلس الأعلى الذي يبقى في جميع الأحوال في قمة هرم أسرة القضاة.
ولا بد هنا من الإشارة إلى مقتضيات الفصل 61 من النظام الأساسي لرجال القضاء الذي يعطي لوزير العدل كأحد أعضاء السلطة التنفيذية الحق في إخبار المجلس الأعلى للقضاء بالأفعال المنسوبة للقاضي أي أن وزير العدل هو الذي يعرض – أو لا يعرض – على هذا المجلس جميع الخروقات المتعلقة بالقضاة و هو أمر غير طبيعي وغير سليم بالمرة.
كما أن وزير العدل هو الذي يتلقى عادة شكايات المتقاضين و شكايات المحامين حيث يأمر (أو لا يأمر ) بإجراء تفتيش حول مضمون الشكاية. وباعتبار أن المفتشية تابعة لوزارة العدل كجهاز تنفيذي، فإنه لا يمكن الكلام بعد عن استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.
وأمام تداخل اختصاصات وزير العدل كأحد أعضاء السلطة التنفيذية في الوضعية الفردية للقضاة و في كل من يسبح في المحيط القضائي من موظفين و أعوان و مفتشين وبنايات و موارد مختلفة وغيرها، فإنه لابد من إيجاد حل ليصبح للقضاء سلطة مستقلة استقلالا مطلقا عن السلطة التنفيذية كما هو الشأن بالنسبة للسلطة التشريعية. وهذا الحل لن يتأتى إلا بالإرادة السياسية المغربية التي بإمكانها أن تكون السباقة في خلق جهاز مستقل يطلق عليه إسم “المجلس الأعلى للقضاء” على غرار مجلس النواب تكون له ميزانية خاصة و مستقلة وتجمع فيه جميع الموارد البشرية ( والمادية ) التي تعمل في حقل القضاء. ونظرا لتشعبه فإن هذا الموضوع يمكن أن يكون محور دراسة مستقلة و مفصلة.
وأمام قضاة لا يومنون أنفسهم باستقلالهم الفعلي عند قيامهم بمهامهم، لأنهم ينتظرون في غالب الأحيان أن يرن جرس الهاتف في هذا الملف أو ذاك، فإن المحامين يعانون في عملهم من قضاة تنقصهم الجرأة، وتنقصهم الشجاعة لرد التدخلات والتوصيات حيث يشعر الدفاع وفي كثير من الأحيان أنه واقف أمام موظف عادي تابع لوزارة العدل لا أمام قاض مستقل.
وكثيرون هم زملاؤنا الذين أصيبوا بإحباط المعنويات بل وبأمراض مزمنة بسبب الصدمات الناتجة عن الأحكام والقرارات المجانبة للصواب والتي لو عرضت على لجنة مختصة ومحايدة لأعيد النظر في غالبيتها.
ومع ذلك تبقى غالبية المحامين صامدة في انتظار أيام أحسن، لأن أجهزتها غير قادرة على تغيير المنكر بل يوجد أفراد داخلها يساهمون في تعميم الفساد كأن لهم حقد على مهنة المحاماة وحقد على هذا البلد.
ب- من صفات القاضي
ينص الفصل 13 من النظام الأساسي للقضاة على ما يلي :”يحافظ القضاة في جميع الأحوال على صفات الوقار والكرامة التي تتطلبها مهامهم”. إلا أن هذه الصفات غير كافية لوحدها بالنسبة للقاضي، إذ يفترض في القاضي صفات أخرى متعددة نقتصر منها على الإشارة إلى ثلاثة صفات أساسية وهي الحياد والنزاهة وحسن الخلق.
أ-الحياد
القانون رهين بالحياد باعتبار أن القاعدة القانونية قاعدة مجردة. وإذا كانت القوانين لا تفسر ولا تطبق بمنظور حيادي، فإن القانون كما نعرفه وكما درسناه سيتوقف عن الوجود و لا يمكن فصل الاستقلال عن الحياد في الجهاز القضائي. كما أن الحياد في القضاء شرط وجود إن هو اختفى قضي على القضاء، وأصبح هذا الأخير مبني على هوى القاضي. حقيقة أن الصراع من أجل الحياد صراع صعب للغاية بالنسبة للشخص العادي إذ يبقى هذا الأخير إنسانا بضعفه وانفعاله وشهوته وميولاته وعاطفته ومعتقداته وعقده ومؤهلاته ومسؤولياته ومصالحه. إلا أن الأمر لا يقبل عذرا بالنسبة للقاضي لأن الحياد شرط وجود بالنسبة للقضاء.
والحياد يعني أن تكون للقاضي مناعة خلقية تبعده عن الإغراءات و المال والجنس وغيرها، وتصونه من الانحراف والزلل. كما على القاضي أن يبتعد عن الانتماءات السياسية تفاديا لتأثير الروابط الحزبية عن الأدلة الموضوعية. فالسلطة القضائية تفصل أحيانا في مسائل لها طبيعة سياسية ولها آثار سياسية ومن شأنها لا محالة وضع القضاة في مرمى الأسلحة السياسية وبالتالي فعلى القاضي ألا يتحول إلى أداة لترسيخ ايديولوجية سياسية معينة والانتصار لها على منصة القضاء، و على حساب القضاء في مواجهة معارضيها وذلك حتى لا يتخلى عن مفترضات الحياد.
وقد أكد هذا المنع النظام الأساسي لرجال القضاء في المادة 13 التي تنص على أنه “يمنع على الهيئة القضائية كل نشاط سياسي وكذا كل موقف يكتسي صبغة سياسية”. وقد سبق القول بأن الضرورة تقتضي كذلك أن يكون وزير العدل بعيدا عن السياسة باعتباره يتقلد مهمة عالية بالمجلس الأعلى للقضاء – وأمام المهام التي خوله المشرع إياها للتدخل في القضاة – وباعتبار أن القاضي بشر من شأن ضعفه محاباة الجهة السياسية التابع لها وزيره.
ب- النزاهة
يطالب الجميع دائما بأن تكون الأحكام نزيهة. ولكي تكون كذلك فإنه من البديهي أن يكون من يصدرها نزيها. والنزاهة تعني الإبتعاد عن الإغراءات كيفما كان نوعها سواء كانت طمعا في مال أو في ترقية أو في منصب من المناصب أو إرضاء لجهة من الجهات أو خوفا أو رهبة من هذه الأخيرة.
وكم منا نحن المحامين لم يسمع في يوم من الأيام هذا العذر الذي يدل على عدم استقلال صاحبه: “التعليمات يا أستاذ ! “.فعلى القاضي أن يكون نزيها مع ضميره قبل أن يكون نزيها مع المتقاضين الذين يضعون كل ثقتهم في حياده وفي نزاهته، وإذا فقدت هذه الثقة فإن جميع دواليب الدولة تؤدي الثمن وتؤديه غاليا لأن المشهد القضائي بالبلاد هو الذي يعكس صورة هذه الاخيرة التي تصبح قاتمة في حالة هدر العدالة لأن دولة الحق والقانون لا يجب أن تقتصر على سن ترسنة من القوانين كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، بل هي سلسلة مرتبطة ما بين التشريع والتطبيق السليم للقوانين وتنفيذ الأحكام القضائية.
والمصداقية في نزاهة القضاة أمر أساسي لا محيد عنه. وأعرف الكثير منا رفضوا المثول أمام هيئة يعلمون عدم نزاهتها وطلبوا من زملاء آخرين النيابة عنهم لأنهم يعلمون مسبقا مآل ملفات موكليهم ولا يستطيعون المشاركة في تزكية الخدعة القضائية.
ث – حسن الخلق
قال الله عز وجل في حق رسوله المصطفى “وإنك لعلى خلق عظيم” ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين محاسن الأخلاق ومحاسن الآداب. وقال أحمد شوقي “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت – إن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا”. كما قال : “صلاح أمرك بالأخلاق مرجعه – فقوم النفس بالأخلاق تستقم”. ومن الأخلاق نقتصر على الإشارة إلى حسن الخلق.
وحسن الخلق يكمن في طلاقة الوجه وكثرة الحياء وانعدام الأذى وكثرة الصلاح وصدق للسان وقلة الكلام وكثرة العمل وقلة الزلل و الفضول وبر الوصول وقمة الوقار وقوة الصبر وكثرة الشكر والرضا والحلم والرفق والعفة والشفقة وعدم التسرع وغياب الحقد والحسد.
وأقف عند بشاشة و طلاقة الوجه لأشير إلى أن كثير من قضاتنا لقنوا التجبر و سوء الخلق سواء في تعاملهم مع المتقاضين أو في تعاملهم مع المحامين. ولم يستوعب القاضي المغربي بعد بأن المتقاضي لم يعد رعية بل أصبح مواطنا ومستهلكا للقضاء ينتظر من القضاة معاملته باحترام وبالمستوى الذي يستحقه كإنسان وكمستهلك. وإذا كانت حقوق الإنسان تحتم على القاضي أن يتعامل مع المتقاضي بطريقة تحفظ له كرامته وعزة نفسه فإن الملاحظ من خلال جلسات المحاكم هو عكس هذا المعطى، إذ يستشف من خلال المعاملة الجافة للقضاة أن كل متقاض متهم إلى أن تثبت براءته ولو أثناء جلسات بعيدة كل البعد عن العالم الجنائي حتى يتصور للمرء قي كثير من الأحيان أن القاضي طرف في النزاع.
ويمكن قول نفس الشىء عن معاملة الكثير من القضاة لدفاع المتقاضين باستفزازهم للمحامين وهذا لا يخدم العدالة في شيء، إذ يزيل كل وقار عن القضاء وعن حسن المعاملة بين أفراد من المفروض أن يتعاونوا على الوصول إلى الحقيقة.
ولا يمكن تحميل المسؤولية للمعهد العالي للقضاء لوحده، بل المسؤولية مشتركة بين الأسرة والمحيط الاجتماعي والمدرسة والثانوية والكلية والمعهد العالي للقضاء وأجهزة نقابات المحامين. فالتربية أساس الحياة الاجتماعية ولا يمكن التعايش لأفراد لا يعرفون احترام الآخر ورأي الآخر إذ يعود الجو في مجمله مشحونا بالأحقاد والتنافر.
وإذا كانت مسؤولية الأسرة في هذا المضمار لا غبار عليها ولا تحتاج إلى شرح، فإن المسؤولية كذلك ترجع للمدارس والمعاهد والكليات التي لم تفلح في تهذيب و صقل أخلاق وآداب روادها. أما مسؤولية المعهد العالي للقضاء فهي ثابتة من خلال عدم حسن انتقاء بعض المرشحين لمهنة القضاء. وتبقى مسؤولية أجهزة هيئات المحامين قائمة كذلك في هذا المجال إذ مع الزمن أصبح جل من يتقلد مهام قيادتها يستهين بمسؤولياته، ولا رغبة له في تأطير ذويه والدفاع عنهم وعن مصالحهم.
ونتيجة لضعف شخصية بعض المحامين و نتيجة ضعف الكثير من أفراد أجهزة النقابات، فإن بعض القضاة الذين لا يجدون قوى مضادة لإجبارهم على احترام المتقاضي ودفاعه ومن تم على احترام مهنة المحاماة سيستمرون في تعاملهم اللا أخلاقي الشيء الذي يهز وقار للقضاء ويبرهن على أن القضاة لم يتحرروا بعد من عقدهم و لم يصلوا بعد إلى مستوى قضاة رشداء، متزنين، مستقلين، نزهاء ومسؤولين.
د – الاجتهاد
يمكن أن ندخل ما يقوم به القاضي من اجتهاد ومن قدرة على الابتكار ضمن الصفات التي يجب أن يتحلى بها. فمن اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد. وبجانب البحث والتنقيب بخصوص القضايا المعروضة عليه فإننا نجد قضاة يقومون بمجهودات محمودة سواء في مجال التدريس أو في مجال الكتابة. إلا أن الملاحظ هو أن القضاة مكبلي الأيدي سواء تعلق الأمر بالتدريس أو بالتأليف والنشر. و يتوقف السماح بالتدريس و النشر مع الإشارة إلى صفة القاضي على إذن كتابي لوزير العدل – دائما هذه السلطة التنفيذية ! – (الفصل 15 من النظام الأساسي لرجال القضاء). وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عدم استقلال القاضي باعتباره تابع لوزير العدل في عدة مجالات. كما يعتبرالإذن قبل النشر مس خطير بحرية التعبير لا يشجع القاضي على الدراسة والابتكار والنشر.
__________________________________________________ _
شهير ارسلان، م.س.
مؤتمر ميلانو، المرجع السابق.
( رقم 3000 قاضي افضى به وزير العدل مؤخرا بمناسبة انتهاء الدورة التكوينية للمحامين المتمرنين يوم 6 ماي 2005 بالرباط.).
ناديت منذ سنين بتغيير هذا الاسم ليصبح “وزارة الشؤون القضائية” تظرا لما تنم عليه التسمية الحالية من غلو و من مبالغة.
محمد السماحي، المحطات الثلاثة للقضاء المغربي، مجلة القانون والاقتصاد، العدد السادس، ص.
ميدا 1 وميدا 2 واعانات امريكا للمحاكم التجارية،الخ.
رقم 3000 قاضي افضى به وزير العدل مؤخرا بمناسبة انتهاء الدورة التكوينية للمحامين المتمرنين يوم 6 ماي 2005 بالرباط.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
خالد خالص، الاجراءات المتبعة في دعوى التعويض الادارية، مجلة رسالة المحاماة، العدد 19، يوليوز 2003، ص.31.
رواه احمد و الطبراني
توفيق بوعشرين “الجريدة” ليوم 8 ابريل 2005 .
ادارية الرباط ملف السيد محمد العيادي، حكم 19 يناير1995