دراسات قانونية
المنازعات الأسرية ومسطرة الأبحاث المدنية (بحث قانوني)
مسطرة الأبحاث في قانون المسطرة المدنية و موقعها في المنازعات الأسرية
إعداد: ذ. عبد الرحيم بنيحيى
باحث في العلوم القانونية
خريج ماستر الأسرة في القانون المغربي و المقارن- كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية -جامعة ابن زهر أكادير
المقدمة:
نظم المشرع المغربي الإجراءات القضائية التي يتم بواسطتها تلقي شهادة الشهود أمام المحكمة في الفصول 71 إلى 84 من قانون المسطرة المدنية تحت عنوان ” الأبحاث”. و المقصود بهذه الأخيرة في اصطلاح قانون المسطرة المدنية هو شهادة الشهود التي تعتبر أول وسيلة من وسائل الإثبات التي عرفتها البشرية، وأهم وسيلة لإثبات الحقوق على اختلاف أنواعها، و إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى، وذلك لكونها ميسورة في جميع الأحوال. وقد أمر الله سبحانه وتعالى بأن نشهد على معاملاتنا قال تعالى ( وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ )[1]. وكثيرة هي المجالات التي تسلك فيها المحكمة مسطرة الأبحاث منها المنازعات الأسرية كإجراء يتم بواسطته تلقي شهادة الشهود لتحقيق في الدعوى.
ومن هذا المنطلق اعتبرت الشريعة الإسلامية شهادة الشهود أهم وسائل الإثبات، وأولاها الفقهاء الإسلاميون عناية كبيرة، واستمدوا من الكتاب والسنة شروط قبولها وكيفية أدائها وعرفوا مراتبها وأقسامها[2]، كما يكفي لبيان أهميتها أن الله سبحانه وتعالى نسبها إلى نفسه وشرف بها ملائكته ورسله فقال سبحانه ( لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا )[3]
فالشهادة لغة هي شاهد والجمع شُهود، وأشهَده على كذا واستَشهدَهُ سأله أن يَشهد، وتأتي الشهادة في اللغة بعدة معان وهي : الحلف، المعاينة، الحضور، القتل في سبيل الله، اللسان، الاخبار بما علم.[4]
وفي الاصطلاح الفقهي عرفها الفقه الإسلامي بأنها “ إخبار الحاكم عن علم ليقضي بمقتضاه” أو هي “إخبار صدق الإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء”[5]
وعموما يتضح مما سبق أن الشهادة لغة هي البيان، أو هي الإخبار القاطع الصادر عن علم حصل بالمشاهدة، ولهذا قالوا أنها مشتقة من المشاهدة التي بمعنى المعاينة، وقيل هي مشتقة من معنى الحضور، يقول الرجل شهدت مجلس الفلان أي حضرت. ولأنه يحضر مجلس القضاء للأداء يسمى شاهدا ويسمى أداءه شهادة.[6]
وفي الاصطلاح القانوني فالشهادة هي “ قيام شخص من غير أطراف الخصومة بعد حلف اليمين بالإخبار في مجلس القضاء بما يعرفه شخصيا حول وقائع تصلح محلا للأبحاث.”[7]
وبالتالي فإننا سنقتصر في هذا المقال بحول الله وقوته على دراسة وتحليل مسطرة الأبحاث في قانون المسطرة المدنية، وذلك ببيان إجراءاتها وقواعدها الاساسية بقدر من التحليل ( المطلب الأول). ثم ننتقل للحديث عن موقع إعمالها في المنازعات الأسرية (المطلب الثاني).
المطلب الأول : إجراءات مسطرة الأبحاث وفق قانون المسطرة المدنية
اختار المشرع المغربي مصطلح ” البحث” للدلالة على إجراءات الشهادة،[8] حيث نظم إجراءاتها على أساس أنها مسألة عارضة يلجأ اليها للتحقيق في دعوى أصلية والتي تبدأ بطلب إجراء البحث والحكم به ( الفقرة الأولى) يليها تنفيد البحث ووضعية الشهود( الفقرة الثانية) و تنتهي بإنهاء البحث وتقديره( الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: طلب إجراء البحث و الحكم به
منح المشرع المغربي للمحكمة السلطة التقديرية في قبول طلب أحد الخصمين أو رفضه في ما يخص إجراء البحث، وذلك لكي تتأكد من خلاله المحكمة من توفر الجدية والضرورة من اتخاذه(أولا) وفي حالة توفرهما تصدر المحكمة حكما يبين الوقائع التي سيجري بشأنها البحث ( ثانيا).
أولا: طلب إجراء البحث :
أعطى المشرع للمحكمة صلاحية أن تأمر بإجراء البحث إما تلقائيا أو بناء على طلب الخصمين أو احدهما ويقدم الخصم طلبه بإجراء البحث إما شفويا وإما كتابيا، ويعرض الطلب في جميع الأحوال على الخصم الآخر حتى يتمكن من إبداء وجهة نظره بشأن قبول أو معارضة هذا الطلب، ويعتبر سكوته قبولا ضمنيا بطلب الخصم الآخر.
كما أن المشرع المغربي لم يلزم الخصم الذي يتقدم بطلب إجراء البحث ببيان الوقائع المراد إثباتها على خلاف ما ذهب إليه المشرع المصري في المادة 68 من قانون الإثبات.[9]
وبالرجوع إلى الاجتهاد القضائي المغربي فمحكمة الموضوع تملك السلطة التقديرية لقبول أو رفض طلب الخصم بإجراء البحث، وهذا ما قضت به محكمة النقض في قرار لها على أنه “ كما أن المحكمة قد بينت في تعليل قرارها أن طلب إجراء بحث لمعرفة حال الضحية ليس له ما يبرره إذ لا يمكن أن يتعرف على درجة السكر التي كان عليها الضحية إلا بالوسائل العلمية فضلا عن أن الأمر بالبحث يخضع لتقدير المحكمة”[10]
كما جاء في قرار آخر لمحكمة النقض على أنه ” يمكن لمحكمة الموضوع في نطاق سلطتها التقديرية أن تقدر شهادة الشهود، وأن تقرر عما إذا كانت غير كافية في إثبات الشهادة بشركة المفاوضة لارتباطها بقرائن كافية في استبعاد تلك الشهادة”[11]
لذلك من خلال القرارين أعلاه نلاحظ أن المشرع منح للمحكمة السلطة التقديرية في قبول طلب أحد الخصمين أو رفضه في ما يخص إجراء البحث، كإجراء تتحقق من خلاله المحكمة من توفر الجدية والضرورة من اتخاذه.
ومن خلال الفصل 71 من ق م م[12]، نجد أن المشرع المغربي وضع شروطا لجواز الأمر بالبحث وهي :
أ-أن تكون الوقائع المراد إثباتها مفيدة في تحقيق الدعوى.
ب-أن يسمح القانون بإثبات هذه الوقائع بشهادة الشهود: هنا يتم الرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود على اعتبار أنه هو الذي يحدد حجية هذه الطريقة في الإثبات.[13]
ثانيا: الحكم بالبحث
يعتبر حكم القاضي بالبحث حكما تمهيديا لا يمكن الطعن فيه بصفة مستقلة عن الحكم الفاصل في الموضوع، ويبين هذا الحكم الوقائع التي سيجري بشأنها البحث حتى يتمكن الخصوم والشهود من معرفة نطاق الشهادة، وأن يبين الحكم يوم وساعة الجلسة التي سيتم فيها. وفي ذلك حث للمحكمة على تنفيذ البحث في تاريخ محدد حتى لا يبقى الإجراء معطلا في انتظار التنفيذ،[14] و يتضمن الحكم كذلك استدعاء الأطراف للحضور وطريقة استدعاء الشهود، كما نشير أن للمحكمة السلطة في أن تتراجع عن هذا الحكم التمهيدي إذا ما رأت لذلك أسباب سائغة.[15]
الفقرة الثانية: وضعية الشهود وتنفيذ البحث.
أوجب المشرع المغربي على الشخص الذي يؤدي شهادة أمام القضاء توفره على مجموعة من الشروط ،كما يمكن تجريح الشهود إن توفرت شروط التجريح أو أي سبب خطير( أولا) وعندما تتوفر جل شروط تأدية الشهادة وغياب سبب خطير لتجريح يتم المرور الى مرحلة تنفيد البحث التي تحتوي على مجموعة من الأحكام( ثانيا).
أولا: وضعية الشهود
يعتبر الشاهد[16] شخص من الغير يدعى أمام المحكمة ليشهد بما يعرفه من وقائع منتجة في الدعوى، والشاهد يمكن أن يكون مواطنا أو أجنبيا فلا فرق في إجراءات الاستماع إلى شهادتهما بحيث يطبق قانون المسطرة المدنية، ذلك ما قضى به قرار لمحكمة النقض على أنه “ إذا كانت الأحوال الشخصية للأجانب تحكمها قوانينهم الشخصية فيما يخص الجوهر فإن مسطرة الاستماع إلى الشهود الواجب تطبيقها، هي المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية دون سواه”.[17]
وأوجب المشرع المغربي على الشخص الذي يؤدي شهادة أمام القضاء أن يكون أهلا للشهادة وحددها بالعناصر التالية: السن، السوابق العدلية والقرابة.
أ-السن: طبقا للفصل 76 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الأخيرة. [18] فأهلية الشهادة محددة في ستة عشر سنة كاملة بحيث لا يؤدي الأفراد الذين لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة اليمين ولا يستمع إليهم إلا على سبيل الاستئناس.
ب-السوابق العدلية : انطلاقا من الفقرة الثانية من الفصل 75 من ق م م التي تنص على أنه ” لا تقبل أيضا شهادة الأشخاص الذين نص القانون أو أمر قضائي [19]بأنهم عديمو الأهلية لتأدية الشهادة في كل الإجراءات وأمام القضاء.”
ج-القرابة: وذلك طبقا للفقرة الأولى من الفصل 75 من ق م م الذي نص على أنه “لا تقبل شهادة من كانت بينهم وبين الأطراف أو أزواجهم رابطة مباشرة من قرابة أو مصاهرة من الأصول، أو الفروع أو الحواشي إلى الدرجة الثالثة بإدخال الغاية عدا إذا قرر القانون خلاف ذلك.”[20]
ونشير أن المشرع أعفى بعض الأشخاص من أداء الشهادة إذا كانوا ملزمين بالمحافظة على السر المهني كالأطباء والمحامين والموظفين العموميين، ونص على عقوبة جنائية في حالة إفشاء السر المهني وذلك بمقتضى الفصل 446 من القانون الجنائي.[21]
وفيما يخص تجريح الشاهد وطبقا للفصل 79 من ق م م، أشار المشرع في الفقرة الثانية منه على أنه “ يمكن تجريح الشهود لعدم أهليتهم لأداء الشهادة أو للقرابة القريبة أو لأي سبب خطير آخر.”
ويظهر من هذه الفقرة أن المشرع لم يحصر أسباب التجريح بل تركها مفتوحة بعبارة ” أو لأي سبب خطير أخر” ، حيث ترك للمحكمة السلطة التقديرية لتكييف الأسباب بأنها خطيرة أم لا لكي يكون مبررا لتجريح، وإذا استبعدت المحكمة شهادة شاهد لأحد أسباب التجريح تعين عليها أن تبين سبب التجريح بدقة، وذلك حتى تتمكن محكمة النقض من ممارسة رقابتها.[22]
كما أنه يجب على الخصم أن يقدم طلب التجريح قبل أداء الشاهد لشهادته، عدا إذا لم يظهر سببه إلا بعد ذلك، وقد قضت محكمة النقض في هذا الباب في قرار لها على أنه ” تكون محكمة الموضوع قد خرقت القانون عندما سلمت لتجريح شاهد بعد إدلائه شهادته، في حين أن المعني بالأمر كان على علم قبل أداء الشاهد شهادته سبب التجريح”[23].
ثانيا: تنفيذ البحث
من خلال هذه المرحلة يتم :
أ-استدعاء وحضور الشهود: حيث يمكن للأطراف استدعاء شهودهم مباشرة برسالة مضمونة أو عن طريق كتابة الضبط، وفق الشروط المنصوص عليها في الفصول 37[24] و[25]38 و39[26] من ق م م، ويتم إشعار كتابة الضبط خلال خمسة أيام بأسماء الشهود الذين يرغبون في الاستماع اليهم، ويمكن للأطراف أيضا تقديم شهودهم في اليوم والساعة المحددين بتاريخ الجلسة. كما أنه ليس هناك ما يمنع الشهود من الحضور تلقائيا أمام المحكمة لأداء الشهادة، فإذا تخلف الشاهد عن الحضور رغم استدعائه بصفة صحيحة، أمكن الحكم عليه بحكم قابل للتنفيذ رغم التعرض أو الاستئناف بغرامة لا تتعدى خمسين درهما.
ب-عرض الشاهد لهويته: حيث يصرح الشاهد قبل سماع شهادته باسمه العائلي ومهنته وعمره وموطنه، وما إذا كان قريبا أو صهرا للأطراف وعلاقته بهم.
ج-أداء الشاهد اليمين: بأن يقسم الشاهد على قول الحقيقة، فإذا لم يؤد اليمين كانت شهادته باطلة، وهذا ما أكذه المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا- في قرار لها بتاريخ 8 يوليوز 1958″ يعد أداء اليمين شرطا أساسيا لصحة الشهادة ما لم تقع معارضة في قبول الشاهد من طرف أحد الخصوم في الدعوى، فتستمع إذ ذاك على وجه الاستعلام فقط ولا يكون ملزما بأداء اليمين. “[27]
من خلال هذا القرار فإنه في حالة أداء الشهادة دون اليمين لا يجوز للمحكمة أن تعتمدها عند الاقتضاء إلا كمجرد معلومات، كما هو الشأن بالنسبة لشهادة القاصرين.
د-يسمع لكل شاهد على انفراد: حيث يتم الاستماع إلى كل شاهد على انفراد، أي في غيبة باقي الشهود الأخرين، وذلك مخافة أن يتأثر الشاهد مما يسمعه من الشهود الأخرين.
ه-يجب أن يؤدي الشاهد شهادته شفاهيا، ولا يمكنه أن يستعين بالمذكرات الدفاعية إلا بصفة استثنائية وبعد إذن القاضي له بذلك .
و-يجيب الشاهد على أسئلة المحكمة بقول الحقيقة: حيث للمحكمة سلطة استفسار الشاهد إما تلقائيا أو بناء على طلب الأطراف أو أحدهم،[28] ويتعين على هذه الاسئلة أن تكون سهلة الفهم وغير إيحائية.[29]
الفقرة الثالثة: مرحلة إنهاء البحث وتقديره:
تعتبر مرحلة إنهاء البحث المرحلة التي يتم من خلالها إشعار الشاهد بما أدلى به وفق مجموعة من الإجراءات ( أولا) ثم تقوم المحكمة باستخلاص النتائج من البحث الذي أجرته ( ثانيا).
أولا: إنهاء البحث
تقوم المحكمة في هذه المرحلة بتلاوة الشهادة على الشاهد، هذا الأخير الذي يقوم بالتوقيع عليها في محضر البحث، أو يشار إلى أنه لا يعرف أو لا يريد التوقيع.
ثم بعد ذلك يتم وضع محضر البحث الذي يحرره كاتب الضبط الذي يتضمن مجموعة من البيانات التي أشار اليها الفصل 38 من ق م م، ببيان اليوم ومكان وساعة الاستماع وغياب أو حضور الأطراف، والأسماء العائلية والشخصية والمهنة وسكنى الشهود وأدائهم اليمين وتصريحاتهم، وإذا كانت هناك رابطة تتعلق بالزوجية أو القرابة أو المصاهرة أو الخدمة أو العمل عند الأطراف، وأوجه التجريح وشهادتهم والإشارة إلى تلاوتها عليهم.[30]
ويرفق محضر البحث بأصل الحكم، باعتبارها وسيلة لتمكين الخصم من دليل إثبات يمكن استعماله في دعوى أخرى، وأكد الأستاذ محمد المجدوبي الإدريسي أن هذا المقتضى لا يتم تنزيله في الواقع العملي، ودعا المحاكم إلى التقيد به وتنزيله على أرض الواقع.
وبعد وضع محضر البحث يمكن للمحكمة أن تبث في القضية حالا إذا رأت أنها جاهزة ومكتملة لجميع عناصرها، وإما أن تقوم بتأخيرها إلى جلسة مقبلة لتمكين الخصوم من إبداء ملاحظاتهم أو مستنتجاتهم.
ثانيا: تقدير البحث
للمحكمة السلطة التقديرية لاستخلاص النتائج من البحث الذي أجرته وفق قناعتها، حيث تقدر قيمة شهادة الشهود إذا ما كانت كافية للإثبات أو غير كافية، ولها أن تأخذ شهادة شاهد واحد وتستبعد شهادة عدة شهود أخرين.
لذلك للمحكمة صلاحية واسعة منحها لها المشرع المغربي لتقدير شهادة الشهود، والأخذ بالمفيد والجدي في الملف، وإبعاد ما لا طائل منه .
المطلب الثاني: موقع إعمال مسطرة الأبحاث في المنازعات الأسرية
تتعدد المجالات التي تسلك فيها المحكمة مسطرة الأبحاث في القضايا الأسرية كإجراء يتم بواسطته تلقي شهادة الشهود في المنازعات الأسرية، ويمكن إجمال مجالاتها في دعاوي ثبوت الزوجية و دعاوي الطلاق ( الفقرة الأولى) و دعاوى إثبات الضرر المبرر للتطليق و إثبات الحجر ( الفقرة الثانية) وفي حالة النزاع حول متاع بيت الزوجية و إثبات الوفاة ( الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : مسطرة الأبحاث في دعاوي ثبوت الزوجية و دعاوي الطلاق
يعتبر إثبات العلاقة الزوجية من أهم وأكثر القضايا المطروحة على القضاء، فعقد الزواج يعتبر أهم وثيقة إثباتية، حيث يعتمد عليها عند أي نزاع ويحتج بها في مجالات ثبوت الزوجية أو النسب أو الإرث[31]( أولا) كما وضع المشرع المغربي في مدونة الأسرة إجراءات قانونية وجب اتباعها لمن يريد انحلال ميثاق الزوجية، وذلك حماية للمصلحة الفضلى للأسرة، بالإضافة إلى حماية حقوق الزوجة المطلقة والأولاد.( ثانيا)
أولا: مسطرة الأبحاث في دعاوي ثبوت الزوجية
سمح المشرع المغربي بسماع دعوى الزوجية دون أن يقيد إثباتها بوسيلة مخصوصة، بل نص على الاعتماد على جميع الوسائل التي يمكن أن تقود إلى ثبوت الرابطة الزوجية، وهو ما نصت عليه المادة 16 من مدونة الأسرة في فقرتها الثانية “إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة…”
حيث من خلال هذه الفقرة فالمحكمة تجري البحث عن الظروف والقرائن المؤكدة لوجود العلاقة الزوجية معتمدة على جميع وسائل الإثبات بما فيها الاستماع إلى الشهود[32].
وفي هذا الصدد جاء في قرار لمحكمة النقض أنه “ إن محكمة الموضوع أقامت قضاءها على ما اطمأنت إليه من أدلة منتجة في الدعوى، ومنها البحث الذي أجرته المحكمة الابتدائية في القضية، وعللت بأن العلاقة الزوجية قائمة بين الطرفين بإقرارهما حسب المستفاد من بينة الزوجية عدد 235 المقامة بطلب منهما في 13\1\2000، والتي يفيد شهودها بأن الطرفين مرتبطان بعلاقة زوجية مند عشرين سنة سلفت عن تاريخها، بوالي معروف هو صهرها وعلى صداق مسمى قدره 200 درهم قبضته الزوجة، وباستمرار هذه العلاقة بدون انفصام إلى الآن، مما يخلص منه أن ركن الرضا بالزوجية تابت بإرادة الطرفين، وشهادة اللفيف الذي بنوا مستند علمهم على المخالطة والمجاورة، مما يعني من جهة أخرى أن النكاح قد اشتهر بين الناس وفشا خبره مما يكفي لثبوته، وإن لم يحصل إشهاد من عدلين في وقت انعقاده، لأنه ليس بركن في العقد ولا يشترط فيه وإنما مندوب كما تقرر لدى شراح ابن عاصم عند قوله” وفي الدخول الحتم في الإشهاد”، “وهو مكمل في الانعقاد” وبذلك فإن محكمة الموضوع تكون قد أجابت عن الدفوع المثارة وعللت قضاءها تعليلا كافيا وسليما وأقامته على أساس.”[33]
ويظهر من خلال هذا القرار أن المحكمة حين اعتمدت في حكمها على البحث في القضية وذلك من خلال الشهود وإقرار الزوجين، بأن العلاقة الزوجية قائمة بينهما مند عشرين سنة. فالمحكمة عللت قرارها تعليلا كافيا وسليما وأقامته على أساس.
كما جاء في قرار أخر صادر عن محكمة النقض أنه ” الغاية من كتابة عقد الزواج هو إثبات تحققه وليس ركنا في العقد، لكن إن تعذر الإشهاد في حينه اعتمدت سائر وسائل الإثبات للتأكد من تحققه ومن ذلك شهادة الشهود المزكاة باليمين.[34]”
وهذا ما قضى به حكم صادر عن محكمة الاستئناف بالجديدة الذي نص ” وحيث أن مؤدى هذه المقتضيات ” المادة 16″ ، أن الأصل في قيام العلاقة الزوجية هو عقد الزواج، غير أن تمة حالات يتعذر فيها على الأزواج عقد الزواج في حينه، لأسباب وظروف قاهرة تحول دون ذلك، وفي هذه الحالة تجري المحكمة بحثا تستقصي بموجبه الظروف المؤكدة لوجود العلاقة الزوجية، معتمدة في ذلك على جميع وسائل الإثبات بما فيها الاستماع إلى الشهود..” [35]
ويتضح من خلال هذا القرار أن للمحكمة أن تستند في إثبات الزوجية على جميع وسائل الإثبات من بينها شهادة الشهود، التي تعتبر في الفقه الإسلامي أهم وسيلة للإثبات في جميع الميادين، وخاصة في مجال الأحوال الشخصية، وهي أكبر حجة بعد الإقرار.[36]
فشهادة السماع كما عرفها ابن عرفة بأنها لقب لما يصرح الشاهد فيه باستناد شهادته لسماع من غير معين، فمدونة الأسرة لسنة 2004 اعتمدت المستند الخاص لعلم الشهود لإثبات الزوجية، وهذا ما أكد عليه قرار صادر عن محكمة النقض على أنه ” لئن كانت المادة 16 من مدونة الأسرة أجازت بصفة انتقالية سماع دعوى الزوجية بالبينة الشرعية، فإنه يجب أن تستجمع هذه البينة شروطها المقررة فقها ومنها توفرها على المستند الخاص لعلم شهودها المتمثل في حضورهم مجلس العقد ومعرفة الوالي والصداق وأن تحول أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، والمحكمة لما قبلت بينة استند فيها الشهود إلى المخالطة والمجاورة وشدة الاطلاع، تكون قد خالفت ما هو مقرر فقها وعرضت قرارها للنقض.[37]”
والذي يلاحظ في هذا القرار أنه تطلب حضور الشهود مجلس العقد، مع أن هذا المجلس غالبا ما يحضره أقارب الزوجين فقط، ومن المعلوم أن شهادة الأقارب لا يؤخذ بها إلا على سبيل الاستئناس، ولذلك فإنه نادرا ما سيتم قبول شهادة اللفيف، وهذا التشدد في إعمال المستند الخاص لعلم الشهود يمثل مظهرا من مظاهر ما ينبغي أن تحظى به حقوق الناس من الضمانات.[38]
وهكذا يمكن إثبات الزوجية عن طريق شهادة الشهود، ولو كانت سماعية إذا كانت تفيد بأن فلانة زوجة فلان، وأن لهما أبناء يتعاشران معاشرة الأزواج،[39] وإلى هذا أشار قرار لمحكمة النقض الذي جاء فيه ” تثبت دعوى الزوجية بشهادة السماع متى كانت مفصلة كبنية القطع، بأن تقول سمي لهاو أجل كذا، وعقد لها وليها فلان، ولا يكفي الإجمال فعقد النكاح لا يتم إلا بذكر جميع أركانه ( وركنه ولي وصداقا وصيغة ومحل) واختلال ركن واحد من أركان النكاح يؤدي إلى بطلانها لأن مع الإجمال يتصرف الاحتمال وهو مانع من القضاء[40].”
ويتضح مما سبق أن الأبحاث في دعاوى ثبوت الزوجية تلعب دورا هاما في التأكد من الظروف المؤكدة لوجود العلاقة الزوجية، وذلك بالاعتماد على جميع وسائل الإثبات بما فيها الشهود الذي يتم تلقي شهادتهم عبر الأبحاث طبقا للفصول 71 إلى 84 من قانون المسطرة المدنية.
ثانيا: مسطرة الأبحاث في دعاوي الطلاق
نظم المشرع المغربي مسطرة انحلال العلاقة الزوجية إلى جانب القواعد الموضوعية الواجبة التطبيق في المواد من 70 إلى 128 من مدونة الأسرة، ومن هذه الإجراءات طلب الإذن من المحكمة طبقا للمادة 79 من المدونة[41]، ويترتب على هذا الطلب مرور الأطراف على مسطرة الإصلاح بين الطرفين طبقا للمادة 81 من المدونة، التي حددت إجراءات استدعاء الأطراف، وما ينتج عن غياب الزوج أو الزوجة بعد التوصل شخصيا بالاستدعاء. حيادا على مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 38 من قانون المسطرة المدنية التي تمثل القاعدة العامة،[42] كما يتضح من مقتضيات المادة 81 من المدونة أن التوصل بالاستدعاء يجب أن يكون شخصيا للطرفين معا،[43] وأن الزوجة إذا ما توصلت ولم تحضر ألزم المشرع المحكمة بإخطارها مرة ثانية بواسطة النيابة العامة، وإذا ما قررت عدم الحضور وجب عليها أن تقدم ملاحظاتها بشأن ذلك إلى المحكمة بكيفية كتابية.[44]
كما أن المحكمة تستعين بالنيابة العامة متى ظل عنوان الزوجة مجهولا، غير أنه متى اتضح أن الزوج قد استعمل وسائل احتيالية لكي لا تتوصل الزوجة بالاستدعاء توبع طبقا لمقتضيات الفصل 361 من القانون الجنائي،[45] وذلك بناء على شكوى تتقدم بها الزوجة. حيث لا يمكن لنيابة العامة تحريك المتابعة ضد الزوج المتحايل بشأن عنوان زوجته إلا بعد توصلها بشكوى من هذه الأخيرة.
وعند حضور الزوجين تجرى المناقشات سرا داخل غرفة المشورة، حيث تقوم المحكمة بالأبحاث اللازمة منها الاستماع إلى الشهود، والى جميع من ترى فائدة في الاستماع إليه وذلك لمناقشة الوقائع، كما للمحكمة أن تعين حكمين من بين أفراد أسرتي الزوجين للسداد بينهما، وعليها أن تتحقق مسبقا من كونهما من ذوي المروءة والحكمة ولها تأثير معنوي على الزوجين،[46] وفي حالة تعذر وجود حكمين من أسرتيهما يمكن للمحكمة أن تعين من يكون مؤهلا للقيام بذلك مع توفره على المواصفات المذكورة، كما يمكن لها الاستعانة بمجلس العائلة، أما إذا تعلق الأمر بوجود أطفال فيجب إجراء محاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما.
لذلك يظهر أن المحكمة ملزمة بالبحث والتحري عن أسباب طلب طرف الطلاق أو التطليق وذلك باستدعائهم لجلسة صلح في غرفة المشورة، مع الاستعانة بالشهود وكل ما تراه مفيدا لمناقشة وقائع الدعوى وحيثيات النزاع، وذلك لن يكون إلا بحضور الطرفين شخصيا لمحاولة الصلح بينهما التي تبدل فيها المحكمة جهدها لإصلاح ذات البين.
الفقرة الثانية: مسطرة الأبحاث في دعاوى إثبات الضرر المبرر للتطليق و إثبات الحجر
يعتبر إجراء البحث من الإجراءات التي قد تعتمد عليهم المحكمة لإثبات الضرر عبر الاستماع إلى الشهود (أولا)، كما منح المشرع للمحكمة سلطة الاعتماد على سائر وسائل الإثبات الشرعية منها شهادة الشهود في إثبات الحجر و رفعه ( ثانيا).
أولا: مسطرة الأبحاث في دعاوى إثبات الضرر المبرر للتطليق
منح المشرع المغربي للمحكمة سلطة واسعة لإثبات وقائع الضرر المبررة للتطليق وذلك بنص المادة 100 من مدونة الأسرة في فقرتها الأولى على أنه “ تثبت وقائع الضرر بكل وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود، الذين تستمع إليهم المحكمة في غرفة المشورة.”
من خلال هذه الفقرة يتضح أن الضرر يثبت بكل وسائل الإثبات الممكنة كالقرائن وشهادة الشهود الذين يتم الاستماع إليهم في غرفة المشورة وذلك في إطار مسطرة الأبحاث التي تجريها المحكمة في هذا الإطار، وهذا ما وضحه المشرع في الدليل العملي لمدونة الأسرة بقوله ” كما يثبت الضرر بكل وسائل التحقيق التي تراها المحكمة مفيدة كإجراء البحث والمعاينة والخبرة، وللمحكمة سلطة تقديرية في تقييم الأدلة والحجج المعروضة عليها، وتجدر الإشارة إلى أن الاستماع إلى الشهود أو إجراء البحث والتحقيق يقع بجلسة بغرفة المشورة يحضرها أطراف النزاع فقط حفاظا على أسرار الأسرة.”[47]
و شهادة الشهود هنا تبقى خاضعة للسلطة التقديرية للمحكمة، حيث قضى قرار لمحكمة النقض على أنه ” تقدير الحجج وتقيميها يخضع لسلطة التقديرية للمحكمة، متى كان ما توصلت إليه سائغا، وتكون المحكمة قد صادفت الصواب لما استخلصت من اللفيف المستفسر وجود الضرر المبرر للتطليق الحاصل للزوجة.”[48]
لذلك فإجراء البحث من الإجراءات التي قد تعتمد عليهم المحكمة لإثبات الضرر، عبر الاستماع إلى الشهود وهذا ما جاء في حكم للمحكمة الابتدائية بالصويرة بتاريخ 12\04\2005 أنه “ وحيث أنه استنادا إلى الفقرة الأولى من المادة 100 من مدونة الأسرة استمعت المحكمة إلى شهود المدعية.. فأكدوا جميعهم واقعة الاعتداء والتي تسببت في آثار ضرب وجرح خطيرة على المدعية، كما أكدوا بأنهم يعلمون عن طريق السماع بأن المدعى عليه دائم الاعتداء عليها”[49]
كما جاء في حكم المحكمة الابتدائية بالناظور بتاريخ 19\06\2006 على أنه “ وحيث تبث للمحكمة من خلال وثائق الملف، وما تضمنته جلسات البحث والصلح أن ادعاء الزوج بأن البنت.. ليست من صلبه، دون أن يدلي بدلائل قوية على ادعائه أو سلوك مسطرة اللعان. ألحق بالزوجة إساءة معنوية جعلتها غير قادرة على الاستمرار في العلاقة الزوجية، مادام أنه اتهمها بموجب ادعائه بأنها أتت بالبنت من زنا، وبالتالي فإن الادعاء المكرر يشكل وعاء للضرر المبرر للتطليق المنصوص عليه في المادة 99 من مدونة الأسرة.”[50]
لذلك يتضح مما سبق على أن المحكمة تتأكد من تحقق الضرر بالزوجة عبر جلسات البحث والاستماع إلى الشهود وغيرها من الوسائل الممكنة التي تساعد المحكمة في التأكد من توفر الضرر، وعند عدم ثبوت الضرر وتشبت الزوجة بطلب التطليق أمكن لها اللجوء إلى مسطرة الشقاق دون حاجة إلى فتح ملف جديد في الموضوع.[51]
ثانيا: مسطرة الأبحاث في دعاوى إثبات الحجر ورفعه
إن دعوى الحجر تهدف إلى الطعن في أهلية المدعى عليه، وهو الشخص المراد الحجر عليه، وهي بذلك دعوى تترتب عليها آثار هامة، تتمثل في أن القاضي عند إصدار حكمه سينطق بانعدام أهلية المحجور عليه لسبب الجنون أو العته، أو باعتباره ناقص الأهلية إذا كان السبب هو السفه، وبالتالي يتوجب التحقق من توفر أسباب الحجر المدعى بها، وبذلك تنص المادة 222 من مدونة الأسرة على أنه ” تعتمد المحكمة في إقرار الحجر ورفعه، على خبرة طبية وسائر وسائل الإثبات الشرعية.”
و من خلال هذه المادة منح المشرع للمحكمة سلطة الاعتماد على سائر وسائل الإثبات الشرعية منها شهادة الشهود التي يتم تلقيها عبر إجراء الأبحاث، وهذا ما قضى به قرار لمحكمة النقض ” إذ ثبت للمحكمة من خلال التقريرين الطبيين اللذين حررهما أطباء اختصاصيون، ومن البحث الذي أجرته المحكمة بمحضر أطراف النزاع، أن المطلوبة في النقض تتمتع بصحة بدنية عادية بالنسبة لسنها وحالتها العقلية سليمة، وأنها أجابت على كل الأسئلة سواء من طرف الأطباء الخبراء، أو من طرف المحكمة أثناء البحث، ولم يتبين أنها بذرت أموالها، وقضت برفض طلب التحجير على المطلوبة تكون قد صادفت الصواب.[52]”
ويظهر من خلال هذا القرار أن المحكمة في دعوى إقرار الحجر تقوم بإجراء البحث إلى جانب الخبرة الطبية، وتستدعي المطلوب الحجر عليه وتقوم بطرح الأسئلة عليه، وذلك لتأكد من حالته العقلية والبدنية حفاظا على حقوقه المالية.
كما جاء في حكم للمحكمة الابتدائية بخريبكة على أنه “ وحيث أحضرت المدعية البنت المطلوب الحجر عليها.. وطرحت عليها أسئلة من طرف المحكمة فلم تستجيب لها ولم ترد بشيء، وحيث أكد شهود موجب الإعاقة المدلى بصوره منه مطابقة للأصل، أن المعنية بالأمر معاقة إعاقة ذهنية مند ولادتها، عدمت بها صوابها ورشدها وفقدت بها أهليتها لمباشرة حقوقها المدنية وتدبير شؤونها المالية، وأنها لازالت على حالها إلى الآن وأن أمها هي الأولى بالتقديم عليها..[53]”
ويتضح مما سبق أن للمحكمة الصلاحية في إقرار الحجر ورفعه، وذلك باعتماد على سائر وسائل الإثبات الشرعية ومنها البحث، وطرح الأسئلة على المطلوب التحجير عليه لتأكد من حالته العقلية والنفسية، والاستعانة بشواهد الطبية وأقوال الشهود لتأكد من ما يدعيه طالب الحجر.
الفقرة الثالثة : مسطرة الأبحاث في حالة النزاع حول متاع بيت الزوجية و إثبات الوفاة
تعد شهادة الشهود التي يتم تلقيها عبر مسطرة الأبحاث، قاعدة عامة التي يمكن أن تعتمد عليها المحكمة في حالة النزاع حول بيت الزوجية( أولا)، كما يمكن إعمال مسطرة الأبحاث لإثبات الوفاة عبر الاستعانة بشهادة الشهود ( ثانيا).
أولا: مسطرة الأبحاث في حالة النزاع حول متاع بيت الزوجية
انطلاقا من المادة 34 من مدونة الأسرة التي تنص في فقرتها الأولى على أنه “ كل ما أتت به الزوجة من جهاز وشوار يعتبر ملكا لها. إذا وقع نزاع في باقي الأمتعة، فالفصل فيه يخضع للقواعد العامة للإثبات. “
من خلال هذه المادة التي اعتبرت أن كل ما تحمله الزوجة من جهاز وفراش من بيت والديها إلى بيت الزوجية ملك خالص لها، أما باقي أمتعة بيت الزوجية فالفصل فيه إن وقع نزاع حول ملكيتها يرد إلى القواعد العامة للإثبات.[54]
لذلك لما كانت القواعد العامة للإثبات التي يقرها القانون طبقا للفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود هي إقرار الخصم، الحجة الكتابية، شهادة الشهود، القرينة واليمين.
فشهادة الشهود التي يتم تلقيها عبر مسطرة الأبحاث، تعتبر هنا قاعدة عامة التي يمكن أن تعتمد عليها المحكمة في حالة النزاع حول بيت الزوجية طبقا للمادة 34 من المدونة، وهذا ما قضى به حكم للمحكمة الابتدائية بمراكش بتاريخ 19\3\07 على أنه ” لما ثبت للمحكمة أن المدعية اصطحبت معها فعلا شوارها بمقتضى لفيف عدلي طبا لشهادة الشهود، وأن المدعى عليه لم يستطيع إثبات عكس ذلك أي أنها أخذته عند مغادرتها لبيت الزوجية، مما يكون طلبها وجيها ويتعين الاستجابة لطلبها في هذا الخصوص”[55]
ومن خلال هذا الحكم فالمحكمة استندت في حكمها على لفيف عدلي طبقا لشهادة الشهود فيه التي يتم تلقيها بمسطرة الأبحاث، كوسيلة إثبات أن المدعية اصطحبت معها فعلا شوارها.
ثانيا: مسطرة الأبحاث في إثبات الوفاة وتاريخها
طبقا للمادة 74 من مدونة الأسرة التي تنص في فقرتها الأولى على أنه “ تثبت الوفاة وتاريخها أمام المحكمة بكل الوسائل المقبولة..” ويقصد بعبارة كل الوسائل المقبولة أمام القضاء في هذه المادة، الأوراق المكتوبة الرسمية والعرفية، والاستماع إلى الشهود وغيرها.
لذلك فمجال إعمال مسطرة الأبحاث هنا يتمثل في إمكانية المحكمة الاستعانة بشهادة الشهود منها شهادة رجلين عدلين وشهادة السماع.
1-شهادة رجلين عدلين
حيث يشهدان بالوفاة شهادة رؤية ومعاينة، بأن يقولا مثلا : رأيناه حتى غسل وصلي عليه ودفن، أو نحن غسلناه ودفناه، فتقبل شهادتهما.[56]
2-شهادة السماع
من الوسائل التي تثبت بها الوفاة شهادة السماع، وتثبت بها الوفاة باتفاق المذاهب الأربعة، وقد عرفها ابن عرفة بقوله : هي لقب لما يصرح الشاهد فيه باستناد شهادته لسماع من غير معين.[57]
خاتمة:
حاولنا على امتداد صفحات هذه الدراسة المتواضعة معالجة مسطرة الأبحاث في قانون المسطرة المدنية وذلك ببيان ماهيتها و إجراءاتها الأساسية بقدر من التحليل و الدراسة قانونيا و فقهيا و قضائيا كما أبرزنا موقع إعمالها في المنازعات الأسرية وفق ما هو منصوص عليه في مدونة الأسرة المغربية و العمل القضائي، ومنها استخلصنا مجوعة من الخلاصات و الاقتراحات .
أولا: الخلاصات
– تنظيم المشرع المغربي الإجراءات القضائية التي يتم بواسطتها تلقي شهادة الشهود أمام المحكمة وذلك في الفصول 71 إلى 84 من قانون المسطرة المدنية تحت عنوان ” الأبحاث”.
– تنظيم المشرع إجراءات الأبحاث على أساس أنها مسألة عارضة يلجأ اليها للتحقيق في دعوى أصلية والتي تبدأ بطلب إجراء البحث والحكم به ،يليها تنفيد البحث ووضعية الشهود و تنتهي بإنهاء البحث وتقديره.
– منح المشرع المغربي للمحكمة السلطة التقديرية في قبول طلب أحد الخصمين أو رفضه في ما يخص إجراء البحث.
– يعتبر حكم القاضي بالبحث حكما تمهيديا لا يمكن الطعن فيه بصفة مستقلة عن الحكم الفاصل في الموضوع.
– أوجب المشرع المغربي على الشخص الذي يؤدي شهادة أمام القضاء توفره على مجموعة من الشروط.
– للمحكمة السلطة التقديرية لاستخلاص النتائج من البحث الذي أجرته وفق قناعتها.
-تعدد المجالات التي تسلك فيها المحكمة مسطرة الأبحاث في القضايا الأسرية كإجراء يتم بواسطته تلقي شهادة الشهود في المنازعات الأسرية، ويمكن إجمال مجالاتها في دعاوي ثبوت الزوجية و دعاوي الطلاق و دعاوى إثبات الضرر المبرر للتطليق و إثبات الحجر وفي حالة النزاع حول متاع بيت الزوجية و إثبات الوفاة.
– للمحكمة أن تستند في إثبات الزوجية على جميع وسائل الإثبات من بينها شهادة الشهود.
– تلعب الأبحاث في دعاوى ثبوت الزوجية دورا هاما في التأكد من الظروف المؤكدة لوجود العلاقة الزوجية.
– يعتبر إجراء البحث من الإجراءات التي قد تعتمد عليهم المحكمة لإثبات الضرر المبرر للتطليق عبر الاستماع إلى الشهود.
– منح المشرع للمحكمة سلطة الاعتماد على سائر وسائل الإثبات الشرعية منها شهادة الشهود التي يتم تلقيها عبر إجراء الأبحاث في إثبات الحجر و رفعه.
– تعد شهادة الشهود التي يتم تلقيها عبر مسطرة الأبحاث، قاعدة عامة التي يمكن أن تعتمد عليها المحكمة في حالة النزاع حول بيت الزوجية و إثبات الوفاة.
ثانيا: الاقتراحات
– الرفع من سن أهلية الشهادة من ستة عشر سنة الى تمانيه عشر سنة لكي يكتمل الإدراك و التمييز.
– حصر أسباب تجريح الشاهد و تبيانها بشكل دقيق عوض التعبير عنها بعبارة المثل ” أي سبب خطير آخر” الواردة في الفصل 79 من ق م م.
– ضرورة إرفاق محضر البحث بأصل الحكم خلال مرحلة إنهاء البحث ، باعتبارها وسيلة لتمكين الخصم من دليل إثبات يمكن استعماله في دعوى أخرى، كمعطى لا يتم تنزيله في الواقع العملي.
— نقترح وضع تنظيم خاص للقواعد الإجرائية “الأبحاث” المتعلقة بالمادة الأسرية، بدل جمع بينها وبين القواعد الموضوعية في صلب مدونة الأسرة.
(محاماه نت)