دراسات قانونية
مفهوم العقوبة في أنظمة القوانين الوضعية (بحث قانوني)
بحث قانوني و دراسة عن مفهوم العقوبة في أنظمة القوانين الوضعية
المبحث الأول: مفهوم العقوبة:
نعرض في هذا المبحث لمفهوم العقوبة في أنظمة القوانين الوضعية، ومحاولة وضع تعريف جامع مانع ، وبيان عناصر العقوبة من خلال هذا التعريف.
مفهوم العقوبة في أنظمة القانون الوضعي:
تعددت التعريفات؛ فمنها:
• ” العقوبة: جزاء يوقع باسم المجتمع تنفيذا لحكم قضائي على من تثبت مسئوليته عن الجريمة”[4].
• ” العقوبة: جزاء تقويمي، تنطوي على إيلام مقصود، تنزل بمرتكب جريمة ذي أهلية لتحملها، بناء على حكم قضائي يستند إلى نص قانوني يحددها، ويترتب عليها إهدار حق لمرتكب الجريمة أو مصلحة له أو ينقصهما أو يعطل استعمالها.[5]
• ” العقوبة: إيلام قسري مقصود، يحمل معنى اللوم الأخلاقي والاستهجان الاجتماعي، يستهدف أغراضا أخلاقيا ونفعية محددة سلفا، بناء على قانون، تنزله السلطة العامة في مواجهة الجميع بحكم قضائي على من ثبتت مسئوليته عن الجريمة بالقدر الذي يتناسب مع هذه الأخيرة “Anchor [6].
• ” العقوبة: هي الجزاء الذي يقرره القانون ويوقعه القاضي من أجل الجريمة ويتناسب معها “[7].
ومن هذه التعريفات يتضح أن مفهوم العقوبة التقليدي يقوم على أنه جزاء في مقابل الجريمة التي ينص عليها المشرع، بينما يقوم المفهوم الحديث فضلا عن الجزاء على تقويم المذنب وتأهيله ليعود فردا صالحا في المجتمع.
ولعل أدق التعريفات هو أن: ” العقوبة جزاء وعلاج يفرض باسم المجتمع على شخص مسئول جزائيا عن جريمة بناء على حكم قضائي صادر من محكمة جزائية مختصةAnchor.Anchor[8]
ومن خلال هذا التعريف تتضح عناصر العقوبة :
أولا: العقوبة جزاء وعلاج: العقوبة جزاء، وهذا الجزاء ينطوي على الإيلام ؛ إلا أن عذاب العقوبة وألمها لم يعد يهدف إلى الانتقام والثأر وإنزال الأذى بمن اعتدى على أمن المجتمع ونظامه، بل أصبح وسيلة لإصلاحه وعلاجه، وهذا المفهوم للعقوبة دفع المشرعين لإلغاء عقوبات الحرق والتمزيق والصلب والوسم والكي بالنار؛ كما دفع العديد من التشريعات لإلغاء عقوبات الإعدام والأشغال الشاقة والسجن المؤبد.
ثانيا: العقوبة التي تفرض باسم المجتمع: العقوبة تفرض باسم المجتمع لأنها رد فعل اجتماعي لحماية أمن المجتمع وضمان استقراره، ولحماية الفرد من النوازع الإجرامية الموجودة في داخله.
ورد الفعل الاجتماعي لا يعطي الحق للأفراد لكي يقتصوا لأنفسهم من المجرمين؛ فالقصاص الفردي مرفوض من جميع الشرائع الوضعية، والمجتمع وحده صاحب الحق والسلطة في التجريم والعقاب.
ثالثا: العقوبة القانونية: ومعنى قانونية العقوبة أنه لا يجوز فرضها إلا إذا ورد النص عليها من المشرع في وقت لاحق لارتكاب الجريمة.
والسلطة التشريعية أو من تفوضه هي صاحبة الحق في النص عليها، وبيان جنسها ومقدارها، ومدى سلطة القاضي في تطبيقها.
رابعا: العقوبة لا تفرض إلا من قبل محكمة جزائية مختصة: والمقصود بذلك أنه لا يجوز فرض عقوبة من قبل سلطات الدولة الإدارية، بل يجب أن يناط فرضها بالسلطة القضائية، وبالمحكمة التي تعينها هذه السلطة لتنظر في القضايا الجزائية ضمن حدود ولايتها.
خامسا: العقوبة شخصية: أي أنه لا يجوز أن تمتد العقوبة إلى غير الشخص المسئول عن الفعل الإجرامي، ولا يصح أن تنال أحد أفراد أسرته، أو أحد أصدقائه أو أقاربه، كما لا يصح أن تنال المسئول بالمال؛ فهذا الشخص تقام الدعوى الشخصية عليه، ويحكم بتعويضات مالية لها الصفة المدنية، ولا يشترط أن تمس العقوبة الفاعل الأصلي للجريمة فقط، بل هي تمس أيضا الشريك والمحرض والمتدخل والمخفي.
سادسا: العقوبة يشترط فيها المساواة: ومعنى ذلك أن عقوبة جريمة معينة هي واحدة بالنسبة لجميع الناس دون تفريق بينهم من حيث الجنس أو اللون أو الطائفة أو الطبقة أو الثروة.
والمقصود بالمساواة هنا، المساواة في العقوبة بنص القانون، ومن الجدير بالذكر أن السلطة التي منحها المشرع للقاضي من أجل التفريق بين المجرمين حسب ظروفهم الشخصية لا تخل بهذه المساواة بل يمكن القول بأن المساواة في العقوبة لا تتحقق إلا بهذا التفريق.
سابعا: العقوبة قابلة للرجوع فيها: فإذا تبين للقضاء خطأه وأن العقوبة فرضت على شخص غير مسئول عن الجريمة فمن الواجب إيقاف تنفيذ العقوبة فورا والتعويض على المحكوم عليه أو ورثته لقاء ما لحقه من أذى لم يكن موضوعا في محله.
ثامنا: العقوبة تتناسب في طبيعتها ومقدارها مع شخصية الجاني: وهذا هو محتوى نظرية تفريد العقاب، وهذه النظرية ترى أن شخصية المجرم يجب أن يكون لها المكان الأول في القانون الجزائي، وأن العقوبة يجب أن تكون ملائمة لهذه الشخصية؛ فكل شخص يرتكب فعلا إجراميا لابد أن يكون في حقيقة الأمر مدفوعا بعوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية متعددة؛ وهذه الحقيقة تتطلب أن تكون العقوبة من حيث نوعها ومقدارها ملائمة لحالته للتمكن من إصلاحه وإعادته إنسانا سويا إلى حظيرة المجتمع، ولا مشاحة في أن ما يتفق من العقوبة مع زيد قد لا يتفق مع عمرو، وما ينفع في إصلاح بكر قد لا يجدي في إصلاح خالد.
ووسائل تفريد العقاب تتحدد عادة من قبل المشرع؛ فهو الذي يصنف الجناة ويقسمهم إلى فصائل أو زمر، ويبين درجة مسئولية كل واحد منهم والعقوبة التي تناسبه، والمشرع هو الذي يمنح القاضي سلطة تقدير العقوبة بين حدين أدنى وأعلى، أو يمنحه سلطة تخفيض العقوبة أو تشديدها، أو سلطة وقف تنفيذ العقوبة لبعض الطوائف من المدنيين ضمن شروط معينة، والمشرع هو الذي يضع القواعد الأساسية في تنفيذ العقوبة؛ ثم يترك الأمر للسلطة القضائية أو للسلطة الإدارية، أو للسلطتين معا؛ لتصنيف المحكوم عليهم وتطبيق العقوبات المفروضة عليهم حسب ظروفهم وأوضاعهم ، أو منحهم عفوا خاصا، أو وقف الحكم النافذ بحقهم والإفراج عنهم إفراجا شرطيا.[9]
المبحث الثاني: أنواع العقوبات في الأنظمة المقارنة:
في هذا المبحث أعرض إلى أنواع العقوبات في أنظمة القوانين المقارنة، وأتخير من الأنظمة المقارنة قانون العقوبات المصري فهو يسود في تقسيماته معظم الدول العربية، مفردا النظام السوري لوضوح تقسيم أنواع العقوبات وما يدخل تحتها من جزاءات، ثم اعرض إلى الاتجاه الحديث في العقوبة.
المطلب الأول: أنواع العقوبات بصفة عامة
إن التقسيم الأساسي للعقوبات الذي يكفل التمييز بين أنواع منها تختلف في أحكامها القانونية اختلافا واضحا هو تقسيمها إلى عقوبات أصلية من ناحية، وعقوبات تبعية أو تكميلية من ناحية أخرى. [10]
الفرع الأول: العقوبات الأصلية:
يقصد بالعقوبة الأصلية هي العقوبة التي قررها نص القانون للجريمة فور وصفه لنموذجها كالإعدام والأشغال الشاقة والسجن والحبس والغرامة. [11]
أولا: عقوبة الإعدام:
تعريف: الإعدام هو إزهاق روح المحكوم عليه، وهو من حيث خصائصه عقوبة جنائية فحسب، وهو من حيث دوره في السياسة الجنائية عقوبة استئصال إذ يؤدي إلى استبعاد من ينفذ فيه من عداد أفراد المجتمع وذلك على نحو نهائي لا رجعة فيه. [12]
عقوبة الإعدام في القانون المقارن:
ظهرت الموجة التشريعية لإلغاء عقوبة الإعدام منذ بداية هذا القرن يشوبها نوع من التردد؛ ففي إيطاليا ألغيت هذه العقوبة في عام 1899م ثم أعيدت في عام 1930 ، ثم ألغيت مرة أخرى 1974، وفي نيوزيلندا ألغيت هذه العقوبة سنة 1911 ثم أعيدت سنة 1950 ثم ألغيت مرة أخرى 1961، وفي أسبانيا ألغيت هذه العقوبة سنة 1932 ثم أعيدت سنة 1934 ثم ألغيت مرة أخرى بتعديل دستوري سنة 1978م في غير حالات الجرائم العسكرية في زمن الحرب.
وفي بعض الدول ظهر اتجاه نحو الحد من عقوبة الإعدام مثل روسيا السوفيتية؛ فقد ألغت عقوبة الإعدام سنة 1947 ثم أعادتها في بعض الجرائم مثل الجاسوسية والرشوة والقتل المشدد والاغتصاب.
وفي بعض الدول الأخرى ظهر بادئ الأمر الاتجاه نحو الحد من عقوبة الإعدام عن طريق إلغائها في عدد كبير من الجرائم؛ ثم ساد الاتجاه نحو إلغائها كلية؛ مثال المملكة المتحدة ففي عام 1957 ظهر قانون القتل مبقيا على عقوبة الإعدام إذا اقترن القتل بأحد ثلاثة ظروف، ثم صدر قانون 1964 يلغي هذه العقوبة في تلك الظروف مع جواز توقيعها إذا كان القتل مع سبق الإصرار، وفي سنة 1964 صدر قانون قرر إلغاء عقوبة الإعدام كلية ونص على وجوب صدور قانون جديد بعد خمس سنوات ينظم هذا الموضوع، وفي سنة 1970 صدر قانون يؤكد إلغاء عقوبة الإعدام، وفي السويد ألغيت عقوبة الإعدام سنة 1921 عدا بعض الحالات الاستثنائية، ثم صدر قانون سنة 1972 بإلغاء هذه العقوبة كلية.
وقد اتجهت بعض الدول إلى إلغاء عقوبة الإعدام كلية دون عودة كما في سويسرا سنة 1937، وفي ألمانيا الاتحادية سنة 1949.
موقف القانون المصري: أجاز القانون المصري توقيع عقوبة الإعدام في بعض الجرائم الخطيرة ؛ مثال ذلك: القتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد (م 230)، والقتل العمد بالسم ( م 233)، والقتل العمد المقترن بجناية أو المرتبط بجنحة ( م 235/2)، والحريق العمد إذا نشأ عنه موت شخص كان موجودا في الأماكن المحرقة ( م 157)، وشهادة الزور إذا حكم على المتهم بناء عليها بالإعدام ونفذ فيه ( 295)، وبعض جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الداخل ( م 86 وما بعدها) أو الخارج ( م 77 وما بعدها). [13]
ثانيا: العقوبات السالبة للحرية:
العقوبات السالبة للحرية هي الأشغال الشاقة بنوعيها المؤبد والمؤقت والسجن والحبس:
1- الأشغال الشاقة: هي سلب حرية المحكوم عليه وإلزامه بأعمال شاقة طيلة حيلته إن كانت العقوبة مؤبدة ، أو المدة التي يحددها الحكم إن كانت مؤقتة. [14]
2- السجن: وهو سلب حرية المحكوم عليه وإلزامه بأعمال أقل مشقة من الأعمال التي يلزم بها المحكوم عليه بالأشغال الشاقة وذلك خلال المدة التي يحددها الحكم.[15]
3- الحبس: وهو سلب حرية المحكوم عليه الذي يلتزم أحيانا بالعمل ويعفى أحيانا أخرى من هذا الالتزام ، وذلك خلال المدة التي يحددها الحكم.[16]
ثالثا: الغرامة:
تعريف: الغرامة هي إلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من النقود يقدره الحكم القضائي إلى خزانة الدولة.[17]
والغرامة في القانون المصري عقوبة أصلية أو عقوبة تكميلية، ولا تكون تبعية، وهي عقوبة مخالفات وجنح وجنايات.
الغرامة كعقوبة أصلية: يقرر القانون الغرامة كعقوبة أصلية في المخالفات والجنح؛ فالغرامة في المخالفات هي العقوبة العادية ولم يعد الشارع يقرر الحبس على المخالفات، والغرامة في الجنح ذات أهمية كبيرة فقد يقررها القانون وحدها في جنح غير هامة، وقد يقررها إلى جانب الحبس كعقوبة وجوبية أو جوازية، وقد يقررها مع الحبس على سبيل التخيير.
الغرامة كعقوبة تكميلية: يقرر الشارع الغرامة كعقوبة تكميلية إلى جانب عقوبة أصلية سالبة للحرية، وأكثر ما يفعل الشارع ذلك إنما يكون في الجنايات، وهو ينتقي لذلك في الغالب الجنايات التي يدفع إلى ارتكابها باعث الإثراء غير المشروع، ويريد بذلك أن يثبت للجاني أن ما ناله هو النقيض مما كان يستهدفه؛ مثال ذلك: الرشوة واختلاس الأموال العامة، وقد يقرر الشارع الغرامة كعقوبة تكميلية في جنايات لا يدفع إلى ارتكابها الإثراء غير المشروع كجنايات إحراز الأسلحة والذخائر (المادة 26 من القانون 394 لسنة 1954).[18]
وبالإضافة إلى ذلك يوجد نوع آخر من الغرامات يسمى الغرامة المختلطة وهو الذي تختلط فيه فكرة العقاب مع فكرة التعويض، ويبدو ذلك في الغرامة النسبية، والغرامة الضريبية، وغرامة المصادرة.
فالغرامة النسبية هي: الغرامة التي لا يحددها القانون بكيفية ثابتة بل يجعلها نسبية تتماشى مع الضرر الناتج من الجريمة أو الفائدة التي حققها الجاني أو حاول تحقيقها.[19]
وتتميز الغرامة النسبية بحكم هام عن الغرامة العادية: مؤداه أنه إذا تعدد المتهمون بالجريمة المستوجبة للغرامة النسبية فاعلين كانوا أو شركاء فلا يحكم عليهم جميعا إلا بغرامة واحدة تقاس بضرر الجريمة أو بفائدتها ( أي وفقا لضابط التناسب الذي حدده النص الخاص بهذه الجريمة) ويلتزمون بها متضامنين، ولكن يجوز للقاضي إعفاءهم من هذا التضامن.[20]
أما الغرامة الضريبية تتحدد عادة بنسبة معينة مما لم يؤد من الضريبة، وقد ذهبت بعض الأحكام إلى اعتبار هذه الغرامة ذات طبيعة مختلطة أي تجمع بين صفتي العقوبة والتعويض، وذهبت بعض التشريعات إلى إطلاق لفظ التعويض على هذه الغرامة وهو ما لا يتفق مع تكيفها القانوني كعقوبة وإن خالطها معنى التعويض.[21]
وغرامة المصادرة: يقصد بها: الغرامة التي يتعين الحكم بها بدلا من الحكم بالمصادرة إذا لم تضبط المواد موضوع الجريمة لأي سبب كان، وقد نص قانون الجمارك وقانون الرقابة على النقد في مصر على هذا النوع من الغرامات. [22]
الفرع الثاني:العقوبات التبعية أو التكميلية
تعريف العقوبة التبعية: هي تلك التي لا تتقرر إلا مع العقوبة الأصلية فلا يمكن تطبيقها حيث لا توجد عقوبة أصلية وتتميز بأنها تستحق مع العقوبة الأصلية بنص القانون ودون حاجة إلى ذكر لها في حكم القاضي كعقوبة الحرمان من الحقوق والمزايا، كعضوية المجالس النيابية والرتب والنياشين بالنسبة لمن يحكم عليه بعقوبة جناية ( مادة 25 عقوبات مصري).
تعريف العقوبة التكميلية
هي تلك العقوبة التي تتفق مع العقوبة التبعية في أنها تابعة لعقوبة أصلية وتختلف عنها في أنها لا تنطبق بنص القانون بل لابد لتطبيقها من ذكر صريح لها في حكم القاضي، وتنقسم العقوبة التكميلية إلى نوعين: الأول: وجوبية يتعين أن ينطق بها القاضي وإلا كان حكمه باطلا قابلا للطعن فيه كعزل الموظف من وظيفته عند الحكم عليه بالحبس رأفة في بعض الجنايات كالرشوة والتزوير في محرر رسمي ( م 27 عقوبات مصري).
والنوع الثاني: جوازية حيث يكون النطق بها متوقفا على تقدير القاضي بحيث إذا أغفل ذكرها كان معنى ذلك عدم استحقاقها، كالأمر بنشر الحكم الصادر على المتهم في ثلاثة جرائد يومية طبقا للمادة 46 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المواد المخدرة. [23]
أنواع العقوبات التبعية:
1- الحرمان من الحقوق والمزايا : نص قانون العقوبات المصري في المادة 25 عليهاوفحوى هذه العقوبة هو الحرمان من بعض الحقوق والمزايا على نحو يضيق من دائرة نشاط المحكوم عليه في المجتمع، ويحقق هذا الحرمان الإيلام لأنه يعني عدم ثقة المجتمع في المحكوم عليه ويسجل عليه أدنى من سواه في القيمة الاجتماعية، ثم إن تضييق دائرة نشاطه يحول بينه وبين استغلال إمكانياته فيقلل تبعا لذلك ما قد يجنيه من كسب مادي أو معنوي، ومن أمثلتها: الحرمان من القبول في أيه خدمة بالحكومة، والحرمان من التحلي برتبة أو نيشان، أو الحرمان من الشهادة أمام المحاكم مدة العقوبة إلا على سبيل الاستدلال، أو حرمان المحكوم عليه من إدارة أمواله، أو الحرمان من عضوية المجالس المحلية واللجان العامة.
2- العزل من الوظيفة العامة: والعزل هو الحرمان من القبول في أي خدمة في الحكومة، فهو فقد للمنصب العام وجميع المزايا المادية والمعنوية المرتبطة به، ولا يحكم بالعزل إلا على الموظف العام، وهي عقوبة تكميلية إلى جانب عقوبة الحبس للجناية أو الجنحة، لمدة ما بين سنة كحد أدنى وحد أقصى ست سنوات.
العزل كعقوبة تكميلية في الجنايات: التي نص عليها القانون وهي الرشوة واختلاس الأموال الأميرية والغدر والإكراه وسوء المعاملة من الموظفين لأفراد الناس والتزوير، ويدخل في مدلول الجناية مجرد الشروع فيها، وعلى اختيار هذه الجنايات هي صلتها بأعمال الوظيفة وكون ارتكاب إحداها يعني إساءة استغلال الثقة التي وضعت في الموظف العام حينما عهد إليه بمنصبه فيتعين لذلك تقرير عدم جدارته بهذه الثقة وعدم جدارته بمنصبه ؛ والعزل في هذه الحالة عقوبة تكميلية وجوبية.
العزل كعقوبة تكميلية في الجنح: ويكون أحيانا وجوبيا وأحيانا أخرى جوازيا بنص القانون.[24]
3- المصادرة: وهي نقل ملكية مال أو أكثر إلى الدولة؛ ويشترط للمصادرة قيام جريمة جناية أو جنحة وأن يصدر بها حكم قضائي وأن يكون الشيء مضبوطا، فهي عقوبة مالية عينية وهي تكميلية وتكون في إحدى حالتها جوازية، وفي الثانية وجوبية وفي الثالثة تعويضا في حالات يحددها القانون.
الفرق بين الغرامة والمصادرة: بالرغم من أن المصادرة والغرامة عقوبتان ماليتان ولكن يوجد بينهما فروق جوهرية، أهمها: أن العقوبة عقوبة نقدية في حين أن المصادرة عقوبة عينية، والغرامة عقوبة أصلية وقد تكون على سبيل الاستثناء عقوبة تكميلية، في حين أن المصادرة عقوبة تكميلية فحسب، والمجال الرئيسي للغرامة هو المخالفات والجنح في حين يقتصر مجال المصادرة على الجنايات والجنح، والغرامة عقوبة دائما في حين أن المصادرة قد تكون تدبيرا أو تعويضا. [25]
المطلب الثاني: أنواع العقوبات في القانون السوري
تتنوع العقوبات في النظام السوري إلى خمسة أنواع: عقوبات بدنية، وعقوبات ماسة بالحرية، العقوبات الماسة بالحقوق، العقوبات النفسية، العقوبات المالية.
الفرع الأول: العقوبات البدنية
أخذ النظام السوري من العقوبات البدنية عقوبة القتل فقط، أو ما يسمى بعقوبة الموت، أو عقوبة الإعدام، وهذه هي العقوبة البدنية الوحيدة في التشريع السوري، فنص عليها جزاءا لعدد من الجرائم الخطيرة؛ كجرائم الخيانة ( م 263- 265 ق.ع)، وجرائم التجسس لمصلحة العدو (م 271- 274)، وبعض جرائم الفتنة ( م 298)، والقتل إذا وقع عمدا، أو تمهيدا لجناية أو تسهيلا أو تنفيذا لها، أو تسهيلا لفرار المحرضين على تلك الجناية أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب، أو إذا وقع على أحد أصول المجرم أو فرعه ( 535) ، وبعض جرائم الحريق إذا نجم عنها وفاة إنسان( م 577) والاتجار بالمخدرات ( م 33 من قانون مكافحة المخدرات رقم 182 لسنة 1960م) .
الفرع الثاني: العقوبات الماسة بالحرية
والعقوبات الماسة بالحرية هي: الأشغال الشاقة، والاعتقال، والحبس، والإقامة الجبرية.
أولا: عقوبة الأشغال الشاقة: وهي عقوبة جنائية، تسلب فيها حرية المحكوم عليه، بأن يوضع في داخل السجن، ويجبر فوق ذلك على القيام بأعمال مجهدة تتناسب مع جنسه وعمره، سواء في داخل السجن أو في خارجه ( م 45)ومن هذه الأشغال على سبيل المثال: استخراج الأحجار من مقالعها وتكسيرها ونقلها، ورصف الطرق، ومد السكك الحديدية، واستصلاح الأراضي الزراعية.
وعقوبة الأشغال الشاقة على نوعين:
الأول: عقوبة مؤبدة تستمر طيلة حياة المحكوم عليه إلا إذا نال عفو عاما أو خاصا، أو ثبت صلاحه بعد مرور عشرين عاما على تنفيذ عقوبته حيث يفرج عنه إفراجا شرطيا وفق أحكام وقف الحكم النافذ.
النوع الثاني: عقوبة مؤقتة تتراوح مدتها بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك.
ثانيا: عقوبة الاعتقال: وهي عقوبة جنائية يوضع بموجبها المحكوم عليه في سجن، ويلتزم بالعمل في أحد الأشغال التي تنظمها إدارة السجن حسب اختياره هو عند البدء في تنفيذ عقوبته.
وعقوبة الاعتقال على نوعين: عقوبة مؤبدة تستغرق حياة المحكوم عليه إلا إذا ناله عفو عام أو خاص، أو ثبت صلاحه بعد مرور عشرين سنة على تنفيذ عقوبته، وعقوبة مؤقتةتتراوح مدتها بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة إلا إذا ورد نص خاص يحدد العقوبة بأكثر من ذلك.
ثالثا: عقوبة الحبس: وهي عقوبة جنحية تسلب فيها حرية المحكوم عليه، وهي علىثلاثة أنواع: الحبس مع التشغيل، والحبس البسيط، والحبس التكديري.
النوع الأول: الحبس مع التشغيل: يوضع المحكوم عليه بالحبس مع التشغيل في أماكن خاصة، ويلزمون بالعمل في أحد الأشغال التي تنظمها إدارة السجن، والتي يختارونها عند البدء بتنفيذ عقوبتهم، ولا يجوز أن تكون هذه الأشغال مجهدة، كما لا يجوز استخدامهم خارج السجن إلا برضائهم، ولا يجبرون على ارتداء زي السجناء ( م 46و 51) ، ومدة الحبس مع التشغيل تتراوح بين عشرة أيام وثلاث سنوات إلا إذا انطوي القانون على نص خاص بغير ذلك ( م 51 ف 1).
النوع الثاني: الحبس البسيط: يكون الحبس البسيط في أماكن خاصة مختلفة عن الأماكن الأخرى التي توضع فيها بقية الزمر من السجناء، ولا يجبر المحكوم عليهم بالحبس البسيط على العمل إلا إذا طلبوا هم ذلك، وعندئذ يلزمون بالعمل الذي اختاروه حتى نهاية مدة عقوبتهم ( م 51، ف 3)، ومدة الحبس البسيط هي كمدة الحبس مع التشغيل تتراوح بين عشرة أيام وثلاث سنوات إلا إذا انطوى القانون على نص خاص يقتضي بغير ذلك ( م 51، ف1).
النوع الثالث: الحبس التكديري: يوضع المحكوم عليهم بعقوبة الحبس التكديري في أماكن مختلفة عن الأماكن المخصصة بالمحكوم عليهم بعقوبات جنائية أو جنحية، ولا يجبرون على العمل ( م 60 من قانون العقوبات)، وتفرض عقوبة الحبس التكديري على مرتكبي جرائم المخالفات وتتراوح مدته بين يوم وعشرة أيام.
رابعا: الإقامة الجبرية: وهي العقوبة الوحيدة في القانون السوري المقيدة للحرية، ويقصد بها: تعيين مقام للمحكوم عليه يختاره القاضي من بين مجموعة من الأماكن حددت بالمرسوم 1212 تاريخ 20/7/1950، ولا يمكن في حال من الأحوال أن يكون المقام المعين في مكان كان للمحكوم عليه محل إقامة أو سكن أو في المكان الذي اقترفت فيه الجريمة أو في محل سكنى المجني عليه أو أنسبائه وأصهاره حتى الدرجة الرابعة ( م 48 ف1)
وعقوبة الإقامة الجبرية هي عقوبة سياسة لا يقضى بها إلا في الجريمة السياسية ( م 38)، وهي إما أن تكون عقوبة جنائية أو عقوبة جنحية، ومدتها إذا كانت جنائية من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة إلا إذا انطوى القانون على نص خاص يقتضي بغير ذلك ( م 44) ، أما إذا كانت العقوبة جنحية فتتراوح مدتها بين ثلاثة أشهر وثلاث سنوات.
ولابد من الملاحظة أن الفقرة الثانية من المادة 48 من قانون العقوبات قد نصت على أنه إذا غادر المحكوم عليه بعقوبة الإقامة الجبرية المكان المعين له لأي وقت كان؛ أبدلت عقوبة الاعتقال من الإقامة الجبرية لمدة لا تتجاوز الزمن الباقي من العقوبة.
الفرع الثالث: العقوبات الماسة بالحقوق
والعقوبات الماسة بالحقوق ثلاث: التجريد المدني، والمنع من الحقوق المدنية، والحجر القانوني.
أولا: عقوبة التجريد المدني: عقوبة يحرم المحكوم عليه بها من ممارسة حقوق معينة، وهي دائما عقوبة جنائية، وتكون عقوبة أصلية في بعض الحالات كما تكون عقوبة فرعية في بعض الحالات الأخرى.
1- التجريد المدني كعقوبة أصلية: يحكم بالتجريد المدني كعقوبة أصلية في الجرائم السياسية ذات الوصف الجنائي ( م 38 ف 4 )، وقد حددت المادة 49 من قانون العقوبات الآثار المترتبة على الحكم بالتجريد المدني وهي التالية:
أ- لعزل والإقصاء عن جميع الوظائف والخدمات العامة، والحرمان من كل معاش تجريه الدولة.
ب- العزل والإقصاء عن جميع الوظائف والخدمات في إدارة الطائفة أو النقابة التي ينتمي إليها المحكوم عليه، والحرمان من أي معاش أو مرتب تجريه هذه الطائفة أو النقابة.
ج- الحرمان من حقه في أن يكون صاحب امتياز أو التزام من الدولة.
د- الحرمان من حقه أن يكون ناخبا أو منتخبا ومن سائر الحقوق المدنية والسياسية والطائفية والنقابية.
هـ- عدم الأهلية لأن يكون مالكا أو ناشرا أو محررا لجريدة أو لأية نشرة موقوتة أخرى.
و- الحرمان من تولي مدرسة أو أية مهنة في التعليم العام والخاص
ز- الحرمان من حق حمل الأوسمة والألقاب الفخرية السورية والأجنبية
وفضلا عن ذلك يمكن الحكم مع التجريد المدني بالحبس البسيط من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وإذا كان المحكوم عليه أجنبيا تحتم الحكم بالحبس، ومدة عقوبة التجريد المدني بوصفه عقوبة أصلية تتراوح بين ثلاث وخمس عشرة سنة.
2- التجريد المدني كعقوبة فرعية: إن التجريد المدني يلازم العقوبات الجنائية بوصفه عقوبة فرعية لها دون حاجة لورود نص عليه في قرار الحكم؛ فهو ملازم لعقوبات الأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة، والاعتقال المؤبد والمؤقت، والإقامة الجبرية، وينفذ فور اكتساب الحكم الدرجة القطعية ثم يستمر حتى انقضاء السنة العاشرة على تنفيذ العقوبة الأصلية ( م 63)
ومن نافلة القول أن التجريد المدني بوصفة عقوبة فرعية يوجب الحرمان حكما من جميع الحقوق التي يحرم منها التجريد المدني بوصفه عقوبة أصلية ونصت عليها المادة 49 من قانون العقوبات.
والتجريد المدني كغيره من العقوبات الماسة بالحقوق لا يسقط بالتقادم ( م 161).
ثانيا: عقوبة المنع من الحقوق المدنية: تحرم المحكوم عليه من ممارسة الحقوق التالية:
1- الحق في تولي الوظائف والخدمات العامة
2- الحق في تولي الوظائف والخدمات في إدارة شؤون الطائفة المدنية أو إدارة النقابة التي ينتمي إليها.
3- الحق في أن يكون ناخبا أو منتخبا في جميع مجالس الدولة
4- الحق في أن يكون ناخبا أو منتخبا في جميع منظمات الطوائف والنقابات
5- الحق في حمل أوسمة سورية أو أجنبية
وعقوبة المنع من الحقوق المدنية هي عقوبة جنحية، وهي إما أن تكون عقوبة فرعية تتبع حكما عقوبة الحبس أو الإقامة الجبرية ( 65م)، أو عقوبة إضافية يحكم بها القاضي مع العقوبة الجنحية في بعض الحالات الخاصة التي يعينها القانون ( م 66)، وفي هذه الحالة الأخيرة يحق للقاضي أن يحكم بالمنع من ممارسة حق أو أكثر من الحقوق المدنية حسب تقديره ولا يشترط أن يحكم بها دفعة واحدة، وإذا قرر القاضي منع حق أو أكثر من هذه الحقوق فعليه أن يحدد مدة المنع بين سنة وعشر سنوات، تبدأ من انقضاء مدة العقوبة الأصلية المانعة أو المقيدة للحرية ( م 161 ق.ع)
ثالثا: عقوبة الحجر القانوني: هي عقوبة يفقد المحكوم عليه بموجبها سلطة ممارسة حقوقه على أملاكه فيعهد بها إلى قيم وفق القواعد المنصوص عليها في المادة 200 من قانون الأحوال الشخصية، ونتيجة لهذا الحجر فكل عمل أو إدارة أو تصرف يقوم بها المحجور عليه يعتبر باطلا بطلانا مطلقا مهما كان نفعها أو ضررها عليه مع الاحتفاظ بحقوق الغير ذوي النية الحسنة كما لا يمكن أن يسلم إلى المحكوم عليه أي مبلغ من دخله ما خلا المبالغ التي يجيزها القانون أو أنظمة السجون. ( م 50).
وقد استثنى المشرع السوري من قيود الحجر القانوني الحقوق الملازمة للشخص لتعلقها بذاته وشخصه كانسان، ولا يجوز نقلها إلى شخص آخر؛ كحقوق الزواج والطلاق والوصية.
والحجر القانوني هو عقوبة فرعية يلازم حكما عقوبة الأشغال الشاقة والاعتقال وينفذ بمجرد صدور الحكم البات بها، ويسقط عنها الإفراج عن المحكوم عليه بعد انتهائه من تنفيذ عقوبته، وفي هذه الحالة يرفع الحجر عنه حكما، وتعاد إليه أملاكه، وعلى الوصي أن يؤدي له حسابا عن مدة وصايته.
ومن المفيد الإشارة إلى أن هذه العقوبة كغيرها من العقبات الماسة بالحقوق لا تسقط بالتقادم (م161).
الفرع الرابع: العقوبات النفسية
والعقوبات الماسة بالحقوق هي اثنان: عقوبة إلصاق الحكم، وعقوبة نشر الحكم، ويقصد بهما إذاعة نبأ الإدانة في الأوساط القريبة من المحكوم عليه للتشهير به وإحاطة الآخرين علما بفعلته، وإن كان المشرع قد قصد في ذات الوقت تطمين الهيئة الاجتماعية على أمنها وسلامتها، وردع من تسول له نفسه بالعدوان عليها.
أولا: عقوبة إلصاق الحكم: تضمنت المادة 67 من قانون العقوبات أحكام إلصاق الحكم وهي التالية:
1- كل حكم يتضمن عقوبة جنائية يلصق لمدة شهر على باب قاعة محكمة الجنايات وفي أقرب محلة من مكان الجناية، وفي المحلة التي كان فيها للمحكوم عليه محل إقامة أو سكن، وهذا الإلصاق وجوبي، وهو عقوبة تتبع الحكم المتضمن عقوبة جنائية من غير أن تنطق المحكمة صراحة به.
2- إذا كان الحكم متضمنا عقوبة جنحية؛ فلا يجوز لصقه إلا إذا نص القانون على ذلك، وهذا النوع من الإلصاق يشكل عقوبة إضافية لابد للقاضي من أن يضمنها قرار الحكم، ويعين معها الأماكن التي تلصق فيها، ومدة هذا الإلصاق هي خمسة عشر يوما إلا إذا نص القانون على مدة أطول أو أقصر من هذه المدة.
3- في كل الأحوال؛ لا يجوز أن تلصق الأحكام إلا خلاصتها، وللقاضي أن يعين حجم الإعلان وحروف الطبع، وكل ذلك يتم على نفقة المحكوم عليه.
ثانيا: عقوبة نشر الحكم: تناولت المادة 68 من قانون العقوبات أحكام نشر الحكم وهي التالية:
1- لمحكمة الجنايات حرية مطلقة في أن تأمر بنشر أي حكم جنائي في جريدة أو جريدتين تعينهما، والنشر هنا عقوبة أضافية لابد من ذكرها صراحة في قرار الحكم.
2- إذا كانت العقوبة الجنحية؛ جاز للمحكمة أن تأمر بنشر قرار الحكم في جريدة أو جريدتين تعينهما، إذا نص القانون صراحة على ذلك.
3- إذا اقترفت الجناية أو الجنحة بواسطة جريدة أو أية نشرة دورية أخرى أمكن نشر إعلان إضافي فيها.
4- إذا لم يقض نص بنشر الحكم برمته نشرت خلاصة منه.
5- يلزم المحكوم عليه بنفقات النشر.
6- يعاقب بغرامة تتراوح بين عشرة ليرات وخمسين ليرة المدير المسئول للصحيفة التي اختيرت لنشر الإعلان إذا رفض أو أرجأ نشره.
الفرع الخامس: العقوبات المالية
العقوبات المالية هي: العقوبات التي تمس المحكوم عليه في ثروته وذمته المالية وهياثنتان: الغرامة والمصادرة.
أولا: عقوبة الغرامة: الغرامة عقوبة مالية تفرض على المحكوم عليه ويلزم بموجبها دفع مبلغ من النقود يقدره القاضي في قرار الحكم إلى خزانة الدولة.
والغرامة إما أن تكون عقوبة أصلية أو أن تكون عقوبة إضافية؛ فهي أصلية في الجنح والمخالفات، ويتراوح مقدارها في الجنح بين مائة وألف ليرة سورية إلا إذا نص القانون على غير ذلك ( م 53)، ويتراوح في المخالفات بين خمسة وعشرين ومائة ليرة ( م 619)، والغرامة عقوبة إضافية في الجنايات ويتراوح مقدارها مبدئيا بين خمسين ليرة وثلاثة آلاف ليرة (م64 ف 1).
وعقوبة الغرامة تفرض على الغالب في الجرائم المالية، وهي إما أن يرد النص عليها صراحة كما هو الحال في جرائم استثمار الوظيفة والرشوة وتزوير العملة أو لا ينص عليها، وفي هذه الحال على القاضي أن يتحرى دافع الجريمة؛ فإن كان هو الكسب أو الحصول على منفعة مادية وجب عليه أن يحكم بالغرامة إلى جانب العقوبة المنصوص عليها في القانون ( م 194)؛ وعليه عندئذ تقدير الغرامة بين خمسين ليرة وثلاثة آلاف ليرة.
والمشرع في بعض الحالات لا يحدد مقدار الغرامة مسبقا بل يترك أمر تحديدها إلى القاضي على أساس مبلغ معين، أو على أساس الضرر الناجم عن الجريمة؛ كما هو الحال في جرائم الرشوة حيث يكون الحد الأدنى للغرامة ضعفي قيمة ما أخذ أو قبل( 341)، أو ثلاثة أضعاف قيمة ما أخذ أو قبل ( م 342)، وجرائم الاختلاس واستثمار الوظيفة حيث يكون الحد الأدنى للغرامة قيمة ما يجب رده ( م 349، 350)، أو ضعفي قيمة ما يجب رده ( م 351)، أو قيمة الضرر الناجم ( م 353).
وقد أعطى المشرع الحق للقاضي بتضمين قرار الحكم إمكانية دفع المحكوم عليه للغرامة أقساطا تساوي على الأقل حد العقوبة الأدنى شريطة أن لا يجاوز أجل القسط الأخير سنة واحدة تبتدئ من يوم انبرام الحكم، وفي كل الأحوال إذا تخلف المحكوم عليه عن دفع أحد الأقساط في حينه استحقت عليه الغرامة بتمامها ( م 53).
وقد وضع المشرع السوري حلا فيه الكثير من القسوة إذا لم تؤد الغرامة في مهلة الثلاثين يوما تبتدئ من تاريخ إبرام الحكم، ويقوم هذا الحل على استبدال عقوبة الغرامة بالحبس البسيط؛ فعلى القاضي أن يعين في قرار الحكم أو في قرار خاص مدة الحبس الاحتياطي المستبدل باعتبار أن يوما واحدا من هذه العقوبة يوازي غرامة تتراوح بين ليرة وخمس ليرات في الجنح، وخمسين قرشا وليرتين في المخالفات ( م 54).
أما إذا كانت الغرامة قد فرضت بالإضافة إلى الأشغال الشاقة أو الاعتقال فتستبدل في حالة عدم دفعها بهذه العقوبات باعتبار أن يوما واحدا من الأشغال الشاقة أو من الاعتقال يوازي تتراوح بين ليرة وخمس ليرات سورية ( م 64).
ومع ذلك وضع المشرع السوري حدا أعلى للأشغال الشاقة أو للاعتقال أو للحبس المستبدل من الغرامة ؛ ففي الجنح لا يجوز أن يزيد الحبس المستبدل عن الحد الأقصى للعقوبة الأصلية التي تستوجبها الجريمة، وفي الجنايات والجنح على السواء لا يمكن أن تتجاوز العقوبة المستبدلة في جميع الأحوال سنة واحدة ( م 54)، أما في المخالفات فلا يمكن أن يتجاوز الحبس المستبدل الحد الأقصى للحبس المنصوص عليه كعقوبة أصلية للجريمة، وهو في كل الأحوال لا يمكن أن يتجاوز العشرة أيام ( م 62).
ثانيا: عقوبة المصادرة: هي عقوبة مالية تنزع بموجبها ملكية الشيء المحكوم عليه جبرا من غير مقابل ليصبح ملكا للدولة، وهي دائما عقوبة إضافية ولا يمكن أن تكون عقوبة فرعية.
والمصادرة تتفق مع الغرامة في أنها عقوبة مالية ولكنها تختلف عنها في أن موضوعها الأشياء أو النقود أو كليهما معا، أما موضوع الغرامة فهو النقود دائما.
والمصادرة نوعان:
النوع الأول هو: المصادرة العامة وتشمل جميع أموال المحكوم عليه المنقولة وغير المنقولة، وكأن الدولة تصبح وريثا شرعيا له في كل أمواله أو أحيانا في جزء منها، وقد حرمت الدساتير والشرائع هذا النوع من المصادرة، ومنها دستور الجمهورية العربية السورية في الفقرة الثانية من المادة 15 التي جاء فيها: ” المصادرة العامة في الأموال ممنوعة ”
والنوع الثاني من المصادرة : هي المصادرة الخاصة وهذه لا تصيب إلا شيئا واحدا أو أشياء معينة بالذات من أملاك المحكوم عليه كجسم الجريمة أو ذاتها أو ثمرتها، وهذه هي المصادرة التي عناها قانون العقوبات في أحكامه وأباحه الدستور؛ شريطة أن تفرض بحكم قضائي أو بقانون لقاء تعويض عادل ( م 15 الفقرتان 3و 4 من دستور الجمهورية العربية السورية )
وقد نظمت المادة 69 من قانون العقوبات أحكام المصادرة؛ ويمكننا أن نجملها بالنقاط التالية:
1- عقوبة المصادرة جوازية أي يعود أمر تقديرها إلى المحكمة الناظرة في الدعوى، وهذه بإمكانها مصادرة جميع الأشياء التي تنتج عن جناية أو جنح مقصودة؛ كالسلعة التي يعرضها البائع بأعلى سعر من السعر المحدد لها بصورة رسمية أو المال أو الشيء الذي يقدمه الراشي إلى الموظف المرتشي أو المال الذي كان حصيلة لعب القمار أو ثمن المخدرات الذي حصل عليه التاجر بعد بيعها أو ثمن الصور أو الأفلام المخلة بالحياء.
كما يجوز للمحكمة مصادرة جميع الأشياء التي استعملت أو كانت معدة لاقتراف جناية أو جنحة مقصودة كالأسلحة أو المفاتيح أو السلالم أو الآلات الأخرى المستعملة في السرقة أو السيارة المستخدمة في تهريب المخدرات أو الآلة الكاتبة المستخدمة في تزوير المستندات أو المطبعة المستخدمة في تزوير النقود.
2- لا يجوز مصادرة الأشياء الناجمة عن جناية أو جنحة غير مقصودة أو المستعملة فيها كالسيارة التي يدهس بها قائدها أحد المارة خطأ، أو أجهزة الطبيب التي يصاب بها المريض بجروح أو حروق خطأ إلا إذا نص القانون صراحة على هذه المصادرة، وكذلك في المخالفة لا يجوز الحكم بالمصادرة إلا إذا انطوى القانون على نص صريح يعطي الحق للمحكمة بذلك.
3- عقوبة المصادرة هي عقوبة إضافية أي لا يجوز الحكم بها إلا إذا فرضت عقوبة أصلية على المحكوم عليه.
4- إذا لم تكن الأشياء التي يريد القاضي مصادرتها قد ضبطت يمنح المحكوم عليه مهلة لتسليمها تحت طائلة أداء قيمتها حسبما تقدرها المحكمة.
5- يمكن للمحكمة عند الاقتضاء الاستعانة بخبير لتقدير القيمة الواجب أداؤها، ويتم تحصيل القيمة المقدرة بالطريقة المتبعة في تحصيل الغرامة.
6- في جميع الأحوال لا يجوز أن تمس المصادرة بحقوق الغير ذي النية الحسنة.[26]
المطلب الثالث: الاتجاه الحديث في العقوبة
إن الاتجاهات المعاصرة للسياسة الجنائية في العقوبة تتماشى مع التغير في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فقد عمدت بعض التشريعات إلى تبديل بعض العقوبات واهتمت بصفة خاصة بالعقوبة السالبة للحرية ( السجن)، وألغت بعض العقوبات وأحلت محلها عقوبات أخرى مع مراعاة وجود توازن وتناسب بين القيم والمصالح المتطورة والمتغيرة داخل المجتمع الواحد وبين الحقوق والحريات الفردية. [27]
الفرع الأول: بدائل العقوبات بصفة عامة
لقد عرفت التشريعات الحديثة أشكالا مختلفة للعقوبات والتدابير البديلة عنها، والتي تتمثل في ما يلي:
1- نظام وقف التنفيذ ويقصد به تعليق تنفيذ العقوبة فور صدورها على شرط موقوف من خلال فترة اختبار يحددها القانون
2- العقوبات المالية: وهي التي تمس المدان في ذمته المالية، وتعد من مصادر الإيرادات للخزينة العمومية، وتتولى عملية تحصيلها مصالح الضرائب المختلفة
3- العمل للمنفعة العامة أو قيام المحكوم عليه بعمل للنفع العام بدون أجر بدلا من دخوله المؤسسة العقابية
4- التعهد والكفالة بحسن السلوك: وهو أن تحكم المحكمة على المدان بأن يقدم تعهدا بحسن السلوك لمدة معينة إذا كانت الجريمة جنحة على أن يودع المحكوم عليه في صندوق المحكمة مبلغا من المال تراعي المحكمة في تقديره حالته المالية ولا يرد له في حال إخلاله بتعهده.
5- الإلزام بإزالة الأضرار وتعويض المجني عليه بحيث يجوز للمحكمة بناء على طلب من المجني عليه أن تحكم على الفاعل بإزالة الأضرار التي أحدثتها جريمته وتعويض المجني عليه، وفي حالة رفض المحكوم عليه تنطبق العقوبة
6- نظام تحويل الدعوى الجنائية إلى الطريق الغير جنائي: هو أسلوب حديث يسمح بتفادي الحبس في أحوال معينة بالنسبة للمحكوم عليهم، ويطبق هذا النظام بصورة كبيرة في الولايات المتحدة في متابعة المدمنين على المخدرات والكحول؛ خاصة إذا رأى القاضي أن الطريق الجنائي لن يجدي نفعا.
الفرع الثاني: بدائل العقوبة السالبة للحرية
ويقصد ببدائل العقوبة السالبة للحرية: هو نظام يتيح إحلال عقوبة من نوع معين محل عقوبة من نوع آخر قضائيا؛ سواء تم الإحلال ضمن حكم الإدانة أو بعده، ويتم ذلك عند تعذر تنفيذ العقوبة الأصلية، أو قيام احتمال تعذر تنفيذها، أو إذا كانت العقوبة البديلة أكثر ملائمةمن حيث التنفيذ بالقياس إلى العقوبة المحكوم بها بداية منظورا في ذلك حالة المتهم.
ومن أبرز الاتجاهات الحديثة البديلة للسجن إعفاء المؤسسات العقابية التقليدية من مسؤولية إصلاح المجرمين، والاستعانة ببعض مؤسسات الرعاية الاجتماعية القائمة في المجتمع لتقديم بعض الرعاية لبعض أنواع من أنواع السجناء الذين يعانون من مشاكل طبية ونفسية وعقلية.
ويقصد ببدائل السجن” مجموعة من التدابير التي تحل محل السجن لإصلاح الجاني وحماية الجماعة، أو التثبت من المتهم والكشف عن حاله ” [28]
و بدائل السجون بشكل عام:
1- المراقبة القضائية: هي إجراء قضائي تتخذه المحكمة بحق المجرم بعد إدانته نهائيا عن الجريمة ما.
إذ تأمر المحكمة بإطلاق سراحه تحت شروط تحددها المحكمة، وبإشراف ومراقبة شخصية من قبل هيئة أو إدارة المراقبة القضائية المختصة؛ إذ هي نوع من المعاملة الإصلاحية غير المؤسسية ( خارج السجن) التي تهدف إلى إعادة بناء شخصية المجرم البالغ أو الحدث الجانح ومساعدته على تعديل مسيرة حياته، أما الحكم المعلق فهو تعليق إصدار الحكم النهائي في القضية بهدف الرأفة بالمجرم وتخفيف العقاب عنه.
2- الإفراج الشرطي: هو إطلاق سراح السجين من المؤسسة قبل استكمال مدة حكمه، وذلك بوضعه تحت مراقبة أو إشراف معين بهدف مساعدته على اجتياز ما بقى من مدة حكمه بسلوك حسن خارج المؤسسة.
3- الرقابة الإلكترونية: تعتبر الرقابة الالكترونية من بدائل السجن، ويرتبط تطبيقها بنظام الحبس المنزلي، حيث يتم التأكد من احترام المطلق سراحه بتنفيذ شروط الوجود في مكان محدد له وعن طريق استخدام الكمبيوتر الذي يعمل على اختزان المعلومات التي ترسلها الإشارات لكل فرد على حده، وتستخدم برامج اتصال على فترات للتأكد من وجود المطلق سراحه في المكان المعني؛ حيث يعطي الكمبيوتر تقارير عن نتائج هذه الاتصالات.
والرقابة الإلكترونية كبديل للسجن ليست برنامجا في حد ذاتها، ولكنها الوسيلة التي تستخدم في تشغيل البرنامج، وفي الوقت ذاته لا يمكن تشغيلها دون الأجهزة الرقابية التي يمكن لها مراقبة دخول أو خروج المجرم من البيت .
4- الإلزام بالعمل لمصلحة المجتمع: وهو إلزام المحكوم عليه بالعمل مقابل قليل من المال يسد حاجته وأسرته خدمة للصالح العام في إحدى المؤسسات العامة أو المشروعات، سواء أكانت زراعية أو صناعية أو خدمية أو الجمعيات أو غيرها، عددا من الساعات خلال مدة معينة تحدد في الحكم وقد يخصص جزء من أجر العمل الإلزامي لتعويض المجني عليه.
ومن المجالات المقترحة في مجال العمل لمصلحة المجتمع : المشاركة في أعمال يدوية أو مهنية مثل نظافة المسجد والاهتمام بها ولاسيما في رمضان، وخدمة الصائمين في مشروع تفطير صائم، أو المساهمة في تنظيم ومراقبة الأسواق التجارية والمسالخ في الأيام المزدحمة كشهر رمضان أو أجازتي العيدين أو أيام العطل الأسبوعية، أو مساعدة المرضى والمعوقين ومن في حكمهم لمدة معينة، أو المشاركة في تدريب السجناء في المهن التي يتقنونها وغير ذلك، أو المساهمة في تنظيم أعمال المرور أثناء الأعياد وإقامة المباريات ونحوها.[29]
الفرع الثالث: إلغاء بعض العقوبات
وكذلك من الاتجاهات الحديثة الاتجاه إلى إلغاء التجريم في بعض الأفعال التي تعتبرها غالبية القوانين إجرامية، أو استبعاد عقوبة السجن في بعض الجرائم، أو الاكتفاء بعقوبات بسيطة في بعض منها كجرائم السكر وتعاطي المخدرات والاتصال الجنسي للبالغين دون إكراه، أو غيرها من الجرائم التي تعرف في القوانين الوضعية الغربية بالجرائم بدون ضحية . [30]
خاتمة
تتضمن أهم النتائج:
1- مفهوم العقوبة هو ” العقوبة جزاء وعلاج يفرض باسم المجتمع على شخص مسئول جزائيا عن جريمة بناء على حكم قضائي صادر من محكمة جزائية مختصة: وعناصره وهي: العقوبة جزاء وعلاج، تفرض باسم المجتمع، العقوبة القانونية، العقوبة لا تفرض إلا من قبل محكمة جزائية مختصة، العقوبة شخصية، العقوبة يشترط فيها المساواة، العقوبة قابلة للرجوع فيها، العقوبة تتناسب في طبيعتها ومقدارها مع شخصية الجاني.
2- تتنوع العقوبات إلى عقوبات أصلية وعقوبات تبعية أو تكميلية، والعقوبات الأصلية: الإعدام والعقوبات السالبة للحرية من أشغال شاقة مؤبدة ومؤقتة، والسجن المشدد والسجن والحبس، والغرامة، أما العقوبات التكميلية أو التبعية كالحرمان من الحقوق والمزايا و العزل من الوظيفة والمصادرة.
3- التردد في موقف الدول الغربية من عقوبة الإعدام وإقرارها في التشريعات العربية وقد بينا ذلك في النظام الجنائي المصري والنظام الجنائي السوري.
4- العقوبات السالبة للحرية اتجهت بعض الأنظمة إلى إلغاء الأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة إلى عقوبة السجن المشدد والسجن ( مصر)، وفي الاتجاه الحديث استبدال العقوبة البسيطة (الحبس) ببدائل وهي: المراقبة القضائية والإفراج الشرطي والرقابة الالكترونية.
5- عقوبة الغرامة قد تكون عقوبة أصلية أو عقوبة تبعية أو تكميلية أو بديلة .