سلايد 1
باب المندب.. بسفور العرب الاستراتيجي ومطامع الاستعمار
باسم علي – تي بوست :
“لا أريد بسفورًا في مصر”، هكذا جاء رد محمد علي، والي مصر، على مهندسيين فرنسيين حاولوا إقناعه بمدى جدوى مشروع ربط البحر الأبيض المتوسط، بالبحر الاحمر “بحر القلزم”، عن طن طريق شق قناة من البحيرات المرة وحتى نويبع مرورًا بخليج السويس ومدينتي القناة الأخريتين بورسعيد والإسماعيلية، المشروع الذي تمكن الفرنسي فرديناند ديلسيبس (1805-1894) من تنفيذه بعد إقناعه والي مصر –آنذاك- محمد سعيد باشا، الذي حكم مصر بين عامي 1854 و1863 بشروط مجحفة تحملتها المحروسة من دماء أبناءها وخزينتها حتى تم افتتاح في 17 نوفمبر عام 1869 المجرى المائي الملاحي قناة السويس الذي كان يعد حلقة الوصل المفقود بين المحيط الهادئ، شرق قارتي أوروبا وإفريقيا، والبحر الأبيض المتوسط من ناحية والبحر الأحمر ومن بعده بحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى.
باب المندب.. مضيق الإستراتيجيات العربي
ولكن ممر السويس المائي الملاحي رغم أهميته في حركة الملاحة والتجارة الدوليين إلا أنه لا يعد الوحيد ذو الإستراتيجية الأهم والمُسيطرة في هذه المنطقة إذ وكما أن هذه القناة تعد البوابة الشمالية للبحر الأحمر، القلزم قديمًأ، إلا أن مضيق باب المندب، التابع جغرافيًا وإقليميًا لحدود دولة اليمن، يعد بدوره هو البوابة الجنوبية للبحر الرابض في هذه المنطقة فاصلًا بين شواطئ الدول العربية في قارة أسيا المطلة عليه ودول عربية وأخرى إفريقية باسطة ذراعيها تحت مياهه الزرقاء
(موقع باب المندب الجغرافي على الخريطة)
وتنبع الأهمية الاستراتيجية لموقع المضيق المائي الجنوبي للبحر الاحمر “باب المندب”، من جغرافية موقعه المُطلة والمُشرفة على البحر الأحمر من جهة الجنوب، من ناحية، إذ تعبره سنويًا حوالي أكثر من 21.000 قطعة بحرية بمعدل من 50 إلى 57 سفينة يوميًا، بالإتجاهين من ضمنها حاويات النفط بما يساوي 30 % من حركة تبادل النفط حول العالم كل عام، وللمضيق أهمية اقتصادية كبرى إذ يتحكم سنويًا في 12 % من حركة التبادل التجاري حول العالم، وكذلك له أهمية استراتيجية وعسكرية ومأرب أخرى هامة، بالنسبة للدول العربية، ففي الحرب المصرية/ السورية – الإسرائيلية 1973، تم إغلاق مضيق باب المندب في أوجه الملاحة البحرية لقطع أي إمدادت حرية عسكرية لكيان الإحتلال الإسرائيلي وكذلك قطع الإمدادت والمؤن التجارية والنفطية.
وكانت الإمبراطوريات العربية القديمة العباسية والفاطمية والعثمانية تتحكم في حركة الملاحة والتجارة بين شعوب قارات العالم القديم عن طريق مضيقي باب المندب، جنوب البحر الأحمر، ومضيق جبل طارق، شمالًا، شرق البحر الأبيض المتوسط.
ويفصل مضيق جبل طارق بين مياه المتوسط والمحيط الاطلسي، ويصل شواطئ المملكة المغربية بأسبانيا، الأندلس –سابقًا-، إذ يحدّ المدخل الغربي للمضيق كلّ من رأس سبارتيل (المغرب) ورأس الطرف الأغر (إسبانيا)، والذي سُمي بهذا الإسم العربي نسبة للفاتح العربي طارق بن زياد للأندلس.
البسفور العثماني والتدخل الأجنبي
ويرجع السبب الرئيسي في رفض مؤسس مصر الحديثة، الوالي محمد علي باشا، لفكرة مشروع ربط البحرين الأحمر والمتوسط بقناة يتم شقها على الأراضي المصرية، هو تخوفه من التدخل الأجنبي الذي ستفرضه دول القارة الأوروبية، والتي فرضت وصايتها على الدولة التركية الناشئة من رحم الإمبراطورية العثمانية، رجل أوروبا العجور والمريض كما كان – كما كان يطلق عليها في المحافل الدولية أخر عصرها-، بسبب مضيقي البسفور والدرنديل، اللذان كانا يعدا أحد أهم أسباب اهتمام الدول الأوروبية المستعمرة بالسيطرة على اسطنبول.
وهي نفس المطامع التي لا تخفيها إيران في محاولة بسط نفوذها باليمن عن طريق ميلشيا الحوثي والتي تعد أحد أذرعتها الخفية بالوطن العربي، الساعية لمحاولة إحياء سيطرة الإمبراطورية الفارسية على الشرق، والتي تطل من الجهة الغربية على مضيق هرمز الذي يفصل مياه بحر الخليج العربي عن المحيط الهندي.
باب المندب وعاصفة الحزم
إلا أن سيطرة العاصمة الإيرانية، طهران، على باب المندب لم تدم طويلًا بعد نجاح عناصر الحوثي في السيطرة بقوة السلاح، في إنقلاب على الشرعية الدولية لرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور، على مقاليد الحكم والنظام في اليمن إذ جاءت عملية عاصفة الحزم العسكرية لتقصف هذه المطامع وساعد الشعب اليمني الذي تجمع في شكل لجان شعبية مقاومة سيطرة الحوثيين على بلادهم من استعادة أراضيهم.
وشاركت دول عربية عدة في عملية عاصفة الحزم جوًا وبحرًا إذ كانت 4 قطع حربية تابعة لسلاح البحرية المصرية، “الإسكندرية”، “طابا”،وفرقاطتي صواريخ موجهة، من أول القوات المتواجدة في خليج عدن لتأمين مضيق باب المندب، وفي سبتمبر الماضي نجحت قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وبمساعدة عناصر عسكرية يمنية موالية لصالح ولجان شعبية يمنية مقاتلة في معركة إعادة الأمل لاسترداد الأرض من دخول محافظة مآبرب والسيطرة عليها والسيطر كذك على جزيرة ميون وباب المندب.
وتلعب المضائق المائية دورًا استراتيجيًا واقتاديًا وعسكريًا هامًا في حياة الدول المطلة والمسيطرة عليها، إذ تسبب قرار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بإغلاق مضائق تيران، جنوب نويبع، ممرات ملاحية دولية، في وجه الملاحة الإسرائيلية التجارية والعسكرية بهجوم تل أبيب على مصر في يونيو 1967، وكذلك يعد السيطرة على باب المندب من أهم المكاسب لأي دولة إذ بإمكانها خنق نصف طرق الملاحة التجارية الدولية بقرار وجرة قلم.